شرح أبيات سيبويه مَوْحَد مَثنَى منعها من الصرف
قال سيبويه في باب (فعل): (وقال لي - يعني الخليل - قال لي أبو عمرو:
(أولي أجنحة مثنى وثلاث ورُباع) صفة، كأنك قلت أولي أجنحة اثنين اثنين،
وثلاثة ثلاثة. وتصديق قول أبي عمرو قول ساعدة
(2/214)
ابن جؤية) وأنشد بيتين له غير متواليين.
قال ساعدة:
وعاوَدَني دِيني فبتُّ كأنما ... خِلال ضلوع الصدر شِرْعُ ممدَدُ
بأوبِ يَدَيْ صَناجةٍ عند مُدْمِنٍ ... غوِيٍّ إذا ما ينتشي يتغردُ
فلو أنه إذ كان ما حُمَّ واقعاً ... بجانب من يَحْفى ومن يتوددُ
ولكنما أهلي بوادٍ أنيسُهُ ... ذِئابُ تبغي الناسَ مثنى ومَوْحَدُ
الدين في هذا الموضع: ما يعتاده من الهموم، يراجعه مرة بعد مرة، يريد
أنه عاوده حزنه على ابنه، والشِرْعُ: الوتر، ويقال فيه: شِرعة. يريد
أنه بات وفي صدره دوي، كأن صوته صوت وتر عود، وخلال ضلوع الصدر بينها،
والأوب: الرجوع. يريد ترديد هذه الصناحة يدها بالصنج، والباء في معنى
مع.
يريد أنه خلال ضلوع الصدر وتر، مع أوب يدَيْ صناجة. يقول: كأن في صدري
صوت وتر مع صوت صنج. والمدمن: الذي يديم الشرب، والغوي: الجاهل الذي لا
يبالي ما صنع، وينتشي: يسكر، ويتغردُ: يتغنى،
(2/215)
ويطرب: يمدد صوته. ثم قال: فلو أنه إذ كان
ما حُمَّ: أي ما قدِّر أنه يقع بي، واقعاً بجنب قوم يحبونني ويودونني
لكان أسهل علي.
وحذف جواب (لو). يريد أنه لو وقعت به هذه المصيبة وهو عند أهله لعزَّوه
ورفقوا به، ولكنْ أتته المصيبة وهو بين قوم لا يبالون ما نزل به. ثم
قال: ولكنما أهلي بوادٍ أنيسُهُ ذِئابُ. يريد أن أهله في بلد لا
يجاورهم فيه إلا السباع. تبغى: تطلب الناس اثنين اثنين وواحداً واحدا.
المنع من الصرف ما لحقته ألف التأنيث
قال سيبويه في باب ما لحقته ألف التأنيث: (وبعض العرب يؤنث (العَلقي)
فينزّلها بمنزلة (البُهْمى) يجعل الألف للتأنيث). وقال العجاج:
يستنُّ في عَلقى وفي مُكورِ
بين تواري الشمسِ والذُّرورِ
يصف ثور وحش، ويستنُّ: يعدو فيها ويمضي على وجهه، والعَلقى: ضرب من
النبت، والمَكر أيضاً: ضرب منه وجمعه مُكور، وتواري الشمسِ: غروبها،
وذرورها: طلوعها. وأراد بين ذرور الشمس وتواريها.
يعني أن الثور الوحشي يرعى من أول النهار إلى آخره في العَلقى والمكور.
ويروى:
فحطّ في عَلقى
أي اعتمد على رعي العلقى والمكور.
في وصف المؤنث بالمذكر
قال سيبويه في باب تسمية المذكر بالمؤنث: (وسمعناهم يقولون: هذه ريحُ
حَرور، وهذه ريحُ شمال، وهذه الريح الجَنوب، وهذه
(2/216)
ريح سَموم، وهذه ريحُ جَنوب، سمعنا ذلك من
فصحاء العرب). قال الأعشى:
إذا ازدحمتْ في المكانِ المَضيقِ ... حتَّ التزاحُمُ منها القتيرا
لها زَجَلُ كحفيف الحَصادِ ... صادف بالليل ريحاً دَبوراً
إذا ازدحمت: يعني الدروع، يريد إذا ازدحم الناس وهي عليهم، حتَّ
يحُتُّ: أي قشر. والقتير: رؤوس مسامير الدروع. يريد أن الدروع إذا
ازدحمت تكسرت رؤوس مساميرها، و (لها) للدروع زجل وهو صوت، والحفيف: صوت
مَرّها، والحصاد: الزرع، وقيل: الحصاد الشجر، وقيل: الحصاد شجر بعينه،
والواحدة حَصَادة.
يعني أن صوتها - إذا تحركت على لابسها - كصوت الحصاد إذا هبت عليه
الدبور.
اسم القبيلة - صرفه اسماً للحي
وقال سيبويه في باب أسماء القبائل: (وقد يكون تميم اسماً للحي وإن
جعلتها اسماً للقبائل فجائز حسن). قال الأعشى:
فلسنا بأنكاسٍ ولا عظمُنا وَهَى ... ولا خيلنا عُورُ إذا ما نجيلها
(2/217)
ولسنا إذا عُدَ الحَصَى بأقلةٍ ... وإنَّ
معدَ اليومَ مُؤْدٍ ذليلها
الأنكاس: الضعفاء الجبناء، مثل السهم النِكس وهو المنكوس الذي جُعل
صدره في موضع فذ َذه وجُعل موضع فذ َذه صدره. وإنما يُفعل هذا إذا طال
به الزمان وتشعّث وبلي، ووَهَى العظم: إذا تكسّر وانحنى، والعور: زعموا
الخائبة، ونجيلها: نرسلها.
ويقول: إذا أرسلنا خيلنا في غارة أو غيرها، لم ترجع خائبة. والحصى:
العدد الكثير، والأقلة: جمع قليل. يقول: ليس عددنا بقليل. والمؤدي:
الذي عليه أداة الحرب وهو مثل المدجج. يقول: فالضعيف من معدّ اليوم
قوي. يقول: ذليلها مؤدٍ فكيف يكون حال قويها. . .
هكذا وجدت تفسيره. ويجوز في تفسيره وجه آخر، وهو أن يكون من أوْدى يودي
إذا هلك. يريد أنّ من تذله معدّ فهو هالك، وذليلها: مَن أذلته.
إعراب (وبارٍ) ضرورة
قال سيبويه: (فأما ما كان في آخره راء، فإن أهل الحجاز وبني تميم فيه
متفقون) يعني أنهم اتفقوا على بنائه على الكسر إذا كان اسماً علماً،
وإنما ذكر ما في آخره راء لأن بني تميم يجعلون الأعلام في هذا الباب
معرفة لا تنصرف نحو: حذام وقطامَ وأهل الحجاز يبنون، فإذا كان اسمُ من
هذه الأعلام في آخره راء، بنوه، ووافقوا أهل الحجاز في البناء.
(2/218)
ثم مضى سيبويه في كلامه إلى أن قال: (وقد
يجوز أن ترفع وتنصب ما في آخره الراء). يريد أن قوماً يجعلون الراء
كغيرها من الحروف. قال الأعشى:
وأهل جَوٍّ أتتْ عليهمْ ... فأفسدتْ عيشهُمْ فبَاروا
ومرَّ دهرُ على وَبارِ ... فهلكتْ جهرةً وَبارُ
جَوٍّ: هي اليمامة، وفي (أتت) ضمير يعود إلى داهية ذكرها، وبَاروا:
هلكوا، و (وَبار) زعموا مدينة كانت الجن تسكنها، وقيل (وَبار) موضع
بالدهناء، وزعم بعضهم أنها بلاد كانت بها إبل حوشية، ونخل كثير ليس له
من ينزِع كَرَبَه ولا يجتني ثمرته، وأن رجلاً وقع إليها، فركب فحلاً من
تلك الإبل، وذهب نحو أرض قومه فتبعته الإبل.
حمَل (سبأ) على القبيلة فمنعه من الصرف
قال سيبويه في باب أسماء القبائل: (وكان أبو عمرو لا يصرف سبأ يجعله
اسماً للقبيلة) وقال النابغة الجعدي:
يا أيها الناسُ هل ترَوْنَ إلى ... فارسَ بادَتْ وخدُّها رَغِما
أمسَوْا عبيداً يرعَوْن شاءكمُ ... كأنما كان مُلكهمْ حُلما
أو سبأَ الحاضرين مأرب إذْ ... يَبْنون من دون سيلهِ العَرِما
(2/219)
يقول: انظروا إلى فارس، ورغم خدها: أي ذلت
وقهرت وذهب مُلكها، كأنه كان مناماً. (أو سبأَ) معطوف على (فارس) كأنه
قال: هل ترون إلى فارس وإلى سبأ. ومأرب: موضع باليمن، والعرم:
المُسَناة الواحدة عَرِمَة.
(حلاقٍ) معدول عن الحالقة
قال سيبويه في باب (فعالٍ)، قال عدي ابن ربيعة التغلبي أخو كليب ومهلهل
ابنيْ ربيعة - يرثي مهلهلاً، ويذكر مَن هلك من قومه:
ظبيةُ من ظباء وَجْرَةَ تعطو ... بيديها في ناضِرِ الأوراقِ
ضربَتْ صدرَها إليّ وقالت ... يا عدياً لقلبك المشتاقِ
ما ترجّي بالعيش بعد ندامى ... قد تراهُمْ سُقوا بكأس حَلاقِ
وجرة: موضع بعينه. شبه المرأة بظبي من ظباء هذا المكان، وتعطو: تتناول
بيديها من ورق الشجر، وناضِر: الأخضر الغض، والأوراق: جمع ورق. وقوله:
ضربَتْ صدرَها، يريد أنه فعلت هذا لاغتمامها بي وبما نزل بقلبي من ألم
المصائب. يريد أنه مشتاق إلى من هلك من قومه.
ثم قالت
(2/220)
له: ما ترجو أن يكون عيشك بعد مفارقة أهلك
وقومك، وقد سُقوا بكأس المنية، أي ماتوا.
حركة العين في جمع (فعْلة) السالم
قال سيبويه: (ومن العرب من يَفتح العين إذا جمع بالتاء فيقول رُكبات
وغرَفات). يريد أن جمع (فعْلة) في السلامة يجوز في عينه أن تضم وأن
تفتح وأن تسكن قال عمرو بن شأس الأسدي:
فلما رأوْنا بادياً رُكباتنا ... على موطنٍ لا نخلطُ الجِدَ بالهَزْلِ
تولوْا وأعطوْنا التي يَتقي بها ... الذليلُ، ومنا الخِرْقُ والمنطِق
الفصْلُ
ويروى: على مأقِط. والمأقط: الموضع يشتد فيه الحرب وهو مهموز، وجمعه
مآقط. يقول: لما رآنا الذين نحاربهم قد نزلنا عن خيلنا، وجثونا على
رُكبنا، علموا أن القتل قد هان علينا فانهزموا، وبذلوا لنا النزول على
حكمنا، وصبروا على ما نسومهم وأقروا عليه، كما يصبر الذليل الذي لا
طاقة له بالدفع عن نفسه.
والخِرْقُ: الرجل السخي الكريم، والفصل: الذي تفصل به الأمور الملتبسة.
يقول: نحن شجعان وخطباء وشعراء.
(2/221)
إدخال نون التوكيد
الخفيفة على فعل الأمر
قال سيبويه في باب الثقيلة والخفيفة: (وأما الخفيفة فقوله عز وجل:
(لنسفعاً بالناصية) وقال الأعشى):
فإياك والميتاتِ لا تقْرَبنها ... ولا تعبدِ الشيطانَ واللهَ فاعبُدوا
الشاهد فيه: إدخال النون الخفيفة على (اعبد) الذي هو فعل أمر. وقوله:
فإياك والميتات: يريد به أن الميتة محرَّم أكلها، وإنما ذكر ما يدعو
إليه النبي صلى الله عليه وسلم وكان مدَحَه بهذه القصيدة، وذكر فيها ما
جاءت به الشريعة، وأراد أن يلحق به ويُسْلم فمنعته قريش.
والبيت في شعره:
فإياك والميتاتِ لا تقْرَبنها ... ولا تأخذنْ سهماً حديداً لتفصِدا
وذا النصُبُ المنصوبُ لا تنسُكَنه ... ولا تعبدِ الشيطانَ واللهَ
فاعبُدوا
وكان بعضهم يأخذ سهماً يقصد به الناقة فيشرب دمها، وهذا كان يفعل إذا
(2/222)
قلّ اللبن، فحرم الله عز وجل عليهم الدم
إلا عند الضرورة. والنصُب: حجر كانوا ينصبونه، ويذبحون عنده لآلهتهم.
ويقال: نسَك ينسُك إذا ذبح على وجه القربة. والمعنى: لا تذبح ذبيحة
تتقرب بها
إلى الأصنام، وأراد لا تنسُكنّ عنده، فعدىّ الفعلَ إليه. والمعنى واضح.
تقديم (ها) قبل (لعمرُ الله)
قال سيبويه في باب ما يكون ما قبل المحلوف به عوضاً من اللفظ بالواو:
(وذلك قولك: إي ها الله ذا). ثم تكلم في (ها) وأنها عوض من حرف القسم
وفي إثبات الألف بعدها، إلى أن قال: (فأما قولهم: ذا) يريد (ذا) الذي
بعد قولك: إي ها الله ذا (فزعم الخليل أنه المحلوف عليه، كأنه قال: إي
والله للأمر هذا، فحذف الأمر لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم، وقدّم
(ها).
يريد أن الجملة التي هي جواب القسم (للأمر هذا) و (الأمر) مبتدأ، وخبره
(هذا) واللام تدخل على المبتدأ إذا كان جواب القسم، كما تقول: والله
لزيد قائم، ولعمرو ذاهب، فحذف المبتدأ مع اللام، وقدّم (ها) قبل القسم
وهي في الأصل تكون في جواب القسم كما تقدم. وأنشد سيبويه بيت زهير:
تعلمنْ ها لَعَمْرُ الله ذا قسماً ... فاقصِدْ بذرْعك وانظرْ أينَ
تنسكُ
(2/223)
الشاهد في تقديم (ها) قبل (لعمرُ الله)
وحذف المبتدأ من جواب القسم وأصله: (تعلمّنْ لعمرُ الله للأمرُ هذا).
(فالأمر) مبتدأ و (هذا) خبره فحذف المبتدأ، فبقي (تعلمّنْ لعمرُ الله
هذا) ثم قدّم (ها) قبل القسم فصار (ها لعمرُ الله).
و (تعلمنْ) بمعنى اعلمنْ يقال تعلمْ كذا واعلمْ كذا، ودخلت النون
الخفيفة للتأكيد، و (هذا) من قولك (للأمرُ هذا) إشارة إلى خبر وكلام قد
تقدم للمتكلم، فإذا فرغ من كلامه قال للمخاطب: تعلمْ والله للأمرُ هذا،
أي للأمرُ هذا الذي أخبرتك به.
ويجوز أن تكون الإشارة إلى أمر يذكره المتكلم في كلام يتلو كلامَه هذا،
كأنه يقول: والله للأمرُ هذا الذي أذكره لك بعد كلامي هذا. وبيت زهير
منه، لأنه قال بعده:
لئن حَللتَ بجَوٍّ في بني أسدٍ ... في دِين عمروٍ وحالتْ بيننا فدَكُ
ليأتينك مني منطِقُ قذَعُ ... باقٍ كما دنس القبطيةَ الوَدَكُ
فالإشارة واقعة إلى ما يريد أن يفعله. والمخاطب بهذا الكلام الحارث بن
ورقاء الصيداوي وكان قد أغار على غطفان، وأخذ راعيَ زهير يساراً وإبله.
وقوله: فاقصد بذرعك، أي قدّر خطوك وانظر أين تضع رجلك. والذرع: قدر
الخطو، يتهدده. وانظر أين تنسلك: أين تدخل. يقول: ليس لك موضع تدخله
تسلمُ من هجائي. والجَوّ: الوادي، والدين: الطاعة، وعمرو: هو عمرو ابن
هند الملك.
يقول: لئن اعتصمتَ مني بأنك في طاعة الملك بحيث
(2/224)
لا أصل إليك، فليبلغنك هجائي لك. والقذع:
القبيح وباق قبحه في الناس، والقبطية: الثياب البيض المقصورة التي تأتي
من مصر والشام.
في باب نون التوكيد الخفيفة
قال سيبويه في باب النون الخفيفة، قال الأعشى:
أبا ثابتٍ لا تعْلقنْكَ رماحُنا ... أبا ثابتٍ واقعُدْ وعِرضُك سالمُ
أبو ثابت: يزيد بن مسْهر الشيباني، وكان قد وقع بين شيبان وقوم الأعشى
شر، فتهدد الأعشى. وقوله: لا تعلقنك رماحنا، يقول: لا تتعرض لقتالنا
فتعلقك رماحنا، فجعل النهي؛ عن السبب الذي يؤدي فعله إليه.
قال سيبويه: قال النابغة الذبياني:
فلتأتينكَ قصائدُ ولَيَرْكباً ... ألفُ إليكَ قوادمَ الأكوارِ
الشاهد في إدخال النون في (لتأتينكَ).
يخاطب بذلك زُرعة بنَ عمرو الكلابي لأجل شيء وقع بينه وبين النابغة،
يقول: ليأتينّك هجوي لك في قصائدي، يريد أن الرواة تحملها وتشيع ذكرها
(2/225)
حتى تبلغه.
والأكوار: الرحال، الواحد كور، وقادمة الرحل: العود الذي يكون قدام
الرجل إذا جلس على الرحل، والآخرة: العود الذي يكون خلف ظهره، والرجل
يجلس بينهما
على الرحل.
وأراد النابغة أنه يسير إلى زُرعة ألف رجل على الرحال. وكانوا إذا
أرادوا الغزو جنبوا الخيل وساروا على الإبل. فإذا أرادوا الإغارة نزلوا
عن الإبل وركبوا الخيل.
قال الذبياني:
لا أعرفنْ رَبرَباً حوراً مدامعُها ... كأن أبكارَها نِعاجُ دُوّارِ
ينظرنَ شَزْراً إلى مَن جاء عن عُرُضٍ ... بأوجُهٍ منكِراتِ الرّقِ
أحرارِ
ويروى: كأنهن نعاجُ حول دُوارِ.
الربرب: القطيع من البقر، وأراد به في هذا الموضع جماعة من النساء،
والحَوَر: شدة سواد العين في شدة بياض بياضها، مع نقاء الجلد وصفاء
اللون. والحُور: جمع حوراء، ودُوّار قيل فيه: مُستدار حيث يدور الوحش
حوله، وقيل: دوار نُسُك لهم؛ حَجَرُ يذبحون عنده ويطوفون حوله، وقيل:
دوار صنم تدور حوله الجواري. والشزر: النظر في جانب، وعن عُرُض: عن
اعتراض، ومنكِراتِ الرّق: أي هن حرائر، فإذا سُبين أنكرن الرق.
يخاطب النابغة بهذا بني ذبيان، وكانوا قد أغاروا على بعض أهل الشام
(2/226)
فنهاهم النابغة عن ذلك، فبعث إليهم الحارث
الجفني جيشاً، عليه النعمان بن الجُلاح الكلبي، فأغار عليهم وأصاب
فيهم.
والشاهد فيه إدخال النون في فعل النهي.
قال سيبويه وقال النابغة الجعدي:
فمن يَكُ لم يثأرْ بأعراضِ قومهِ ... فإني وربِّ الراقصاتِ لأثأرا
الشاهد فيه إدخال النون الخفيفة في (لأثأرا) أراد لأثأرنْ، وأبدل من
النون الألف، وهي تبدل ألفاً في الوقف.
يقول: من كان من الشعراء لم يهجُ الذين هجَوْا قومه، فإني أنا أهجو من
هجا قومي. والذين يهجوهم النابغة في هذا الشعر: بنو سعد بن زيد مناة بن
تميم. وثأر بأعراضهم: هجا من هجاهم، والراقصات: الإبل التي تسير رقصاً،
والرقص: ضرب من الخَبَب. وعنى الإبلَ التي تحمل الحاجَّ وترقص نحو
الحرم.
و (لأثأرا) جواب القسم، والقسم وجوابه في موضع خبر (إنّ) وقوله: فإني
وما بعدها، جواب الشرط.
قال سيبويه قال النابغة الجعدي:
فأقبِلْ على رهطي ورهطِكَ نبتحِثْ ... مساعِيَنا حتى ترى كيف نفعلا
(2/227)
المساعي: جمع مسعى ومسعاة، وهي المكرمة
التي في فعلها يقال: فلان كريم المساعي، أي كريم الأفعال فاضلها. يخاطب
سوّاراً القشيريّ، وكانا يتهاجيان. يقول: أقبِلْ حتى نعدّد ما في
قبيلتي وقبيلتكم من المفاخر، حتى تعلم أينا أكرم وأجل عند الناس، و
(ترى) بمعنى تعْلم، من رؤية القلب. والجملة في موضع المفعولين.
والشاهد فيه إدخال النون الخفيفة في (تفعلا) لأنه استفهام.
في (أيادي سبا) وأشباهها
قال سيبويه: (وأما أيادي سبا وبادي بدا، فإنما هي بمنزلة (خمسةَ عشَرَ)
تقول: جاءوا أيادي سبا، ومن العرب من يجعله مضافاً وبنوِّن سباً.
قال ذو الرمة:
عرفتُ لها داراً فأبصرَ صُحبتي ... صحيفةَ وجهي قد تغيَّرَ حالها
فقلتُ لنفسي من حَياءٍ ردَدْته ... إليها، وقد بلَّ الجفونَ بِلالها
أمِنْ أجلِ دارٍ طيرَ البينُ أهلها ... أيادي سباً بعدي وطال احتيالها
(2/228)
الشاهد فيه أنه أضاف (أيادي) إلى (سبا)
ونوّن (سباً) فعُلم أنه مضاف إليه. فإن
قال قائل: لِمَ لا يكون غير مضاف، ويكون الاسمان اسماً واحداً، ويكون
بمنزلة قولك: هذا معد يكرب ومعد يكرب آخر - فينوّن وهو مجعول مع الاسم
الأول اسماً واحداً - قيل له: هذا غلط، ليس هذا من ذاك، لأن (أيادي سبا
وخمسةَ عشَرَ) وما أشبههما، جُعل الاسمان فيهما اسماً واحداً، وبُنيا
جميعاً في حال التنكير، فالتنوين يمتنع منه وهو نكرة (ومعد يكرب) وما
أشبهه أسماء مركبة معربة تُمنع الصرفَ، فإذا زالت العلة التي تمنع
الصرف نوّن وجرى بوجوه الإعراب.
وصحيفة الوجه: جانبه. يريد أنه عرف لمية داراً، فتغير وجهه لما تنكرها
(فقلت لنفسي من حياء رددته) يقول: لما بكيت، وبلّ جفوني الدمع، وتغير
وجهي، عاودني الحياء من صاحبي الذي معي وقد رأى ما نزل بي.
وقوله: (مِنْ أجلِ دارٍ طيرَ البينُ أهلها) يريد أنهم تفرقوا في كل
وجه، تفرقاً لا يرجى معه عَوْد، كما تفرقت سبأ، و (أيادي سبا) في موضع
نصب على الحال. وطال احتيالها: أي أحالت من أهلها، أتى عليها حول لم
يُنزل بها. والبين: الفرقة والانقطاع. والذي أنشد في الكتاب:
فيا لك من دارٍ تحمَّل أهلها
وفي شعره كما قدمته.
(2/229)
ترك إضافة أمثال
(أمام ودون)
قال سيبويه في باب ما ينصرف وما لا ينصرف: (وتقول في النصب على حد
قولك: من دونٍ ومن أمامٍ: جلست أماماً وخلفاً كما قلت يمنةً وشأمةً).
قال ابن أحمر:
لقوا أمَّ اللهَيْمِ فجهَّزَتهُمْ ... غشومُ الوِرْدِ نكنيها المَنونا
لها رَصَدُ يكون ولا نراه ... أماماً من مُعَرَّسِنا ودونا
الشاهد في البيت الثاني على ترك إضافة (أمام ودون).
وأمَّ اللهَيْم: الداهية وأراد بها المنية. ذكر من هلك فيما تقدم من
الزمان، وأنهم لقوا المنية، فجهَّزَتهُمْ: جعلت جهازهم الفناء. غشومُ
الوِرْد: تغشِم مَن وردت عليه، نكنيها المَنونا: يقول: نكني أم اللهيم
المنون.
وهذا الضمير المنتصب بـ (نكني) يعود إلى أم اللهيم، وأراد نكني المنون
بأم اللهيم. لها رصد: لأم اللهيم رصد يرصد الناس من بين أيديهم ومن
خلفهم، فهي ترصدهم من حيث لا يرونه؛ لا يرون ما ترصدهم به المنية. و
(أماماً) خبر (يكون) و (دوناً) معطوف عليه. وهذا البيت في الكتاب منسوب
إلى الجعدي وهو لابن أحمر.
(نصارى) بدون ألف ولام - نكرة
قال سيبويه في باب من أبواب ما لا ينصرف: (وأما (نصارى) فنكرة وإنما
(نصارى) جمع نصران ونصرانة، ولكنه لا يستعمل
(2/230)
في الكلام إلا بياءي الإضافة) يعني أنه لا
يلفظ به إلا منسوباً وإن لم يكن النسب إلى شيء. وهو مثل قولك (كرسي) لا
يُنطق به إلا بياءي الإضافة، وجمعوه ولم يعتدّوا بياءي النسب فقالوا:
نصارى مثل نَدْمان ونَدامى.
قال سيبويه: (فالنصارى بمنزلة النصرانيين). يريد أنه كان نكرة قبل دخول
الألف واللام كما أن (نصرانيين) نكرة، فإذا دخلت الألف واللام على
نصرانيين صار معرفة، وكذا (نصارى) نكرة، فإذا دخلت عليه الألف واللام
فهو معرفة. قال النمِر بن توْلب:
فعافتِ الماَء واسْتافتْ بمِشفرِها ... ثم استمرَّتْ سِواهُ طرفها سامي
صدَتْ كما صدَ عما لا يحِلُّ له ... ساقي نصارَى قبيلَ الفِصحُ صُوّامِ
وصف راحلته. قوله: عافت الماء: كرهته، يريد أنها عُرضت على الماء فلم
تشربه. واسْتافتْ: شمت، يريد أنها شمت الماء ولم تشربه. وقوله
بمِشفرِها -
والمشافر لا يُشم بها - يريد أنها لما قدّمت مشفرها إلى الماء شمته.
واستمرَّتْ: مضت في ناحيةٍ سِواه.
و (سواه) منصوب، يريد به الظرف، وطريقاً غيره، من المكان. والسامي:
العالي، يريد أنه لم يذلها السير. وفي
(2/231)
(صدت) ضمير من الراحلة، يريد أنها صدت عن
الماء ولم تشربه، كما أن الذي يسقي النصارى يمتنع من سقيهم في وقت
الصوم.
وقيل إنه يعني أن النصارى إذا ناموا لا يشربون شيئاً، يقول: من كان
يريد سقيهم بعد النوم امتنع لأنه لا يحل له.
والشاهد فيه أنه نعت (نصارى) بـ (صُوَّام) و (صُوَّام) نكرة فلو كان
(نصارى) معرفة ما نُعت بنكرة.
التذكير على اللفظ
قال سيبويه في ما ينصرف وما لا ينصرف (وكذلك جَنوب وشَمال، وقَبول،
ودَبور، وسموم، وحَرور، إذا سمّيت رجلاً بشيء منها صرفته لأنها صفات في
أكثر كلام العرب). يريد أن الصفات التي تقع للمؤنث على لفظ التذكير هي
مذكرة وإن كانت صفات للمؤنث مثل: حائض وطامث ورَغوث وحَلوب، هذه صفات
مذكرة وصف بها المؤنث. فإذا سميت رجلاً بشيء منها صرفته لأنها مذكرة
وإن كانت صفات للإناث. فالتسمية للرجل بحائض كتسميته بضارب، وتسميته
برَغوث كتسميته بشَكور.
وجعل قولهم جَنوب وأشباهها صفات مذكرة قد وقعت للريح وهي مؤنثة. فإذا
سميتَ رجلاً بشيء منها صرفته كما بينت لك فيما تقدم. قال الأعشى:
إذا ازدحَمتْ بالمكانِ المَضيقِ ... حتَّ التزاحُمُ منها القتيرا
لها زَجَلُ كحفيف الحصادِ ... صادفَ بالليلِ ريحاً دَبورا
(2/232)
الفصل بين الهمزتين
بألف: (آأنت)
قال سيبويه فيباب الهمز: (ومن العرب ناس يُدخلون بين ألف الاستفهام
وبين الهمزة ألفاً إذا التقتا، وذلك لأنهم كرهوا التقاء همزتين
ففصلوا). قال ذو الرمة:
أقولُ لدَهناويّةٍ عَوْهَجٍ جَرَتْ ... لنا بين أعلى عُرْفةٍ
فالصّرائمِ
أيا ظبيةَ الوَعْساءِ بين جُلاجِلِ ... وبين النقا آأنتِ أمْ أمُّ
سالمِ
دَهناويّة: ظبية منسوبة إلى الدهناء، وعَوْهَج: طويلة العنق، والعُرفة:
القطعة من الرمل لها مثل العُرف، وهي قطعة مشرفة من الرمل، والصّرائم:
جمع صريمة وهي قطعة من الرمل، وجرت لنا: عرضت لنا سانحة أو بارحة أو
نحو ذلك، والوعساء: موضع مرتفع من الرمل، الذكر أوعس والأنثى وعساء،
وجُلاجِل: مكان بعينه، والتقا: شبه الرابية من الرمل.
وقوله: (آأنتِ أمْ أمُّ سالمِ): (آأنت) مبتدأ، وخبره محذوف، كأنه قال:
آأنت أحسنُ أمْ أمُّ سالمِ.
(2/233)
تثنية (فم) بردّ الواو (فموان)
قال سيبويه في باب النسب: (وأما (فم) فقد ذهب من أصله حرفان لأنه كان
أصله (فوْه) فأبدلوا مكان الواو ميماً ليشبه الأسماء المفردة من
كلامهم، فهذه الميم بمنزلة العين نحو ميم (دم).
يريد أنّ (فماً) بعد إبدال الواو منه ميماً، يجري في التصرف مجرى (دم)
الذي ميمه أصلية، فمن ترك (دماً) على حاله في الإضافة التي هي النسب،
ترك (فماً) على حاله، ومن رد إلى (دم) لام الفعل منه فقال: (دموي) رد
إلى (فم) الواوالتي هي عين الفعل التي الميم في موضعها، وجعل الواو في
موضع لام الفعل من الفم فقال (فموي). قال الفرزدق:
وإنَّ ابنَ إبليسٍ وإبليسَ ألبَنَا ... لهم بعذاب الناس كلَّ غلامِ
هما نفثا في فيّ من فمويهما ... على النابح العاوي أشدَ رجامِ
الشاهد في تثنية (فموين) برد الواو، وجعلها في موضع لام الفعل.
وألبنا: سقيا اللبن. يريد أن إبليس وابنه سقيا كل غلام من الشعراء
هجاء، وكلاماً قبيحاً خبيثاً، وألقيا من فمويهما في فم الفرزدق على كل
من هجاه مراجمةً شديدة ومكافئة، والنابح: الذي يتعرض لسبه وهجائه.
(2/234)
وفي شعره:
على النابح العاوي أشدَ لجامِ
يريد أنه يجعل في فم الذي يسبه ويهاجيه لجاماً يسكته به، معناه أنه
يهجوه بما لا يمكنه أن يجيب عنه، فيكون ذلك الهجو بمنزلة اللجام.
في منع أسماء الأرضين من الصرف
قال سيبويه في باب ما ينصرف وما لا ينصرف. قال الفرزدق:
كم من جبانٍ لدى الهيجا دنوتَ به ... إلى القتال ولولا أنت ما صبرا
منهن أيامُ صدقٍ قد بُليتَ بها ... أيامُ فارسَ والأيامُ مِن هَجَرا
يرثي الفرزدق في هذا الشعر عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي والهيجاء:
الحرب. يقول: كم من رجل جبان صبر معك في الحرب لقوة نفسه بك، ولولا أنك
أميره ما صبر. وبُليتَ بها: اختبرتْ شجاعتك وتدبيرك وصبرك. وقوله:
أيامُ فارسَ أي يوم إصطخر، استشهد به أبوه، وحسن فيه بلاؤه وصبره. ويوم
هَجَر يوم أبي فديك الخارجي.
رُبيب تصغير (رُبَ) مخففةً
قال سيبويه: (ولو حقرتَ (رُبَ) مخففةً) يعني إذا سميتَ بها (لقلت
(رُبيب) لأنه من التضعيف، يدلك على ذلك (رُبّ) الثقيلة،
(2/235)
وكذلك (بخْ) مخففة، يدلك على ذلك
قول العجاج):
وجدتنا أعزَّ مَن تنفسا
عند الحِفاظ حَسَباً ومِقيَسا
في حَسَبٍ بخٍّ وعزٍّ أقعَسَا
يمدح قومه، والحِفاظ: المحافظة على الأسباب التي توجب الشرف وجميل
الذكر، والمِقيَس: مقايستهم إلى غيرهم من الناس. يقول: إذا قايسَنا
مُقايس إلى غيرنا، كنا أعظم منه وأشرف، والبخّ: الذي يُتعجب من عِظمه
وشرفه. والأقعس: المنيع الثابت.
(ضحى وسحر) مذكران بدليل تصغيرهما
قال سيبويه في التصغير: (وكذلك سَحَر تقول: أتانا سُحَيْراً وكذلك
ضُحى، تقول: أتانا ضُحَيّا). يريد أن سحر وضحى مذكران. وقال النابغة
الجعدي:
سبقنَ شماطيطَ من غارةٍ ... لأِلفٍ تكتبَ أو مِقنَبِ
كأنَّ الغبار الذي غادرتْ ... ضُحَيّاً دواخِنُ من تنْضُبِ
يصف خيلاً سبقن، يريد أنهن أغرن على قوم وسبقن، والشماطيط: الفِرق.
يعني أنها لما أغارت تفرقت فِرقاً. وقوله: لألف تكتبَ يعني صار كتيبة
وتجمّع، والمقنب: ما بين الثلاثين إلى الأربعين ونحوها. وقوله:
(2/236)
لِألف أي لأجل ألف فارس. والتنْضُب: شجر
إذا أوقد كان له دخان يشبه الغبار يضرب إلى البياض. شبّه الغبار الذي
أثارته الخيل بدخان التنضب.
في حذف التنوين من العلم
قال سيبويه في باب حذف التنوين من الأعلام. قال الفرزدق:
ما زلتُ أفتحُ أبواباً وأُغلِقها ... حتى أتيتُ أبا عمرِو بن عمّارِ
حتى أتيتُ فتىً مَحْضاً ضريبته ... مُرَّ المَريرةِ حُرّاً وابنَ
أحرارِ
يمدح أبا عمرو بن العلاء، وعمار جد من أجداده. وقوله: أفتح أبواباً
وأغلقها، يريد أنه كشف عن أحوال الناس وفتشهم، فلم ير فيهم مثل أبي
عمرو. والضريبة: الطبيعة والخليقة. يريد أنه كريم الطبيعة، لا يخالطها
(2/237)
لؤم. مرّ المريرة: شديد الأنفة تعاف نفسه
أن يفعل أفعالاً ليست بعالية ولا شريفة.
توكيد المضارع بالنون الخفيفة
قال سيبويه في النون الخفيفة، قالت بنت أبي الحصين من قبيلة مَذحِج:
إنّا وباهلةَ بنَ يَعْصُرَ بيننا ... داءُ الضرائر بِغضَةً وتقافي
مَن يُثقفنْ منا فليس بآيبٍ ... أبداً، وقتلُ بني قتيبةَ شافي
قالت هذه الأبيات في حرب كانت بينهم وبين باهلة وداء الضرائر: البغضاء
والشحناء التي لا يرجى صلاحها. و (بغضةَ) منصوب على التمييز، والتقا
في: أن يقفو كل واحد منهما صاحبه، من يُثقفن منا يقتلوه، وقتلنا لهم
شاف لنا. وفي الشعر:
من يثقفو منا فليس بآيبٍ
وعلى هذا الإنشاد لا شاهد فيه.
بناء (حلاقِ) على الكسر
قال سيبويه فيما ينصرف وما لا ينصرف، قال الأخزم بن قارب الطائي ويقال:
المُقعَد بن عمرو:
ويقول قائلهم ويلحَظُ خلفه ... يا طولَ ذا يوماً أما يتصرَّمُ
(2/238)
لحقتْ حَلاقِ بهمْ على أكسائِهِمْ ...
ضَرْبَ الرِقابِ ولا يُهِمُّ المَغنمُ
الشاهد فيه على أن (حلاقِ) مبنية. وحلاق: هي المنية وهي صفة للفانية،
مثل
جَداعِ وهي السنة المجدبة معدول عن الجادعة. وصف قوماً يُطلبون من
ورائهم، وقد أدركهم الطلب وهم يسرعون الهرب، ويلحظ خلفه: يلتفت إلى من
هوفي أثره يطلبه. و (ذا) إشارة. يريد: يا طول هذا يوماً، و (يوماً)
منصوب على التمييز كما تقول يا حُسْنَ ذا وجهاً.
وأكساؤهم: مآخيرهم، الواحد كَسء ويُضم فيقال: كُسْء. يعني أن المنايا
جاءتهم من ورائهم. (ضربَ الرقابِ) منصوب بفعل مضمر، كأنه قال: تُضرب
رقابهم ضرباً، ثم حذف الفعل وأقام المصدر مقامه.
ذكر أن الذين لحقوهم لم يشتغلوا بالنهب، بل أقبلوا على قتلهم ولا تهمهم
غنيمة.
إدخال النون الخفيفة على المضارع المجزوم
بلم
قال سيبويه في النون الخفيفة، قال الدُبيريّ:
وحَلبوها وابلاً ودِيَما
فأغدَرَتْ منها وِطاباً زُمَّما
وقِمَعاً يُكسَى ثمالاً قشْعَما
يحسَبُه الجاهلُ ما لم يَعْلما
(2/239)
شيخاً على كرسيِّهِ مُعَمَّما
كذا أنشده سيبويه: (يحسبه الجاهل ما لم يعلما) والذي رأيته.
يحسبه الناظر لو تكلما
وعلى هذه الرواية لا شاهد فيه. والشاهد في إنشاد سيبويه، على أنه أدخل
النون الخفيفة على الفعل المجزوم بلم.
وحلبوها، يعني إبلاً، وجعل ما حُلب منها من اللبن بمنزلة الوابل
والدِيّم من المطر، يصف كثرة لبنها، وأغدرت: أبقت، والوِطاب: جمع وَطب
وهوزِقّ اللبن، والزُّمَّم: جمع زامّ وهو الممتلئ الشديد الامتلاء،
وأصله الرجل الذي يزم بأنفه
ويجتمع، فكأنه منتفخ من الكسْر والتعظم شبه الزق به.
والثمال: مثل الرِغوة، والقِمع معروف: الذي يُصب فيه اللبن حتى يصل إلى
الوطب، والقشعم: الكبير. وأراد أن القمع قد ابيض من رغوة اللبن، فهو
بمنزلة الشيخ الأبيض الشعر. يحسبه - يعني الوطب وعليه القمع - شيخاً،
فشبهه بشيخ جالس على كرسي لعلوه وانتصابه.
النسبة إلى (شاء) بـ (شاويّ)
قال سيبويه في النسب، قال يزيد بن عبد المدان:
ولستُ بشاويٍّ عليه دَمامةُ ... إذا ما غدا يغدوبقوسٍ وأسهُمِ
(2/240)
ولكنني أغدو عليَّ مُفاضةُ ... دِلاصُ كأعيانِ الجَرادِ المُنظمِ
الشاهد في النسب إلى (شاء) بـ (شاويّ).
يقول: لست بصاحب شاء - يغدو معها إلى المرعى ومعه قوس وأسهم، يرمي
الذئاب إذا عرضت للغنم - ولكنني أعدو وأنا لابس درعاً مفاضة، وهي
الواسعة، والدِلاص: البراقة، وشبّه رؤوس مسامير الدروع بعيون الجواد.
والمنظم: الذي يتلو بعضه بعضاً. يقول: أنا أغدو في طلب الفرسان وملاقاة
الأعداء، ولست كمن يغدو لرعي غنم. |