شرح شافية ابن الحاجب الرضي الأستراباذي

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، قائد الغر المحجلين، سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين

(2/3)


المنسوب قال: " المَنْسُوبُ الْمُلْحَقُ بِآخِرِهِ يَاءٌ مُشَدَّدَة لِيَدُلَّ عَلَى نِسْبتِهِ إِلَى الْمُجَرَّدِ عَنْهَا، وَقِيَاسُهُ حَذْفُ تاء التَّأْنِيثِ مُطْلَقاً، وَزِيَادَةِ التَّثْنِيَة
وَالْجَمْعِ إِلاَّ عَلَماً قَدْ أُعْرِبَ بالْحَرَكَاتِ، فَلِذَلِكَ جَاءَ قنسرى وقنسرينى " أَقول: قوله: " على نسبته إِلى المجرد عنها " يخرج ما لحقت آخره ياء مشددة للوحدة كروميّ ورُوم، وزنجيّ وزنجٍ، وما لحقت آخره للمبالغة كأَحمريّ وَدَوَّاريّ (1) ، وما لحقته لا لمعنى كَبرْدِيّ (2) وكرسيّ، فلا يقال لهذه الأسماء: إِنها منسوبة، ولا ليائها: إِنها ياء النسبة (3) ، كما يقال لتمرة والتاء فيه للوحدة،
__________
(1) قال في اللسان: " والدهر دوار بالانسان ودواري: أي دائر به على إضافة الشئ إلى نفسه.
قال ابن سيده: هذا قول اللغوين.
قال الفارسي: هو على لفظ النسب وليس بنسب، ونظيره بختى وكرسي " وقد قال العجاج: والدهر بالانسان دوارى * أفنى القرون وهو قعسرى أي: أنه يدور ويتقلب بالانسان حالا بعد حال وأنه يفنى قرونا كثيرة وهو باق على شدته وقوته، وأصل القعسرى الجمل الضخم الشديد، فشبه الدهر به في قوته وشدته (2) البردى: إما أن يكون بضم فسكون، وإما أن يكون بفتح فسكون، وهو على الاول نوع من تمر الحجاز جيد، وعلى الثاني نبت معروف واحدته بردية.
(انظر ج 1 ص 203) من هذا الكتاب (3) قد اختلفت عبارات المؤلف في هذه الياء، فهو أحيانا يذكر أنها ياء النسبة كما في قوله (ح 1 ص 203) : " وكان على المصنف أن يذكر ياء النسبة أيضا نحو بريدي في بردى " وأحيانا يذكر أنها ليست للنسبة كما هنا، وقد حل هو (*)

(2/4)


ولعلاّمة وهي فيه للمبالغة، ولغرفة ولا معنى لتائها: إِنها أَسماء مؤنثة وتاءَها تاءُ التَأنيث، وذلك لجريها مجرى التَأنيث الحقيقي في أَشياء، كتَأنيث ما أَسند
إِليها، وكصيرورتها غيرَ منصرفة في نحو طلحة، وانقلاب تائها في الوقف هاء قوله " حذف تاء التأنيث مطلقاً " أَي: سواء كان ذو التاء عَلَمًا كمكة والكوفة، أَو غير علم كالعرفة والصفرة، بخلاف زيادتي التثنية والجمع، فإنهما قدلا يحذفان في العلم كما يجئ، وسواء كانت التاء في مؤنث حقيقي أولا كعَزّة وحمزة، وسواء كانت بعد الألف في جمع المؤنث نحو مسلمات، أَولا، وأَما نحو أَخت وبنت فإِن التاء تحذف فيه، وإِن لم تكن للتَّأْنِيث، بدليل صرف أَخت وبنت إِذا سميَ بهما (1) ، وذلك لما في مثل هذه التاء من رائحة
__________
هذا الاشكال بقوله في هذا الباب في شان ياء الوحدة كرومي: " ولقائل أَن يقول: ياء الوحدة أَيضاً في الأصل للنسبة، لأن معنى زنجي شخص منسوب إِلى هذه الجماعة بكونه واحداً منهم فهو غير خارج عن حقيقة النسبة، إِلا أَنه طرأَ عليه معنى الوحدة " وملخص هذا أنه ينظر أحيانا إلى الاصل فيعتبرها باء نسبة، وينظر أحيانا أخرى إلى ما طرأ من معنى الوحدة فينفي عنها ذلك، وما قاله في ياء الوحدة يجرى مثله تماما في ياء المبالغة، لكن ياء نحو الكرسي والبردى، وهى المزيدة لا لغرض، لا يجرى فيها مثل ذلك، ولا عذر له في تسميتها ياء نسبة إلا أن صورتها صورة ياء النسبة (1) قال سيبويه في الكتاب (ح 2 ص 13) : " وإن سميت رجلا ببنت أو أخد صرفته، لانك بنيت الاسم على هذه التاء وألحقتها ببناء الثلاثة كما ألحقوا سنبته بالاربعة، ولو كانت كالهاء لما سكنوا الحرف الذى قبلها، فأنما هذه التاء فيها كتاء عفريت، ولو كانت كألف التأنيث لم ينصرف في النكرة، وليست كالهاء لما ذكرت لك، وإنما هذه زيادة في الاسم بنى عليها وانصرف في المعرفة، ولو أن الهاء التي في دجاجة كهذه التاء انصرف في المعرفة " اه وكتب أبو سعيد السيرافي في شرح كلامه هذا فقال: " التاء في بنت وأخت منزلتها عند سيبويه منزلة التاء في (*)

(2/5)


التَّأْنِيث (1) وإِنما حذفت تاء التأْنيث حذراً من اجتماع التاءين: إِحداهما قبل الياء، والأخرى بعدها، لو لم تحذف، إذ كان المنسوب إِلى ذي التاء مؤنثاً بالتاء (2) إِذ كنت تقول: امرأَة كوفتية، ثم طُرِد حذفها في المنسوب المذكر، نحو رَجل كوفي قيل: إِنما حذفت لأن الياء قد تكون مثل التاء على ما ذكرنا، في إِفادة الوحدة والمبالغة، وفي كونها لا لمعنى، فلو لم تحذف لكان كأَنه اجتمع ياءان أَو تاآن، ويلزمهم على هذا التعليل أَن لا يقلولوا نحو كوفية وبصرية، إذ هذا أيضا جمع بينهما.
__________
سنتة وعفريت، فهى فيهما زائدة للالحاق بجذع وقفل، فإذا سمينا بواحدة منهما رجلا صرفناه لانه بمنزلة مؤنث على ثلاثة أحرف ليس فيها علامة تأنيث كرجل سميناه بفهر وعين، والتاء الزائدة التي للتأنيث هي التي يلزم ما قبلها الفتحة ويوقف عليها بالهاء كقولنا دجاجة وما أشبه ذلك " اه ملخصا.
والمراد في كلام سيبويه والسيرافي من التاء المزيدة للالحاق في سنبتة التاء الاولى لا الثانية كما هو ظاهر (1) قول المؤلف في شرح الكافيد (ح 1 ص 43) : " ونريد بتاء التأنيث تاء زائدة في آخر الاسم مفتوحا ما قبلها تنقلب هاء في الوصف، فنحو أخت وبنت ليس مؤنثا بالتاء، بل التاء بدل من اللام، لكنه اختص هذا الابدال بالمؤنث دون المذكر لمناسبد التاء للتأنيث، فعلى هذا لو سميت ببنت وأخت وهنت مذكرا لصرفتها " اه.
وقوله " لكنه اختص هذا الابدال بالمؤنث الخ " هو مراده بقوله هنا " لما في مثل هذه التاء من رائحة التأنيث "، يدلك على أن هذا مراده قوله في هذا الباب كما يأتي قريبا: " فان أبدل من اللام في الثلاثي التاء وذلك في الاسماء المعدودة المذكورة في باب التصغير نحو أخت وبنت وهنت وثنتان وكيت وذيت
فعند سيبويه تحذف التاء وترد اللام، وذلك لان التاء وإن كانت بدلا من اللام الا أن فيها رائحة من التأنيث لاختصاصها بالمؤنث في هذه الاسماء " اه (2) قيد المؤنث المنسوب إلى ذى التاء بكونه بالتاء في جميع النسخ، والصواب (*)

(2/6)


ويحذف الألف والتاء في نحو مسلمات (1) لإِفادتهما معاً للتأْنيث كإِفادتهما للجمع، فيلزم من إِبقائهما اجتماع التاءين في نحو عَرَفاتية، ولا ينفصل إِحدى الحرفين من الأخرى ثبوتاً وزوالاً، لكونهما كعلامة واحدة، تقول في أَذرعات وعَانَات: أَذْرَعِيٌّ (2)
__________
حذف هذا القيد، لان اجتماع التاءين لازم في المنسوب إلى ذى التاء ولو كان المنسوب مؤنثا بغير تاء كزينب فانك كنت تقول في نسبها الى البصرة: بصرتية (1) ظاهرة عبارة ابن الحاجب والرضى هنا أن جمعى التصحيح الباقيين على الجمعية إذا أريد النسبة إليهما حذفت منهما علامة الجمع: أي الالف والتاء في جمع المؤنث والواو والنون في جمع المذكر، مع أن الذى يقتضيه كلام الرضى عند شرح قول ابن الحاجب: " والجمع يرد إلى الواحد " ويقتضيه تعليلي النحويين رد الجمع إلى الواحد عند النسبة إليه: أن يرد جمعا التصحيح عند النسبة إليهما الى الواحد لا أن تحذف منهما علامة الجمع، وفرق بين الرد إلى الواحد وحذف علامة الجمع فإن أرضين مثلا إذا نسبت إليه وهو باق على جمعيته قلت: أرضى بسكون الراء - وإذا نسبت إليه مسمى به حاكيا إعرابه الذى كان قبل التسمية به قلت: أرضى بفتح الراء وحذف علامة الجمع، وكذلك تمرات في جمع تمرة: إذا نسبت إليه جمعا قلت تمرى - باسكان الميم - أي: برده إلى واحده، وإذا نسبت إليه مسمى به قلت: تمرى - بفتح الميم وحذف علامة الجمع: أي الالف والتاء -.
وتحقيق المقام أنك إذا نسبت إلى المثنى والجمع مطلقا: أي سواء أكان جمع تصحيح أم جمع تكسير،
فان كانت غير مسمى بها ردت إلى واحدها، وإن كانت مسمى بها ففى المثنى وجمع المذكر السالم التفصيل الذى ذكره الرضى هنا، أما جمع المؤنث السالم فليس فيه إلا حذف علامة الجمع أي الالف والتاء للعلة التي ذكرها المحقق الرضى (2) أذرعات - بفتح فسكون فراء مكسورة - وقال ياقوت: " كأنه جمع أذرعة جمع ذراع جمع قلة، وهو بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقاء وعمان ينسب إليه الخمر، وقال الحافظ أبو القاسم: أذرعات مدينة بالبلقاء، وقال النحويون: بالتثنية والجمع تزول الخصوصية عن الاعلام فتنكر وتجرى مجرى النكرة من أسماء الاجناس فإذا أردت تعريفه عرفته بما تعرف به الاجناس، وأما نحو أبانين وأذرعات وعرفات فتسميته ابتداء تثنية وجمع، كما لو سميت رجلا بخليلان أو مساجد، وإنما عرف مثل ذلك بغير حرف تعريف وجعلت أعلاما لانها (*)

(2/7)


وَعَانِيٌّ (1)
__________
لا تفترق فنزلت منزلة شئ واحد فلم يقع إلياس، واللغة الفصيحة في عرفات الصرف، ومنع الصرف لغة، تقول: هذه عرفات وأذرعات (بالرفع منونا) ورأيت عرفات وأذرعات (بالكسر منونا) ومررت بعرفات وأذرعات (بالجر منونا) لان فيه سبا واحدا، وهذه التاء التي فيه للجمع لا للتأنيث، لانه اسم لمواضع مجتمعة فجعلت تلك المواضع اسما واحدا وكأن اسم كل واحد منهما عرفة وأذرعة، وقيل: بل الاسم جمع والمسمى مفرد، فلذلك لم يتنكر، وقيل: إن التاء فيه لم تتمخض للتأنيث ولا للجمع، فأشبهت التاء في بنات وثبات، وأما من منعها الصرف فانه يقول: إن التنوين فيها للمقابلة أي يقابل النون التى في جمع المذكر السالم، فعلى هذا غير منصرفة ... وينسب إلى أذرعات أذرعي " اه وفي اللسان: " وقال سيبويه: أذرعات بالصرف وغير الصرف، شبهوا التاء
بهاء التأنيث ولم يحفلوا بالحاجز لانه ساكن والساكن ليس بحاجز حصين، إن سأل سائل فقال: ما تقول في من قال هذه أذرعات ومسلمات وشبه تاء الجماعة بهاء الواحدة فلم ينون للتعريف والتأنيث فكيف يقول إذا نكر أينون أم لا، فالجواب أن التنوين مع التنكير واجب هنا لا محالة لزوال التعريف فأقصى أحوال أذرعات إذا نكرتها في من لم يصرف أن تكون كحمزة إذا نكرتها، وكما تقول: هذا حمزة وحمزة آخر (بالتنوين) فتصرف النكرة لا غير فكذلك تقول: عندي مسلمات ونظرت إلى مسلمات أخرى (بالتنوين) فنون مسلمات لا محالة، وقال يعقوب أذرعات ويذرعات موضع بالشأم حكاه في المبدل " اه وفي القاموس: " وأذرعات بكسر الراء وتفتح: بلد بالشأم والنسبة أذرعي بالفتح " اه ومثل قوله: " والنسبة أذرعي بالفتح " في اللسان عن ابن سيده، نقول: أما النسبة بفتح الراء إلى أذرعات (بفتح الراء) فواضحة، فانها لا تعدو حذف تاء التأنيث ثم تحذف الالف لكونها خامسة كألف خوزلى مثلا، وأما النسبة بفتح الراء إلى أذرعات بكسر الراء فانها بعد حذف علامة الجمع، وهى الالف والتاء صار الاسم على أربعة أحرف ثالثها مكسور فلو بقى على حاله لاجتمع كسرتان بعدهما ياءان فخففوا ذلك بفتح الراء كما قالوا في تغلب تغلبى بفتح اللام وأبو العباس محمد بن يزيد المبرد يطرد ذلك ويقيسه، وغيره يقصره على السماع (1) عانات: جمع عانة، وعانة بلد مشهور بين الرقة وهيت يعد في أعمال (*)

(2/8)


ويحذف أَيضاً كل ياء مشددة مزيدة في الآخر (1) ، سواء كانت للنسب أَو للوحدة أَو للمبالغة أو لا لمعنى (2) ، فتقول في المنسوب إِلى بصرى ورومى وأَحمرى وكرسي: بَصْريٌّ ورُوميّ وأَحمرِيّ وكرسيّ، كراهة لاجتماعهما قوله: " وزيادة التثنية والجمع " أَي: جمع السلامة، زيادة التثنية الألف
والنون أَو الياء والنون، في نحو مسلمان ومسلمتان ومسلمَيْن ومسلمَتَيْن، وزيادة الجمع الواو والنون أَو الياء والنون، في نحو مسلمون ومسلِمينَ، والألف والتاء في نحو مسلمات.
__________
الجزيرة، وربما قالوا في الشعر: عانات، كأنهم جمعوها بما حولها.
قال الشاعر (نسبه ابن برى إلى الاعشى) تخيرها أخو عانات شهرا * ورجى خيرها عاما فعاما وعانه أيضا: بلد بالاردن (1) احترز المؤلف بالياء المشددة المزيدة عن ياء القاضي فان فيها خلافا سيأتي تفصيله، وحاصله أن منهم من يرى حذفها ومنهم من يرى جواز حذفها وقلبها واوا، وعن الياء المشددة المكونة من ياءين إحداهما أصل والاخرى زائدة كما في اسم المفعول من الثلاثي الناقص اليائي نحو مكنى ومرمى ومبغى عليه، فان هذه الياء المشددة لا يتحتم حذفها، بل يجوز حذفها وهو الراجح ويجوز حذف الزائدة من الياءين وقلب الاصلية واوا، فيقال: مكنى أو مكنوى، ومرمى أو مرموى ومبغى أو مبغوى، وسيأتي إتمام بحث ذلك (2) ياء الوحدة تدخل على اسم الجنس الجمعي لتكون دالة على الواحد منه نحو روم ورومي، وعرب وعربى وفرس وفرسى، وعجم وعجمي، وترك وتركي، ونبط ونبطى، وياء المبالغة ياء تلحق الاخر للدلالة على نسبة الشئ إلى نفسه، فيكون المنسوب والمنسوب إليه شيئا واحدا كأحمر وأحمرى، ودوار ودوارى، ووجه المبالغة أنهم لما رأوا المنسوب كاملا في معناه ولم يجدوا شيئا ينسبونه إلى أكمل منه في معناه نسبوه إلى نفسه.
وأما الياء الزائدة لا معنى فهى ياء بنى عليها الاسم وليس له معنى بدونها نحو كرسى (*)

(2/9)


أما حذف النوف فواضح، لدلالتها على تمام الكلمة، وياء النسبة كجزء من أَجزائها، وأّما حذف الألف والواو والياء المذكورة فلكونها إِعراباً ولا يكون في الوسط إِعراب، وأَيضاً لو لم تحذف لاجتمع العلامتان المتساويتان في نحو مسلمانيان ومسلمونيون، وعلامتا التثنية والجمع في نحو مسلمونيان ومسلمانيون، فيكون للكلمة إِعرابان، فإِن جعلت المثنى والمجموع بالواو والنون علمين فلا يخلو من أَن تُبْقي الإعراب في حال العلمية كما كان، أَولا (1) ، فإن أَبقيته وجب الحذف أَيضاً في النسبة، إِذ المحذور باق، ولهذا إِذا سميت شخصاً بعشرين أَو مسلمين لم يجز أَن تقول عِشْرُونان وعشرونون ومسلمونان ومسلمونون، وإِن أَعربتهما بالحركات وجعلت النون بعد الألف في المثنى والنون بعد الياء في الجمع مُعتَقَبَ الإِعراب كما عرفت في شرح الكافية لم يكن الألف والياء للإِعراب، ولم يفد النون تمام الكلمة، بل كانت الكلمة كسكران وغِسْلين (2) فيجب أَن
__________
(1) للعلماء في إعراب المثنى وجمع المذكر السالم بعد التسمية بهما أقوال: أما المثنى فمنهم من يعربه بالحروف كما كان قبل التسمية، ومنهم من يلزمه الالف والنون ويعربه إعراب ما لا ينصرف كحمدان، ومنهم من يلزمه الالف والنون ويصرفه كسرحان.
وأما جمع المذكر السالم فمنهم من يعربه بالحروف كما كان قبل العلمية، ومنهم من يجريه مجرى غسلين: أي يلزمه الياء ويعربه بالحركات على النون ويصرفه، ومنهم من يجريه مجرى هرون: أي يلزمه الواو والنون ويمنعه من الصرف للعلمية وشبه العجمة، ومنهم من يجريه مجرى عربون - بضم العين وسكون الراء أو بفتحهما - أي: يلزمه الواو والنون ويصرفه، ومنهم من يلزمه الواو مع فتح النون ويعربه بحركات مقدرة على الواو منع من ظهورها حكاية أصله حالة رفعه التى هي أشرف حالاته (2) الغسلين: ما يخرج من الثوب بالغسل، ومثله الغسالة، والغسلين في
القرآن العزيز: ما يسيل من جلود أهل النار من قيح وغيره، وقال الليث: الغسلين: شديد الحر (يريد أنه وصف) .
وقيل: شجر في النار (*)

(2/10)


ينسب إِليهما بلا حذف شئ، نحو بَحْرَانِيٍّ وقنسريني (1) وأما إذا نسبت
__________
(1) قال المؤلف في ضرح الكافية (ح 2 ص 131) : " إذا أردت التسمية بشئ من الالفاظ: فان كان ذلك اللفظ مثنى أو مجموعا على حده كضاربان وضاربون، أو جاريا مجراهما كائنان وعشرون، أعرب في الاكثر إعرابه قبل التسمية، ويجوز أن تجعل النون في كليهما معتقب الاعراب بشرط ألا يتجاوز حروف الكلمة سبعة، لان حروف قرعبلانة غاية عدد حروف الكلمة، فلا تجعل النون في مستعتبان ومستعتبون معتقب الاعراب، فإذا أعربت النون ألزم المثنى الالف دون الياء، لانها أخف منها، ولانه ليس في المفردات ما آخره ياء ونون زائدتان وقبل الياء فتحة، قال (ابن أحمر وقيل ابن مقبل) * ألا يا ديار الحى بالسبعان * وألزم الجمع الياء دون الواو لكونها أخف منها وقد جاء البحرين في المثنى على خلاف القياس، يقال: هذه البحرين بضم النون ودخلت البحرين (بفتحها) .
قال الازهري: ومنهم من يقول البحران على القياس، لكن النسبة إلى البحران الذى هو القياس أكثر، فبحراني أكثر من بحرينى وإن كان استعمال البحرين مجعولا نونه معتقب الاعراب أكثر من استعمال البحران كذلك، وجاء في الجمع الواو قليلا مع الياء، قالوا: قنسرين وقنسرون، ونصيبين ونصيبون، ويبرين ويبرون، لان مثل زيتون في كلامهم موجود، وقال الزجاج نقلا عن المبرد: يجوز الواو قبل النون المجعول معتقب الاعراب قياسا، قال: ولا أعلم أحدا سبقنا إلى هذا قال أبو علي: لا شاهد له وهو بعيد عن القياس " اه
قال ياقوت: " البحرين: هكذا يتلفظ بها في حال الرفع والنصب والجر، ولم يسمع على لفظ المرفوع من أحد منهم إلا أن الزمخشري قد حكى أنه بلفظ التثنية، فيقولون: هذه البحران وانتهينا إلى البحرين، ولم يبلغني من جهة أخرى ... وهو اسم جامع لبلاد على ساحل بحر الهند بين البصرة وعمان.
قيل: هي قصبة هجر، وقيل: هجر قصبة البحرين، وقد عدها قوم من اليمن، وجعلها آخرون قصبة يرأسها " اه، وقنسرين بكسر أوله وفتح ثانيه وتشديده - وقد كسره قوم - ثم (*)

(2/11)


إلى نحو سِنين وكرينَ غير علمين (1) فإِنه يجب رده إِلى الواحد كما سيجئ
__________
سين مهملة: مدينة من مدن الشام تقع على خط تسع وثلاثين درجة طولا وخمس وثلاثين درجد عرضا قرب حمص، افتتحها أبو عبيدة بن الجراح سنة سبع عشرة من الهجرة.
ونصيبين - بالفتح ثم الكسر ثم ياء علامة الجمع الصحيح: مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل من الموصل إلى الشام، وفيها وفي قراها بساتين كثيرة، بينها وبين الموصل ستة أيام، وعليها سور كانت الروم بنته، ويبرين - بالفتح ثم السكون وكسر الراء وياء ثم نون، ويقال فيه أبرين: اسم قرية كثيرة النخل والعيون العذبة بحذاء الاحساء من بنى سعد بالبحرين، وقال الخارزنجى رمل أبرين ويبربن بلد قيل هي في بلاد العماليق (اليمامة) .
ويبرين أيضا: قرية من قرى حلب ثم من نواحى عزاز.
قال أبو زياد الكلبي أراك إلى كثبان يبرين صبة * وهذا لعمري لو قنعت كثيب وإن الكثيب الفرد من أيمن الحمى * إلى وإن لم آته لحبيب وقال جرير: لما تذكرت بالديرين أرقني * صوت الدجاج وضرب بالنواقيس فقلت للركب إذ جد الرحيل بنا * يا بعد يبرين من بابا الفراديس (1) سنين: جمع سنة، وكرين: جمع كرة، وهما ملحقان بجمع المذكر السالم في الاعراب بالواو والنون أو الياء والنون لكونهما غير علمين ولا وصفين لمذكر
عاقل ولكون بناء واحدهما لم يسلم في الجمع، أذ قد حذفت لانه وأكثر هذا النوع يغير بعض حركات واحده، ومراد المؤلف من " نحو سنين وكرين " كل ثلاثي (*)

(2/12)


من وجوب رد الجموع في النسب إِلى أحادها، سواء جعلت النون معتَقَبَ الإِعراب، أَولا قوله " جاء قِنَّسْرِيّ " يعني في المنسوب إِلى ما لم يجعل نونه مُعْتَقَبَ الإِعراب " وقنسريني " (يعني) في المنسوب إِلى المجعول نونه معتقب الإِعراب.
واعلم أَن علامة النسبة ياء مشددة في آخر الاسم المنسوب إِلى المجرد عنها فيدل على ذات غير معينة موصوفة بصفة معينة وهي النسبة إلى المجرد عنها فيكون كسائر الصفات: من اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، فإِن كلاً منها ذات غير معينة موصوفة بصفة معينة، فيحتاج إِلى موصوف يخصص تلك الذات، إِما هو أَو متعلقه نحو: مررت برجل تميمي، وبرجل مصري حماره، فيرفع في الأول ضمير الموصوف وفي الثاني متعلقه، مثل سائر الصفات المذكورة، ولا يعمل في المفعول به، إِذ هو بمعنى اللازم: أَي مُنتَسِب أَو منسوب، ولعدم مشابهته للفعل لفظاً لا يعمل إِلا في مخصِّص تلك الذات المبهمة المدلول عليها إِما ظاهراً كما في " برجل مصريّ حمارُهُ " أَو مضمراً كما في " برجل تميمي " ولا يعمل في غيره إِلا في الظرف الذي يكفيه رائحة الفعل، نحو " أنا قرشي أَبداً " أَو في الحال (1) المشبه له، كما
__________
حذفت لامه وعوض عنها في المفرد تاء التأنيث ولم يسمع له جمع تكسير على أحد أبنية جموع التكسير المعروفة، وهذا النوع كما يعرب إعراب جمع المذكر السالم يعرب بالحركات الظاهرة على النون، وقد ورد من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم دعاء على أهل مكة " اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف " وغرض المؤلف مما ذكر ذفع ما يتوهم من أن نحو سنين كالجمع والمثنى المسمى إذا أعربا بالحركات
فبين أن هذا النوع يرد إلى واحده في كل حال (1) نريد أن نبين لك أولا: أن قول المؤلف المشبه له ليس للاحتراز وإن ما هو صفة كاشفة الغرض منها التعليل لعمل المنسوب في الحال كعمله في الظرف الذي يكفيه رائحة الفعل، وثانيا: أن وجه الشبه بين الحال والظرف من ناحية أن معناهما (*)

(2/13)


مضى في بابه، قال عمران بن حِطَّان: 44 - يَوْماً يَمَانٍ إِذَا لاَقَيْتُ ذَا يَمَنٍ * وإِنْ لَقِيتُ معديا فعدناني (1)
__________
واحد، ألا ترى أن قولك جاء زيد راكبا وقت ركوبه، ولهذا صح أن كل شئ دل على معنى الفعل يعمل فيهما فاسم الفاعل واسم المفعول وسائر الصفات وأسماء الافعال والحروف المشبهة للفعل، كل ذلك يعمل في الظرف والحال جميعا، وثالثا: أنهما وإن تشابها فيما ذكرنا فان بينهما فرقا، ألا ترى أن الحال لا يجوز أن تتقدم على عاملها المعنوي إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا على الصحيح والظرف يتقدم عليهما، ومثال عمل المنسوب في الحال أنت قرشي خطيبا وهو تميمي متفاخرا (1) هذا البيت لعمران بن حطان السدوسي الخارجي وهو أحد المعدودين من رجالات الخوارج علما ومعرفة وحفظا وكان عبد الملك بن مروان قد أهدر دمه فطلبه عماله على الجهات فكان دائم النقلة وكان إذا نزل على قوم انتسب لهم نسبا قريبا من نسبهم، والبيت من كلمة له يقولها لروح بن زنباع الجذامي وكان عمران قد نزل عليه ضيفا وستر عنه نفسه وانتسب له أزديا، فلما انكشفت حاله ترك له رقعة مكتوبا فيها: يا روح كم من أخى مثوى نزلت به * قد ظن ظنك من لخم وغسان حتى إذا خفته فارقت منزله * من بعد ما قيل عمران بن حطان
قد كنت جارك حولا ما تروعني * فيه روائع من إنس ومن جان حتى أردت بي العظمى فأدركني * ما أدرك الناس من خوف ابن مروان (*)

(2/14)


أَما سائر الصفات المذكورة فلمشابهتها للفعل لفضا أيضا نتعدى في العمل إِلى غير مخصِّص تلك الذات المدلول عليها من الحال والظرف وغيرهما.
فإِن قيل: فاسم الزمان والمكان أَيضاً نحو الْمَضْرِب وَالْمَقْتَل واسم الآلة يدلان على ذات غير معينة موصوفة بصفة معينة، إِذ معنى الْمَضْرب مكان أَو زمان يضرب فيه، ومعنى المِضْرَب آلة يضرب بها، فهلاَّ رفعا ما يخصص تينك الذاتين أَو ضميره.
فيقال: صمت يوماً مَعْطَشاً: أَي معطشاً هو، وصمت يوماً مَعْطَشاً نِصْفُه، وسرت فرسخاً مَعْسِفاً: (1) أَي مَعْسِفاً هو، وسرت فرسخاً معسفاً نصْفُه.
فالجواب أَن اقتضاء الصفة والمنسوب لمتبوع يخصِّص الذاتَ المبهمة التي يدلاّن عليها وضعيٌّ بخلاف الآلة واسمي الزمان والمكان فإِنها وضعت على أَن تدل على ذات مبهمة متصفة بوصف معين غير مخصصة بمتبوع ولا غيره، فلما لم يكن لها مخصص لم تجر عليه، ولم ترفعه، ولم تنصب أَيضاً شيئاً، لأن النصب
__________
فاعذر أخاك ابن زنباع فإن له * في النائبات خطوبا ذات ألوان يَوْماً يَمَانٍ إِذَا لاَقَيْتُ ذَا يَمَنٍ * وإِنْ لَقِيتُ مَعَدِّيًّا فَعَدْنَانِي لو كنت مستغفرا يوما لطاغية * كنت المقدم في سرى وإعلاني لكن أبت لي آيات مطهرة * عند الولاية في طه وعمران ولم يشرح البغدادي هذا البيت في شرح شواهد الشافية وقد ذكر قصة عمران وأبياته في شرح شواهد الكافية (ش 397) انظر خزانة الادب (2: 435 - 441) وكامل المبرد ح 2 ص 108 وما بعدها)
(1) المعسف: اسم مكان من العسف، وهو الاخذ في غير الجادة، وأصله السير على غير الطريق، وبابه ضرب (*)

(2/15)


في الفعل الذي هو الأصل في العمل بعد الرفع فكيف في فروعه، فمن ثم أَوَّلُوا قوله: 45 - كأن مجر الرامسات ذيولبا * عليه قضيم نمقته الصوانع (1)
__________
(1) هذا البيت للنابغة الذبياني من قصيدة طويلة أولها عفا ذو حسا من فرتنى فالفوارع * فجنبا أريك فالتلاع الدوافع وقبل البيت المستشهد به قوله: توهمت آيات لها فعرفتها * لستة أعوام وذا العام سابغ رماد ككحل العين ما إن تبينه * ونؤى كذم الحوض أثلم خاشع وذو حسا، وفرتنى، وأريك: مواضع.
ويروى * عفا حسم من فرتني * وهو موضع أيضا.
وتوهمن: تفرست، والايات: العلامات، واللام في قوله " لستة أعوام " بمعن بعد، وما في قوله " ما إن تبينه " نافيه، وإن بعدها زائدة، وتبينه: تظهره، والنؤى - بضم فسكون -: حفيرة تحفر حول الخباء لئلا يدخله المطر، والجذم - بكسر فسكون -: الاصل، والخاشع: اللاصق بالارض، والضمير في عليه راجع إلى النؤى، والرامسات: الرياح الشديدة الهبوب وهي مأخوذة من الرمس وهو الدفن، ومنه سمى القبر رمسا، لانها إذا هبت أثارت الغبار فيدفن ما يقع عليه، والمراد من ذيولها أواخرها التى تكون ضعيفة، والقضيم - بفتح فكسر -: الجلد الابيض، ويقال: هو حصير خيوطه من سيور.
ونمقته: حسنته.
والصوانع: جمع صانعة وهى اسم فاعل من الصنع.
والاستشهاد بالبيت على أن مجر الرامسات مصدر ميمى بمعنى الجر، وإضافته
إلى الرامسات من إضافة المصدر لفاعله، وذيولها مفعوله والكلام على تقدير مضاف، وكأنه قد قال: كأن أثر جر الرامسات ذيولها، فأما أن مجر (*)

(2/16)


بقولهم: كان أَثر مجر أَو موضع، على حذف المضاف، وعلى أَن مجر بمعنى جر مصدر.
وأما المصغر فموضوع لذات مخصوصة بصفة مخصوصة، إِذ معنى رجيل رجل صغير، فليس هناك مخصص غير لفظ المصغر حتى يرفعه، هذا، واعلم أَن المنسوب إِليه يلزمه بسبب ياء النسب تغييرات: بعضها عام في جميع الأسماء، وبعضها مختص ببعضها، فالعام كسر ما قبلها ليناسب الياء، والمختص: إِما حذف الحرف، كحذف تاء التَّأْنيث وعلامتي التثنية والجمعين وياء فعلية وفعيلة وفعيل وفعيل المعتلى اللام وواو فَعُولة، وإِما قلب الحرف كما في رحوى وعَصَوِي وعَمَوِي في عَمٍ، وإِما رد الحرف المحذوف كما في دَمَوِي، وإِما إِبدال بعض الحركات ببعض كما في نَمَرِي وشَقَرِي (1) ، وإِما زيادة الحرف كما في كمِّيّ ولائي، وإِما زيادة الحركة كما في طَوَوِي وحَيَوي، وإِما نقل بنية إِلى أَخرى كما تقول في المساجد مسجدي، وإِما حذف كلمة كمرئي في امرئ القيس، هذا هو القياسي من التغييرات، وأما الشاذ منها فسيجئ في أَماكنه.
قال: " وَيُفْتَحُ الثَّانِي مِنْ نَحْوِ نَمِرٍ وَالدُّئِلِ بِخِلاَفِ تغلبي على الافصح "
__________
مصدر فلما ذكره المؤلف من أن اسم المكان والزمان لا ينصبان المفعول، لانهما لا يرفعان وعمل النصب فرع عمل الرفع، وأما تقدير المضاف فليصح المعنى، لانك لو لم تقدره لكنت قد شبهت الحدث وهو الجر بالذات وهو القضم، وإنما يشبه الحدث بالحدث أو الذات بالذات، وهذا واضح بحمد الله إن شاء الله
(1) شقرى - بفتح الشين والقاف جميعا -: منسوب إلى شقرة - بفتح فكسر - وهى شقائق النعمان، وشقائق النعمان: نبات له نور أحمر، يقال: أضيفت إلى النعمان بن المنذر لانه حماها، وقيل: إنها أضيفت الى النعمان بمعنى الدم لانها تشبهه في اللون، وهو الاظهر عندنا (*)

(2/17)


أَقول: اعلم أَن المنسوب إِليه إِذا كان على ثلاثة أَحرف أَوسطُها مكسورٌ وجب فتحه في النسب، وذلك ثلاثة أَمثلة: نَمر، ودُئِل، وإِبل، تقول: نَمَرِي ودُؤَلي وإِبَلي، وذلك لأنك لو لم تفتحه لصار جميع حروف الكلمة المبنية على الخفة: أَي الثلاثيَّةِ المجردة من الزوائد، أَو أَكثرُها، على غاية من الثقل، بتتابع الأمثال: من الياء والكسرة، إِذ في نحو إِبلِي لم يخلص منها حرف، وفي نحو نمري ودُئِلِيٍّ وخَرِبي (1) لم يخلص منها إِلا أَول الحروف، وأَما نحو عَضُدي وعُنقي فإِنه وإِن استولت الثقلاء أَيضاً على البنية المطلوبة منها الخفة إِلا أَن تغاير الثقلاء هون الأمر، لأن الطبع لا ينفر من توالي المختلفات وإِن كانت كلها مكروهة كما ينفر من توالى المتمائلات المكروهة، إذ مجرد التوالي مكروه حتى في غير المكروهات أَيضاً، وكل كثير عدو للطبيعة.
وأَما إِذا لم يكن وضع الكلمة على أَخف الأبنية بأَن تكون زائدة على الثلاثة فلا يستنكر تتالي الثقلاء الأمثالِ فيها، إِذ لم تكن في أَصل الوضع مبنية على الخفة، فمن ثَمَّ تقول تَغْلِبي ومَغْرِبي وَجَنَدِلِيٌّ (2) وغلبطى (3) ومستخرجي ومدحرجى وجحمرشى.
__________
(1) خربي: منسوب إلى خربة - كنبقة - وهي موضع الخراب الذي هو ضد العمران، أو هو منسوب إلى خرب بزنة كتف - وهو جبل قرب تعار (جبل ببلاد قيس) ، وأرض بين هيت (بلد بالعراق) والشام، وموضع بين فيد (قلعة
بطريق مكة) والمدينة (2) جندلى: منسوب إلى جندل وهو المكان الغليظ الذي فيه الحجارة، قال ابن سيده: " وحكاه كراع بضم الجيم.
قال: ولا أحقه " اه (3) العلبط والعلابط: القطيع من الغنم، ويقال: رجل علبط، وعلابط، إذا كان ضخما عظيما، وصدر علبط، إذا كان غليظا عريضا، ولبن علبط، إذا كان رائبا خاثرا جدا، وكل ذلك محذوف من فعالل وليس بأصل، لانه لا تتوالى أربع حركات (*)

(2/18)


هذا عند الخليل، فتغلَبي بالفتح عند شاذ لا يقاس عليه، واستثنى المبرد من جملة الزائد على الثلاثة ما كان على أَربعة ساكن الثاني نحو تغلِبي ويثربي فأَجاز الفتح فيما حرفه الأخير مع الكسر، قياساً مطرداً، وذلك لأن الثانيَ ساكن والساكنُ كالميت المعدوم، فلحق بالثلاثي.
والقول ما قاله الخليل، إِذ لم يسمع الفتح إِلا في تغلِبِيّ (1) .
ومن كسر الفاء إِتباعاً للعين الحلقي المكسور في نحو الصّعقِ قال في المنسوب صِعَقِي - بكسر الصاد وفتح العين - قال سيبويه: سمعناهم (2) يقولون صِعقي - بكسر الصاد والعين - وهو شاذ، ولعل ذلك ليبْقى سبب كسر الصاد بحاله أَعني كسر العين.
__________
(1) دعوى المؤلف أنه لم يسمع الفتح إِلا في تغلبي غير صحيحة فقد قال صاحب اللسان: " النسب إلى يثرب يثربي ويثربي، وأثربي وأثربي (بفتح الراء وكسرها فيها) .
فتحو الراء استثقالا لتوالى الكسرات "، اه وفي حواشي ابن جماعة على الجار بردى: أنهم نسبوا إلى المشرق والمغرب بالفتح والكسر، (2) الصعق - بفتح الصاد وكسر العين - وبعضهم يقوله بكسرتين، فيتبع الفاء للعين، وهو صفة مشبهة، ومعناه المغشى عليه، والفعل صعق كسمع صعقا -
بفتح فسكون أو بفتحين - وقد لقب بالصعق خويلد بن نفيل.
قال في القاموس: " ويقال فيه الصعق كابل والنسبة صعقى محركة، وصعقي كعنبى على غير قياس، لقب به لان تميما أصابوا رأسه فكان إذا سمع صوتا صعق، أو لانه اتخذ طعاما فكفأت الريح قدوره فلعنها فأرسل الله عليه صاعقة " اه وقال سيبويه (2: 73) " وقد سمعنا بعضهم يقول في الصعق: صعقي (بكسر الصاد والعين) يدعه على حاله وكسر الصاد لانه يقول صعق (بكسرتين) والوجه الجيد فيه صعقى (بفتحتين) وصعقي (بكسر ففتح) جيد " اه وملخص هذا أن من يقول صعقا كابل ينسب إليه على لفظه وقياسه فتح العين مع بقاء كسر الصاد، وأن خيرا من ذلك أن يقال في المنسوب إليه صعق - بفتح وكسر - وينسب إليه صعقى - بفتحتين - (*)

(2/19)


قال: " وتحذف والوا وَالْيَاءُ مِنْ فَعُولَةَ وَفَعِيلَةَ بِشَرْطِ صِحةِ الْعَيْنِ وَنَفْي التَّضْعِيفِ كَحَنفِيٍّ وَشَنئِيٍّ، وَمِنْ فُعَيْلَة غَيْرَ مُضَاعَفٍ كجهني بخلاف طويلي وشديدي، وسليقي وَسَلِيمِيٌّ فِي الأَزْدِ، وَعَمِيريٌّ فِي كَلْبٍ، شَاذ، وعُبَدِيٌّ وَجُذَمِيٌّ فِي بني عَبِيدَةَ وَجَذِيمَةَ أَشَذ، وَخُريْبيٌّ شَاذٌّ، وثَقَفِيٌّ وَقُرَشِيٌّ وفُقمِيٌّ فِي كِنَانَةَ، ومُلَحِيٌّ في خُزَاعَةَ، شَاذٌّ وتُحْذَفُ الْيَاءُ مِنَ الْمُعْتَلِّ اللاَّمِ مِنَ المُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، وَتُقْلَبُ الْياءُ الأخِيرَةُ وَاواً كَغَنَوِيٍّ وقصَوِيٍّ وَأُمَوِيٍّ، وَجَاء أميى بخلاف غنوى، وأموى شاذ، وأجرى يحوى فِي تَحِيَّةَ مُجْرَى غَنَوِيٍّ، وَأَمَّا في نَحْوِ عَدُوٍّ فَعَدُوِّيٌّ اتِّفَاقاً، وَفِي نَحْوِ عَدُوَّةَ قَالَ الْمُبَرِّدُ مِثْلُهُ وقال سيبويه عدوى "
أَقول: اعلم أَن سبب هذا التغيير قريب من اسبب الأول، وذلك أَن فَعِيلاً وفُعَيلاً قريبان من البناء الثلاثي، ويستولي الكسر مع الياء على أَكثر حروفها لو قلت فَعِيلي وفُعَيْلي، وهو في الثاني أَقل، وأَما إِذا زادت الكلمة على هذه البنية مع الاستيلاء المذكور نحو إِزْمِيليٍّ (1) وسِكِّيتِيٍّ وسُكَّيْتِيٍّ (2) بتشديد الكاف فيهما
__________
(1) إزميلى منسوب إلى إزميل - بكسر أوله وثالثه وسكون ثانيه - وهو شفرة الحذاء، والحديدة في طرف الرمح لصيد البقر، والمطرقة، والازميل من الرجال الشديد والضعيف، فهو من الاضداد (2) سكيتى بكسر أوله وتشديد ثانيه وآخره ياء مشددة -: منسوب إلى سكيت، وهو كثير الكسوت، وسكيتى - بضم أوله وتشديد ثانيه وآخره ياء مشددة -: منسوب إلى سكيت، وهو الذي يجئ في آخر الحلبة آخر الخيل (*)

(2/20)


فلا يحذف منها حرف المد، سواء كانت مع التاء أولا، إذ وضعها إذن على الثقل فلا يستنكر الثقل العارض في الوضع الثاني، أَعني وضع النسبة، لكن مع قرب بناء فَعِيل وفُعَيْل من البناء الثلاثي ليسا مثله، إذ ذاك موضوع في الأصل على غاية الخفة، دون هذين، فلا جَرَمَ لم يفرق في الثلاثي بين فَعِل وفَعِلة نحو نَمِرٍ ونَمِرَة، وفتح العين في النسب إِليهما، وأَما ههنا فلكون البناءين موضوعين على نوع من الثقل بزيادتهما على الثلاثي لم يستنكر الثقل العارض في النسب غايةَ الاستنكار حتى يُسَوَّى بين المذكر والمؤنث، بل نظر، فلما لم يحذف في المذكر حرف لم يحذف حرف المد أَيضاً، ولما حذف في المؤنث التاء كما هو مطرد في جميع باب النسب صار باب الحذف مفتوحا، فحذف حرف اللين أَيضاً، إِذ الحذف يذكر الحذف، فحصل به مع التخفيف الفرق بين المذكر والمؤنث، وكذا ينبغي أَن يكون: أَي يحذف للفرق بين المذكر والمؤنث، لأن المذكر أَول، وإِنما حصل الالتباس بينهما
لما وصلوا إِلى المؤنث، ففصلوا بينهما بتخفيف الثقل الذي كانوا اغتفروه في المذكر وتناسوه هناك، وإِنما ذكروه ههنا بما حصل من حذف التاء مع قصد الفرق، فكان على ما قيل: * ذَكَّرْتَنِي الطَّعْنَ وَكُنْتُ ناسيا * (1)
__________
(1) قال الميداني في مجمع الامثال (1: 45 طبع بولاق) : " قيل إن أصله أن رجلاً حمل على رجل ليقتله وكان في يد المحمول عليه رمح فأنساه الدهش والجزع ما في يده، فقال له الحامل: ألْقِ الرمح، فقال الآخر: إن معي رمحاً لا أشعر به؟ ! ذكرتني الطعن - المثل، وحمل على صاحبه فطعنه حتى قتله أو هزمه.
يضرب في تذكر الشئ بغيره، يقال: إن الحامل صخر بن معاوية السلمي والمحمول عليه يزيد بن الصعق، وقال المفضل: أول من قاله رهيم بن حزن الهلالي - رهيم ككميت، وحزن كفلس - وكان انتقل بأهله وماهل من بلده يريد بلد آخر فاعترضه قوم من بني تغلب فعرفوه، وهو لا يعرفهم، فقالوا له: خَلِّ ما معك (*)

(2/21)


ويذكرون التخفيف أَيضاً بسبب آخر غير حذف التاء، وهو كون لام الفعل في فَعِيل وفُعِيل ياءً نحو عَلي وقُصَي، خففوا لأجل حصول الثقل المفرط لو قيل عَلِيِّيٌّ وقُصَيِّيٌّ في البناء القريب من الثلاثي، ولم يفرقوا في هذا السبب.
لقوته بين ذي التاء وغيره، فالنسبة إِلى علي وعلية عَلَوِي، وكذا قصي وأَمية، كما استوى في نَمِر ونَمِرة، خففوا هذا بحذف الياء الساكنة لأن ما قبل ياء النسبة لا يكون إِلا متحركاً بالكسر كما مر، والأولى مَد فلا يتحرك، وتقلب الياء الباقية واواً لئلا يتوالى الأمثال، فإِن الواو وإِن كانت أَثقل من الياء
__________
وانج، قال لهم: دونكم المالَ ولا تتعرضوا لِلْحُرَم، فقال له بعضهم: إن أردت أن نفعل ذلك فألقِ رمحك، فقال: وإن معي لَرُمْحاً؟ ! فشد عليهم فجعل يقتلهم
واحداً بعد واحد وهو يرتجز ويقول: رُدُّوا عَلَى أقْرَبِهَا الأقَاصِيَا * إنَّ لَهَا بالمَشْرِفِيِّ حَادِيَا ذَكَّرْتَنِي الطعن وكنت ناسيا " اه والضمير في " أقربها " يعود إلى الابل المفهومة من الحال وإن لم يجر لها ذكر في الكلام، والاقاصى: جمع أقصى أفعل تفضيل من قصى كدعا ورضى: أي بعد والمشرفي - بفتح الميم والراء: منسوب إلى مشارف، وهى قرى قرب حوران منها بصرى من الشام ثم من أعمال دمشق، إليها تنسب السيوف المشرفية.
قال أبو منصور الازهرى: قال الاصمعي: السيوف المشرفية منسوبة إلى مشارف، وهى قرى من أرض العرب تدنو من الريف، وحكى الواحدى: هي قرى باليمن، وقال أبو عبيدة: سيف البحر شطه، وما كان عليه من المدن يقال لها المشارف تنسب إليها السيوف المشرفية، قال ابن إسحاق: مشارف قرية من قرى البلقاء.
نقول: فمن قال إن مشسارف قرى فهو جمع لفظا ومعنى، فالنسبة إليه برده إلى واحده، فيقال: مشرفى، وهو قياس، ومن قال: إن مشارف قرية فهو جمع لفظا مفرد في المعنى، فالنسبة إليه تكون على لفظه، فيقال: مشارفي، فقولهم مشرفى على هذا الوجه شاذ (*)

(2/22)


لو انفردت لكنهم استراحوا إِليها من ثقل تتالي الأمثال كما ذكرنا، ولا تكاد تجد ما قبل ياء النسبة ياء إِلا مع سكون ما قبلها نحو ظبي لأن ذلك السكون يقلل شيئاً من الثقل المذكور، أَلا ترى أَن حركة الياء تستثقل في قاض إِذا كانت ضمة أَو كسرة، بخلاف ظبي، وليس الثقل في نحو أَمِيِّيٍّ لانفتاح ما قبل أَولى الياءين المشددتين كالثقل في نحو عَلِيِّيٍّ، لأن ههنا مع الياءين المشددتين كسرتين، فلهذا كان استعمال نحو أَميي بياءين مشددتين أكثر من استعمال
نحو عديي كذلك، وقد جاء نحو أميي وعديي بياءين مشددتين فيهما في كلامهم كما حكى يونس، وإِن كان التخفيف فيهما بحذف أَولى الياءين وقلب الثانية واواً أَكثر.
وأَما فَعُول وفَعُولة فسيبويه (1) يجريهما مجرى فَعِيل وفَعِيلة في حذف حرف اللين في المؤنث دون المذكر قياسا مطرداً، تشبيهاً لواو المد بيائه لتساويهما في المد وفي المحل أَعني كونهما بعد العين، ولهذا يكونان رِدْفاً في قصيدة واحدة كما تقول مثلاً في قافية غفور وفي الأخرى كبير، وقال المبرد شنئى في شنوأة شاذ لا يجوز القياس عليه، وقال: بين الواو والياء والضم والكسر في هذا الباب فرق، أَلا ترى أنهم قالوا نَمَرِي بالفتح في نمر ولم يقولوا في سمر سمرى اتفاقا،
__________
(1) قال العلامة الشيخ خالد الازهرى: " وما ذكرناه في فعيلة وفعيلة من وجوب حذف الياء فيهما وقلب الكسرة فتحة في الاولى فلا نعلم فيه خلافا، وأما فعولة فذهب سيبويه والجمهور إلى وجوب حذف الواو والضمة تبعا واجتلاب فتحة مكان الضمة، وذهب الاخفش والجرمي والمبرد إلى وجوب بقائهما معا، وذهب ابن الطراوة إلى وجوب حذف الواو فقط وبقاء الضمة بحالها " اه ومنه تعلم أن المذهب المنسوب إلى أبى العباس محمد بن يزيد المبرد أصله للاخفش والجرمي، فأنهما سابقان عليه، وتعلم أيضا أن في الكسألة رأيا ثالثا وهو مذهب ابن الطراوة (*)

(2/23)


وكذا قالوا في المعتل اللام في نحو عَدِيٍّ عَدَوِي وفي عدو عَدُوِّي اتفاقاً، فكيف وافق فَعُولة فَعِيلة ولم يوافق فَعُل فعيلا ولا فَعُول المعتل اللام فَعيلاً، وكذا فعُولة المعتل اللام بالواو أَيضاً، عند المبرد فَعُوليٌّ، وعند سيبويه فَعَلى كما كان في الصحيح.
فالمبرد يقول في حَلُوب، وحَلُوبة حَلُوبي، وكذا في عَدُوٍّ وعَدُوَّة عَدُوِّي،
ولا يفرق بين المذكر والمؤنث لا في الصحيح اللام ولا في المعتلة، ولا يحذف الواو من أَحدهما، وسيبويه يفرق فيهما بين المذكر والمؤنث، فيقول في حلوب وعَدُوٍّ: حلوبي وعدوي، وفي حلوبة وعدوة: حَلَبي وعَدَوي، قياساً على فعيل وفعيلة، والذي غره شنوءة فإِنهم قالوا فيها شَنَئِيّ، ولولا قياسها على نحو حَنِيفة لم يكن لفتح العين المضمومة بعد حذف الواو وجه، لأن فَعُلِيًا كَعَضُدي وعَجُزي موجود في كلامهم، فسيبويه يشبه فَعُولة مطلقاً قياساً بفَعِيلة في شيئين: حذف اللين، وفتح العين، والمبرد يقصر ذلك على شنوءة فقط، وقد خلط المصنف (1) ههنا في الشرح فاحذر تخليطه، وقول المبرد ههنا متين كما ترى (2) .
__________
(1) قال ابن جماعة في حواشي الجاربردى: " زعم الشاح تبعا للشريف والبدر ابن مالك أن كلام المصنف في الشرح المنسوب إليه يقتضى أن يكون الحاذف المبرد وغير الحاذف سيبويه، وإنه خطأ وقع منه، وساق كلامه على حسب ما وقع في نسخته، والذي رأيته في الشرح المذكور عكس ذلك الواقع موافقا لما في المتن، ولعل النسخ مختلفة، فلتحرر " اه ومنه تعلم أن التخليط الذى نسبه المؤلف إلى ابن الحاجب ليس صحيح النسبة إليه، وإنما هو من تحريف النساخ، والشريف الذي يشير إليه هو الشريف الهادي وهو أحد شراح الشافية، وليس هو الشريف الجرجاني (2) قد قوى مذهب أبى العباس المبرد بعض العلماء من ناحية القياس والتعليل والاخذ بالنظائر والاشباه فقد قال العلامة ابن يعيش (5: 147) : " وقول أبى العباس متين من جهة القياس، وقول سيبويه أشد من جهة السماع، وهو قولهم (*)

(2/24)


قوله: " بشرط صحة العين ونفي التضعيف " يعني إِن كان فَعُولة معتلة العين نحو قووله وبَيُوعة في مبالغة قائل وبائع، أَو كانت مضاعفة نحو كدودة، وكذا إِن كانت فعيلة معتلة العين كحَوِيزة وبَيِيعَة من البيع، أَو مضاعفة كشديدة،
لم تحذف حرف المد في شئ منها، إِذ لو حذفته لقلت قَوَليٌّ وَبَيعيٌّ وكَدَدِيٌّ وحَوَزِي (1) وبَيَعِيٌّ وشَدَدِيٌّ، فلو لم تدغم ولم تتقلب الواو ولا الياء ألفا
__________
شنئى وهذا نص في محل النزاع " اه، لكن ابن جماعة قال بعد حكاية الاقوال في هذا المسألة: " والاول مذهب سيبويه وهو الصحيح، للسماع، فان العرب حين نشيت إلى شنوءة قالوا: فان قيل: شنئى شاذ، أجيب بأنه لو ورد نحوه مخالفا له صح ذلك، ولكن لم يسمع في فعولة غيره، ولم يسمع إلا كذلك، فهو جميع المسموع منها، فصار أصلا يقاس عليه " اه، والذى ذكره ابن جماعة في مذهب سيبويه وجيه كما لا يخفى (1) الذي في القاموس: الحويزة كدويرة: قصبة بخوزستان، وكجهينة ممن قال الحسين، وبدر بن حويزة محدث " اه والذى في اللسان: " وبنو حويزة قبيلة قال ابن سيده: أظن ذلك ظنا " اه وليس فيهما حويزة - بفتح فكسر - كما يؤخذ من كلام المؤلف، ولكن الذي في ابن يعيش يقتضى صحة كلام المؤلف، فانه قال في (5: 146) : " وكذلك لو نسبت إلى بنى طويلة وبنى حويزة وهم في التيم قلت: طويلى وحويزى، والتصريف يوجب أن الواو إذا تحركت وانفتح ما قبلها قلبت ألفا كقولهم: دار، ومال، وحذف الياء إنما هو لضرب من التخفيف، فلما آل الحال إلى ما هو أبلغ منه في الثقل أو إلى اعلال الحرف احتمل ثقله وأقر على حاله " اه وفي كلام سيبويه ما يؤيد صحة ما يؤخذ من كلام ابن يعيش، فقد قال في (2: 71) : " وسألته عن شديدة، فقال: لا أحذف لا ستثقالهم الضعيف، وكأنهم تنكبوا التقاء الدالين وسائر هذا من الحروف، قلت: فكيف تقول في بنى طويلة، فقال: لا أحذف لكراهيتهم تحريك هذه الواو في فعل (بفتحتين) ألا ترى أن فعل من هذا الباب العين فيه ساكنة والالف مبدلة فيكره هذا كما يكره التضعيف، وذلك قولهم في بنى حويزة حويزى " (*)

(2/25)


لكنت كالساعي إِلى مَثْعَبٍ مُوَائلاً من سَبَل (1) الراعد، إِذ المد في مثله ليس في غاية الثقل كما ذكرنا، ولذلك لم يحذف في المجرد عن التاء الصحيح اللام، بل حذفه لأدنى ثقل فيه، حملاً على الثلاثي كما مر، مع قصد الفرق بين المذكر والمؤنث، واجتماع المثلين المتحركين في كلمة (2) وتحرك الواو والياء عينين مع انفتاح
__________
(1) أخذ هذه العبارة من بيت لسعيد بن حسان بن ثابت وهو مع بيت قبله: فَرَرْتُ مِنْ مَعْنٍ وَإفْلاَسِهِ * إلَى الْيَزِيديّ أبِي واقد وَكُنْتُ كَالسَّاعِي إلَى مَثْعَبٍ * مُوَائِلاً مِنْ سَبَلِ الراعد ومعن المذكور هنا هو معن بن زائدة الشيباني الذى يضرب به المثل في الجود، وإنما أضاف الافلاس إليه لان الافلاس لازم للكرام غالبا، والمراد باليزيدى أحد أولاد يزيد بن عبد الملك، والمثعب - بفتح اليم وسكون الثاء وفتح العين المهملة -: مسيل الماء.
وموائل: اسم فاعل من واءل إلى المكان مواءلة ووئالا: أي بادر.
والسبل - بفتحتين -: المطر.
والراعد: السحاب ذو الرعد (2) هذا الذي ذكره المؤلف في تعليل عدم حذف المد من فعولة وفعيلة المضاعفين مسلم في فعولة وليس بمسلم في فعيلة، لانه بعد حذف حرف المد من نحو شديدة تفتح العين فيصير شددا كلبب ومثل هذا الوزن يمتنع الادغام فيه لخفته ولئلا يلتبس بفعل ساكن العين.
قال المؤلف في باب الادغام: " وإن كان (يريد اجتماع المثلين) في الاسم، فأما أن يكون في ثلاثي مجرد من الزيادة أو في ثلاثي مزيد فيه، ولا يدغم في القسمين إلا إذا شابع الفعل، لما ذكرنا في باب الاعلال من ثقل الفعل فالتخفيف به أليق، فالثلاثي المجرد إنما يدغم إذا وازن الفعل نحو رجل صب.
قال الخليل: هو فعل - بكسر العين - لان صببت صبابة فأنا صب كقنعت قناعة فأنا قنع، وكذا طب طبب، وشذ رجل ضفف، والوجه ضف، ولو بنيت مثل نجس (بضم العين) من رد قلت: رد بالادغام، وكان
القياس أن يدغم ما هو على فعل كشرر وقصص وعدد لموازنته الفعل، لكنه لما كان الادغام لمشابهة الفعل الثقيل وكان مثل هذا الاسم في غاية الخفة لكونه مفتوح (*)

(2/26)


ما قبلهما قليلان متروكان عندهم، ولو أَدغمت وقبلت لبعدت الكلمة جداً عما هو أَصلها لا لموجب قوي.
فإِن قلت: لم تقلب الواو والياء أَلفاً في قَوُول وبَيُوع وبَيِيع مع تحركهما وانفتاح ما قبلها، فما المحذور لو لم تقلبا أَيضاً مع حذف المد؟ فالجواب أَنهما لم تقلبا مع المد لعدم موازنة الفعل معه التي هي شرط في القلب كما يجئ في باب الإعلال، ومع حذف المد تحصل الموازنة.
قوله: " ومن فُعَيلة غير مضاعف "، إِنما شرط ذلك لأنه لو حذف من مد يدي في مُدَيْدة (1) لجاء المحذور المذكور في شَديدة، ولم يشترط ههنا صحة العين لأن (نحو) قُوَيْمة (2) إِذا حذف ياؤه لم تكن الواو متحركة منفتحاً ما قبلها كما كان يكون في طَوِيلة وقووله لو حذف المد.
__________
الفاء والعين - ألا ترى إلى تخفيفهم نحو كبِدٍ وعَضُدٍ دون نحو جَمَل - تركوا الإدغام فيه، وأيضا لو أدغم فعل (بفتح الفاء والعين) مع خفته لالتبس بفَعْلٍ ساكن العين فيكثر الالتباس، بخلاف فَعِلٍ وفَعُل بكسر العين وضمها فإنهما قليلان في المضعف، فلم يكثرت بالالتباس القليل، وإنما اطرد قلب العين في فعل (بفتحتين) نحو دار وباب ونار وناب ولم يجز فيه الإدغام مع أن الخفة حاصلة قبل القلب كما هي حاصلة قبل الإدغام، لأن القلب لا يوجب التباس فعل (بفتحتين) بفعل (بفتح فسكون) ، إذ بالألف يعرف أنه كان متحرك العين لاساكنها بخلاف الادغام " اه (1) مديدة: تصغير " مدة " ويجوز أن يكون المكبر بضم أوله ومعناه الزمان وما أخذت من المداد على القلم.
وبالفتح ومعناه واحدة المد الذى هو الزيادة
في أي شئ.
وبالكسر ومعناه ما يجتمع في الجرح من القيح (2) قويمة: تصغير قامة أو قومة أو قيمة، فأما القامة فمصدر بمعنى القيام، أو هي جمع قائم كقادة في جمع قائد، أو حسن طول الانسان، أو اسم بمعنى جماعة الناس.
وأما القومة فمصدر بمعنى القيام أيضا، أو المرة الواحدة منه.
وأما القيمة فثمن الشئ بالتقويم وأصلها قومة قلبت الواو ياء لسكوتها إثر كسرة (*)

(2/27)


قوله " وسيلقى شاذ " السليقة: الطبيعة، والسليقي: الرجل يكون من أَهل السليقة، وهو الذي يتكلم بأَصل طبيعته (ولغته) ويقرأَ القرآن كذلك، بلا تتبع للقراء فيما نقلوه من القراآت، قال: وَلَسْتُ بنحْوِيٍّ يَلُوكُ لسَانَهُ * ولَكِنْ سَلِيقِيٌّ أقول فأعرب (1) قول " وسليمي في الأزد وعميري في الكلب "، يعني إِن كان في العرب سَلِيمة في غير الأزْد وعَمِيرة في غير كَلْب، أَو سميت الآن بسَلِيمة أَو عَمِيرة شخصاً أَو قبيلد أَو غير ذلك قلت: سَلَمِي وعمري في القياس، والذي شذ هو المنسوب إِلى سَلِيمة قبيلةٌ من الأزد، وإِلى عَمِيرة قبيلةٌ من كَلْب، كأَنهم قصدوا الفرق بين هاتين القبيلتين وبين سليمة وعميرة من قوم آخرين.
قوله " وعُبَدِي وجُذَمِي " قال سيبويه: تقول في حي من بني عدي يقال: لهم بنو عَبِيدة: عُبَدِيٌّ، وقال: وحدثنا من نثق به أَن بعضهم يقول: في بني جذَيمة جُذمي فيضم الجيم ويجريه مجرى عُبَديٍّ، فرقاً بين هاتين القبيلتين وبين مسمى آخر بعَبِيدة وجَذِيمة، وحذفُ المضاف: أَعني " بنو " في الموضعين، لما يجئ بعد من كيفية النسبة إلى المضاف والمضاف إليه، ولو سميت بعبيدة وجذيمة شيئاً آخر جرى النسبة إِليه على القياس، كما قلنا في عَمِيرة وسَلِيمة.
وإِنما كان هذا أَشذ من الأول لأن في الأول تركَ حذف الياء كما في فعيل، وغايته إِبقاء الكلمة على أَصلها، وليس فيه تغيير الكلمة عن أَصلها،
__________
(1) لم نعثر على نسبة هذا البيت إلى قائل معين، وهو من شواهد كثير من النحاة، والمراد أنه يفتخر بكونه لا يتعمل الكلام ولا يتتبع قواعد النحاة ولكنه يتكلم على سجيته ويرسل الكلام إرسالا فيأتى بالفصيح العجيب.
و" يلوك لسانه ": يديره في فمه والمراد يتشدق في كلامه ويتكلفه (*)

(2/28)


وأما ههنا ففيه ضم الفاء المفتوحة، وهو إِخراج الكلمة عن أَصلها.
قوله " وخريبى شاد " كل ما ذكر كان شاذاً في فَعِيلة - بفتح الفاء وكسر العين - وخُرَيْبِي شاذ في فُعَيْلة - بضم الفاء وفتح العين - وخُرَيْبَة قبيلة، والقصد الفرق كما ذكرنا، إِذ جاء خُرَيْبَة اسم مكان أَيضاً، وكذلك شذ رماح رُدَيْنِيّة، ورُدَيْنَة زوجة سَمْهَرٍ المنسوب إِلية الرماح.
قوله " وثقفي " هذا شاذ في فَعِيل والقياس إِبقاء الياء قوله " وقُرَشِي وفُقَمِيٌّ ومُلَحِيٌّ " هي شاذة في فُعَيل بضم الفاء، والقياس إِبقاء الياء أَيضاً، وإِنما قال " في كنانة " لأن النسب إِلى فُقَيْم بن جرير بن دارم من بني تميم فُقَيْمِيٌّ على القياس، وقال " ملحي في خزاعة " لأن النسب إِلى مُلَيْح بن الْهُون بن خُزَيمة مُلَيْحِيُّ على القياس، وكذا إِلى مُلَيْح بن عَمْرو بن ربيعة في السّكون، والقصد الفرق في الجميع كما ذكرنا قال السيرافي (1) : أَما ما ذكره سيبويه من أَن النسبة إلى هُذَيل هُذَلِيٌّ فهذا الباب عندي لكثرته كالخارج عن الشذوذ، وذلك خاصَّةٌ في العرب الذين بتهامة وما يقرب منها، لأنهم قالوا قُرَشِيٌّ ومُلَحِيّ وَهُذَلي وفُقَمي، وكذا قالوا في
__________
(1) اعلم أن في هذه المسألة ثلاثة أقوال: الاول، وهو مذهب سيبويه
وجمهور النحاة أن قياس النسب الى فعيل كأمير، وفعيل كهذيل، بقاء الياء فيهما، فان جاء شئ مخالفا لذلك كثقفي في الاول وهذلى في الثاني فهو شاذ، الثاني، وهو مذهب أبى العباس المبرد، أنك مخير في النسب إليهما بين حذف الياء وبقائها قياسا مطردا، فيجوز أن تقول في النسب إلى شريف وجعيل: شريفي وجعيلي، وأن تقول: شرفي وجعلي، وما جاء على أحد هذين الوجهين فهو مطابق للقياس، الثالث، مذهب أبي سعيد السيرافي الذي أومأ اليبه المؤلف، وهو أنك مخير في فعيل - بضم الفاء - بين إثبات الياء وحذفها، فأما في فعيل - بفتح الفاء - (*)

(2/29)


سُلَيم وخُثَيْم وقرَيْم وحُرَيث وهم من هذيل: سُلَمي وخُثَمي وقُرَميّ وحُرَثيّ، وهؤلاء كلهم متجاورون بتهامة وما يدانيها، والعلة اجتماع ثلاث يا آت مع كسرة في الوسط قوله " وتحذف الياء من المعتل اللام "، لا فرق في ذلك بين المذكر والمؤنث بالتاء، بخلاف الصَّحيح فإِنه لا يحذف المد فيه إِلا من ذي التاء كما ذكرنا قوله " وتقلب الياء الأخيرة واوا " لئلا يجتمع الياآت مع تحرك ما قبلها لما ذكرنا قوله " وجاء أُمَيِّيَ "، يعني جاء في فُعَيْل من المعتل اللام إِبقاء الياء الأولى لقلة الثقل بسبب الفتحة قبلها، ولم يأَت نحو غَنِيِّيٍّ، هذا قوله، وقد ذكرنا قبل أَنه قد يقال غَنِيِّيٌّ، على ما حكى يونس، وقال السيرافي: إِن بعضهم يقول عَدِيِّيٌّ إِلا أَنه أَثقل من أَمييٍّ، لزيادة الكسرة فيه، وقال سيبويه: بعض العرب يقول في النسب إِلى أَمية أَمَوِيٌّ بفتح الهمزة، قال: كأَنه رده إلى مكبره طلبا للخفة (1)
__________
فليس لك إلا اثبات الياء، وإنما فرق بينهم لكثرة ما ورد من الاول بالحذف في حين أنه لم يرد من الثاني بالحذف إلا ثقفي هذا كله في صحيح اللام منهما، فأما معتل اللام نحو على وغنى ففيه ما ذكره المؤلف من كلام يونس والمصنف (1) اعلم أن أمية تصغير أمة، وهى الجارية، والتاء في أمة عوض عن اللام المحذوفة، وأصلها الواو، والدليل على أن أصلها الواو جمعهم لها على أموات، فلما أرادوا تصغيرها ردوا اللام كما هو القياس في تصغير الثلاثي الذى بقى على حرفين ثم قلبوا الواو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون، وأدغمت ياء التصغير فيها، وزادوا تاء التأنيث على ما هو قياس الاسم الثلاثي المؤنث بغير التاء فأما تاء العوض فقد حذفت حين ردت اللام، لانه لا يجمع بين العوض و (*)

(2/30)


قوله " وأُجري تَحَوِي في تَحِيَّة مجرى غَنَوِي " إِنما ذكر ذلك لأن كلامه كان في فَعِيلة، وتحية في الاصل تفعلة إِلا أَنه لما صار بالإدغام كفعيلة في الحركات والسكنات، فشارك بذلك نحو عَدِي وغَنِي في علة حذف الياء في النسب وقلب الياء واواً (1) فحذفت ياؤه الأولى وقلبت الثانية واواً لمشاركته له في العلة، وإِن خالفه في الوزن وفي كون الياء الساكنة في تحية عَيْناً وفي أَمية (2) للتصغير واعلم أَنك إِذا نسبت إِلى قِسِيٍّ وعِصِيٍّ علمين (3) قلت: قسوى وعصوى
__________
والمعوض عنه، والنسب إلى أمة المكبر أموى برد اللام وجوبا كما هو قياس النسب إلى الثلاثي المحذوف اللام، إذ كانت قد ردت في جمع التصحيح (1) وقع ف ي أصول الكتاب ألها " فشارك بذلك نحو عَدِي وغَنِي في علة حذف الياء في التصغير وقلب الياء واوا " والذى يتجه عندنا أن كلمة " التصغير " وقعت سهوا وأن الصواب " في علة حذف الياء في النسب " لان حذف الياء الاولى مع قلب الثانية واوا لا يكون إلا في النسب وعلى هذا تكون إضافة " علة " الى " حذف "
على معنى اللام، وعلة الحذف هي استثقال الياءات مع الكسرتين.
نعم أن تحية وغنيا يشتركان في باب التصغير في حذف إحدى الياءات لوجود ياءين بعد ياء التصغير، لكنهما عند المؤلف تحذف ياؤهما الاخيرة نسيا، وعند ابن مالك تحذف الياء التي تلى ياء التصغير كما نص عليه في التسهيل، وليس من اللائق حمل كلام المؤلف على غير مذهبه، على أنه لو أمكن تصحيح بقاء كلمة " التصغير " على حالها بالنسبة إلى حذف الياء لم يمكن بقاؤها بالنسبة الى قلب الياء واوا، لان محله النسب لا التصغير، فلا جرم وجب ما ذكرناه (2) قوله " وفى أمية للتصغير " هذه كلمة مستدركة، لانه لا يشبه تحية بأمية وإنما يشبهها بنحو غنية، ألا ترى أن وجه الشبه أنهما سواء في الحركات والسكنات والاصل في ذلك أن يكون سواء في نوع الحركة لا في جنسها فكان الاوفق أن يقول وفي " غنية " زائدة (3) إنما قال " علمين " للاحتراز عن النسب إليهما جمعين فأن النسب إليهما حينئذ يرد كل واحد منهما إلى مفرده، فتقول عصوى وقوسى (*)

(2/31)


فضممت الفاء لأن أَصله الضم، وإنما كنت كسرته إِتباعاً لكسرة العين، فلما انفتح العين في النسبة رجع الفاء إِلى أَصلها قال: " وَتُحْذَفُ الْيَاءُ الثَّانِيَةُ في نَحْوِ سَيِّدٍ ومَيِّتٍ ومُهَيِّمٍ مِنْ هَيَّمَ، وطَائِيٌّ شَاذ، فإِنْ كَانَ نَحْوُ مُهَيِّمٍ تَصْغِيرَ مُهَوِّمٍ قِيلَ مُهَيِّمِيٌّ بِالتَّعْوِيضِ " أَقول: اعلم أَنه إِذا كان قبل الحرف الأخير الصحيح ياء مشددة مكسورة فأَلحقت ياء النسب به وجب حذف ثانيتهما المكسورة على أَيِّ بنية كان الاسم: على فَيْعِل كمَيِّت، أَو على مُفَعِّل كمُبَيِّن، أَو على أَفَيْعِل كأُسَيِّد، أَو على فُعِيِّل كَحُمَيِّر
أَو على غير ذلك، لكراهتهم في آخر الكلمة الذي اللائق به التخفيف اكتناف ياءين مشددتين بحرف واحد مع كسرة الياء الأولى وكسرة الحرف الفاصل، وكان الحرف في الآخر أَولى، إِلا أَنه لم يجز حذف إِحدى ياءي النسب لكونهما معاً علامة، ولا ترك كسرة ما قبلهما لالتزامهم كسره مطرداً، ولا حذف الياء الساكنة لئلا يبقى ياء مكسورة بعدها ياء مشددة، فإِن النطق بذلك أَصعب من النطق بالمشددتين بكثير، وذلك ظاهر في الحس، فلم يبق إِلا حذف المكسورة، فإن كان الأخير حرف علة كما في المُحَيِّي فسيجئ حكمه، فإِن كانت الياء التي قبل الحرف الأخير مفتوحة كمبَيّن ومُهَيَّم اسمي مفعول لم يحذف في النسبة شئ لعدم الثقل قوله " وطأيى شاذ " أَصله طَيْئِيٌّ كميِّتِيٍّ فحذف الياء المكسورة كما هو القياس، فصار طَيْئِيٌ بياء ساكنة، ثم قلبوا الياء الساكنة أَلفاً على غير القياس قصداً للتخفيف لكثرة استعمالهم إِياه، والقياس قلبها أَلفاً إِذا كانت عيناً أَو طرفاً وتحركت وانفتح ما قبلها كم يجئ، ويجوز أَن يكون الشذوذ فيه من جهة حذف

(2/32)


الياء الساكنة فتنقلب الياء التي هي عين أَلفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها على ما هو القايس قوله: " ومهيم من هيم " هو اسم فاعل من هَيَّمَهُ الحب: أَي صيره هائماً متحيراً.
قوله " فإِن كان نحو مهيِّم تصغير مهوم اسم فاعل من هوم " أَي نام نوماً خفيفاً، فإِذا صغرته حذفت إِحدى الواوين، كما تحذف في تصغير مقدِّم إِحدى الدالين، وتجئ بياء التصغير، فإِن أَدغمته فيها صار مهيِّماً، وإِن لم تدغمه كما تقول في تصغير أَسْوَد: أُسَيْوِد (1) قلتَ: مُهَيْوم، ثم إِن أَبدلت من المحذوف
قلت: مهيم ومُهَيْوِيم، كما تقول: مُقَيْديم، قال جار الله وتبعه المصنف: إِنك إِذا نسبت إِلى هذا المصغر المدغم فالواجب إِبدال الياء من الواو المحذوفة، فتقول: مُهَيْيِّميٌّ لأنك لو جوزت النسب إِلى ما ليس فيه ياء البدل وهو على صورة اسم فاعل من هَيَّمَ فإِن لم تحذف منه شيئاً حصل الثقل المذكور، وإِن حذفت التبس المنسوب إِلى هذا المضر بالمنسوب إِلى اسم الفاعل من هَيَّم، فأَلزمت ياء البدل ليكون الفاصل بين الياءين المشددتين حرفين: الياء الساكنة والميم، فتتباعدان أَكثر من تباعدهما حين كان الفاصل حرفاً، فلا يستثقل اجتماع الياءين المشددتين في كلمة حتى يحصل الثقل بترك حذف شئ منهما أَو الالتباس بحذفه، وكذا ينبغي أَن ينسب على مذهبهما إِلى مصغر مهيم اسم فاعل من هَيَّمَ، أَعني بياء العوض، وهذا الذي ذكرنا في تصغير مهيم ومهوم أعنيي حذف أَحد المثلين مذهب سيبويه في تصغير عَطَوَّد (2) على ما ذكرنا في التصغير، أَما المبرد فلا يحذف منه شيئاً، لأن الثاني وإِن كان متحركاً يصير مدة رابعة فلا يختل به بنية
__________
(1) انظر (1: 230) من هذا الكتاب (2) انظر (1: 253) من هذا الكتاب (*)

(2/33)


التصغير كما قال سيبويه في تصغير مُسَرْوَل (1) مُسَيْرِيل، فعلى مذهبه ينبغي أَن لا يجوز في تصغير مهوم ومهيم إلا مهيم بياء ساكنة بعد المشددة كما تقول في تصغير عَطَوَّد: عطييد لا غير، فعلى مذهبه لا يجئ أَنه إِذا نسب إِلى مصغر مهوم أَو مهيم يجب الإبدال من المحذوف لأنه لا يحذف شيئاً حتى يبدل، فلا ينسب هو أَيضاً إِلى المصغر إِلا مُهَيِّيمي، لكن الياء ليس بعوض كما ذكرنا، ومذهب سيبويه وإِن كان على ما ذكرنا من حذف إِحدى الواوين في نحو عطود، إِلا أَنه لم يقل ههنا إِنك لا تنسب إِلى المصغر إِلا مع الإِبدال كما ذكر
جار الله، بل قال: إِنك إذا نسبت إلى مهيم الذي فيه ياء ساكنة بعد المشددة لم تحذف منه شيئاً، قال: لأنا إِن حذفنا الياء التي قبل الميم بقي مهيم والنسبة إِلى مهيم توجب حذف إِحدى الياءين فيبقى مهميى، كما يقال في حمير: حميئرى، فيصير ذلك إِخلالاً به، يعني يختل الكلمة بحذف الياءين منها، فاختاروا ما لا يوجب حذف شيئين، يعني إِبقاء الياء التي هي مدة، ليتباعد بها وبالميم الياءان المشددتان أَكثر فيقل استثقال تجاورهما، هذا قوله، ويجوز أَن يكون سيبويه ذهب ههنا مذهب المبرد من أَن النسبة إِلى مثله لا تكون إلا بالمد، إِذ لا يحذف من الكلمة شئ، فلا يكون الياء في مُهَيِّيمي للتعويض ويجوز أَن يكون ذهب ههنا أَيضاً إِلى ما ذهب إِليه في عَطَوَّد، أَعني حذف أَحد المثلين وجواز التعويض منه وتركه إِلا أَنه قصد إِلى أَنك إِن نسبت إِلى ما فيه ياء العوض لم تحذف منه شيئاً خَوْفَ إِجحاف الكلمة بحذف الياءين، وإِن نسبت إِلى المصغر الذي ليس فيه ياء العوض حذفت الياء المكسورة وقلت: مُهَيْمي، كما تقول في المنسوب إِلى اسم الفاعل من هَيَّم وفي المنسوب إِلى حُمَيِّر إِذ لا إجحاف
__________
(1) انظر (1: 250) من هذا الكتاب (*)

(2/34)


فيه إِذن، ولا يبالي باللبس، وثاني الاحتمالين في قول سيبويه أَرجح، لئلا يخالف قوله في عَطَوَّد، وعلى كل حال فهو مخالف لما ذكر جار الله والمصنف قال: " وَتُقْلَبُ الأَلِفُ الأخِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ المُنْقَلِبَةُ وَاواً كعَصَوِيٍّ وَرَحَوِيٍّ وَمَلْهَوِيٍّ وَمَرْمَوِيٍّ، وَيُحْذَفُ غَيْرُهُما كَحُبْلِيٍّ وَجَمَزيٍّ وَمُرَامِيٍّ وَقَبَعْثَرِيٍّ، وَقَدْ جَاءَ فِي نَحْوِ حُبْلى حُبْلَوِيٌّ وَحُبْلاَوِيٌّ، بِخِلاَفِ نَحْوِ جَمَزَى " أَقول: اعلم أَن آخر الاسم المسوب إِليه إِما أَن يكون أَلفاً أَو واواً أَو ياء
أَو همزة قبلها أَلف أَو همزة ليس قبلها ذلك، أَو حرفاً غير هذه المذكورة، فالقسمان الأخيران لا يُغَيّر حرفُهما الأخير لأجل ياء النسبة، ونذكر الآن ما آخره أَلف فنقول: الذي آخره أَلف إِن كانت أَلفة ثانية: فإِما أَن تكون لامه محذوفة كما إذا سمى بفازيد وذامال وشاةٍ (1) ، ولا رابع لها أَولا لام له وضعاً، كما إِذا سمى
__________
(1) أصل فازيد قبل الاضافة فوه - بفتح أوله وسكون ثانيه - بدليل جمعه على أفواه وتصغيره على فوية، ثم حذفت لامه اعتباطا فكره بقاء الاسم المعرب على حرفين ثانيهما لين فأبدل الثاني ميما فصار فم، فأذا أضيف زال المقتضى لابداله ميما، لان المضاف والمضاف إليه كالشئ الواحد فنزلوا المضاف إليه منزلة لام الكلمة فرجع حرف العلة، فجعلوه قائما مقام حركة الاعراب في الرفع ثم جعلوا الواو ألفا في النصب وياء في الجر لتكون الالف والياء مثل الفتحة والكسرة وضموا ما قبل الواو في الرفع وفتحوا ما قبل الالف في النصب وكسروا ما قبل الياء في الجر طلبا للتجانس والخفة، وأماذا مال فأصله قبل الاضافة ذوى - بفتح أوله وثانيه - على الراجح، فحذفت لامه اعتباطا ثم جعلت عينه التي هي الواو قائمة مقام حركة الاعراف في الرفع، وجعلت الالف والياء قائمتين مقام الفتحة والكسرة في حالتي النصب والجر، ثم حركت الفاء بحركة مناسبة للعين طلبا للتجانس والخفة (*)

(2/35)


بذا (1) وما ولا، وإِن كانت ثالثة: فإِما أَن تكون منقلبة عن اللام كالعَصَى والفَتَى وهو الأكثر، أَو تكون أَصلية كما في متى وإِذا، وإِن كانت رابعة: فإِما أَن تكون منقلبة عن اللام كالأعلى والأعمى، أَو للإلحاق كالأرطى (2) والذفرى (3) ، أَو للتأَنيث كحبلى وبشرى، أَو أَصلية نحو كَلاَّ وحَتَّى، والخامسةُ قد تكون منقلبة، وللالحاق، وللتأَنيث، كالمصطفى والحَبَنْطى (4)
والحُبَارَى (5) ، والسادسةُ قد تكون منقلبة كالمُسْتِسْقَى، وللإِلحاق كالمُسْلنْقى (6) واسْلَنْقَى علما، وقد تكون للتأْنيث كحَولاَيا (7) ، وقد تكون لتكثير البناء فقط كَقَبَعْثرًى (8) .
__________
وأما شاة فأصلها شوهة - بفتح أوله وسكون ثانيه - بدليل قولهم في التصغير شويهة فحذفت لام الكلمة اعتباطا، ثم حركت العين بالفتح لاتصال تاء التأنيث بها، ثم أعلت العين بقلبها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وهذ الحركة وإن كانت عارضة إلا أنها لازمة، فجعلت كالاصلية فاعتد بها في الاعلال بخلاف حركة نحو شى في شئ وضو في ضوء ونحو اشتروا الضلالة، ولا تنسوا الفضل بينكم (1) مراده، " ذا " ذا الاشارية، وقد تبع في جعلها ثنائية الوضع ابن يعيش في شرح المفصل.
انظر (1: 285) من هذا الكتاب (2) انظر (1: 57) (3) انظر (1: 70) - و (1: 195) من هذا الكتاب (4) انظر (1: 54) - و (1: 255) من هذا الكتاب (5) انظر (1: 244) - و (1: 257) من هذا الكتاب (6) مسلنقى: اسم مفعول من اسلنقى، وهو مطاوع سلقاه، إذا صرعه وألقاه على ظهره (7) حولايا: اسم قرية من عمل النهروان على ما في القاموس، وقد ذكر المؤلف في باب التصغير أنه اسم رجل: انظر (1: 246) من هذا الكتاب (8) انظر (1: 9) من هذا الكتاب (*)

(2/36)


فالثانية التي لامها محذوفة إِن وقع موقعها قبل النسب حرفٌ صحيح على وجه الإبدال قُلِبَ الألف في النسبة إِليه، فيقال في النسب إِلى فازَيدٍ علما:
فَمِيٌّ، بحذف المضاف إِليه كما يجئ، أما قلبها في النسب ميماً فلأن ياء النسب كأَنها الاسم المنسوب، والمجرد عنها هو المنسوب إِليه، فلا جرم لا يلحق هذه الياءُ اسماً إِلا ويمكنه أَن يستقلَّ بنفسه من دون الياء ويعرب، وكذا ينسب إلى فوزيد وفي زَيْدٍ علمين، وإِن لم يقع موقعها حرفٌ صحيح على وجه الإبدال رد اللام كما تقول في المسمّى بذا مال وفي شاة: ذَوَوِيٌّ وَشَاهِيٌّ، (1) وكذا تقول في المسمى بذومال وذي مال، والثانية التي لا لام لها وضعا يزاد عليها مثلها.
كما يجئ، لأن الملحق به ياء النسب كما قلنا يجب أَن يمكن كونه اسماً معرباً من دون الياء، فإِذا زدت عليها أَلفاً اجتمع أَلفان، فتجعل ثانيتهما همزة، لأن الهمزة من مخرج الألف ومخرج الفتحة التي قبلها، ولم تقلب الألف واواً وإِن كان إِبدال حروف العلة بَعْضِها من بعض أَكثر من إِبدالها بغيرها، كما تقول في الرحى: رحوى على ما يجئ، لأن وقوع الهمزة طرفا بعد الألف أَكثر من وقوع الواو بعدها، فتقول ذائِيٌّ في ذا للإشارة، وَلاَئِيٌّ وَمَائِيٌّ، فقولهم: مائِيَّة الشئ منسوب إِلى ما المستفهم بها عن حقيقة الشئ كما مر في الموصلات ومن قال ماهِيَّة فقد قلب
__________
(1) دووى على أن أصل ذا مال " ذوو " واضح، وأما على أن أصلها ذوى فوجهه أن الياء قلبت واوا دفعا لاستثقال الياءات والكسرة كما في عم وشج وشاهى في النسبة إلى شاة مبنى على مذهب سيبويه من أن ساكن العين إذا تحرك بعد حذف لامه يبقى على حركته عند رد اللام في النسب، لان ياء النسبة عارضة ولا اعتداد بالعارض، أما على مذهب الاخفش من أن العين إذا تحركت بعد حذف اللام ترجع إلى سكونها بعد رد اللام فيقال شوهى لا شاهى، لان المقتضى لتحريك العين هو حذف اللام فإذا ردت اللام زال المقتضى لتحريك العين فترجع إلى سكونها (*)

(2/37)


الهمزة هاء لتقاربهما، وحالُ الواو والياء ثانيتين لا ثالث لهما كحال الألف سواءً، فتقول في المنسوب إِلى لَوْ: لَوِّيٌّ وفي المنسوب إِلى في: فِيَوِيٌّ، وأَصله فِيِّيٌّ فعمل به ما عمل بالمنسوب إلى حى كما يجئ وإِن كانت الألف ثالثة قلبت واواً مطلقاً، وإِنما لم تحذف الألف للساكنين كما تحذف في نحو الفتى الظريف لأنها لو حذفت وجب بقاء ما قبل الألف على فتحته دِلالةً على الألف المحذوفة، لأن ما حذف لعلة لانسيا تبقى حركة ما قبل المحذوف فيه على حالها كما في قاض وعصا فكنت فكنت تقول في النسبة إِلى عصاً وفتًى: عَصَيٌّ وَفَتَيٌّ بالفتح، إِذ لو كسر ما قبل الياء لا التبس بالمحذوف لامه نسيا كَيدِيٍّ ودَمِيٍّ فكان إِذن ينخرم أَصلهم الممهد، وهو أَن ما قبل ياء النسبة لا يكون إِلا مكسوراً في اللفظ ليناسبها، بخلاف ما قبل ياء الإضافة فإِنه قد لا يكون مكسوراً كمُسْلِمَايَ وفَتَايَ ومسلمي، وذلك لكون يا الاضافة اسما برأيه، بخلاف ياء النسبة، فإنها أَوغَلُ منها في الجزئية وإِن لم تكن جزأ حقيقياً كما مر، وإِنما لم تبدل الألف همزة لأن حروف العلة بعضها أَنسب إِلى بعض وأَما إِبدالهم الألف همزة في نحو صفراء وكساء ورداء دون الواو والياء فلما يجئ من أَنها لو قلبت إِلى أَحدهما لوجب قلبها أَلفاً، فكان يبطل السعي، وإِنما لم تقلب ياء كراهة لاجتماع الياءات، وإِنما لم يقلب واو نحور جوى ألفاً مع تحركها وانفتاح ما قبلها لعُرُوض حركتها (1) لأن ياء النسب كما مر ليس له اتصال تام بحيث يكون كجزء مما قبله بل هو كالاسم المنسوب، وأَيضاً لئلا يُصار إِلى مافر منه
__________
(1) الاولى أن يقصر في عدم قلب واو نحو رحوى ألفا على تعليل الثاني، إذ لا يظهر لدعوى عروض حركة الواو وجه، اللهم إلا أن يقال إن الواو لما كانت منقلبة عن الالف الساكنة لاجل ياء النسبة العارضة كان أصل الواو والسكون وتحريكها إنما جاء لياء النسبة (*)

(2/38)


وأما الالف الرابعة فإن كان منقلبة، أَو للإلحاق، أَو أَصلية، فالأشهر الأجود قلبها واواً دون الحذف، لكونها أَصلاً أَو عوضاً من الأصل أَو ملحقةً بالأصل، وإِن كانت للتأْنيث فالأشهر حذفها لأنه إِذا اضطر إِلى إِزالة عين العلامة فالأولى بها الحذف، فرقاً بين الزائدة الصرفة والأصلية أَو كالأصلية، ويتحتم حذفها إِذا تحرك ثاني الكلمة كَجَمزَى (1) ، لزيادة الاستثقال بسبب الحركة، فصارت الحركة - لكونها بع حروف المد كما ذكرنا غير مرة - كحرف، فإِذا كان الأولى يألف التأْنيث من دون هذا الاستثقال الحذف كما ذكرنا صار معه واجبَ الحذف وكما يتحتم حذف الالف خامسة كما يجئ يتحتم حذفها رابعة مع تحرك ثاني الكلمة، والحركةُ قد تقوم مقام الحرف فيما فيه نوع استثقال كما مر فيما لا ينصرف أَلا ترى أَن قَدَماً يتحتم منع صرفه علماً كعقْرَبٍ دون هند ودعد، (2) وإن
__________
(1) يقال: جمز الانسان والبعير والدابة يجمز، كيضرب، جمزا وجمزى، إذا عدا عددا دون الجرى الشديد، ويقال: حمار جمزى إذا كان وثابا سريعا (2) قال المؤلف في شرح الكافية (1: 44) : " فالمؤنث بالتاء المقدرة حقيقيا كان أولا إذا زاد على الثلاثة وسميت به لم ينصرف سواء سميت به مذكرا حقيقيا أو مؤنثا حقيقيا أولا هذا ولا ذاك، وذلك لان فيه تاء مقدرة وحرفا سادا مسده، فهو بمنزلة حمزة، وإن كان ثلاثيا فما أن يكون متحرك الاوسط أولا، والاول إن سميت به مؤنثا حقيقيا كقدم في اسم امرأة أو غير حقيقي كسقر لجهنم فجيمع النحويين على منع صرفة.
للتاء المقدرة ولقيام تحرك الوسط مقام الحرف الرابع القائم مقام التاء، والدليل على قيام حركة الوسط مقام الحرف الرابع أنك تقول في حبلى: حبلى وحبلوى، ولا تقول في جمزى إلا جمزى، كما لا تقول
في جمادى إلا جمادى، وخالفهم ابن الانباري فجعل سقر كهند في جواز الامرين نظرا إلى ضعف الساد مسد التاء، وإن سميت به مذكرا حقيقيا أو غير حقيقي فلا خلاف عندهم في وجوب صرفه، لعدم تقدير تاء التأنيث، وذلك كرجل سميته يسقر وكتاب سميته بقدم " اه (*)

(2/39)


كان ثاني الكلمة ساكناً جاز تشبيه أَلف التأْنيث بالألف المنقلبة، والأصلية والتي للإلحاق، فتقول: حبلوي، وبأَلف التأْنيث الممدودة، فتزيد قبلها أَلفاً آخر، وتَقْلِبُ أَلف التأْنيث واواً فتقول: حُبْلاَوِيٌّ ودُنْيَاوِيٌّ كصَحْرَاوِيٍّ، وكما جاز تشبيه أَلف التأْنيث بالمنقلبة والأصلية والتي للإلحاق جاز تشبيه المنقلبة والأصلية والتي للالحاق بأَلف التأْنيث المقصورة في الحذف، فتقول: مَلْهِيٌّ وحَتِّيٌّ وَأَرْطِيٌّ، وبأَلف التأَنيث الممدودة، تقول: مَلْهَاوِيٌّ وحتَّاوي وأَرْطاوي، وقد شبَّهوا - في الجمع أَيضاً - المنقلبة بأَلف التأْنيث لكن قليلاً، فقالوا: مَدَارَى في جمع مِدْرَى (1) ، كَحَبَالَى في جمع حُبْلَى كما يجئ في بابه (2) وأَما الخامسة فما فوقها فإِنها تحذف في النسب مطلقاً، منقلبة كانت أَو غيرها، بلا خلاف بينهم، للاستثقال، إِلا أَن تكون خامسة منقلبة وقبلها حرف مشدد،
__________
(1) قال في اللسان: " والمدرى والمدراة (بكسر أولهما وسكون ثانيهما) والمدرية (بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه) : القرن، والجمع مدار، ومدارى الالف بدل من الياء، ودرى رأسه بالمدرى: مشطه.
قال ابن الاثير: المدرى والمدراة: شئ يعمل من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المشط وأطول منه يسرح به الشعر المتلبد، ويستعمله من لم يكن له مشط، ومنه حديث أبى: أن جارية له كانت تدرى رأسها بمدارها: أي تسرحه، يقال: أدرت المرأة تدرى ادراء، إذا سرحت شعرها به، وأصلها تدترى: تفتعل من استعمال المدرى، فأدغمت التاء في الدال " اه
(2) قال المؤلف في باب الجمع من هذا الكتاب: " وقد جاء في بعض ما آخره ألف منقلبة ما جاء في ألف التأْنيث من قلب الياء ألفا تشبها له به، وذلك نحو مِدْرًى، وَمَدَارٍ، وَمَدَارَى - بالألف - وذلك ليس بمطرد.
وقال السيرافي: هو مطرد، سواء كان الألف في المفرد منقلبة أو للالحاق وإن كان الاصل إبقاء الياء، فتقول على هذا في ملهى: ملاه وملاهي، وفى أرطي: أراط وأراطى، وقال: إنه لا يقع فيه إشكال، والاولى الوقوف على ما سمع " اه (*)

(2/40)


فإِن يونس جعلها كالرابعة في جواز الإِبقاء والحذف، فمغلى عنده كأَعْلَى وأَلزمه سيبويه أَن يجوز في الخامسة للتأْنيث القلبَ أَيضاً نحو عِبِدَّى (1) كما أَجاز في الرابعة للتأْنيث كحبلى، ولا يجيزه يونس ولا غيره، ولا يلزم ذلك يونس، لأن أَصل الرابعة التي للتأْنيث الحذفُ كما تقدم فلزم فيما هو كالرابعة، بخلاف المنقلبة فإِن أَصل الرابعة المنقلبة القلب (2) ، وأَلزمه سيبويه أَيضاً أَنه لو
__________
(1) انظر (1: 245 هـ 2) من هذا الكتاب (2) حاصل هذا الكلام أن العلماء أجمعوا في الالف الرابعة على جواز القلب والحذف إذا كان ثانى الكلمة ساكنا بلا فرق بين الالف المنقلبة عن أصل كملهى والتى للتأنيث كحبلى، تقول: ملهى وملهوى وحبلى وحبلوى، اتفاقا، ومع اتفاقهم على جواز الوجهين اتفقوا على أن القلب في المنقلبة أرجح من الحذف وعلى أن الحذف في ألف التأنيث أرجح من القلب، فأما إذا كانت الالف خامسة ليس فيما قبلها حرف مشدد فقد أجمعوا أيضا على وجوب حذفها في النسب مطلقا تقول في حبارى ومصطفى: حبارى ومصطفى، فان كانت الالف خامسة وفيما قبلها حرف مشدد فان كانت للتأنيث فقد أجمعوا على وجوب الحذف، تقول في عبدى وكفرى وزمكى: عبدى وكفرى وزمكى، وإن كانت الالف في هذا الحال لغير
التأنيث مثل معدى ومصلى ومعلى (بضم ففتح فتشديد الثالث فيهم) فيونس يجوز فيها القلب والحذف حملا لها على الرابعة لان الحرف المشدد بمنزلة الحرف الواحد، وسيبويه يوجب فيها حينئذ الحذف اعتدادا بالحرف المشدد كحرفين، وقد قال سيبويه: إنه يجب إذا اعتبرنا الحرف المشدد حرفا واحدا أن يجوز في ألف التأنيث في هذه الحال الوجهان لوجود العلة التي اقتضت الجواز فيها كوجودها في المنقلبة، مع أنهم أجمعوا في التي للتأنيث على وجوب الحذف، وقد ذكر المؤلف رحمه الله أن ذلك لا يلزم يونس، لان بين ألف التأنيث الرابعة والالف التى لغير التأنيث فرقا، لان الاصل في ألف التأنيث الحذف والاصل في التى لغير التأنيث القلب، فلما حملت الخامسة التي قبلها حرف مشدد على الرابعة أعطى كل نوع ما هو الاصل فيه فجعل حكم التى للتأنيث الحذف وحكم غيرها جواز القلب، ونقول: كان مقتضى هذا (*)

(2/41)


جاء مؤنث على مثل مَعَدٍّ وخِدَبٍّ (1) ونحو ذلك فسمّي به مذكر يصرف، لأنه يكون إِذن كقَدَمٍ إِذا سمّي به مذكر (2) ولا قائل به قوله: " كحُبْلِيٍّ وَجَمَزِيٍّ " الألف فيهما رابعة للتأْنيث، إِلا أَن جَمَزَى متحرك الثاني بخلاف حُبْلَى، وأَلف مُرَاميً خامسة منقلبة، وفي قبعثرى سادسد لتكثير البنية فقط قال: " وَتُقْلَبُ الْيَاءُ الأَخِيرَةُ الثَّالِثَةُ المكسورة مَا قَبْلَهَا وَاواً وَيُفْتَحُ ما قَبْلَها كَعَمَوِيٍّ وَشَجَوِيٍّ، وَتُحْذَفُ الرَّابِعَةُ عَلَى الأَفْصَحِ كقَاضِيٍّ، وَيُحْذَفُ مَا سَوَاهُما، كَمُشْتَرِيٍّ، وَبَابُ مُحَيٍّ جَاءَ عَلَى مُحَوِيٍّ وَمُحيِّيٍّ كأُمَيِّيٍّ " أَقول: اعلم أَن الياء الأخيرة في المنسوب إِليه لا تخلو من أَن تكون ثانية محذوفة اللام كما إِذا سُمّي بفي زيد وذي مال، أَو ثانيةً لالام لها ضعا كِفي وكَيْ،
وقد ذكرنا حكم القسمين، أَو ثانية فاؤها كشية (3) ، ويجئ حكمها،
__________
الذي ذكره من الفرق أن يجب في المنقلبة القلب لانه أصل في الذى حمل عليه وهو الرابعة المنقلبة، كما وجب الحذف في التي للتأنيث لانه أصل في المحمول عليه وهو الرابعة التى للتأنيث (1) أنظر (1: 59 هـ 6) من هذا الكتاب (2) حاصل هذا الوجه الذى ألزم به سيبويه يونس أن علم المؤنث إذا سمى به مذكر يشترط في منع صرفه الزيادة على ثلاثة أحرف، فلو جعلنا أحرف المشدد بمنزلة حرف واحد كما يقتضيه جعل يونس نحو معلى بمنزلة أعلى في جواز الحذف والابقاء لزمنا أن نصرف علم المؤنث الذى سمينا به مذكرا وكان على أربعة أحرف وفيه حرف مشدد، والاجماع على وجوب منع صرف مثل هذا (3) الشيه - بكسر الشين وفتح الياء مثل عدة - مصدر وشى الثوب يشيه وشيارشية، مثل وعد يعد وعدا وعدة، إذا حسنه ونمقه وجعله ألوانا (*)

(2/42)


أَو تكون ثالثة، وهي إِما متحرك ما قبلها ولا تكون الحركة إلا كسرة كالعمى والشجى، أَو ساكن ما قبلها، وهو إِما حرف صحيح كَظَبْي ورُقْيَةٍ (1) وقِنْيَةٍ (2) أَو أَلف كرايً وراية، أَو ياء مدغم فيها كَطيٍّ وحيٍّ، أَو تكون رابعة، وهي إِما أَن ينكسر ما قبلها كالقاضي والغازي، أَو يسكن، والساكن إِما أَلف كسِقَاية أَو ياء مدغم فيها كعليٍّ وقُصَيٍّ، أَو غير ذلك كقرأي (3) ، وكذا الخامسة: إِما أَن ينكسر ما قبلها كَالمُرَامِي، أَو يسكن، والساكن إِما أَلف كدِرحاية (4) وحَوْلاَيَا، أَو ياءٌ مدغمٌ فيها ككرسي ومَرْمِيٍّ، أَو غير ذلك كإِنْقَضْيٍ عَلَى وزن إِنْقَحْلٍ (5) من قضي.
والواو الأخيرة إِما أَن تكون ثانية محذوفة اللام كفُو زَيْدٍ وذُو مالٍ، أَو
ثانية لا لام لها وضعاً كلَوْ وَأَوْ، وقد ذكرنا حكم هذين القسمين أَيضاً، أَو تكون ثالثةً ساكناً ما قبلها كغَزْوٍ وغَزْوَةٍ ورِشْوَةٍ وعُرْوَةٍ، أو متحركاً ما قبلها بالضم نحو سَرُوَة من سَرُوَ على مثال سَمُرَة من غير طَرَيان التاء، وكذا الرابعة يكون
__________
(1) الرقية: العوذة التى يرقى بها صاحب الافة كالحمى والصرع وغير ذلك من الافات، قال عروة بن حزام.
فما تركا من عوذة يعرفانها * ولا رقية إلا بها رقياني (2) القنية (بكسر فسكون، وبضم فسكون ويقال قنوة وقنوة) ما يتخذه الانسان من الغنم وغيرها لنفسه لا للتجارة (3) يريد ما أخذته من قرأ على وزان قمطر، وأصله بهمزتين أولاهما ساكنة فأبدلت ثانيتهما، لان ثانية الهمزتين الواقعتين طرفا تبدل ياء (4) الدرحاية - بكسر فسكون - الرجل الكثير اللحم القصير الضخم البطن اللئيم الخلقة، ووزنه فعلاية، وهو ملحق بفعلالة كجعظارة، والجعظارة: القصير الرجلين الغليظ الجسم (5) الانقحل - بكسر الهمزة وسكون النون وفتح القاف وسكون الحاء (*)

(2/43)


ما قبلها ساكناً كَشَقَاوَة، أَو مضموماً كعرقُوَة وقَرْنُوَة (1) ، وكذا الخامسة ما قبلها إِما ساكن كحِنْطأْوٍ (2) ومغْزُوٍّ، أَو مضموم كقَلَنْسُوة.
ولو انفتح ما قبل الياء والواو طرفين لانقلبتا أَلفاً، ولو انكسر ما قبل الواو الأخيرة لانقلبت ياء، ولو انضم ما قبل الياء طرفاً في الاسم لانقلبت الضمة كسرة كما يجئ في ناب الإعلال.
فكل ما ذكرنا أَو نذكر من أَحكام الياءات والواوات المذكورة في باب النسب فهو على ما ذكر، وما لم نَذْكُرْ حكمه منها لا يغير في النسب عن حاله.
فنقول: إِن الياء الثالثة المكسور ما قبلها تقلب واواً لاستثقال الياءات مع حركة ما قبل أَولاها، وتجعل الكسرة فتحة، وإِذا فتحوا العين المكسورة في الصحيح اللام فهو في معتلها أَولى، لئلا تتوالى الثقلاء.
وإِذا كانت المكسورة ما قبلها رابعة، فإِن كان المنسوب إِليه متحرك الثاني كيَتَقي مخفف يتقى (3) فلابد من حذف الياء، وكذا إِن كان الثاني ساكناً عند سيبويه والخليل كقاضيٍّ ويَرْمِيٍّ لأن الألف المنقلبة والاصلية رابعة جاز
__________
المهملة - الذى يبس جلده على عظمه من الكبر (أنظر ج 1 ص 61 هـ 1) (1) القرنوة - بفتح القاف وسكون الراء وضم النون، ولا نظير لها سوى عرقوة وعنصود وترقوة وثندوة - وهى نوع من العشب وقال في اللسان: " القرنوة نبات عريض الورق ينبب في ألوية الرمل ودكا دكه.
ورقها أغبر يشبه ورق الحندقوق " اه، وفيه عن أبى حنيفة " قال أبو زياد: من العشب القرنوة، وهى خضراء غبراء على ساق يضرب ورقها إلى الحمرة ولها ثمرة كالسنبلة، وهي مرة يدبغ بها الاسناقي، والواو فيها زائدة للتكثير، لا للمعنى ولا للالحاق، ألا ترى أنه ليس في الكلام مثل فرزدقة " اه (2) الحنطأو - بكسر الحاء المهملة وسكون النون وبعدها طاء مهملة أو ظاء شالة - وهو القصير (انظر 1 ص 256 هـ 2) (3) أنظر (ج 1 ص 157 هـ 1) (*)

(2/44)


حذفها مع خفتها، كما ذكرنا، فحق الياء مع ثقلها بنفسها وبالكسرة قبلها وجوبُ الحذف إِذا اتصل بها ياء النسبة فإِن قلت: افعلْ به ما فعلتَ بالثلاثي نحو العَمِي مِنْ قَلْب الكسرة فتحة والياء واو، (1) وقد استرحتَ من الثقل، لأنه يصير كالأعلى،
قلتُ: ثقل الرباعي في نفسه إِلى غاية التخفيف: أَي الحذف، أَدعى منه إِلى ما دون ذلك (2) ، وهو ما ذكر السائل من القلب، بخلاف الثلاثي، فإِن خفته في نفسه لا تدعو إِلى مثل ذلك، ومن أَجرى في الصحيح نَحْوُ تَغْلِبيٍّ مُجْرى نَمَرِيّ - وهو المبرد - لكون الساكن كالميت المعدوم، يرى أَيضاً في المنقوص نحوَ قاضٍ مُجْرى عَمٍ، فيقول: قاضَوِيٌّ ويَرْمَوِيٌّ، وأما الياء المكسورة ما قبلها إِذا كانت خامسة فصاعداً فلا كلام في حذفها، وحو مستقى ومستسقى، إِذ الألف مع خفتها تحذف وجوباً في هذا المقام كما مر قوله " وباب مُحَيًّ " الياء الأخيرة في مُحِيٍّ خامسة يجب حذفها، كما في مُسْتَق، فيبقى مُحيٍّ بعد حذفها كقُصَيٍّ، وإِن خالف الياءُ الياءَ، فيعامل معاملته، كما قلنا في تحيَّة، وليس مُحَيٍّ مثل مهيم لوجوب حذف الياء الخامسة، فتلتقي الياءان المشددتان، بخلاف نحو مهيم، قال أَبو عَمْروٍ: مُحَوِيٌّ أَجود، وقال المبرد: بل مُحيِّيٌّ بالتشديدين أَجود (3) ، وإِذا وقع الواو ثالثةً أو فوقها مضموما
__________
(1) الذى في الاصول " والوا ياء " وهو خطأ صوابه ما أثبتناه (2) معنى هذه العبارة أن الاسم الرباعي الذى هو بطبعه ثقيل محتاج إلى التخفيف أكثر من الثلاثي فلم يكتف فيه بما دون منتهى التخفيف وهو الحذف بخلاف الثلاثي الذى لم يبلغ مبلغه في الثقل، فأنه اكتفى فيه بأول مراتب التخفيف وهو قلب الياء واوا، فقوله " إلى غاية التخفيف " متعلق بأدعى، وكذلك قوله " منه " وقوله " إلى ما دون ذلك " متعلق كذلك بأدعى، و " أدعى " هو خبر المبتدأ (3) قال اين جماعة: " قال مبرمان: سألت أبا العباس (يعنى المبرد) هل (*)

(2/45)


ما قبلها كَسَرُوَةَ وقَرْنُوَةَ فالواجب في النسب قلب الواو ياءً والضمة كسرةً حتى يَصير كَعَم وقَاضٍ، ثم ينسب إِليه الثلاثي: بفتح العين وقلب الياء واواً،
وذلك لانك تحذف التاء للنسبة، وقد ذكرنا أَن ياء النسبة كالاسم المستقل من جهة أَن المنسوب إِليه قبلها ينبغي أَن يكون بحيث يصح أَن يستقل ويعرب فبعد حذف التاء يتطرف الواو والمضموم ما قبلها في الاسم المتمكن، فتقلب ياء كما في الأدْلِي، وتقول فيما واوه رابعة أَو فوقها نحو عَرْقُوَةٍ وقَمَحْدُوَةٍ (1) : عَرْقِيٌّ وقَمَحْدِيٌّ كما تقول قاضِيٌّ ومُشْتَرِيٌّ وبعض العرب يجعل الياء قائماً مقام التاء حافظاً للواو من التطرف لأن في الياء جزئية ما بدليل انتقال الإِعراب إِليها كما في تاء التأْنيث فيقول: قَرْنُوِيٌّ وَقَمَحْدُوِيٌّ، ويقول أَيضاً: سَرُوِيٌّ في سَرُوَةَ، وبعض العرب يقول في الرابعة: عَرْقَوِيٌّ بفتح القاف كَقَاضَوِيٍّ، فأَما في الخامسة وما فوقها: فليس إِلا الحذف كَقَمَحْديٍّ، كما في مشترى ومستسقى قال: " ونحو ظبية وقنية ورقية وغزوة وعروة ورشوة
__________
يجوز أن يحذف من المحيى ياء لاجتماع الياءات؟ فقال: لا، لان محييا (الذى هو اسم فاعل حيى بالتضعيف) جاء على فعله، واللام تعتل كما تعتل في الفعل، قال: والاختيار عندي محيى (أي بأربع ياءات) لانى لا أجمع حذفا بعد حذف " اه كلامه، وقوله " واللام تعتل كما تعتل في الفعل " يريد أن الياء في محى الذى هو اسم فاعل تعل بحذفها لانها تعل في الفعل بالاسكان في المضارع والقلب ألفا في الماضي، فالاعلال في الفعل سبب الاعلال في المشتق وإن اختلف نوع الاعلال، وقوله " لانى لا أجمع حذفا بعد حذف " معناه إن الياء الخامسة قد حذفت، فلو حذف الثالثة وقلب الرابعة واوا كما في نحو على فقالوا محوى لكانوا قد جمعوا على الكلمة؟ ؟ ؟ ؟ ؟ جحاف بها، فأما قول أبي عمرو " محوى أجود " فوجهه الخفة إذ لا يلزم عليه اجتماع الامثل الثقلاء وهى الياءات (1) القمحدوة: العظم الناتئ فوق القفا خلف الرأس (أنظر ج 1 ص 261 هـ 3) (*)

(2/46)


على القياس عِنْدَ سِيبَويْهِ، وَزِنَوِيٌّ وَقَرَوِيٌّ شَاذٌّ عنْدَهُ، وَقَالَ يُونُسُ ظَبَوِيٌّ وَغَزَوِيٌّ، وَاتَّفَقَا في بَابِ غَزْوٍ وَظَبْيٍ، وَبَدَوِيٌّ شَاذٌّ " أَقول: الذي ذكر قبل هذا حكم الواو والياء لامين إِذا تحرك ما قبلهما، وهذا حكمهما ساكناً ما قبلهما، فنقول: إِذا كان قبل الواو ساكن صحيحاً كان أَولا لم يُغَير الواو في النسب اتفاقاً: ثالثة كانت كغَزْوِي وَدَوِّيٍّ (1) وساوي (2) في سَاوَةَ وقصيدة وَاوِية، أَو رابعة كَشَقَاوِيّ، أَو خامسة كَحِنْطَأْوِيّ ومَغَزُوِّيٍّ، إِذ الواو لا تستثقل قبل الياء إذا سكن (3) ما قبلها، إِذ تغاير حرفي العلة وسكون ما قبل أَولاهما يخففان أَمر الثقل، وإِذا كان يلتجأُ إِلى الواو مع تحرك ما قبلها في نحو عَمَوِيٍّ وقَاضَوِيٍّ عند بعضهم فما ظَنُّكَ بتركها على حالها مع سكون ما قبلها؟ فعلى هذا لا بحث في ذي الواو الساكن ما قبلها إِلا في نحو عُرْوَةَ فإِن في فتح عينه وإسكانها خلافا كما يجئ، وإِنما البحث في ذي الياء الساكن ما قبلها
__________
(1) دوى: منسوب إلى الدو (بفتح الدال المهملة وتشديد الواو) وهو الفلاة الواسعة، وقيل: الارض المستوية، وقال: قد لفها الليل بعصلبى * أروع خراج من الدوى * مهاجر ليس بأعرابي * وقال العجاج: دوية لهولها دوى * للريح في أقرابها هوي وفي القاموس أنه أيضا اسم بلد، وفي المعجم أنه اسم أرض بعينها (2) ساوى: منسوب لساوة، وهي مدينة بين الرى وهمذان بينها وبين كل منهما ثلاثون فرسخا (3) ليس لقوله " إذا سكن ما قبلها " مفهوم، لان الواو لا تستثقل قبل ياء النسب سكن ما قبلها أو تحرك، فهذا القيد لبيان الواقع لا للاحتراز (*)

(2/47)


فنقول: إِن كانت الياء ثالثة والساكن قبلها حرف صحيح فلا يخلو من أَن يكون مع التاء كظبية أَولا كظبي، فالمجرد لا تغيير فيه اتفاقاً لحصُول الخفة بسكون العين وصحتها، ولعدم ما يجرئ على التغيير من حذف التاء، وأما الذى مع التاء فسيبويه والخليل ينسبان إليه أيضا بلا تغيير سوى حذف التاء، فيقولان: ظبي وَقِنْيِيٌّ ورُقْيِيّ، وكذا في الواويّ غَزْوِيٌّ وَعُرْوي وَرِشْوِيٌّ، لسكون عين جميعها، إِذ التخفيف حاصل والأصل عدم التغيير، وكان يونس يحرك عين جميع ذلك واويًّا كان أَو يائياً بالفتح، أَما في اليائى فلتخف الكلمة بقلب الياء واواً، وخص ذلك بالثلاثي ذي التاء، أَما الثلاثي فلأن مبناه على الخفة فطلبت بقدر الممكن، فلا تقول في إِنْقَضيَةَ (1) إِلاَّ إِنْقَضْيِيٌّ، وأَما ذو التاء فلأن التغيير بحذف التاء جَرَّأَ على التغيير بالفتح، مع قصد الفرق بين المذكر والمؤنث كما ذكرنا في فَعيل وفَعيلة، وأَما الفتح في الواوي فحملاً على اليائي، والذي حمل يونس على ارتكاب هذا في اليائي والواوي مع بعده من القياس قولهم في الْقَرْيَة قَرَوِيّ وفي بني زِنْيَةَ وبني البِطْيَةِ - وهما قبيلتان (2) - زِنَوِيّ وَبِطَوِيٌّ، وكان الخليل يعذر يونس في ذوات الياء دون ذوات الواو، لأن ذوات الياء بتحريك عينها تنقلب ياؤها واواً، فتخف شيئاً، وإن كان يحصل بالحركة أَدنى ثقل، لكن ما يحصل بها من الخفة أَكثر مما يحصل من الثقل، وأَما ذوات الواو فيحصل بتحريك عينها ثقل من دون خفة، ولم يرد به أَيضاً سماع كما ورد في اليائي قَرَوِي وزِنَوِي وبِطَوِي، ومع ذلك فاختيار الخليل ما ذكرنا أَولا
__________
(1) يريد ما تينيه من قضى على مثال إنقحلة، وهى مؤنث إنقحل، وقد مضى قريبا (انظر ص 43) (2) ذكر في القاموس واللسان أن بنى زينة حى، وذكر عن ابن سيده أن
البطية لا يدرى موضوعها، وأن سيبويه قد حكاها، وخرجها ابن سيده على أن تكون من أبطيت لغة في أبطأت، ولم يذكر واحد منهما أن بنى البطية قبيلة (*)

(2/48)


قوله " وبَدَوِي شاذٌّ " لأنه منسوب إِلى الْبَدْو، وهو مجرد عن التاء فهو عند الجميع شاذ قال: " وَبَابُ طَيٍّ وَحَيٍّ تُرَدُّ الاولى إِلى أَصْلِهَا وَتُفْتَحُ نَحْوُ طَوَوِيّ وَحَيَوِيٍّ بِخِلاَفِ دَوِّيٍّ وَكُوِّيٍّ وَمَا آخره يا مُشَدَّدَةٌ بَعْدَ ثَلاَثَةٍ إِنْ كَانَ نَحْو مَرْمِيٍّ قِيلَ مَرْمَوِيٌّ وَمَرْميٌّ وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً حُذِفَتْ كَكُرْسيٍّ وَبَخَاتِيٍّ في بخاتي اسْمَ رَجُلٍ " أَقول قوله " دَوِّي وكويِّ " (1) إِنما ذكر مثالين لبيان أَن حكم ذى التا والمجرد عنها سواء، بخلاف نحو غَزْوٍ وغَزْوَة كما تقدم في الفصل المتقدم، والذي يتقدم حكم الياء الثالثة إِذا كان قبلها ساكن صحيح، فإِن لم يكن ما قبلها حرفاً صحيحاً فإِما أَن يكون ياء أَو أَلفاً، ولو كان واواً صار ياء كما في طيٍّ لما يجئْ في باب الإِعلال من أَن الواو والياء إِذا اجتمعا وسكن سابقهما قلبت الواو ياء فنقول: إِن كانت ثالثة وما قبلها ياء ساكنة، ولابد أَن تكون مدغمةً (2) فيها فإِذا نسب إِلى مثله وجب فكّ الإِدغام، لئلا يجتمع أَربع ياءات في البناء الموضوع على الخفة فيحرك العين بالفتح الذي هو أَخف الحركات، فيرجع العين
__________
(1) الكوى: المنسوب إلى الكوة، وهى بفتح الكاف أو ضمها مع تشديد الواو فيهما، ويقال كو أيضا بغير تاء - وهى الثقب غير النافذ في البيت أو الحائط (2) محل ما ذكره من وجوب الادغام إذا كانت الياء الساكنة أصلا أو منقلبة عن واو، فالاول نحو حى وعى، والثانى نحو طى ولى، فإن كانت الياء الساكنة
منقلبة عن همزة لم يكن الادغام واجبا، وذلك لان حكم الياء المنقلبة عن همزة انقلابا غير لازم كحكم الهمزة مثل رئى مخفف رئى (وانظر ج 1 ص 28 (*)

(2/49)


إِن كانت واواً إِلى أَصلها لزوال سبب انقلابها ياء - وهو اجتماعهما مع سكون الأول - فتقول في طي: طووى، ويبقى الياء بحالها نحو حَيَويّ لأنه من حَييَ واتنقلب الياء الثانية في الصورتين واواً: إِما بأَن تنقلب أَولا أَلفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم تقلب واواً كما في عَصَوِي ورَحَوي، أَو تقلب الياء من أَول الأمر واواً لاستثقال ياء متحرك ما قبلها قيل ياء النسب، ولا ينقلب أَلفاً لعروض حركتها وحركة (1) ما قبلها، لأنهما لأجل ياء النسبة التي هي كالاسم المفصل على ما مر، ولم يقلب العين أَلفاً: إِما لعروض حركتها، وإِما لأن العين لا تقلب إِذا كانت اللام حرف علة، سواء قلبت اللام كما في هوى أو لم تقلب كما في طَوِي على ما يجئ في باب الإِعلال قال سيبويه ومن قال أُمَيِّيٌّ قال حَيِّيٌّ وَطيِّيٌّ لأن الاستثقال فيهما واحد، والذى يظهر أن أمييا أوفى من حَيِّيٍّ لأن بناء الثلاثي على الخفة في الأصل يقتضي أَن يُجَنَّب ما يؤدي إِلى الاستثقال أَكثر من تجنيب الزائد على الثلاثة، أَلا ترى إِلى قولهم نمَرى بالفتح دون جَنَدَلِيٍّ
__________
(1) أما أن حركة ما قبل اللام في نحو طووى وحيوى عارضة فمسلم إذ أصلها قبل فك الادغام السكون، وأما أن حركة اللام نفسها عارضة فغير مسلم لانها محل الحركة الاعرابية حال الادغام، على أن عروض حركة العين لا يمنع من قلب اللام إذا كانت واوا أو ياء ألفا، فان أحدا من العلماء لم يشترط لقلب كل من الياء والواو ألفا أصالة تحرك ما قبلهما، بل القلب حاصل مع عروض الحركة،
وانظر إلى باب أقام وأجاب واستقام واستضاف ومقام ومجاب ومستقام ومستضاف فانك تجد كلا من الواو والياء قد انقلب ألفا مع طرو حركة ما قبلهما، ثم هم يقولون: تحركت الواو أو الياء بحسب الاصل وانفتح ما قبلها الان فانقلبت ألفا - وهذا واضح إن شاء الله.
نعم التعليل الصحيح لعدم قلب الواو ألفاً مع تحركها وانفتاح ما قبلها هو ما ذكره سابقا من أنك لو قلبتها ألفا المزمك أن تقلبها واوا ثانية المزوم تحرك ما قبل ياء النسب والالف لا تقبل الحركة فيبطل سعيك.
(*)

(2/50)


واليا الثالثة إِذا كان قبلها أَلف، ولا تكون تلك الألف زائدة، بل تكون منقلبة عن العين نحو آية وآى وغاية وغاي وراية وراي، (1) فالأقيس ترك الياء بحالها، كما في ظَبْيِيٍّ، ومن فتح هناك في ظبْيَة وقال ظَبَوِي لم يفتح العين ههنا، لأنه لا يمكنه إِلا بقلبها همزة أَو واوا أَو ياء فيزيد الثقل، وإِنما لم يقلب الياء في آيٍ ورايٍ أَلفاً ثم همزة كما في رِدَاءٍ لأن الألف قبلها ليست بزائدة، وهو شرطه كما يجئ في باب الإعلال.
ويجوز ههنا في النسبة قلب الياء همزة لأن الياء لم تستثقل قبل المجئ بباء النسب، فلما اتصلت حصل الثقل فقلبت همزة قياساً على سائر الياآت المتطرفة المستثقلة بعد الألف، وإِن كان بين الالفين فرق، فإنها تقلب أَلفاً ثم همزة فقلبت هذه أَيضاً همزة، فقيل: رائي، في راى وراية.
__________
(1) هذا الذى ذكره المؤلف من أن الالف أصلية لا زائدة في هذه الكلمات مبنى على رأى غير الكسائي رحمه الله من العلماء، فأما على رأيه فهى زائدة، وحاصل الكلام في هذا الكلمات أن العلماء اختلفوا في أصلهن ووزنهن، فقال الجمهور أصل آية أيية (بوزن شجرة) قلبت العين ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وكان القياس يقتضى بقاء العين وقلب اللام فيقل أياه، لان اللام طرف وهى أولى بالاعلال
والتغيير، وقال قوم: أصل آية أيية كشجرة أيضا، ثم قلبت اللام ألفا على ما يقتضيه القياس فصار أياة مثل حياة، ثم قدمت اللام على العين فصار آية، فوزنها على الاول فعلة وعلى الثاني فلعة (بفتحات فيهما) وقال قوم: أصلها أييه بوزن سمرة ثم أعلت العين ألفا على خلاف القياس أيضا، ووزنها فعلة (بفتح فضم) وقيل: أصلها أوية أو أوية (كتمرة في الاول وكشجرة في الثاني) ثم أعلت العين على خلاف القياس، وقال الفراء أصلها أية كحية ثم قلبت العين ألفا لانفتاح ما قبلها كقلبهم إياها في طائى وياجل، وقال الكسائي: أصلها آيية على مثال ضاربة، فكرهوا اجتماع الياءين مع انكسار أولاهما فحذفت الاولى فزنتها فالة، ومثل ذلك يجرى في غير آية من هذه الكلمات (*)

(2/51)


ويجوز قلبها واواً أَيضاً لأن الياء الثالثة المتطرفة المستثقلة لأجل ياء النسب بعدها تقلب واواً كما في عَمَوِي وشَجَوِي.
هذا كله إِذا كانت الياء الساكن ما قبلها ثالثة، فإِن كانت رابعة نظرنا: فإِن كانت بعد أَلف منقلبة.
ولا تكون إِلا عن الهمزة، نحو قِرَاي في تخفيف قِرَأْي، لأن العين لا تتقلب أَلفاً مع كون اللام حرف علة كما في هَوَى وَطَوِيَ، فلا تغير الياء في النسب عن حالها، لان قلب الهمزة ألفا إذن غير واجب، فالألف في حكم الهمزة، وإِن كانت الألف زائدة - وهو الكثير الغالب كما في سِقَايَةَ (1) ونُقَاية (2) - قلب الياء همزةً في النسب لأن القياس كان قلبها أَلفاً ثم همزة لولا التاء المانعة من التطرف، فلما سقطت التاء للنسبة وياء النسبة في حكم المنفصل كما تقدم صارت الياء كالمتطرفة، ومع ذلك هي محتاجة إِلى التخفيف بمجامعتها لياء النسب، فقلبت أَلفاً ثم همزة كما في رداء، ولم تقلب لمجرد كونها كالمتطرفة كما في رِدَاء وسِقَاء (3) لأن لياء النسب نوع اتصال، بل قلبت لهذا
ولاستثقال اجتماع الياآت فمن ثم لم يقلب واو شَقَاوة في شقاوِيٍّ إِذ لا استثقال كما
__________
(1) السقاية - بكسر السين - الاناء الذى يشرب به، ومنه قوله تعالى: (فلما جهزهم جعل السقاية في رحل أخيه) وهى أيضا البيت الذى يتخذ مجمعا للماء ويسقى منه الناس، وهى أيضا مصدر بمعنى السقى، ومنه قوله تعالى: " أجعلتم سقاية الحاج) الاية.
(2) نقاية الشئ (بضم النون) خياره، ونقاية الطعام (بفتح النون وتضم أيضا) رديئة (3) السقاء - بكسر السين - جلد السخلة إذا أجذع، يقال: لا يكون إلا للماء، ويقال: إنه يكون للماء وللبن، والوطب للبن خاصة، والنحى للسمن خاصة، قال: يجبن بنا عرض الفلاة وما لنا * عليهن إلا وخدهن سقاء (*)

(2/52)


كان مع الياآت، وبعضهم يقلب يا سِقَاية في النسب واواً لأن الياء المستثقلة قبل ياء النسب تقلب واواً كما في عَمَويٍّ وشَجَويّ إِذا لم تحذف كما في قاضِيٍّ.
وكذا يجوز لك في الياء الخامسة التي قبلها أَلف زائدة نحو دِرْحَاية (1) قلبُ الياء همزة وهو الأصل أَو واواً كما في الرابعة.
وإِن كان الساكن المتقدم على الياء الرابعة ياء نحو عَلِيٍّ وَقُصَيٍّ فقد تقدم حكمه بقي علينا حكم الياء الخامسة إِذا كان الساكن قبلها ياء، فنقول: ذلك على ضربين، لأنه إِما أَن يكون الياءان زائدتين كما في كرسِيٍّ وبَرْدِي وكُوفي فيجب حذفهما في النسب فيكون المنسوب والمنسوب إِليه بلفظ واحد، وإِما أَن يكون ثانيهما أَصلياً، فإِن سكن ثاني الكلمة نحو مَرْمِيٍّ وكذا يَرْمِيٌّ في النسب إِلى
يَرْمي على وزن يَعْضِيد (2) من رمى، فالأَوْلى حذفهما أَيضاً للاستثقال ويجوز حذف الأول فقط وقلب الثاني واواً احتراماً للحرف الأصلي فتقول: مَرْمَوِي ويَرْمَوِي، وإِنما فتحت ما قبل الواو استثقالاً للكسرتين مع اجتماع ثلاثة أَحرف معتلة، فيكون كقَاضَوِيّ عند المبرد، وإِن تحرك ثاني الكلمة فلابد من حذفهما مع أَصالة الثاني، كما تقول في النسب إِلى قَضَوِية (3) على وزن حَمَصِيصة من قضى:
__________
(1) تقدم قريبا شرح هذه الكلمة (انظر: ص 43 من هذا الجزء) (2) اليعضيد - بفتح الياء وسكون العين المهملة - قال ابن سيده: اليعضيد بقلة زهرها أشد صفرة من الورس (الزعفران) وقيل: هي من الشجر، وقال أبو حنيفة: " اليعضيد بقلة من الاحرار مرة لها زهرة صفراء تشتهيها الابل والغنم والخيل أيضا تعجب وتخصب عليها قال النابغة ووصف خيلا: يتحلب اليعضيد من أشداقها * صفرا مناخرها من الجرجار (3) أصل قضوية قضيية بثلاث ياءات أولاهن مكسورة لانه من قضيت، فقلبوا أولى الياءات واوا حين كرهوا اجتماعهن كما فعلوا ذلك في فتوى (*)

(2/53)


قضوى، لاغير، وهذا بناء على أَن أَول المكرر هو الزائد كما هو مذهب الخليل على ما يجئ في باب ذي الزيادة.
وإِن كانت الياء المشددة خامسة وجب حذفها بلا تفصيل، سواء كان الثاني أَصلاً كما في الأحاجِيّ (1) والأَوَارِيّ (2) ، أَو كانا زائدين كما في بخاتِيَّ اسم رجل فهو غير منصرف لكونه في الأصل أَقْصَى الجموع، والمنسوب إِليه يكون منصرفاً لأن ياء النسبة لكونها كالمنفصل لا تعد في بنية أَقْصَى الجموع كما تقدم في باب ما لا ينصرف، أَلا ترى إِلى صرف جمالي وكمالي.
قال: " وَمَا آخِرُهُ هَمْزَةٌ بَعْدَ أَلِفِ إِنْ كَانَتْ لِلتَأْنِيثِ قُلِبَتْ
وَاواً، وصَنْعَانِيٌّ وبَهْرَانِيٌّ ورَوْحَانيٌّ وجَلُوليٌّ وحَرُورِيٌّ شَاذٌّ، وإِنْ كَانَتْ أَصْلِيَّةً ثَبَتَتْ عَلَى الأكثْرَ كَقُرَّائِيٍّ، وإِلاَّ فالْوَجْهَانِ كَكِسَائِيٍّ وعِلْباوِيٍّ ".
أَقول: اعلم أَن الهمزة المتطرفة بعد الألف: إِما أَن تكون بعد أَلف زائدة، أولا، فالتي بعد أَلف زائدة على أَربعة أَقسام، لأنها إِما أَن تكون أصلية
__________
(1) الاحاجى: جمع أحجية (بضم الهمزة وسكون الحاء المهملة وكسر الجيم بعدها ياء مشددة) ويقال أحجوة (بتشديد الواو وقبلها ضمة) ، وهى الكلمة التى يخالف معناها لفظها (2) الاوارى: جمع الارى، وهو الحبل تشد به الدابة في محبسها، وهو أيضا عود يدفن طرفاه ويبرز وسطه كالحلقة تشد إليه الدابة، قال النابغة إلا الاوارى لايا ما أبينها * والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد (*)

(2/54)


كقُرَّاء (1) ووُضَّاء (2) ، والأكثر بقاؤها قبل ياء النسب بحالها، وإِما أَن تكون زائدة مَحْضَة وهي للتأَنيث، ويجب قلبها في النسب واواً، لأنهم قصدوا الفرق بين الأصلي المحض والزائد المحض، فكان الزائد بالتغيير أَولى، ولولا قصد الفرق لم تقلب، لأن الهمزة لا تستثقل قبل الياء استثقالَ الياء قبلها، لكنهم لما قصدوا الفرق والواو أَنسب إِلى الياء من بين الحروف وأَكثرُ ما يقلب إِليه الحرف المستثقل قبل ياء النسب قُلبت إِليه الهمزةُ، وقد تشبه قليلاً حتى يكاد يلحق بالشذوذ الهمزةُ الأصليةُ بالتي للتأَنيث فتقلب واواً نحو قُرَّاوِيّ ووُضَّاويّ، وإِما أَن لا تكون الهمزة زائدة صرفة ولا أَصلية صرفة، وهي على ضربين: إِما منقلبة عن حرف أَصلي ككساء ورداء، وإِما مُلْحِقة بحرف أَصلي كعِلْبَاء (3) ، وحِرْبَاء (4) ، ويجوز فيهما وجهان: قلْبها واواً، وإِبقاؤها بحالها، لأن لها نسبة إِلى
الأصلي من حيث كون إِحداهما منقلبة عن أَصلي والأخرى مُلْحِقة بحرف أصلى،
__________
(1) القراء (بضم القاف وتشديد الراء مفتوحة) الناسك المتعبد، والقراء (بفتح القاف وتشديد الراء) الحسن القراءة أو الكثيرها، والهمزة في كليهما أصلية (2) الوضاء (بضم الواو وتشديد الضاد مفتوحة) الوضئ الحسن الوجه، قال أبو صدقة الدبيرى والمرء يلحقه بفتيان الندى * خلق الكريم وليس بالوضاء (3) العلباء - بكسر فسكون - عصب عنق البعير، ويقال: الغليظ منه خاصة.
وقال اللحيانى: العلباء مذكر لا غير، وهما علباوان يمينا وشمالا بينهما منبت العنق، والجمع العلابي (4) الحرباء - بكسر فسكون - ذكر أم حبين، ويقال: هو دويبة نحو العظاءة أو أكبر يستقبل الشمس برأسه ويكون معها كيف دارت، ويقال: إنه يفعل ذلك ليقى جسده برأسه ويتلون ألوانا بحر الشمس، والجمع الحرابي، والانثى الحرباء، والحرباء أيضا: مسمار الدرع، ويقال: هو المسمار في حلقة الدرع.
(*)

(2/55)


ولها نسبة إِلى الزائد الصرف من حيث إِن عين الهمزة فيهما ليست لام الكلمة كما كانت في قُرَّاءِ ووُضَّاء، لكن الإِبقاء في المنقلبة لشدة قربها من الأصلي أَولى منه في الملحقة، فنقول: كل ماهى لغير التأْنيث يجوز فيه الوجهان، لكن القلب في الملحِقة أَولى منه في المنقلبة، والقلب في المنقلبة أَولى منه في الأصلية، والقلب في الملحقة أَولى من الابقاء، وفي المنقلبة بالعكس، وهو في الأصلية شاذ.
وأَما الهمزة التي بعد أَلف غير زائدة كماء وشاء فإِن الألف فيهما منقلبة عن الواو وهمزتهما بدل من الهاء فحقها أَن لا تغير (1) ، فالنسب إلى ماء مائى بلا
__________
(1) أنت تعرف أنهم جوزوا في همزة كساء ورداء ونحوهما قلبها واوا وبقاءها
فأجازوا أن تقول كساوي أو كسائي ورداوى أو ردائي، وأوجبوا في همزة شاء وماء بقاء الهمزة فلم يجيزوا إلا أن تقول شائى ومائى، قياسا، مع اشتراك هذين النوعين في أن الهمزة في كل منهما منقلبة عن أصل، ولعل السر في تغاير الحكمين أن انقلاب حرف العلة إلى الهمزة في رداء وكساء قياس لعلة اقتضته، فجعلوا قيام سبب القلب مذكرا بالاصل وهو الالف التى انقلبت عن الواو أو الياء فرجعوا إليه في النسب، فأما في ماء وشاء ونحوهما فالهمزة فيهما منقلبة انقلابا شاذا لغير علة تقتضيه، فانصرف الذهن عن أصل الهمزة - وهو الهاء - لعدم قيام سبب الابدال، فاعتبرت الهمزة كالاصلية في نحو قراء ووضاء.
ولم يرجعوا إلى الاصل الذي هو الهاء فيقولوا ماهى وشاهى، ولان الهمزة أخف من الهاء لكون الهمزة أخت حروف العلة، على أنهم ربما قالوا شاوى تشبيها للهمزة المنقلبة عن الهاء بالهمزة المنقلبة عن حرف العلة، قال الشاعر: ولست بشاوى عليه دمامة * إذا ماغدا يغدو بقوس وأسهم وأنشد الجوهري لمبشر بن هذيل الشمخى: ورب خرق نازح فلاته * لا ينفع الشاوى فيها شاته ولا حماراه ولا علاته * إذا علاها اقتربت وفاته هذا بيان ما ذكره المؤلف، وهو موافق لما ذكره سيبويه حيث قال (ج 2 ص (*)

(2/56)


تغيير، وكذا كان القياس أَن ينسب إِلى شاء، لكن العرب قالوا فيه شاوى على غير القياس، فإِن سُمّي بشاء فالأجود شائي على القياس لأنه وَضع ثانٍ، ويجوز شَاوِي كما كان قبل العلمية.
__________
84) : " وأما الاضافة إلى شاء فشاوى، كذلك يتكلمون به، قال الشاعر: فلست بشاوى عليه دمامة (البيت) وإن سميت به رجلا أجريته على القياس، تقول:
شائى، وإن شئت قلت شاوى كما قلت عطاوى، كما تقول في زينة وثقيف إذا سميت رجلا بالقياس " اه، وحاصل هذا الكلام أن القياس في نحو شاء - من كل همزة أبدلت من غير حرف من حروف العلة وقبلها ألف غير زائدة - بقاء الهمزة عند النسب، لكنهم خالفوا القياس في كلمة شاء فقالوا شاوى، وأنت إذا سميت بشاء يجوز لك أن تقول شائى على ما يقتضيه القياس وأن تقول شاوى كما كانوا يقولون قبل التسمية.
والذى في شرح الاشمونى وحواشي الصبان نقلا عن ابن هشام يخالف هذا ويخالف بعضه بعضا، قال الاشموني: " إذا نسبت إلى ماء وشاء فالمسموع قلب الهمزة واوا نحو ماوى وشاوى، ومه قوله * لا ينفع الشاوى فيها شاته * (البيت) فلو سمى بماء أو شاء لجرى في النسب إليه على القياس فقيل مائى وماوى وشائى وشاوى " اه، وهذا يخالف ما ذكره المؤلف من وجهين: الاول أنه ذكر أن العرب قد قالت ماوى بالواو في النسب إلى ماء، ولم يحكه المؤلف، الثاني أنه يؤخذ منه أن القياس في هذا النوع جواز القلب واوا والابقاء على نحو ما يجوز في عطاء وكساء ورداء.
وقال الصبان في حاشيته: " قال ابن هشام: إذا نسب إلى ماء نسب إليه كما ينسب إلى كساء فتقول مائى وماوى، لان الهمزة بدل، غاية ما فيه أن المبدل منه مختلف فيهما، فهو في كساء واو، وفي ماء هاء، لان أصله موه اه يس: أي فأطلق ابن هشام جواز الوجهين وفصل الشارح بين ما قبل التسمية فيتعين القلب وقوفا على ما سمع، وما بعدها فيجوز الوجهان " اه.
وهذا يخالف ما ذكره المؤلف ههنا كما يخالف ما ذكره الاشمونى، أما مخالفته ما ذكره مؤلف هذا الكتاب فلانه جعل القياس في النسب إلى ماء وشاء جواز القلب والابدال، سواء أكنت قد سميت به أم لم تكن.
وأما مخالفته لما ذكره الاشمونى فقد ذكرها الصبان في عبارته التي نقلناها لك.
(*)

(2/57)


صنعاء: بلد في اليمن، وبهراء: قبيلة من قُضَاعة، ورَوْحَاء: موضع قرب المدينة، وجلولاء: موضع بالعراق، وكذا حَرُورَاء، وقالوا في دَسْتُوَاءَ: دَسْتُوَانِيٌّ (1) ، ووجه قلب الهمزة نوناً وإِن كان شاذاً مشابهةُ أَلفي التأْنيث الألف والنون، وهل قلبت الهمزة نوناً أَو واواً ثم قلبت الواو نوناً؟ مضى الخلاف فيه في باب مالا ينصرف (2) ، وحذف في جلولاء وحرورا لطول الاسم، شبهوا
__________
(1) كذا في جميع النسخ، وكلام المؤلف صريح في أن الكلمة ممدودة، والذي في القاموس والمعجم لياقوت أن الكلمة مقصورة، قال في القاموس: " ودستوا بالقصر قرية بالاهواز، والنسبة دستوانى ودستوائى " اه، وقال ياقوت: " دستوا بفتح أوله وسكون ثانيه وتاء مثناة من فوق: بلدة بفارس، وقال حمزة: المنسوب إلى دستى دستفائى، ويعرب على الدتسوائى، وقال السمعاني: بلدة بالاهواز، وقد نسب إليها قوم من العلماء، وإليها تنسب الثياب الدستوائية " وقد ضبطت التاء المثناة في مادة (د س ت) من القاموس بالضم بخط القلم، وفي مادة (د س ا) منه بالفتح بضبط القلم أيضا.
(2) قال المؤلف في شرح الكافية (ج 1 ص 52) : " اعلم أن الالف والنون إنما تؤثران لمشابهتهما ألف التأنيث الممدودة من جهة امتناع دخول تاء التأنيث عليهما، وبفوات هذه الجهة يسقط الالف والنون عن التأثير، وتشابهانها أيضا بوجوه أخر لا يضر فواتها، نحو تساوى الصدرين وزنا، فسكر من سكران كحمر من حمراء، وكون الزائدين في نحو سكران مختصين بالمذكر كما أن الزائدين في نحو حمراء مختصان بالمؤنث، وكون المؤنث في نحو سكران صيغة أخرى مخالفة للمذكر، كما أن المذكر في نحو حمراء كذلك، وهذه الاوجه الثلاثة موجودة في فعلان فعلى غير حاصلة في عمران وعثمان وغطفان ونحوها، وتشابهانها أيضا بوجهين آخرين لا يفيدان من دون الامتناع من التاء، وهما زيادة الالف والنون
معا كزيادة زائدي حمراء معا، وكون الزائد الاول في الموضعين ألفا، فانه اجتمع الوجهان في ندمان وعريان مع انصرافهما، فالاصل على هذا هو الامتناع من تاء التأنيث، وقال المبرد: جهة الشبه أن النون كانت في الاصل همزة بدليل قلبها إليه (*)

(2/58)


أَلف التأْنيث بتائه فحذفوها (1) الْحَرُورِيَّة: هلا الخوارج، سماهم بهذا الاسم أَمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه لما نزلوا بحَرُورَاء حين قارقوه.
قال: " وبَابُ سِقَايَةَ سِقَائِيٌّ بالْهَمْزَةِ، وبَابُ شَقَاوَةَ شَقَاوِيٌّ بالْوَاوِ، وبَابُ راى وراية رايى ورائي وَرَاويٌّ ".
أَقول: يعني بباب سِقَاية وشَقَاوة ما في آخره واو أَو ياء بعد أَلف زائدة، لم تقلب ياؤه وواوه أَلفاً ثم همزة لعدم تطرفهما بسبب التاء غير الطارئة، ويعني بباب
__________
في صنعاني وبهرانى في النسب إلى صنعاء وبهراء، وليس بوجه، إذ لا مناسبة بين الهمزة والنون حتى يقال إن النون أبدل منها، وأما صنعاني وبهرانى فالقياس صنعاوى وبهراوى كحمراوي، فأبدلوا النون من الواو شاذا، وذلك للمناسبة التي بينهما، ألا ترى إلى إدغام النون في الواو، وجرأهم على هذا الا بدل قولهم في النسب إلى اللحية والرقبة: لحيانى ورقباني، بزيادة النون من غير أن تبدل من حرف، فزيادتها مع كونها مبدلة من حرف يناسبها أولى " اه، وقال ابن يعيش في شرح المفصل (ج 10 ص 36) : " القياس في صنعاء وبهراء أن يقال في النسب إليهما صنعاوى وبهراوى، كما تقول في صحراء صحراوي، وفي خنفساء خنفساوى، تبدل من الهمزة واوا فرقا بينها وبين الهمزة الاصلية، على ما تقدم بيانه في النسب، وقد قالوا صنعاني وبهرانى عى غير قياس، واختلف الاصحاب في ذلك، فمنهم من قال: النون بدل من الهمزة في صنعاء وبهراء، ومنهم
من قال: النون بدل من الواو، كأنهم قالوا صنعاوى كصحراوي ثم أبدلوا من الواو نونا، وهو رأى صاحب هذا الكتاب (الزمخشري) وهو المختار، لانه لا مقاربة بين الهمزة والنون، لان النون من الفم والهمزة من أقصى الحلق، وإنما النون تقارب الواو فتبدل منها " اه (1) بقى أن يقال: هل حذفت ألف التأنيث - التى هي الهمزة في اللفظ - أولا ثم حذفت الالف التى قبلها لانها خامسة وقياس الالف الخامسة أن تحذف في النسب؟ أم حذفت الهمزة والالف التى قبلها معا لكونهما معا كعلامة وكون زيادتهما في الكلمة معا على ما تقدم بيانه في الهامشة السابقة، والظاهر الاول، وإن كان الثاني له وجه.
(*)

(2/59)


رَايٍ ورَايَة ما في آخره ياء ثالثة بعد أَلف غير زائدة، وقد مضى شرح جميع ذلك قال: " وَمَا كانَ عَلَى حَرْفَيْنِ إِنْ كانَ مُتَحَرِّكَ الأَوْسَطِ أَصْلاً وَالْمَحْذُوفُ هُوَ اللاَّمُ وَلَمْ يُعَوَّضْ هَمْزَةَ الْوَصْلِ أَوْ كانَ المَحْذُوفُ فَاءً وَهُوَ مُعتَلُّ اللاَّمِ وَجَبَ رَدُّهُ كَأَبَوِيٍّ وأَخَوِيٍّ، وَسَتَهِيٍّ في سَتٍ وَوِشَوِيٍّ فِي شِيَةٍ، وقَالَ الاخفش وشي عَلَى الأَصْلِ، وَإِنْ كانَت لاَمُهُ صَحِيحَةً والْمَحْذُوفُ غَيْرُهَا لَمْ يُرَدَّ كَعِدِيٍّ وَزِنِيٍّ وَسَهِيٍّ في سَهٍ وجَاءَ عِدَويٌّ ولَيْسَ بِرَدٍّ، ومَا سِواهُمَا يَجُوزُ فيهِ الأمْرَانِ نَحْوُ غَدِيٍّ وغَدَوِيٍّ وابنِيٍّ وبَنَوِيٍّ وحِرِيٍّ وحِرَحِيٍّ، وأَبو الْحَسَنِ يُسَكِّنُ مَا أَصْلُهُ السُّكُونُ فَيَقولُ غَدْوِيٍّ وحِرْحِيٌّ، وأُخْتٌ وبِنْتٌ كأخ ابن عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَعَلَيْهِ كِلَوِيٌّ، وَقَالَ يُونُسُ أُخْتِيٌّ وَبِنْتِيٌّ وَعَلَيْهِ كِلْتِيٌّ وَكِلْتَويٌّ وَكِلْتَاوِيٌّ " أَقول: اعلم أَن الاسم الذي على حرفين على ضربين: ما لم يكن له ثالث
أَصلاً، وما كان له ذلك فحذف، فالقسم الاول لابد أَن يكون في أَصل الوضع مبنياً، لأن المعرب لا يكون على أَقل من ثلاثة في أَصل الوضع، فإِذا نسبت إِليه فإِما أَن تنسب إِليه بعد جعله علماً للفظة، أَو تنسب إِليه بعد جعله علماً لغير لفظه، كما تسمِّي شخصاً بِمَنْ أوكم ففى الاول لابد من تضعيف ثانيه، سواء كان الثاني حرفاً صحيحا أولا، كما تبين في باب الأعلام، فتقول في الصحيح: الكمِّيَّة واللَّمِّيَّة بتشديد الميمين، وفي غيره: المائية، وهو منسوب إِلى ما، ولوِّيٌّ ولوْئي، (1) فيمن يكثر لفظه لو،
__________
(1) في بعض النسخ سقطت كلمة " ولوئى " والصواب بثبوتها، وأراد الشارح (*)

(2/60)


وكذا تقول في لا: لائي، لأنك إِذا ضعفت الألف واحتجت إِلى تحريك الثاني فجعله همزة أَولى، كما في صحراء وكساء، وكذا تقول في اللات (1) : لائي، لان التاء للتأْنيث، لأن بعض العرب يقف عليها بالهاء نحو اللاَّه، وتقول في كَيْ وفِي: كَيَوِيّ وَفِيَوِيّ، لأنك تجعلهما كيَّاً وفِيَّاً كَحَيٍّ، ثم تنسب إِليهما كما تنسب إِلى حيّ وطيّ، ومبني ذلك كله أَنَّ ياء النسبة في حكم الكلمة المنفصلة وفي الثاني: أَي المجعول علما لغير لفظه، لا تضعّف ثاني حرفيه الصحيح (2) ، نحو جاءني مَنِيٌّ وكَمِيٌّ، بتخفيف الميم والنون، كما تبين في باب الأعلام، وإِذا كان الثاني حرف علة ضعفته عند جعله علماً قبل النسبة كما مر في باب الأعلام والقسم الثاني الذي كان له ثالث فحذف إِن قصدت تكميله ثلاثة ثم نسبت إلى ردَّ إِليه ذلك الثالث في النسبة، لأن ما كان من أَصل الكلمة أَولى بالرد من المجئ بالأجنبي فنقول: لا يخلو المحذوف من أَن يكون فاء، أَو عينا، أو لاما
__________
بذلك الاشارة إلى ما حكى عن بعض العرب من أنه يجعل الزيادة المجتلبة بعد حرف العلة همزة على الاطلاق، فيقول: لائى، وكيئى، ولوئى، وما أشبه ذلك
(1) اللات.
اسم صنم، واختلف في تائه، فقيل: أصلية مشددة، سمى الصنم برجل كان يلت السويق عنده للحاج، فلما مات هذا الرجل عبد الصنم وسمى بوصفه، وقيل: هذه التاء زائدة للتأنيث، وهى مخففة، قال في اللسان: " وكان الكسائي يقف عليها بالهاء، قال أبو إسحاق: هذا قياس، والاجود اتباع المصحف والوقوف عليها بالتاء " اه بتصرف (2) وجه الفرق بين ما جعل علما للفظه وما جعل علما لغير لفظه أن الاولى لم يبعد عن أصله، لانه إنما نقل من المعنى إلى اللفظ، فلا بأس بتغيير لفظه بتضعيف ثانيه ليصير على أقل أوزان المعربات، وأما الثاني - وهو ما جعل علما لغير لفظه - فقد انتقل من المعنى إلى معنى آخر أجنبي منه فلو غير لفظه بالتضعيف لكان تغييرا في اللفظ والمعنى جميعا فيبعد جدا (*)

(2/61)


فإِن كان فاء، والمطرد منه المصدر الذي كان فاؤه واواً ومضارعه محذوف الفاء، نحو عِدَةٍ ومِقَةٍ ودَعَة وسَعَة وزِنة، فإِن كان لامه صحيحاً لم ترد في النسب فاؤه نحو عِدِيّ وسَعِيّ، لأن الحذف قياسي لعلة، وهي إِتباع المصدر للفعل، فلا يرد المحذوف من غير ضرورة مع قيام العلة الحذفة، وأَيضاً فالفاء ليس موضع التغيير كاللام حتى يتصرف فيه برد المحذوف بلا ضرورة، كما كانت في التصغير، وإِن كان لامه معتلاً كما في شِيَةٍ وجب رد الفاء، لأن ياء النسب كالمنفصل كما تكرر ذكره، واتصاله أَوهن من اتصال المضاف إِليه، أَلا ترى أَنك تقول: ذو مال، وفوزيد، فلا ترد اللام من ذو، ولا تبدل عين فوميما، فإِذا نسبت قلت: ذَوَوِي وفَمِيّ، وأَوهن اتصالاً من التاء أَيضاً، لأنك تقول: عَرْقُوَة وقَلَنْسُوَة وَعَرْقِيٌّ وقلنسى وسقاية بالياء لا غير وسِقَائيّ بالهمزة عند بعضهم، ولولا أَن الواو قبل ياء النسب أَولى من الهمزة وأَكثر لناسب أَن
يقال في شقاوة شَقَائيّ أَيضاً بالهمزة، فنقول: جاز حذف الفاء في شية وإِن لم يكن في الكلمات المعربة الثنائية ما ثانيه حرف علة لأن التاء صارت كلام الكلمة فلم يتطرف الياء بسببها وكذا في الشاة والذات واللات، فلما سقطت التاء في شية وخلفتها الياء وهو أَوهن اتصالاً منه كما مر بقيت الكلمة المعربة على حرفين ثانيهما حرف لين كالمتطرف، إِذ الياء كالعدم، ولا يجوز في المعرب تطرف حرف اللين ثانياً، إِذ يسقط بالتقاء الساكنين إِما لأجل التنوين أَو غيره، فيبقى الاسم المعرب على حرف، فلما لم يجز ذلك رددنا الفاء المحذوفة أَعني الواو حتى تصير الكلمة على ثلاثة آخرها لين كَعَصًا وَعَمٍ، فلما رد الفاء لم تزل كسرة العين عند سيبويه، ولم تجعل ساكنة كما كانت في الأصل، لأن الفاء وإِن كانت أَصلاً إِلا أَن ردها ههنا لضرورة كما ذكرنا، وهذه الضرورة عارضة في النسب غير لازمة فلم يعتدَّ بها فلم تحذف كسرة العين اللازمة لها عند

(2/62)


حذف الفاء، فصار وِشِييٌّ كإِبلي، ففتح العين كما في إِبَلِي ونمرى، فانقلبت اليا ألفاء ثم واواً أَو انقلبت من أَول الأمر واواً كما ذكرنا في حيوي، وأَما الأخفش فإِنه رد العين إِلى أَصلها من السكون لما رد الفاء فقال وشى كظبى ولا تستثقل الياآت مع سكون ما قبلها، والفراء يجعل الفاء المحذوفة في هذا الباب من الصحيح اللام كان أَو من المعتلة، بعد اللام، حتى يصير في موضع التغيير: أَي الآخر، فيصح ردها، فيقول: عِدَوِي وزِنَوِي وشِيَوِي، في عدة وزنة وشية، وحمله على ذلك ما رُوِيَ عن ناس من العرب عِدَوي في عدة فقاس عليه غيره وإِن كان المحذوف عيناً، وهو في اسمين فقط (1) : سه اتفاقاً، ومذ عند قوم، لم ترده في النسب، إِذ ليس العين موضع التغيير كاللام، والاسم المعرب يستقل بدون ذلك المحذوف
وإِن كان المحذوف لاماً فإِن كان الحذف للساكنين كما في عَصًا وعَمٍ فلا كلام في رده في النسبة، لزوال التنوين قبل ياء النسب فيزول التقاء الساكنين، وإِن كان نَسْياً لا لعلة مطردة نظر: إِن كان العين حرف علة لم يبدل منها قبل النسب حرف صحيح وجب رد اللام كما في شاةٍ وذُو مال، تقول: شاهي، وذووي، وإِن أَبدل منها ذلك لم يرد اللام نحو فمي في " فوزيد "، كما مر قبل، وإِن لم يكن العين حرف علة قال النحاة: نظر، فإِن كان اللام ثبت رده من غير ياء النسبة في موضع من المواضع - وذلك إما في المثنى، أَو في المجموع بالألف والتاء، أَو في حال الإضافة وذلك في الأسماء الستة - ردّ في النسبة وجوباً، لأن النسبة يزاد لها في موضع اللام ما لم يكن في الأصل كما قلنا في كمية ولائي، فكيف
__________
(1) أورد على هذا الحصر رب المخففة، بناء على أن المحذوف عينها كما هو رأى جماعة من العلماء، وليس ذلك بوارد على المؤلف لانه يرى ن المحذوف من رب هو اللام على ما سيأتي له (*)

(2/63)


بلام كان في الأصل وثبت عوده في الاستعمال بعد الحذف؟ وقد ذكرنا في باب المثنى ضابط ما يرد لامه في التثنية من هذا النوع، وهو أَبٌ وأَخٌ وحم وهَنٌ، وأَما الجمع بالألف والتاء فلم يذكر لما يرد لامه فيه من هذا النوع ضابط، بلى قد ذكرنا في باب الجمع أَن مضموم الفاء نحو ظُبَة لا يرد لامه نحو ظُبَات، ويرد من المكسورة الفاء قليل نحو عِضَوَات، والمفتوح الفاء يرد كثير منه (1) نحو سَنَوَات وهَنَوَات وضَعَوَات، وبعضه لا يجمع بالألف والتاء استغناء عنه بالمكسر، نحو شفة وأَمة، قالوا: فإِن لم يثبت رد اللام في موضع فأَنت في النسب مخير بين الرد وتركه نحو غَدِي وغَدَوِي وحِرِيّ وحِرَحِيّ وابْني وبَنَوِيٌّ ودَمِيّ ودَمَوِيّ، ولا اعتبار بقوله:
48 - * جَرَى الدَّمَيَان بالخبر اليقين (2) *
__________
(1) انظر تعليل ذلك وضوابطه في شرح الكافية للمؤلف (ج 2 ص 163) و (ج 2 ص 175) (2) هذا عجز بيت لعلى بن بدال السلمى، وقد نسبه قوم إلى الفرزدق، وآخرون إلى المثقب العبدى، ونسبه جماعة إلى الاخطل، وليس ذلك بشئ.
وصدر البيت قوله: * فلو أنا على جحر ذبحنا * والجحر: الشق في الأرض، وقوله " جرى الدميان إلخ " قال ابن الأعرابي: معناه لم يختلط دمي ودمه من بغضني له وبغضه لي بل يجري دمي يَمْنَةً ودمة يسرة، اه وكلام الشاعر إشارة إلى ما اشتهر عند العرب من أن دم المتباغضين لا يمتزج، وقد ذكر المؤلف هذا البيت على أن رد اللام في تثنية الدم شاذ، والقياس دمان، ومن العلماء من يخرج ذلك البيت ونحوه على أنه ثناه على لغة من قال " دما " مثل الفتى، فقال دميان كما يقال فتيان (*)

(2/64)


وبقوله: 49 - * يَدَيَان بَيْضَاوَانِ عِنْدَ مُحَلِّمٍ (1) * لِشذوذهما، قالوا: فمن قال هَنُكِ وهَنَان وهَنَات جوز هَنِيًّا وهَنَويًّا، ومن قال هنوك وهنوان وهنوات أَوجب هَنَويًّا، وقال المصنف: إِن الرد إِلى المثنى والمجموع إِحالة على جهالة، فأَراد أَن يضبط بغير ذلك، فقال: إِن لم يكن العين حرف علة نظر فإِن كان في الأصل متحرك الأوسط ولم يعوض من اللام المحذوفة همزة وصل وجب ردها لئلا يلزم في النسب الإِجحاف بحذف اللام وحذف حركة العين، مع أَن الحذف في الآخر الذي هو محل التغيير أَولى، فمن ثم لم
يجز إِلا أَبوي وأَخوي، وإِن كان في الأصل ساكن العين جاز الرد وتركه، نحو غَدِي وغَدَوِي وحِرِي وحرحى، إِذ لا يلزم الإِجحاف، وكذا إِن عوض الهمزة من اللام جاز رد اللام وحذف الهمزة وجاز الاقتصار على المعوض نحو ابني وبنوي واستي وستهي.
قلت: الذي التجأَ إِليه خوفاً من الرد إِلى جهالة ليس في الإِحالة عليها بدون ما قال النحاة، لأن كثيراً من الأسماء الذاهبة اللام مختلف فيها بين النحاة هل
__________
(1) هذا صدر بيت، وعجزه قوله: * قد تمنعانك أن تذل وتقهرا * ولم نقف لهذا البيت على نسبة إلى قائل معين، ومحلم: اسم رجل يقال: إنه من ملوك اليمن، ويروى في مكانه " محرق " و " عند " في قوله " عند محلم " بمعنى اللام، فكأنه قد قال يديان بيضاوان لمحلم.
وقد ذكر المؤلف هذا البيت على أن رد لام يد في التثنية شاذ، وكان القياس أن يقول يدان، ومن العلماء من يقول: إنه ثناه على لغة من قال " يدى " مثل الفتى مقصورا، فكما تقول في تثنية الفتى فتيان تقول في تثنية اليدى يدينا، فاعرف ذلك (*)

(2/65)


هو فَعْلٌ بالسكون أَو فَعَل كَيَدٍ ودَمٍ، وأَكثر ما على نحو ظُبَة ومِائة وسَنَة (1) مجهول الحال هل هو ساكن العين أَو متحركها.
واعلم أَن بعض هذه الاسماء المحذوفة اللام لامها ذو وجهين كسنة لقولهم سانهت وسنوات، وكذا عِضَة لقولهم عُضَيْهة وعِضَوَات، قال السيرافي: من قال سانهت قال سَنَهِيٌّ وسَنِيّ لأن الهاء لا ترجع في الجمع لا يقال سَنَهَات (2) ومن قال سَنَوات يجب أَن يقول سَنَوِي، وكذا من قَالَ عَضَهِيّ وعِضِيّ إِذ لم يأَت عَضَهَات، ومن قال عِضَوَات قال عِضَوِيّ لا غير، قال سيبويه: النسبة
إِلى فم فمي وفموي لقولهم في المثنى فَمَان، قال: ومن قال فموان كقوله: 50 - * هُمَا نَفَثَا فِي فِيَّ مِنْ فَمَوَيْهِمَا (3) * قال: فَمَوِيٌّ لا غير، قال المبرد: إِن لم تقل فَمِيٌّ فالحق أَن ترده إِلى أَصله وتقول فَوْهِيّ.
وعلى أَي ضابط كان فاعلم أَن ما تُرَدٌّ لامه وأَصل عينه السكون نحو دَمَوي ويَدَوِي وغَدَوِي وحِرَحِيّ يفتح عينه عند سيبويه، إِلا أَن يكون مضاعفا،
__________
(1) المراد بنحو ظبة ومائة وسنة كل ثلاثى حذفت لامه وعوض منها تاء التأنيث سواء أكان مضموم الاول أم مكسوره أم مفتوحه، وأما المختلف فيه فهو الثلاثي المحذوف اللام الذى لم يعوض منها شيئا (2) قد حكى صاحب القاموس أنه يجمع على سنهات وسنوات، وحكاه في اللسان عن ابن سيده (3) هذا صدر بيت للفرزدق، وعجزه قوله: * على النابح العاوي أشد رجام * ونفثا: ألقيا على لساني، وضمير التثنية يرجع إلى إبليس وابنه، وأراد بالنابح من تعرض لهجوه من الشعراء وأصله الكلب، وكذلك العاوى، والرجام: المراماة بالحجارة، وقد ذكر المؤلف هذا الشاهد على أنه قد قيل في نثنية فم فموان (*)

(2/66)


لمثل ما ذكرنا في تحريك عين شِيَةٍ، وذلك أَن العين كانت لازمة للحركة الإِعرابية، فلما رددت الحرف الذاهب قصدت أن لا تجردها من بعض الحركات تنبها على لزومها للحركات قبل، والفتحةُ أخفها، وأَبو الحسن يسكن ما أَصله السكون رداً إِلى الأصل، كما ذكرنا في شيه، فيقول: يَدْييّ وَدَمْيِيّ وَغَدْوِيّ وَحِرْحِيّ بإسكان عيناتها، وأَما إِذا كان مضاعفاً كما إِذا نسبت إِلى
رُبَ المخففة فإِنك تقول: رُبِّيّ بإِسكان العين للإدغام اتفاقاً، تفادياً من ثقل فك الإدغام، وقد نسبوا إِلى قُرَةَ وهم قوم من عبد القيس والأصل قُرَّة فخفف فقالوا قُرِّيّ مشددة الراء واعلم أَن كل ثلاثي محذوف اللام في أَوله همزة الوصل تعاقب اللام فهي كالعوض منها، فإِن رددت اللام حذفت الهمزة، وإِنْ أَثبتَّ الهمزة حذفت اللام، نحو ابني وبنوى، واسمى وسموى بكسر السين أَو ضمه لقولهم سِمٌ وَسُمٌ وجاء سموي بفتح السين أَيضاً، وأَما امرؤ فلامه موجودة، فلا يكون الهمزة عوضاً من اللام فلذا قال سيبويه لا يجور فيه إِلا امرئِي قال وأَما مَرَئيّ في " امرئ القيس " فشاذ، قال السيرافي: هذا قياس منه، وإِلا فالمسموع مرئي في امرئ القيس، لا امرئي، واعلم أَن الراء في مَرَئِي المنسوب إِلى امرئ مفتوح، وذلك لأنك لما حذفت همزة الوصل على غير القياس بقي حركة الراء بحالها، وهي تابعة لحركة الهمزة التي هي اللام، والهمزة لزمها الكسر لأجل ياء النسب، فكسرت الراء أَيضاً، فصارَ مِرئي كَنِمِري، ثم فتحت كما في نمري، وحكى الفراء في امرئ فتح الراء على كل حال وضمها على كل حال، وأما اينم فكأَن الهمزة مع الميم عوضان من اللام، فإِذا رددت اللام حذفتهما، قال الخليل: ولك أَن تقول ابنمي، قال سيبويه: ابنمي قياس من الخليل لم تتكلم به العرب فإِن أَبدل من اللام في الثلاثي التاءُ، وذلك في الأسماء المعدودة المذكورة في

(2/67)


باب التصغير نحو أَخت (1) وبنت وهَنْت وَثِنْتَانِ وَكَيْتَ وَذَيْتَ، فعند سيبويه تحذف التاء وترد اللام، وذلك لأن التاء وإِن كانت بدلاً من اللام إِلا أَن فيها رائحة من التأْنيث لاختصاصها بالمؤنث في هذه الأسماء، والدليل على أَنها لا تقوم مقام اللام من كل وجه حذفهم إِياها في التصغير نحو بنية وأخية، وكذا وكذا في الجمع
نحو بنات وأَخوات وهنات، فإِذا حذفت التاء رجع إِلى صيغة المذكر، لأن جميع ذلك كان مذكراً في الأصل، فلما أَبدلت التاء من اللام غيرت الصيغة بضم الفاء من أُخت وكسرها من بِنْتٍ وثِنْتَان، وإِسكان العين في الجميع تنبيهاً على أَن هذا التأْنيث ليس بقياسي كما كان في ضارب وضاربة وأَن التاء ليست لمحض التأْنيث بل فيها منه رائحة، ولذا ينصرف أَخت علماً، فتقول في أَخت: أُخَوي كما قلت في أَخ، وفي بنت وثنتان بَنَوِي وَثَنَويّ، والدليل على أَن مذكر بنت فَعَلٌ في الأصل بفتح الفاء والعين قولهم بَنُونَ في جمعه السالم وأَبناء في التكسير (2) وكذا قالوا في جمع الاثنين أَثناء، قال سيبويه (3) : إِن قيل إِن بنات لم يرد اللام
__________
(1) انظر الجزء الاول من هذا الكتاب (ص 220) (2) الدليل على أن الفاء في ابن مفتوحة قولهم في جمع السلامة بنون، والدليل على أن العين مفتوحة أيضا مجئ تكسيره على أبناء، إذ لو كانت عينه ساكنة لجمع على أفعل مثل فلس وأفلس (3) بين عبارة سيبويه وما نقله المؤلف عنه اختلاف، ونحن نذكر لك عبارة سيبويه، قال (ج 2 ص 82) : " فان قلت بنى جائز كما قلت بنات، فانه ينبغى له أن يقول بنى في ابن كما قلت في بنوز، فانما ألزموا هذه الرد في الاضافة لقوتها على الرد ولانها قد ترد ولاحذف، فالتاء يعوض منها كما يعوض من غيرها " اه، وقال أبو سعيد السيرافي في شرحه: " فان قال قائل فهلا أجزتم في النسبة إلى بنت بنى من حيث قالوا بنات كما قلتم أخوى من حيث قالوا أخوات فان الجواب عن ذلك أنهم قالوا في المذكر بنون ولم يقولوا فيه بنى، إنما قالوا بنوى أو ابني، فلم (*)

(2/68)


فيه فكان القياس أَن يجوز في النسب بَنِي وبَنَويّ لما أصلتم من أَن النظر في الرد في النسبة إِلى المثنى والمجموع بالألف والتاء.
فالجواب أَنهم وإِن لم يردوا في بنات ردوا في بنون، والغرض رجوع اللام في غير النسب في بعض تصاريف الكلمة،
وكان يونس يجيز في بنت وأَخت مع بَنَوي وأَخَوي بِنْتِيّ وأُخْتِيّ أَيضاً، نظراً إلى أن التاء ليس للتأنيث، وهي بدل من اللام، فأَلزمه الخليل أَن يقول مَنِتي (1) وَهَنْتِي أَيضاً، ولا يقوله أَحد وتقول في كَيْتَ وذَيْتَ: كَيَوِيّ وَذَيَوِي، لأنك إِذا رددت اللام صارت كَيَّةَ وذيَّةَ كحيَّة، فتقول: كيوي كحيوي
__________
يحملوه على الحذف، إذ كانت الاضافة قوية " اه، وقول سيبويه " فان قلت بنى جائز كما قلت بنات " معناه أنه كان ينبغى جواز حذف اللام في النسب إلى بنت كما يجوز ذكرها لأن هذه اللام لم ترد في الجمع، وكل ما لم يرد في الجمع ولا في التثنية فانه يجوز في النسب رده وعدم رده، وقوله بعد ذلك " فانه ينبغى له أن يقول بنى في ابن كما قلت في بنون " معناه أنه لو كان مدار الامر على الرد في الجمع أو التثنية لكان يجوز في النسب إلى ان الرد وعدمه لان جمعه لم يرد فيه اللام وكذا تثنيته، فلما لم نجدهم أجازوا الرد وعدمه، بل الزموا الرد أو التعويض فقالوا بنوى أو ابني، علمنا أن هناك شيئا وراء الرد في الجمع والتثنية، وهو ما ذكره سيبويه بقوله " فانما ألزموا هذه الرد في الاضافة لقوتها - الخ " (1) أصل منتى " من " ثم زيدت فيه التاء عند الحكاية وقفا في غير اللغة الفصحى، واللغة الفصحى إبدال تائه هاء وتحريك نونه، وبهذا يتبين أن إلزام الخليل ليونس يتم في هنت لانه ثلاثى الوضع، لا في منت الثنائي الوضع، إذ كلام يونس فيما حذفت لامه وعوض عنها التاء، فالظاهر أن منتا يجرى عليه حكم الثنائي الوضع الصحيح الثاني الذى قدمه المؤلف، على أن ليونس أن يجيب عن هنت بأن كلامه فيما لزمته التاء وقفا ووصلا، وهنت تلزمه التاء في الوصل لا في الوقف (*)

(2/69)


والتاء في " كلتا " (1) عند سيبويه مثلها في أَخت، لما لم تكن لصريح التأْنيث بل
كانت بدلاً من اللام ولذا سكن ما قبلها وجاز الإِتيان بأَلف التأْنيث بعدها وتوسيط التاء ولم يكن ذلك جمعاً بين علامتي التأْنيث لأن التاء كما ذكرنا ليست لمحض التأْنيث بل فيها رائحة منه، فلكتا عنده كحُبْلَى الألف للتأْنيث فهي لا تنصرف لا معرفة ولانكرة، فإِذا نسبت إِليه رددت اللام، ورددت الكلمة إِلى صيغة المذكر، كما في أخت وبنت، فيصير كِلَوَى بفتح العين فيجب حذف أَلف التأْنيث كما مر في جَمَزَى، وفتح عين مذكره ظاهر، قال السيرافي: من ذهب إِلى أَن التاء ليس فيه معنى التأْنيث بل هو بدل من الواو كما في سِتٍّ وأَصله سِدْسٌ وكما في تُكلة وتُرَاث قال كِلْتي، فيجئ على ما قال السيرافي كِلْتَوِي وكِلْتَاوِي أَيضاً كحبلوي وحبلاوي، وعند الجرمي أَن أَلف كلتا لام الكلمة، وليس التاء بدلا من اللام ولا فيه معنى التأْنيث، فيقول: كِلْتَوِي كأَعْلَوِي وقوله مردود لعدم فِعْتَلٍ في كلامهم، وليس ليونس في كلتا قول، ولم يقل إِنه ينسب إِليه مع وجود التاء كما نسب إِلى أَخت وبنت، وليس ماجوز من النسب مع وجود التاء فيهما مطردا عنده في كل ما أَبدل من لامه تاء حتى يقال إِنه يلزمه كلِتي وكلتوي وكلتاوي كحبليّ وحُبْلَوِي وحبلاوي،، ولو كان ذلك عنده مطردًا لقال مَنْتي وهَنْتي أيضاً ولم يلزمه الخليل ما ألزمه، فقول المصنف " وعليه كلتوي وكلتي وكلتاوي " فيه نظر، إِلا أَن يريد أَنك لو نسبت إِليه تقديراً على قياس ما نسب يونس إِلى أَخت وبنت لجاز الأوجه الثلاثة قوله " متحرك الأوسط أصلاً " أَي في أَصل الوضع قوله " والمحذوف هو اللام ولم يعوض همزة الوصل " شرط لوجوب الرد
__________
(1) انظر الجزء الاول من هذا الكتاب (ص 221) (*)

(2/70)


ثلاثة شروط: تحرك الأوسط، إِذ لو سكن لجاز الرد وتركه نحو غَدِي وغَدَوي،
وكون اللام هو المحذوف، إِذ لو كان المحذوف هو العين نحو سه لم يحز رده، وعدم تعويض همزة الوصل، إِذ لو عوضت جاز الرد وتركه نحو ابني وبَنَوي قوله " أَو كان المحذوف فاء " هذا موضع آخر يجب فيه رد المحذوف مشروط بشرطين: كون المحذوف فاء، إِذ لو كان لاماً مع كونه معتل اللام لم يلزم رده كما في غدي، وكونه معتل اللام، إِذ لو كان صحيحاً لم يجب رده كما في عِدِيٍّ قوله " أَبوي وأَخوي وسَتَهِيّ " ثلاثة أَمثلة للصورة الأولى، وإِنما قال في سَتٍ لئلا يلتبس بالمنسوب إِلى سه بحذف العين فإِنه لا يجوز فيه رد المحذوف، وفي است لغتان أَخريان: سَتٌ بحذف اللام من غير همزة الوصل، وسَهٌ بحذف العين.
قوله " وِوشَوِيّ في شية " مثال للصورة الثانية قوله " وإن كانت لامه " أي: لان الاسم الذي على حرفين قوله " غيرها " أَي: غير اللام، وهو إِما عين كما في سه ر أَو فاء كعدة وزنة قوله " وليس برد " إِذ لو كان ردا لكان موضعه، بل هذا قلب قوله " وما سواهما " أَي: ما سوى الواجب الرد، وهو الصورتان الأوليان، والممتنع الرد، وهو الصورة الثالثة، يجوز فيه الأمران: أَي الرد، وتركه قال: " وَالمُرَكَّبُ يُنْسَبُ إِلى صَدْرِهِ كَبَعْلِيٍّ وَتأَبَّطِيّ وَخَمْسِيّ في خَمْسَةَ عَشَرَ عَلَمَاً، وَلاَ يُنسَبُ إِلَيْهِ عَدَداً، وَالمُضَافُ إِنْ كانَ الثَّانِي مَقْصُوداً أصلا كابن الزبير وبى عمر وقيل: زبيري وعمري، وَإِنْ كانَ كَعَبْدِ مَنَافٍ وَامْرِئ الْقَيْسِ قِيلَ: عَبْدِيّ وَمَرَئِيّ " أَقول: اعلم أَن جميع أَقسام المركبات ينسب إِلى صدرها، سواء كانت جملة محكية كتَأَبط شراً، أَو غير جملة، وسواء كان الثاني في غير الجملة متضمناً

(2/71)


للحرف كخَمْسَةَ عشر وبَيْت بَيْتَ (1) ، أَولا كبعلبك، وكذا ينسب إلى صدر المركب من المضاف والمضاف إِليه على تفصيل يأَتي فيه خاصة، وإِنما حذف من جميع المركبات أَحد الجزءين في النسب كراهة استثقال زيادة حرف النسب مع ثقلة على ما هو ثقيل بسبب التركيب فإِن قلت: فقد ينسب إِلى قَرَعْبَلانَة (2) واشهيباب وعيضموز (3) مع ثقلها قلت: لا مَفْصِل في الكلمة الواحدة يحسن فكه، بخلاف المركب فإِن له مفصلاً حديث الالتحام متعرضاً للانفكاك متى حَزَب حازب وإِنما حذف الثاني دون الأول لأن الثقل منه نشأَ، وموضع التغيير الآخر، والمتصدر محترم وأَجاز الجرمي النسبة إِلى الأول أَو إِلى الثاني أَيهما شئت في الجملة أَو في غيرها، فتقول في بعلبك: بَعْلِي أَو بَكّي، وفي تأَبط شراً: تأبَّطِيُّ أَو شري وقد جاء النسب إِلى كل واحد من الجزءين، قال: 51 - تَزَوَّجْتُهَا رَامِيَّةً هُرْمُزِيَّةً * بِفَضْلِ الَّذِي أَعْطى الأمير من الرزق (4)
__________
(1) تقول العرب: هو جارى بيت بيت، فيبدونه على فتح الجزين، ويقولون: هو جاري بيتا لبيت - بنصب الاول - ويقولون: هو جارى بيت لبيت - برفع الاول -، وعلى أي حال هو في موضع الحال، فعلى الوجه الاول والثانى هو حال مفرد، وعلى الثالث هو جملة (2) انظر كلمة " قرعبلانة " (ح 1 ص 10 و 200 و 264) (3) انظر كلمة " عيضموز " (ح 2 ص 263) (4) هذا البيت من الشواهد التى لم نقف لها على نسبة إلى قائل معين ولا عثرنا له على سوابق أو لواحق، والاستشهاد به على أن الشاعر نسب إلى المركب (*)

(2/72)


نسبها إِلى " رَامَهُرْمُز " وقد ينسب إِلى المركب من غير حذف إِذا خَفَّ اللفظ، نحو بَعْلَبَكِّي وإِذا نسبت إِلى " اثني عشر " حذفت عشر كما هو القياس ثم ينسب إِلى اثنان اثْنِيّ أَو ثَنَوِيّ، كما ينسب إِلى اسم اسْمي أَو سِمَوِيّ، ولا يجوز النسب إِلى العدد المركب غير علم، لأن النسب إِلى المركب بلا حذف شئ منه مؤدٍّ إِلى الاستثقال كما مر، ولا يجوز حذف أَحد جزأَي المركب المقصود منه العدد، إِذ هما في المعنى معطوف ومعطوف عليه، إِذ معنى خمسة عشر خمسة وعشر، ولا يقوم واحد من المعطوف والمعطوف عليه مقام الآخر، وإِنما جاز النسب إِلى كل واحد من المضاف والمضاف إليه كما يجئ وإن كان في الاصل لكل واحد منهما معنى لأنه لا ينسب إِلى المركب الإِضافي إِلا مع العلمية كابن الزبير وامرئ القيس، والعلم المركب لا معنى لأجزائه أَي تركيب كان، ولو لم ينمح أَيضاً معناهما بالعلمية لجاز النسب إِليهما لأنك إِن نسبت إِلى المضاف فقلت في غلام زيد غلامي فقد نسبت إِلى ما هو المنسوب إِليه في الحقيقة لأن المضاف إِليه في الحقيقة كالوصف للمضاف، إِذ معنى غلام زيد غلام لزيد، وإ نسبت إِلى المضاف إِليه فإِنه وإِن لم يكن هو المنسوب إليه في الحقيق لكنه يقوم مقام المضاف في غير باب النسب كثيراً، حتى مع الالتباس أَيضاً، كقوله: 52 - * طَبِيبٌ بما أعيا النطاسى حذيما * (1)
__________
المزجى بالحاق ياء النسب بكل جزء من جزأيه - قال أبو حيان في الارتشاف: " وتركيب الْمَزْج تحذف الجز الثاني منه فتقول في بعلبك بَعْلِيٌّ، وأجاز الجرمي النسب إلى الجزء الثاني مقتصراً عليه.
فتقول: بَكّيٌّ، وغير الجرمي كأبي حاتم لا يجيز ذلك إلا منسوباً إليهما (أي إلى الصدر والعجز معا) قياساً على " رامية هرمزية " أو يقتصر على الاول (1) هذا عجز بيت لاوس بن حجر، وصدره:
* فَهَلْ لَكُمُ فيهَا إلَيَّ فإننى * (*)

(2/73)


أَي ابن حذيم، فكيف لا يجوز في النسب وأنت لا تنسب إِلى المضاف إِليه إِلا لدفع الالتباس، كما يجئ بإِقامة المضاف إِليه مقام المضاف، وأَما إِذا نسبت إِلى خمسة عشر عاما بحذف أَحدهما فلا يلزم منه فساد، إِذ لا دلالة لأحد الجزأين مع العلمية على معنى، وقد أحاز أَبو حاتم السجستاني في العدد المركب غير علم إِلحاق ياء النسب بكل واحد من جزأيه نحو ثوب أَحَدِي عشري نحو قوله " رامية هرمزية " وفي المؤنث إِحْدِى - أَوْ إِحْدَوِيّ - عَشرِيٌّ - بسكون شين عشرة - أَي ثوب طوله أَحد عشر ذراعاً، وعلى لغة من يكسر شين عشرة في المركب إِحْدِي عَشَرِيّ - بفتح الشين كَنَمَرِي - وكذا تقول في اثني عشر: اثني عشري، أَو ثَنَوِيّ عشري، إِلى آخر المركبات وإِذا نسبت إلى المركب الاضافي فلابد من حذف أَحد الجزأَين للاستثقال ولأنك إِن أَبقيتهما فإِن أَلحقت ياء النسبة بالمضاف إِليه فإِن انتقف إِعراب الإسم المنسوب إِليه إِلى ياء النسب، كما في نحو كوفي وبصري وغير ذلك من المنسوبات، لزم تأَثر الياء بالعوامل الداخلة على المضاف وعدم تأَثره بها للحاقه بآخر المضاف إِليه اللازم جره، وإِن لم ينتقل التبس باسم غير منسوب مضاف إِلى اسم منسوب نحو غلامُ بَصْرِيٍّ، وإِن أَلحقتها بالمضاف نحو عَبْدِيّ القيس تُوُهم أَن المنسوب مضاف إِلى ذلك المجرور، مع أَن قصدك نسبة شئ إِلى الاسم المركب من المضاف والمضاف إِليه، فإِذا ثبت أَن حذف أَحدهما واجب فالأولى حذف الثاني لما ذكرنا
__________
وكان بنو الحرث بن سدوس بن شيبان اقتسموا معزاه، وقوله: فهل لكم فيها، هو على تقدير مضاف، والاصل فهل لكم في ردها، وأعيا: أعجز، والنطاسى - بكسر النون - هو العالم الشديد النظر في الامور، وحذيما: يراد به ابن حذيم،
وهو محل الاستشهاد بالبيت، والمعنى: هل لكم ميل إلى رد معزاى إلى فانني حاذق خبير بالداء الذى يعجز الاطباء عن مداواته (*)

(2/74)


فتقول في عبد القيس: عَبْدِي، وفي امرئ القيس: مَرَئي، وأَيضاً فإِنَّك لو نسبت إِلى المركب الإِضافي قبل العلمية فالمنسوب إِليه في الحقيقة هو المضاف كما ذكرنا فالأولى بعد العلمية أَن ينسب إِليه دون المضاف إِليه فان كثر الالتباس بالنسبد إلى المضاف وذلك بأن يجئ أَسماء مطردة والمضاف في جميعها واحد والمضاف إِليه مختلف كقولهم في الكنى: أَبو زيد، وأَبو علي، وأَبو الحسن، وأُم زيد، وأُم علي، وأُم الحسن، وكذا ابن الزبير، وابن عباس، فالواجب النسبة إِلى المضاف إِليه نحو زبيري في ابن لزبير، وبكري في أبى بكر، إذا الكنى مطرد تصديرها بأَب وأُم، وكذا تصدير الأعلام بابن كالمطرد، فلو قلت في الجميع: أَبوي، وأمى، وابنى، لاطرد اللبس، وإِن لم يطرد ذلك بل كثر كعبد الدار وعبد مناف وعبد القيس فالقياس النسب إِلى المضاف كما ذكرنا نحو عَبْدِي في عبد القيس، وقد ينسب للالتباس إِلى المضاف إِليه في هذا أَيضاً نحو منافي في عبد مناف وهذا الذي ذكرنا تقرير كلام سيويه، وهو الحق، وقال المبرد: بل الوجه أَن يقال: إِن كان المضاف يعرف بالمضاف إِليه والمضاف إِليه معروف بنفسه كابن الزبير وابن عباس فالقياس حذف الأول والنسبة إِلى الثاني، وإِن كان المضاف إِليه غير معروف فالقياس النسبة إِلى الأول كعبد القيس وامرئ القيس، لأن القيس ليس شيئا معروفا يتعرف به عبد وامرؤ، وللخصم أن يمنع ويقول: بم علمت أن القيس ليس شيئاً معروفاً مع جواز أَن يكون شيئاً معروفاً أما قبيلة أَو رجلاً أَو غير ذلك أَضيف إِليه امرؤ وعبد في الأصل للتخصيص والتعريف كما في عبد المطلب وعبد شمس وعبد العزى وعبد اللات
قال السيرافي: ويلزم المبرد أَن ينسب إِلى الأول في الكنى لانه يَكْنُون الصبيان بنحو أَبي مسلم وأَبي جعفر مثلاً قبل أَن يوجد لهم ولد اسمه مسلم أَو جعفر وقبل أَن يمكن ذلك منهم فليس المضاف إِليه إِذن في مثله معروفا إذ هو اسم على

(2/75)


معدوم مع أَنه ينسب إِليه، فكأَن المصنف أَجاب السيرافي نيابة عن المبرد، وقال: الثاني في أَمثال هذه الكنى في الأصل مقصود، وذلك أَن هذه الكنى على سبيل التفاؤل فكأَنه عاش إِلى أَن ولد له مولود اسمه ذلك، فالثاني وإِن لم يكن مقصوداً الآن ولا معرِّفاً للأول إِلا أَنه مقصود في الأصل: أَي الأصل أَن لا يقال أيو زيد مثلاً إِلا لمن له ولد اسمه زيد، وللسيرافي أَن يقول: إِن الأصل أَن لا يقال عبد القيس إِلا في شخص هو عبد لمن اسمه قيس، فقول المصنف " وإِن لم يكن الثاني مقصوداً في الأصل كما في عبد القيس وامرئ القيس فالنسبة إِلى الأول " مردود بما مر من الاعتراض على قول المبرد هذا، وقد جاء شاذاً مسموعاً في " عَبْدِ " مضافاً إِلى اسم آخر أَن يركب من حروف المضاف والمضاف إليه اسم على فَعْلَلٍ بأَن يؤخذ من ل واحد منهما الفاء والعين، نحو عَبْشَمِي في عبد شمس، وإِن كان عين الثاني معتلاً كمل البناء بلامه نحو عَبْقَسِي وَعَبْدَرِي في عبد القيس وعبد الدار، وجاء مَرْقسِي في امرئ القيس (1) من كِنْدَة وكل من اسمه امرؤ القيس من العرب غيره يقال فيه مَرَئي، والعذر في هذا التركيب مع شذوذ أنهم إن نسبوا إلى المضاف بدون المضاف إِليه التبس، وإِن نسبوا إِلى المضاف إِليه نسبوا إِلى ما لا يقوم مقام المضاف ولا يطلق اسمه عليه مجازاً، بخلاف ابن الزبير فإِن إِطلاق اسم أَحد الأبوين على الأولاد كثير، نحو قريش وهاشم وخِنْدِفَ (2) وكذا إِطلاق اسم الإبن على الأب غير مبتدع
__________
(1) لم يعين شخص امرئ القيس الكندى الذى قالوا في النسب إليه: مرقسى، وقد عينه صاحب القاموس بأنه امرؤ القيس بن حجر الشاعر، وقد ذكر الشارح المرتضى:
أن الصواب أن امرأ القيس الذى ينسب إليه مرقسى هو امرؤ القيس بن الحرث بن معاوية، وهو أخو معاوية الاكرمين الجد الثالث لامرئ القيس بن حجر (2) خندف: لقب امرأة إلياس بن مضر، واسمها ليلى، وهي بنت عمران بن الحاف ابن قضاعة، وإنما لقبت كذلك لان إبل الياس انتشرت ليلا فخرج مدركه في طلبها (*)

(2/76)


قال سيبويه: وسمعنا من العرب من يقول في النسب إِلى كنت كونِيّ، وذلك لأنه أَضاف إِلى المُصَدَّر، فحذف الفاعل وهو التاء، فانكسر اللام لأجل ياء النسب فرجع العين الساقطة للساكنين، وهذ الكسرة وإِن كانت لأجل الياء التي هي كالكلمة المنفصلة إِلا أَنه إِنما رد العين لأن أَصل اللام الحركة وسكونها عارض، وكان الوجه أَن يقال كانيّ، لأنا قد بينا قبل في شرح قوله " وأَما باب سُدْته فالصحيح أَن الضم كذا " أَن الضمائر في نحو قُلْت وقُلْنا تتصل بِقَالَ فتحذف الألف للساكنين، لكنه أبقى الفاء ف ي كُونيّ على أَصل ضمه قبل النسبة، تنبيهاً على المنسوب إِليه، قال الْجَرْمِيُّ: يقال رجلٌ كُنتيّ لكون الضمير المرفوع كجزء الفعل فكأَنهما كلمة واحدة وربما قالوا كُنْتُنِيٌّ بنون الوقاية ليسلم لفظ كُنْتُ بضم تائه، قال: 53 - وَمَا أنا كنتي وما أنا عاجن * وَشَرُّ الرِّجالِ الْكُنْتُنِيُّ وَعَاجنُ (1) الكنتي: الشيخ الذي يقول كنت في شبابي كذا وكذا، والعاجن: الذي لا يقدر على النهوض من الكبر إِلا بعد أَن يعتمد على يديه اعتماداً تاماً كأَنه يعجن قال: " وَالْجَمْعُ يُرَدُّ إِلَى الْوَاحِدِ، يُقَالُ فِي كُتُبِ وَصُحُفٍ وَمَسَاجِدِ وَفَرَائِضَ: كِتَابِيٌّ وَصَحَفِيٌّ وَمَسْجِدِيٌّ وَفَرَضِيٌّ، وَأَمَا بَابُ مَسَاجدَ عَلَماً فَمَسَاجِدِيّ كَكِلابِيٌّ وأنصاري "
__________
فردها فسمى مدركه، وخندفت الام في أثره: أي أسرعت، فلقبت خندف
(1) لم نقف لهذا البيت على نسبة إلى قائل معين، ويروى صدره: * فأصبحت كنتيا وأصبحت عاجنا * وقد فسر المؤلف مفرداته، والاستشهاد فيه في قوله فأصبحت كنتيا، وفي قوله الكمنتنى حيث نسب إلى المركب الاسنادي على لفظه وجاء من غير نون الوقاية في الاول ومعها في الثاني (*)

(2/77)


أَقول: اعلم أَنك إِذا نسبت إِلى ما يدل على الجمع فإِن كان اللفظ جنساً كتمْر وضَرْب أَو اسم جمع كنَفَرٍ ورَهْطٍ (1) وإِبل نسبت إِلى لفظه نحو تَمْرِي وإِبلي، سواء كان اسم الجمع مما جاء من لفظه ما يطلق على واحده كواكب (2) في ركب أَو لم يجئ كغنم وإِبل، وكذا إِن كان الاسم جمعاً في اللفظ والمعنى لكنه لم يستعمل واحده لا قياسياً ولا غير قياسي كعَبَادِيد (3) ، تقول: عَبَادِ يدي، قال سيبويه: كون النسب إِليه على لفظه أَقوى من أَن أَحدث شيئاً لم يتكلم به العرب وإِن كان قياسياً نحو عُبْدُودي أَو عِبْدِيدي أَو عِبْدَادي، وكذا قولهم أَعرابي لان أعرابا جمع لا واحد له من لفظه، وأما العرب فليس بواحدة الان، لان الاعراب ساكنة البدو، والعرب يقع على أَهل البدو والحضر، بل الظاهر أَن الأعراب في أَصل اللغة كان جمعا العرب ثم اختص وإِن كان الاسم جمعاً له واحد لكنه غير قياسي، قال أَبو زيد: ينسب إِلى لفظه كَمَحَاسِنيّ وَمَشَابهيّ ومذاكيريّ وبعضهم إِلى واحده الذي هو غير قياسي نحو حُسْنِي وَشَبَهِي وذَكَرِيّ وإِن كان جمعاً له واحد قياسي نسبت إِلى ذلك الواحد، ككتابي في كُتُب وأَما قولهم ربى ورباني في رِبَاب، وهم خمس قبائل تحَالَفوا فصاروا يداً واحدة: ضَبَّة وَثَوْر وَعُكْل وتَيْمٌ وَعَدِي، واحدهم ربة كقبة وقباب، والربة
__________
(1) النفر ما دون العشرة من الرجال ومثله النفير، وقد يطلق على الناس كلهم، والرهط - باسكان ثانيه أو فتحه - قوم الرجل وقبيلته، ويطلق على الجماعة من ثلاثة إلى عشرة أو من سبعة إلى عشرة بشرط أن يكونوا كلهم رجالا (2) الركب: الجماعة الراكبون الابل من العشرة فصاعدا، وله واحد من لفظه وهو راكب وسيأتي الخلاف في ركب أهو جمع أو اسم جمع في باب الجمع (3) عباديد: انظر (ح 1 ص 268) (*)

(2/78)


الفرقة من الناس، فإِنما جاز النسب إِلى لفظ الجمع أَعني رِبَاباً لكونه بوزن الواحد لفظاً، ولغلبته من بين ما يصح وقوعه عليه لغة على جماعة معينين فصار كالعلم نحو مَدَائني (1) وأَما أَبْنَاوي في النسب إِلى أبناء، وهم بنو سعد بن زيد مناة، وأَنصاري في النسبة إِلى الأنصار، فللغلبة المذكورة ولمشابهة لفظ أَفعال للمفرد حتى قال سيبويه إِن لفظه مفرد، ولقوة شبهه بالمفرد كثر وصف المفرد به نحو بُرْمَة أَعْشَار (2) ، وثوب أسمال (3) ونطفة أمشاج (4) ورجع ضمير المفرد المذكر إِليه في نحو قوله تعالى: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا في بطونه) ولا منع أَن يقال: إِن الياء في أَنصاري وأَبناوي وربابي للوحدة لا للنسبةِ كما في رومى وزنجي وزنج فلذا جاز إِلحاقها بالجمع، فلو قلت بَعْدُ مثلاً: ثوب أَنصاري وشئ ربابژ أَو أَبناوي كان منسوباً إِلى هذه المفردات بحذف ياء الوحدة كما ينسب إِلى كرسي بحذف الياء فيكون لفظ المنسوب والمنسوب إِليه واحداً ولقائل أَن يقول: ياء الوحدة أَيضاً في الأصل للنسبة لأن معنى زنجي شخص منسوب إِلى هذه الجماعة بكونه واحداً منهم، فهو غير خارج عن حقيقة النسبة، إِلا أَنه طرأَ عليه معنى الوحدة، فعلى هذا يكون العذر في لحاق الياء بهذه الأسماء ما تقدم أولا، وقالوا في النسبة إِلى أَبناء فارس، وهم الذين استصحبهم سيف بن
__________
(1) مدائى: منسوب إلى المدائن وهى مدينة كسرى قرب بغداد، سميت بذلك لكبرها (2) البرمة: قدر من حجارة، ويقال: برمة أعشار وقدر أعشار وقدح أعشار، ذا كانت عظيمة لا يحملها إلا عشرة، وقيل: إذا كانت مكسرة على عشر قطع (3) يقال: ثوب أسمال، ويقال: ثوب أخلاق، إذا كان قد صار مزقا.
قال الراجز * جاء الشتاء وقميصي أخلاق * (4) النطفة - بالضم - الماء الصافى قل أو كثر، وأمشاج: مختلطة بماء المرأة ودمها (*)

(2/79)


ذي يزن إِلى اليمن: بنوي، على القياس، مع أَنهم جماعة مخصوصة كبني سعد بن زيد مناة، وقالوا في النسبة إِلى الْعَبَلاَت: عَبْلي، بسكون الباء وهم من بني عبد شمس: أُمية الأصغر، وعبد أُمية، ونوفل، لأَن كل واحد منهم سُمّي باسم أُمه، ثم جمع، وهي عَبْلَة بنت عُبَيْد، من بني تميم، وإِنما قالوا في المهالبة وَالمَسَامعة مُهَلَّبِي ومِسْمَعِيّ، لأنك رددتهما إِلى واحدهما وحذفت ياء النسبة التي كانت في الواحد ثم نسبت إِليه، ويجوز أَن يقال سُمّي كل واحد منهم مُهَلَّباً ومِسْمَعاً أَي باسم الاب ثم مع كما سُمّي كل واحد في العَبَلاَت باسم الأم ثم جمع، فيكون مهلبي منسوباً إِلى الواحد الذي هو مهلب، لا إِلى مهلّبي وإِن كان اللفظ جمعاً واحده اسم جمع نسبت أَيضاً إِلى ذلك الواحد، كما تقول في النسبة إِلى نساء: نِسْوِي، لأن واحده نسْوَة، وهو اسم جمع، وكذا تقول في أَنفار وأَنباط: نَفَرِي ونَبَطِيٌّ وإِن كان جمعاً واحده جمع له واحد نسبت إِلى واحد واحده، كما تقول في النسبة إِلى أَكالب: كَلْبي
وإِنما يرد الجمع في النسبة إِلى الواحد لأن أَصل المنسوب إِليه والأغلب فيه أَن يكون واحداً، وهو الوالد أَو المولد أَو الصنعة، فحمل على الأغلب، وقيل: إِنما رد إِلى الواحد ليعلم أَن لفظ الجمع ليس علما لشئ، إِذ لفظ الجمع المُسمّى به ينسب إِليه، نحو مَدَائني وكِلابي، كما يجئ ولو سيمت بالجمع فإِن كان جمع التكسير نسبت إِلى ذلك اللفظ نحو مدائني وأَنماري وكلابي وضِبَابي، وأَنمار: اسم رجل، وكذا ضباب وكلاب وإن كان جمع السلامة فقد ذكرنا أَن جمع المؤنث بالالف والتاء يحذف منه الألف والتاء، تقول في رجل اسمه ضربات: ضَرَبي، بفتح العين لأنك لم ترده إِلى واحده، بل حذفت منه الألف والتاء فقط، بخلاف عَبْلي في المنسوب إِلى

(2/80)


العَبَلات، فإِنه بسكون الباء لأنه بسب إِلى الواحد كما ذكرنا، وكذا يحذف من المجموع بالواو والنون علماً الحرفان، إِن لم يجعل النون مُعْتَقَبٌ الإِعراب، ولا يرد إِلى الواحد، فلهذا قيل في المسمى بأَرَضِين: أَرَضِيٌّ، بفتح الراء، وإِن جعل النون معتقب الإعراب لم يحذف منه شئ، كما مر في أَول الباب (1) قال: " وَمَا جَاءَ عَلَى غَيْرِ مَا ذُكِرَ فشَاذٌّ " أَقول: اعلم أَنه قد جاءت أَلفاظ كثيرة على غير ما هو قياس النسب، بعضها مضى نحو جُذَمي وقُرَشي وحَرُورِي، ولنذكر الباقي، قالوا في العالية - وهو موضع بقرب المدينة - عُلْوِيّ، كأَنه منسوب إِلى الْعُلو، وهو المكان العالي ضد السفل، لأن العالية المذكورة مكان مرتفع، والقيسا عَالِيّ أَو عالَوِي، فهو منسوب إِليها على المعنى، وقالوا في البَصْرة: بِصْرِي، بكسر الباء، لأن البصرة في اللغة حجارة بيض وبها سميت الْبَصرة، والْبِصْر بكسر الباء من غير تاء بمعنى الْبَصْرة، فلما كان قبل العلمية بكسر الباء مع حذف التاء ومع النسبة بحذف التاء
كسرت الباء في النسب، وقيل: كُسِر الباء في النسب إِتباعاً لكسر الراء،
__________
(1) هذا الذي ذهب إليه الرضى وابن الحاجب من رد الجمع إلى الواحد هو الذى عليه جمهور علماء العربية، وقد ذهب قوم إلى جواز النسب إلى لفظ الجمع، قال السيوطي في همع الهوامع (2: 197) : " وأما الجمع الباقي على جمعيته وله واحد مستعمل فانه ينسب إلى الواحد منه فيقال في الفرائض: فرضى، وفى الحمس: أحمسي، وفي الفرع: أفرعى، قال أبو حيان: بشرط ألا يكون رده إلى الواحد يغير المعنى، فان كان كذلك نسب إلى لفظ الجمع كأعرابي، إذ لو قيل فيه عربي ردا إلى المفرد لالتبس الاعم بالاخص، لاختصاص الاعراب بالبوادي وعموم العرب، وأجاز قوم أن ينسب إلى الجمع على لفظه مطلقا وخرج عليه قول الناس فرائضي وكتبي وقلانسى، وذهب هؤلاء إلى أن القمرى والدبسى منسوب إلى الجمع، من قولهم: طيور قمر ودبس، وعند الاولين هو منسوب إلى القمرة، وهى البياض، والدبسة، أو مثل كرسى مما بنى على الياء التى تشبه ياء النسب " اه والدبسة: لون بين السواد والحمرة (*)

(2/81)


ويجوز بَصْرِي بفتح الباء على القياس، وقالوا: بَدَوِيّ، والقياس إِسكان العين لكونه منسوباً إِلى البدو، وإِنما فتح ليكون كالحضَري لأنه قرينه، وقالوا: دُهْري بضم الدال للرجل المسن فرقاً بينه وبين الدَّهْرِي الذي هو من أَهل الإلحاد، وقالوا في النسب إِلى السهل وهو ضد الحزن: سُهْلِي، بضم السين فرقاً بينه وبين المنسوب إِلى سَهْل اسم رجل، وقيل في بني الْحُبْلَى حي من الأنصار: حُبَلي، بفتح الباء فرقاً بينه وبين المنسوب إِلى المرأة الحبلى، وإنما قيل لأبيهم حُبْلي لعظم بطنه، وقالوا في الشتاء: شتوى، بسكون التاء، قال المبرد: شتاء جمع شتوة كصحاف جمع صحف فعلى هذا شَتْوي قياس، لأن الجمع في النسب يرد إِلى واحده، وإِطلاقُ الشتاء على ما يطلق عليه الشتوة يضعف (1) قوله، وقالوا في الخريف: خَرَفيٌّ بفتح العين كما قالوا في تثقيف: ثَقَفَي، وقالوا: خَرْفي أَيضاً بسكون العين
بالنسبة إِلى المصدر، والْخَرُْفُ: قطع الشئ، وقالوا: بحراني، في النسبة إلى البحرين المجعول نونه معتقب الاعراب، والقياس بَحْرَيْنِيٌّ ووجهه أَن نون البحرين بالياء تجعل معتقب الإِعراب، وقياس المُثَنَّى المجعول نونه معتقب الإِعراب أَن يكون في الأحوال بالألف كم مر في باب العلم، فإِلزام البحرين الياء شاذ إذن
__________
(1) هذه مسألة ثار فيها خلاف طويل بين العلماء، قال في اللسان: " الشتاء معروف: أحد أرباع السنة، وهى الشتوة، وقيل: الشتاء جمع شتوة.
قال ابن برى: الشتاء اسم مفرد لا جمع بمنزلة الصيف، لانه أحد الفصول الاربعة، ويدلك على ذلك قول أهل اللغة: أشتينا دخلنا في الشتاء وأصفنا دخلنا في الصيف، وأما الشتوة فانما هي مصدر شتا بالمكان شتوا للمرة الواحدة، كما تقول: صاف بالمكان صيفا وصيفة واحدة، والنسبة إلى الشتاء شتوى على غير قياس، وفى الصحاح النسبة إليها شتوى (بفتح فسكون) وشتوى (بفتح الشين والتاء جميعا) مثل خرفى وخرفى قال ابن سيده: وقد يجوز أن يكونوا نسبوا إلى الشتوة ورفضوا النسب إلى الشتاء " اه (*)

(2/82)


وإِذا جعل نون المثنى معتقب الإِعراب لم يحذف في النسب لاهو ولا الألف فقيل: بحراني، على أَنه منسوب إِلى البحران المجعول نونه معتقب الإِعراب لكونه هو القياس في المثنى المجعول نونه كذلك، وإن قل استعماله كما مر في باب العلم، وقيل: أَفَقِيٌّ بفتحتين، في النسبة إِلى الأُفُق، لأنهم قالوا فيه أُفْقٌ بضم الهمزة وسكون الفاء وهو مخفف الأُفُق كعُنُق وعُنْق، ثم جوزوا فيه الأَفَقِي لاشتراك الفُعْل والفَعَل في كثير من الأسماء كالعُجْم والعَجَم والعَرَب والسُّقْم والسَّقَم، وقالوا: خُرَاسي، تشبيهاً للألف والنون بأَلف التأْنيث التي قد تشبه بتاء التأْنيث فتحذف وإِن كان شاذاً كما في جلولِيٌّ وحَرُوري، ومن قال خُرْسِي
بحذف الألف وسكون الراء فقد خفف، وقالوا: صلاحية، بضم الطاء، للإِبل التي ترعى الطَّلْح، وإِنما بنى على فُعَال لأنه بناء المبالغة في النسب كأُنَافي للعظيم الأنف كما يجئ ويروي طِلاَحِيَّة بكسر الطاء بالنسب إِلى الجمع كما قالوا عِضَاهي منسوب إِلى عِضَاه جمع عِضَه، وقيل: هو منسوب إِلى عِضَاهَة بمعنى عِضَه وهو قليل الاستعمال، أعنى عضاهة، والجنس كقتادة وقتاد، وقيل: إِبل حَمَضِية بفتح الميم، قال المبرد يقال حَمْض وحَمَضٌ، فعلى هذا ليس بشاذ، وقالوا: يَمَانٍ وشَآم وتَهامٍ، ولا رابع لها، والأصل يمني وشأْمي وتَهَمي، والتَّهَمُ تِهَامَة، فحذف في الثلاثة إحدى ياءى النسبد وأَبدل منها الألف، وجاء يَمَنيٌّ وشأْمي على الأصل وجاء تِهامِيٌّ بكسر التاء وتشديد الياء منسوباً إلى تهامة، وجاء يمانى وشَآميُّ وكأَنهما منسوبان إِلى يمَانٍ وشآم المنسوبين بحذف ياء النسبة دون أَلفها إِذ لا استثقال فيه كما استثقل النسبة إِلى ذي الياء المشددة لو لم تحذف، والمراد بيمان وشآم في هذا موضعٌ منسوب إِلى الشأْم واليمن فينسب الشئ إِلى هذا المكان المنسوب، ويجوز أن يكون يماني وشآمي جمعاً بين العوض والمعوض منه، وأَن

(2/83)


يكون الالف في يمانى للإشباع كما في قوله: * يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ * (1) وشآمي محمول عليه، وقيل في طَهَيَّة: طُهْوي، بسكون الهاء على الشذوذ، وطُهَوِيٌّ على القياس، وقيل: طهوى، بفتح الطاء وسكون الهاء وهو أشذ، وقالوا في زبينة قبيلة من باهلة: زبانى، والقياس زَبَني كحنفي في حنيفة، وقالوا في مَرْو: مَرْوَزِيّ وفي الرَّيْ رَازِي واعلم أَنك إِذا نسبت إِلى الأسماء المذكورة بعد أَن تجعلها أَعلاماً إِن لم تكن كدَهْر وطَلْحٍ أَو جعلتها أَعلاماً لغير ما كانت له في الأول كما إِذا سميت بزَبينة
ابناً لك، فإِنك تجري جميعها على القياس نحو دَهْرِي وطَلْحِي وزَبَني، لأن هذه الأسماء شذت في المواضع المذكورة، وجعلها أَعلاماً لما يقصد وضع لها ثان، فيرجع في هذا الوضع إِلى القياس وقد يلحق ياء النسب أسماء أبعض الجسد لدلالة على عظمها: إِما مبنية على فعَال كأَنافي للعظيم الأنف، أَو مزيداً في آخرها أَلف ونون كلِحْيَاني ورَقَباني وَجُمَّاني للطويل الْجُمَّةِ، وليس البناءان بالقياس، بل هما مسموعان، وإِذا سميت بهذه الأسماء ثم نسبت إليه رجعت إِلى القياس، إِذ لا تقصد المبالغة إِذن، فتقول جُمِّي ولِحْييٌّ على قول الخليل ولِحَوِيّ على قول يونس قال: " وكثر مجئ فَعَّالٍ فِي الْحِرَفِ كَبَتَّاتٍ وَعَوَّاج وَثَوَّاب وَجَمَّالٍ، وَجَاءَ فَاعِلٌ أَيْضاً بِمَعْنَى ذِي كَذَا كَتَامِرٍ وَلاَبِنٍ وَدَارع وَنَابِلٍ، وَمِنْهُ عِيشَة رَاضِيَة وَطَاعِمٌ كَاسٍ ".
أَقول: اعلم أَنه يجئ بعض ما هو على فَعَّال وفال بمعنى ذى كذا، من
__________
(1) قد مضى قولنا على هذا الشاهد، فارجع إليه في الجزء الاول (ص 70) (*)

(2/84)


غير أَن يكون اسم فاعل أَو مبالغة فيه، كما كان اسم الفاعل نحو غافر، وبناء المبالغة فيه نحو غَفَّار، بمعنى ذي كذا، إِلا أَن فَعَّالاً لما كان في الأصل لمبالغة الفاعل ففَعَّال الذي بمعنى ذي كذا لا يجئ إلا في صاحب شئ يزاول ذلك الشئ ويعالجه ويلازمه بوجه من الوجوه، إِما من جهة البيع كالبَقَّالٍ (1) ، أَو من جهة القيام بحاله كالجمال والبغال، أَو باستعماله كالسَّيَّاف، أغير ذلك، وفاعل يكون لصاحب الشئ من غير مبالغة، وكلاهما محمولان على اسم الفاعل وبناء مبالغته، يقال لابِن لصاحب اللبن، ولَبَّان لمن يزاوله في البيع أَو غيره، وقد يستعمل في الشئ الواحد اللفظان جميعا كالسياف وسَائِف، وقد يستعمل
أَحدهما دون صاحبه كقَوَّاس (2) وتَرَّاس (3) وفَعَّال في المعنى المذكور أَكثر استعمالاً من فاعل، وهما مع ذلك مسموعان ليسا بمطردين، فلا يقال لصاحب البر: بَرَّار، ولا لصاحب الفاكهة: فكاه، قال النحاة: إِنهما في المعنى المذكور بمعنى النسبة، لان ذا الشئ منسوب إلى ذلك الشئ، وَأَيضاً جاء فَعَّال والمنسوب بالياء بمعنى واحد كبتي وبَتَّات لبائع البت، وهو الكساء، ويعرف أَنه ليس باسم فاعل ولا للمبالغة فيه: إِما بأَن لا يكون له فعل ولا مصدر كنابل وبَغَّال، ومكان آهل: أَي ذو أَهل، أَو بأَن يكون له فعل ومصدر لكنه إِما بمعنى المفعول: كما دافق وعيشة راضية، وإِما مؤنث مجرد عن التاء: كحائض
__________
(1) لم نقف على كلمة بقال بمعنى بائع البقل في اللسان ولا في الصحاح، وقد نص المجد في القاموس (ب د ل، ب ق ل) على أن البقال بمعنى بائع المأكولات عامية، وصوابها بدال (2) القواس: الذى يبرى القوس، وقد قالوا فيه " قياس " أيضا، شذوذا (3) التراس: صاحب الترس، وهى ما يتقى بها وقع السلاح، وقد جاء عنهم في هذا المعنى تارس، فتمثيل المؤلف به لما جاء على وجه واحد غير مستقيم إذن.
(*)

(2/85)


وطالق، وقالوا في نحو مُرضِع (1) ومطفل (2) والسماء منفطر (3) به: إنه على
__________
(1) المرضع: التى لها ولد في سن الرضاع، والمرضعة - بالتاء - التي ترضع وإن كان الرضيع ليس ولدها.
قال تعلب: " إذا أردت لفعل أدخلت الهاء وجعلته نعتا، وإذا أردت الاسم لم تدخل الهاء " اه، ومراده بالفعل اسم الفاعل، إذ هو دال على الحدث.
ومراده بالاسم المنسوب، وفي اللسان: " وفي التنزيل العزيز: (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت) اختلف النحويون في دخول الهاء في المرضعة، فقال الفراء:
المرضعة والمرضع التي معها صبي ترضعه، قال: ولو قيل في الام مرضع لان الرضاع لا يكون إلا من الاناث كما قالوا: امرأة حائض وطامث، كان زوجها، قال: ولو قيل في التى معها صبى مرضعة كان صوابا، وقال الاخفش: أدخل الهاء في المرضعة لانه أرادو الله أعلم الفعل، ولو أراد الصفة لقال: مرضع، وقال أبو زيد: المرضعة التى ترضع وثديها في فم ولدها، وعليه قوله تعالى: (تذهل كال مرضعة) .
قال: وكل مرضعة أم، قال: والمرضع التى دنا لها أن ترضع ولم ترضع بعد، والمرضع التى معها الصبي الرضيع، وقال الخليل: امرأة مرضع ذات رضيع كما يقال: امرأة مطفل ذات طفل بلا هاء، لانك تصفها بفعل منها واقع أو لازم، فإذا وصفتها بفعل هي تفعله قلت مفعلة كقوله تعالى: (تذهل كل مرضعة عما أرضعت) وصفها بالفعل فأدخل الهاء في نعتها، ولو وصفها بأن معها رضيعا قال: كل مرضع، قال ابن برى: أما مرضع فهو على النسب، أي: ذات رضيع، كما تقول: ظبية مشدن: أي ذات شاذن، وعليه قول امرئ القيس: فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعا * فألهيتها عن ذى تمائم مغيل فهذا على النسب، وليس جاريا على الفعل، كما تقول: رجل دارع وتارس.
معه درع وترس، ولا يقال منه درع ولاترس، فلذلك يقدر في مرضع أنه ليس بجار على الفعل وإن كا قد استعمل منه الفعل، وقد يجئ مرضع على معنى ذات إرضاع أي لها لين وإن لم يكن لها رضيع " اه.
(2) المطفل: ذات الطفل من الانسان والوحش: أي معها طفلها، وهى قريبة عهد بالنتاج، ويقال: ليلة مطفل، إذا كانت تقتل الاطفال ببردها.
(3) حكى عن الفراء أن السماء تذكر وتؤنث، فان كان ذلك صحيحا فقوله (*)

(2/86)


معنى النسبة لهذا أَيضاً، وهذا يقدح في قولهم: إن ما هو بمعنى النسبة من المجرد
عن الياء إِما على فَعَّال أَو فَاعِل فقط، وإِما جار (1) على ما تضمنه على وجه المبالغة نحو: عِزٌّ عَزِيزٌ، وذُلٌّ ذليلٌ، وشعر شاعرٌ، وموت مائت، وهمٌّ ناصب، فإِن جميع ذلك معنى أَطلق عليه اسم صاحب ذلك المعنى مبالغة، إِذ العزيز والذليل والشاعر والمائت والهامّ (2) صاحب العز والذل والشعر والموت والنصب، كما يطلق على صاحب المعنى اسم ذلك المعنى مبالغة نحو رجل صَوْم وعَدْل وماء غَوْر: جعل الشعر كأَنه صاحب شعر آخر، كما قال المتنبي: وَمَا أَنَا وَحْدِي قُلْتُ ذا الشِّعْرَ كله * ولكن لشعري فيك من نفسه شعر (3)
__________
تعالى: (منفطر به) اسم فاعل جار على موصوفه ولا تأويل فيه، وأكثر العلماء على أن السماء مؤنث ولهذا احتاجوا إلى التأويل في هذه الجملة، فمنهم من أول في السماء فذكر أنها بمعنى اسقف أو الشئ المرتقع، فلهذا جاء الخبر عنها مذكرا، ومنهم من أول في منفطر فذكر أنه نسب وليس اسم فاعل كالمؤلف، وليس بجيد.
(1) هذا معطوف على قوله: " إما بمعنى المفعول الخ ".
(2) الذى تقدم التمثيل به " ناصب " فكان الواجب أن يقول ههنا: " والناصب " على أن نفس التمثيل بقوله " هم ناصب " ليس متفقا مع ما قبله من الامثلة ولا مع ما ذكره من الاصل الذى مثل له، إلا أن يتمحل له بأن الهم بمعنى النصب فكأنه قال: " ونصب ناصب " أو قال " وهم هام " فيكون متفقا، ثم إن صاحب اللسان نقل عن العلماء أنهم جعلوا قولهم: " هم ناصب " من قبيل " ماء دافق " و " عيشة راضية " فكأن الهم ينصب فيه: أي فهو اسم فاعل بمعنى اسم المفعول (3) هذا البيت من قصيدة لابي لاطيب المتنبي يمدح بها علي بن أحمد بن عامر الانطاكي أولها قوله: أطاعن خيلا من فوارسها الدهر * وحيدا، وما قولى كذا ومعى الصبر ومعنى هذا البيت - كما قال العكبرى - أنا ما انفردت بعمل هذا الشعر، ولكن (*)

(2/87)


والموت كأَنه يستصحب موتاً آخر، والنصب كأَنه يستلزم نصباً آخر: أَي ليس هو شعراً واحداً، ولا الموت موتاً واحداً، ولا الهم همَّاً واحداً، بل كل منها مضاعف مكرر، وقد يستعمل الفعل أَيضاً بهذا المعنى نحو قولهم: جَدَّ جِدُّه، وتمَّ تمَامُه، وأَما قولهم: شغل شاغل، فليس من هذا، بل هو اسم فاعل على الحقيقة: أَي شغل يشغل المشتغل به عن كل شغل آخر لعظمه فلا يتفرغ صاحبه لشئ آخر وكما استعملوا فَعَّالاً لما كان في الأصل للمبالغة في اسم الفاعل في معنى ذي الشئ الملازم له استعملوا فَعِلاً أَيضاً، وهو بناء مبالغة اسم الفاعل، نحو عمل للكثير العمل، وطعن وليس ولَسِنٍ في معنى النسبة، فاستعملوه في الجوامد نحو رجل نَهِرٌ لصاحب العمل بالنهار، ورجل حَرِح وسَتِه بمعنى حِرِيّ واسْتِيٍّ: أَي الملازم لذلك الشغل، فعلى هذا ليس معنى النسب مقصوراً على فاعل وفعال، بل يجئ عليه اسم الفاعل من الثلاثي وغيره نحو مرضع ومنفطر، ويجئ من أَبنية مبالغة اسم الفاعل فَعَّال وفَعِل، قال الخليل: وقالوا طاعم كاسٍ على ذا: أَي على النسبة: أَي هو ذو كسوة وذو طعام، وهو مما يذم به، أَي ليس له فضل غير أَن يَأْكل ويلبس، قال: دَعِ الْمَكَارِمَ لاَ تَرْحَلْ لِبُغْيَتِهَا * وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أنْتَ الطّاعِمُ الكاسى (1)
__________
شعرى عانني على مدحك، لأنه أراد مدحك كما أردته، وهو مأخوذ من قول أبى تمام: تغاير الشعر فيه إذ أرقت له * حتى ظننت قوافيه ستقتتل (1) هذا البيت من قصيدة للحطيئة هجا فيه الزبرقان بن بدر، وأولها: علام كلفتني مجد ابن عمكم * والعبيس تخرج من أعلام أوطاس وقال السكري في شرح بيت الشاهد: يقول: حسبك أن تأكل وتشرب.
وقد استشهد بالبيت على أنهم قالوا: إن الطاعم الكاسى من باب النسبة، ثم رد (*)

(2/88)


ولا ضرورة لنا إِلى جعل طاعم بمعنى النسبة، بل الأولى أن تقول: هو اسم فاعل من طعِم يطعم مَسْلوباً منه معنى الحدوث، وأَما كاسٍ فيجوز أَن يقال فيه ذلك، لأنه بمعنى مفعول: كماء دافق، ويجوز أَن يقال: المراد الكاسي نَفْسه، والأظهر هو الأول، لأن اسم الفاعل المتعديّ إِذا أَطلق فالأغلب أَن فعله واقع على غيره *