شرح الأشموني على ألفية ابن مالك

ج / 3 ص -414-        التصغير:
إنما ذكر هذا الباب إثر باب التكسير لأنهما كما قال: سيبويه من واد واحد لاشتراكهما في مسائل كثيرة يأتي ذكرها.
833-

فعيلا اجعل الثلاثي إذا                    صغرته نحو "قذي" في "قذى"

834-

فعيعل مع فعيعيل لما                         فاق كجعل درهم دريهما

"فُعَيْلا اجْعَلِ الثُّلاَثِيَّ إذَا صَغَّرْتَهُ نحو:ُ" فُليس في تصغير فلس، ونحو: "قُذَي في" تصغير "قَذَى" و"فُعَيْعِلٌ مَعَ فُعَيْعِيلٍ لِمَا فَاقَ" الثلاثي "كَجَعْلِ دِرْهَمٍ دُرَيْهَمَا" وجعل دينار دنينيرًا.
والحاصل أن كل اسم متمكن قصد تصغيره فلا بد من ضم أوله وفتح ثانيه وزيادة ياء ساكنة بعده؛ فإن كان ثلاثيًا لم يغير بأكثر من ذلك، وإن كان رباعيًا فصاعدًا كسر ما بعد الياء، فالأمثلة ثلاثة: فُعيل نحو: فليس، وفُعيعل نحو: دريهم، وفُعيعيل نحو: دنينير.
تنبيهات: الأول للمصغر شروط: أن يكون اسمًا: فلا يصغر الفعل ولا الحرف لأن التصغير وصف في المعنى، وشذ تصغير فعل التعجب، وأن يكون متمكنًا؛ فلا تصغر المضمرات ولا من وكيف ونحوهما، وشذ تصغير بعض أسماء الإشارة والموصولات كما سيأتي، وأن يكون قابلا للتصغير فلا يصغر نحو: كبير وجسيم ولا الأسماء المعظمة، وأن

 

ج / 3 ص -415-        يكون خاليًا من صيغ التصغير وشبهها؛ فلا يصغر نحو: الكُميت من الخيل والكُعيت وهو البلبل، ولا نحو: مُبيطر ومهيمن.
الثاني: وزن المصغر بهذه الأمثلة الثلاثة اصطلاح خاص بهذا الباب اعتبر فيه مجرد اللفظ تقريبًا بتقليل الأبنية، وليس جاريًا على اصطلاح التصريف، ألا ترى أن وزن أحيمر ومكيرم وسفيرج في التصغير فُعيعل، ووزنها التصريفي أفيعل ومفيعل وفعيلل.
الثالث: فوائد التصغير عند البصريين أربع: تصغير ما يتوهم أنه كبير نحو: جبيل، وتحقير ما يتوهم أنه عظيم نحو: صبيع، وتقليل ما يتوهم أنه كثير نحو: دريهمات، وتقريب ما يتوهم أنه بعيد زمنًا أو محلا أو قدرًا نحو: قبيل العصر، وبعيد المغرب، وفويق هذا، ودوين ذاك، وأصيغر منك، وزاد الكوفيون معنى خامسًا وهو التعظيم كقول عمر رضي الله عنه في ابن مسعود: كُنَيف ملئ علمًا، وقول بعض العرب: أنا جُذَيلها المحكك وعُذيْقها المرجّب، وقوله "من الطويل":
1180- 

وَكُلُّ أُنَاسٍ سَوْفَ تَدْخُلُ بَيْنَهُمْ                        دُوَيْهيَةٌ تَصْفَر مِنْهُ الأنَامِلُ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1180- التخريج: البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص256؛ وجمهرة اللغة ص232؛ وخزانة الأدب 6/ 159، 160، 161؛ والدرر 6/ 283؛ وسمط اللآلي ص199؛ وشرح شواهد الشافية ص85؛ وشرح شواهد المغني 1/ 150؛ ولسان العرب 3/ 14 "خوخ"؛ والمعاني الكبير ص859، 1206؛ ومغني اللبيب 1/ 136، 197؛ والمقاصد النحوية 1/ 8، 4/ 535؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 1/ 94، 6/ 155؛ وديوان المعاني 1/ 188؛ وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 191؛ وشرح شواهد المغني 1/ 402، 2/ 537؛ وشرح المفصل 5/ 114؛ ومغني اللبيب 1/ 48؛ 2/ 626؛ وهمع الهوامع.
اللغة: دويهية: تصغير داهية وهي المصيبة. الأنامل: جمع أنملة وهي عقدة الإصبع أو التي فيها الظفر، وأراد الأظافر هنا فهي التي تصفر عند الموت.
المعنى: سوف يأتي الموت على كل الناس، فتصفر أظفارهم حينها.
الإعراب: "وكل": "الواو": بحسب ما قبلها، "كل": مبتدأ مرفوع بالضمة. "أناس": مضاف إليه مجرور بالكسرة: "سوف": حرف تسويف واستقبال. "تدخل": فعل مضارع مرفوع بالضمة. "بينهم": مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة، و"هم": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. "دويهية": فاعل مرفوع بالضمة. "تصفر": فعل مضارع مرفوع بالضمة. "منها": جار ومجرور متعلقان بـ"تصفر". "الأنامل": فاعل مرفوع بالضمة.
وجملة "كل أناس...": بحسب ما قبلها. وجملة "تدخل دويهية": في محل رفع خبر "كل". وجملة "تصفر": في محل رفع صفة لـ"دويهية". =

 

ج / 3 ص -416-        وقوله "من الطويل":
1181-

فُوَيْقَ جُبَيلٍ شَامِخَ الْرَّأسِ لَمْ يَكُنْ                      لِتَبْلُغَه حَتَّى تَكِلَّ وَتَعْمَلا

ورد البصريون ذلك بالتأويل إلى تصغير التحقير ونحوه.
835-

وما به لمنتهى الجمع وصل                       به إلى أمثلة التصغير صل

"وَمَا بِهِ" من الحذف "لِمُنْتَهَى الْجَمْعِ وُصِلْ" فيما زاد على أربعة أحرف "بِهِ إلَى أَمْثِلَةِ التَّصْغِيرِ صِلْ" وللحاذف هنا من ترجيح وتخيير ما له هناك: فتقول في تصغير فرزدق: فريزد بحذف الخامس، أو فريزق بحذف الرابع لما سبق في قوله: "والرابع الشبيه بالمزيد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= والشاهد فيه قوله: "دويهية" على أن التصغير هنا للتعظيم لا للتحقير، بينما يرى "ابن يعيش" أنها للتحقير، وأن المراد: أصغر الأشياء قد يفسد الأصول العظام.
1181- التخريج: البيت لأوس بن حجر في ديوانه ص87؛ وسمط اللآلي ص492؛ وشرح شواهد الشافية ص85؛ وشرح شواهد المغني 1/ 339؛ ولسان العرب 12/ 492 "قلزم"؛ والمعاني الكبير ص859؛ والمقرب 2/ 80؛ وبلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب 1/ 192؛ وشرح المفصل 5/ 114.
اللغة: فويق: تصغير لكلمة فوق؛ وكذلك جبيل: تصغير لكلمة جبل. الشاهق: العالي: تكل: تتعب. قنته وقمته: أعلاه.
المعنى: يصف غنمًا في أعلي جبل عالي الذروة، لن يصل المرء إلى أعلاه حتى يبذل جهدًا وعملا حتى يتعب.
الإعراب: فويق: معفول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق "بالفعل "أبصرت" المذكور في بيت سابق. جبيل: مضاف إليه مجرور بالكسرة. شامخ: صفة "جبيل" مجرور بالكسرة. الرأس: مضاف إليه مجرور. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يكن: فعل مضارع ناقص مجزوم، واسم "يكن" ضمير مستتر تقديره: هو. لتبلغه: اللام: لام الجحود، حرف جر متعلق بخبر "يكن" المحذوف. "تبلغه": فعل مضارع منصوب بـ"أن" مضمرة، وعلامة نصبه الفتحة، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنت، والهاء: ضمير متصل، مفعول به. والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها في محل جر بحرف الجر. حتى تكل: "حتى": حرف جر، "تكل": فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى، والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها مجرور بـ"حتى" والجار والمجرور متعلقان بالفعل "لتبلغه"، و"الفاعل": ضمير مستتر تقديره "أنت". وتعملا: "الواو": للعطف، "تعمل": فعل مضارع معطوف على سابقه منصوب مثله، و"فاعله" مثله، و"الألف": للإطلاق.
وجملة "لم يكن": في محل جر صفة لـ"جبيل". وجملة "تبلغه": صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة "تكل": صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة "تعمل": معطوفة على جملة "تكل".
الشاهد فيه قوله: "جبيل": حيث أفادت التعظيم، وهذا شأن التصغير عند الكوفيين.

 

ج / 3 ص -417-        إلخ"، وتقول في سبطرى: سبيطر، وفي فدوكس: فديكس، وفي مدحرج: دحيرج، وتقول في عصفور وقرطاس وقنديل وفردوس وغرنيق: عصيفير وقريطيس وقنيديل وفريديس وغرينيق، وتقول في قبعثرى: قبيعث لما سبق في قوله: "وزائد العادي الرباعي احذفه إلخ"، وتقول في مستدع: مديع، وفي استخراج: تخيريج، لما سبق في قوله: "والسين والتا من كمستدع أزل إلخ"، وتقول في منطلق ومقعنسس: مطيلق ومقيعس، وفي ألندد ويلندد: أليد ويليد بالإدغام لما سبق في قوله: "والميم أولى من سواه بالبقاء إلخ"، وتقول في حيزبون وعيطموس: حزيبين وعطيميس بحذف الياء وإبقاء الواو مقلوبة ياء لما مر، وتقول في سرندى وعلندى: سريند وعليند أو سريد وعليد لعدم المزية بين الزائدين كما سبق.
تنبيه: يستثنى من ذلك هاء التأنيث وألفه الممدودة وياء النسب والألف والنون بعد أربعة أحرف فصاعدًا، فإنهن لا يحذفن في التصغير، ولا يعتد بهن كما سيأتي.
836-

وجائز تعويض يا قبل الطرف                      إن كان بعض الاسم انحذف

"وجَائِزٌ تَعْوِيْضُ يَا قَبْل الْطَّرَفْ" عن المحذوف "إنْ كَانَ بَعْضُ الاسْمِ فِيْهمَا" أي في الجمع والتصغير "انْحَذَفْ" وسواء في ذلك ما حذف منه أصل نحو: سفرجل فتقول في جمعه: سفارج وإن عوضت قلت: سفاريج، وفي تصغيره سفيرج وإن عوضت قلت سفيريج، وما حذف منه زائد نحو: منطلق فتقول في جمعه: مطالق ومطاليق، وفي تصغيره: مطيلق ومطيليق على الوجهين، وعلم من قوله: "وجائز" أن التعويض غير لازم.
تنبيه: قال في التسهيل: وجائز أن يعوض مما حذف ياء ساكنة قبل الآخر ما لم يستحقها لغير تعويض، واحترز بقوله "لغير تعويض" من نحو: لغاغيز في جمع لغيزى، فإنه حذفت ألفه ولم يحتج إلى تعويض لثبوت يائه التي كانت في المفرد.
837-

وحائد عن القياس كل ما                   خالف في البابين حكما رسما

"وحَائِدٌ عَنِ الْقِيَاسِ كُلُّ مَا خَالَفَ في الْبَابَيْنِ" أي باب التكسير وباب التصغير "حُكْمًا رُسِمَا" مما جاء مسموعًا؛ فيحفظ ولا يقاس عليه.

 

ج / 3 ص -418-        فمما جاء حائدًا عن القياس في باب التصغير قولهم في المغرب: مُغْيَرِبان، وفي العشاء: عُشَيَّان، وفي عَشِيَّة: عُشَيْشِية، وفي إنسان: أنَيْسِيَان، وفي بَنُونَ: أُبَيْنُون، وفي ليلة: لييلية، وفي رَجُل رُوَيْجِل، وفي صبية: أصيبية، وفي غلمة أغيلمة، فهذه الألفاظ مما استغني فيها بتصغير مهمل عن تصغير مستعمل.
ومما جاء حائدًا عن القياس في التكسير فجاء على غير لفظ واحد قولهم رهط وأراهط، وباطل وأباطيل، وحديث وأحاديث، وكراع وأكارع، وعروض وأعاريض، وقطيع وأقاطيع، فهذه جموع لواحد مهمل استغني به عن جمع المستعمل، هذا مذهب سيبويه والجمهور، وذهب بعض النحويين إلى أنها جموع للمنطوق به على غير قياس، وذهب ابن جني إلى أن اللفظ يغير إلى هيئة أخرى ثم يجمع فيرى في أباطيل أن الاسم غير إلى أبطيل أو أبطول ثم جمع.
838-

لتلويا التصغير من قبل علم                      تأنيث أو مدته الفتح انحتم

"لِتِلْويا التَّصْغِيرِ مِنْ قَبْلِ عَلَمْ تَأنِيْثٍ أوْ مَدَّتِهِ" أي مدة التأنيث "الْفَتْحُ انْحَتَمْ" يعني أن الحرف الذي بعد ياء التصغير إن لم يكن حرف إعراب فإنه يجب فتحه قبل علامة التأنيث وهي التاء وألف التأنيث المقصورة نحو: قصعة وقصيعة، ودرجة ودريجة، وحبلى وحبيلى، وسلمى وسليمى، وكذا ما قبل مدة التأنيث وهي الألف الممدودة التي قبل الهمزة، نحو: صحراء وصحيراء، وحمراء وحميراء.
تنبيهات: الأول أفهم كلامه أن الألف الممدودة في نحو: حمراء ليست علامة التأنيث وهو كذلك عند جمهور البصريين، وإنما العلامة عندهم الألف التي انقلبت همزة، وقد تقدم بيان ذلك في بابه، ولذلك قال: في التسهيل: أو ألف التأنيث أو الألف قبلها، وأما قوله في شرح الكافية: فإن اتصل بما ولي الياء علامة تأنيث فتح كنميرة وحبيلى وحميراء حيث يقتضي أن المدة في نحو: حمراء مندرجة في قوله علامة تأنيث فإنه قد تجوز فيه، والتحقيق ما تقدم.

 

ج / 3 ص -419-        الثاني: المراد بقوله: "من قبل علم تأنيث" ما كان متصلا كما مثل، فلو انفصل كسر على الأصل نحو: دُحَيْرِجة.
الثالث: عجز المركب مُنَزَّل منزلة تاء التأنيث كما قاله في التسهيل فحكمه حكمها؛ فتقول بعيلبك بفتح اللام.
839-

"كَذَاكَ مَا مَدَّةَ أَفْعَالٍ سَبَقْ                     أوْ مَدَّ سَكْرَانَ وَمَا بِهِ التَحَقْ"

أي يجب أيضًا فتح الحرف الذي بعد ياء التصغير إذا كان قبل مدة أفعال أو مد سكران وما به التحق مما في آخره ألف ونون زائدتان لم يعلم جمع ما هما فيه على فعالين دون شذوذ، فتقول في تصغير أجمال: أجيمال، وفي تصغير سكران: سكيران لأنهم لم يقولوا في جمعه سكارين، وكذلك ما كان مثله نحو: غضبان وعطشان.
فإن جُمِع على فعَالين دون شذوذ صغر على فعيلين نحو: سرحان وسريحين، وسلطان وسليطين، فإنهما يجمعان على سراحين وسلاطين.
وإن كان جمعه على فعالين شاذًا لم يلتفت إليه، بل يصغر على فعيلان مثاله غرثان وإنسان، فإنهم قالوا في جمعهما: غراثين وأناسين على جهة الشذوذ، فإذا صغرا قيل فيهما: غريثان وأنيسان.
فإن ورد ما آخره ألف ونون مزيدتان ولم يُعْرَف هل تقلب العرب ألفه ياء أو لا؟ حُمِلَ على باب سكران؛ لأنه الأكثر.
تنبيه: أطلق الناظم أفعالا، ولم يقيده بأن يكون جمعًا فشمل المفرد، وفي بعض نسخ التسهيل "أو ألف أفعال جمعًا أو مفردًا"، فمثال الجمع ما ذكر، وأما المفرد فلا يتصور تمثيله على قول الأكثرين إلا ما سمي به من الجمع لأن أفعالا عندهم لم يثبت في المفردات، قال سيبويه: فإذا حقرت أفعالا اسم رجل قلت: أفيعال كما تحقرها قبل أن تكون اسمًا، فتحقير أفعال كتحقير عطشان فرقوا بينها وبين أفعال لأنه لا يكون إلا واحدًا ولا يكون أفعال إلا جمعًا. هذا كلامه، وقد أثبت بعض النحويين أفعالا في المفردات وجعل منه قولهم برمة أعشار وثوب أخلاق وأسمال، وهو عند الأكثرين من وصف المفرد بالجمع كما تقدم، فإن فرعنا على مذهب من أثبته في المفردات؛ فمقتضى إطلاق

 

ج / 3 ص -420-        الناظم هنا وقوله في التسهيل جمعًا أو مفردًا" أنه يصغر على أفيعال، ومقتضى قول من قال من النحويين أو ألف أفعال جمعًا كأبي موسى وابن الحاجب أنه يصغر على أفيعيل بالكسر، وقال بعض شراح تصريف ابن الحاجب قيد بقوله جمعًا احترازًا عما ليس بجمع نحو: أعشار فإن تصغيره أعيشير، وقال الشارح أو ألف أفعال جمعًا، وعلى هذا نبه بقوله سبق. هذا لفظه، فقيد، وحمل كلام الناظم على التقييد، وكأنه جعل سبق قيدًا لأفعال أي ألف أفعال السابق في باب التكسير وهو الجمع، أما تقييده فتبع فيه أبا موسى ومن وافقه. وقال الشلوبين مشيرًا إلى قول أبي موسى هذا خطأ لأن سيبويه قال إذا حقرت أفعالا اسم رجل قلت فيه أفيعال كما تحقرها قبل أن تكون اسمًا، وأما حمل كلام الناظم على التقييد فلا يستقيم لأن قوله سبق ليس حالا من أفعال فيكون مقيدًا به، بل هو صلة ما، ومدة مفعول لسبق تقدم عليه، والتقدير كذاك ما سبق مدة أفعال، وأيضًا فإن الناظم أطلق في غير هذا الكتاب، بل صرّح بالتعميم في بعض نسخ التسهيل فعلى ذلك يحمل كلامه.
840-

"وَأَلِفُ التَّأنِيْثِ حَيْثُ مُدّا                              وَتَاؤُه مُنْفَصِلَيْنِ عُدّا"

841-

"كَذَا المَزِيْدُ آخِرًا لِلنَّسَبِ                         وَعَجُزُ المُضَافِ وَالمُرَكَّبِ"

842-

"وهَكَذَا زِيَادَتَا فَعْلاَنَا                            مِنْ بَعْدِ أَرْبَعٍ كَزَعْفَرَانَا"

843-

"وَقَدِّرِ انْفِصَالَ مَا دَلَّ عَلَى                       تَثْنِيَةٍ أَوْ جَمْعِ تَصْحِيحٍ جَلاَ"

يعني لا يعتد في التصغير بهذه الأشياء الثمانية بل تعد منفصلة، أي: تنزل منزلة كلمة مستقلة فيصغر ما قبلها كما يصغر غير متمم بها.
الأول: ألف التأنيث الممدودة نحو: حمراء.
الثاني: تاء التأنيث نحو: حنظلة.
الثالث: ياء النسب نحو: عبقري.
الرابع: عجز المضاف نحو: عبد شمس.

 

ج / 3 ص -421-        الخامس: عجز المركب تركيب مزج نحو: بعلبك.
السادس: الألف والنون الزائدتان بعد أربعة أحرف فصاعدًا نحو: زعفران وعبوثران، واحترز من أن يكونا بعد ثلاثة، نحو: سكران وسرحان وقد تقدم ذكرهما.
السابع: علامة التثنية نحو: مسلمين.
الثامن: علامة جمع التصحيح نحو: مسلِمين ومسلمات.
فجميع هذه لا يعتد بها ويقدر تمام بنية التصغير قبلها، فتقول في تصغيرها: حميراء وحنيظلة وعبيقرى وعبيد شمس وبعيلبك وزعيفران وعبيثران ومسيلمان ومسيلمين ومسيلمات.
تنبيهات: الأول هذا تقييد لإطلاق قوله وما به لمنتهى الجمع وصل وقد تقدم التنبيه عليه.
الثاني: ليست الألف الممدودة عند سيبويه كتاء التأنيث في عدم الاعتداد بها من كلّ وجه، لأن مذهبه في نحو: "جلولاء" و"براكاء" و"قريثاء" -مما ثالثه حرف مد- حذفُ الواو والألف والياء فيقول في تصغيرها: جليلاء وبريكاء وقريثاء بالتخفيف، بخلاف فروقة فإنه يقول في تصغيرها فريقة بالتشديد، ولا يحذف، فقد ظهر أن الألف يعتد بها من هذا الوجه بخلاف التاء، ومذهب المبرد إبقاء الواو والألف والياء في جلولاء وأخويه، فيقول في تصغيرها جليلاء وبريكاء وقريثاء بالإدغام مسويًا بين ألف التأنيث وتائه لأن ألف التأنيث الممدودة محكوم لما هي فيه بحكم ما فيه هاء التأنيث، وحجة سيبويه أن لألف التأنيث الممدودة شبهًا بهاء التأنيث وشبهًا بالألف المقصورة، واعتبار الشبهين أولى من إلغاء أحدهما.
 وقد اعتبر الشبه بالهاء من قبل مشاركة الألف الممدودة لها في عدم السقوط وتقدير الانفصال بوجه ما، فلا غنى عن اعتبار الشبه بالألف المقصورة في عدم ثبوت الواو في جلولاء ونحوها، فإنها كألف حبارى الأولى، وسقوطها في التصغير متعين عند بقاء الثانية فكذا يتعين سقوط الواو المذكورة ونحوها في التصغير.

 

ج / 3 ص -422-        واعلم أن تسوية الناظم هنا بين ألف التأنيث الممدودة وتائه تقتضي موافقة المبرد، ولكنه صحح في غير هذا النظم مذهب سيبويه.
الثالث: اختلف أيضًا في نحو: "ثلاثين" علمًا أو غير علم، وفي نحو: "جدارين، وظريفين، وظريفات" أعلامًا مما فيه علامة التثنية وجمع التصحيح وثالثه حرف مد: فمذهب سيبويه الحذف، فتقول ثليثون وجديران وظريفون وظريفات؛ لأن زيادته غير طارئة على لفظ مجرد فعومل معاملة جلولاء، ومذهب المبرد إبقاء حرف المدّ في ذلك والإدغام كما يفعل في جلولاء، واتفقا في نحو: "ظَرِيفِينِ، وظَرِيفَيْنَ وظريفات" إذا لم يجعلن أعلامًا على التشديد، ولم يذكر هنا هذا التفصيل.
844-

"وَأَلِفُ التَّأنِيْثِ ذُو الْقَصْرِ مَتَى                         زَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَنْ يَثْبُتَا"

أي: إذا كانت ألف التأنيث: خامسة فصاعدًا حذفت لأن بقاءها يخرج البناء عن مثال فعيعل وفعيعيل؛ لأنها لم يستقل النطق بها فيحكم لها بحكم المنفصل، فتقول في نحو: "قرقري ولغيزي وبردرايا": قريقر، ولغيغز، وبريدر.
فإن كانت خامسة وقبلها مدة زائدة جاز حذف المدة وإبقاء ألف التأنيث وجاز عكسه، وإلى هذا أشار بقوله:
845-

"وَعِنْدَ تَصْغِيرِ حُبَارَى خَيِّرِ                       بَيْنَ الحُبَيْرَى فَادْرِ وَالحُبَيِّرِ"

ومثله "قريثا"، تقول فيه: قريثًا، أو قريث، أي إن حذفت المدة قلت الحبيري وقُرَيْثا، وإن حذفت ألف التأنيث قلت: الحبير وقريث، بقلب المدة ياء ثم تدغم ياء التصغير فيها.

 

ج / 3 ص -423-        846-

وازدد لأصل ثانيا لينا قلب                          فقيمة صير قويمة تصب

847-

وشذ في عيد عييد وحتم                     للجمع من ذا ما لتصغير علم

848-

والألف الثاني المزيد يجعل                     واوا كذا ما الأصل فيه يجهل

 

"وَارْدُدْ لأصْلٍ ثَانِيَا لَيْنا قُلِبْ                        فقِيْمَةً صَيِّرْ قُوَيْمَةً تُصِبْ"

ثانيًا: مفعول لاردد، ولينًا: نعت لثانيًا، وقلب في موضع النعت لثانيًا أيضًا.
يعني أن ثاني الاسم المصغر يرد إلى أصله إذا كان لينًا منقلبًا عن غيره، فشمل ذلك ستة أشياء:
الأول: ما أصله واو فانقلبت ياء، نحو: قيمة فتقول فيه: قويمة.
الثاني: ما أصله واو فانقلبت ألفًا نحو: باب فتقول فيه: بويب.
الثالث: ما أصله ياء فانقلبت واوًا نحو: موقن فتقول فيه: مييقن.
الرابع: ما أصله ياء فانقلبت ألفًا نحو: ناب فتقول فيه: نييب.
الخامس: ما أصله همزة فانقلبت ياء نحو: ذيب فتقول فيه: ذؤيب بالهمزة.
السادس: ما أصله حرف صحيح غير همزة نحو: دينار وقيراط فإن أصلهما دنار وقراط والياء فيهما بدل من أول المثلين، فتقول فيهما دنينير وقريريط.
وخرج عن ذلك ما ليس بلين فإنه لا يرد إلى أصله، فتقول في متعد: متيعد، بإبقاء التاء خلافًا للزجاج فإنه يرده إلى أصله فيقول مويعد، والأول مذهب سيبويه وهو الصحيح لأنه إذا قيل فيه مويعد أوهم أن مكبره مُوعِد أو مُوعَد أو مَوْعد، ومتيعد لا إبهام فيه.
تنبيهات: الأول مراد بالقلب مطلق الإبدال كما عبر به في التسهيل لأن القلب في اصطلاح أهل التصريف لا يطلق على إبدال حرف لين من حرف صحيح ولا عكسه، بل على إبدال حرف علة من حرف علة آخر.
ويستثنى من كلامه ما كان لينًا مبدلا من همزة تلي همزة، كما استثناه في التسهيل كألف "آدم" وياء "أيمة" فإنهما لا يردان إلى أصلهما، أما "آدم" فتقلب ألفه واوًا، وأما "أيمة" فيصغر على لفظه.

 

ج / 3 ص -424-        وقد ظهر بما ذكرناه أن قوله في شرح الكافية وهو يعني الرد مشروط بكون الحرف حرف لين مبدلا من لين غيرُ محرر، بل ينبغي أن يقول "مبدلا من غير همزة تلي همزة" كما في التسهيل.
الثاني: أجاز الكوفيون في نحو: "ناب" مما ألفه ياء "نويب" بالواو، وأجازوا أيضًا إبدال الياء في نحو: "شيخ" واوًا، ووافقهم في التسهيل على جوازه مرجوحًا، ويؤيده أنه سمع في بيضة بويضة وهو عند البصريين شاذ.
الثالث: إذا صغر اسم مقلوب صغر على لفظه، لا أصله، نحو: "جاه"؛ لأنه من الوجاهة فقلب، فإذا صغر قيل "جويه" دون رجوع إلى الأصل لعدم الحاجة إلى ذلك.
"وَشَذَّ فِي عِيْدٍ عُيَيْدٌ" حيث صغروه على لفظه ولم يردوه إلى أصله، وقياسه عويد لأنه من عاد يعود فلم يردوا الياء لئلا يلتبس بتصغير عود بضم العين، كما قالوا: في جمعه أعياد ولم يقولوا أعوادًا لما ذكرنا.
"وَحُتِمْ لِلْجَمْعِ مِنْ ذَا مَا لِتَصْغِيْرٍ عُلِمْ" يعني أنه يجب لجمع التكسير من رد الثاني إلى أصله ما وجب للتصغير؛ فيقال في "ناب وباب وميزان": أنياب وأبواب وموازين، إلا ما شذ كأعياد، وقوله: "من الطويل":
1182-

حمى لاَ يُحَلُّ الْدَّهْرَ إلاَّ بِإذْنِنَا                  وَلاَ نسْأَلُ الأقْوَام عَقْدَ الْمَيَاثِقِ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1182- التخريج: البيت لعياض بن درة الطائي في لسان العرب 10/ 371 "وثق"؛ والمقاصد النحوية 4/ 537؛ ونوادر أبي زيد ص65؛ وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص138؛ والخصائص 3/ 175؛ وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 210؛ وشرح شواهد الشافية ص95؛ وشرح المفصل 5/ 122.
الإعراب: حمى: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "حمانا حمى" مثلا. لا: نافية. يحل: فعل مضارع للمجهول مرفوع، ونائب فاعله ضمير مستر فيه جوازًا تقديره: "هو". الدهر: ظرف زمان متعلق بـ"يحل".
 إلا: حرف حصر. بإذننا: جار ومجرور متعلقان بـ"يحل"، وهو مضاف. و"نا":  في محل جر بالإضافة. ولا: "الواو": حرف عطف، "لا": زائدة لتأكيد النفي. نسأل: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره؛ "نحن". الأقوام: مفعول به منصوب. عقد: مفعول به ثان، وهو مضاف. المياثق: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة "حمانا حمى": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "لا يحل": في محل رفع نعت "حمى". وجملة "لا نسأل": معطوف على الابتدائية.
الشاهد: قوله: "المياثق" والقياس فيه "المواثق" لأنه جمع "ميثاق"، وهذا شاذ.

 

ج / 3 ص -425-        يريد المواثق.
تنبيه: هذا الحكم في التكسير الذي يتغير فيه الأول، أما ما لا يتغير فيه فيبقى على ما هو عليه نحو: "قيمة وقيم"، و"ديمة وديم".
"وَالأَلِفُ الْثَّانِي الْمَزِيْدُ يُجْعَلُ وَاوا" نحو: "ضارب وضويرب"، و"ماش ومويش" "كَذَا مَا الأَصْلُ فِيْهِ يُجْهَلُ" كألف "صاب" و"عاج" فتقول فيهما: "صويب" و"عويج".
تنبيهان: الأول: مما يجعل واوًا أيضًا الألف الثاني المبدل من همزة تلي همزة كآدم، تقول فيه أويدم كما تقدم التنبيه عليه.
الثاني: حكم التكسير في إبدال الألف الثاني كحكم التصغير فتقول ضوارب وأوادم.
849-

وكمل المنقوص في التصغير ما                       لم يحو غير التاء ثالثا كما

"وكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ" وهو ما حذف منه أصل بأن ترد إليه ما حذف منه "فِي التَّصْغِيْرِ" لتتأتى بنية فعيل، ومحل هذا "مَا لَمْ يَحْوِ غَيْرَ التَّاءِ ثَالِثًَا كَمَا" أصله موه فتقول فيه مويه برد اللام، وكذا تفعل في "خذ وكل ومذ" أعلامًا، و"سه ويد وحر"؛ فتقول فيها أخيذ وأكيل -برد الفاء- ومنيذ، وستيه -برد العين- ويدية وحريج -برد اللام.
وإن كان على ثلاثة، والثالث تاء التأنيث لم يعتد بها ويكمل أيضًا كما يكمل الثنائي، نحو: عدة وسنة؛ فتقول فيهما: وعيدة وسنية برد فاء الأول ولام الثاني.
وإن كان للمنقوص ثالث غير الياء لم يرد إليه ما حذف؛ لعدم الحاجة إليه لأن بنية فعيل تتأتى بدونه؛ فتقول في "هار" و"شاك" و"ميت": هوير وشويك ومييت، وشذ هوير، برد المحذوف.
وأشار بقوله "كما" إلى أن الثنائي وضعًا يكمل أيضًا في التصغير كما يكمل المنقوص توصلا إلى بناء فعيل، إلا أن هذا النوع لا يعلم له ثالث يرد إليه، بخلاف المنقوص، وأجاز في الكافية والتسهيل فيه وجهين؛ أحدهما: أن يكمل بحرف علة فتقول في عن وهل مسمى بهما: عني وهلي، والآخر أن يجعل من قبيل المضاعف فتقول فيهما: عنين

 

ج / 3 ص -426-        وهليل، وصرح في التسهيل بأن الأول أولى وبه جزم بعضهم، لكنه لا يظهر لهذين الوجهين أثر في "ما" الاسمية أو الحرفية إذا سمي بها فإنك تقول على التقديرين: موي.
تنبيهات: الأول: إنما قال: "غير التاء" ولم يقل غير الهاء ليشمل تاء بنت وأخت؛ فإنها لا يعتد بها أيضًا، بل يقال: بنية وأخية برد المحذوف.
الثاني: يعني بقوله ثالثًا ما زاد على حرفين ولو كان أولا أو وسطًا؛ فالأول كقولك في تصغير يرى مسمى به: يري من غير رد اعتدادًا بحرف المضارعة، وأجاز أبو عمرو والمازني الرد فيقولان: يرئ، ويونس يرد ولا ينون على أصل مذهبه في يعيل تصغير يعلى ونحوه، وتقدم مثال الوسط.
الثالث: لا يعتد أيضًا بهمزة الوصل بل يرد المحذوف مما هي فيه، وإنما لم يذكر ذلك لأن ما هي فيه إذا صغر حذفت منه فيبقى على حرفين لا ثالث لهما نحو: اسم وابن تقول في تصغيرهما: سمي وبني بحذف همزة الوصل استغناء عنها بتحريك الأول.
الرابع: قوله "كما" إن أراد به اسم الماء المشروب فهو تمثيل صحيح وهذا هو الظاهر كما مر الشرح عليه، وإن أراد بما الكلمة التي تستعمل موصولة ونافية فهو تنظير لا تمثيل لأن ما اسمية كانت أو حرفية من الثنائي وضعًا لا من قبيل المنقوص، فيكون مراده أن نحو "ما" يكمل كما يكمل المنقوص لا أنه منقوص.
وتمام القول في هذا أنه إذا سمي بما وضع ثنائيًا فإن كان ثانيه صحيحًا نحو: "هل" و"بل" لم يزد عليه شيء حتى يصغر فيجب أن يضعف أو يزاد عليه ياء فيقال: هليل أو هلي، فإن كان معتلا وجب التضعيف قبل التصغير فيقال في "لو" و"كي" و"ما" أعلامًا: "لو" و"كيّ" بالتشديد و"ماء" بالمد، وذلك لأنك زدت على الألف ألفًا فالتقى ألفان فأبدلت الثانية همزة، فإذا صغرن أعطين حكم دوّ وحيّ وماء: فيقال: لوي كما يقال: دوي، وأصلهما "لويو" و"دويو"، ويقال: كييّ بثلاثِ ياءات كما يقال: حُييّ، ويقال: موي كما يقال: في تصغير الماء المشروب مويه، إلا أن هذا لامه هاء فردت إليه كما تقدم.
الخامس: قال: في شرح الكافية: وقد يكون المحذوف حرفًا في لغة وحرفًا آخر في لغة فيصغر تارة بردّ هذا وتارة برد هذا، كقولك في تصغير سنة: سنية وسنيهة، وفي تصغير عضة: عضية، وعضيهة، اهـ.

 

ج / 3 ص -427-        850-

"وَمَنْ بِتَرْخِيمٍ يُصَغِّرُ اكْتَفَى                 بِالأَصْلِ كَالْعُطيْفِ يَعْنِي المِعْطَفَا"

أي من التصغير نوع يسمى تصغير الترخيم، وهو تصغير الاسم بتجريده من الزوائد، فإن كانت أصوله ثلاثة صغر على فعيل، وإن كانت أربعة فعلى فعيعل، فتقول في معطف عطيف وفي أزهر زهير وفي حامد وحمدان وحماد ومحمود وأحمد: حميد وتقول في قرطاس وعصفور: قريطس وعصيفر.
تنبيهات: الأول إذا كان المصغر تصغير الترخيم ثلاثي الأصول ومسماه مؤنث لحقته التاء، فتقول في سوداء وحبلى وسعاد وغلاب: سويدة وحبيلة وسعيدة وغليبة.
الثاني: إذا صغر نحو: حائض وطالق من الأوصاف الخاصة بالمؤنث تصغير الترخيم قلت: حييض وطليق لأنها في الأصل صفة لمذكر.
الثالث: حكى سيبويه في تصغير إبراهيم وإسماعيل: بريها وسميعًا، وهو شاذ لا يقاس عليه، لأن فيه حذف أصلين وزائدين؛ لأن الهمزة فيهما والميم واللام أصول، أما الميم واللام فباتفاق، وأما الهمزة ففيها خلاف: مذهب المبرد أنها أصلية، ومذهب سيبويه أنها زائدة، وينبني عليهما تصغير الاسمين لغير ترخيم، فقال المبرد: أبيريه وأسيميع، وقال: سيبويه: بريهيم وسميعيل، وهو الصحيح الذي سمعه أبو زيد وغيره من العرب، وعلى هذا ينبني جمعهما فقال: الخليل وسيبويه: براهيم وسماعيل، وعلى مذهب المبرد: أباريه وأساميع، وحكى الكوفيون براهم وسماعل، بغير ياء، وبراهمة وسماعلة، والهاء بدل من الياء، وقال: بعضهم: أباره وأسامع، وأجاز ثعلب: براهٍ، كما يقال: في تصغيره، بريه، والوجه أن يجمعا جمع سلامة فيقال: إبراهيمون وإسماعيلون.
الرابع: لا يختص تصغير الترخيم بالأعلام خلافًا للفراء وثعلب، وقيل: وللكوفيين، بدليل قول العرب: "يجري بليق ويذم" مصغر أبلق، ومن كلامهم: "جاء بأم الرّبَيق على أرَيق"، قال الأصمعي: تزعم العرب أنه من قول رجل رأى الغول على جمل أورق، فقلبت الواو في التصغير همزة.
الخامس: لا فرق بين الزوائد التي للإلحاق وغيرها، فتقول في حفندد، ومقعنسس

 

ج / 3 ص -428-        وضفندد: خفيد، وقعيس، وضفيد، بحذف الزوائد للإلحاق، والخفندد: الظليم السريع، والضفندد: الضخم الأحمق.
851-

واختم بتا التأنيث ما صغرت من                         مؤنث عار ثلاثي كسن

"وَاخْتِمْ بِتَا التَّأنِيْثِ مَا صَغَّرْتَ مِنْ مُؤَنَّثٍ عَارٍ" من التاء "ثُلاَثِيَ" في الحال "كَسِنّ" ودار فتقول في تصغيرهما: سنينة ودويرة، أو في الأصل كيد، فتقول في تصغيره يدية، أو في المآل وهذا نوعان: أحدهما ما كان رباعيًا بمدة قبل لام معتلة، فإنه إذا صغر تلحقه التاء نحو: سماء وسمية، وذلك لأن الأصل فيه سمي، بثلاث ياءات: الأولى ياء التصغير، والثانية بدل المدة، والثالثة بدل لام الكلمة، فحذفت إحدى الياءين الأخيرتين على القياس المقرر في هذا الباب، فبقي الاسم ثلاثيًا، فلحقته التاء كما تلحق الثلاثي المجرد، والآخر ما صغر تصغير الترخيم مما أصوله ثلاثة، نحو: حبلى، وقد تقدم بيانه.
ثم استثنى من الضابط المذكور نوعين لا تلحقهما التاء أشار إلى الأول منهما بقوله:
852-

ما لم يكن بالتا يرى ذا لبس                             كشجر وبقر وخمس

"مَا لَمْ يَكُنْ بِالتَّا يُرَى ذَا لَبْسِ كَشَجَرٍ وَبَقَرٍ" في لغة من أنثهما "وَخَمْسِ" أي فإنه يقال فيها: شجير وبقير وخميس، بغير تاء، ولا يقال: شجيرة وبقيرة وخميسة، بالتاء لأنه يلتبس بتصغير شجرة وبقرة وخمسة، ومثل خمس بضع وعشر فيقال فيهما: بضيع وعشير ولا يقال: بضيعة وعشيرة لأنه يلتبس بعدد المذكر، وأشار إلى الثاني بقوله:
853-

وشذ ترك دون لبس وندر                         لحاق تا في ما ثلاثيا كثر

"وَشَذَّ تَرْكٌ دُوْنَ لَبْسٍ" أي شذ ترك التاء دون لبس في ألفاظ مخصوصة لا يقاس عليها وهي ذود وشول وناب، للمسن من الإبل، وحرب وفرس وقوس ودرع، للحديد، وعرس وضحى ونعل وعرب ونصَف، وهي المرأة المتوسطة بين الصغر والكبر، وبعض العرب يذكر الدرع والحرب فلا يكونان من هذا القبيل، وبعضهم ألحق التاء في عرس وقوس؛ فقال: عريسة وقويسة.

 

ج / 3 ص -429-        تنبيهات: الأول لم يتعرض في الكافية وشرحها والتسهيل لاستثناء النوع الأول نحو: شجر وخمس.
الثاني: لا اعتبار في العلم بما نقل عنه من تذكير وتأنيث بل تقول في رمح علم امرأة: رميحة، وفي "عين" علم رجل: عيين، خلافًا لابن الأنباري في اعتبار الأصل؛ فتقول في الأول: رميح وفي الثاني: عيينة، ويونس يجيزه، واحتج لذلك بقول العرب: نويرة وعيينة وأذينة وفهيرة، وهي أسماء رجال، وليس ذلك بحجة لإمكان أن تكون التسمية بها بعد التصغير.
الثالث: إذا سميت مؤنثًا ببنت وأخت، حذفت هذه التاء، ثم صغرت وألحقت تاء التأنيث فتقول: بنية وأخية، وإذا سميت بهما مذكرًا لم تلحق التاء فتقول: بني وأخي "وَنَدَرْ إلْحَاقُ تَا فِيْمَا ثُلاَثِيًّا كَثَرْ" ثلاثيًا مفعول بكثر، وهو بفتح التاء بمعنى فاق، أي ندر لحاق التاء في تصغير ما زاد على ثلاثة، وذلك قولهم في وراء وأمام وقدام: وريئة بالهمزة وأميمة وقديديمة.
تنبيه: أجاز أبو عمرو أن يقال في تصغير حبارى ولغيزى: حبيرة ولغيغيزة، فيجاء بتاء عوضًا من الألف المحذوفة، وظاهر التسهيل موافقته؛ فإنه قال: ولا تلحق التاء دون شذوذ غير ما ذكر إلا ما حذفت منه ألف التأنيث خامسة أو سادسة، ومراده المقصورة لقوله بعد ذلك: ولا تحذف الممدودة فيعوض منها خلافًا لابن الأنباري، أي فإنه يجيز في نحو: "باقلاء" و"برنساء": بويقلة وبرينسة، والصحيح بويقلاء وبرينساء.
854-

"وَصَغَّرُوا شُذوذًا "الَّذِي التي                 وَذَا" مَعَ الفُروعِ مِنْهَا "تَا"، وَتِي""

 يعني لما كان تصاريف الأسماء المتمكنة ناسب ذلك أن لا يلحق اسمًا غير متمكن، ولما كان في ذا والذي وفروعهما شبه بالأسماء المتمكنة، بكونها توصف ويوصف بها، استبيح تصغيرها، لكن على وجه خولف به تصغير المتمكن، فترك أولها على ما كان عليه قبل التصغير، وعوض من ضمه ألف مزيدة في الآخر، ووافقت المتمكن في

 

ج / 3 ص -430-        زيادة ياء ساكنة ثالثة بعد فتحة فقيل في الذي والتي: اللذيا واللتيا، وفي تثنيتهما: اللذيان واللتيان، وأما الجمع فقال سيبويه في جمع الذي: اللذيُون رفعًا، واللذيين جرًا ونصبًا، بالضم قبل الواو، والكسر قبل الياء، وقال الأخفش: اللذيون واللذيين بالفتح كالمقصور، ومنشأ الخلاف من التثنية، فسيبويه يقول: حذفت ألف اللذيا في التثنية تخفيفًا، وفرق بين المتمكن وغيره، والأخفش يقول: حذفت لالتقاء الساكنين، وقالوا في جمع التي: اللتيات، وهو جمع اللتيا تصغير التي، ولم يذكر سيبويه من الموصولات التي صغرت غير اللذيا واللتيا، وتثنيتهما وجمعهما، وقال في التسهيل: واللتيات واللويتا في اللاتي، واللويا واللويون في اللائي واللائين، فزاد تصغير اللاتي واللائي واللائين، وظاهر كلامه أن اللتيات واللويتا كلاهما تصغير اللاتي؛ أما اللويتا فصحيح ذكره الأخفش، وأما اللتيات؛ فإنما هو جمع اللتيا كما سبق، فتجوّز في جعله تصغيرًا للاتي، ومذهب سيبويه أن اللاتي لا يصغر استغناء بجمع اللتيا، وأجاز الأخفش أيضًا
 اللويا في اللاي، غير مهموز.
وصغروا من أسماء الإشارة ذا وتا فقالوا: ذيا وتيا وفي التثنية ذيان وتيان، وقالوا في أولى بالقصر: أوليا في أولاء بالمد أولياء، ولم يصغروا منها غير ذلك.
تنبيهات: لأسماء الإشارة في التصغير من التثنية والخطاب ما لها في التكسير قاله في التسهيل.
الثاني: قال في شرح الكافية: أصل ذيا وتيا ذييا وتييا، بثلاث ياءات: الأولى عين الكلمة، والثالثة لامها، والوسطى ياء التصغير، فاستثقل توالي ثلاث ياءات فقصد التخفيف بحذف واحدة، فلم يجز حذف ياء التصغير لدلالتها على معنى، ولا حذف الثالثة لحاجة الألف إلى فتح ما قبلها، فلو حذفت لزم فتح ياء التصغير وهي لا تحرك لشبهها بألف التكسير فتعين حذف الأولى مع أنه يلزم من ذلك وقوع ياء التصغير ثانية، واغتفر لكونه عائدًا لما قصد من مخالفة تصغير ما لا تمكّن له لتصغير ما هو متمكن.
الثالث: قول الناظم "وصغروا شذوذًا البيت"، معترض من ثلاثة أوجه؛ أولها: أنه لم يبين كيفية تصغيرها، بل ظاهره يوهم أن تصغيرها كتصغير المتمكن، ثانيها: أن قوله "مع الفروع" ليس على عمومه؛ لأنهم لم يصغروا جميع الفروع كما عرفت، ثالثها: أن قوله "منها تا وتي" يوهم أن تي صغر كما صغرتا، وقد نصوا على أنهم لم يصغروا من ألفاظ المؤنث إلا تا، وهو المفهوم من التسهيل فإنه قال لا يصغر من غير المتمكن إلا ذا والذي

 

ج / 3 ص -431-        وفروعهما الآتي ذكرها، ولم يذكر من ألفاظ المؤنث غيرتا.
الرابع: لم يصغر من غير المتمكن إلا أربعة: اسم الإشارة، واسم الموصول كما تقدم، وأفعل في التعجب، والمركب المزجي كبعلبك، وسيبويه في لغة من بناهما، فأما من أعربهما فلا إشكال، وتصغيرهما تصغير المتمكن نحو: ما أحيسنه وبعيلبك وسييبويه.
خاتمة: يصغر اسم الجمع لشبهه بالواحد فيقال في ركب ركيب وفي سراة سرية، وكذلك الجمع الذي على أحد أمثلة القلة، كقولك في أجمال أجيمال، وفي أفلس أفيلس، وفي فتية فُتية، وفي أنجدة: أنيجدة، ولا يصغر جمع على مثال من أمثلة الكثرة، لأن بنيته تدل على الكثرة وتصغيره يدل على القلة فتنافيا، وأجاز الكوفيون تصغير ما له نظير من أمثلة الآحاد فأجازوا أن يقال في رُغفان رُغَيفان، كما يقال في عثمان عثيمان، وجعلوا من ذلك "أصيلانا"، زعموا أنه تصغير أُصلان وأصلان جمع أصيل، وما زعموه مردود من وجهين: أحدهما أن معنى أصيلان هو معنى أصيل، فلا يصح كونه تصغير جمع لأن تصغير الجمع جمع في المعنى، الثاني أنه لو كان تصغير أصلان لقيل أصيلين لأن فُعلان وفِعلان إذا كسرا قيل فيهما فعالين، كمصران ومصارين، وخشمان وخِشامين، وعقبان وعقابين، وغربان وغرابين، وكل ما كسر على فعالين يصغر على فعيلين، فبطل كون أصيلان تصغير أصلان جمع أصيل، وإنما أصيلان من المصغرات التي جيء بها على غير بناء مكبرها، ونظيره قولهم في إنسان أنيسيان، وفي مغرب مغيربان، ولا استبعاد في ورود المصغر على بنية مخالفة لبنية مكبره، كما وردت جموع مخالفة أبنيتها لأبنية آحادها.
والحاصل أن من قصد تصغير جمع من جموع الكثرة رده إلى واحده وصغره ثم جمعه بالواو والنون إن كان لمذكر عاقل، كقولك في غلمان غليمون، وبالألف والتاء إن كان لمؤنث أو لمذكر لا يعقل، كقولك في جوار ودراهم: جويريات ودريهمات، وإن كان لما قصد تصغيره جمع قلة جاز أن يرد إليه مصغرًا، كقولك في فتيان فُتية، ويقال: في تصغير سنين على لغة من أعربها بالواو والياء سنيات، ولا يقال: سنيون لأن إعرابها بالواو والياء إنما كان عوضًا من اللام، وإذا صغرت ردت اللام، فلو بقي إعرابها بالواو والياء مع التصغير لزم اجتماع العوض والمعوّض منه، وكذا الأرضون لا يقال في تصغيره إلا أريضات، لأن إعراب جمع أرض بالواو والياء إنما كان تعويضًا من التاء، فإن حق المؤنث الثلاثي أن يكون

 

ج / 3 ص -432-        بعلامة، ومعلوم أن تصغير الثلاثي المؤنث يرده ذا علامة، فلو أعرب حينئذٍ بالواو والياء لزم المحذور المذكور، ومن جعل إعراب سنين على النون قال في تصغيره سنين، ويجوز سنين على مذهب من يرى أن أصله سني بياءين أولاهما زائدة والثانية بدل من واو هي لام الكلمة ثم أبدلت نونًا، فكما أنه لو صغر سنيًا لحذف الياء الزائدة وأبقى الكائنة موضع اللام، كذا إذا صغر سنينًا معتقدًا كون النون بدلا من الياء الأخيرة فعامل الكلمة بما كان يعاملها لو لم تكن بدلا، وإن جعل سنون علمًا وصغر فلا يقال: إلا سنيون رفعًا وسنيين جرا ونصبًا برد اللام، ومن جعل لامها هاء قال: سنيهون، والله أعلم.