شرح الأشموني على ألفية ابن مالك

ج / 3 ص -344-        الحِكَايَةُ:
هذا الباب للحكاية بـ"أي" وبـ"من"، والعلم بعد "من".
750-

إحك "بأي" ما لمنكور سئل                 عنه بها في الوقف أو حين تصل

751-

ووقف احك ما لمنكور "بمن"                     والنون حرك مطلقًا وأشبعن

752-

وقل "منان ومنين" بعد "لي                      إلفان بابنين" وسكن تعدل

753-

وقل لمن قال "أتت بنت" "منه"                   والنون قبل تا المثنى مسكنه

754-

والفتح نزر وصل التا والألف                       بمن بإثر "ذا بنسوة كلف"

755-

وقل "منون ومنين" مسكنا                       إن قيل جا قوم لقوم فطنا

756-

وإن تصل فلفظ "من" لا يختلف                    ونادر "منون" في نظم عرف

 

"احْك بأي ما لمنكورٍ سُئِلْ                عَنْهُ بِهَا في الوقفِ أوْ حينَ تَصِلْ"

أي يحكى بـ"أي" وصلا ووقفًا ما لمنكور مذكور مسئول عنه بها من إعراب وتذكير وإفراد وفروعهما، فيقال: لمن قال: "رأيت رجلا وامرأة وغلامين وجاريتين وبنين وبنات": أيا وأية وأييْنِ وأيتين وأيِّينَ وأياتِ، هذا في الوقف، وكذا في الوصل فيقال: أيا يا هذا، وأية يا هذا، إلى آخرها.
واعلم أنه لا يحكى بها جمع تصحيح إلا إذا كان موجودا في المسئول عنه أو صالحًا لأن يوصف به، نحو: "رجال"؛ فإنه يوصف بجمع التصحيح، فيقال: رجال مسلمون، هذه اللغة الفصحى.

 

ج / 3 ص -345-        وفي لغة أخرى يحكى بها ما له من إعراب وتذكير وتأنيث فقط ولا يثنى ولا يجمع فيقال: "أيا" أو "أيا يا هذا" لمن قال: "رأيت رجلا أو رجلين أو رجالا"، و"أية" أو "أية يا هذا" لمن قال: "رأيت امرأة أو امرأتين أو نساء".

"وَوَقْفًَا احْكِ مَا لِمنكورٍ بِمَنْ                    والنُّوْنَ حرِّكْ مُطْلَقًَا وأَشْبِعَنْ"

فتقول لمن قال: "قام رجل": منو، ولمن قال: "رأيت رجلا": منا، ولمن قال: "مررت برجل": مني، هذا في المفرد المذكر "وقلْ" في المثنى المذكر "مَنانِ ومَنَيْنِ بَعْدَ" قول القائل "لِي إلْفانِ بِابنين" و"ضرب حران عبدين"، فـ"منان": لحكاية المرفوع و"منين" لحكاية المجرور والمنصوب "وَسَكِّن" آخرهما "تَعْدِلِ" وإنما حرك في النظم للضرورة "وقُلْ" في المفرد المؤنث "لِمَنْ قال أتَتْ بِنْتٌ مَنَهْ" بفتح النون وقلب التاء هاء، وقد يقال: "منت" بإسكان النون وسلامة التاء، وقل في المثنى المؤنث لمن قال: "لي زوجتان مع أمتين"، أو "ضربت حرتان رقيقتين"، منتان، ومنتين فـ"منتان": لحكاية المرفوع، و"منتين": لحكاية المجرور والمنصوب "والنُّوْنُ قبلَ تَا المُثَنى مُسْكنَه والفتحُ" فيها "نَزْرٌ" أي: قليل، وإنما كان الفتح أشهر في المفرد والإسكان أشهر في التثنية لأن التاء في منت متطرفة وهي ساكنة للوقف فحرك ما قبلها لئلا يلتقي ساكنان، ولا كذلك منتان "وَصِلِ التَّا والألِفْ بِمَنْ" في حكاية جمع المؤنث السالم فقل "بإثْرِ" قول القائل "ذَا بِنِسْوةٍ كَلِفْ": منات بإسكان التاء "وقُلْ" في حكاية جمع المذكر السالم "مَنُوْنَ ومَنِينَ مُسْكِنَا" آخرهما "إنْ قِيْلَ جَا قَوْمٌ لِقَوْمٍ فُطَنَا" أو "ضرب قوم قومًا"، فمنون للمرفوع، ومنين للمجرور والمنصوب.
تنبيه: في الحكاية بـ"من" لغتان: إحداهما وهي الفصحى أن يحكى بها ما للمسئول عنه من إعراب وإفراد وتذكير وفروعهما على ما تقدم، ولم يذكر المصنف غيرها. والأخرى أن يحكى بها إعراب المسئول عنه فقط، فيقال لمن قال: "قام رجل أو رجلان أو رجال، أو امرأة أو امرأتان أو نساء": منو، وفي النصب منا، وفي الجر: مني.
"وإنْ تَصِل فَلَفْظُ مَنْ لا يَخْتَلِفْ" فتقول: "من يا فتى؟" في الأحوال كلها، هذا هو الصحيح، وأجاز يونس إثبات الزوائد وصلا؛ فتقول: "منو يا فتى"، وتشير إلى الحركة في منت ولا تنوّن، وتكسر نون المثنى وتفتح نون الجمع وتنوّن "منات" ضمًا وكسرًا، وهو

 

ج / 3 ص -346-        مذهب حكاه يونس عن بعض العرب، وحمل عليه قول الشاعر
"من الوافر":
1153-

أتَوْا نَارِي فَقُلْتُ مَنُوْنَ أنْتُمْ

وهذا شاذ عند سيبويه والجمهور من وجهين؛ أحدهما: إثبات العلامة وصلا، والآخر تحريك النون، وقال ابن المصنف: والآخر أنه حكى مقدرًا غير مذكور، وقد أشار المصنف إلى البيت المذكور بقوله: "ونادِرٌ مَنونَ في نَظْمٍ عُرِفْ" وهو لتأبط شرا، ويقال:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1153- التخريج: البيت لشمر بن الحارث  في الحيوان 4/ 482، 6/ 197؛ وخزانة الأدب 6/ 167، 168، 170؛ والدرر 6/ 246؛ ولسان العرب 3/ 246؛ ولسان العرب 3/ 149 "حسد"، 13/ 420 "منن"؛ ونوادر أبي زيد ص123؛ ولسمير الضبي في شرح أبيات سيبويه 2/ 183؛ ولشمر أو لتأبط شرا في شرح التصريح 2/ 283؛ وشرح التصريح 2/ 283؛ وشرح المفصل 4/ 16؛ ولأحدهما أو لجذع بن سنان في المقاصد النحوية 4/ 498؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 462؛ وجواهر الأدب ص107؛ والحيوان 1/ 328؛ وشرح ابن عقيل ص618؛ وشرح شواهد الشافية ص295؛ والكتاب 2/ 411؛ ولسان العرب 6/ 12 "أنس"، 14/ 378 "سرًا"؛ والمقتضب 2/ 307؛ والمقرب 1/ 300؛ وهمع الهوامع 2/ 157، 211.
شرح المفردات: أتوا ناري: أي قصدوا النار التي أوقدتها لهداية الضالين، منون أنتم: أي: من أنتم. عموا ظلامًا: أنعموا ظلامًا.
المعنى: يقول: قصدوا النار التي أقدتها لهداية الضالين فقلت لهم: من أنتم؟ فقالوا: نحن "جن". فقلت لهم أنعموا ظلامًا.
الإعراب: "أتوا":  فعل ماض، والواو ضمير في محل رفع فاعل، والألف فارقة. "ناري": مفعول به منصوب، والياء ضمير في محل جر بالإضافة. "فقلت": الفاء حرف عفط، "قلت": فعل ماض، والتاء ضمير في محل رفع فاعل، "منون": اسم استفهام مبني في محل رفع مبتدأ، أو خبر مقدم. "أنتم": ضمير منفصل في محل رفع خبر المبتدأ، أو مبتدأ مؤخر. "فقالوا": الفاء حرف عطف، "قالوا": فعل ماض، والواو ضمير في محل رفع فعل، والألف فارقة. "الجن": خبر المبتدأ محذوف تقديره: "نحن": "قلت": فعل ماض، والتاء ضمير في محل رفع فاعل. "ظلامًا": ظرف زمان منصوب متعلق بـ"عم".
وجملة: "أتوا" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "قلت لهم" معطوفة على الجملة السابقة فهي مثلها لا محل لها من الإعراب. وجملة: "منون أنتم" في محل نصب مفعول به. وجملة "قالوا" معطوفة على الجملة السابقة فهي مثلها لا محل لها من الإعراب. وجملة "نحن الجن" في محل نصب مفعول به. وجملة: "قلت" استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "عموا" في محل نصب مفعول به.
الشاهد فيه قوله: "منون أنتم" حيث يريد: "من أنتم"، فألحق الواو والنون بـ"من" في الوصل. وهذا لا يجوز إلا في الوقف، وحرك النون التي تكون ساكنة.

 

ج / 3 ص -347-        لشِمْر الغساني، وتمامه:

فقالوا الجنُّ قلتُ عِمُوا ظَلاَما1

ويروى "عموا صباحًا"، ويغلَّط المنشد على إحدى الروايتين بالرواية الأخرى، وكذلك فعل الزجاجي فغلط من أنشد "صباحًا"، وليس الأمر كما يظن بل كل واحدة من الروايتين صحيحة: فهو على رواية "عموا ظلامًا" من أبيات رواها ابن دريد عن أبي حاتم السختياني عن أبي زيد الأنصاري، أولها:

ونارٍ قد حضَأتُ بُعَيْدَ وهْنٍ                             بِدارٍ مَا أريدُ بِهَا مُقَاما

وهي مشهورة، وعلى رواية "عموا صباحًا" من أبيات معزوة إلى خديج بن سنان الغساني أولها:

أتَوْا نَارِي فَقُلْتُ مَنْونَ أنْتُمْ                      فَقالوا الجنُّ قلتُ عِمُوا صَبَاحَا

نزلتُ بِشِعْبِ وادي الجنِّ لما                    رأيتُ الليلَ قَدْ نَشَرَ الْجَناحَا

قيل: وكلا الشعرين أكذوبة من أكاذيب العرب.
757-

"والعَلَمَ احْكِيَنَّهُ مِنْ بَعْدِ "مَنْ"                  إنْ عَرِيَتْ مِنْ عَاطِفٍ بِهَا اقْتَرَنْ"

فتقول لمن قال: جاء زيد، من زيد؟. ورأيت زيدًا، من زيدًا؟. أو مررت بزيد، من زيدٍ؟ وهذه لغة الحجازيين، وأما غيرهم فلا يحكون، بل يجيئون بالعلم المسئول عنه بعد "من" مرفوعًا مطلقًا؛ لأنه مبتدأ خبره "من"، أو خبر مبتدأه "من"، فإن اقترنت بعاطف نحو: "ومن زيد" تعين الرفع عند جميع العرب.
تنبيهات: الأول: يشترط لحكاية العلم بـ"من" أن لا يكون عدم الاشتراك فيه متيقنًا؛ فلا يقال: "من الفرزدق" بالجر، لمن قال: سمعت شعر الفرزدق، لأن هذا الاسم تيقن انتفاء الاشتراك فيه.
الثاني: شمل كلامه العلم المعطوف على غيره، والمعطوف عليه غيره، وفيه خلاف منعه يونس وجوّزه غيره واستحسنه سيبويه، فيقال: لمن قال: "رأيت زيدًا وأباه": من زيدًا

 

ج / 3 ص -348-        وأباه؟ ومن قال: "رأيت أخًا زيد وعمرًا": من أخا زيد وعمرا؟
الثالث: أجاز يونس حكاية سائر المعارف قياسًا على العلم، والصحيح المنع.
الرابع: لا يحكى العلم موصوفًا بغير "ابن" مضاف إلى علم؛ فلا يقال: "من زيدًا العاقل"، ولا "من زيدًا ابن الأمير"، لمن قال: "رأيت زيدًا العاقل"، أو "رأيت زيدًا ابن الأمير"، ويقال: "من زيد بن عمرو" لمن قال: "رأيت زيد بن عمرو".
الخامس: فهم من قوله "احكينه" أن حركاته حركات حكاية، وأن إعرابه مقدر، وقد صرح به في غير هذا الكتاب، والجمهور على أن "من" مبتدأ والعلم بعدها خبر سواء كانت حركته ضمة أو فتحة أو كسرة، وحركة إعرابه مقدرة لاشتغال آخره بحركة الحكاية.
السادس: قد بان لك أن "من" تخالف "أيًا" في باب الحكاية في خمسة أشياء.
أحدها: أن "من" تختص بحكاية العاقل، و"أي" عامة في العاقل وغيره.
ثانيها: أن من تختص بالوقف، و"أي" عامة في الوقف وفي الأصل.
ثالثها: أن من يجب فيها الإشباع فيقال: منو ومنا ومني، بخلاف "أي".
رابعها: أن "من" يحكى بها النكرة ويحكى بعدها العلم، و"أي" تختص بالنكرة.
خامسها: أن ما قبل تاء التأنيث في "أي" واجب الفتح، تقول: "أية" و"أيتان"، وفي "من" يجوز الفتح والإسكان على ما سبق.
خاتمة: الحكاية على نوعين: حكاية جملة، وحكاية مفرد.
فأما حكاية الجملة فضربان: حكاية ملفوظ، وحكاية مكتوب؛ فالملفوظ نحو قوله تعالى:
{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ}1، وقوله "من الوافر":
1154-

سَمِعْتُ الْنَّاسُ يَنْتَجِعُوْنَ غَيْثًا                     فَقُلْتُ لِصَيْدَحَ انْتَجِعِي بِلاَلا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأعراف: 43؛ وغيرها.
1154- التخريج: البيت لذي الرمة في ديوانه ص1535؛ وجمهرة اللغة ص503؛ وخزانة الأدب 9/ 167، 168؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 232 وشرح التصريح 2/ 282؛ ولسان العرب 2/ 509 "صدح"، 8/ 347 "نجع"؛ والمقتضب 4/ 10؛ ونوادر أبي زيد ص32؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص390؛ وخزانة الأدب 9/ 268، 393. =

 

ج / 3 ص -349-        والمكتوب، نحو قوله: "قرأت على فصه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وهي مطردة، ويجوز حكايتها على المعنى؛ فتقول في حكاية "زيد قائم": "قال قائل قائم زيد"، فإن كانت الجملة ملحونة تعين المعنى على الأصح.
وأما حكاية المفرد فضربان؛ ضرب بأداة الاستفهام ويسمى الاستثبات بـ"أي" أو بـ"من"، وهو ما تقدم، وضرب بغير أداة وهو شاذ كقول بعض العرب -وقد قيل له هاتان تمرتان-: "دعنا من تمرتان"، قال: سيبويه: وسمعت أعرابيًا وسأله رجل فقال: إنهما قرشيان، فقال: "ليسا بقرشيان"، قال: وسمعت عربيًا يقول لرجل سأله: أليس قرشيًا؟ قال: ليس بقرشيًا، والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= اللغة: انتجعه، قصده طلبًا للمعروف. الغيث: المطر، وهنا العطاء، صيدح: اسم ناقة الشاعر. بلال: اسم ممدوح الشاعر.
الإعراب: سمعت: فعل ماض، و"التاء": ضمير في محل رفع فاعل. الناس: مبتدأ مرفوع.
 ينتجعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، و"الواو": ضمير في محل رفع فاعل. غيثًا: مفعول به منصوب فقلت: "الفاء": عاطفة، "قلت": فعل ماض، و"التاء": ضمير في محل رفع فاعل: لصيدح: جار ومجرور متعلقان بـ"قلت". انتجعي. فعل أمر، و"الياء" ضمير في محل رفع فاعل. بلالا: مفعول به منصوب.
وجملة "سمعت": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "الناس ينتجعون عينًا": في محل نصب مفعول به. وجملة "ينتجعون": في محل رفع خبر المبتدأ. وجملة "قلت": معطوفة على جملة "سمعت".
وجملة "انتجعي": في محل نصب مقول القول.
الشاهد: قوله: "سمعت الناس" حيث جاءت الحكاية ملفوظة، أي أن القول الذي سمعه هو "الناس ينتجعون غيثًا".