شرح شافية ابن الحاجب الرضي الأستراباذي

قال: " التاء السَّاكِنَيْنِ يُغْتَفَرُ في الْوَقْفِ مُطْلقاً، وَفِي الْمُدْغَمِ قَبْلَهُ لِينٌ فِي كَلِمَةٍ نَحْوُ خُوَيْصَّة وَالضَّالِّينَ وَتُمُوَدَّ الثَّوْبُ، وفي نَحْوِ مِيْمْ وَقَافْ وَعَيْنْ مِمَّا بُنِيَ لِعَدَم التَّرْكِيبِ، وَقْفاً وَوَصْلاً، وَفِي نَحْوِ الْحَسَنُ عندك وآيمن الله بمينك، للالتباس، وفي نحو لا ها اللهِ وَإي الله جَائِزٌ، وَحَلْقَتَا الْبِطَانِ شَاذٌّ " أقول: اعلم أن الحرفين الساكنين إذا كان أولهما (حرفاً) صحيحاً لا يمكن التقاؤهما إلا مع إتيانك بكسره مُخْتَلَسة غير مُشْبَعَة على الاول منهما، فيحسب المستمعأن الساكنين التقيا، ويشاركه في هذا الوهم المتكلم أيضاً، فإذا تفطَّن كل منهما علم أن على الأول منهما كسرة خفيفة، نحو بَكْرَ بِشْرْ بُسْرْ، حركت عين الثلاثة بكسرة خفيفة، وإلا استحال أن تأتي بعدها بالراء الساكنة، وإنما تحس بذلك وتتفطنه بعد تثبتك وتأنُّقِكَ فيما تتكلم به، وإذا
__________
1 0) الجزرات: جمع جزر - بضم أوله وثانيه - وهو جمع جزور، وهو البعير المجزور، ويقال: هو خاص بالناقة المجزورة، وقد جمع الجزور على جزائر أيضا (2) العوذات: جمع عوذ، وهو جمع عائذ (انظر ص 182 من هذا الجزء) (3) انظر (ص 95 من هذا الجزء) (*)

(2/210)


خلَّيْتَ نفسك وسجيتها وجدت منها منها أنها لا تلتجئ في النطق بالساكن الثاني المستحيل مجيئه بعد الساكن الأول من بين الحركات إلا إلى الكسرة، وإن
حصل لها هذا المقصود بالضمة والفتحة أيضاً، وكذلك إذا فرضت أول كلمة تريد النطق بها ساكنا، وذلك مما لا يجئ في العربية في اتبداء الكلام إلا مع همزة الوصل، ويوجد في الفارسية كقولهم شْتَاب وسْطَام، وجدت من نفسك أنك تتوصل إلى النطق بذلك الساكن بهمزة مكسورة في غاية الخفاء، حتى كأنها من جملة حديث النفس، فلا يدركها السامع، ثم تجهز بالحرف الساكن في أول الكلمة، فيتحقق لك أن إزالة كلفة النطق بالساكن بالكسرة، سواء كان ذلك الساكن في أول الكلمة أو في آخرها أو في وسطها، من طبيعة النفس وسجيتها إذا خليتها وشأنها فظهر لك أنهم لأيِّ سبب كسروا همزة الوصل، ولِمَ اجتلبوها دون غيرها، ولِمَ كسروا أول الساكنين في نحو اضْرِبِ اضْرِبِ، و (لَمْ يَكُنِ الذين) وأما إذا كان أولهما حرف لين فإنه يمكن التقاؤهما لكن مع ثقل ما، وإنما أمكن ذلك مع حروف العلة لأن هذه الحروف هي الروابط بين حروف الكلمة بعضها ببعض، وذلك أنك تأخذ أبعاضها، أعني الحركات، فتنظم بها بن الحروف، ولولاها لم تَتَّسِق، فإذا كانت أبعاضها هي الروابط وكانت إحداها وهي ساكنة قبل ساكن آخر مددتها ومكنت صوتك منها حتى تصير ذات أجزاء، فتتوصل بجزئها الأخير إلى ربطها بالساكن الذي بعدها، ولذلك وجب المد التام في أول مثل هذين الساكنين، ويَقلُّ المد في حروف كان ما قبلها من الحركات من جنسها، نحو قَوْل وبِيعَ، وذلك لأن في نحو قولَ المضموم قافه تتهيأ بعد النطق بالقاف للواو، وذلك لأن الضمة بعض

(2/211)


الواو، فيسهل عليك المجئ بعد الضمة بالواو كاملة لأنه لم يخالطها إذن نوع آخر في المد كما خالطها في نحو قَوْل المفتوح قافه، فإنك إذن تهيأت فيه بعد القاف
للمد الألفي: أي الفتحة، ثم انتقلت في الحال إلى المد الواوي شائباً شيئاً من المد الأول بالمد الثاني، وميل كل واحد من المدين إلى جانب الآخر، فلا جرم لم تتمكن من إشباع المد الواوى تمام التمكن فإذا تقرر هذا فاعلم ن أول مثل هذين الساكنين إذا كان ألفاً فالأمر أخف لكثرة المد الذي في الألف، إذ هو مد فقط، فلذلك كان نحو مَادَّ وَسَادَّ أكثر من نحو تُمُودَّ الثوب، ثم بعد ذلك إذا كان أولهما واواً أو ياء ما قبلهما من الحركات من جنسهما، ولم يأت مثل ذلك في الياء في كلامهم نحو سِيْر، والدرجة الأخيرة أن يكون أول الساكنين واواً أو ياء قبلها فتحة لقلة المد الذي في مثل ذلك، ولم يأت مثل ذلك إلا في المصغر نحو خُوَيْصَّة، فلا تقول في الأفعل من الْيَلَل (1) والود: أيْلّ وأوْدّ، بحذف حركة اللام الأولى كما في أُصَيْمّ، بل تنقل حركة أول الساكنين عند قصد الإدغام إلى الواو والياء، نحو أيَلُّ وأوَدُّ (1) ، لقلة المد الذي فيهما، كما فعلت في نحو أشد وأمر، وإنما اختص ياء التصغير بعدم جواز نقل حركة ما بعده إليه عند قصد الإدغام لوضعهم له ساكناً ولزومه للسكون هذا، ومع المد الذي في حروف اللين يشترط في الساكن الثاني أحد الشرطين: أحدهما: أن يكون مدغماً بشرط أن يكون المدغم والمدغم فيه معاً من كلمة حرف المد، وذلك أنه إذا كان مدغماً في متحرك فهو في حكم المتحرك، وذلك لشدة التصاقه به فإن اللسان يرتفع بالمدغم فيه ارتفاعةً واحدة، فيصيران كأنهما حرف واحد متحرك، وإنما اشترطنا أن يكون المدغم من كلمة
__________
(1) انظر (ح 1 ص 27)

(2/212)


حرف المد احترازاً من نحو خَافَا الله وخَافُوا الله وخَافِي الله فإنه يحذف حرف
المد للساكنين، وذلك لأن في التقائهما مطلقاً وإن حصل جميع الشرائط كلفةً ما، كما ذكرنا، فإذا كان أولهما في مكان يليق به الحذف وهو آخر الكلمة كان تخفيف الكلمة بحذفه أولى، وإنما حذف الأول دون الثاني لضعفه، واشترطنا كون المدغم فيه من كلمة حرف المد إذ لو لم يكن منها لكان الإدغام الذي هو شرط اغتفار اجتمع الساكنين بِمَعْرِض الزوال فلا يعتد به، فلهذا لا تقول في النون المخففة في المثنى (1) اضْرِبَانْ نُعمان، بإدغام نون اضربانْ في نون نُعمان، وجاز في " ها الله " في أحد الوجوه اجتماعُ الساكنين وإن لم يكن المدغم من كلمة حرف المد لما مر في شرح (2) الكافية، الشرط الثاني
__________
(1) يريد أن نون التوكيد الخفيفة لا تقع بد الالف اسما كانت الالف أو حرفا، حتى لو وقع بعدها نون يمكن إدغامها فيها، لان النون التي بعدها لما كانت من كلمة أخرى كان الادغام بِمَعْرِض الزوال، فلا يعتد به فان قلت: إنهم اغتفروا التقاء الساكنين في المؤكد بالنون الثقيلة مضارعا كان أو أمرا نحو لا تضربان واضربان يا زيدان، مع أن المدغم فيه ليس من كلمة حرف المد، إذ الالف والنون كلمتان مستقلتان، فالجواب: أنهم اغتفروه وإن لم يكن على حده للضرورة، وذلك أنهم لو حذفوا الالف كما هو القياس في التقاء الساكنين لفتحوا النون، إذ كسرها لتشبيههما بنون المثنى في وقوعها بعد الالف، ولو فتحوا النون التبس المسند إلى الاثنين بالمسند إلى الواحد، فليس مراد المؤلف أن النون الخفيفة تقع بعد الالف ولو كان بعدها نون يمكن إدغامها فيها، فاقتصر على نفى الصورة المتوهمة (2) قال في شرح الكافية (ح 2 ص 32) : " وإذا دخلت " ها " على الله ففيه أربعة أوجه: أكثرها إثبات ألف ها وحذف همزة الوصل من الله فيلتقي ساكنان: ألف ها، واللام الاولى من " الله "، وكان القياس حذف
الالف، لان مثل ذلك إنما يغتفر في كلمة واحدة كالضالين، أما في كلمتين، (*)

(2/213)


من الشرطين المعتبر واحد منهما في الساكن الثاني: أن يكون موقوفاً عليه بالسكون، أو مُجْرًى محرى الموقوف عليه، وذلك لأن الوقف لقصد
__________
فالواجب الحذف نحو ذا الله وما الله، إلا أنه لم يحذف في الاغلب ههنا ليكون كالتنبيه على كون ألف هنا من تمام ذا، فان " ها الله ذا " بحذف ألف ها ربما يوهم أن الهاء عوض عن همزة الله كهرقت في أرقت، وهياك في إياك.
والثانية - وهي المتوسطة في القلة والكثرة - ها الله ذا " بحذف ألف " ها " للساكنين كما في " ذا الله " ولكونها حرفا كلا وما وذا.
والثالثة - وهى دون الثانية في الكثرة -: إثبات ألف ها وقطع همزة الله مع كونها في الدرج، تنبها على أن حق ها أن يكون مع ذا بعد الله، فكأن الهمزة لم تقع في الدرج.
والرابعة حكاها أبو علي - وهي أقل الجميع -: هأ لله، بحذف همزة الوصل وفتح ألف ها للساكنين بعد قلبها همزة كما في الضألين ودأبة، قال الخليل: ذا من جملة جواب القسم، وهو خبر مبتدأ محذوف: أي الامر ذا، أو فاعل: أي ليكونن ذا، أولا يكون ذا، والجواب الذي يأتي بعد نفيا أو أثباتا نحو ها الله ذا لافعلن أولا أفعل بدل من الاول، ولا يقاس عليه، فلا يقال: ها الله أخوك: أي لانا أخوك ونحوه وقال الاخفش: ذا من تمام القسم: إما صفة لله: أي الله الحضر الناظر، أو مبتدأ محذوف الخب ر: أي ذا قسمي، فبعد هذا: إما أن يجئ الجواب أو يحذف مع القرينة " اه هذا ما يتعلق بلفظ هذه الكلمة من حيث النطق بها وإعرابها، فأما ما يتعلق بها من حيث المعنى فقد ذكر المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 311، 312) أن معناها القسم، ثم اختلفوا في هذه الهاء
قال ما نصه: " وإذا حذف حرف القسم الاصلى: أعنى الباء: فان لم يبدل منها فالمخار النصب بفعل القسم.
ويختص لفظة الله بجواز الجر مع حذف الجار بلا عوض، نحو الكعبة لافعلن، والمصحف لاتين وتختص لفظة الله بتعويض " ها " أو همزة الاستفهام من الجار، وكذا يعوض من الجار فيها قطع همزة الله في الدرج، فكأنها حذفت للدرج ثم ردت عوضا من الحرف، وجار الله جعل هذه الاحرف بدلا من الواو، ولعل ذلك لاختصاصها بلفظة " الله " كالتاء، فإذا جئت بها.
(*)

(2/214)


الاستراحة، ومشارفة الراحة تهون عليك أمر الثقل الذي كنت فيه (1) والوقف على ضربين: إما أن يكون في نظر الواضع، أولا فالأول في أسماء حروف الهجاء، وإنما كانت هذه الأسماء كذلك لأن الواضع وضعها لتُعَلَّم بها الصبيان أو من يجري مجراهم من الجهال صوَر مفردات حروف الهجاء، فسمى كل واحد منها باسم أوله ذلك الحرف، حتى يقول الصبي: ألِفْ مثلاً، ويقف هنيهة قدر ما يميزها عن غيرها، ثم يقول: بَا، وهكذا إلى الآخر، فلا ترى ساكنين ملتقيين في هذه الأسماء إلا وأولهما حرف لين، نحو جِيمْ
__________
التنبيه بدلا فلابد أن تجى بلفظة " ذا " بعد المقسم به، نحو لاها الله ذا، وإى ها الله ذا، وقوله: تعلمن ها لعمر الله ذا قسما (فاقصد بذرعك وانظر أين تنسلك) والظاهر أن حرف التنبيه من تمام اسم الاشارة ... قدم على لفظ المقسم به عند حذف الحرف ليكون عوضا منه " اه (1) قد علل هذا العلامة ابن يعيش في شرحه على المفصل (ح 9 ص 120) فقال: " وإنما سد الوقف مسد الحركة لان الوقف على الحرف يمكن جرس ذلك الحرف ويوفر الصوت فيصير توفير الصوت عليه بمنزلة الحركة له، ألا ترى أنك
إذا قلت: عمر، ووقفت عليه، وجدت للراء من التكرر وتوفير الصوت ما ليس لها إذا وصلتها بغيره؟ وذلك أن تحريك الحرف يقلقله قبل التمام ويجتذبه إلى جرس الحرف الذي منه حركته، ويؤيد عندك ذلك أن حروف القلقلة وهى القاف والجيم والطاء والياء والدال لا تستطيع الوقوف عليها إلا بصوت، وذلك لشدة الحفل والضغط، وذلك نحو: الحق، واذهب، واخلط، واخرج، ونحو الزاى والذال والطاء، والصاد، فبعض العرب أشد تصويتا، فجميع هذه لا تستطيع الوقوف عليها إلا بصوت، فمتى أدرجتها وحركتها زال ذلك الصوت، لان أخذك في صوت آخر وحرف سوى المذكور يشغلك عن إتباع الحرف الاول صوتا، فبان لك بما ذكرته أن الحرف الموقوف عليه أتم صوتا وأقوى جرسا من المتحرك، فسد ذلك مسد الحركة، فجاز اجتماعه مع ساكن قبله " اه (*)

(2/215)


دَالْ نُونْ، وكذا الأصوات، نحو قُوسْ (1) ، وطِيخْ (2) ، الوقف فيها وضعي، لأنها لم توضع لقصد التركيب كما مضى في بابها (3)
__________
(1) قوس: اسم صوت يزجر به الكلب ليبتعد، فيقال له: قوس قوس، وهو مبنى على السكون، فإذا دعوته ليقبل قلت: قس قس، وقد اشتقوا من ذلك فعلا فقالوا: قوقس الرجل، إذا أشلى كلبه: أي دعاه أو أغراه (2) طيخ: حكاية صوت الضحك، وهواسم صوت، والذى ذكره صاحب اللسان والقاموس أنه مبنى على الكسر، وكذلك ذكر المؤلف نفسه في شرح الكافية (ح 2 ص 77) حيث قال: " من الاصوات التى هي حكاية عن أصوات الانسان أو العجماوات أو الجمادات " طيخ " وهو حكاية صوت الضاحك، وعيط حكاية صوت الفتيان إذا تصايحوا في اللعب، وغاق - بكسر القاف - وقد ينون، وهو صوت الغراب ... وشيب صوت مشافر لابل عند الشرب.
كلها مكسورة الاواخر " اه، فعلم من هذا أنه قد خالف هنا ما ذكره هناك وما هو
نقل علماء اللغة (3) الذى مضى هو قوله في (ح 2 ص 75) : " اعلم أن الالفاظ التى تسميها النحاة أصواتا على ثلاثة أقسام: أحدها حكاية صوت صادر إما عن الحيوانات العجم كغاق (حكاية صوت الغراب) أو عن الجمادات كطق (حكاية صوت حجر وقع على آخر) وشرط الحكاية أن تكون مثل المحكى، وهذه الالفاظ مركبة من حروف صحيحة محركة بحركات صحيحة، وليس المحكى كذلك لانه شبه المركب من الحروف وليس مركبا منها، إذ الحيوانات والجمادات لا تحسن الافصاح بالحروف إحسان الانسان، لكنهم لما احتاجوا إلى إيراد أصواتها التى هي شبه المركب من الحروف في أثناء كلامهم أعطوها حكم كلامهم من تركيبها من حروف صحيحة، لانه يتعسر عليهم أو يتعذر مثل تلك الاجراس الصادرة منها، كما أنها لا تحسن مثل الكلام الصادر من جنس الانس، إلا في النادر كما في الببغاء، فأخرجوها على أدنى ما يمكن من الشبه بين الصوتين، أعنى الحكاية والمحكى، قضاء لحق الحكاية: أي كونها كالمحكى سواء، فصار الواقع في كلامهم كالحكاية عن تلك الاصوات.
وثانيها أصوات خارجة (*)

(2/216)


والثاني أن لا يكون الوقف بنظر الواضع، بل يطرأ ذلك في حال الاستعمال
__________
عن فم الانسان غير موضوعة وضعا، بل دالة طبعا على معان في أنفسهم، كأف وتف، فان المتكره لشئ يخرج من صدره صوتا شبيها بلفظ أف، ومن يبزق على شئ مستكره يصدر منه صوت شبيه بتف، وكذك آه للمتوجع أو المتعجب، فهذه وشبهها أصوات صادرة منهم طبعا كأح لذى السعال، إلا أنهم لما ضمنوها كلامهم لاحتياجهم إليها، نسقوها نسق كلامهم وحركوها تحريكه وجعلوها لغات مختلفة ... ، وثالثها أصوات يصوت بها للحيوانات عند طلب شئ:
إما المجئ كألفاظ الدعاء، نحو جوت، وقوس، ونحوهما، وإما الذهاب كهلا، وهج، وهجا، ونحوها، وإما أمر آخر، كسأ للشرب، وهدع للتسكين، وهذه الالفاظ ليست مما يخاطب به هذه الحيوانات العجم حتى يقال: إنها أوامر أو نواه، كما ذهب إليه بعضهم، لانها لا تصلح لكونها مخاطبة، لعدم فهمهما الكلام، كما قال الله تعالى: (كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) بل كان أصلها أن الشخص كان يقصد انقياد بعض الحيوانات لشئ من هذه الافعال فيصوت لها: إما بصوت غير مركب من الحروف كالصفير للدابة عند إيرادها الماء وغير ذلك، وإما بصوت معين مركب من حروف معينة لا معنى تحته، ثم يحرضه مقارنا لذلك التصويت على ذلك الامر: إما بضربه وتأديبه، وإما بايناسه وإطعامه، فكان الحيوان يمتثل المراد منه إما رهبة من الضرب أو رغبة في ذلك البر، وكان يتكرر مقارنة ذلك التصويت لذلك الضرب أو البر إلى أن يكتفي الطالب لذلك الصوت عن الضرب أو البر، لانه كان يتصور الحيوان من ذلك الصوت ما يصحبه من الضرب أو ضده فيمتثل عقيب الصوت عادة ودربد، فصار ذلك الصوت المركب من الحروف كالامر والنهي لذلك الحيوان، وإنما وضعوا لمثل هذا الغرض صوتا مركبا من الحروف ولم يقنعوا بساذج الصوت لان الصوت من حيث هو هو مشتبه الافراد، وتمايزها بالتقطيع والاعتماد بها على المخارج سهل، فلما كانت الافعال المطلوبة من الحيوانات مختلفة أرادوا اختلاف العلامات الدالة عليها، فركبوها من الحروف، وما ذكرنا من الترتيب يتبين من كيفية تعليم الحيوانات كالدب (*)

(2/217)


في غير أسماء حروف الهجاء والأصوات، نحو المؤمنُونْ، والمؤمناتْ، والفوْتُ، والميْتُ، وكذا الأسماء المعدودة نحو زَيْدْ ثَمُودْ سَعِيدْ عِمَادْ، وذلك أن الواضع
وضعها لينطق بها مركبة تركيب إعراب فيقف عليها المستعمل إما مع تركيبها مع عاملها نحو جاءني المؤمنونْ أولا مع تركيبها معه نحو ثمودْ وزيْدْ والأسماء التي وضعها الواضع لتستعمل مركبة في الكلام على ضربين: أحدهما ما علم الواضع أنه يلزمه سبب البناء في التركيب، أعني مشابهة المبني، والثاني ما علم نه لا يلزمه ذلك
__________
والفرد والكلب وغير ذلك " ثم قال: " وإنما بنى أسماء الاصوات لما ذكرنا من أنها ليست في الاصل كلمات قصد استعمالها في الكلام، فلم تكن في الاصل منظورا فيها إلى التركيب الذى هو مقتضى الاعراب، وإذا وقعت مركبة جاز أن تعرب اعتبارا بالتركيب العارض، وهذا إذا جعلها بمعنى المصادر كآها منك وأف لكما، إذا قصدت ألفاظها لا معانيها، قال جهم بن العباس: ترد بحيهل وعاج وإنما * من العاج والحيهل جن جنونها وقال: تداعين باسم الشيب في متثلم * جوانبها من بصرة وسلام وقال: (دعاهن ردفى فارعوين لصوته) * كما رعت بالجوت الظماء الصواديا على الحكاية مع الالف واللام، وتقول: زجرته بهيد (بفتح الهاء وكسرها) وبهيد (الاول محكي والثاني معرب) ، وهذا كما تقول في الكلمات المبنية إذا قصدت ألفاظها: (ليت شعري وأين مني ليت) * إن لوا وإن ليتا عناء ولا يحد الله بأين ولا بأين " ... والاعراب مع اللام أكثر من البناء نحو من العاج والحيهل - بالجر - وباسم الشيب، لكونها علامة الاسم الذي أصله الاعراب " اه (*)

(2/218)


ففي الأول جوز وضع بناء بعضُهُ على أقل مِنْ ثلاثة نحو من وماوذا، وفي الثاني لم يجوز ذلك: إذ الثلاثة أقل أبنية المعرب، وأما أسماء حروف الهجاء والأصوات فمما لم يقصد بوضعها وقوعها مركبة، فلهذا جوز أيضاً وضع بعضها على أقل من ثلاثة، نحو بَا تَا ثَا وصَهْ وسَأْ (1) ، إذ ليست في نظره مركبة، فلا تكون في نظره معربة، وأما إن كان أول الساكنين من غير حروف اللين، ولا يكون إذن سكون ثانيهما إلا للوقف في حال الاستعمال لا بنظر الواضع، فلابد من تحريك الأول منهما بكسرة مختلسة خفيفة كما ذكرنا، حتى يمكن النطق بالثاني ساكناً، نحو عمرو وَبَكْرْ وَبِشْرْ، وإنما جوَّز هذا الشبيهُ بالتقاء الساكنين لما قلنا إن الوقف لطلب استراحة، فيحتمل معه أدنى ثقل، ولما استحال اجتماعهما إلا مع تحريك الاول وإن كان بحركة خفيفة اختار بعض العرب نَقْلَ حركة الحرف الموقوف عليه إلى الساكن الأول على التحريك بالكسرة الخفيفة التي اقتضاها الطبع كما ذكرنا، لفائدتين: إحداهما: دفع الضرورة من غير اجتلاب حركة أجنبية، والثانية إبقاء دليل الإعراب لكن فيما اختاره ضعفاً من جهة دوران الإعراب على وسط الكلمة فلذلك اجتنبه أكثر العرب قوله " يغتفر في الوقف مطلقاً " أي: سواء كان أولهما حرف لين كالمؤمنون والمؤمنين والمؤمنات، أولا نحو بكر عمرو، وقد عرفت أن الثاني ليس فيه التقاء الساكنين حقيقة، إذ هو مستحيل فيما أولهما فيه حرف صحيح قوله " وفي المدغم قبله لين في كلمة " احتراز من نحو (قالوا اطيرنا) وخافى الله، وخافا الله
__________
(1) سأ: اسم يزجر به الحمار ليحتبس، أو ليمضى، أو يدعى به ليشرب، وفي المثل " قرب الحمار من الردهة ولا تقل له سأ " والردهة: نقرة في الصخرة
يستنقع فيها الماء (*)

(2/219)


قوله " خويْصَّة " تصغير خاصة قوله " تمودّ الثوب " فعل ما لم يسم فاعله من " تمد دنا الثوب " أي: مده بعضنا من بعض قوله " نحو ميم قاف عين " يعني به التقاء ساكنين ثانيهما لعدم موجب الإعراب، سواء كانت الكلمة من أسماء حروف التهجي كقاف لام ميم، أو من غيرها، كمرْصَاد ثَمُودْ عَمِيدْ، وسواء كان الحرف الأول حرف لين كما ذكرنا، أولا كعَمْرو بكر، وقد ذكرنا أن هذا الأخير شبيه بالتقاء الساكنين وليس به في التحقيق، وإنما جاز التقاء الساكنين في مثل هذ لكون الكلمات مُجْرَاة مجرى الموقوف عليه كما يجئ وإن لم تكن موقوفاً عليها قوله " وصلا " كما تصل عين بصاد في هذه الفاتحة، فسكون أواخرها ليس لأنها كانت متحركة ثم قطعت حركتها لأجل الوقف، بل لكونها مبنية على السكون، وقال جار الله (1) : هي مُعَرَّبة، لكنها لم تعرب لعريها عن سبب
__________
(1) قال جار الله الزمخشري في تفسير سورة البقرة من الكشاف (ح 1 ص 9) فان قلت: من أي قبيل هي (يريد الالفاظ التي يهتجي بها) من الاسماء: أمعربة أم مبنية؟ قلت: بل هي أسماء معربة، وإنما سكنت سكون زيد وعمرو وغيرهما من الاسماء حيث لا يمسها إعراب لفقد مقتضيه وموجبه، والدليل على أن سكونها وقف وليس بناء أنها لو بنيت لحذى بهد حذو كيف، وأين، وهؤلاء ولم يقل: ص ق ن مجموعها فيها بين الساكنين " اه، وقد حقق العلامة البيضاوى مراد جار الله من هذه العبارة بأوجز لفظ فقال " وهي (أي: أسماء حروف التهجى) ما لم تليها العوامل موقوفة خالية عن الاعراب، لفقد موجبه ومقتضيه،
لكنها قابلة إياه معرضة له، إذ لم تناسب مبنى الاصل، ولذلك قيل: " ص " و " ق " مجموعا فيهما بين ساكنين، ولم تعامل معاملة أين وهؤلاء " اه ومن هنا تعلم أن ادعاء المؤلف الاضطراب والتناقض في عبارة جار الله غير (*)

(2/220)


الإعراب، وهذا منه عجيب، كيف يكون الاسم معرباً بلا مقتضٍ للاعراب؟
__________
صحيح، لان معنى قول جار الله " إنها معربة " هو أنها ليست مبنية بل هي مهيأة للاعراب ومعدة له وتقبله لعدم وجود مقتضى البناء، ومعنى قوله " لكنها لم تعرب لعريها عن سبب الاعراب " هو أنها في حال عدم تركيبها لم تعرب بالفعل، وذلك لا غبار عليه، لان كل الاسماء قبل تركيبها لا يجرى عليها الاعراب بالفعل وإن كانت بعرضة أن يجري عليها، واستمع لابي حيان حيث يقول: " الاسماء المتمكنة قبل التركيب كحروف الهجاء المسرودة: اب ت ث، وأسماء العدد، نحو واحد اثنان ثلاثة أربعة، فيها للنحاة ثلاثة أقوال: فاختار ابن مالك رحمه الله أنها مبنية على السكون لشبهها بالحروف في كونها غير عاملة ولا معمولة، وهذا عنده يسمى بالشبه الاهمالى.
وذهب غيره إلى أنها ليست معربة لعدم تركبها مع العامل، ولا مبنية لسكون آخرها في حلة الوصل وما قبله ساكن، وليس في المبنيات ما هو كذلك.
وذهب بعضهم إلى أنها معربة، يعني حكما لا لفظا، والمراد به قابلية الاعراب وأنه بالقوة كذلك، ولولاه لم يعل فتى لتحركه وانفتاح ما قبله.
وهذا الخلاف مبنى على اختلافهم في تفسير المعرب والمبني، فان فسر المعرب بالمركب الذي لم يشبه مبني الاصل شبها تاما والمبنى بخلافه، فهي مبنية، وإن فسر بما شابهه وخلافه ولم نقل بالشبه الاهمالي فهي معربة، تنزيلا لما هو بالقوة منزلة ما هو بالفعل، وإن قلنا: المعب ما سلم من الشبه وتركب مع العامل والمبنى ما شابهه، فهي واسطة، وللناس فيما يعشقون مذاهب، فالخلاف لفظي، والامر فيه سهل،
وكلام الكشاف مبنى على الثاني (من تفسيرات المعرب والمبنى) وكلام البيضاوى محتمل له ولما بعده وإن كان الاول أظهر، ثم إنه قيل: إن المحققين حصروا سبب بناء الاسماء في مناسبة مالا تمكن له أصلا (يريد شبه الحرف) ، وسموا الاسماء الخالية عنها معربة، وجعلوا سكون أعجازها قبل التركيب وقفا لا بناء، واستدلوا على ذلك بأن العرب جوزت في الاسماء قبل التركيب التقاء الساكنين كما في الوقف فقالوا زيد، عمرو، ص، ق، ولو كان سكونها بناء لما جمعوا بينهما كما في سائر الاسماء المبنية نحو كيف وأخواتها.
لا يقال: ربما عددت الاسماء ساكنة الاعجاز متصلا بعضها ببعض فلا يكون سكونها وقفا بل بناء، لانا نقول: (*)

(2/221)


وإنما قلنا إنها لم تكن متحركة بحركة لأن الحركة إما إعرابية وكيف تثبت الحركة الإعرابية من دون سبب الإعراب الذي هو التركيب مع العامل؟ وإما بنائية، ولا يجوز، لأن بناء ما لم يثبت فيه سبب الإعراب أقوى من بناء ما عرض فيه مانع من الإعراب، فينبغي أن يكون أقوى وجهي البناء على أصل البناء، وهو السكون، لأن أصل الإعراب الحركة، وأصل البناء السكون، ثم نقول: إن (مثل) هذه الكلمات سواء كانت من أسماء حروف الهجاء أو من أسماء العدد كواحد اثنان ثلاثة، أو من غيرهما كزيد عمرو بكر، وإن اتصل بعضها ببعض في اللفظ، إلا أن آخر كل واحد منها في حكم الموقوف عليه، وإنما وجب ذلك فيها لأن كل كلمة منها مقطوعة عما بعدها من حيث المعنى، وإن كانت في اللفظ متصلة به، والدليل على كون كل واحدة في حكم الموقوف عليه إثبات ألف الوصل في اثنان إذا عددت ألفاظ العدد، وقلبُ تاء أربعة وثلاثة هاء، نحو واحد اثنان ثلاثة أربعة، اتفاقاً منهم، وألف الوصل تسقط في الدرج ولا ينقلب التاء هاء إلا في الوقف، فهذه أسماء مبنية على السكون أجْرَيْتَ عليها
حكم الوقف، كما يوقف على كَمْ ومَنْ وسائر الكلم المبنية على السكون، فيجري في آخر كل واحدة منها حكم الوقف، لعدم تعلق شئ منها بما بعده، كما أنه لما لم يتعلق نحو قوله تعالى: (بِسمِ الله الرحمن الرحيم) بما بعده من أول السورة كقوله تعالى: (قُلْ هُوَ الله أحد) وقفت على الرحيم، لكن لا تسكت على كل واحدة كما هو حق الوقف في آخر الكلام التام، لأن ذلك إنما هو للاستراحة بعد التعب، ولا تعب ههنا بالتلفظ بكل كلمة، فمن حيث تُجْرِي أواخرها مجرى
__________
هي قبل التركيب في حكم الوقف سواء كانت متفاصلة أو متواصلة، إذ ليس فيها قبل ما يوجب الوصلة، فالمتواصلة منها في نية الوقف فتكون ساكنة، بخلاف كيف وأين، وحيث، وجير، إذا عددت وصلا، فان حركتها لكونها لازمة لا تزول إلا بوجود الوقف حقيقة " اه (*)

(2/222)


الموقوف عليه قلبت التاء في ثلاثة أربعة هاء، ومن حيث وصلتها بما بعدها ولم تقف عليها نقلت حركة همزة أربعة إلى الهاء، على ما حكى سيبويه، كما ينقل في نحو مَسْأَلة، وقَدْ أفلح، ومثله قول الشاعر: 70 - أقْبَلْتُ مِنْ عِنْدِ زِيَادٍ كَالْخَرِفْ * تَخُطُّ رِجْلاَيَ بِخَطٍ مُخْتَلِفْ * تُكَتِّبَان فِي الطَّرِيقِ لامَ الِفْ (1) بنقل حركة همزة ألف إلى ميم، ونقل المبرد عن المازني منع نقل حركة الهمزة في ثلاثة أربعة إلى الهاء، وسيبويه أوثق من أن تُرَدَّ روايته (2) عن العرب، ولا سيما إذا لم يمنعها القياس، وفرق سيبويه بين ما سكونه بنظر الواضع كأسماء حروف التهجي وبين ما سكونه يعرض ند قصد التعديد نحو واحد اثنان ثلاثة، وزيد عمرو بكر، فقال: ما أصله الإعراب جاز أن يُشَمَّ فيه الرفع، فيقال واحد اثنان، بإشمام الرفع (وإنما أشم الرفع) دون غيره لأنه أقوى الاعراب
__________
(1) هذه الابيات لابي النجم العجلى الفضل بن قدامة، وكان لابي النجم صديق يسقيه الشراب فإذا انصرف من عنده انصرف ثملا.
وزياد: هو صديق أبى النجم الذى كان يسقيه.
والخرف: الذي فسد عقله لكبر أو نحوه، وهو صفة مشبهة، وبابه فرح.
وتخط: تعلم، ومعنى الابيات أنه خرج من عند صديقه يترنج فتخط رجلاه خطا كالالف تارة وكاللام تارية أخرى، يريد أنه لا يمشى على استقامة.
والاستشهاد بالبيت على أنه نقل حركة همزة ألف إلى ميم لام كما نقلت حركة همزة أربعة إلى الهاء في قولك ثوثة أربعة حين تصل الثلاثة بما بعدها.
وهذا البيت من شواهد سيبويه (ح 2 ص 34) (2) قال سيبويه رحمه الله (ح 2 ص 34) : " وزعم من يوثق به أنه سمع من العرب من يقول: ثلاثة أربعة، طرح همزة أربعة على الهاء ففتحها ولم يحولها تاء، لانه جعلها ساكنة والساكن لا يتغير في الادراج، تقول: اضرب، ثم تقول: اضرب زيدا " اه، وبعد أن ذكر سيبويه نه ينقل ذلك عن من يوثق به عن العرب لا محل لانكار المبرد الذي ذكره المؤلف عنه (*)

(2/223)


وأسبقه، وأما ألف لام ميم فلا يُشَمُّ شئ منها حركة لكونها أعرقَ في السكون من الأول، إذ سكون مثلها بنظر الواضع، ومنع الأخفش من الإشمام، ولا وجه لمنعه مع وجه الاستحسان المذكور، وعلى ما قاله سيبويه لا بأس بإشمام الرفع في المضاف في نحو غلام زيد إذا لم تركبه مع عامله قوله " وفي نحو الْحَسَن عندك، وآيْمُنُ الله يمينك، للالتباس " يعني إذا دخلت همزة الاستفهام على ما أوله همزة وصل مفتوحة لم يجز حذف همزة الوصل، وإن وقعت في الدرج، لئلا يلتبس الاستخبار بالخبر، لأن حركتي الهمزتين متفقتان، إذ هما مفتوحتان، وللعرب في ذلك طريقان: أكثرهما قلب الثانية
ألفاً محضاً، والثاني تسهيل الثانية بين الهمزة والألف، والأول أولى، لأن حق الهمزة الثانية كان هو الحذف، لوقوعها في الدرج، والقلب أقرب إلى الحذف من التسهيل، فإذا قلبت الثانية ألفاً التقى ساكنان لا على حدهما، لأن الثاني ليس بمدغم في نحو الْحَسَن ولا موقوف عليه كما شرطنا، وفي قولك " آلله " وإن كان مدغماً إلا أن المدغم ليس من كلمة حرف المد، ولا المدغم فيه، وإنما لم يحذف الالف المنقلبة من الهمزة لئلا يلزمهم ما فروا منه من التباس الاستخبار بالخبر، وهَوَّن ذلك كون الألف أمكن في المد من أخويه قوله " وحلقتا البطان " يقال في المثل: التقت حلقتا البطان، (1) إذا
__________
(1) هذا مثل تقوله العرب إذا اشتد الكرب، ومنه قول أوس بن حجر من قصيدته التي يمدح فيها فضالة بن كلدة ويرثيه بعد وفاته ليبكك الشرب والمدامة والفتيان طرا وطامع طمعا وذات هدم عار نواشرها * تصمت بالماء تولبا جدعا والحى إذ حاذروا الصباح وإذ * خافوا مغيرا وسائرا تلعا وازدحمت حلقتا البطان بأقوام وجاشت نفوسهم جزعا (*)

(2/224)


تفاقم الشر، وذلك لأنهما لا يلتقيان إلا عند غاية هزال البعير أو فرط شد البطان قال: " فإنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ وَأوَّلُهُمَا مَدَّةٌ حُذِفَت، نَحْوُ خَفْ وَقُلْ وَبِعْ وَتَخْشَيْنَ وَاغْزُوا وَارْمِي واغزن وارمن ويخشى الْقَوم ويغزو الْجَيْشُ وَيَرْمِي الْغَرَضُ " أقول: كان حق قوله " وحَلْقَتَا البطان شاذ " أو يكون بعد قوله " وَيَرْمِي الغرض " لأن حق الألف الحذف كما في " يخشى القوم " ولم تحذف
قوله " فإن كان غير ذلك " أي: إن كان التقاء الساكنين غيرَ ذلك المذكور، وذلك على ضربين: إما أن يكون أولهما مدة أولا، ونعني بالمدة حرفَ لين ساكناً، حركةُ ما قبله من جنسه، فإن كان فلا يخلو من أن يكون حذفُ المدة يؤدّي إلى لبس، أولا، فإن أدى إليه حرك الثاني، إذ المد لا يحرك كما في مسلمون ومسلمان، فإن النون في الأصل (1) ساكن، فلو حذفت الألف والواو للساكنين لالتبسا بالمفرد المنصوب والمرفوع المنونين، وكذا في يسلمان
__________
الهدم: الاخلاق من الثياب.
ولنواشر: عروق ظاهر الكف.
والجدع: السئ الغذاء.
والبطان: الحزام الذي يجعل تحت بطن البعير، وفيه حلقتان، فإذا التقتا فقد بلغ الشد غايته (1) وجهه أن النون في المثنى والجمع هي التنوين الدال على تمكن الاسم، والتنوين نون ساكنة، فلما اجتمعت مع حرف المد وهو ساكن أيضا، واجتماعهما ههنا ليس مما يغتفر، وتعذر حذف حرف المد لانه مفض إلى اللبس، وتعذر تحريكه لانه نقض للغرض، لأن المطلوب من المد التخفيف وتحريكه نقض لهذا الغرض، حركت النون، والاصل في تحريك الساكن إذا اضطر إليه أن يكسر وفتحت النون في الجمع للفرق بين نون المثنى ونون الجمع، ولم يعكس ليحصل التعادل في المثنى لخفة الالف وثقل الكسرة، وفي الجمع بثقل الواو وخفة الفتحة (*)

(2/225)


ويُسْلِمون وتُسلمين لو حذفت المدّات لالتبس الفعل بالمؤكد بالنون الخفيفة في بدء النظر، وإن لم يؤدّ الحذف إلى اللبس حُذِفَ المدُّ، سواء كان الساكن الثاني من كلمة الأول كما في خَفْ وقُلْ وبِعْ، أو كان كالجزء منها، وذلك بكونه ضميراً مرفوعاً متصلاً، نحو تَخْشَيْن وتَغْزُونَ وتَرْمِينَ، كان أصلها تَخْشَى
وتَغْزُو وتَرْمِي، (1) فلما اتصلت الضمائر الساكنة بها سقطت اللامات للساكنين، أو بكونه أول نوني التأكيد المدغم أحدهما في الآخر، نحو اغزن وارْمِنَّ، فإنه سقط فيهما الضميران لاتصال النون الساكنة بهما، أو كان الساكن الثاني أول كلمة منفصلة كما في يَخْشَى الْقَوم، ويغزو الجيش، ويرمي الغرضَ (2) وإنما حذف الأول إذا كان مدة مع عدم اللبس، وحرك هو إذا كان غيرَهَا نحو اضرِب اضْرِب إلا مع مانع كما في لَمْ يَلْدَهُ (3) على ما يجئ، ولم
__________
(1) هذا الذي ذكره مبنى على ما ذهب إليه المؤلف وقرره مرارا من أن الضمائر إنما تلحق الافعال بعد إعلالها على ما تقتضيه أسباب الاعلال (أنظر ح 1 ص 79) وسقرر ذلك قريبا.
وأما بناء على ما ذهب إليه غيره من أن الضمائر تلحق الافعال قبل الاعلال فأصل تخشين تخشيين - كتعلمين - تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فصار تخشاين، فحذفت الالف للتخلص من التقاء الساكنين، وأوثرت هي بالحذف لامرين: الاول أنها جزء كلمة، والثاني أنها لام، واللام محل التغيير والحذف.
وأصل تغزون تغزوون - كتنصرون - استثقلت من التقائهما.
وأصل ترمين ترميين كتضربين، استثقلت الكسرة على الياء فحذفت الكسرة فالتقى ساكنان، فحذفت الياء الاولى للتخلص من التقائهما (2) الغرض: الهدف الذي ينصب فيرمى بالسهام (3) وردت هذه الكلمة في بيت من الشعر لرجل من أزد السراة وهو: عجبت لمولود وليس له أب * وذى ولد لم يلده أبوان وقد مضى ذكر البيت ووجه التخفيف فيه (أنظر ح 1 ص 45) وانظر (ص 238 من هذا لجزء) (*)

(2/226)


يحذف الثاني ولم يحرك هو في جميع المواضع لأن الثاني من الساكنين هو الذي يمتنع
التلفظ به إذا كان الأول صحيحاً، والذي يستثقل فيه ذلك إذا كان الاول حرف لين، وسبب الامتناع أو الاستثقال هو سكون الأول فَيُزَال ذلك المانع: إما بحذف الأول إذا استثقل عليه الحركة، وذلك إذا كان مداً، أو بتحريكه إذا لم يكن كذلك، وأما أول الساكنين فإنك تبتدئ به قبل مجئ الثاني فلا يمتنع سكونه ولا يستثقل، وإنما استثقل تحريك المد الذي هو الواو والياء لأن المطلوب من المد التخفيف وذلك بأن سكن حرف اللين وجعل ما قبله من جنسه ليسهل النطق به، وتحريكه نقض لهذا الغرض، وأما الالف فلا يجئ فيه ذلك، لأن تحريكه مستحيل، إذ لا يبقى إذن ألفاً، وإنما حذف الواو من اغْزُنَّ والياء من ارْمِنَّ وإن كان نون التأكيد كجزء الكلمة الأولى فيكون لو خُلِّي مثل الضَّالين وتمودَّ الثوب لأنها كلمة أخرى على كل حال، وليست بلازمة، فتعطي من جهة اللزوم حكم بعض الكلمة فإن قيل: فلم عد في نحو اضربانّ كجزء الكلمة فلم يحذف الألف؟ قلت: الغرض الفرق بين الواحد والمثنى، كما مر في شرح الكافية فنقول: النون من حيث لا يستثقل يمكن أن يكون له حكم جزء الكلمة، ومن حيث هو على حرفين وليس بلازم للكلمة ليس كجزئها، فحيث كان لهم غرض في إعطائه حكم الجزء أعطوه ذلك، أعني في نحو اضْرِبَانّ، وحيث لم يكن لهم غرض لم يعطوه ذلك كما في اغْزُنَّ وارْمِنَّ، وفي تمثيل المصنف باغْزُوا وارْمِي - نظراً إلى أن أصلهما اغْزُوُوا وارْمِيِي فسكنت اللام استثقالاً ثم حذفت لالتقاء الساكنين - نظر، لأن الواو والياء فاعلان يتصلان بالفعل بعد الإعلال، كما ذكرنا أول الكتاب (1) في تعليل ضمة قُلْتُ وكسرةِ بِعْتُ، فالحق أن يقال: الواو
__________
(1) أنظر (ح 1 ص 79) (*)

(2/227)


والياء في اغزوا وارمي إنما اتصلا باغْزُ وارم محذوفي اللام، لا أنهما ثابتا اللام اعلم أن الضمائر المرفوعة المتصلة بالمجزوم والموقوف (1) نحو اغْزُوَا ولم يَغْزُوَا واغْزُوا ولَمْ تَغْزُوا واغْزِي ولم تَغْزِي وارْمِيَا ولم تَرْمِيَا وارْمُوا ولم تَرْمُوا وارْمِي ولم تَرْمِي وارْضَيَا ولم تَرْضَيَا وارْضَوْا ولم تَرْضَوْا وارْضَيْ ولم تَرْضَيْ، إنما تلحق الفعل بعد حذف اللام للجزم أو الوقف، كمل لحقت في اضْرِبَا وقُولُوا ولم يَضْرِبَا ولم يقولوا بعد الجزم والوقف، ثم تعود اللامات لحقوقها، لأن الجزم والوقف معها ليسا على اللام، ثم تسقط اللامات مع الواو والياء لاجتماع الساكنين بعد حذف حركاتها، ولا تسقط مع الألف نحو اغْزُوَا وارْمِيَا وارْضَيَا ولم يغزوا ولم تَرْمِيَا ولم تَرْضَيَا، لعدم الساكنين، ولم يقلب اللام ألفاً في ارْضَيَا وَاخْشَيَا حملاً على ترضيان وتخشيان، على ما يجئ في باب الإعلال قال: " وَالْحَرَكَةُ فِي نَحْوِ خف الله واخْشَوُا الله واخْشَى الله وَاخْشَوُنَّ وَاخْشَيِن غَيْرُ مُعْتَدّ بِهَا، بِخِلاَفِ نحو خَافَا وخَافَنَّ " أقول: يعني أن حركة الواو في اخْشَوُا الله وحركة اللام في خَفِ الله عرضتا لأجل كلمة منفصلة، وهي الله، فلم يعتد بها، فلم ترجع الألف المحذوفة لأجل سكون الواو واللام، وكذلك حركة واو اخشون ويا اخْشَينَّ لأن النون المتصلة بالضمير كالكلمة المفصلة، على ما قرر المصنف في آخر الكافية فإن قيل: هب أن النون كالكلمة المنفصلة عن الفعل بسبب توسط الضمير بيهما، أليست كالمتصلة بالضمير اتصالها باللام في خَافَنَّ؟ فلما كان حركة اللام في خَافَنَّ كالأصلية بسبب ما اتصل به: أي النون، فلذا رجع الألف المحذوفة في خف، فكذا كان ينبغي أن يكون حركة الواو والياء في اخْشَوُنَّ واخْشَيِنَّ، فكان ينبغي أن ترجع اللام المحذوفة فيهما لسكون الواو والياء المتصلين بهما
__________
(1) المراد بالموقوف المبنى وهو تعبير شائع في عبارات المتقدمين من النحاة (*)

(2/228)


قلنا: بين اتصال النون بلام الكلمة وبين اتصالها بالضمير فرق، وذلك لأن النون إذا اتصلت لفظاً بالضمير فهي غير متصلة به معنى، لأنها لتأكيد الفعل لا لتأكيد الضمير، وأيضاً فإن لام الكلمة عريق في الحركة فاعتدَّ بحركته العارضة، بخلاف واو الضمير ويائه، فانها عريقان في السكون فإن قلت: أليس النون في نحو اضْرِبَانَّ بعد الضمير؟ فهلا حذفت الألف كما في اضْرِبَا الرَّجل؟ قلت: خوفاً من التباس المثنى بالمفرد كما مر، وأما حركة اللام في خافا وخافوا وخافي وخَافَنَّ فإنها مع عروضها صارت كالأصلية، بسبب اتصال الضمير المرفوع المتصل الذي هو كجزء الفعل، واتصالُ نون التأكيد بنفس الفعل، وكذا في لِيَخَافَا ولْيَخَافُوا ولْيَخَافَنَّ، مع أن حركات اللام في الكلمات المذكورة وإن كانت عارضة بسبب إلحاق الضمائر والنون، لكنها ثابتة الأقدام لأجل خروج اللام عن كونه في تقدير السكون، كما كان في قُمِ الليل ولم يَقُمِ الليل، إذ الجزم والوقف مع نون التأكيد المتصلة بلام الكلمة زالا بالكلية لصيرورتها معها مبنية على الحركة على (1) الأصح، كما مر في شرح الكافية، ومع اتصال
__________
(1) هذا أحد أقوال ثلاثة في الفعل المضارع الذى اتصلت به نون التوكيد، وحاصله أن الفعل المضارع يبنى على الفتح إذا باشرته نون التوكيد ولم يفصل بيهما فاصل ظاهر أو مقدر، وذلك في الفعل المضارع المسند إلى اسم ظاهر أو إلى ضمير الواحد المذكر، وعلة بنائه حينئذ تركبه مع النون كتركب خمسة عشر، والفاصل الظاهر ألف الاثنين، والمقدر واو الجماعة وياء المخاطبة، والقول الثاني أن المضارع مع نون التوكيد مبنى مطلقا سوا أباشرته النون أم لم تباشره، وهو مبنى على فتح ظاهر مع المباشرة، وعلى فتح مقدر منع من
ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة مع غير المباشرة.
والقول الثالث أن الفعل المضارع مع نون التوكيد معرب مطلقا، وعلامة إعرابع النون المحذوفة لتوالى الامثال إذا كانت النون غير مباشرة للفعل بأن فصل بينهما فاصل ملفوظ (*)

(2/229)


الضمائر البارزة في نحو قولا ولم يقولا وقولوا ولم يقولوا وقولي ولم تقولي بلا نون تأكيد ينتقل الجزم والوقف عن اللام إلى النون التي بعد اللام، ففي الحالتين لم يبق اللام في تقدير السكون، فلا جرم رجعت العينات، ولزوال الجزم والوقف تثبت اللامات في اغْزُوَن وليَغْزُوَنَّ واغْزُوَا هذا، وإنما لم يحذف أول الساكنين، أعني الألف في رمى وغزا، عند اتصال ألف المثنى في غَزَوَا وَرَمَيَا وأَعْلَيَانِ وحُبْلَيَان، بل قلبت واواً أو ياء كما رأيت، وحرك، خوفاً من التباس المثنى بالمفرد، أعنى رمى وغزا وأَعْلَى زيدٍ وحُبْلَى عمرو وإنما لم ترد اللام المحذوفة في مثل رَمَتْ وَغَزَتْ وإن تحركت التاء في غَزَتَا وَرَمَتَا لأن حركتهما وإن كانت لأجل الألف التي هي كالجزء، لكن تاء التأنيث الفعلية عريقة السكون، بخلاف لام قُوَما، كما مر، وأيضاً حق التاء أن تكون بعد الفاعل، لأنها علامة تأنيثه لا علامة تأنيث الفعل، فهي مانعة للألف من الاتصال التام كما قُلْنا في اخْشَوُنَّ واخْشَيِنَّ، على أن بعضهم جوز رَدَّ الألف في مثله، مستشهداً بقوله 71 - لَهَا مَتْنَتَانِ خَظاتَا كَمَا * أكَبَّ عَلَى سَاعِدَيْهِ النمر (1)
__________
به أو مقدر، أما مع النون المباشرة فعلامة إعرابه حركة مقدرة منع من ظهورها حركة التمييز بين المسند إلى الواحد والمسند إلى الجماعة والمسند إلى الواحدة.
(1) هذا بيت من قصيدة تنسب لامرئ القيس بن حجر الكندى، وهو في وصف فرس، وقبله قوله.
لها حافر مثل قعب الوليد * ركب فيه وظيف عجر لها ثنن كخوافى العقا * ب سود يفين إذا تزبئر لها ذنب مثل ذيل العروس * تسد به فرجها من دبر (*)

(2/230)


" قال: فَإنْ لَمْ يَكُنْ مَدَّةً حُرِّكَ، نَحْوُ اذْهَبِ اذْهَبْ ولم أيله وألم الله واخْشَوُا الله وَاخْشَيِ الله، وَمِنْ ثَمَّ قِيْلَ اخْشَوُنَّ وَاخْشَيِنَّ لأَنَّهُ كالْمُنْفَصِلِ " أقول: اعلم أن أول الساكنين إن لم يكن مدةً وجب تحريكه، إلا إذا أدَّى تحريكه إلى نقض الغرض كما في لم يَلْدَهُ وانْطَلْق، كما يجئ، وإنما وجب تحريك الأول من دون هذا المانع لأن سكونه كما ذكرنا هو المانع
__________
القعب: قدح مقعر من خشب، والوليد: الصبي، يريد أن جوف حافرها واسع.
والوظيف: مقدم الساق، وهو من الحيوان ما فوق الرسغ إلى الساق.
وعجر: غليظ، والثنن: جمع ثنة (كغرفة) ، وهي الشعرات التي في مؤخر رسغ الدابة، ويفين: أصله يفئن، وتزبئر: تنتفش، والمتنتان: تثنية متنة، وهي بمعنى المتن، وأراد جانبى ظهرها.
وخظاتا: أكتنزتا وارتفعتا، وقوله " كَمَا أكَبَّ عَلَى سَاعِدَيْهِ النَّمِرْ " قال ثعلب: أي في صلابة ساعد النمر إذا اعتمد على يديه، فكأنه قال لها جانبا ظهر مكتنزان شديدان.
والاستشهاد بالبيت في قوله " خظاتا " وهو فعل ماض أصله خظي - كرمى - ومعناه اكتنز، فأذا ألحقت به تاء التأنيث قلت خظت كما تقول رمت، فان جئت بألف المثنى مع تاء التأنيث فالقياس أن تقول: خظتا، كما تقول: رمتا، كما قال المؤلف، ولكن هذا الشاعر أعاد الالف التي هي لام الفعل نظرا إلى
تحرك التاء، ولم يبال بعراقة التاء في السكون، وهذا تخريج جماعة من العلماء منهم الكسائي، وذهب الفراء إلى مثنى خظاة، حذفت نون الرفع كما حذفت في نحو قول الراجز: * يا حبذا عينا سليمى والفما * أراد " والفمان " وكما حذفت في قول الشاعر: لنا أعنز لبن ثلاث فبعضها * لاولادها ثنتا وما بيننا عنز أراد " ثنتان "، وذهب أبو العباس المبرد إلى أن النون حذفت للاضافة، وعنده أن خظاتا مضاف إلى " كما أكب على ساعديه النمر " وهو كلام لا معنى له، إذ لا يمكن تخريجه على وجه صحيح (*)

(2/231)


من التلفظ بالساكن الثاني، فيزال ذلك المانع بتحريكه، إذ لا يؤدي التحريك إلى استثقال كما أدى إليه تحريك حرف المد على ما ذكرنا ويستثنى من هذا الباب نون التأكيد الخفيفة في نحو قوله: 72 - لا تُهِينَ الْفَقِيرَ عَلَّكَ أنْ * تَرْكَعَ يَوْماً وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ (1) فإنه يحذف كما ذكرنا في شرح الكافية فرقا بينها وبين التنوين (2)
__________
(1) هذا البيت من بحر المنسرح، وآخر النصف الاول منه قوله: " علك أن " وقد حذف من أوله سبب خفيف.
وهو من قصيدة للاضبط بن قريع أولها: لكل هم من الهموم سعه * والصبح والمنسى لا فلاح معه ما بال من سره مصابك لا * يملك شيئا من أمره وزعه وقبل البيت الشاهد قوله: قد يجمع المال غير آكله ويأكل المال غير من جمعه
فاقبل من الدهر ما أتاك به * من قر عينا بعيشه نفعه وصل حبال البعيد إن وصل الحبل * وأقص القريب إن قطعه والاضبط بن قريح جاهلي قديم، وهو الذي أساء قومه مجاورته فانتقل عنهم إلى آخرين ففعلوا مثل ذلك فقال: أينما أوجه ألق سعدا، وقال: بكل واد بنو سعد (فذهبتا مثلين) ، والفلاح: البقاء والعيش، وهو أيضا الفوز، وعليه يحمل قول المؤذن " حى على الفلاح " والاستشهاد بالبيتعلى أن أصله " لا تهينن " بنو التوكيد الخفيفة الساكنة بعد النون التي هي لام الكلمة، فلما وقع ساكن آخر وهو لام التعريف حذفت نون التوكيد للتخلص من التقاء الساكنين (2) يريد أنهم قصدوا عدم تسويتها بالتنوين، وذلك لان التنوين لازم للاسم المتمكن في الوصل إذا خلا عن المانع، وهو الاضافة واللام، بخلاف النون الخفيفة، فانها قد تترك من الفعل بلا مانع، فلما اضطروا إلى تحريكهما أو حذفهما - وذلك عند التقائهما مع ساكن آخر - أجزوا التنوين على الاصل في التخلص من التقاء (*)

(2/232)


ويستثنى أيضاً نون لَدُن، وحذفه شاذ، ووجهه مع الشذوذ أنه كان في معرض السقوط من دون التقاء الساكنين، نحو: 73 - مِنْ لَدُ لَحْيَيْهِ إِلَى مَنْحُورِهِ * يَسْتَوْعِبُ الْبَوْعَيْنِ مِنْ جَرِيرِهِ (1) فيجوز حذفه إذا وقع موقعاً يحسن حذف حرف المد فيه، وذلك لأجل مشابهته للواو، ولا يقاس عليه نون لم يكن، وإن شاركه فيما قلنا: من مشابهة
__________
الساكنين، وهو تحريك أولهما إذا لم يكن مدة، وأجروا النون على خلاف الاصل، وهو حذف أول الساكنين، مع أنها ليست مدة، فرقا بينها وبين التنوين، ولم يعكسوا، لان التنوين لازم للاسم المتمكن بخلاف النون، والخلاصة أن التنوين إذا التقى مع ساكن آخر فلا يحذف قياسا إلا في ابن وابنة إذا
كانا نعتين لعلم وكانا مضافين لعلم آخر، وإنما حذف التنوين من الموصوف بهما لانه قد كثر استعمالهما نعتين على هذا الوجه، واللفظ إذا كثر استعماله طلب التخفيف فيه، فلما اضطروا بسبب التقاء الساكنين إلى تحريك التنوين أو حذفه اختاروا حذفه طلبا للخفة، والنون الخفيفة إذا التقت مع ساكن آخر حذفت قياسا، قصدا للفرق بينها وبين التنوين (1) هذا البيت من شواهد سيبويه، وقد وقع في نسخ الاصل كلها على ما ترى، والذي في سيبويه وفي شرح الشواهد للبغدادي يستوعب البوعين من جريره * من لد لحييه إلى منحوره وصف بعيرا، أو فرسا، بطول العنق فجعله يستوعب من حبله الذي يربط به مقدار باعين فيما بين لحييه ونحره.
والبوعان: مثنى بوع، وهو مصدر بعت الشئ أبوعه بوعا إذا ذرعته بباعك، والجرير: الحبل والاستشهاد بالبيت في قوله: " لد لحييه " على أن أصله لدن فحذفت النون قال سيبويه.
" فأما لدن فالموضع الذي هو أول الغاية، وهو اسم يكون ظرفا، يدلك على أنه اسم قولهم: من لدن، وقد يحذف بعض العرب النون حتى يصير على حرفين، قال الراجز: " يستوعب البوعين ... البيت " اه (*)

(2/233)


الواو، وجواز حذفه لغير الساكنين، لأن حذف نون لدن للساكنين شاذ، وما ذكرناه وجه استحسانه، وليس بعلة موجبة ويستثنى أيضاً تنوين العلم الموصوف بابن مضافاً إلى علم كما مر في موضعه (1) وأما حذف التنوين للساكنين في قوله: 74 - وَحَاتِمُ الطَّائِيُّ وَهَّابُ المى (2)
__________
(1) المعروف من مذاهب النحاة أن كلمة " ابن " إذا وقعت بين علمين ثانيهما أبو الاول وكانت وصفا لاولهما وجب أمران: أحدهما حذف ألف ابن في الخط، وثانيهما حذف تنوين العلم الاول إن كان منونا، لكن حكى التبريزي في شرح الحماسة في هذا لغتين: الاولى حذف التنوين كالمشهور عن النحاة، وثانيتهما جواز التنوين.
قال (ح 4 ص 34 طبعة المكتبة التجارية) في شرح قول قرواش بن حوط الضبى نبئت أن عقالا بن خويلد * بنعاف ذى عزم وأن الاعلما ينمى وعيدهما إلى ويننا * شم فوارع من هضاب يرمرما ما نصه: " والاجود في العلم وقد وصف بالابن أو الابنة مضافين إلى علم أو ما يجرى مجراه ترك التوين فيه، وقد نون هذا الشاعر " عقالا "، وإذ قد فعل ذلك فالاجود في ابن خويلد أن يجعل بدلا، ويجوز أن يجعل صفة على اللغة الثانية " اه، وعلى ذلك يحمل قول الراجز: * جارية من قيس بن ثعلبة * على أنه لغة، وليس ضرورة كما ذكره بعض النحاة (2) هذا بيت من الرجز المشطور لامرأة تفتخر بأخوالها، وقبله: * حيدة خالي ولقيط وعلى * وحيدة ولقيط وعلى وحاتم: أعلام، والطائي: نسبة إلى طئ على خلاف القياس.
والاستشهاد بالبيت في قوله " وحاتم الطائى " حيث حذف التنوين من حاتم (*)

(2/234)


وفيما قرئ من قوله تعالى (قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد) فشاذ والأصل في تحريك الساكن الأول الكسر، لما ذكرنا أنه من سجية النفس إذا لم تُسْتَكْرَه على حركة أخرى، وقيل: إنما كان أصل كل ساكن
احتيج إلى تحريكه من هذا الذي نحن فيه ومن همزة الوصل الكسر لأن السكون في الفعل: أي الجزم، أقيم مقام الكسر في الاسم: أي الجر، فلما احتيج إلى حركة قائمة مقام السكون مزيلة له أقيم الكسر مقامه على سبيل التقاص، وقيل: إنما كسر أول الساكنين وقت الاحتياج إلى تحريكه لأنه لم يقع إلا في آخر الكلمة فاستحب أن يحرك بحركة لا تلتبس بالحركة الإعرابية، فكان الكسر أولى، لأنه لا يكون إعراباً إلا مع تنوين بعده أو ما يقوم مقامها من لام وإضافة، فإذا لم يوجد بعده تنوين ولا قائم مقامها علم أنه ليس بإعراب، وأما الضم والفتح فقد يكونان إعرابا بلا تنوين، ولا شئ قائم مقامه، نحو جاءني أحمد، ورأيت أحمد، ويضرب ولن يضرب، فلو حرك بإحدى الحركتين لالتبست بالحركة الإعرابية قوله " ولم أبَلِهْ " أصله أبَالِي، سقطت الياء بدخول الجازم، فكثر استعمال " لم أُبَالِ " فطلب التخفيف، فجُوِّز جزم الكلمة بالجازم مرة أخرى، تشبيهاً لها بما لم يحذف منه شئ كيقول ويخاف، لتحرك آخرها، فأسْقط حركة اللام، فسقط الألف للساكنين، فألحق هاء السكت لأن اللام في تقدير الحركة، إذ هي إنما حذفت على خلاف القياس، فكأنها ثابتة كما في " لم يَرَهْ " و " لم يَخْشه " فالتقى ساكنان فكسر الأول كما هو القياس، وأيضاً فإن الكسر حركته الأصلية وأما قوله (الم الله) فمن وقف على (ألم) وعدها آية وابتدأ بالله محركا لهمزته
__________
ضرورة، وفيه شاهد آخر في قوله " المئي " حيث حذف النون ضرورة، وأصله المئين وليس هذا الاستشهاد الثاني مرادا هنا (*)

(2/235)


بالفتح فلا كلام فيه، وأما من وصل ألم بالله فإنه يحرك ميم ميم بالفتح لا غير،
وهو مذهب سيبويه، والمسموع من كلامهم، واختلف في هذه الفتحة، والأقرب كما قال جار الله أنها فتحة همزة الله نقلت إلى ميم، كما قلنا في ثَلاثَهَرْبَعَة.
وقال بعضهم: هي لإزالة الساكنين، وإنما كان الأول هو المختار لما تقدم أن أسماء حروف الهجاء إذا ركبت غير تركيب الاعراب جزى كل واحد منها مجرى الكلمة الموقوف عليها، لعدم اتصال بعضها ببعض من حيث المعنى، وإن اتصلت من حيث اللفظ، ومن ثم قلبت تاآت نحو ثلاثة أربعة هاء، فلما كانت ميم كالموقوف عليها ثبتت همزة الوصل في الله، لأنها كالمبتدأ بها، وإن كان متصلة في اللفظ بميم، فلما نقل حركة همزة القطع إلى ما قبلها وحذفت في ثَلاَثَهَرْبَعَة وفي قوله " لام الف " كذلك حذفت همزة الوصل بعد نقل حركتها إلى ما قبلها لأنها صارت كهمزة القطع من حيث بقاؤها مع الوصل، إلا أن حذفها مع نقل الحركة في (ألم الله) أولى من إثباتها، كراهة لبقاء همزة الوصل في الدرج، بخلاف الهمزة في ثَلاَثَهَرْبَعَة ولام ألف، فإن حذفها لا يترجح على إثباتها لكونها همزة قطع، واختار المصنف جعل حركة ميم للساكنين، بناء على أن الكلمات معدودة ليست أواخرهها كأواخر الكلم الموقوف عليها، فيسقط إذن همزة الوصل لكونها في الدرج، فيلتقي ساكنان: الميم، واللام الاولى، فلم يكسر الميم كأخواته لأن قبله ياء وكسرة، فلو كسرت لتوالت الأمثال، وأيضاً فيما فعلوا حصول التفخيم في لام الله، إذ هي تفخم بعد الفتح والضم وترقق بعد الكسر، والذي حمله على هذا بناؤه كما مر على أن سكون أواخر الكلمات المعدودة ليس للوقف، لأنه إنما يسكن المتحرك، ولا حركة أصلاً لهذه الكلمات، وذهب عنه أنه يوقف على الساكن أيضاً، والحق أنها مبنية على السكون، فجرى آخر كل واحدة منها مجرى الموقوف عليه، كما يوقف على مَنْ وكَمْ ونحوهما، وقلبُ التاء هاء وثبوت همزة الوصل في نحو واحد اثنان دليل الوقف، وأجاز الأخفش الكسر أيضاً في (ألم الله) قياساً

(2/236)


لا سماعاً، كما هو عادته في التجرد بقياساته على كلام العرب الذي أكثره مبني على السماع (وهذا هو من الأخفش) بناء على أن الحركة للساكنين وليست للنقل، وبه قرأ عمرو بن عبيد قوله " واخْشَوُا الله، واخْشَيِ الله " إنما لم يحذف الواو والياء لأن الأصل أن يتوصل إلى النطق بالساكن الثاني بتحريك الساكن الأول لا بحذفه، لأن سكونه هو المانع من النطق به، فيرفع ذلك المانع فقط، وذلك بالتحريك، وإنما ينتقل إلى حذفه إذا كان مدة كما ذكرنا، والواو والياء إذا انفتح ما قبلهما ليستا بمدتين فلا يستثقل تحريكهما، مع أنه لو حذف الواو والياء ههنا - وهما كلمتان برأسهما - لم يكن عليهما دليل، لأن قبلهما فتحة، بخلاف " اغزوا القوم " و " اغزي الجيش " فإن الضمة قبل الواو والسكرة قبل الياء دليلان عليهما بعد حذفهما قوله " ومن ثم قيل اخْشَوُنَّ واخْشَيِنَّ لأنه كالمنفصل " لا وجه لا يراد هذا الكلام ههنا أصلاً، لأن الساكن الأول يحرك إذا لم يكن مدة، وإن كان الثاني متصلاً مثل الهاء في " لم أبله " أو مفصلا كاخشوا واخْشَيِ الله أو كالمنفصل كاخْشَوُنَّ واخْشَيِنَّ، فأي فائدة لقوله " لأنه كالمنفصل " وحكم المتصل أيضاً كذلك؟ وهذا مثل ما قال في آخر الكافية " وهما في غيرهما مع الضمير البار كالمنفصل " كأنه توهم ههنا أن حق الواو والياء في مثله الحذف كما في اغْزُنَّ، لكن لما كان النون المؤكدة التي بعد الضمة كالكلمة المنفصلة لم يحذفا، كما لم يحذفا في نحو اخْشَوُا الله واخْشِي الله، وقد ذكرنا الكلام عليه هناك، وتحريك لام التعريف الداخلة على همزة الوصل، نحو الاِبن والاِسم والاِنطلاق والاستخراج، من باب تحريك أول الساكنين بالكسر ليمكن النطق بالثاني في نحو قَدِ اسْتَخْرَج وهَلِ
احتقر، لأن همزة الوصل حركتها تسقط في الدرج فيلتقي ساكنان: لام التعريف،

(2/237)


والساكن الذي كان بعد همزة الوصل، وروى الكسائي عن بعض العرب جواز نقل حركة الهمزة إذا أردت حذفه في الدرج إلى ما قبله، فروى (بسم الله الرحمن الرحيمَ الحمد لله) بفتح ميم الرحيم إذا وصلته بأول الحمد، وكذا قرئ في الشواذ (قُمَ اللَّيْل) بفتح الميم، فعلى هذا يجوز أن يكون كسرة اللام في الابن والاِنطلاق منقولة عن همزة الوصل، وكذا الضم في نحو (قَدُ استهزئ) و (قالتُ اخرج) وهو ضعيف، ولو جاز هذا لجاز (لَمْ يَكُنَ الَّذِينَ) وَعَنَ الَّذِينَ، بفتح النونين قال " إلا فِي نحو انطلق وَلَمْ يَلْدَهُ، وَفِي نَحْوِ رُدَّ وَلَمْ يَرُدَّ فِي تَمِيمٍ مِمَّا فُرَّ مِنْ تَحْرِيكِهِ لِلتَّخفِيفِ فَحُرِّكَ الثاني، وقراءة حفص وَيَتَّقْهِ لَيْسَتْ مِنْهُ عَلَى الأَصَحِّ " أقول: يعني إذا لم يكن الأول مدة حرك الاول، إلا إذا حصل من تحريك الأول نقض الغرض، وهذا في الفعل فقط، نحو انْطَلْقِ، وأصله انْطَلِقْ أمر من الانطلاق، فشبه طَلِق بكَتِفٍ في لغة تميم، فسكن اللام، فالتقى ساكنان، فلو حرك الأول على ما هو حق التقاء الساكنين لكان نقضاً للغرض وكذا الكلام في لَمْ يَلْدَهُ، قال: عَجِبْتُ لِمَوْلُودٍ وَلَيْسَ لَهُ ابٌ * وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبَوَانِ (1) واختير فتح ثاني الساكنين على الكسر الذي هو الأصل في تحريك الساكنين لتنزيه الفعل عنه، ومن ثم توقى منه بنون العماد، وأما الضم فلا يصار إليه في دفع الساكنين لثقله، إلا للإتباع كما في مُنْذُ، أو لكونه واو الجمع كما في اخْشَوُنَّ، وقيل: إنما فتح اتباعاً لحركة ما قبل الساكن الأول مع كون الفتح أخف
قوله " وفي نحو رُدَّ ولم يرُدَّ في تميم " اعلم أن أهل الحجاز لا يدغمون في
__________
(1) قد سبق القول في هذا البيت (ج 1 ص 45) فارجع إليه هنالك، وانظر (ص 226 من هذا الجزء) (*)

(2/238)


المضاعف الساكن لامه للجزم أو للوقف، نحو ارْدُدْ ولم يَرْدُدْ، لأن شرط الإدغام تحريك الثاني، وبنو تميم وكثير من غيرهم لما رأوا أن هذا الإسكان عارض للوقف أو للجزم وقد يتحرك وإن كانت الحركة عارضة في نحو " أرْدُد القوم " لم يعتدوا بهذا الإسكان، وجعلوا الثاني كالمتحرك، فسكنوا الأول ليدغم، فتخف الكلمة بالإدغام، فالتقى ساكنان، فلو حرك الأول لكان نقضاً للغرض، وقد جاء به الكتاب العزيز أيضاً، قال تعالى: (وَلاَ يُضَآرَّ كاتب) وإذا ثبت أن بعض العرب يدغم الأول في الثاني في نحو يرددن مع أن تحريك الثاني مع وجود النون ممتنع فما ظنك بجواز إدغام نحو أردد ولم يردد مع جوز تحريك الثاني للساكنين؟ واتفق الجمع على ترك إدغام أفْعِل تعجباً نحو أحْبِبْ، لكونه غير متصرف، وقد يحرك الثاني أيضاً إذا كان آخِرَ الكلمة المبنية، إذ لو حرك الأول والساكنان متلازمان على هذا التقدير لالتبس وزن بوزن، كما في امْسِ وَمُنْذ، فكان يشتبه فَعْل وفُعْل الساكنا العين بالمتحركيها، ويجوز أن يعلل أين وكيف وَحَيْثُ بمثله، وباستثقال الحركة على حرف العلة إن لم يقلب، ولو قلب لكان تصرفاً في غير متمكن قوله: " وقراءة حفص - إلخ " رد على الزمخشري (1) ، فإنه قال: أصله
__________
(1) لم ينفرد الزمخشري بما ذكره المؤلف، بل هو تابع فميا ذهب إليه لجمهرة النحاة، ونحن نلخص لك ما ذهبوا إليه في توجيه قراءة حفص، فنقول: ذهب النحاة في توجيه هذه القراءة أربعة مذاهب: أولها - وهو ما ذهب إليه الجمهور وعزاه المؤلف للزمخشري - وثانيها مذهب ذهب إليه عبد القاهر وحكاه
عنه الجار بردى واختاره المصنف وذكر المؤلف أنه الحق، وقد تكفل المؤلف ببيان هذين المذهبين، فلا داعى للاطالة في شرحهما، والثالث - وهو مذهب ذهب إليه أبو على الفارسي - وحاصله أن الهاء هاء الضمير المفرد المذكر، وأنها قد سكنت على لغة بنى عقيل وكلاب، وذلك أنهم يجوزون تسكين هاء ضمير (*)

(2/239)


يَتَّقِ ألحقت به هاء السكت فصار تَقِه ككَتِف فخفف بحذف حركة القاف كما هو لغة تميم، فالتقى ساكنان، فحرك الثاني: أي هاء السكت، لئلا يلزم تقض الغرض لو حرك الأول وفيما قال ارتكاب تحريك هاء السكت، وهو بعيد، وقال المصنف - وهو الحق -: بل الهاء فيه ضمير راجع إليه تعالى في قوله (ويَخْشَ الله) وكان تَقِه ككتف، فخفف بحذف كسر القف، ثم حذف الصلة التي بعدها الضمير: أي الياء، لأنها تحذف إذا كان الهاء بعد الساكن نحو منه وعنه وعليه، كما مر في باب المضمرات قال: " والكسر الاصل فإن خولف فلعارض: كوجوب الضم في ميم الجمع ومذ، وكاختيار الفتح في ألم الله " أقول: قد ذكرنا لم كان الكسر أصلاً في هذا الباب قوله: " كوجوب الضم في ميم الجمع " ليس على الإطلاق، وذلك أن ميم
__________
المفرد المذكر إذا تحرك ما قبلها، ثم سكنت القاف من يتقه على لغة بنى تميم، تشبيها بنحو كتف، فالتقى ساكنان أولهما ليس مدة، فلو حرك الاول منهما على القاعدة لكان نقضا للغرض، فلذلك حرك الثاني، فعلى هذا جاز أن تكون قراءة حفص منه، والرابع أن الهاء هاء الضمير وأن القاف سكنت لا للتشبيه بنحو كتف في لغة بنى تميم، بل لتسليط الجازم عليها، كم سكنت اللام في " لم أبله "، وكما سكنت القاف في قول من قال:
ومن يتق فإن الله معه * ورزق الله مؤتاب وغادى وعلى هذا لا تكون قراءة حفص من باب التقاء الساكنين، كما أنها ليست كذلك على الوجه الذى ذهب إليه المصنف تبعا لعبد القاهر، والفرق بين هذا المذهب الاخير وبين ما ذهب إليه المصنف أن القاف سكنت على ما ذهب إليه المصنف تخفيفا تشبيها له بنحو كتف، وعلى المذهب سكنت القاف للجازم، والخلاصة أن قراءة حفص تكون من هذا الباب على المذهب الاول والثالث ولا تكون منه على المذهب الثاني والرابع (*)

(2/240)


الجمع إذا كانت بعد هاء مكسورة فالأشهر في الميم الكسر، كقراء، أبي عمرو (عليهم الذِّلَّة) و (بِهِمِ الأَسْبَابُ) وذلك لاتباع الهاء وإحراء الميم مُجْرَى سائر ما حرك للساكنين، وباقي القراء على خلافَ المشهور، نحو (بِهِمُ الأسباب) و (عليهمُ القتال) بضم الميم، تحريكا لها بحركتها الأصلية لما احتيج إليها: أي الضم كما مر في باب المضمرات (1) ، وإن كانت الميم بعد ضمة، سواء كانت على الهاء كما في قوله تعالى: (هم المؤمنون) وفي قراءة حمزة (علَيْهُمُ القتال) أو على غيرها نحو (أنْتُمُ الْفُقَرَاء) و " لَكُمُ الْمُلْك اليوم " و " لمْ يَأْتِ بِكُمُ الله " فالمشهور ضم الميم تحريكا لها بحركتها الأصلية وإتباعاً لما قبلها، وجاء في بعض اللغات كسرها للساكنين كما في سائر أخواتها من ساكن قبل آخر قوله " ومذ " لا يجب ضم ذال مذ كما ذكر المصنف، بل ضمها للساكنين أكثر من الكسر: إما لأن أصلها الضم على ما قيل من كونها في الاصل منذ،
__________
(1) ملخص ما ذكره في شرح الكافية: أنهم زادوا الميم قبل الواو مع ضمير الجمع لئلا يلتبس ضمير الجمع بضمير المتكلم إذا أشبعت ضمته، فأصل " ضربتم " مثلا ضربتو، فدفعا للبس زادود الميم قبل الواو وضموها لمناسبة
الواو، ثم إن وقع بعد الواو ضمير وجب إثبات الواو على الصحيح، وإن لم يقع بعدها ضمير: فمنهم من يحذف الواو استثقالا لواو مضموم ما قبلها في آخر الاسم، ومنهم من لا يحذف، لان الاستثقال عنده خاص بالاسم المعرب، فإذا حذفت الواو سكنت الميم لزوال المقتضى لضمها، فإذا التقت مع ساكن آخر فان كانت بعد ضمة فالاشهر الاقيس ضمها إتباعا، ولان الضم حركتها الاصلية، فمنهم من يكسرها على أصل التخلص من التقاء الساكنين، وهو في غاية القلة، ومنعه أبو على الفارسى، وإن كانت بعد كسرة فالاشهر الاقيس كسرها إتباعا أو على أصل التخلص، ومنهم من يضمها تحريكها لها بحركتها الاصلية لانه لما اضطر إلى تحريك الميم كان تحريكها بحركتها الاصلية أولى من اجتلاب حركة أجنبية (*)

(2/241)


وإما لاتباع الذال للميم، وإما لكونه كالغايات كما مر في بابه، والتزموا الضم في " نحن " ليدل على الجمعية كما في هُمُو وأنْتُمُو قوله " وكاختيار الفتح " " في ألم " قد ذكرنا ما فيه، والفتح في نحو اضْرِبَنَّ وليضْرِبَنَّ للساكنين عند الزجاج والسيرافي، كما مر في شرح الكافية قال: " وَكَجَوَازِ الضَّمِّ إذَا كَانَ بَعْدَ الثَّانِي مِنْهُمَا ضَمَّةٌ أصْلِيَّة في كَلِمَتِهِ نحو وقالت اخرج وَقَالَتُ اغْزِي، بِخِلاَفِ إِن امرؤ وقالت ارموا وإن الحكم " أقول: يعني إذا كان بعد الساكن الثاني من الساكنين ضمة قوله " أصلية " ليدخل نحو " وقَالَتُ اغْزِي " لأن أصل الزاي الضمة، إذ الياء لحقت باغْزُ بضم الزاي، وليخرج نحو " وَقَالَتِ ارْمُوا " لأن أصل الميم الكسر، إذ الواو لحقت بارْمِ بكسر الميم، وليخرج نحو (إِن امرؤ هَلَكَ)
لأن ضمة الراء تابعة لضمة الإعراب العارضة وتابع العارض عارض قوله " في كلمته " صفة بعد صفة لضمة: أي ضمة ثابتة في كلمة الساكن الثاني، ليخرج نحو " إن الْحُكْم " لأن ضمة الحاء وإن كانت لازمة للحاء لكن الحاء المضمومة ليست لازمة للساكن الثاني، إذ تقول: إن الحكم، وإن الفَرس، والمطلوب من كونها في كلمته لزومها له حتى يستحق أن تَتْبع حَرَكَتَهَا حركةُ الساكن الأول، وكان المبرد لا يستحسن ضم الساكن الأول إذا كان بعد كسرة، لاستثقال الخروج من الكسرة إلى الضمة نحو (عذاب اركض) وربما ضم أول الساكنين وإن لم يكن بعد ثانيهما ضمة أصلية، إتباعاً لضمة ما قبله، نحو قل اضرب، وقرئ في الشواذ (قمُ الليل) وقاس بعضهم عليه فتح المسبوق بفتحة، نحو " اصْنَعَ الْخَيْرَ " قال: " وَاخْتِيَارِهِ في نَحْوِ اخْشَوُا الْقَوْمَ عَكْسَ لَوْ اسْتَطَعْنَا "

(2/242)


أقول: قوله " واختياره " أي: اختيار الضم في واو الجمع المفتوح ما قبلها نحو اخْشُوا القوم واخْشَوُنَّ، لتماثل حركات ما قبل النون في جمع المذكر في جميع الأبواب نحو اضْرِبُنَّ واغْزُنَّ وارْمُنَّ واخشَوُنَّ، ويجوز أن يقال: قصدوا الفرق بى واو الجمع وغيره، نحو لَوِ اسْتَطَعْنَا، وكان واو الجمع بالضم أولى، جعلا لما قبل نون التأكيد في جمع المذكر على حركة واحدة في جميع الأبواب كما ذكرنا، وكذا واو الجمع في الاسم نحو " مُصْطَفَوُ الله " ليجانس نحو " ضَارِبُو القوم " واختير في واو " لو استطعنا " الكسر على الأصل، لانتفاء داعي الضم كما كان في واو الجمع، وقد يشبه واو الجمع بواو نحو " لَوِ استطعنا " فيكسر، وكذا قد يشبه واو نحو لَوْ بواو الجمع فيضم، وكلاهما قليل، واختاروا الضم في حَيْثُ لكونه كالغايات كما مر في بابه
قال " وَكَجَوَازِ الضَّمِّ وَالفَتْحِ في نَحْوُ رُدُّ وَلَمْ يَرُدُّ بِخِلاَفِ رُدِّ الْقَوْمَ عَلَى الأَكْثَرِ، وَكَوُجُوبِ الْفَتْحِ فِي نَحْوِ رُدَّهَا، وَالضَّمِّ فِي نَحْوِ رُدُّهُ عَلَى الأَفْصَحِ، وَالكَسْرِ لُغَيَّةٌ، وغُلِّط ثَعْلَبٌ في جَوَازِ الْفَتْحِ " أقول: اعلم أن بني تميم ومن تبعهم إذا أدغموا مثل هذا الموقوف والمجزوم كما ذكرنا ذهبوا فيه مذاهب: منهم من يفتحه كما في نحو انْطَلْق وَلَمْ يَلْدَهُ، نظراً إلى كونه فعلاً فتجنيبه الكسرة اللازمة أولى، وأما في ارْدُدِ الْقَوْمَ فعروضها سهل أمرها، فيقول: مُدَّ وعَضَّ وعِزَّ، وفتح عَضَّ عنده ليس للإتباع، وإلا قال مُدُّ بالضم وعِزِّ بالكسر، ومنهم من يفر من الكسر إلى الإتباع كما في مُنْذُ، فيقول: مُدُّ وعِزِّ وعَضَّ، والكسر في عِزِّ ليس عنده لأن الساكن يحرك بالكسر، وإلا كسر عَضَّ ومُدُّ أيضاً، ومنهم من يبقي الجميع على الكسر الذي هو الأصل في إزالة الساكنين، وهم كعب وغَنِيٌّ، فيقول: مُدِّ وعَضِّ وعِزِّ، والكسر في عز عنده ليس للاتباع، وإلا أتبع في مد وعض أيضاً

(2/243)


وقد اجتمعت العرب حجازيُّهم وغيرهم على الإدغام في " هَلُمَّ " مع الفتح، لتركبه مع " ها " فخففوه بوجوب الإدغام ووجوب الفتح (1) وإن اتصل هذا المجزوم أو الموقوف بساكن بعده، نحو رُدِّ ابْنَكَ ولم تَرُدِّ القوم، اتفق الأكثر ممن كان يدغم على أنه يكسر قياساً على سائر ما يكون ساكناً قبل مثل هذا الساكن، نحو اضْرِب القوم، ومن العرب من تركه مفتوحاً مع هذا الساكن ايضاً، ذكر يونس أنه سمعهم ينشدون: 75 - فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ مِنْ نُمَيرٍ * فَلاَ كَعْباً بَلَغْتَ وَلاَ كلابا (2)
__________
(1) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 68) : " وهو (يريد هلم) عند الخليل هاء التنبيه ركب معها " لم " أمر من قولك لم الله شعثه: أي جمع: أي اجمع
نفسك إلينا في اللازم، واجمع غيرك في المتعدى، ولما غير معناه عند التكريب، لانه صار بمعنى أقبل أو أحضر بعد ما كان بمعنى أجمع، صار كسائر أسماء الافعال المنقولة عن أصولها فلم يتصرف فيه أهل الحجاز مع أن أصله التصرف، ولم يقولوا فيه: هامم، كما هو القياس عندهم في " اردد وامدد " ولم يقولوا: هلم وهلم (بضم الاول للاتباع وكسر الثاني على أصل التخلص من التقاء الساكنين) كما يجوز ذلك في مد، كل ذلك لثقل التركيب " اه (2) البيت من قصيدة لجرير من عطية هجا بها الراعي النميري، ومطلعها: أقلى اللوم عاذل والعتابا * وقولى إن أصبت: لقد أصابا عاذل: مرخم عاذلة، وهو منادى، وجواب الشرط الذي هو قوله " إن أصبت " محذوف لدلالة ما قبله عليه، والمبرد يجعل المتقدم جوابا.
وقوله " لقد أصابا " مقول القول.
والمراد لا تعتز ولا تتكبر.
ونمير قبيلة الراعي المهجو، وكعب وكلاب قبيلتان بلغتا عند الشاعر غاية السمو والرفعة.
والاستشهاد بالبيت في قوله " فغض الطرف " فان يونس على ما حكاه عنه سيبويه سمع العرب ينشدونه بفتح الضاد، والفتح لغة بنى أسد كما قاله جار الله في المفصل (*)

(2/244)


بفتح الضاد، كأنهم حركوه بالفتح قبل دخول اللام، فلما جاء اللام لم يغيروه، ولم يسمع من أحد منهم الضم قبل الساكن، وقد أجازه المصنف في الشرح، وهو وهم (1) واتفقت العرب كلهم على وجوب الفتح إذا اتصلت به هاء بعدها ألف، نحو رُدَّها وعَضَّها واسْتَعِدَّهَا، وذلك لأن الهاء خفية فكأن الألف ولي المدغم فيه، ولا يكون قبلها إلا الفتحة، وإذا كانت الهاء مضمومة للواحد المذكر ضموا كلهم نحو رُدُّه وعَضُّه واسْتَعِدُّه، لأن الواو كأنها وليت المدغم فيه لخفاء الهاء،
فكأنك قلت رودا وعَضُّوا واسْتَعِدُّوا، وليس الضم في رُدُّهُ لإتباع ما قبله،
__________
(1) قال الاشموني في شرحه على الالفية في باب الادغام: " والتزم أكثرهم الكسر قبل ساكن فقالوا رد القوم، لانها حركة التقاء الساكنين في الاصل، ومنهم من يفتح، وهم بنو أسد، وحكى ابن جنى الضم، وقد روى بهن قول جرير: فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ مِنْ نُمَيرٍ * فَلاَ كَعْباً بَلَغْتَ وَلاَ كِلاَبَا نعم الضم قليل، قال في التسهيل في باب التقاء الساكنين: " ولا يضم قبل ساكن بل يكسر وقد يفتح " هذا لفظه " اه كلام الاشموني، وقال الجاربردى في شرح الشافية: " بخلاف ما إذا لقى ساكنا بعده نحو رد القوم، فان المختار حينئذ الكسر، لانه لو لم يدغم وقيل " اردد القوم " لزم الكسر، فلما أدغموا أبقوا الثاني على حركته، ومنهم من يفتحه، قال جرير: ذم المنازل بعد منزلة اللوى * والعيش بعد أولئك الايام قد روى " ذم " بالكسر أيضا، ومنهم من يضم وهو قليل شاذ " اه، وبعد سماع هذا لا محل لتوهيم الرضى ابن الحاجب فيما حكاه من أن الضم لغة، وإذا كان معتمد الرضى أن سيبويه لم يحكه أو أنكره فلا يجوز تعدية ذلك إلى غير سيبويه من العلماء، وقد رأيت في نص الاشموني أن ابن جنى ممن حكى الضم، وهذا القدر وحده كاف لابن الحاجب في الاستناد إليه، وكفى بابن جنى مستندا (*)

(2/245)


وإلا لم يضم في عَضُّه واسْتَعِدُّه، وورد في بعض اللغات كسر المدغم فيه، وذلك لأنه إذا كسر انكسر الهاء أيضاً تبعاً له كما هو عادته في بِهِ وغلامِهِ، فينقلب الواو ياء، فلو بقيت الهاء على أصلها لاستكره، لأن الواو الساكنة كأنها بعد الضمة بلا فصل، لخفاء الهاء، وجوز ثعلب في الفصيح من غير سماعٍ فتحَ المدغم
فيه مع مجئ هاء الغائب بعده، نحو رُدَّه وعَضَّه، وقد غلطه جماعة، والقياس لا يمنعه، لان مجئ الواو الساكنة بعد الفتحة غير قيل كقَوْل وطَوْل واعلم أنه إذا اتصل النون وتاء الضمير بالمضاعف، نحو رَدَدْتُ ورَدَدْنَا ورَدَدْنَ وغيرها، فإن بني تميم وافقوا فيه الحجازيين في فك الإدغام للزوم سكون الثاني، وزعم الخليل وغيره أن أناساً من بني بكر بن وائل وغيرهم يدغمون نحو رَدَّن ويَرُدَّنَ ورُدَّنَ في المضارع والماضي والأمر، وكذا رَدَّتُ، نظراً إلى عروض اتصال الضمائر، فيحركون الثاني بالفتح للساكنين، قال السيرافي: هذه لغة رديئة فاشية في عوام أهل بغداد قال: " وَالْفَتْحِ في نونمن مَعَ اللاَّمِ نَحْوُ مِنَ الرَّجُلِ وَالْكَسْرُ ضَعِيفٌ، عَكْسُ مِنِ ابْنِكَ، وعَنْ عَلَى الأَصْلِ، وَعَنُ الرَّجُلِ بِالضَّمِّ ضَعِيفٌ " أقول: أي وكوجوب الفتح في نون " من " اعلم أن نون " من " إذا اتصل به لام التعريف فالأشهر فتحه، وذلك لكثرة مجئ لام التعريف بعد من، فاستثقل توالي الكسرتين مع كثرته، وليس ذلك لنقل حركة الهمزة، وإلا جاز هَلَ الرَّجُل، قال الكسائي: وإنما فتحوا في نحو مِنَ الرَّجُل، لأن أصل من مِنَا، ولم يأت فيه بحجة، وهذا كما قال أصل كَمْ كَمَا، وأما إذا ولي نون " مِنْ " ساكن آخر غير لام التعريف فالمشهور كسر النون على الأصل، نحو مِنِ ابْنِكِ، ولم يبال بالكسرتين لقلة الاستعمال، قال سيبويه: وقد فتحه

(2/246)


جماعة من الفصحاء فرارا من الكسرتين، وقد كسر أيضاً بعض العرب - وليس بمشهور - نُونَ مِنْ مع لام التعريف على الاصل، ولم يبال بالكسرتين لعروض الثانية
والتزموا أيضاً الفتح في الساكن الثاني إذا كان الأول ياء نحو أيْنَ وكَيْفَ، فراراً من اجتماع المتماثلين، أعني الياء والكسرة، لو كسروا على الأصل، واستثقالاً للضمة بعد الياء لو ضموا، وقد شذ من ذلك حَيْثُ فإنهم جوزوا ضمه في الأفصح الأشهر وفتحه على القياس المذكور وكسره على ضعف، والأخيران قليلان، ووجه الضم قد تقدم، وأما الكسر فعلى الأصل وإن كان مخالفاً للقياس المذكور، لأن الأول ياء، لكن مجئ الضم مخالفاً للقياس المذكور جوز المخالفة بالكسر أيضاً قوله " وعَنْ على الاصل " أي: يكسر نونه مع أي ساكن كان، إذ لا يجتمع معه كسرتان كما في من، وحكى الأخفش " عَنُ الرَّجُل " بالضم، قال: وهي خبيثة شبه بقولهم: قُلُ انْظُرُوا، يعني أنه حرك النون بالضم إتباعاً لضمة الجيم، ولم يعتد بالراء المدغمة، وفيه ضعف، لعدم جواز الضم في " إنِ الْحُكم " مع أن الضمة بعد الساكن الثاني بلا فصل، فكيف بهذا؟ فلو صح هذه الحكاية فالوجه أن لا يقاس عليه غيره، ولو قيس أيضاً لم يجز القياس إلا في مثله مما بعد الساكن فيه ضم، نحو عن الحكم، أو بينهما حرف نحو عَنُ الْعَضُد.
قال: " وَجَاءَ في المغتفر ومن النقر واضربه ودأبة وشأنة (وجَأنٌّ) ، بِخِلاَفِ تَأْمُرُونِّي " أقول: يعني جاء في نوعين مغتفرين من التقاء السَّاكنين تحريك أولهما، وذلك لكراهتهم مطلق التقاء الساكنين: أحدهما ما يكون سكون الثاني فيه

(2/247)


للوقف وأولهما غير حرف اللين، نحو جاءني عَمْرو ومررت بعمرو، فتحرك الأول بحركة الثاني، وذلك لأنه لم يكن بد من الحركة الخفية، كما ذكرنا في أول هذا
الباب فتحريكه بحركة كانت ثابتة فقصد حذفها دالةٍ على معنى أولى، كما يجئ في باب الوقف، فإن كان الساكن الثاني هاء المذكر، نحو اضْرِبْه ومِنْه وضَرَبَتْهُ، جاز نقل حركة الهاء إلى الساكن الذي قبله، فتقول اضْرِبُهْ ومِنُهْ وضَرَبَتُهْ، وبعض بني تميم من بني عدى يحذفون حركة الهاء ويحركون الأول بالكسر فيقولون: ضَرَبَتِه وأخَذَتِهْ، كما تقول: ضربت المرأة، على ما يجئ في باب الوقف، وثاني النوعين ما يكون الساكن الثاني فيه مدغماً والأول ألف نحو الضَّالِّين، فتقلب الألف همزة مفتوحة، كما يجئ عن أيوب السخستياني في الشواذ (ولا الضَّأَلِّين) وحكى أبو زيد عنه دَأَبَّة وشَأَبَّة، وأنشد: 76 - يَا عجبا لقد رأيت عجبا * حمار قبان يسوق أرنبا خاطمها رأمها أنْ تَذْهَبَا * فَقُلْتُ أرْدِفْنِي فَقَالَ مَرْحَبَا (1) أي: رامها، فقلبها همزة مفتوحة، إذ لا يستقيم هنا وزن الشعر باجتماع
__________
(1) هذه أبيات من الرجز المشطور أنشدها في اللسان (ق ب ب) و (ق ب ن) ولم نقف لها على نسبة إلى قائل معين، وحمار قبان: دويبة متسديرة تتولد في الاماكن الندية، مرتفعة الظهر كأن ظهرها قبة، إذا مشت لا يرى منها سوى أطراف رجليها، وهي أقل سوادا من الخنفساء وأصغر منها ولها ستة أرجل.
ووزنها فعلان على الراجح، ومنهم من يقول: وزنها فعال، وليس بشئ، لان منعهم إياها من الصرف دليل على أن وزنها فعلان.
وقوله: زأمها، أصله زامها: أي ممسكا بزمامها.
وأن تذهب: على تقدير حرف الجر: أي من أن تذهب، أو على تقدير مضاف محذوف، والاصل: مخافة أن تذهب، أو نحو ذلك.
والاستشهاد بالبيت في قوله " زأمها " حيث همز الالف فرارا من التقاء الساكنين، وفتحة الالف لما ذكر المؤلف (*)

(2/248)


الساكنين، وروى أبو زيد عن عمرو بن عبيد (عن ذَنْبِهِ إنْسٌ ولا جَأَنٌّ) قال المبرد: قلت للمازني: أتقيس ذلك؟ قال: لا، ولا أقبله (1) ، وذهب الزمخشري والمصنف إلى أن جعل الألف همزة مفتوحة للفرار من الساكنين.
فإن قيل: فالتقاء الساكنين في نحو دَأَبة أسهل من نحو تُمُودَّ الثوب، لأن الألف أقعد في المد من أخويه، فلم لم يفر من الساكنين في تمود؟ فالجوان أنه وإن كان أثقل إلا أنه أقل في كلامهم من نحو دَابَّة وشَابَّة، وإنما قلبت الألف همزة دون الواو والياء لاستثقالهما متحركين مفتوحاً ما قبلهما، كما يجئ في باب الإعلال، ولانه يلزم قبلهما ألفين في مثل هذا الحال، ويجوز
__________
(1) قول المؤلف حكاية عن المازني في جوابه على المبرد: " ولا أقبله " معناه محتمل لاحد وجهين: الاول أن الضمير المنصوب عائد على القياس المفهوم من قوله: " أتقيس ذلك " وحاصل المعنى حينئذ: لا أقيس ولا أقبل القياس إن قال به قائل، والثاني أن الضمير المنصوب راجع إلى اسم الاشارة المقصود به قراءة عمرو بن عبيد، وحاصل المعنى حينئذ: لا أقيس على هذه القراءة ولا أقبلها، وفي الوجه الثاني نظر، فقد كان عمرو بن عبيد من الجلالة والامامة بحيث لا يدفع ما يرويه.
نعم يمكن أن يوجه عدم القبول إلى صحة الاسناد إليه فكأنه يقول: لا أقبل نسبة هذه القراءة إلى عمرو بن عبيد، بقى أن نقول: إن مثل هذه القراءة قد جاء في قوله تعالى (ولا الضالين) عن أيوب السختياني (ولا الضألين) بهمزة غير ممدودة كأنه فر من التقاء الساكنين، وهي لغة، حكى أبو زيد قال: سمعت عمرو بن عبيد يقرأ (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جأن) فظننته قد لحن، حتى سمعت من العرب دأبة وشأبة، قال أبو الفتح: وعلى هذا قول كثير: * إذا ما الغوا لى بالعبيط احمأرت * " اه (*)

(2/249)


أن يقال: إن قلب اللف في نحو دابة همزة ليس للفرار من الساكنين، بل هو كمال في العالم والبأز، كما يجئ في باب الإبدال، فلما قلبوها همزة ساكنة لم يمكن مجئ الساكن بعدها كما أمكن بعد الالف، فحزك أول الساكنين كما هو الأصل، إلا أنه فتح لأن الفتحة من نخرج البدل والمبدل منه: أي الهمزة والألف، لأنهما من الحلق، وإن كان للألف أصل متحرك بحركة حركت الهمزة بتلك الحركة، قال: 77 - يَا دارمي بدَ كاكِيكِ الْبُرَقْ * صَبْراً فَقَدْ هيحت شَوْقَ الْمُشْتَئِقِ (1) قوله " بخلاف تأمرونّي " يعني أول الساكنين إذا كان ألفاً في هذا الباب فُرَّ من الساكنين بقلبه همزة متحركة وأما إذا كان واواً كتمودَّ وتأمروني، أو ماء كدويبَّة وخُوَيْصَّة، فلا، لكثرة الساكنين كذلك، وأولهما ألف دون الواو والياء قال: " الابْتِدَاءُ: لاَ يُبْتَدَأُ إلاَّ يمتحرك كما بِمُتَحَرِّكٍ كما لا يُوقَفُ إلاَّ عَلَى سَاكِنٍ، فَإنْ كَانَ الأَوَّلُ سَاكِناً - وَذلِكَ في عَشَرَةِ أسْمَاءٍ مَحْفُوظَةٍ، وَهِيَ ابْنٌ، وَابْنَةٌ، وابْنُمٌ واسْمٌ، واسْتٌ، واثْنَان، وَاثْنَتَانِ، وامْرُؤٌ، وامرأة وايمن الله، وفى كل
__________
(1) هذا البيت لرؤبة بن العحاج، والدكاديك: جمع دكداك، وهو الرمل المتلبد في الأرض من غير أن يرتفع، والبرق: جمع برقة: وهي غلظ في حجارة، ورمل، ووراه الجوهرى: بادلكاديك البرق، على الوصف، وصبرا: مفعول مطلق، والمشتئق: المشتاق، وهو محل الاستشهاد بالبيت، حيبث همز الالف حين أراد الوقف وحرك الهمزة بحركة الحرف الذى كان أصلا للالف، وبيان ذلك أن المشتئق اسم فاعل، وأصله مشتوق - بكسر الواو، لان الاصل فيه الشوق، فتحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فصار مشتاقا فلما همز الالف حركها بالحركة التى كانت للواو (*)

(2/250)


مَصْدَرٍ بَعْدَ ألِفِ فِعْلِهِ المَاضِي أرْبَعَةٌ فَصَاعِداً، كالاِقْتِدَارِ وَالاسْتِخْرَاجِ، وَفِي أَفْعَالِ تِلْكَ الْمَصَادِرِ مِنْ مَاضٍ وَأمْرٍ، وَفِي صِيغَةِ أمْرِ الثُّلاَثِيِّ، وَفِي لام التَّعْرِيفِ وَمِيمِهِ - أُلْحِقَ في الابْتِدَاءِ خَاصَّةً هَمْزَةُ وَصْلٍ مَكْسُورَةٌ، إلاَّ فِيمَا بَعْدَ سَاكِنِهِ ضَمَّةٌ أصْلِيَّةٌ فَإِنَّهَا تُضَمُّ، نَحْوُ اقْتُلْ، اغْزُ، اغْزِي، بِخِلاَفِ أرْمُوا، وَإلاَّ في لاَمِ التَّعْرِيفِ وَايْمُنٍ فَإِنَّهَا تُفْتَحُ) أقول: الأكثرون على أن الابتداء بالسكن متعذر، وذهب ابن جني إلى أنه متعسر لامتعذر، وقال: يجئ ذلك في الفارسية نحو شْتَرْ وَسْطَام، والظاهر أنه مستحيل ولابد من الابتداء بمتحرك، ولما كان ذلك في شْتَرْ وَسْطَام في غاية الخفاء كما ذكرنا ظُنَّ أنه ابتدئ بالساكن، بل هو معتمد قبل ذلك الساكن على حرف قريب من الهمزة مكسور، كما يُحَسُّ في نحو عمرو، وقْفاً، بتحريك الساكن الأول بكسرة خفية، وللطف الاعتماد لا يتبين، وأما الوقف على متحرك فليس بمستحيل، ولا يريد بالوقف الصناعي، فإنه ليس إلا على الساكن أو شبهه مما يرام حركته، بل يريد به السكوت والانتهاء واعلم أن الأصل أن يكون أول حروف الكلمة متحركاً، ولايكون أولها ساكناً على وجه القياس، إلا في الأفعال وما يتصل بها من المصادر على ما سيأتي، وذلك لكثرة تصرف الأفعال وكونها أصلاً في الإعلال من القلب والحذف ونقل الحركة، على ما سيأتي، فجُوِّز فيها تسكين الحرف الأول، ولم يأت ذلك في الاسم الصَّرْف إلا في أسماء معدودة غير قياسية، وهي العشرة المذكورة في المتن، ولا في الحرف إلا في لام التعريف وميمه، والهمزة في الأسماء العشرة عوض مما أصابها من الوهن: إذ هي ثلاثية فتكون ضعيفة الخِلْقة، وقد حذف لاماتها نسياً، أو هي في حكم المحذوف، وهو وهن على وَهْن، لأن المحذوف نسياً كالعدم، وليس يجب في جميع الثلاثي المحذوف اللام إبدال الهمزة منها، ألا ترى إلى غد ويد وحر،

(2/251)


فنقول: لما نُهِكَت هذه الأسماء بالإعلال الذي حقه أن يكون في الفعل شابهت الاعفال، فلحقها همزة الوصل عوضاً من لمحذوف، بدلالة عدم اجتماعهما، نحو ابى وَبَنَوِيّ، وقولك: ابْنُم وامْرُؤٌ وايْمُن ليست بمحذوفة الأواخر، وميم ابْنِمٍ بدل من اللام: أي الواو، لكن لما كانت النون والراء في ابنم وامرئ تتبع حركتهما حركة الإعراب بعدهما صارتا كحرف الإعراب، على أنه قيل: إن مبم ابم زائدة (1) كميم زرقم (2) وستهم (3) واللام محذوفة،
__________
(1) قال في اللسان: " وروى عن أبى الهيثم أنه قال: يقال: هذا ابنك، ويزاد فيه الميم فيقال: هذا ابنمك، فإذا زيدت الميم فيه أعرب من مكانين، فقيل: هذا ابنمك، فضمت النون والميم، وأعرب بضم النون وضم الميم، ومررت بابنمك ورأيت ابنمك، تتبع النون الميم في الاعراب بضم النون وضم الميم، ومررت بابنمك ورأيت ابنمك، تتبع النون الميم في الاعراب، والالف مكسورة على كل حال، ومنهم من يعربه من مكان واحد فيعرب الميم، لانها صارت آخر الاسم، ويدع النون مفتوحة على كل حال، فيقول: هذا ابنمك، ومررت بابنمك، ورأيت ابنمك، وهذا ابنم زيد، ومررت بابنم زيد، ورأيت ابنم زيد، وأنشد لحسان: ولدنا بنى العنقاء وابنى محرق * فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما وزيادة الميم فيه كما زادوها في شدقم وزرقم وشجعم (كجعفر في الاول والثالث وكبرثن في الثاني) لنوع من الحيات، وأما قول الشاعر: * ولم يحم أنفا عند عرس ولا ابنم * فأنه يريد الابن، والميم زائدة " اه وبيت حسان لا يرجح أحد المذهبين على الخر، لجواز أن تكون فتحة النون تابعة لفتحهه الميم، ولجواز أن تكون هي الفتحة الملتزمة في الوجه الثاني، و " ابنما " فيه تمييز، وإنما جئ بالبيت دليلا على
استعمال ابنم بالميم.
(2) قال اللسان " الزرقم: الازرق الشديد (بوزن فرح) والمرأة زرقم أيضا، والذكر والانثى في ذلك سواء، قال الراجز: ليست بكحلاء ولكن زرقم * ولا برسحاء ولكن ستهم وقال اللحيانى رجل أزرق وزرقم، وامرأة زرقاء ببنة الزرق وزرفمة " اه (3) قال في اللسان: " الجوهرى: والاست العجز، وقدش يراد بها حلقة الدبر وأصله سته على فعل - بالتحريك، يدل على ذلك أن جمعه أستاه، مثل جمل (*) =

(2/252)


__________
= وأجمال ولا يجوز أن يكون مثل درع وقفل اللذين يجمعان أيضا على أفعال، لانك إذا رددت الهاء التى هي لام الفعل وحذفت العين قلت: سه - بالفتح، قال الشاعر أوس: شأتك قعين غثها وسمينها * وأنت السه السفلى إذا ادعين نصر يقول: أنت فيهم بمنزلة الاست من الناس، وفى الحديث " العين وكاء السه " بحذف عين الفعل، ويروى " وكاء الست " - بحذف لام الفعل، ويقال للرجال الذى يستذل: أنت الاست السفلى، وأنت السه السفلى، ويقال لارذال الناس: هؤلاء الاستاه، ولا فضلهم: هؤلاء الاعيان، والوجوه، قال ابن برى: ويقال فيه ست أيضا، لغة ثالثة، قال ابن رميض (بصيغة التصغير) العنبري: يسيل على الحاذين والست حيضها * كما صب فوق الرجمة الدم ناسك وقال أوس بن مغراء: لا يمسك الست إلا ريث يرسلها * إذا ألح على سيسائه العصم يعنى: إذا ألح عليه بالحبل ضرط، قال ابن خالويه: فيها ثلاث لغات: سه، وست، واست، والسته: عظم الاست، والسته: مصدر الاسته، وهو الصخم
الاست، ورجل أسته، عظيم الاست بين السته إذا كان كبير العجز، والستاهى والستهم مثله، قال الجوهرى: والمرأة ستهاء، هذه عن اللحيانى، وامرأة ستهاء كذلك، ورجل ستهم، والانثى ستهمة كذلك، الميم زائدة ... قال أبو منصور: رجل ستهم، إذا كان ضخم الاست، وستاهى مثله والميم زائدة، قال النحويون: أصل الاست سته، فاستثقلووا الهاء لسكون التاء، فلما حذفوا الهاء سكنت السين، فاحتيج إلى ألف الوصل كما فعل بالاسم والابن، فقيل: الاست، قال: ومن العرب من يقول السه - بالهاء عند الوقف، يجعل التاء هي الساقطة، ومنهم من يجعلها هاء عند الوقف وتاء عند الادغام، فإذا جمعوا أو صغروا ردوا الكلمة إلى أصلها فقالوا في الجمع: أستاه، وفى التصغير ستيهة، وفى الفعل سته يسته فهو أسته اه بتصرف (*)

(2/253)


وأما ايمن الله (1) فإن نونه لما كانت تحذف كثيراً نحو ايم الله، والقسم موضع التخفيف صار النون الثابت كالمعدوم.
__________
(1) قال في اللسان: " قال الجوهرى: وايمن: اسم وضع للقسم هكذا بضم الميم والنون، وألفه وصل عند أكثر النحويين، ولم يجئ في الاسماء ألف وصل مفتوحة غيرها، قال: وقد تدخل عليه اللام لتأكيد الابتداء، تقول: لايمن الله، فتذهب الالف في الوصو، قال نصيب: فقال فريق القوم نشدتهم: * نعم، وفريق لايمن الله ما ندرى وهو مرفوع بالابتداء وخبره محذوف، والتقدير لايمن الله قسمي، ولايمن الله ما أقسم به، وإذا خاطبت قلت: لايمنك، وفى حديث عروة بن الزبير أنه قال: لايمنك لئن كنت ابتليت لقد عافيت، ولئن كنت سلبت لقد أبقيت، وربما حذفوا منه النون، قالوا: أيم الله، إيم الله أيضا، بكسر الهمزة، وربما
حذفوا منه الياء، قالوا: أم الله، وربما أبقوا الميم وحدها مضمومة، قالوا: م الله ثم يكسر ونها، لانها صارت حرفا واحدا فيشبهونا بالباء، فيقلون: م الله، وربما قالوا: من الله - بضم الميم والنون، ومن الله - بفتحهما، ومن الله - بكسرهما، قال ابن الاثير: أهل الكوفة يقولون: أيمن جمع يمين القسم، والالف فيها ألف وصل تفتح وتكسر، قال ابن سيده: وقالوا: إيمن الله وأيم الله، إيمن الله، وإيم الله، وم الله (بضم الميم) فحفوا، وم الله (بفتح الميم) أجرى مجرى م الله (بكسر الميم) .
قال سيبويه: وقالوا: لايم الله، واستدل بذلك على أن ألفه ألفه وصل، قال ابن جنى: ما أيمن في القسم ففتحت الهمزة منها، وهي اسم، من قبل أن هذا اسم غير متمكن ولم يستعمل إلا في القسم وحده، فلما ضارع الحرف بقلة تمكنه فتح تشبيها بالهمزة الاحقة بحرف التعريف، وليس هذا فيه إلا دون بناء الاسم لمضارعة الحرف، وأيضا فقد حكى يونس: إيم الله - بالكسر، ويؤكد عندك أيضا حال هذا الاسم في مضارعة الحرف أنهم قد تلاعبوا به واضعفوه فقالوا مرة: م الله ومرة م الله ومرة م الله (بضم الميم وفتحها وكسرها) فلما حذفوا هذا الحذف المفرط واصاروه من كونه على حرف الى لفظ الحروف قوى شبه الحرف عليه ففتحوا همزته تشبيها بهمزة لام التعريف) اه كلام = (*)

(2/254)


وأصل ابن بَنَو - بفتح الفاء والعين (1) - لأن جمعه أبناء والأفعال قياس
__________
= اللسان وقال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 313) ما نصه: (وايمن الله عند الكوفيين جمع يمين فهو مثل يمين الله جعلت همزة القطع فيه وصلا تخفيفا لكثرة الاستعمال كما قال الخليل في همزة ال المعرفة وعند سيبويه هو مفرد مشتق من اليمن وهو البركة: أي بركة الله يمينى وهمزته للوصل في الاصل والدليل عليه تجويز كسر همزته وانما كان الاغلب فتح الهمزة لكثرة استعماله
ويستبعد ان تكون الهمزة في الاصل مكسورة ثم فتحت تخفيفا لعدم افعل - بكسر الهمزة في الاسماء والافعال (يريد بكسر الهمزة مع سكون الفاء وضم العين) ولذا قالوا في الامر من نحو نصر: انصر - بضم الهمزة ويستبعد اصالة افعل في المفردات ايضا فيصدق ههنا قوله: فاصبحت انى تأتها تبتئس بها * كلا مر كبيها تحت رجليك شاجر) اه كلام المؤلف ويريد المؤلف بقوله (ويستبعد اصالة افعل في المفردات ايضا) انه لا يجوز ان يكون ايمن مكسور الهمزة في الاصل مع كونها فاء الكلمة لانه يؤدى الى ان يكون وزنه فعللا - بكسر الفاء وسكون العين وضم اللام الاولى - وهو غير موجود في كلامهم.
ومما نقلناه لك من عبارة المؤلف في شرح الكافية تعلم ان ابن الاثير اراد من العبارة التى حكاها صاحب اللسان عنه وهى قوله (والالف فيها الف وصل) ان همزة ايمن صيرت همزة وصل لكسرة الاستعمال وان كانت همزة قطع في اصل الوضع فيتفق ما حكاه ابن الاثير عن الكوفيين مع ما حكاه المؤلف عنهم لان همزة افعل صيغة للجمع لا تكون الا همزة قطع فغير معقول ان يزعم الكوفيون انها همزة وصل وضعا (1) قال في اللسان: (والابن: الولد ولامه في الاصل منقلبة عن واو عند بعضهم وقال (يريد ابن سيده) في معتل الياء: الابن الولد فعل (بفتح اوله وثانيه) محذوفة اللام مجتلب لها الف الوصل.
قال: وانما قضى انه من الياء لان بنى يبنى اكثر في كلامهم من يبنو والجمع ابناء قال ابن سيده: والانثي ابنة وبنت الاخيرة على بناء مذكرها ولام بنت واو = (*)

(2/255)


فَعَلٍ مفتوح العين كأجبال وقياس فَعْل ساكن العين إذا كان اجوف
__________
= والتاء بدل منها قال أبو حنيفة: اصله بنوة (بكسر اوله وسكون ثانيه) ووزنها فعل فالحقتها التاء المبدلة من لامها بوزن حلس فقالوا: بنت وليست التاء فيها بعلامة تأنيث كما ظن من لاخبرة له بهذا اللسان.
وذلك لسكون ما قبلها.
هذا مذهب سيبويه وهو الصحيح وقد نص عليه في باب مالا ينصرف فقال: لو سميت بها رجلا لصرفتها معرفته ولو كانت للتانيث لما انصرف الاسم على ان سيبويه قد تسمح في بعض الفاظه في الكتاب فقال في بنت: هي علامة تأنيث وانما ذلك تجوز منه في اللفظ لانه ارسله غفلا وقد قيده وعلله في باب مالا ينصرف والاخذ بقوله المعلل اقوى من القول بقوله المغفل المرسل ووجه تجوزه انه لما كانت التاء لا تبدل من الواو فيها الا مع المؤنث صارت كأنها علامة تأنيث قال: واعنى بالصيغة فيها بناءها على فعل (بكسر اوله وسكون ثانيه) واصله فعل (بفتح الاول والثانى) بدلالة تكسيرهم اياها على افعال وابدال الواو فيها لازم لانه عمل اختص به المؤلف ويدل ايضا على ذلك اقامتهم اياه مقام العلامة الصريحة وتعاقبهما فيها على الكلمة الواحدة وذلك نحو ابنة وبنت فالصيغة في بنت قائمة مقام الهاء في ابنة فكما ان الهاء علامة تأنيث فكذلك صيغة بنت علامة تأنيثها وليست بنت من ابنة كصعب من صعبة انما نظير صعبة من صعب ابنة من ابن ولا دلالة في البنوة على ان الذاهب من بنت واو لكن ابدال التاء من حرف العلة يدل على انه من الواو لان ابدال التاء من الواو اكثر من ابدالها من الياء ... قال الزجاج: ابن كان في الاصل بنو أو بنو (بكسر فسكون في الاول وبفتحتين في الثاني) والالف الف وصل في الابن يقال: ابن بين البنوة قال: ويحتمل ان يكون اصله بنيا قال: والذين قالوا (بنون) كأنهم جمعوا بنيا بنون وابناء جمع فعل أو فعل (بكسر فسكون في الاول وبفتحتين في الثاني) قال:
وبنت تدل على انه يستقيم ان يكون فعلا (بكسر فسكون) ويجوز ان يكون فعلا (بفتحتين) نقلت الى فعل (بكسر فسكون) كما نقلت اخت من فعل = (*)

(2/256)


كأثواب وأبيات ولا يجوز أن يكون أبناء كاقفال في جمع قُفْل ولا كأجذاع في جمع جِذْعٍ لدلالة بَنُونَ على فتح باء واحدة وابنة في الأصل بَنَوة لكونه مؤنث ابن ولام ابن واو لقولهم في المؤنث بنت وإبدال التاء من الواو أكثر منه من الياء وأيضاً البنوة يدل عليه وأما الفتوة في الفتى فعلى غير القيام (1) .
__________
= (بفتحتين) الى فعل (بضم فسكون) فاما بنات فليس بجمع بنت على لفظها انما ردت الى اصلها فجمعت بنات على ان اصل بنت فعلة (بفتح الاول والثانى) مما حذفت لامه.
قال: والاخفش يختار ان يكون المحذوف من ابن الواو قال: لانه اكثر ما يحذف لثقله والياء تحذف ايضا لانها تثقل قال: والدليل على ذلك ان يدا قد اجمعوا على ان المحذوف منه الياء ولهم دليل قاطع مع الاجماع يقال: يديت إليه يدا ودم محذوف منه الياء والبنوة ليس بشاهد قاطع للواو لانهم يقولون: الفتوة والتثنية فتيان فابن يجوز ان يكون المحذوف منه الواو أو الياء وهما عندنا متساويان قال الجواهري: والابن اصله بنو والذاهب منه واو كما ذهب من اب واخ لانك تقول في مؤنثه: بنت واخت ولم نر هذه الهاء تلحق مؤنثا الا ومذكره محذوف الواو يدلك على ذلك اخوات وهنوات فيمن رد وتقديره من الفعل فعل - بالتحريك لان جمعه ابناء مثل جمل واجمال ولا يجوز ان يكون فعلا (بكسر فسكون) أو فعلا (بضم فسكون) اللذين جمعهما ايضا افعال مثل جذع وقفل لانك تقول في جمعه: بنون - بفتح الباء ولا يجوز ايضا ان يكون فعلا - ساكنة العين لان الباب في جمعه انما هو افعل مثل كلب واكلب
أو فعول مثل فلس وفلوس) اه (1) قد بان لك مما نقلناه عن اللسان ان البنوة لا تصلح دليلا على ان لام ابن واو لانها مثل الفتوة وهي لا تصلح دليلا على ان لام الفتي واو لانهم قالوا في تثنيته: فتيان ولم يقولوا: فتوان ولو انهم قالوا فتوان لكانت تصلح دليلا ولكن صريح كلام القاموس يقضى بان الفتى مما جاءت لامه عن العرب بوجهين = (*)

(2/257)


واسم في الأصل سِمْوٌ أو سُمْوٌ كحِبْرٍ وقفل بدليل قولهم سُِمٌ أيضاً من غير همزة وصل قال: 78 - * بِاسْم الَّذِي فِي كُلِّ سُورَةٍ سِمُهْ * وروى غير سيبويه اسم - بضم همزة الوصل - وهو مشتق من سَما لأنه يسمو بمسماه ويَشْهَرُه ولولا الاسم لكان خاملاً وقال الكوفيون: أصله وسْمٌ لكون الاسم كالعلامة على المسمى فخذف الفاء وبقى العين ساكنا
__________
= بالواو وبالياء إذ يقول: (والفتى: الشاب والسخى الكريم وهما فتيان وفتوان الجمع فتيان وفتوة وفتووفتى (كدلى)) اه وبهذا تعلم ان قول من قال: ان البنوة لا تصلح دليلا على ان لام ابن واو محتجا بالفتوة ليس بشئ كما ان قول الرضى (وأما الفتوة في الفتى فعلى غير القياس) غير سديد ايضا ولعل منشأه ظنهم ان العرب لم تقل في تثنية الفتى الا فتيان.
(1) هذا البيت من الرجز المشطور وقد نسبه أبو زيد في نوادره الى رجل من كلب واورد قبله بيتين هما: * ارسل فيها بازلا يقرمه * فهو بها ينحو طريقا يعلمه * والضمير في (ارسل) يعود الى الراعى والضمير من (فيها) يعود الى
الابل والبازل: البعير الذي انشق نابه وذلك إذا كان في السنة التاسعة.
ومعنى يقرمه: يمنعه عن الاستعمال ليتقوى للفحلة: أي الضراب والضمير في (فهو) يعود الى البازل وفى (بها) يعود الى الابل ومعنى ينحو: يقصد والجار في قوله (باسم) من بيت الشاهد يتعلق بأرسل والمعنى ارسل هذا الراعى باسم الله الذي يذكر اسمه في كل سورة هذا الفحل في هذه الابل للضراب فهو يقصد في ضرابها الطريق التي تعودها.
والاستشهاد بالبيت على أنه قد جاء في اسم سم من غير همزة وصل وقد رويت كلمة (سمه) في هذا البيت بضم السين وكسرها كما ذكره ابن الانباري في كتابه (الانصاف في مسائل الخلاف) = (*)

(2/258)


فجئ بهمزة الوصل ولا نظير له على ما قالوا إذ لا يحذف الفاء ويؤتى بهمزة الوصل والذي قالوا وإن كان أقرب من قول البصريين من حيث المعنى لأن الاسم بالعلامة أشبه لكن تصرفاته - من التصغير والتكسير كسُمَيّ وأسماء وغير ذلك كالسَّميِّ على وزن الحليف ونحو قولهم تسَمَّيت وسميت - تدفع ذلك إلا أن يقولوا: إنه قلب الاسم بأن جعل الفاء في موضع اللام لما قصدوا تخفيفه بالحذف إذ موضع الحذف اللام ثم حذف نسياً ورد في تصرفاته في موضع اللام إذ حُذِفَ في ذلك المكان وأصل است سَتَه - كجبل - بدليل أستاه ولا يجوز أن يكون كأقفال وأجذاع لقولهم في النسب إلى است: سَتَهيّ وفيه ثلاث لغات: است وسَتٌ وسَهٌ كما ذكرنا في النسبة وأصل اثنان ثَنَيان (1) - كفتيان - لقولهم في النسب إليه: ثَنوِي وكذا اثنتان كما مر في باب النسب وقد ذكرنا ايمن الله والخلاف فيه في شرح الكافية (2) .
قوله (في كل مصدر بعد الف الماضي أربعة) احتراز من نحو أكرم
فإن بعد ألف فعله الماضي ثلاثة فالهمزة في ماضية وأمره ومصدره همزة قطع وإنما جاز تسكين أوائل الأفعال لما ذكرنا من قوة تصرفاتها فجوزوا تصريفها على الوجه المستبعد أيضاً أعني سكون الأوائل وخصوا ذلك بما ماضيه على أربعة أو أكثر دون الثلاثي لأن الخفة بالثقيل أولى وأما في فاء الأمر من الثلاثي نحو اخرج فلكونه مأخوذاً من المضارع الواجب تسكين فائه لئلا يجتمع أربع متحركات في كلمة وإنما لم يسكن عينه لأنها لمعرفة الأوزان وأما اللام فللإعراب ولم يسكن حرف المضارعة لانه
__________
= (1) انظر (ح 1 ص 221) (2) قد سبق ان نقلنا لك عبارته من شرح الكافية (انظر ص 254 من هذا الجزء) (*)

(2/259)


زاد على الماضي بحرف المضارعة فلو سكنت اوله لا حتجت الى همزة الوصل فيزداد الثقل فلما حذف حرف المضارعة في أمر المخاطب للتخفيف - لكونه أكثر استعمالاً من أمر الغائب - احتيج في الابتداء إلى همزة الوصل وألحقوا بالأفعال التي في أوائلها همزة وصل مصادرَها وإن كانت المصادر أصول الأفعال في الاشتقاق على الصحيح لأنها في التصرف والاعتلال فروع الأفعال كما يبين في باب الإعلال نحو لاذلياذا ولا وذلو إذا وأما أسماء الفاعل والمفعول فإنما سقطت من أوائلهما همزة الوصل وإن كانا أيضاً من الأسماء التابعة للفعل في الإعلال للميم المتقدمة على الساكن كما سقطت في المضارع لتقدم حرف المضارعة قوله (وفي أفعال تلك المصادر من ماض وأمر) وإنما لم يكن في المضارع لما ذكرناه وهذه الأفعال أحد عشر مشهورة: تسعة من الثلاثي المزيد فيه كانطَلَقَ واحْمَرَّ واحْمَارَّ واقْتَدَر واستخرج واقعنسس واسلنقى
واجلوذ واعشوشب واثنان من الرباعي المزيد فيه نحو احر نجم واقشعر وقد يجئ في تفعَّل وتفاعل إذا أدغم تاؤهما في الفاء نحو اطّيَّر واثاقل قوله (وفي صيغة أمر الثلاثي) أي: إذا لم يتحرك الفاء في المضارع احترازاً عن نحو قُلْ وبعْ وخَفْ وشِدَّ وعُدَّ من تقول وتبيع وتشد وتخاف وتعد قوله (وفي لام التعريف وميمه) قد مر ذلك في باب المعرفة والنكرة (1)
__________
(1) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 122) عند شرح قول ابن الحاجب في تعداد انواع المعرفة (وما عرفت باللام) ما نصه: (هذا مذهب سيبويه اعني ان حرف التعريف هي اللام وحدها والهمزة للوصل فتحت مع ان اصل همزات الوصل الكسر لكثرة استعمال لام التعريف والدليل على ان اللام هي المعرفة فقط تخطى العامل الضعيف اياها نحو بالرجل وذلك علامة امتزاجها بالكلمة وصيرورتها كجزء منها ولو كانت على حرفين لكان لها نوع استقلال فلم يتخطها العامل الضعيف واما نحو الا تفعل والا تفعل = (*)

(2/260)


قوله (في الابتداء خاصة) لأن مجيئها لتعذر الابتداء بالساكن فإذا لم يبتدأ به لوقوع شئ قبله لم يحتج إلى الهمزة بل إن كان آخر الشئ - إن كان أكثر من حرف كغلام الرجل أو ذلك الشئ إن كان على حرف واحد - متحركاً نحو والله اكتفى به وإن كان ساكناً حرك نحو قُلِ الله والاستغفار قوله (مكسورةٌ) الكوفيون على ان أصل الهمزة السكون لأن زيادتها ساكنة أقرب إلى الأصل لما فيها من تقليل الزيادة ثم حركت بالكسر كما هو حكم أول الساكنين إذا لم يكن مدا المحتاج إلى حركته وظاهر كلام سيبويه
__________
= وبلا مال فلجعلهم (لا) خاصة من جميع ما هو على حرفين كجزء الكلمة فلذا يقولون: اللافرس واللانسان واما نحو (بهذا) و (فما رحمة) فأن
الفاصل بين العامل والمعمول ما لم يغير معنى ما قبله ولا معنى ما بعده عد الفصل به كلا فصل وللامتزاج التام بين اللام وما دخلته كان نحو الرجل مغايرا لرجل حتى جاز تواليهما في قافيتين ولم يكن إيطاء وإنما وضعت اللام ساكنة ليستحكم الامتزاج وأيضا دليل التنكير: أي التنوين على حرف فالاولى كون دليل التعريف مثله وقال الخليل: أل بكمالها آلة التعريف نحو هل وقد استدل بفتح الهمزة وقد سبق العذر عنه وبانه يوقف عليها في التذكر نحو قولك ال إذا تذكرت ما فيه اللام كالكتاب وغيره وبفصلها عن الكلمة والوقف عليها عند الاضطرار كالوقف على قد في نحو قوله: ازف الترحل غير ان ركابنا * لما تزل؟ ؟ حالنا وكأن قد وذلك قوله: يا خليلي اربعا واستخبرا المنزل الدارس من اهل الحلال وإنما حذف عنده همزة القطع في الدرج لكثرة الاستعمال وذكر المبرد في كتاب الشافي ان حرف التعريف الهمزة المفتوحة وحدها وانما ضم اللام إليها لئلا يشتبه التعريف بالاستفهام وفى لغة حمير ونفر من طئ إبدال الميم من لام التعريف كما روى النمر بن تولب عنه صلى الله عليه وسلم (ليس من امبر امصيام في امسفر) اه = (*)

(2/261)


يدل على تحركها في الأصل لقوله: فَقَدَّمْتَ الزيادة متحركة لتصل إلى التكلم بها وهو الأولى لانك انما تجلبها لا حتياجك إلى متحرك فالأولى أن تجلبها متصفة بما يحتاج إليه: أي الحركة وأيضاً فقد تقدم أن التوصل إلى الابتداء بالساكن بهمزة خفية مكسورة من طبيعة النفس قوله: (ضمة أصلية) ليدخل نحو اغْزِي ويخرج نحو ارْمُوا وامْرُؤ وابْنُمٌ
وإنما ضموا ذلك لكراهية الانتقال من الكسرة إلى الضمة وبينهما حرف ساكن وليس في الكلام مثله كما ليس فيه فِعُلٌ فإذا كرهوا مثله والضمة عارضة للإعراب كما قالوا في اجيئك: اجوءك فما ظنك بالكسر والضم اللازمين؟ وكذا قالوا في أنْبِئُك وهو مُنْحَدِر من الجبل: أُنْبُؤُكَ ومُنْحَدُرٌ على ما حكى الخليل قال: 79 - وَقَدْ أَضْرِبُ السَّاقَيْنِ إمُّكَ هَابِلٌ (1) *
__________
= (1) هذا شطر بيت من الطويل وهكذا وجدناه في جميع النسخ المطبوعة والمخطوطة ولم نقف له على قائل ولا تتمة وقد رواه البغدادي من غير ان ينسبه ايضا الى قائله ولم يذكر له تتمة الا انه رواه هكذا: * وقال اضرب الساقين إمك هابل * فجعل (قال) بدل قد وجعل (اضرب) فعل امر مع انها في رواية المؤلف فعل مضارع.
وقد استشهد المؤلف بالبيت على انهم اتبعوا الثاني للاول فكسروا همزة (امك) اتباعا للكسرة قبلها كما اتبعوا الاول للثاني في الامثلة التى ذكرها وهو على رواية المؤلف يكون من قبيل اتباع البناء للبناء ولكن ابن جنى قد استشهد بالبيت على انهم قد يتبعون حركة الاعراب لحركة البناء حيث قال في المحتسب عند الكلام على قراءة من قرأ (الحمْدِ لله) بكسر الدال إتباعاً لكسرة اللام: (ومثل هذا في اتباع الاعراب البناء ما حكاه صاحب الكتاب في قول بعضهم * وقال: اضرب الساقين امك هابل *

(2/262)


بكسر ضم الهمزة إتباعاً لكسر نون الساقين كما انبعوا الأول الثاني في أُنْبُؤُكَ ومثله قوله تعالى (في امها) (1) بكسر الهمزة في بعض القراءات
وقولهم: وَيْلِمِّها (2) بكسر اللام أصله: وَيْ لأُمِّها حذفت الهمزة شاذاً:
__________
= كسر الميم لكسرة الهمزة) اه كلام ابن جنى وقد رجعنا الى كتاب سيبويه فوجدنا فيه (ح 2 ص 272) ما نصه: (واعلم ان الالف الموصولة فيما ذكر في الابتداء مكسورة ابدا الا ان يكون الحرف الثالث مضموما فتضمها وذلك قولك: اقتل استضعف احتقر احر نجم وذلك انك قربت الالف من المضموم إذ لم يكن بينهما الا ساكن فكر هوا كسرة بعدها ضمة وارادوا ان يكون العمل من وجه واحد كما فعلوا ذلك في مذ اليوم يافتي وهو في هذا اجدر لانه ليس في الكلام حرف اوله مكسور والثانى مضموم وفعل هذا به كما فعل بالمدغم إذا اردت ان ترفع لسانك من موضع واحد وكذلك ارادوا ان يكون العمل من وجه واحد ودعاهم ذلك الى ان قالوا: انا اجوءك وانبؤك وهو منحدر من الجبل انبأ نا بذلك الخليل وقالوا ايضا: لامك وقالوا: اضرب الساقين امك هابل فكسرهما جميعا كما ضم في ذلك) اه ومن هذا تعلم امرين: الاول، انه لم يجعل قوله: وقالوا اضرب ... الخ بيتا من الشعر بخلاف ما صنع المؤلف وابن جنى والثانى: انه قد جعل الميم من (امك) مكسورة كما فعل ابن جنى بخلاف ما يظهر من كلام المؤلف حيث جعل الاستشهاد بالبيت على كسر الهمزة اتباعا لكسر نون الساقين ولم يتعرض لحركة الميم وذلك الصنيع منه يدل على ان حركة الميم باقية على اصلها وهو الضم (1) هذا بعض آية من سورة القصص وهي (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في امها رسولا بتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى الا واهلها ظالمون) (2) قال في اللسان: (ورجل ويلمه وويلمه (بكسر اللام في الاولى وضمها
في الثانية) كقولهم في المستجاد: ويلمه يريدون ويل امه كما يقولون: لاب لك يريدون لا اب لك فركبوه وجعلوه كالشئ الواحد ... ثم قال: وفى الحديث = (*)

(2/263)


إما بعد إتباع حركتها حركة اللام أو قبله وأما قولهم: ويلمها - بضم اللام
__________
= في قوله لابي بصير (ويلمه مسعر حرب) تعجبا من شجاعته وجرأته واقدامه ومنه حديث على (ويلمه كيلا بغير ثمن لو ان له وعى) أي يكيل العلوم الجمة بلا عوض الا انه لا يصادف واعيا وقيل: وى كلمة مفردة ولامه مفردة وهى كلمة تفجع وتعجب وحذفت الهمزة من امه تخفيفا والقيت حركتها على اللام وينصب ما بعدها على التمييز والله اعلم) اه وقال الشهاب الخفاجى في شفاء الغليل (ص 238 الطبعة الوهبية) : (ويلمه: اصله للدعاء عليه ثم استعمل في التعجب مثل قاتله الله وكذا وقع في الحديث كما في الكرماني وفى المقتضب لابن السيد (يريد الاقتضاب شرح ادب الكتاب: انظره (ص 365)) يروى بكسر اللام وضمها فمن كسر اللام ففيه ثلاثة اوجه: احدها ان يكون ويل امه بنصب ويل واضافته الى الام ثم حذف الهمزة لكثرة الاستعمال وكسرت لامه اتباعا لكسرة ميمه والثانى ان يكونوا ارادوا ويل لامه برفع ويل على الابتداء ولامه خبر وحذفت لام ويل وهمزة ام كما قالوا: ايش لك يريدون أي شئ لك واللام المكسورة لام الجر والثالث ان يريدوا (وى) التى في قول عنترة: ولقد شفى نفسي وابرأ مقمها * قول الفوارس ويك عنتر اقدم فيكون على هذا قد حذفت همزة ام لا غير واللام جارة وهذا احسن الوجوه لانه اقل للحذف همزة ام لاغير واللام جارة وهذا احسن الوجوه لانه اقل للحذف والتغيير واجاز ابن جنى ان تكون اللام المسموعة
لام ويل على ان تكون حذفت همزة ام ولام الجر وكسر لام ويل اتباعا لكسرة الميم وهو بعيد جدا واما من رواه بضم اللام فان ابن جنى اجاز فيه وجهين احدهما انه حذفت الهمزة واللام والقيت ضمة الهمزة على لام الجر كما حكى عنهم (الحمد لله) بضم لام الجر وهي قراءة ابراهيم بن ابى عبلة الشامي والثانى: ان يكون حذف الهمزة ولام الجر وتكون اللام المسموعة هي لام ويل لا لام الجر وقال الامام المرزوقى: الاختيار في ويل إذا اضيف باللام الرفع وإذا اضيف بغير اللام النصب يقولون.
ويل لزيد وويل زيد فاما قولهم: ويلمه فقد حذفت الهمزة من امه فيه حذفا لكثرته على السنتهم ولا = (*)

(2/264)


فيجوز أن يكون أصله وَيْ لامها فخذفت الهمزة بعد نقل ضمتها على لام الجر وهو شاذ عَلَى شاذ ويجوز أن يكون الأصل ويل امها فخذفت الهمزة شاذاً.
ويدخل في قوله (إلاَّ فِيمَا بَعْدَ سَاكِنِهِ ضَمَّةٌ أصلية) كل ماض لم يسم فاعله من الأفعال المذكورة نحو اقْتُدِر عليه وانطُلِق به قيل: وقد تكسر همزة الوصل قبل الضمة نحو اِنْصُر واِقْتُدِر عليه وليس بمشهور وإذا جاءت همزة مضمومة قبل ضمة مشمة كما في اخْتِير وانقِيد أُشِمَّت ضمتُها أيضاً كسرة وإنما فتحت مع لام التعريف وميمه لكثرة استعمالها فطلب التخفيف بفتحها وفُتِحَتْ في ايْمُن لمناسبة التخفيف لأن الجملة القَسَمِيَّة يناسبها التخفيف إذ هي مع جوابها في حكم جملة واحدة ألا ترى إلى حذف الخبر في (ايمن) و (لَعَمْرك) وجوباً وحذف النون من ايْمُنُ؟ وحكى يونس عن بعض العرب كسر همزة ايْمُنُ وَايْم قال: (وَإثْبَاتُهَا وَصْلاً لَحْنٌ وَشَذ فِي الضَّرُورَةِ وَالْتَزَمُوا جَعْلَهَا ألِفاً لاَ بَيْنَ بَيْنَ عَلَى الأَفْصَحِ في نحو الحسن وآيْمُنُ الله يَمِينُك؟ لِلَّبْسِ)
أقول: قوله (شذ في الضرورة) كقوله: 80 - إِذَا جَاوزَ الإِثْنَيْنِ سِرٌّ فإنه بنث وتكثير الوشاة قمين (1)
__________
= يجوز ان تكون الضمة في اللام منقولة إليها من الهمزة لان ذلك يفعل إذا كان ما قبلها ساكنا كقولك من بوه (بحذف همزة ابوه بعد نقل حركتها الى نون من) وإذا كان كذلك فقد ثبت انها غيرها والشئ إذا خفف على غير القياس يجرى على المألوف فيه) اه (1) البيت من قصيدة لقيس بن الخطيم وقبل البيت المستشهد به: أجُودُ بِمَضْنُونِ التِّلاَدِ وَإنَّنِي * بِسِرِّكِ عَمَّنْ سَالَنِي لضنين = (*)

(2/265)


فإذا كان قبلها مالا يحسن الوقف عليه وجب في السعة حذفها إلا أن تقطع كلامك الأول وإن لم تقف مراعياً حكم الوقف بل لعذر من انقطاع النفَس وشبهه وقد فعل الشعراء ذلك في أنصاف الابيات لانها مواضع الفصل وانما يبتدؤن بعد قطع نحو قوله: 81 - وَلاَ تُبَادِرُ في الشتاء وليدنا القدر تنزلها بغير جعال (1)
__________
= وبعده: وَإنْ ضَيَّعَ الإخْوَانُ سِرّاً فَإنَّنِي * كَتُومٌ لأَسْرَارِ العشير امين والتلاد: المال القديم والنث - بنون فمثلثة -: مصدر نث الحديث ينثه إذا افشاه ويروى بدله (ببث) بباء موحدة فمثلثة وهو مصدر بث الخبر يبثه إذا نشره والوشاة: جمع واش وهو النمام الذي يزين الكلام ويحسنه عند نقله للافساد بين المتحابين وقمين: معناه؟ ؟ وخليق وحرى والباء في بنث
أو ببث متعلقة بقمين والاستشهاد بالبيت على ان اثبات همزة الوصل في الدرج شاذ في الضرورة ونظير البيت المستشهد به قول جميل: الا لا ارى اثنين احسن شيمة * على حدثان الدهر منى ومن جمل وقول حسان رضى الله تعالى عنه: لتسمعن وشيكا في دياركم * الله اكبر يا ثارات عثمانا وقول الاخر لا نسب اليوم ولا خلة * اتسع الخرق على الراقع وقد روى بيت الشاهد (إذا جاوز الخلين ... الخ) وكذلك روى بيت جميل (الا لا ارى خلين ... الخ) وعلى هذه الرواية لا شاهد فيهما (2) قد نسب ابن عصفور هذا البيت للبيد العامري الصحابي رضى الله عنه وقبله: ياكنة ما كنت غير لئيمة * للضيف مثل الروضة المحلال = (*)

(2/266)


قوله (وقد التزموا جعلها ألفاً لا بين بين) قد مر في باب التقاء الساكنين
__________
= ما ان تبيتنا بصوت صلب * فيبيت منه القوم في بلبال والكنة - بفتح الكاف وتشديد النون -: زوج الابن و (ما) يحتمل ان تكون زائدة ابهامية تفيد الفخامة أو الحقارة ويكون ما بعدها خبر مبتدأ محذوف ويحتمل ان تكون استفهامية مبتدأ ويكون كنة التى بعدها خبرا وغير لئيمة صفته والروضة: البستان الحسن والمحلال: التى تحمل المار بها على الحلول حولها للنظر الى حسنها والصلب - بصم الصادو تشديد اللام مفتوحة -: الشديد والبلبال: الحزن والمراد بالشتاء زمن الشدة والقحط والوليد: يطلق على الصبي وعلى الخادم ايضا والجعال - بكسر الجيم -: الخرقة التى تنزل بها القدر والضمير في تبادر يعود الى الكنة ووليدنا مفعول لتبادر ويجوز في القدر
الرفع على الابتداء وما بعده خبر والنصب على الاشتغال والمراد من البيت مدح الكنة بعدم الشره للطعام فهى لا تسبق الوليد الى الطعام ولا تسرع في انزال القدر حتى تنزلها بغير خرقة.
والاستشهاد بالبيت في قوله (القدر) حيث قطع الشاعر همزة الوصل لضرورة الشعر وقد انشد سيبويه البيت على غير الوجه الذي انشده عليه المؤلف قال في الكتاب (ح 2 ص 274) : (واعلم ان هذه الالفات الفات الوصل تحذف جميعا إذا كان قبلها كلام الا ما ذكرنا من الالف واللام في الاستفهام وفى ايمن في باب القسم لعلة قد ذكرناها فعل ذلك بها في باب القسم حيث كانت مفتوحة قبل الاستفهام فخافوا ان تلتبس الالف بالف الاستفهام وتذهب في غير ذلك إذا كان قبلها كلام الا ان تقطع كلامك وتستأنف كما قالت الشعراء في الانصاف لانها مواضع فصول فأنما ابتداؤها بعد قطع قال الشاعر: ولا يبادر في الشتاء وليدنا * القدر ينزلها بغير جعال) اه وقال الاعلم الشنتمرى في شرحه للبيت: (الشاهد فيه قطع الف الوصل من قوله (القدر) ضرورة وسوغ ذلك ان الشطر الاول من البيت يوقف عليه ثم يبتدأ ما بعده فقطع على هذه النية وهذا من اقرب الضرورة يقول: إذا اشتد الزمان فوليدنا لا يبادر القدر حسن ادب والجعال: خرفة تنزل بها القدر) اه (*)

(2/267)


أن للعرب في مثله مذهبين: الأفصح جعل همزة الوصل ألفاً والثاني جعلها بين بين كقوله: 82 - أَأَلْخَيْرُ الَّذِي أنَا أبْتَغِيهِ * أمِ الشَّرُّ الَّذِي هُوَ يَبْتَغِينِي (1) قوله (للبس) يعني التزموا احد الشئيئن ولم يحذفوا للبس إذ لو حذفوا
التبس الاستخبار بالخبر إذ همزة الوصل في الموضعين مفتوحة كهمزة الاستفهام بخلاف نحو (أَصْطَفَى البنات) ؟ وقوله: 83 - أسْتَحْدَثَ الرَّكْبُ مِنْ أشْيَاعِهِمْ خبرا (2)
__________
(1) هذا البيت من قصيدة طويلة للمثقب العبدى اوردها المفضل في المفضليات وقبله: وَمَا أدْرِي إذَا يَمَّمْتُ امرا * اريد الخير ايهما يلينى ويممت: قصدت وجملة (اريد الخير) حال من فاعل يممت وجملة (ايهما يلينى) سدت مسد مفعولي ادرى وقوله (االخبر) بدل من (أي) في قوله (ايهما يلينى) ولذلك قرن بهمزة الاستفهام لان البدل من اسم الاستفهام يقترن بالهمزة.
والاستشهاد بالبيت على انهم إذا ادخلوا همزة الاستفهام على همزة الوصل المفتوحة فقد يجعلونها بين بين: أي بين الهمزة وبين حرف حركتها وحركتها هنا فتحة فتجعل بين الهمزة والالف والمثقب: اسم فاعل من ثقب - بالثاء المثلثة وتشديد القاف: لقب الشاعر واسمه محصن (كمنبر) بن ثعلبة ولقب بالمثقب لقوله في هذه القصيدة: رددن تحية وكنن اخرى * وثقبن الوصاو ص للعيون والوصاوص: البراقع الصغار يريد انهن حديثات الاسنان فبراقعهن صغار وقد قال في هذه القصيدة أبو عمرو بن العلاء: (لو كان الشعر كله على هذه القصيدة لوجب على الناس ان يتعلموه) (4) هذا الشاهد صدر بيت من قصيدة طويلة لذي الرمة وعجزه: * أو راجع القلب من اطرابه طرب * = (*)

(2/268)


فإن اختلاف حركتي الهمزتين رافع للبس بعد حذف همزة الوصل
قال: (وَأَمَّا سُكُونُ هَاءٍ وَهْوَ ووهى وَفَهْوَ وَفَهْيَ [ولَهْوَ وَلَهْيَ] فَعَارِضٌ فَصِيحٌ وَكَذَلِكَ لاَمُ الأَمْرِ نَحْوُ وَلْيُوفُوا وشبِّهَ بِهِ أهْوَ وأهْيَ وثُمَّ لْيَقْضُوا.
وَنَحْوُ أن يُمِلَّ هْوَ قَلِيلٌ) .
أقول: قد ذكرنا جميع هذا الفصل في فصل رد الأبنية بعضها إلى بعض في أول الكتاب (1) يعني المصنف أن أوائل هُوَ وهِيَ مع واو العطف وفائه وهمزةِ الاستفهام وكذا لام الأمر التي قبلها واو أو فاء تسكن فكان القياس أن يجتلب لها همزة الوصل لكنها انما لم تحتلب لعروض السكون وليس هذا بجواب مَرْضيّ لأن هذا الإسكان بناء على تشبيه أوائل هذه الكلم بالأوساط فنحو وهُوَ وَفَهْوَ مشبه بعَضُد ونحو وَهْيَ وَفَهْيَ مشبه بكَتِف وكذا القول في (وَلْيُوفُواْ) فلم يسكنوها الا لجعلهم اياها كوسط الكلمة فكيف تجتلب لما هو كوسط الكلمة همزة وصل؟ وهب أنه ليس كالوسط أليس غير مبتدأ به؟ وأليس السكون العارض أيضاً في أول الكلمة يجتلب له همزة الوصل إذ ابتدئ بها؟ ألا ترى أنك تقول: اسم مع أنه جاء سُمٌ وكذا است وسَت؟ فكان عليه أن يقول: لم تجتلب الهمزة لأنها انما تجتلب إذا ابتدئ بتلك الكلمة كما ذكرنا وهذا السكون في هذه الكلمات إنما يكون إذا تقدمها شئ ووجه تشبيههم
__________
= وقبل البيت المذكور مطلع القصدة وهو: مَا بَالُ عَيْنِكَ مِنْهَا الْمَاءَ يَنْسَكِبُ * كأنَّهُ مِنْ كُلىً مَفْرِيَّةٍ سرب والركب: اصحاب الابل الاشياع: الاصحاب والطرب: استخفاف القلب في فَرَح أو في حزن يريد أبكاؤك وحزنك لخبر حدث أم راجع قلبك طربٌ؟ والاستشهاد بالبيت على ان همزة الاستفهام إذا دخلت على همزة وصل غبر مفتوحة فأن همزة الوصل تحذف حينئذ.
لعدم اللبس لان اختلاف حركتي الهمزتين رافع للبس بعد حذف الوصل
(1) انظر (ج 1 ص 45) (*)

(2/269)


لا وائلها بالوسط عدم استقلال ما قبلها واستحالة الوقف عليه وقولك أهُوَ وأهِيَ؟ أقل استعمالاً من وَهُوَ وفَهُوَ ووَهِيَ وفَهِيَ فلهذا كان التخفيف فيه أقل وقولك: لَهُوَ وَلَهِيَ مثل فَهُوَ وَفَهِيَ يجوز تخفيف الهاء فيه على ما قرئ به في الكتاب العزيز وأما نحو لِيَفْعَلَ - بلام كي - فلم يجز فيه التخفيف لقلة استعمالها وتحريك هاء وهي بعد اللام وبعد الواو والفاء وكذا تحريك لام الأمر بعدهما هو الأصل قال سيبويه: وهو جيد بالغ وقرأ الكسائي وغيره (ثم ليقضوا تفثهم) بإسكان لام الأمر على تشبيه ثم بالواو والفاء لكونها حرف عطف مثلهما واستقبح ذلك البصريون لأن ثم مستقلة يوقف عليها وقرئ في الشواذ (أنْ يُمِلَّ هْوَ) بإسكان الهاء يُجعل (لهو) كعَضُد وهو قبيح لأن يمل كلمة مستقلة ولا يمكن تشبيهها بحرف العطف كما شبه به ثم وقوله: * فَبَات مُنْتَصْبًا وَمَا تَكَرْدَسَا (1) * أولى من مثله لكونه في كلمة واحدة.
قوله (فصيح) أي: يستعمله الفصحاء بخلاف (أن يُمِلِّ هْوَ) ونحو قوله (باتَ مُنْتَصْبًا) وذلك لكثرة الاستعمال في الأول قوله (وشبه به أهو) لكون الهمزة على حرف وإن لم يكثر استعمالها مع هو وهي كاستعمال الواو والفاء معهما فلهذا كان التخفيف في أهُوَ وأهِيَ اقل
__________
(1) قد تقدم الكلام في شرح هذا البيت (ح 1 ص 45) .
وقد استشهد به هنا على ان التخفيف بالاسكان في (منتصبا) اولى من التخفيف بالاسكان في (ان يمل هو) لان الاول في كلمة واحدة والثانى في كلمتين مع ان الكل شاذ (*)

(2/270)


قال: (الْوَقْفُ: قَطْعُ الْكَلِمَةِ عَمَّا بَعْدَهَا وَفِيهِ وُجُوهٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي الحسن (الوقف) والمحل فالاسكان المُجَرَّدُ فِي المُتَحَرِّكِ وَالرَّوْمُ فِي المُتَحَرِّكِ وَهُوَ أنْ تَأْتِي بِالْحَرَكَةِ خَفِيَّةً وَهُوَ فِي المَفْتُوحِ قَلِيلٌ وَالإشْمَامُ في الْمَضْمُومِ وَهُوَ أن تَضُمَّ الشفتين بعد الاسكان) أقول: قوله (قطع الكلمة عما بعدها) أي: ان تسكت على آخرها قاصداً لذلك مختارا لجعلها آخر الكلام سواء كان بعدها كلمة أو كانت آخر الكلام فيدخل فيه الرَّوْم والإشمام والتضعيف وغير ذلك من وجوه الوقف ولو وقفت عليها ولم تراع أحكام الوقف التي نذكرها كما تقف على آخر زيد مثلاً بالتنوين لكنت واقفاً لكنك مخطئ في ترك حكم الوقف فالوقف ليس مجرد إسكان الحرف الأخير وإلا لم يكن الرَّوْم وقفاً وكان لفظ مَنْ في مَنْ زَيد موقوفاً عليه مع وصلك إياه بزيد قوله (عما بعدها) يوهم أنه لا يكون الوقف على كلامة الا وبعدها شئ ولو قال: السكوت على آخر الكلمة اختياراً لجعلها آخر الكلام - لكان أعم قوله (وفيه وجوه مختلفة في الحسن) أي: في الوقف وجوه يعني بها أنواع أحكام الوقف وهي: الإسكان والرَّوْم والإشمام والتضعيف وقلب التنوين ألفاً أو واواً أو ياء وقلب الألف واواً أو ياء أو همزة وقلب التاء هاء وإلحاق هاء السكت وحذف الواو والياء وإبدال الهمزة حرف حركتها ونقل الحركة فإن هذه المذكورات أحكام الوقف: أي السكوت على آخر الكلمة مختاراً لتمام الكلام ونعني بالحكم ما يوجبه الشئ فإن الوقف في لغة العرب يوجب أحد هذه الأشياء قوله (وجوه مختلفة في الحسن) أي: هذه الوجوه متفاوتة في الحسن فبعضها أحسن
من بعض كما يجئ من أن قلب الألف واواً أو ياء أو همزة ضعيف وكذا نقل الحركة والتضعيف وقد يتفق وجهان أو أكثر في الحسن كالإسكان وقلب تاء التأنيث هاء

(2/271)


قوله (والمحل) يعني به محالَّ الوجوه المذكورة وهي ما يذكره المصنف بعد ذكر كل وجه مصدرا بفى كقوله: الإسكان المجردُ في المتحرك والرَّوْمُ في المتحرك فقوله (الإسكان المجرد والروم) وجهان للوقف وقوله (المتحرك) محل هذين الوجهين إذ يكونان فيه دون الساكن وكذا قوله (إبدال الألف في المنصوب المنون) إبدال الألف وجه والمنصوب المنون محله وهلم جَرًّا إلى آخر الباب فهذه الوجوه مختلفة في المحل: أي لكل وجه منها محل آخر ثبت فيه وقد يشترك الوجهان أو أكثر في محل: واحد كاشتراك الإسكان والرَّوْم في المتحرك قوله (فالإسكان المجرد) أي: الإسكان المحض بلا رَوْم ولا إشمام ولا تضعيف والإسكان في الوقف أكثر في كلامهم من الرَّوْم والإشمام والتضعيف والنقل ويجوز في كل متحرك إلا في المنصوب المنون فإن اللغة الفاشية فيه قلب التنوين ألفاً وربيعة يجيزون إجراءه مجرى المرفوع والمجرور قال 84 - وآخُذُ مِنْ كُلِّ حَيٍ عُصُمْ (2) وإن كان آخر الكلمة ساكناً فقد كفيت مؤونة الإسكان نحو كم
__________
(1) هذا عجز بيت من قصيدة للأعشى ميمون مدح بها قيس بن معدي كرب وصدره: * إلَى الْمَرْءِ قَيْسٍ أُطِيلُ السُّرَى * والسرى: السير ليلا والحي: القبيلة والْعُصُم: مفعول آخذ وهو بضمتين جمع عصام والعصام يطلق في الاصل على وكاء القربة وعلى عروتها ايضا
والمراد به هنا العهد يعنى انه ياخذ من كل قبيلة يمر بها عهدا الا يؤدوه لأن له في كل قبيلة أعداء ممن هجاهم أو ممن يكره ممدوحه فيخشى الاذى منهم فيأخذ العهد ليصل سالما الى ممدوحه.
والاستشهاد بالبيت على ان (عصما) وقف عليه بالسكون في لغة ربيعة لانهم يجيزون تسكين المنصوب المنون في الوقف (*)

(2/272)


ومَنْ فلا يكون معه وجه من وجوه الوقف بل تقف بالسكون فقط بالسكون فقط ولو قيل إن سكون الوقف غير سكون الوصل لم يبعد كما قيل في نحو هِجَانٍ (1) وفُلْكِ (2) وإذا كان آخر الكلمة تنويناً لم يعتد بسكونه ولم يكتف به في
__________
(1) قال ابن سيده: (والهجان من الابل البيضاء الخالصة اللون والعتق من نوق هجن وهجائن وهجان.
فمنهم من يجعله من باب جنب ورضا (يريد أنه مما يستوى فيه الواحد وغيره) ومنهم من يجعله تكسيرا وهو مذهب سيبويه وذلك ان الالف في هجان الواحد بمنزلة الف ناقة كناز وامرأة ضناك والالف في هجان الجمع بمنزلة الف ظراف وشراف وذلك لان العرب كسرت فعالا على فعال كما كسرت فعيلا على فعال وعذرها في ذلك ان فعيلا اخت فعال الا ترى ان كل واحد منهما ثلاثى الاصل وثالثه حرف لين؟ وقد اعتقبا ايضا على المعنى الواحد نحو كليب وكلاب وعبيد وعباد؟ فلما كانا كذلك وانما بينهما اختلاف في حرف اللين لاغير ومعلوم مع ذلك قرب الياء من الالف وانها الى الياء اقرب منها الى الواو - كسر احدهما على ما كسر عليه صاحبه فقيل: ناقة هجان وأنيق هجان كما قيل: ظريف وظراف وشريف وشراف) اه (2) قال في اللسان: (الفلك - بالضم -: السفينة تذكر وتؤنث وتقع
على الواحد والاثنين والجميع فأن شئت جعلته من باب جنب وان شئت من باب دلاص وهجان وهذا الوجه الاخير هو مذهب سيبويه اعني ان تكون ضمة الفاء من الواحد بمنزلة ضمة باء برد وخاء خرج وضمة الفاء في الجمع بمنزلة ضمة حاء حمر وصاد صفر جمع احمر واصفر قال الله تعالى في التوحيد والتذكير (في الفلك المشحون) فذكر الفلك وجاء به موحدا ويجوز ان يؤنث واحده كقول الله تعالى: (جاءتها ريح عاصف) فقال (جاءتها) فانث وقال (وترى الفلك فيه مواخر) فجمع وقال الله تعالى: (والفلك التى تجرى في البحر) فانث ويحتمل ان يكون واحدا وجمعا وقال تعالى: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) فجمع وانث فكأنه يذهب بها إذا كانت واحدة الى المركب فيذكر والى = (ج، 18) = (*)

(2/273)


الوقف بل يحذف في الرفع والجر حتى يصير الحرف الذي قبله آخر الكلمة فيحذف حركته وإنما حذف التنوين في الرفع والجر لانك قصدت كون لكلمة في الوقف أخف منها في الوصل لأن الوقف للاستراحة ومحل التخفيف الأواخر لأن الكلمة تتثاقل إذا وصلت إلى آخرها والتنوين كحرف الكلمة الاخير من حيث كونها على حرفٍ ساكن مفيد للمعنى في الكلمة المتلوة وإن كانت في الأصل كلمة برأسها فهي: أي التنوين: إما أن تخفف بالقلب كما هو لغة أزْد السَّراة وهو قلبهم المضمومَ ما قبلها واواً والمكسورَ ما قبلها ياء وهو مكروه لأن الواو ثقيل على الجملة ولا؟ ؟ ؟ المضموم ما قبلها في الآخر وكذا الياء وإما أن تحذف فاختير الحذف على القلب وسهله كون التنوين فضلة على جوهر الكلمة في الحقيقة وإذا كان يحذف الياء المكسور ما قبلها في نحو القاضي للوقف وهي من جوهر الكلمة فما ظنك بالتنوين؟ فلما
خففت الكلمة بحذف حرف كجزئها كان تخفيفها بحذف ما هو أشد اتصالاً بها منه - أعني الضم والكسر اللذين هما جزءا الحرفين أعني الواو والياء - أولى وأما في المنصوب المنون فتخفيف الكلمة غاية التخفيف يحصل من دون حذف التنوين وذلك بقلبها ألفاً إذ الألف اخف الحروف وكذلك في المثنى وجمع سلامة المذكر يحصل التخفيف فيهما بحذف حركة النون فقط
__________
= السفينة فيؤنث.
قال الجوهرى.
وليس هو مثل الجنب الذى هو واحد وجمع والطفل وما اشبههما من الاسماء لان فعلا وفعلا يشتر كان في الشئ الواحد مثل العرب والعرب والعجم والعجم والرهب والرهب ثم جاز ان يجمع فعل على فعل - مثل اسد واسد - ولم يمتنع ان يجمع فعل على فعل (بضم فسكون فيهما) .
قال ابن برى: إذا جعلت الفلك واحدا فهو مذكر لا غير وان جعلته جمعا فهو مؤنث لاغير وقد قيل: ان الفلك يؤنث وان كان واحدا قال الله تعالى (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين) اه (*)

(2/274)


واعلم أن علامة اِلإسكان في الخط الخاء فوق الحرف الموقوف عليه.
وهي حرفٌ أولُ لفظ الخفيف لأن الإسكان تخفيف قوله (والرَّوْم في المتحرك) الرَّوْم الإتيان بالحركة خفية حرصاً على بيان الحركة التي تحرك بها آخر الكلمة في الوصل وذلك: إما حركات الإعراب وهم بشأنها أعْنَى لدلالتها على المعاني في الأصل وإما حركات البناء كأين وأمْسِ وقبل وعلامةُ الرَّوْم خط بين يدي الحرف هكذا: زيد - وسمي روْماً لأنك تروم الحركة وتريدها حين لم تسقطها بالكلية ويدرك الروْم الأعمى الصحيح السمع إذا استمع لأن في آخر الكلمة صُوَيتاً خفيفاً وإن كان آخر الكلمة حرفاً ساكناً قد يحذف في الوصل ويبقى ما قبله على حركته نحو يسري والقاضي
فإذا وقفت على مثله جاز لك روْمُهُ تلكَ الحركة وإن كان لا يبقى ما قبله على حركته في الوصل بعد حذفه نحو عليكُمُو وعليهِمِي لم يجز الروم على ما يجئ قوله (وهو في المفتوح قليل) إذا كان المفتوح منوناً نحو زيداً ورجُلاً فلا خلاف أنه لا يجوز فيه الرَّوْم إلا على لغة ربيعة القليلة أعني حذف نوين نحو قوله: * وآخُذُ مِنْ كُلِّ حَيٍ عُصُمْ * (1) وإذا لم يكن منوناً نحو رأيت الرجل وأحمد فمذهب الفراء من النحاة أنه لا يجوز روم الفتح فيه لأن الفتح لا جزء له لخفته.
وجزؤه كله وعند سيبويه وغيره من النحاة يجوز فيه الروم كما في المرفوع والمجرور قوله (والاشمام) الاشمام: تصوير الفم عند حذف الحركة بالصورة التي تعرض عند التلفُّظ بتلك الحركة بلا حركة ظاهرة ولا خفية وعلامته نُقْطة بين يدي الحرف لأنه أضعف من الرَّوْم إذ لا ينطق فيه بشئ من الحركة بخلاف الروم والنقطة أقل من الخط وعزا بعضهم إلى الكوفيين تجويز الإشمام في
__________
(1) تقدم شرح هذا الشاهد (انظر ص 272 من هذا الجزء) (*)

(2/275)


المجرور والمكسور أيضاً والظاهر أنه وَهَم لم يجوزه أحد من النحاة إلا في المرفوع والمضموم لأن آلة الضمة الشفة وقصدك بالإشمام تصوير مخرج الحركة للناظر بالصورة التي يتصور ذلك المخرج بها عند النطق بتلك الحركة ليَسْتَدل بذلك على أن تلك الحركة هي الساقطة دون غيرها والشفتان بارزتان لعينه فيدرك نظره ضمهما وأما الكسرة فهي جزء الياء التي مخرجها وسطُ اللسان والفتحة جزء الألف التي مخرجها الحلق وهما محجوبان بالشفتين والسِّنِّ فلا يمكن المخاطب إدراك تهيئة المخرجين للحركتين قال: والأَكْثَرُ عَلَى أنْ لاَ رَوْمَ وَلاَ إشْمَامَ فِي هَاء التَّأْنِيثِ ومِيمِ
الْجَمْعِ وَالْحَرَكَةِ العارضة) اقول: لم اراحدا: لا من القراء ولا من النحاة ذكر أنه يجوز الروْم والإشمام في أحد الثلاثة المذكورة بل كلهم منعوهما فيها مطلقاً وأرى أن الذي أوهم المصنف أنه يجوز الرَّوْم والاشمام فيها قول الشاطبي - رحمه الله تعالى - بعد قوله: 85 - وَفِي هَاءِ تَأْنِيثٍ وَميم الجميع قل وَعَارِض شَكَلٍ لَمْ يَكُونَا لِيَدْخُلاَ وَفِي الْهَاءِ للإضمار قوم أبوهما * ومن قبله ضم أو الكسر مثلا أو اماهما واو وياء وبعضهم * يرى لهما في كل حال محللا (1)
__________
(1) اورد المؤلف هذه الابيات الثلاثة من كلام الشاطبي في لاميته المشهورة (الشاطبية) ليبين منشا وهم ابن الحاجب في ان بعض النحاة أو القراء جوز الروم والاشمام فِي هَاء التَّأْنِيثِ ومِيمِ الْجَمْعِ وَالْحَرَكَةِ الْعَارِضَة وذلك انه فهم في قول الشاطبي (وبعضهم يرى لهما في كل حال محللا) ان بعض القراء يجيز الروم والاشمام في كل حال من أحوال الحرف الموقوف عليه من الحروف = (*)

(2/276)


فظن أنه أراد بقوله (في كل حال) في هاء التأنيث وميم الجمع وعارضِ الشكل وهاء المذكر كما وهم بعض شراح كلامه أيضاً وإنما عنى الشَاطبي في كل حال من أحوال هاء المذكر فقط كما يجئ فنقول: إنما لم يجز في هاء التأنيث الروم والإشمام لأنه لم يكن على الهاء حركة فيُنَبَّه عليها بالروْم أو بالإشمام وإنما كانت على التاء التي هي بدل منها فمن ثم جازا عند من يقف على التاء بلا قلب كقوله: 86 - * بَلْ جوز تيهاء كظهر الحجف (1) *
__________
= المذكورة ثم ذكر ان الشاطبي انما عنى بقوله: ( ... وبعضهم يرى لهما في كل حال محللا) ان بعضهم جوز الروم والاشمام في هاء الاضمار للمذكر فقط في كل حال من احوالها المذكورة في قوله (ومن قبله ضم ... الخ) لكن يؤيد ما ذهب إليه ابن الحاجب ما ذكره البغدادي في شرح شواهد الشافية نقلا عن السمين في شرحه للشاطبية حيث قال: (وممن ذهب الى جواز الروم والاشمام مطلقا أبو جعفر النحاس وليس هو مذهب القراء وقد تحصل مما تقدم ان امر الروم والاشمام دائر بين ثلاثة اشياء: استثناء هاء التأنيث وميم الجمع والحركة العارضة وهذا اشهر المذهب الثاني: استثناء هذه الثلاثة مع هاء الكناية عند بعض اهل الاراء الثالث: عدم استثناء شئ من ذلك وهو الذى عبر عنه بقوله ((وبعضهم يرى لهما في كل حال محللا)) اه كلام السمين.
قال البغدادي: (فقوله: وهذا اشهر المذاهب) يؤيد ما حكاه ابن الحاجب من جوازهما (يريد الروم والاشمام) في الثلاثة ايضا وقول الشارح المحقق لم ار احدا من القراء ولا من النحاة ذكر انهما يجوزان في احد الثلاثة - وهم فان بعض القراء صرح بجوازهما في ميم الجمع) اه والبعض الذى عناه البغدادي هو (مكى) كما صرح به أبو شامة والسمين في شرحيهما على الشاطبية (1) هذا البيت من الرجز المشطور وقد نسبه ابن برى في اماليه على الصحاح لسؤر الذئب ضمن ابيات كثيرة وقبله: ما ضرها اما عليها لو شفت * متيما بنظرة واسعفت = (*)

(2/277)


وأما ميم الجمع فالأكثر على إسكانه في الوصل نحو عليكم وعليهمْ والروْم والإشمام لا يكونان في الساكن وأما من حركها في الوصل ووصلها بواو اوياء فإنما لم يرُمْ ولم يُشِمَّ أيضاً بعد حذف الواو والياء كما رام الكسرة في القاضي بعد
حذف يائه لأن تلك الكسرة قد تكون في آخر الكلمة في الوصل كقوله تعالى (يوم يدع الداع) ولم يأت عليكُمُ وإليهِمِ إذا وصلتهما بمتحرك بعدهما متحركي الميمين محذوفَيْ الصلة فكيف تُرام أو تُشَم حركةٌ لم تكن آخراً قط واما نحو (عليكم الكتاب) و (إليهم الملائكة) فإن آخر الكلمة فيها الواو والياء المحذوفتان للساكنين وما حذف للساكنين فهو في حكم الثابت هذا إن قلنا: إنهما كانا قبل اتصالهما بالساكنِ عليكُمُو وإليهِمي على ما هو قراءة ابن كثير وإن قلنا: إنهما كانا قبل ذلك عليكم واليهم - سكون الميم فيهما - فالكسر والضم إذن عارضان لأجل الساكنين والعارض لا يرام ولا يشم كما في قوله تعالى (مَن يَشَإِ الله يُضْلِلْهُ) ولقد استهزئ) لأن الروم والإشمام إنما يكونان
__________
= وبعده: قَطعْتُها إذَا الْمَهَا تَجَوَّفَتْ * مَآزِقاً إلَى ذَرَاهَا اهدفت والجوز - بفتح الجيم وآخره زاي معجمة: الوسط والتيهاء - بتاء مثناة مفتوحة: المفازة التى يتيه فيها السالك والحجفة - بفتح الحاء المهملة والجيم والفاء: الترس وقوله (قطعتها) جواب رُبَّ المقدرة بعد بل والمها: اسم جنس جمعى واحده مهاة وهى البقرة الوحشية وتجوفت: دخلت والمأزق: جمع مَأْزِق وهو المضيق وذَرَاها - بفتح الذال المعجمة: ناحيتها واهدفت: من الاهداف وهو الدنو من الشئ والاستقبال له - يصف نفسه بالقوة والجلادة فيقول: رب مفازة يضل فيها السالك ملساء كظهر المجن قطعتها في الوقت الذى تهرب فيه ابقار الوحش الى مخابئها (*)

(2/278)


للحركة المقدرة في الوقف والحركة العارضة للمساكنين لا تكون إلا في
الوصل فإذا لم تقدر في الوقف فكيف ينبه عليها؟ قال: (وَإِبْدَالُ الأَلِفِ في الْمَنْصُوبِ الْمُنَوَّنِ وَفي إذَنْ وَفِي نَحْوِ اضْرِبَنْ بِخِلاَف الْمَرْفُوع وَالْمَجْرُور فِي الْوَاوِ وَالْيَاءِ عَلَى الأَفْصَحِ) أقول: المنصوب المنون تقلب نونه ألفاً لأنه لا يستثقل الألف بل تخف به الكلمة بخلاف الواو والياء لو قلبت النون إليهما في الرفع والجر والخفة مطلوبة في الوقف كما تقدم وقد ذكرنا أن ربيعة يحذفون التنوين في النصب مع الفتحة فيقفون على المنصوب كما يقفون على المرفوع والمجرور قال شاعرهم: * وآخذُ مِنْ كُلِّ حَيٍّ عُصُمْ * وذلك لأن حذفها مع حذف الفتحة قبلها أخف من بقائها مقلوبةٌ ألفاً معها وأما (إذن) فالأكثر قلب نونها الفا في الوقف لأنها تنوين في الأصل كما ذكرنا في بابه (1) ومنع المازني ذلك وقال: لا يوقف عليه الا بالنون لكونه كلن
__________
(1) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 219) : (الذى يلوح لى في اذن ويغلب في ظنى ان اصله إذ حذفت الجملة المضاف إليها وعوض منها التنوين لما قصد جعله صالحا لجميع الازمنة الثلاثة بعد ماكان مختصا بالماضي وذلك انهم ارادوا الاشارة الى زمان فعل مذكور فقصدوا الى لفظ إذ الذى هو بمعنى مطلق الوقت لخفة لفظه وجردوه عن معنى الماضي وجعلوه صالحا للازمنة الثلاثة وحذفوا منه الجملة المضاف هو إليها لانهم لما قصدوا ان يشيروا به الى زمان الفعل المذكور دل ذلك الفعل السابق على الجملة المضاف إليها كما يقول لك شخص مثلا: انا ازورك فتقول: اذن اكرمك: أي إذ تزورني اكرمك: أي وقت زيارتك لى اكرمك: وعوض التنوين من المضاف إليه لانه وضع في الاصل لازم الاضافة فهو ككل وبعض الا انهما معربان واذ مبنى فاذن على ما تقرر صالح للماضي.
كقوله:
(اذن لقام بنصري ... ) = (*)

(2/279)


وأن من نفس الكلمة وأجاز المبرد الوجهين فمن قلبها ألفاً كتبها به وإلا فبالنون وذلك لأن مبنى الخط على الابتداء والوقف كما يجئ قوله (وفي نحو اضربن) يعني به نون التأكيد المخففة ما قبلها وعلة قلبها ألفاً إذا انفتح ما قبلها وحذفها إذا انضم أو انكسر ما قلنا في التنوين سواء قوله (بخلاف المرفوع والمجرور في الواو والياء) عبارة ركيكة ولو قال بخلاف الواو والياء في المرفوع والمجرور لكان أوضح يعني لا يقلب تنوين المرفوع واواً وتنوين المجرور ياء كما قلبت تنوين المنصوب ألفاً لأداء ذلك إلى الثقل في موضع الاستخفاف وإذا كانوا لا يجيزون مثل الأَدْلُو مطلقاً ويجيزون حذف ياء مثل القاضي في الوصل والواو والياء فيهما أصلان فكيف يفعلون في الوقف الذي هو موضع التخفيف شيئاً يؤدي إلى حدوث واو وياء قبلهما ضمة وكسرة؟ وزعم أبو الخطاب أن أزد السراة يقولون: هذا زيدُو ومررت بزيدي كما يقال: رأيت زيدَا حرصًا على بيان الاعراب قال: (ويُوقَفُ على الألف في بَابِ عَصاً ورَحًى باتِّفَاقٍ) أقول: اختلف النحاة في هذا الألف في الوقف فنُسب إلى سيبويه أنها في حال الرفع والجر لام الكلمة وفي حال النصب ألف التنوين قياساً على الصحيح وليس ما عزى إليه مفهوماً من كلامه لأنه قال (1) : (وأما الألِفات التى
__________
= وللمستقبل نحو جئتني اذن اكرمك وللحال نحو اذن اظنك كاذبا واذن ههنا هي إذ في نحو قولك حينئذ ويومئذ.
الا انه كسر ذلك في نحو حينئذ ليكون في صورة ما اضيف إليه الظرف المقدم وإذا لم يكن قبله ظرف في صورة المضاف فكسره نادر كقوله:
نهيتك عن طلا بك ام عمرو * بعاقبة وانت إذ صحيح والوجه فتحه ليكون في صورة ظرف منصوب لان معناه الظرف) اه (1) لم يذكر المولف عبارة سيبويه بنصها وانما ذكر مفادها واليك = (*)

(2/280)


تذهب في الوصل فانها لا تحذف في الوقف لأن الفتحة والألف أخف ألا ترى أنهم يفرون من الواو والياء المفتوح ما قبلهما إلى الألف؟ وقد يفر إليه في الياء المكسور ما قبلها نحو دُعَا وَرُضَا) .
وقال أيضاً: (إنهم يخففون عَضُداً وَفَخِذاً بحذف حركتي عينيهما ولا يحذفون حركة عين جَمَلٍ) قال السيرافي - وهو الحق -: (هذا الموضع يدل على أن مذهب سيبويه أن الألف التي تثبت في الوقف هي التي كانت في الوصل محذوفة) أقول: معنى كلام سيبويه أنك إذا قلت (هذا قَاضْ) و (مررت بقَاضْ) فإنك تحذف في الوقف الياء التي حذفتها في الوصل للساكنين وإن زال أحد الساكنين وهو التنوين وذلك لعروض زواله إذ لو لم يحذف الياء والكسرة في الوقف
__________
= العبارة قال (ج 2 ص 290) : (وأما الألِفات التي تذهب في الوصل فإنها لا تحذف في الوقف لأن الفتحة والألف أخف عليهم الا تراهم يفرون من الياء والواو إذا كانت العين قبل واحد منهما مفتوحة وفروا إليها في قولهم: قد رضا (ماض مبنى للمجهول) ونها (مثله) وقال الشاعر وهو زيد الخيل أفى كل عام مأتم تبعثونه * على محمر ثويتموه وما رضا وقال طفيل الغنوى: * ان الغوى إذانها لم يعتب * ويقولون في فخذ: فخذ وفى عضد: عضد ولا يقولون في جمل: جمل ولا يخففون لان الفتح اخف عليهم والالف (انظر: ج 1 ص 43 وما بعدها
من كتابنا هذا) فمن ثم لم تحذف الالف إلا ان يضطر شاعر فيشبهها بالياء لأنها أختها وهي قد تذهب مع التنوين قال الشاعر - حيث اضطر - وهو لبيد: وقبيل من لكيز شاهد رهط مرجوم ورهط ابن المعل يريد المعلى) اه = (*)

(2/281)


لبقيت الكلمة في حال الوقف على وجه مستثقل عندهم مع كونها اخف مما كانت في الوصل لأن الياء على كل حال أخف من التنوين
__________
= وقد ذكر أبو حيان في الارتشاف هذه المذاهب ونسبها لاصحابها فقال: (والمقصور المنون يوقف عليه بالألف وفيه مذاهب: احدها: ان الالف بدل من التنوين واستصحب حذف الالف المنقلبة وصلا ووقفا وهو مذهب ابى الحسن والفراء والمازني وابى على في التذكرة.
والثانى: انها الالف المنقلبة لما حذف التنوين عادت مطلقا وهو مروى عن ابى عمرو والكسائي والكوفيين وسيبويه فيما قال أبو جعفر الباذش.
والثالث: اعتباره بالصحيح فالالف في النصب بدل من التنوين وفى الرفع والجر هي بدل من لام الفعل وذهب إليه أبو على في احد قوليه ونسبه اكثر الناس الى سيبويه ومعظم النحويين) اه وقال ابن يعيش في شرح المفصل: (وقد اختلفوا في هذه الالف (يريد الف المقصور المنون) فذهب سيبويه الى انه في حال الرفع والجر لام الكلمة وفى حال النصب بدل من التنوين وقد انحذفت الف الوصل واحتج لذلك بان المعتل مقيس على الصحيح وانما تبدل من التنوين في حال النصب دون الرفع والجر وبعضهم يزعم ان مذهب سيبويه انها لام الكلمة في الاحوال كلها قال السيرافى: وهو المفهوم من كلامه وهو قوله (اما الالفات التى تحذف
في الوصل فانها لا تحذف في الوقف) .
ويؤيد هذا المذهب انها وقعت رويا في الشعر في حال النصب نحو قوله: ورب ضيف طرق الحى سرى * صادف زادا وحديثا ما اشتهى فالف (سرى) هنا روى ولا خلاف بين اهل القوافى في ان الالف المبدلة من التنوين لا تكون رويا.
وقال قوم - وهو مذهب المازنى -: انها في الاحوال كلها بدل من التنوين وقد انحذفت الف الوصل واحتجوا بان التنوين انما ابدل منه الالف في حال النصب من الصحيح لسكونه وانفتاح ما قبله وهذه العلة موجودة في المقصور في الاحوال كلها وهو قول لا ينفك عن ضعف لانه قد جاء عنهم (هذا فتى) بالامالة ولو كانت بدلا من التنوين لما ساغت فيها الامالة إذا لا سبب لها) اه (*)

(2/282)


وأما الألف المحذوفة في المقصور في الأحوال الثلاث للساكنين فإنك تردها في حال الوقف في الأحوال الثلاث لزوال الساكن الأخير: أي التنوين لأن الألف أخف من كل خفيف فاعتبرت زوال التنوين في المقصور مع عروضه لأن اعتباره كان يؤدي إلى كون حال الوقف على وجه مستثقل وقد رأيت كيف عَمَّم سيبويه علة رد الألف التي هي اللام حالات الرفع والنصب والجر لأنها كانت محذوفة في الحالات الثلاث للساكنين ولا يعطى كلام سيبويه ما نُسب إليه لا تصريحاً ولا تلويحاً وما نسب إليه مذهب أبي علي في التكملة وأقصى ما يقال في تمشيته أن يقال: إن فتى في قولك في الوقف (جاءني فتى) و (مررت بفتى) و (رأيت فتى) كان في الأصل فَتَيٌ وفَتَي وَفَتياً حذف التنوين في الرفع والجر كما يحذف في الصحيح وسكن اللام للوقف ثم قلبت ألفاً لعروض السكون فكأنها متحركة مفتوح ما قبلها وأما
في حالة النصب فقد قلبت التنوين ألفاً للوقف ثم قلبت اللام ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم حذفت الألف الأولى للساكنين كما هو حق الساكنين إذا التقيا وأولهما مد وهذا كله خبط لأنك وقفت على الكلمة ثم أعللتها ونحن نعرف أن الوقف عارض للوصل والكلمة في حال الوصل مُعَلَّة بقلب لامها ألفاً وحذفها للساكنين فلم يبق في المقصور إذن في الوقف إلا مذهبان: أحدهما أنك إذا حذفت التنوين رددت اللام الذي حذفته لأجله مع عروض حذف التنوين وذلك لاستخفاف الألف والفتحة كما ذكر سيبويه واستدل السيرافي على كون الألف لام الكلمة في الأحوال بمجيئها رويا في النصب قال: 87 - وَرُبَّ ضَيْفٍ طَرَقَ الْحَيِّ سرى صادف زادا وحديثا ما اشتهى

(2/283)


* إنَّ الْحَدِيثَ جَانِبٌ مِنَ الْقِرَى (1) * ولايجوز (زَيْداً) مع (مَحْيَى) لما ثبت في علم القوافي وأيضاً فإنها تمال في حال النصب كقوله تعالى (واتحذوا من مقام ابراهيم مصلى) وامالة الف التنوين فليلة كما يجئ في بابها وأيضاً تكتب ياء وألف التنوين تكتب ألفاً والمذهب الثاني انك لاترد الالف المحذوفة لانك التنوين الموجب لحذفها بل تقلبها في الأحوال الثلاث الفاً لوقوعها في الأحوال بعد الفتحة كما قلبتها ألفاً في (زيداً) المنصوب لأن موقعها في الأحوال الثلاث مثل موقع تنوين زيداً المنصوب بل هنا القلب أولى لأن فتحة (زيداً) عارضة إعرابية والفتحة في المقصور لازمة.
وهذا المذهب لابن بُرْهَان ويُنْسَب إلى أبي عمرو بن
الْعَلاَء والكسائي أيضاً.
والأول أولى لما استدل به السيرافي.
وأما المقصور المجرد من التنوين فالألف الذي في الوقف هو الذى هو الذي كان فيه في الوصل بلا خلاف كأعلى والفتى وقد يحذف ألف المقصور اضطراراً قال:
__________
(1) هذه ابيات من الرجز المشطور يقولها الشماخ بن ضرار الغطفاني في عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وقد اختارها أبو تمام في باب الأضياف والمديح من ديوان الحماسة وقبلها قوله: إنَّكَ يَابْنَ جَعْفَرٍ خَيْرُ فَتَى * وَنِعْمَ مَأْوَى طَارِقٍ إذَا أتَى والاستشهاد بما ذكره المؤلف على ان الالف من المقصور لام الكلمة في الاحوال كلها لانها وقعت رويا وليست مبدلة من التنوين في الوقف لانها المنصوب في الروى ايضا وكان يقع مثل رايت زيدا مع مثل رايت الفتى في قصيدة واحدة وهو مما لا يقول به احد فثبت ان الالف في (سرى) وفى (اشتهى) وفى (القرى) هي لام الكلمة كما قدمنا (*)

(2/284)


88 - وقبيل من لكثير شاهد * رهط مرجوم ورهط ابن الْمُعَلْ (1) قال: (وَقَلْبُهَا وَقَلْبُ كُلِّ ألِفٍ هَمْزَةً ضَعِيفٌ) أقول: يعني قلب ألف المقصور وقلبَ غيرها من الألفات سواء كانت للتأنيث كحبلى أو للإلحاق كمِعْزَى أو لغيرهما نحو يضربها فإن بعض العرب يقلبها همزة وذلك لأن مخرج الألف متسع وفيه المد البالغ فإذا وقفت عليه خليت سبيله ولم تضمه بشفة ولا لسان ولا حلق كضم غيره فيهوي الصوت إذا وجد متسعاً حتى ينقطع آخره في موضع الهمزة وإذا تفطنت وجدت ذلك كذلك فإذا وصلوا لم يمتد الألف إلى مخرج الهمزة لأنك تأخذ بعد الالف في حرف آخر وفي الواو والياء أيضاً مد ينتهي آخره إلى مخرج الهمزة قال الخليل:
ولذلك كتبوا نحو (ضربوا) بهمزة بعد الواو لكن مدهما أقل من مد الألف وقال الأخفش: زادوا الألف خطاً في نحو (كفروا) للفصل بين واو العطف وواو الجمع وقال غيرهما: بل ليفصلوا بين ضمير المفعول نحو (ضربوهم) وبين ضمير التأكيد نحو (ضربواهم) ثم طردوا في الجميع وإن لم يكن هناك ضمير قال: (وكَذَلِكَ قَلْبُ ألِفٍ نَحْوُ حُبْلَى هَمْزَةً أوْ وَاواً أوْ يَاءً) أقول: قوله (همزة) لم يكن محتاجاً إليه مع قوله قبل (قلب كل ألف همزة)
__________
(1) ينسب هذا البيت إلى لبيد بن ربيعة الصحابي المعروف يصف فيه مقاما فاخرت فيه قبائل ربيعة قبيلة من مضر وقوله (قبيل) مبتدأ و (من لكيز) صفته و (شاهد) خبره و (رهط مرجوم) وما عطف عليه بدل عنه ومرجوم وابن المعل سيدان من سادات لكيز.
والاستشهاد بالبيت في قوله (وابن المعل) حيث اراد ابن المعلى فحذف الالف المقصورة في الوقف ضرورة تشبيها للالف بما يحذف من الياءات في الأسماء المنقوصة قال الاعلم: (وهذا من أقبح الضرورة لأن الألف لا تستثقل كما تستثقل الياء والواو وكذلك الفتحة لأنها من الالف) (*)

(2/285)


قوله (أو واواً أو ياء) اعلم أن فَزَارة وناساً من قَيْس يقلبون كل ألف في الآخر ياء سواء كان للتأنيث كحُبْلى اولا كمُثَنَّى كذا قال النحاة وخص المصنف ذلك بألف نحو حُبْلَى اولا كمُثَنَّى كذا قال النحاة وخص المصنف ذلك بألف نحو حُبْلَى وليس بوجه وإنما قلبوها ياء لأن الألف خفية وإنما تبين إذا جئت بعدها بحرف آخر وذلك في حالة الوصل لأن أخذك في جَرْس حرف آخر يُبين جرس الأول وإن كان خفياً وأما إذا وقفت عليها فتخفى غاية الخفاء حتى تُظَن معدومة ومن ثم يقال: هؤلاه ويارباه
بهاء السكت بعدها فيبدلونها إذن في الوقف حرفاً من جنسها أظهر منها وهي الياء وإنما احتملوا ثقل الياء التي هي أثقل من الألف في حالة الوقف التي حقها أن تكون أخف من حالة الوصل للغرض المذكور من البيان مع فتح ما قبلها فإنه يخفف شيئاً من ثقلها وهذا عذر من قلبها همزة أيضاً وإن كانت أثقل من الألف وطيئ يَدَعُونها في الوصل على حالها في الوقف فيقولون: أفْعَى بالياء في الحالين وبعض طيئ يقلبونها واواً لأن الواو أبين من الياء والقصد البيان وذلك لأن الألف أدخل في الفم لكونه من الحلق وبعده الياء لكونه من وسط اللسان وبعده الواو لكونه من الشفتين والياء أكثر من الواو في لغة طيئ في مثله لأنه ينبغي أن يراعى الخفة اللائقة بالوقف مع مراعاة البيان والذين يقلبونها واواً يَدَعُون الواو في الوصل بحالها في الوقف وكل ذلك لإجراء الوصل مجرى الوقف وإنما قلبت واواً أو ياء لتشابه الثلاثة في المد وَسَعة المخرج وقريب من ذلك ابدال بنى تميم ياء (هذى) في الوقف هاء فيقولون: هذه بسكون الهاء وإنما أبدلت هاء لخفاء الياء بعد الكسرة في الوقف التي هي أخت الياء في المد فإذا وصل هؤلاء ردوها ياء فقالوا: هذى هند لأن ما بعد الياء يبينها وقيس وأهل الحجاز يجعلون الوقف والوصل سواء بالهاء كما جعلت طيئ الوقف والوصل

(2/286)


سواء في أفْعَىْ إلا أن قلب الهاء من الياء لا يطرد في كل ياء كما اطرد قلب الياء من كل ألف عند طيئ في الوقف والأغلب بعد قلب ياء هذى هاء تشبيه الهاء بهاء المذكر المكسور ما قبلها نحو بِهِي وَغُلاَمِهِي فتُوصَل بياء في الوصل ويحذف الياء في الوقف كما يجئ بعد ويجوز هذه بسكون الهاء وصلاً ووقفاً لكنه قليل ويبدل ناس من بنى تميم الجيم مكان الياء في الوقف شديدةً كانت الياء أو خفيفة لخفاء الياء كما ذكرنا وقرب الجيم منها في المخرج مع ونه
أظهر من الياء فيقول: تميمجّ وعلج [في تميمي وعلي] وقوله: 89 - خَالِي عُوَيْفٌ وَأبُو عَلِجِّ * المطعمان اللحم بالعشج (1) وبالغداة فلق البرنج * يُقْلَعُ بِالْوَدِّ وَبِالصِّيصِجِّ من باب إجراء الوصل مجرى الوقف عند النحاة ويجئ الكلام عليه وأنشد أبو زيد في الياء الخفيفة: 90 - يَا رَبِّ إنْ كُنْتَ قَبِلْتَ حَجَّتِجْ فلا يزال شاحج يأتيك بج * أقمر نهات ينزى وفرتج (2) *
__________
(1) نسبوا هذه الابيات لبدوي راجز ولم يعينوه وقوله (أبو علج) يريد أبو على و (بالعشج) يريد: بالعشى.
وفلق: جمع فلقة وهى القطعة ويروى في مكانه (كتل) بضم الكاف وفتح التاء وهى جمع كتلة و (البرنج) يريد به البرنى وهو نوع من اجود التمر والود: الوتد قلبت تاؤه دالا ثم اذغمت و (الصحيصج) يريديه الصيصي وهو واحد الصياصى وهى قرون البقر.
والاستشهاد بالبيت على أن بعض بني سعد يبدلون الياء المشددة جيما (2) هذه ابيات ثلاثة من الرجز المشطور انشدها أبو زيد في نوادره وقوله (حجتج) اراد به حجتى فابدل من ياء المتكلم الساكنة جيما والشاحج: المراد به البغل أو الحمار والشحيج الصوت تقول: شحج البغل والحمار والغراب = (*)

(2/287)


قال: (وَإبْدَالُ تَاءِ التَّأْنِيثِ الاسْمِيَّةِ هَاءً فِي نَحْوِ رَحْمَةٍ عَلَى الأَكْثَرِ وَتَشْبِيهُ تَاءِ هَيْهَاتَ بِهِ قليل وفى الضار بات ضَعِيفٌ وَعِرْقَاتٌ إنْ فُتِحَتْ تَاؤُهُ فِي النَّصْبِ فبِالهَاءِ وَإلاَّ فَبِالتَّاءِ وَأَمَّا ثَلاَثَةَ ارْبَعَةَ فِيمَنْ حَرَّكَ فَلأَنَّهُ نَقَلَ حَرَكَةَ هَمْزَةِ الْقَطْعِ لَمَّا وصل بخلاف الم الله فَإِنَّهُ لَمَّا وُصِلَ
الْتَقَى سَاكِنَانِ) .
أقول: لا خلاف في تاء التأنيث الفعلية أنها في الوقف تاء وفي أن أصلها تاء أيضاً وأما الاسمية فاختلف في أصلها فمذهب سيبويه والفراء وابن كَيْسَان وأكثر النحاة أنها أصل كما في الفعل لكنها تقلب في الوقف هاء ليكون فرقاً بين التاءين: الاسمية والفعلية أو بين الاسمية التي للتأنيث كعِفْرِيَة (1) والتي لغيره كما في عِفْرِيت وَعَنْكَبُوت وإنما قلبت هاء لان في الهاء همسا
__________
= يشحج شحيجا وشحاجا: أي صوت ويروى في مكانه شامخ والاقمر: الابيض والنهات: النهاق والنهيت والنهيق واحد و (بج) يريد: بى وينزى: يحرك و (وفرتج) يريد به وفرتى فابدل الياء جيما والوفرة - بفتح فسكون -: الشعر الى شحمة الاذن.
والاستشهاد بالبيت على انه قلب الياء الخفيفة جيما كما يظهر مما ذكرناه قال سيبويه (ح 2 ص 288) ما نصه: (وأما ناس من بني سعد فانهم يبدلول الجيم مكان الياء في الوقف لانها خفيفة فأبدلوا من موضعها أبين الحروف وذلك قولهم: هذا تميمجُّ يريدون تميميّ وهذا علج يريدون عليّ وسمعت بعضهم يقول: عربانج يريد عربانيّ وحدثني من سمعهم يقولون: خَالِي عُوَيْفٌ وأبو علج * المطعمان الشحم بالعشج بالغداة قلق البرنج يريد بالعشى والبرني فزعم انهم انشدوه هكذا) اه (1) انظر في كلمة عفريت (ح 1 ص 15، 256) وانظر في كلمة عفرية (ح 1 ص 255 هـ 2) .
(*)

(2/288)


وليناً أكثر مما في التاء فهو بحال الوقف الذي هو موضع الاستراحة أولى
ولذلك تزاد الهاء في الوقف فيما ليس فيه - أعني هاء السكت - نحو: أنَهْ وهؤلاه وإنما تصرف في الاسمية بالقلب دون الفعلية لأصالة الاسمية لأنها لاحقة بما هي علامة تأنيثه بخلاف الفعلية فإنها لحقت الفعل دلالة على تأنيث فاعله والتغيير بما هو الأصل أولى لتمكنه.
وقال ثعلب: إن الهاء في تأنيث الاسم هو الأصل وإنما قلبت تاء في الوصل إذ لو خليت بحالها هاء لقيل: رأيت شَجَرَهاً بالتنوين وكان التنوين يُقلب في الوقف ألفاً كما في (زَيْداً) فيلتبس في الوقف بهاء المؤنث فقلبت في الوصل تاء لذلك ثم لما جئ إلى الوقف رجعت إلى أصلها وهو الهاء وإنما لم يقلب التنوين عند سيبويه ألفاً بعد قلب التاء هاء خوفاً من اللبس أيضاً كما قلنا وزعم أبو الخطاب أن ناسا من العرب يقفون على الاسمية أيضاً [بالتاء] قال: 91 - الله نَجَّاكَ بِكَفَّيْ مَسْلَمَتْ * مِنْ بَعْدِ مَا وَبَعْدِ ما وبعدمت (1)
__________
(1) هذه الابيات من الرجز المشطور ولم نقف لها على قائل ومسلمت - بفتح الميم واللام -: اسم شخص واصله مسلمة و (ما) في قوله (من بعد ما) يجوز ان تكون مصدرية وان تكون كافة مسوغة لبعد ان يليها الفعل لان من حق بعد ان تضاف الى المفرد لا الى الجمل والفعل على الوجهين هو قوله (صارت) وما عطف عليه.
وقد كرر (بعدما) ثلاث مرات لقصد التهويل وتفخيم الحال وحينئذ يجوز ان تكون الثانية والثالثة توكيدا للاولى من توكيد المفرد بالمفرد ويجوز ان تكون كل واحدة منها مضافة الى فعل مثل المذكور وعلى هذا الوجه الثاني يجوز ان يكون الفعل المذكور مضافا إليه الاول أو الثاني أو الثالث كقوله: يا من راى عارضا اسر به * بين ذراعي وجبهة الاسد = (*)

(2/289)


صارت نفوس القوم عند الغلصمت * وكادت الحرة أنْ تُدْعَى أَمَتْ والظاهر أن هؤلاء لا يقولون في النصب (رأيت امتا) كزيد بألف بل (رأيت أمَتْ) كما في قوله (وكادت الحرة أن تدعى أمت) وذلك لحمله على (أمَهْ) بالهاء فإنه هو الأَصل في الوقف قوله (وتشبيهُ تاء هيهات به قليل) قد ذكرنا حكمه في اسماء الافعال (1)
__________
= وكقولهم: قطع الله يد ورجل من قالها ومثل ما قالوه في نحو: ياتيم تيم عدى.
والغلصمة: راس الحلقوم.
يريد نجاك الله من الاعداء بكف هذا الرجل المسمى مسلمة بعد ما كاد يتعسر عليك الا فلات وكادت النساء الحرائر يسبين فيصرن اماء.
والاستشهاد بالبيت على ان الالف قلبت تاء في قوله (وبعدمت) .
(1) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 69) : (ومن اسماء الافعال التى بمعنى الخبر (هيهات) وفى تائها الحركات الثلاث وقد تبدل هاؤها الاولى همزة مع تثليث التاء ايضا وقد تنون في هذه اللغات الست وقد تسكن التاء في الوصل ايضا لاجرائه فيه مجراه في الوقف وقد تحذف التاء نحو هيها وايها وقد تلحق هذه الرابعة عشر كاف الخطاب نحو ايهاك وقد تنون ايضا نحو ايها وقد يقال ايهان - بهمزة ونون مفتوحتين وقال صاحب المغنى (وليس هو ابن هشام) : بنون مكسورة وقال بعض النحاة: ان مفتوحة التاء مفردة واصلها هيهية - كزلزلة نحو قوقاة قلبت الياء الاخيرة الفا لتحركها وانفتاح ما قبلها والتاء للتانيث فالوقف عليها اذن بالهاء واما مكسورة التاء فجمع مفتوحة التاء كمسلمات فالوقف عليها بالتاء وكان القياس هيهيات كما تقول: قوقيات في جمع قوقاة الا انهم حذفوا الالف لكونها
غير متمكنة كما حذفوا الف هذا وياء الذى في المثنى والمضمومة التاء تحتمل الافراد والجمع فيجوز الوقف عليها بالهاء والتاء وهذا كله توهم وتخمين بل لا منه ان نقول: التاء والالف فيها زائدتان فهى مثل كوكب ولا منع ايضا من كونها في جميع الاحوال مفردة مع زيادة التاء فقط واصلها هيهية = (*)

(2/290)


وأن بعض النحاة قال: إنك إذا كسرت تاءه فهو في التقدير جمع هَيْهيَة وأصله هَيْهَيَاتٌ فحذف الياء شاذاً لكونه غير متمكن كما حذفت في اللَّذَان والقياس اللذَيَان وإذا ضممت تاءه أو فتحتها جاز أن يكون مفرداً وأصله هَيْهَية فيوقف عليه بالهاء وأن يكون مجموعاً فيوقف عليه بالتاء وقد ذكرنا هناك أنه يجوز أن يكون أصله هَيْهيَة سواء كان مضموم التاء أو مفتوحها أو مكسورها لكنه انما قل الوقف عليها بالهاء لالتحاقه بالأفعال لكونه اسم فعل فكان تاؤه كتاء قامَتْ وَقَعدَتْ وذكرنا أيضاً أنه يجوز ان يجوز أن يكون الألف والتاء زائدتين وتركيبه من هَيْهَي ككوكب وأما تجويز قلب تائه هاء على هذا فلتشبيهه لفظاً بنحو قَوْقَاة (1) ودَوْدَاة (2) قوله (وفي الضاربات ضعيف) يعني أن بعضهم يقلب تاء الجمع أيضاً في الوقف
__________
= ونقول: فتح التاء على الاكثر نظرا الى اصله حين كان مفعولا مطلقا وكسرت للساكنين لان اصل البناء السكون واما الضم فللتنبيه بقوة الحركة على قوة معنى البعد فيه إذ معناه ما ابعده كما ذكرنا وكان القياس بناء على هذا الوجه الاخير - اعني ان اصله هيهية في الاحوال - ان لا يوقف عليه الا بالهاء وانما يوقف عليه بالتاء في الاكثر تنبيها على التحاقها بقسم الافعال من حيث المعنى فكان تاؤها مثل تاء قامت وهذا الوجه اولى من الوجه الاول وايضا من جعل الالف والتاء زائدتين لان باب قلقال اكثر من باب
سلس وببر) اه (1) قوقاة: مصدر قولك: قوقت الدجاجة: إذا صوتت عند البيض واصلها قوقية - كد حرجة فقلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها وتقول: قاقت الدجاجة ايضا (2) الدوداة: الجلبة والارجوحة وعلى الاول هي مصدر لقولك دوديت: اي صوت وعلى الثاني هي من اسماء الاجناس غير المصادر ويجوز ان تكون منقولة من المصدر (*)

(2/291)


هاء لكونها مفيدة معنى التأنيث كإفادتها معنى الجمع فيشبه بتاء المفرد حكى قُطْرُب (كيف الْبَنُون والبناه) والأكثر أن لا تقلب هاء لأنها لم تتخلص للتأنيث بل فيها معنى الجمعية فلا تقلب هاء وأما تاء نحو (أخت) فلا خلاف في أنها يوقف عليها تاء لأنها وإن كان فيها رائحة التأنيث لاختصاص هذا البدل بالمؤنث إلا أنها من حيث اللفظ مخالفة لتاء التأنيث لسكون ما قبلها وبكونها كلام الكلمة بسبب كونها بدلاً منها بخلاف تاء الجمع فإن ما قبلها ألف فكأن ما قبلها مفتوح كتاء المفرد وليست بدلاً من اللام بل هي زائدة محضة كتاء المفرد فلهذا جوز بعضهم إجراءها مُجْرَاها قوله (وعِرْقَات (1) إن فتحت تاؤه في النصب فبالهاء) لأنه يكون مفرداً كما ذكرنا في شرح الكافية ويكون ملحقاً بِدِرْهَم كمِعْزَى وإن كسرت تاؤه في النصب دل على أنه جمع عِرْق إذ قد يؤنث جمع المذكر بالألف والتاء مع مجئ التكسير فيه: أي العروق كما قيل البُوَِانَات مع الْبُون في الْبُوَان على ما مر في شرح الكافية في باب الجمع فالأولى الوقف عليه بالتاء كما في مسلمات
__________
(1) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 175) : (وجاء في بعض
اللغات فيما لم يرد المحذوف فيه فتح التاء حالة النصب قالوا: سمعت لغاتهم وجاء في الشاذ (انفروا ثباتا) ولعل ذلك لاجل توهمهم تاء الجمع عوضا من اللام كالتاء في الواحد وكالواو والنون في (كرون) و (ثبون) وقال أبو على: بل هو تاء الواحد والالف قبلها اللام المردودة فمعنى سمعت لغاتهم: أي لغتهم قال: وذلك لان سيبويه قال: ان تاء الجمع لا تفتح في موضع وفيما قال نظر إذ المعنى في سمعت لغاتهم وقوله (انفروا ثباتا) الجمع وحكى الكوفيون في غير محذوف اللام: استاصل الله عرقاتهم - بفتح التاء وكسرها اشهر فاما ان يقال: انه مفرد والالف للالحاق بدرهم أو يقال: انه جمع فتح تاؤه شاذا فالعرق اذن كالبوان مذكر له جمع مكسر وهو العروق جمع بالالف والتاء مثله) اه (*)

(2/292)


قوله (وأما ثلاثة أربعة) هذا اعتراض على قوله (وإبدال تاء التأنيث الاسمية هاء) يعني أنك قلت: إن التاء تبدل هاء في الوقف و (ثلاثة) في قولك (ثَلْثَهَرْبَعَة) ليس موقوفاً عليه لكونه موصولاً بأربعة وإلا لم ينقل حركة الهمزة إلى الهاء فأجاب بأن الوصل أجري مجرى الوقف وذلك أنه وصل ثلاثة بأربعة ومع ذلك قُلب تاؤه هاء قال: وأما (ألم الله) فلا يجوز أن يكون فتحة الميم فيه منقولة إليها من همزة أل كما في ثَلَثَهَرْبَعَة لأن هذه الكلمات - أعني أسماء حروف التهجي - عند المصنف ليس موقوفاً عليها بخلاف ثلثهربعة فإن ثلاثة موصولة مُجْرَاة مجرى الموقوف عليها بسبب قلب التاء هاء فإذا لم يكن ألم موقوفاً عليه ولا موصولاً مجرى مجراه بل كان موصولاً بالله فلا بد من سقوط ألف الله في الدرج والهمزة إذا سقطت في الدرج سقطت مع حركتها ولا ينقل حركتها إلى ما قبلها إلا على الشذوذ كما روى الكسائي في (بسم الله الرحمن
الرحيمَ الحمد لله) بفتح ميم الرحيمَ فإذا سقطت همزة الوصل مع حركتها التقى ساكنان: ميم الم ولام الله فحرك الميم بالفتح للساكنين وإنما فتحت إبقاء على تفخيم الله تعالى وفراراً من الكسرة بعد الياء والكسرة كما مر في بابه وهذا من المصنف عجيب وذلك لان ألم كلمات معدودة كواحد اثنان ثلاثة لا فرق بينهما وقد ثبت رعاية حكم الوقف في كل واحدة من كلمات ألفاظ العدد بدليل قلب تائها هاء وإثبات همزة الوصل في اثنان وذلك لعدم الاتصال المعنوي بين الكلمات وإن اتصلت لفظاً فهلا كان نحو ألم أيضاً هكذا؟ ولو كان في أسماء حروف التهجي همزات الوصل في الأوائل وتاءات التأنيث في الأواخر لثبتت تلك وانقلبت هذه وجوباً كما في ألفاظ العدد وكذلك إذا عَدَّدْتَ نحو رجل امرأة ناقة بغلة فإنك تثبت همزة الوصل وتقلب التاء هاء وهما من دلائل كون كل كلمة كالموقوف عليه لكن قلب التاء هاء لازم وحذف همزة الوصل مع نقل حركتها إلى ما قبلها مختار كما مر في التقاء الساكنين قلما ثبت أن كل كلمة

(2/293)


من أسماء حروف الهجاء في حكم الموقوف عليه قلنا: ثبت همزة الوصل في الله إذ هو في حكم المبتدأ به ثم لما وصلها لفظاً بميم نقل حركتها إلى الساكن كما نقل حركة همزة القطع في ثلاثة أربعة (قوله ثلاثةَ أربعة فيمن حرك) يعني من لم يحرك الهاء وقال ثلاثةْ أربعة فإن ثلاثةْ موقوف عليه غير موصول باربعة فلا اعتراض عليه بأنه كيف قلب التاء هاء في الوصل وهو أيضاً وهم لأن من لم ينقل حركة الهمزة إلى الهاء أيضاً لا يسكت على الهاء بل يصله بأربعة مع إسكان الهاء وليس كل إسكان وقفاً لأنه لابد للوقف من سكتة بعد الاسكان ولو كانت خفيفة وإلا لم يعد المسكن واقفاً لأنك إذا قلت (من انت) ووصلت من بأنت لا تسمى واقفاً
مع إسكانك نون من فعلى هذا يجب في الأسماء المعدودة - سواء كانت من أسماء العدد أو أسماء حروف التهجي أو غيرهما - ان يراعمى فيها أحكام الأسماء الموقوف عليها مع أنك لا تقف على كل منها.
قال: (وَزِيَادَةُ الأَلِفِ فِي أَنَا وَمِنْ ثَمَّ وقف على لكناهو اللهُ بِالأَلِفِ وَمَهْ وَأَنَهْ قَليلٌ) أقول: قال سيبويه: إنهم كما يبينون حركة البناء بهاء السكت ببينونها في حرفين فقط بالألف وهما أنَا وَحَيَّهَلاَ.
قلت: أما (حَيَّهلا) فيجوز أن يكون الألف فيه بدلاً من التنوين في حَيَّهَلاً لأن كل نون ساكنة زائدة متطرفة قبلها فتحة وإن لم يكن تنوين تمكن فإنها تقلب في الوقف ألفاً كما في اضْرِبَنْ وقد بينا في باب المضمرات أن الألف في (أَنَا) عند الكوفيين من نفس الكلمة وبعض طيئ يقف عليه بالهاء مكان الألف فيقول: أنَهْ وهو قليل قال حاتم: هكَذَا فَزْدِي انه (1) وبعض
__________
(1) الذى في مجمع الامثال للميداني (ح 2 ص 293) : (هكذا فصدى) قيل: إن اول من تكلم به كعب بن مامة وذلك أنه كان اسيرا في عنزة فأمرته ام منزله ان يفصد لها ناقة فنحرها فلامته على نحره اياها فقال: هكذا فصدى = (*)

(2/294)


العرب يصل أنا بالألف في الوصل أيضاً في السعة والأكثر أنهم لا يصلونه بها في الوصل إلا ضرورة قال: 92 - أنَا سَيْفُ الْعَشِيْرَةِ فاعْرِفَونِي * حَمِيداً قَدْ تَذَرَّيْتُ السَّنَامَا (1) وقرأ نافع بإثباتها قبل الهمزة المضمومة والمفتوحة دون المكسورة ودون غير الهمزة من الحروف وقال أبو علي: لا أعرف الوجه في تخصيص ذلك بما ذكر قوله (ومن ثم وقف) أي: من جهة زيادة الألف في آخر (أنا) وقفاً وُقف
على (لكنا) بالألف لأنه (أنا) في الأصل جاءت بعد (لكن) ثم نقلت حركة همزة أنا إلى النون وحذفت كما في نحو (قَدَ افلح) ثم أدغمت النون في النون وابن عامر يثبت الألف في (لكنا هو الله) وصلاً أيضاً ليؤذن من أول الأمر بأنه ليس لكن المشددة بل أصله لكنْ أنا قوله (مَهْ وأنهْ قليل) أما أنا فقد مر ان بعض طيئ يقفون عليها بالهاء مكان الألف وأما (مَهْ) فيريد أن الوقف عليها بالهاء إذا لم تكن مجرورة
__________
= يريد انه لا يصنع الا ما تصنع الكرام) اه ولم نجد في هذا الكتاب ولا في غيره من كتب اللغة والامثال نسبة هذا المثل الى حاتم ولا روايته بهذا اللفظ.
وانظر في معنى الفصد (ح 1 ص 43) (1) هذا البيت لحيمد بن حريث بن بحدل الكلبى وقوله (حميدا) منصوب على انه بدل من الياء في (فاعرفوني) أو بفعل محذوف يدل على الاختصاص أو المدح هذا كله ان رويته (حميدا) بالتصغير على انه علم فان رويته (حميدا) - بفتح الحاء - على انه صفة بمعنى محمود فهو حال وان كان اسما غير صفة جاز فيه ما جاز في المصغر وقد اختلف في اسم الشاعر على وجهين فقيل: هو مصغر وقيل: مكبر.
و (تذريت) : علوت واصله من بلوغ الذروة وهى اعلى الشئ والسنام للبعير معروف واراد هنا عالى المجد والرفعة.
والاستشهاد بالبيت في قوله (انا) حيث جاء بالالف مع الوصل وهو من ضرائر الشعر (*)

(2/295)


قليل وأما إذا كان مجرورة فيجئ حكمها بعيد فنقول: إنه أجاز بعضهم حذف ألف ما والوقف عليه بالهاء وإن لم يكن مجروراً كما في حديث أبي ذؤيب: قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلوا بالإحرام فقلت: مَهْ
فقيل: هلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لأنك إذا حذفت الألف منها شابهت الفعل المحذوف آخره جزماً أو وقفاً نحو رَهُ واغزه ولْيَرْمِهْ فيلحق بها هاء السكت بعد حذف الألف والأولى أن يوقف عليها بالألف التي كانت لها أعني على ما الاستفهامية غير المجرورة ومذهب الزمخشري أن الهاء بدل من الألف وحملها على المجرورة في نحو: مثلُ مه ومجئ مَهْ أولى أعني جعله هاء السكت جئ بها بعد حذف الألف كالعوض منه قال: (وَإلْحَاقُ هَاءِ السَّكْتِ لاَزِمٌ فِي نَحْوِ رَهْ وقه ومجئ مه ومثل مه [في مجئ مَ جِئْتَ وَمِثْلُ مَ أنْتَ] (1) وَجَائِزٌ فِي مِثْلِ لَمْ يَخْشَهْ وَلَمْ يَغْزُهْ وَلَمْ يَرْمِهْ وَغُلاَمِيَةْ [وَعَلَى مَهْ] (1) وَحَتَّامَهْ وإلاَمَهْ مِمَّا حَرَكَتُهُ غَيْرُ إعْرَابِيَّةٍ وَلاَ مُشَبَّهَةٌ بِهَا كالْمَاضِي وَبَاب يَا زَيْدُ ولا رجل وفى نحو ههناه وهؤلاه) أقول: قد ذكرنا أحكام هاء السكت في آخر شرح الكافية ونذكر ههنا ما ينحل به لفظه قوله (في نحو ره وقه) أي: فيما بقي بالحذف على حرف واحد ولم يكن كجزء مما قبله لا يلزم الهاء إلا ههنا وإنما لزم فيه لأن الوقف لا يكون إلا على ساكن أو شبهه والابتداء لا يكون إلا بمتحرك فلا بدّ من حرف بعد الابتداء يوقف عليه فجئ بالهاء لسهولة السكوت عليه و (مه) في قولك (مثل مه) [و (مجئ مَهْ) مثلُ] (1) رَهْ وقِهْ من وجه لأن الكلمة
__________
(1) هذه العبارة ساقطة من جميع النسخ المطبوعة (*)

(2/296)


التي قبل ما مستقلة لكونها اسماً بخلاف الجار في حَتَّام وليس مثلهما من وجه آخر وذلك لأن المضاف إليه كالجزء من المضاف لكن سقوط الألف بلا علة
ظاهرة ألزمه التعويض بهاء السكت ألا ترى أنه لم يلزم مع الكاف والياء في تحو غُلاَمي وغُلاَمَك وإن كانا أيضاً على حرف لما لم يحذف منهما شئ وأما عَلاَمَهْ وإلامه وحَتَّامه فما فيها أشد اتصالاً بما قبلها منها بالمضاف في نحو مِثْلُ مه لان ما قبلها حروف فلا تستقل بوجه فيجوز لك الوقف عليها بالهاء كما ذكر وبسكون الميم أيضاً لكون عَلاَمْ مثلاً كغلام قال: 93 - يا أبا الأسود لم خليتني * لهموم طارقات وَذِكَرْ (1) فأجري الوصل مجرى الوقف وبعض العرب لا يحذف الألف من (ما) الاستفهامية المجرورة كقوله 94 - على ما قام يشتمني لئيم * كخنزير تمرغ في رماد (2)
__________
(1) هذا بيت من بحر الرمل لا نعرف له قائلا ولا وقفنا له على سابق ولا لا حق والطارقات: جمع طارقة وهي مؤنث طارق وهو الذي يأتي ليلا والذكر - بكسر الذال وفتح الكاف -: جمع ذكرة والمعروف ذكرى بالف التأنيث تقول: ذكرته بلساني وبقلبي ذكرا وذكرى - بكسر فسكون فيهما والاستشهاد بالبيت على انه قال (لم) بالسكون في حال الوصل اجراء له مجرى له مجرى الوقف (2) هذا البيت لحسان بن ثابت الانصاري رضى الله عنه يقوله في رفيع بن صيفي بن عابد وكان قد قتل يوم بدر كافرا وبعد البيت قوله فلم انفك اهجو عابديا * طوال الدهر ما نادى المنادى وقد سارت قواف باقيات * تناشدها الرواة بكل وادى فقبح عابد وبنى ابيه * فان معادهم شر المعاد وبيت الشاهد يروي على غير الوجه الذي انشده المؤلف وغيره من النحاة ففى الديوان (ص 55 طبع ليدن) = (*)

(2/297)


فهذا لا يقول (عَلاَمَهْ) وقفاً بل يقف بالألف التي كانت في الوصل والأولى حذف ألف (ما) الاستفهامية المجرورة لما ذكرنا في الموصولات وكل ما لحقه هاء السكت على سبيل الجواز فان كان محذوفا منه شئ نحو لم يَخْشَ ولم يَغْزُ ولم يَرْمِ وَعَلاَمَ وإلاَمَ وحَتَّامَ فالهاء به أولى منها بما لحقته ولم يحذف منه شئ نحو غُلاَمِيه وضَرَبْتُكهْ وإنَّهْ وهي بما حذف منه حرفان نحو إن تَعِ أعِهْ أولى منها بما حذف منه حرف نحو اخْشَهْ واغْزُهْ وأما ما صار بالحذف إلى حرف واحد فالهاء له لازم إن لم يتصل بما قبله اتصالاً تاماً كما اتصل في عَلاَم وإلام وفيم وذلك نحو رَهْ وقِهْ ومثل مه ومجئ مه على ما مر وإن لم يحذف منه شئ فإنه بما قبل آخره ساكن نحو إنَّهْ ولَيْتَهْ وكيفهْ أولى منه بما قبل آخره متحرك نحو هُوَهْ وَهِيَهْ وَغُلاَمِيَهْ وَضَرَبْتُكَهْ لأنك ان لم تلحقه في القسم الأول سكنت المتحرك الأخير فيلتقي ساكنان وعدم التقائهما أولى وإن كان ذلك مغتفراً في الوقف.
قوله (لم يخشه ولم يرمه ولم يغزه) أمثلة المحذوف اللام وحكى أبو الخطاب عن ناس من العرب: ادعِهْ واغزِه من دَعَوْت وغَزَوْت كأنهم سكنوا العين المتحركة بعد حذف اللام للوقف توهماً منهم أنهم لم يحذفوا شيئاً للوقف كما قلنا في (لَمْ أُبَلِهْ) في الجزم قال: 95 - قَالَتْ سُلَيْمَى اشتر لنا دقيقا (1)
__________
= ففيم تقول: يشتمني لئيم * كخنزير تمرغ في رماد؟ وعلى هذه الرواية لا شاهد في البيت.
والاستشهاد بما رواه المؤلف على أن من العرب من يثبت الف (ما) الاستفهامية المجرورة غير مبال بالالباس وقد قرئ قوله تعالى (عم يتساءلون) بالالف.
قال ابن جنى: واثبات الالف اضعف اللغتتين (1) وهذا بيت من الرجز المشطور ينسب للعذافر الكندى وبعده قوله:
* وهَاتِ خُبْزَ الْبُرِّ أوْ سَوِيقَا * = (*)

(2/298)


وقال الآخر في الجزم: 96 - وَمَنْ يَتَّقْ فإنَّ الله مَعْهُ * وَرِزْقُ الله مُؤْتَابٌ وَغَادِ (1) ثم ألحقوا هاء السكت لكون العين في تقدير الحركة ثم كسروا أول الساكنين (2) كما هو حقه على ما ذكرنا في (لم أُبَلِهْ) قوله (حَتَّامَهْ وإلاَمه) مثال للمحذوف الآخر لا للجزم
__________
= والاستشهاد بالبيت في قوله (اشتر) حيث سكن الراء وهي عين الفعل وكان حقها الكسر وكان الراجز توهم انها لام الفعل فسكنها كما يسكن باء اضرب ومفردات البيت ومعناه لا تحتاج الى شرح (1) لم نقف لهذا البيت على نسبة الى قائل وقد انشده صاحب الصحاح (اوب) و (وق ي) وقد ذكرناه فيما مضى (انظر ص 240 من هذا الجزء) .
والمؤتاب: اسم فاعل من ائتاب افتعل من الاوب وتقول: آب يؤوب اوبا إذا رجع والغادي: اسم فاعل من غدا يغدو إذا جاء في الغداة يريد ان تقوى الله تسهل للانسان رزقه وتيسر عليه اسبابه والاستشهاد بالبيت في قوله (ومن يتق) حيث سكن القاف وهي عين الفعل وسلط الجازم عليها وقياسها الكسر على ما مر في البيت السابق (2) وهذا مخالف لما ذكره سيبويه في الكتاب إذ قال (ج 2 ص 278) : (وزعم أبو الخطاب ان ناسا من العرب يقولون: ادعه من دعوت فيكسرون العين كأنها لما كانت في موضع الجزم توهموا انها ساكنه إذ كانت آخر شئ في الكلمة في موضع الجزم فكسروا حيث كانت الدال ساكنة لانه لا يلتقى ساكنان كما قالوا: رد يافتي وهذه لغة رديئة وانما هو غلط كما قال زهير:
بدا الى انى لست مدرك ما مضى * ولا سابق شيئا إذا كان جائيا) اه فكلام سيبويه يقتضى ان كسر العين من (ادعه) لا لتقائها ساكنة مع الدال وكلام الرضى يقتضى ان كسر العين لا لتقائها ساكنة مع هاء السكت فعلى كلام سيبويه لا يحتاج عند الحاق هاء السكت الى ملاحظة ان العين في تقدير الحركة وعلى كلام الرضي يحتاج الى ذلك لان هاء السكت لا تلحق الا المتحرك (*)

(2/299)


قوله (غُلاَمِيَهْ) مثال لغير المحذوف الآخر قوله (كالماضي) مثال لما حركته مشابهة للإعرابية لأنه إنما بني الماضي على الحركة وحق البناء السكون لمشابهته المعرب إذ معنى (زيد ضرب) زيد ضارب ومعنى (إن ضربتَ ضربتُ) إن تضرب أضرب قوله (وباب يا زيد) لأن الضمة تحدث بحدوث حرف النداء وتزول بزواله كحدوث الإعراب بحدوث العامل وزواله بزواله وكذا باب (لا رجل) قوله (وفى نحو ههناه وهؤلاه) يعني كل حرف أو اسم عريق في البناء آخره ألف مثل ذا وما يجوز إلحاق هاء السكت به وقفاً ولا يجب وذلك ليتبين الألف في الوقف إذ هو خاف إذا لم يتلفظ بعده بشئ كما مر وامانحو فَتًى وحُبْلَى فإنك لا تبين ألفاتها في الوقف بالهاء كما مر في آخر شرح الكافية قال: (وَحَذْفُ الْيَاءِ في نحو الْقَاضِي وَغُلاَمِي حُرِّكَتْ أوْ سُكِّنَتْ وإِثْبَاتُهَا أكْثَرُ عَكْسَ قَاضٍ وإثْبَاتُهَا في نحو يَامُرِي اتِّفَاقٌ) أقول: اعلم أن المنقوص المنصوب غير المنون كرأيت القاضيَ وَجَوَارِيَ لا كلام في أنه لا يجوز حذف يائه بل يجب إسكانه وكذا في غُلاَمِيَ وغلامَايَ وغلامَيِّ وإِنِّيَ بفتح الياء فيها بل إنما تسكن ياؤها أو تلحقها هاء السكت كما مر قال سيبويه: إنما لم تحذف الياءات لأنها إذا تحركت قويت
كالحروف الصحيحة وأما المنقوص ذو اللام رفعاً وجراً فالأكثر بقاء يائه في الوقف إذ المطلوب وجود الحرف الساكن ليوقف عليه وهو حاصل وبعض العرب يحذف الياء في الوقف لكونه موضع استراحة والياء المكسور ما قبلها ثقيل ومن حذف الياء في الوصل نحو (الكبير المتعال سواء منكم) أوجب حذفها وقفاً بإسكان ما قبلها وأما ياء المتكلم الساكنة فإن كانت في الفعل فالحذف حسن لأن قبلها نون عماد مشعراً بها كقوله تعالى (ربي اكرمن) (ربى اهانن) وإن كانت

(2/300)


في اسم فبعض النحاة لم يجوز حذفها والوقف على الحرف الذي قبلها بالإسكان نحو (غلامْ) كما جاز في المنقوص حذراً من الالتباس وأجازه سيبويه اعتماداً في إزالة اللبس على حال الوصل فعلى هذا قول المصنف (حُرِّكَتْ أو سكنتْ) وَهَمٌ لأنها إذا تحركت لم يوقف عليها بالحذف بل بالإسكان كما نص عليه سيبويه وغيره وإذا كان المنقوص منادى مفرداً نحو (يا قاضي) فاختار الخليل والمبرد إثباتَ الياء كما في (جاءني القاضي) سواء لانه لامدخل للتنوين فيها حتى يحذف الياء لتقديره كما حذف في (جاءني قَاضْ) وقفاً واختار يونس وقَوَّاه سيبويه حذف الياء لأن المنادى موضع التخفيف ألا ترى إلى الترخيم وقلبهم الياء ألفاً في نحو (يا غُلاَمَا) وحذفهم الياء في نحو (يا غُلاَم) أكثر من حذفهم إياها في غير النداء وأجمعوا كلهم على امتناع حذفها في نحو (يامرى) لأنهم حذفوا الهمزة فلو حذفوا الياء أيضاً لأجحفوا بالكلمة بحذف بعد حذف بلا علة موجبة وإذا كان المنقوص محذوف الياء للتنوين - أعني في حالتي الرفع والجر - فالأكثر حذف الياء لأن حذف التنوين عارض فكأنه ثابت وتقديره ههنا
أولى لئلا يعود الياء فيكون حال الوقف ظاهر الثقل وحكى أبو الخطاب ويونس عن الموثوق بعربيتهم رد الياء اعتداداً بزوال التنوين وأما حال النصب نحو (رأيت قاضياً) فالواجب قلب تنوينه للوقف ألفاً إلا على لغة ربيعة كما مرّ قال: (وإثْبَاتُ الْوَاوِ وَالْيَاءِ وَحَذْفُهُمَا فِي الْفَوَاصِلِ وَالْقَوَافِي فَصِيحٌ وَحَذْفُهُمَا فِيهِمَا فِي نَحْوِ لَمْ يَغْزُوا وَلَمْ تَرْمِي وَصَنَعُوا قَلِيلٌ) .
أقول: قال سيبويه: جميع مالا يحذف في الكلام وما يختار فيه ترك الحذف يجوز حذفه في الفواصل والقوافي يعني بالكلام مالا وقف فيه وبالفواصل

(2/301)


رءوس الآي ومقاطع الكلام يعني أن الواو والياء الساكنين في الفعل الناقص نحو يَغْزُو وَيَرْمِي لا يحذفان وقفاً لأنه لم يثبت حذفهما في الوصل لئلا يلتبس بالمجزوم إلا للضرورة أو شاذًّا كقولهم (لا ادْرِ) وقوله تعالى (ما كنا نبغ) و (يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ) ولا يقولون (لاارم) وهذا كما قالوا (لم يك زيد) ولم يقولوا (لم يه) بمعنى يَهُنْ فإذا وقع الواو والياء المذكوران في الفواصل وصلاجاز حذفهما والاجتزاء بحركة ما قبلهما كقوله تعالى (والليل إذا يسر) وذلك لمراعاة التجانس والازدواج فيجب إذن بناء على ذلك حذفهما إذا وقفت على تلك الفواصل المحذوفة اللامات في الوصل وكذا القوافي يحذف فيها كثيراً مثل ذلك للازدواج لا للوقف وإلا حذف للوقف في غير القوافي أيضاً فثبت انه يحذف فيهما مالا يحذف في غيرهما قال: 97 - وَلأَنْتَ تَفْرِي مَا خلقت وَبَعْ * ضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لايفر (1)
__________
(1) هذا البيت من قصيدة طويلة لزهير بن ابي سلمى المزني يمدح فيها هرم بن سنان وقد ذكروا ان اولها:
لِمَنِ الدِّيَارُ بِقُنَّةِ الْحَجْرِ * أقْوَيْنَ مذ حجج ومذ دهر ويقال: بل مطلعها قوله: دع ذا وعد القول في هرم * خير البداة وسيد الحضر والقنة: اعلى الشئ والحجر: اسم مكان بعينه واقوين: خلون واصبحن ولا انيس بهن وقوله (مذحجج) يروى في مكانه (من حجج) والحجج: السنون.
و (تفرى ما خلقت) ضربه مثلا لعزمه وتقول: فرى فلان الاديم يفريه إذا قطعه على وجه الاصلاح ويقال: افراه إذا قطعه على وجه الافساد وكان الهمزة فيه للسلب و (تخلق) بمعنى تقدر.
والمراد انك إذا تهيات لامر وقدرت له اسبابه امضيته وبعض الناس يقدر ثم تقعد به همته عن انفاذه.
والاستشهاد بالبيت في قوله (يَفرْ) على أن أصله يفري فحذفت الياء وسكنت الراء للوقف وهم لا يبالون عند الوقف بتغيير الوزن وانكساره (*)

(2/302)


هكذا أنشد بإسكان الراء وتقييد القافية قوله (وما يختار فيه ترك الحذف) يعني الاسم المنقوص نحو (القاضي) فإنه قد يحذف ياؤه غير الفواصل والقوافي في الوصل قليلا كقوله تعالى (يَوْمَ التناد يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) وقوله تعالى (وَجِفَانٍ كالجواب وَقُدُورٍ راسيات) وذلك لعدم التباسه بالمجزوم وأما في الفواصل في الوصل فحذف لامه أحسن من حذف ياء [نحو] (يرمي) فيها لأن لام نحو (الرامي) يحذف في الوصل في غير الفواصل من غير شذوذ كقوله تعالى (يوم التلاقي يوم هم بارزون) ولا يحذف ياء نحو (يرمي) في مثله إلا شاذًّا كما ذكرنا فإذا وقف على الاسم المنقوص [المحذوف اللام وجب حذف اللام في الوقف فإذا وقفت على الفعل الناقص والاسم المنقوص] الثابت لامهما في الوصل فحذف لامهما جائز لا واجب قال
سيبويه: إثبات الواوات والياءات في مثله أقيس الكلامين هذا وأما الألف فلا يحذف: لا في الفواصل ولا في القوافي إلا للضرورة كما قال: * رَهْطُ مَرْجُومٍ ورهط ابن المعل * وذلك لخفد الألف وثقل الواو والياء قال سيبويه ما معناه: إنك تحذف في القوافي الواو والياء الأصليتين تبعاً للواو والياء الزائدتين التابعتين للضمة والكسرة المشابهتين للواو والياء في وقف أزْدِ السَّراة يعني إنك تحذف الياء من (يَفْرِي) تبعاً لحذف الياء في البيت الذي قبله وهو 98 - وَلأنْتَ أَشْجَعُ مِنْ أُسَامَةَ إِذْ دُعِيَتْ نزال ولج في الذعر (1)
__________
(1) هكذا وقع هذا البيت في كل النسخ وهو كذلك في كثير من كتب النحاة وفى صحاح الجوهرى والحقيقة ان البيت ملفق من بيتين: احدهما = (*)

(2/303)


فلما جُوِّز حذف ياء (الذعر) لأنه مثل وقف أزد السراة نحو (مررت بعَمْرِي) تبعه في حذف الياء الأصلي إذ القوافي يجب جريها على نمط واحد وكذا في الواو نحو قوله: 99 - وَقَدْ كُنْتُ مِنْ سَلْمَى سِنِينَ ثمانيا * على صير أمر ما يُمرُّ وَمَا يَحْلْ (1) وإنما جوزت ههنا حذف الواو - وإن كان أصلاً - لأنك حذفت الواو الزائد الناشئ للاطلاق في (الثقل) قبل هذا البيت لما قصدت التقييد في قوله: 100 - صَحَا الْقَلْبُ عَنْ سَلْمَى وَقَدْ كَادَ لاَ يَسْلُو وَأَقْفَرَ مِنْ سَلْمَى التَّعَانِيقُ والثِّقْلْ (2)
__________
= وَلَنِعْمَ حَشْوُ الدِّرْعِ أنْتَ إذَا * دُعِيَتْ نَزَالِ وَلُجَّ فِي الذُّعْرْ
وهو لزهير بن ابى سلمى من قصيدة الشاهد السابق والبيت الثاني هو: وَلأَنْتَ أشْجَعُ مِنْ أُسَامَةَ إذْ يَقَعُ الصُّرَاخُ ولُجَّ فِي الذُّعْرْ وهو للمسيب بن علس.
واسامة: علم للاسد ونزال: اسم فعل أمر بمعنى أنزل وقد قصد هنا لفظها ولذلك وقعت نائب فاعل والذعر: الفزع ولجاج الناس فيه معناه تتابعهم فيه أو اشتداده بهم والاستشهاد بالبيت في قوله (الذعر) حيث حذف الياء التى تنشأ من كسرة الراء إذا كانت القافية مطلقة والفرق بين هذا والذي قبله ان الياء المحذوفة من السابق لام الكلمة وهي هنا حرف زائد للروى (1) هذا البيت لزهير بن ابى سلمى المزني من قصيدة له مطلعها الشاهد الاتي بعد هذا وقوله (على صير امر) اي: على مشارفة امر ويمر ويحلو: أي يصير مرا وحلوا يريد انه من محبوبته على حال لا تعد وصالا ولا هجرانا ولو انها هجرته ليئس ولو واصلته لنعم فهو غير يائس منها ولا ناعم في هواها.
والاستشهاد بالبيت في قوله (يحل) حيث حذف الواو التى هي لام الكلمة ثم سكن ما قبلها (2) هذا البيت مطلع قصيدة زهير بن ابي سلمى المزني التى منها الشاهد = (*)

(2/304)


وإنما حذف هذا الواو الزائد تشبيهاً له بالواو الزائد في لغة أزد السراة في (جاءني زيدُ) وأما الألف فلا تحذف في القوافي نحو قوله: 101 - دَايَنْتُ أرْوَى وَالدُّيُونُ تُقْضَى فمطلت بعضا وادت بعضا (1) لان الالف الموقف عليه لا يحذف في الأشهر في نحو (زيداً) كما يحذف
جمهور العرب الواو والياء الحادثتين في الوقف في لغة أزد السراة قال سيبويه: وقد دعاهم حذف ياء نحو (يقضي) وواو نحو (يدعو) في القوافي إلى أن حذف ناس كثير من قيس وأسد الواو والياء اللتين هما ضميران ولم يكثر حذفهما كثرة حذف نحو ياء (يرمي) وواو (يدعو) لأنهما كلمتان وليستا حرفين وينشد:
__________
= السابق واقفر: خلا والتعانيق والثقل: موضعان ومعنى البيت قد افاق قلبى عن اللجاج في هوى سلمى وما كاد يفيق.
والاستشهاد بالبيت في قوله (والثقل) حيث حذف الواو التى تكون للاشباع إذا كانت القصيدة مطلقة ثم سكن ما قبلها ليجرى على سنن واحد مع الشاهد السابق وقد علمت انهم لا يبالون إذا وقفوا بان يختل وزن البيت والفرق بين هذا والبيت السابق ان الواو المحذوفة من هذا الشاهد واو الاشباع والواو المحذوفة من الشاهد السابق لام الكلمة (1) هذا الشاهد من الرجز المشطور لرؤبة بن العجاج واروى: اصم امرأة وقوله (والديون تقضى) جملة حالية يريد انه اسلف هذه المرأة محبة وودادا وانتظر ان تجزيه بهما محبة وودادا مثلهما لان الديون يقضيها المدينون ولكنها ادت إليه بعض هذا الدين ولوته في بعضه الاخر.
والاستشهاد بالبيت في قوله (تقضى) و (بعضا) حيث اثبت الالف في الموضعين ولم يحذفها كما تحذف الواو والياء من قبل ان الالف ليس حكمها كحكمهما والف تقضى لام الكلمة والف بعضا هي لف الاطلاق التى من اشباع الفتحة (ج 2 - 20) (*)

(2/305)


102 - لا يبعد الله إخوانا تركتهم لَمْ أدْرِ بَعْدَ غَدَاةِ الْبَيْنِ مَا صَنَعْ (1) بحذف الواو وإسكان العين وانشد أيضا:
103 - ياد ار عبلة بالجواء تكلم * وعمي صباحا دَارَ عَبَلَةَ واسْلَمْ (2) بإسكان الميم ولا يحذف ألف الضمير في نحو قوله 104 - خَلِيْلَيَّ طِيرَا بِالتَّفَرُّقِ أوْقَعَا (3) لما ذكرنا قبيل قوله (وحذفهما فيهما قليل) أي حذف الواو والياء في الفواصل والقوافي
__________
(1) هذا البيت من قصيدة لتميم بن أُبَيِّ بن مُقْبِل وقبله قوله: نَاطَ الْفُؤَادُ مَنَاطاً لاَ يُلاَئِمُهُ * حَيَّانِ: دَاعٍ لاصعاد ومندفع وناط: علق والمناط: مصدر سمى منه ويلائمه: يوافقه والاصعاد: الارتقاء تقول اصعد فلان إذا ارتقى شرفا أو نحوه والاندفاع: الهبوط والانحدار والبين: الفراق والاستشهاد بالبيت في قوله (صنع) واصلها صنعوا فحذف واو الضمير كما يحذفون واو يسمو ويحلو وياء يقضى ويرمى غير مبالين باختلال الوزن (2) هذا مطلع قصيدة طويلة لعنترة بن شداد العبسى وتعتبر عند بعضهم من المعلقات وعبلة: اسم امرأة وهى محبوبته والجواء - بكسر الجيم ممدودا -: اسم موضع وعمى: مقتطع من انعمى أو أمر من وعم يعم - كوعد يعد.
والاستشهاد بالبيت في قوله (تكلم) و (اسلم) حيث حذف ياء الضمير منهما واصلهما تكلمي واسلمى فحذف الياء كما حذف الشاعر الذى قبله الواو في قوله (صنع) (3) هذا نصف بيت من الطويل لم نعثر له على تتمة ولا على نسبة إلى قائل معين والاستشهاد به في قوله (قعا) حيث لم يحذف الالف التى هي ضمير الاثنين كما حذفت الياء التى هي ضمير الواحدة المخاطبة في بيت عنترة وكما حذف واو جماعة المذكرين في بيت تميم السابق (*)

(2/306)


وأنا لا أعرف حذف واو الضمير في شئ من الفواصل كما كان في القوافي وحذف ياء الضمير في الفواصل نحو: (فَإِيَّايَ فاعبدون) قال: (وَحَذْفُ الْوَاوِ في ضَرَبَهُ وَضَرَبَهُمْ فيمَنْ ألحَقَ) أقول: قد بَيَّنَّا في باب المضمرات أن غائب الضمير المتصل منصوبِهِ أو مجرورهِ مختصرٌ من غائب المرفوع المنفصل بحذف حركة واو هو لكنهم لما قصدوا التخفيف في المتصل لكونه كجزء الكلمة المتقدمة نظروا فإن كان قبل الهاء ساكن نحو مِنْهُ وَعَلَيْهِ لم يأتوا في الوصل بالواو والياء الساكنين فلا يقولون على الأكثر: منهو وعليهي لثقل الواو والياء ولكون الهاء لخفائها كلاعدم فكأنه يلتقى ساكنان إن قالوا ذلك ولم يحذفوا من عَلَيْهَا وَمِنْهَا - وإن كان كاجتماع ساكنين أيضاً - لخفة الألف فهذا نظير تركهم في الأكثر قلب التنوين في المرفوع والمجرور حرف لين في الوقف وقلبهم له ألفاً في المنصوب وقد اختار سيبويه إثبات الصِّلة بعد الهاء إذا كان الساكن الذي قبلها حرفاً صحيحاً نحو مِنْهُو وأصَابَتْهُو وحذْفَها إذا كان الساكن حرف علة نحو ذُوقُوه وعَصَاه وَلَدَيْه وفيه ولم يفرق المبرد بين الصحيح وحرف العلة الساكنين قبل الهاء وهو الحق إذ شبه التقاء الساكنين في الكل حاصل وعليه جمهور القراء نحو (منه آيات) و (فيه آيات) ولو عكس سيبويه لكان أنسب لأن التقاء الساكنين إذا كان أولهما ليناً أهون منه إذا كان أولهما صحيحاً وإن كان قبل الهاء متحرك نحوبه وغلامه فلا بد من الصلة إلا أن يضطر شاعر فيحذفها كقوله: 105 - وَأَيْقَنَ أنَّ الْخَيْلَ إنْ تَلْتَبِسْ بِهِ يَكُنْ لِفَسِيلِ النَّخْلِ بَعْدَهُ آبر (1)
__________
(1) هذا البيت من الطويل وقائله حنظلة بن فاتك ولم يتعرض له البغدادي = (*)

(2/307)


وقال المتنيي: 106 - تعثرت به في الأفواه ألسنها والبرد في الطُّرْقِ وَالأَقْلاَمُ فِي الْكُتُبِ (1) فحذف الصلة في مثله كحذف الألف في قوله * رَهْطُ مَرْجُومٍ وَرَهْطُ ابْنِ الْمُعَلْ * وذهب الزجاج إلى أن الصلة بعد الهاء ليست من أصل الكلمة وهو ظاهر
__________
= في شرح شواهد شرح الشافية وهو من شواهد سيبويه اورده في باب (ما يجوز في الشعر ولا يجوز في الكلام) (ح 1 ص 11) وقد قال الاعلم في شرح هذا الشاهد من كتابه شرح شواهد سيبويه: (اراد بعد هو فحذف الواو ضرورة والبيت يتأول على معنيين: احدهما - وهو الاصح - ان يكون وصف جبانا فيقول: ايقن انه ان التبست به الخيل قتل فصار ماله إلى غيره فكع (أي: جبن) وانهزم والمعنى الاخر ان يكون وصف شجاعا فيقول: قد علم انه ان ثبت وقتل لم تتغير الدنيا بعده وبقى من اهله من يخلفه في حرمه وماله فثبت ولم يبال بالموت وفسيل النخل: صغاره واحدته فسيلة والابر: المصلح له القائم عليه والابار: تلقح النخل) اه (1) هذا البيت من قصيدة للمتنبي كما قال المؤلف يرثى فيها خولة اخت سيف الدولة بعد عودته من مصر والمتنبي ليس ممن يحتج بشعره ولكن المؤلف قد جرى في هذا الكتاب وفى شرح الكافية على ان يذكر بعض الشواهد من شعر المتنبي وشعر ابى تمام والبحتري ولعله متأثر في ذلك بجار الله الزمخشري فأنه كان يستشهد على اللغة والقواعد بشعر هؤلاء وكأنه كما قال عن ابى تمام - وقد استشهد ببيت له في الكشاف -: اجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه.
والشاهد في بيت المتنبي قوله (به)
حيث حذف صلة الضمير المجرور المكسور ما قبله وهى الياء واصله (بهى) والضمير في به يعود الى الخبر الذى ذكره في بيت قبله وهو قوله: طوى الجزيرة حتى جاءني خبر * فزعت فيه بآمالى الى الكذب يقول: لقد كان من هول هذا الخبر وفداحته ان عثرت الالسن في الافواه فلم تستطع الكلام وعثرت البرد في الطرق وعثرت الاقلام في الكتب.
والبرد: جمع بريد واصله برد - بضمتين - فخفف كما يخفف عنق (*)

(2/308)


مذهب سيبويه واستدل الزجاج عليه بحذفها في الوقف ولبس بقوي لأن ما هو من نفس الكلمة من حروف اللين قد يحذف كما في الْقَاضِي.
وأما وجوب حذف الصلة في الوقف دون ياء القاضي فلكونها مما له حظ في السقوط في حال الوصل نحو منه وفيه هذا الذي ذكرنا كله حال الضمير الغائب المفرد المذكر في الوصل فإذا وقفت عليه فلا بد من ترك الصلة سواء كانت ثابتة في الوصل نحو بهي ولهو اتفاقاً ومنهو وعليهي عند بعضهم اولا نحو منه وعليه عند الأكثرين وذلك لأن من كلامهم أن يحذفوا في الوقف مالا يذهب في الوصل نحو ضربني وغلامي فالتزموا حذف هذا الحرف الذى ثبت حذفه في الوصل كثيراً نحو عليه ومنه ولا بد من إسكان الهاء في الوقف سكن ما قبله أو تحرك قوله (وضربهم فيمن ألحق) أي: فيمن ألحق الواو في ميم الجمع أو الياء في الوصل كما بينا في المضمرات من أن بعضهم يقول: عليكمو أنفسكم وعليهمي مال فمن لم يلحق الصلة في ميم الجمع وصلاً فلا كلام في الوقف عليها بالإسكان ومَنْ ألحقها وصلاً أوجب حذفها في الوقف أيضاً لأن ما كثر حذفه في الوصل من الواو والياء وجب حذفه في الوقف نحو منه وعليه
قال: (وَحَذْفُ الْيَاءِ فِي تِهِ وهذه) أقول: اعلم أن الهاء في (هذه) و (ته) بدل من الياء في هذي وتي كما تقدم والياء بعد الهاء بعد الهاء في الأغلب لأجل تشبيه الهاء المذكر المكسور ما قبلها نحو بهي وغلامهي كما تبين قبل إلا أن هاء الضمير قد يوصل - عند أهل الحجاز مع كون ما قبلها مكسوراً أو ياء - بالواو نحو بُهو وعَلَيْهُو وذلك لكون الضمير المجرور في الأصل هو المرفوع المنفصل كما مر في بابه ولا يوصل هاء (ذهي) و (تهي) بواو أصلاً وبعض العرب يبقيها على سكونها كميم الجمع فلا يأتي بالصلة وهو الأصل ولكنه قليل الاستعمال يقول: هذه

(2/309)


وصلاً ووقفاً وبعضهم يحذف الياء منها في الوصل ويبقي كسرتها فإذا وقفت عليها فلا خلاف في إسكان الهاء وترك الصلة كما ذكرنا في منه ولديه واعلم أن بعض الناس مَنَعَ من الرَّوْم والإشمام في هاء الضمير إذا كان قبله ضم أو كسر نحو يَعْلَمُه وبغُلاَمِهِ وكذا إذا كان قبله واو أو ياء نحو عَقَلُوه وبأبِيهِ وذلك لأن الهاء الساكنة في غاية الخفة حتى صارت كالعدم فإذا كانت في الوقف بعد الضمة والواو فكأنك ضممت الحرف الأخير الموقوف عليه أو جئت في الآخر بواو إذ الهاء كالعدم للخفاء فلو رمت عقيبها بلا فصل: أي أتيت ببعض الضمة أو أشممت: أي ضممت الشفتين لم يتبينا إذ يحسب السامع والناظر أن ذلك البعض من تمام الضم الأول وضَمَّ شفتيك للإشمام من تمام الضم الاول إذ الشئ لا يتبين عقيب مثله كما يتبين عقيب مخالفه وكذلك الكلام في الرَّوْم بعد الهاء المكسور ما قبلها أو الهاء التي قبلها ياء وأيضاً فإن الرَّوْم والإشمام لبيان حركة الهاء وعلى التقديرات المذكورة لا يحتاج إلى ذلك البيان لأن الهاء التي قبلها ضمة أو واو لا تكون إلا مضمومة والتي قبلها كسرة أو ياء
لا تكون إلا مكسورة في الأغلب وأما إذا كانت الهاء المضمومه بعد الفتحة نحو إن غُلاَمَه أو بعد الساكن الصحيح نحو مِنْهُ فإنه يجوز الرَّوْم والإشمام بلا خلاف وبعضهم أجازهما بعد هاء الضمير مطلقاً سواء كان بعد واو أو ياء أو غيرهما من الحروف وسواء كان بعد فتح أو ضم أو كسر وإن لم يتبينا حق التبين كما مر.
قال: (وَإِبْدَالُ الهمزة حرفا من حبس حَرَكَتِهَا عِنْدَ قَوْمٍ مِثْل هَذَا الْكَلُوْ وَالْخَبُو والْبُطُوْ وَالرِّدُوْ ورأيت الْكَلاَ والْخَبَا والْبُطَا والرِّدَا ومرَرْتُ بالكَلَيْ والخَبِي وَالْبُطِي وَالرِّدِي ومنهم من يقول: هَذَا الرِّدِي ومِنَ الْبُطُوْ فَيُتْبعُ) .

(2/310)


أقول: اعلم أن الهمزة هي أبعد الحروف وأخفاها لأنها من أقصى الحلق فإذا وقفوا عليها - وبالوقف يصير الجرف الموقوف عليه أخفى مما كان في الوصل وذلك لأن الحرف أو الحركة التي تلي الحرف تبين جَرْسَه ولذلك يقلب بعضهم الألف في الوقف واواً أو ياء لأنهما أبين منها - احتاجوا إلى بيانها فنقول: الهمزة الموقوف عليها إما أن تخففها بالقلب أو الحذف كما هو مذهب أهل الحجاز على ما يجئ أو تحققها كما هو غيرهم والمحققة تحتاج إلى ما يبيِّنها لأنها تبقى فتخفى بخلاف المخففة فالمحققة لا تخلو من أن يكون قبلها ساكن أو متحرك فإن سكن ما قبلها سكن ما قبلها وقفت عليها بحذف حركتها في الرفع والجر كما تقف على نحو عَمْرو وبكر فيجرى فيها مع الإسكان الروم والإشمام لا التضعيف كما يجئ وناس كثير من العرب يلقون حركتها على الساكن الذي قبلها أكثر مما يلقون الحركة في غير الهمزة وذلك لأنها إذا كانت بعد الساكن كانت
أخفى لأن الساكن خاف فيكون خاف بعد خاف فإذا حركت ما قبلها كان أبين لها فلما كانت أحوج إلى تحريك ما قبلها من سائر الحروف لفرط خفائها ألقوا حركاتها على ما قبلها فتحة كانت أو ضمة أو كسرة ولم ينقلوا في غير الهمزة الفتحة إلى ما قبل الحرف كما يجئ وأيضاً ألقوا ضم الهمزة إلى ما قبلها في الثلاثي المكسور الفاء نحو هذا الرِّدُءْ وكسرها إلى ما قبلها في الثلاثي المضموم القاء نحو من البطئ وإن انتقل اللفظان بهذا النقل إلى وزن مرفوض ولم يبالوا بذلك لعروض ذلك الوزن في الوقف وكونه غير موضوع عليه الكلمة ولم يفعلوا ذلك في غير الهمزة فلم يقولوا: هذا عِدُل ولا من البُسِرْ كل ذلك لكراههم كونَ الهمزة ساكنة ساكناً ما قبلها ولا يجئ في المنقول إعرابها إلى ما قبلها الرومُ والإشمام لأنهما لبيان الحركة وقد حصل ذلك بالنقل

(2/311)


وبعض بنى يتفادى من الوزنين المرفرضين في الهمزة أيضاً مع عروضهما فيترك نقل الحركة فيما يؤدي إليهما: أي الثلاثي المكسور القاء والمضموفها بل يتبع العين فيهما الفاء في الأحوال الثلاث فيقول: هذا الْبُطُؤ ومررت بالْبُطُؤ وهذا الرِّدِئْ ومَرَرْتُ بالرِّدِئْ ورأيت الرِّدِئْ وذلك أنهم لما رأوا أنه يؤدي النقل في البطء في حال الجر وفى الردء في حال الرفع إلى الوزنين المرفوضين أتبعوا العين الفاء في حال الجر في البطؤ وفي حال الرفع في الردء فتساوى الرفع والجر فيهما فكرهوا مخالفة النصب إياهما فأتبعوا العين الفاء في الأحوال الثلاث فيجري في هذين المتبع عينُهما فاءَهُما في الإسكان الروم والإشمام لأنهما لبيان حركة الآخر وهي نقلت إلى ما قبله لكنها أزيلت بإتباع العين للفاء فاحتيج إلى بيانها
وبعض العرب لا يقنع من بيان الهمزة بما ذكرناه بل يطلب أكثر من الى حرف علية يجانس حركة الهمزة فيقول: هذا الوثو (1) ولابطو وَالرِّدْوْ ومررت بالْوَثْيْ (1) وَالْبَطْيْ والرِّدْيْ بسكون العين في الجميع وأما في حالة النصب فلا يمكنه تسكين ما قبل الألف إذ الالف لا يجئ إلا بعد فتحة فيقول: رأيتُ الْوَثَا (1) والبُطَا والرِّدَا بالنقل والقلب فههنا بين الهمزة بقلبها ألفاً كما بين بعضهم الألف في نحو حبلى بقلها همزة لأن الألف المفتوح ما قبلها ههنا أبْيَن من الهمزة الساكن ما قبلها كما أن الهمزة المتحرك ما قبلها كانت أبين من الألف هناك وبعضهم ينقل الحركات إلى العين في الجميع ثم يدبر الهمزة في القلب بحركة ما قبلها فيقول: هذا الْبُطُوْ: والوثو والرد وومررت بالبطى والوثى والردى.
__________
(1) الوثء: توجع في العظم بغير كسر وبابه فرح (*)

(2/312)


ورأيت الْبُطَا والْوَثَا والرِّدَا وليس هذا القلب تخفيفاً للهمزة كما في بيرٍ ورَاسٍ ومُومِن لأنهم ليسوا من أهل التخفيف بل هذا القلب للحرص على بيان الحرف الموقوف عليه ثم إن الذين تفادوا مع الهمزة من الوزن المرفوص مع عروضه من الناقلين للحركة يتفادَوْن من ذلك مع قلب الهمزة أيضاً فيقولون: هذا الْبُطو ومررت بالْبُطُو ورأيت الْبُطُو وهذا الرِّدِي ومررت بالرِّدِي ورأيت الرِّدِي فألزموا الواو في الأول والياء في الثاني وفي هذا المقلوب لامُه حرفَ لين لا يكون رَوْم ولا إشمام لأن الحركة كانت على الهمزة لا على حرف اللين كما مر في تاء التأنيث.
هذا لكه إذا كان ما قبل الهمزة ساكناً فإن كان متحركاً نحو الرشأ واكمؤ واهنئ فإنك تقف عليه كما تقف عليه كما تقف على الْجَمَل والرَّجُل والْكَبِد من
غير قلب الهمزة لأن حركة ما قبلها تبينها فيجرى فيه جميع وجوه الوقف الا التضعيف كما يجئ وإلا النقل لتحرك ما قبلها وبعض العرب - أعني من أهل التحقيق - يدبرون المفتوح ما قبلها بحركة نفسها حرصاً على البيان لعدهم الفتحة لخفتها كالعدم فلا تقوم بالبيان حق القيام فيقولون: هذا الْكَلَوْ ورأيت الْكَلاَ.
ومررت بالْكَلَيْ يقلبون المضمومة واواً والمفتوحة ألفاً والمكسورة ياء لأن الفتحة لا يستثقل بعدها حروف العلة ساكنة وأما المضموم ما قبلها والمكسورةُ نحو اكمؤ واهنئ فلا يمكن تدبيرهما بحركة أنفسهما لأن الألف لا تجئ بعد الضمة والكسرة والياء الساكنة لا تجئ بعد الضم ولا الواو الساكنة بعد الكسر وأيضاً فالضمة والكسرة تقومان بالبيان حق القيام فَبَقَّوْا الهمزتين على؟ ؟ ؟ ولم يقلبوهما كما قلبوا المفتوح ما قبلها هذا كله على مذهب الذين مذهبهم تحقيق الهمزة فاما؟ ؟ ؟ التخفيف فإنهم

(2/313)


يخففونها كما هو حق التخفيف فإن كان ما قبلها ساكناً نقلوا حركتها إلى ما قبلها وحذفوها ثم حذفوا الحركة للوقف نحو الخب والرد والبط فيجئ فيه الإسكان والروم والإشمام والتضعيف وفي المنصوب المنون يقلب التنوين الفا لاغير نحو رأيت بُطَا ورِدَا وخَبَا وإن كان ما قبلها متحركاً دبرت بحركة ما قبلها فالْخَطَا ألف في الأحوال الثلاث وأكمؤ واو واهنئ ياء فلا يكون فيها إلا الإسكان دون الروم والإشمام كما قلنا في تاء التأنيث ولا يمكن فيها التضعيف لأنه لا يكون إلا في الصحيح كما يجئ ويجئ تمام البحث على مذهب أهل التخفيف في باب تخفيف الهمزة فنقول: قول المصنف (إبدال الهمزة حرفا من جنس حركتها نحو هذا
الْكَلَوْ) هذه هي المفتوح ما قبلها وكذا في بالْكَلَيْ ورأيت الْكَلاَ قوله: (الخبو والبطو والردو والخبا والبطا والردا والخبي والبطي والردي) هذه أمثلة الهمزة المدبرة بحركة ما قبلها المنقولة من الهمزة إليه قوله (ومنهم من يقول هذا الردي ومن البطو فيتبع) الإتباع في الأحوال الثلاث كما ذكرنا لا في الرفع والجر فقط وكلُّ ما ذكر في هذا الفصل فهو وقف غير أهل التخفيف قال: (وَالتَّضْعِيفُ فِي الْمُتَحَرِّكِ الصَّحِيح غَيْرِ الْهَمْزَةِ الْمُتَحَرِّكِ مَا قَبْلَهُ نَحْوُ جَعْفَر وَهُوَ قَلِيلٌ ونحو القصبا شاد ضَرُورَة) أقول اعلم أن المقصود بالرَّوْم والإشمام والتضعيف ثلاثتها شئ واحد وهو بيان أن الحرف الموقوف عليه كان متحركاً في الوصل بحركة إعرابية أو بنائية.
فالذي اشم نبه عليه بهيتة الحركة والذي رام نبه عليه بصُوَيت ضعيف فهو أقوى في التنبيه على تحرك الحرف من الإشمام والذي ضعف فهو أقوى تبييناً لتحرك الحرف في الوصل ممن رام لأنه عليه بالحرف وذاك ببعض الحركة وإنما قلنا إنه نبه بتضعيف الحرف على كونه متحركاً في الوصل

(2/314)


لأن الحرف المضعف في الوصل لا يكون الا متحركا إذ لا يجمع بين ساكنين هذا ما قيل والذي أرى أن الرَّوْم أشد تبييناً لأن التضعيف يستدل به على مطلق الحركة وبالروم على الحركة وخصوصها وأيضاً فإن الروم الذي هو بعض الحركة أدل على الحركة من التضعيف الذي يلازم الحركة في حال دون حال: أي في حال الوصل دون حال الوقف والتضعيف أقل استعمالا من الروم والإشمام لأنه إتيان بالحرف في موضع يحذف فيه الحركة فهو الحركة فهو تثقيل في موضع التخفيف وعلامة التضعيف الشين على الحرف وهو أول [حرف] (شديد)
وشرط التضعيف أن يكون الحرف المضعف متحركاً في الوصل لأن التضعيف كما تقدم لبيان ذلك وأن يكون صحيحاً إذ يستثقل تضعيف حرف العلة وأن لا يكون همزة إذ هي وحدها مستثقلة حتى إن أهل الحجاز يوجبون تخفيفها مفردة إذا كانت غير اول كما يجئ في باب تخفيف الهمزة وإذا ضعفتها صار النطق بها كالتهوع وإنما اشترط أن يتحرك ما قبل الآخر لأن المقصود بالتضعيف بيان كون الحرف الأخير متحركاً في الوصل وإذا كان ما قبله ساكناً لم يكن هو إلا متحركاً في الوصل لئلا يلتقى ساكنان فلا يحتاج إلى التنبيه على ذلك فإن قيل: أليس الأسماء المعدودة التي قبل آخرها حرف لين كلام ميم زيد اثنان يجوز فيها التقاء الساكنين في الوصل لجريه مجرى الوقف؟ فهلا نبه في نحو (جاءني زيد) و (أتاني اثنان) بالتضعيف على أنه ليس من تلك الأسماء الساكن أواخرها في الوصل بل هي متحركة الأواخر فيه قلت: تلك الأسماء لا تكون مركبة مع عاملها وزيد في قوله (جاءني زيد) مركب مع عامله فلا يلتبس بها وأجاز عبد القاهر تضعيف الحرف إذا كان قبله مدة كسعيد ونمود نظراً إلى إمكان الجمع بين اللين والمضعف الساكن بعده ويدفعه السماع والقياس والتضعيف يكون في المرفوع والمجرور مطلقاً وأما المنصوب فإن كان منوناً

(2/315)


فليس فيه إلا قلب التنوين ألفاً إلا على لغة ربيعة فإنهم يجوزون حذف التنوين فلا منع إذن عندهم من التضعيف وإن لم يكن منوناً نحو رايت الرجل ولن نجعل ورأيت أحمد فلا كلام في جواز تضعيفه كما في الرفع والجر قوله (ونحو القَصَبَّا شاذ ضرورة) اعلم ان حق التضعيف أن يلحق المرفوع والمضموم والمجرور والمكسور والمنصوب غير المنون كما ذكرنا والمفتوح وأما
المنصوب المنون فيكتفى فيه كما قلنا بقلب التنوين الفا وينبغى أن يكون الحرف المضعف ساكناً لأنك إنما تضعفه لبيان حركة الوصل فإذا صار متحركاً فأنت مستغن عن الدلالة على الحركة إذ هي محسوسة لكنهم جوزوا في القوافي خاصة بعد تضعيف الحرف الساكن أن يحركوا المضعف لقصد الإتيان بحرف الإطلاق لأن الشعر موضع الترنم والغناء وترجيع الصوت ولا سيما في أواخر الأبيات وحروفُ الإطلاق: أي الألف والواو والياء هي المتعينة من بين الحروف للترديد والترجيع الصالحة لها فمن ثم تلحق في الشعر لقصد الإطلاق كلماتٍ لا تلحقها في غير الشعر نحو قوله: 107 - * قفانبك من ذكرى حبيب ومنزلي (1) *
__________
(1) هذا صدر بيت هو مطلع معلقة امرئ القيس وعجزه قوله: * بسقط اللوى بين الدخول فحومل * وقفا: امر بالوقوف مؤكد بالنون الخفيفة أو مسند إلى الف الاثنين والسقط: مثلث السين والقاف فيه ساكنة وهو منقطع الرمل واللوى: ما تراكم منه والمراد هنا مكان بعينه والدخول وحومل: موضعان وقد كان الاصمعي يعيب امرأ القيس في قوله (بين الدخول فحومل) وذلك لان من شروط (بين) أن تضاف إلى متعدد نحو جلست بين العلماء أو متعاطفين بالواو نحو جلست بين زيد وعمرو والعلماء يقولون في الاعتذار عن ذلك: إن المراد بالدخول اما كن متعددة كل واحد منها يسمى بذلك وكأنه قال: بين اماكن الدخول فهو كالمثال الاول والاستشهاد بالبيت هنا على أنه الحق حرف الاطلاق في الوقف وذلك مما يختص بالشعر ولا يجوز في الكلام لانهم قد يتغنون بالشعر فهم في حاجة الى مد الصوت به (*)

(2/316)


ولا تقول (مررت بعمري) إلا على لغة أزد السراة ونحو قوله 108 - * آذنتنا ببينها اسماء و (1) *
ولا تقول (جاءتني اسماء و) وتقول في الشعر: الرجُلُو والرَّجُلِي والرجُلاَ ولا يجوز ذلك في غير الشعر في شئ من اللغات وكذا قوله: 109 - وَمُسْتَلْئِمٍ كِشَّفْتُ بِالرُّمْحِ ذَيْلَهُ أقَمْتُ بَعَضْبٍ ذِي شَقَاشِقَ مَيْلَهُ (2) فجاء بالصلة بعد هاء الضمير ولا يجوز ذلك إذا وقفت عليه في الشعر نحو (جاءني غلامه) فلما جاز لهم في الشعر أن يحركوا لاجل المجئ بحرف الإطلاق ما حقُّه في غير الشعر السكونُ جوزوا تحريك اللام المضعف في نحو قوله
__________
(1) هذا صدر بيت هو مطلع معلقة الحارث بن حلزة اليشكرى وعجزه قوله: * رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّوَاءُ * وبعده قوله: آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا ثُمَّ وَلَّتْ * لَيْتَ شِعْرِي مَتَى يكون اللقاء آذنتنا: اعلمتنا والبين: الفراق والثاوى: المقيم والثواء: مصدره وولت: اعرضت وخبر ليت في قوله (ليث شعرى) محذوف ناب الاستفهام منابه يقول: إن هذه الفتاة قد اعلمتنا بأنها على وشك الرحيل ثم اعرضت عنا واعترض بين الكلام بقوله (رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّوَاءُ) يريد رب مقيم مملول غير مرغوب في إقامته والاستشهاد بالبيت في قوله (أسماء) حيث زادوا الواو في الوقف كما زادوا في بيت امرئ القيس الياء وهذا مما يختص بالشعر على ما قدمنا (2) المستلئم: الذى يلبس اللامة وهى الدرع تقول: استلام الرجل إذا لبسها وكشفت طعنت والتشديد فيه للمبالغة والعضب السيف الفاطع والشقاشق: جمع شقشقة وهى ما يخرجه البعير من فيه إذا هاج والاستشهاد بالبيت في قوله (ذيله) وقو (ميله) حيث زاد الواو في الوقف والوجه فيه ما ذكرناه من قبل في الشاهدين السابقين.
(*)

(2/317)


110 - * بِبَازِلٍ وَجْنَاءَ أوْ عَيْهَلْ (1) * مع أن حقه السكون لأجل حرف الإطلاق وكذا الباء المضعف في قوله 111 - * أو الْحَرِيقُ وَافَقَ الْقَصَبَّا (2) * أصله السكون فحرك لأجل حرف الإطلاق كما أن حق نون الأندريْن في قوله: 112 - * وَلاَ تُبْقي خمور الاندرينا (3) *
__________
(1) هذا بيت من الرجز المشطور وهو لمنظور بن مرثد الاسدي وهو من شواهد سيبويه.
والاستشهاد به في قوله (عيهل) حيث ضعف لامه وحركه وحقه السكون في غير الشعر وقد اخطأ المؤلف في قوله (وليس في كلام سيبويه ما يدل على كون مثله شاذا أو ضرورة) فأن عبارة سيبويه فيها ما يدل على انه ضرورة قال (ح 2 ص 282) : (واما التضعيف فقولك: هذا خالد وهو يجعل وهذا فرج.
حدثنا بذلك الخليل عن العرب ومن ثم قالت العرب في الشعر في القوافى: سبسبا يريد السبسب وعيهل يريد العيهل لان التضعيف لما كان في كلامهم في الوقف اتبعوه الياء في الوصل والواو على ذلك كما يلحقون الواو والياء في القوافى فيما لا يدخله ياء ولا واو في الكلام واجروا الالف مجراهما لانها شريكتهما في القوافى ويمد بها في غير موضع التنوين ويلحقونها في غير التنوين فألحقوها بهما فيما ينون في الكلام وجعلت سبسب كأنه مما لا تلحقه الالف في النصب إذا وقفت) اه فقوله في الشعر في القوافى دليل على انه لا يجئ مثله في الكلام وهذا معنى الضرورة وقد صرح الاعلم بذلك حيث قال: (الشاهد فيه تشديد عيهل في الوصل ضرورة وانما يشدد في الوقف ليعلم انه متحرك في الوصل) اه والعيهل: السريع والوجناء: الغليظة الشديدة والبازل: المسنة الغليظة
(2) هذا بيت من الرجز المشطور لرؤبة بن العجاج وسيأتى قريبا في أثناء ابيات رواها المؤلف وسنشرحه هناك (3) هذا عجز بيت لعمرو بن كلثوم التغلبي وهو مطلع معلقته وصدره قوله: * الا هبى بصحنك فاصبحينا * = (*)

(2/318)


السكون كما في قولك (مررت بالمسلمين) والقوافي كلها موقوف عليها وإن لم يتم الكلام دون ما يليها من الأبيات ولهذا قلما تجد في الشعر القديم نحو الشجرتي بالتاء وبعدها الصلة بل لا يجئ إلا بالهاء الساكنة وإنما كثر ذلك في أشعار المولدين فعلى هذا التقرير ليس قوله (الْقَصَبَّا) بشاذ ضرورة كما ليس تحريك نون (الا ندرينا) وتحريك الراء في قوله: 113 - لَعِبَ الرِّيَاحُ بِهَا وغيرها * بعدى سوا في المُورِ وَالْقَطْرِ (1) لأجل حرف الإطلاق بشاذين أتفاقاً مع أن حق الحرفين السكون لو لم يكونا في الشعر ولعدم كونه شاذاً ترى تحريك المضعف للإطلاق في كلامهم كثيراً قال رؤبة: لَقَد خشيت ان ارى جديا * في عَامِنَا ذَا بَعْدَ أنْ اخصبا (2)
__________
= والا: حرف يفتتح به الكلام ويقصد به تنبيه المخاطب لما يأتي بعده وهبى: فعل امر من الهبوب وهو الانتباه من النوم واصبحينا: فعل امر من صبح القوم يصبحهم - من باب نفع - أي: سفاهم الصبوج وهو شرب الغداة ويقابله الغبوق والاندرين: قرية بالشام مشهورة بالخمر ويقال: ان اسم القربة اندر وانما جمعها يريدها وما حولها.
والاستشهاد بالبيت في قوله (الاندرينا) حيث الحق بها الف الاطلاق وحقها السكون لولا الاضطرار (1) هذا البيت من قصيدة لزهير بن أبي سلمى المزني وقد مضى قريبا ذكر
شاهدين منها وذكرنا هناك مطلعها مشروحا والضمير في قوله (بها) يعود الى الديار والسوافي: جمع سافية اسم فاعل من قولك: سفت الريح التراب تسفيه إذا ذرته والمور - بضم الميم -: الغبار والقطر: المطر وكان أبو عبيد يقول: ليس للقطر سوافى ولكنه اشركه في الجر.
يريد تغيرت هذه الديار بما اثارته الرياح عليها من الغبار وبما تتابع عليها من المطر.
والاستشهاد بالبيت في قوله (والقطر) حيث حرك الراء بالكسر لاجل حرف الاطلاق وهو الياء (2) هذه ابيات من الرجز المشطور لرؤبة بن العجاج و (جدبا) يريد الجدب = (*)

(2/319)


إنَّ الدَّبَا فَوْقَ الْمُتُونِ دَبَّا * وهبت الريح بمور هبا تترك مَا أبْقَى الدَّبَا سَبْسَبَّا * كَأَنَّهُ السيل إذا اسلحبا أو الحريق وافق القصبا * والتبن وَالْحَلْفَاء فَالتَهَبَّا وليس في كلام سيبويه ما يدل على كون مثله شاذا أو ضرورة بلى إنما لم يكثر مثله غاية الكثرة لقلة تضعيفهم في الوقف لما ذكرنا أن الوقف حقه التخفيف لا التثقيل فقلة مثل القصبَّا وَعَيْهَلِّ مثل قلة نحو جاءني جعفر ويجعلّ وكان الواجب أن لا يلحق التضعيف المنصوب المنون في نحو قوله: * تَتْرُكُ مَا أَبْقَى الدَّبَا سَبْسَبَّا * لأن حقه أن يتحرك حرف إعرابه في الوقف ويقلب تنوينه ألفاً لا غير ومع تحرك حرف الإعراب في الوقف لا لأجل الإتيان بحرف الإطلاق لا يضعف لكن الشاعر حمل النصب على الرفع والجر وقاسه عليهما كما في لغة ربيعة واعلم أن النحاة قالوا: إن الشاعر في نحو قوله عيهلِّ والقصبَّا أجرى الوصل مجرى الوقف يعنون أن حرف الإطلاق هو الموقوف عليه إذ لا يؤتى به إلا للوقف عليه فإذا كان هو الموقوف عليه لم يكن ما قبله موقوفاً عليه بل في
درج الكلام وهذا إجراء الوصل مجرى الوقف هذا وقال سيبويه: حدثني من أثق به أنه سمع أعرابيًّا يقول: أعطني أبيضَّهْ يريد أبْيَضٌ والهاء للسكت وهو
__________
= فنقل حركة الباء الى الدال الساكنة ثم ضعف الباء والدبا: الجراد والمور: الغبار والسبسب - بزنة جعفر -: القفر والمفازة وتشديد الباء فيه ضرورة كما سيقول المؤلف واسلحب: امتد والقصبا: يريد القصب فشدد الباء والتهبا كذلك والاستشهاد بهذه الابيات في قوله (جدبا والقصبا والتهبا واخصبا وسبسبا) حيث ضعف اواخر ها للوقف ثم حركها ضرورة (*)

(2/320)


أقبح الشذوذ لأن هاء السكت لا يلحق إلا ما حركته غير إعرابية وأيضاً حرك المضعف لا لأجل حرف الإطلاق كما ذكرنا قال: (وَنَقْلُ الْحَرَكَةِ فِيمَا قَبْلَهُ سَاكِنٌ صَحِيحٌ إلا الْفَتْحَةَ إلاَّ فِي الْهَمْزَةِ وَهُوَ أيْضاً قَلِيلٌ مِثْلُ هذا بَكُرْ وخَبُؤْ ومَرَرْتُ بِبَكْر وَخَبِئْ وَرَأَيْتُ الْخَبَأْ وَلاَ يُقَالُ رَأَيْتُ الْبَكَرْ ولاَ هذا حبر ولا من قفل وَيُقَالُ: هّذَا الرِّدُؤْ وَمِنَ الْبُطِئُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَفِرُّ فَيُتْبِعُ) أقول: قوله (ونقل الحركة) هذا وجه آخر من وجوه الوقف وهو قليل كقلة التضعيف إلا في الهمزة كما ذكرنا وذلك لغرض لهم ذكرناه في نقل حركة الهمزة وإنما قلَّ هذا لتغير بناء الكلمة في الظاهر بتحرك العين الساكن مرة بالضم ومرة بالفتح ومرة بالكسر وإن كانت الحركات عارضة وأيضاً لاستكراه انتقال الإعراب الذي حقه أن يكون على الأخير إلى الوسط وإنما سهل لهم ذلك الفرار من الساكنين والضن بالحركة الإعرابية الدالة على المعنى ولو ثبت ذلك في نحو مُنْذُ من المبنيات فالمسهل الفرار من الساكنين فقط وهذا النقل ثابت في الرفع والجر اتفاقاً وأما في النصب: فإن كان الاسم منوناً
فلا يثبت إلا في لغة ربيعة لحذفهم الفتحة أيضاً وإن لم يكن منونا فقد منعه سيبويه وقال: لا يقال رأيت الْبَكَرْ بناء على ان اللام عارضة والاصل التنوين فالمعرف باللام في حكم المنون وغير سيبويه جوزه لكونه مثل مهموز الآخر فقد ثبت النقل فيه اتفاقاً لما ذكرنا قبل من خفاء الهمزة ساكنة بعد الساكن ولكراهتهم ذلك في الهمزة جوزوا فيها النقل مع الأداء الى الوزن المرفوض نحو هذا الرِّدُؤُ ومن الْبُطِئْ ولم يجوزوا ذلك في غيرها فلم يقولوا: هذا عِدُلْ ولا من قُفِلْ بل من كان ينقل في نحو بكر إذا اتفق له مثل عدل وقفل (ج 2 - 21)

(2/321)


اتبع العين الفاء في الرفع والنصب والجر فيقول: هذا العِدلِ والقُفُل ورأيت العِدلِ والقُفُل ومررت بالعِدِل وَالقُفُل لأنه لما لزمة تسوية الرفع والجر فيهما لئلا يؤدي إلى الوزن المرفوض أتبعهما المنصوب وجعل الأحوال الثلاث متساوية قوله (ومنهم من يفر فيتبع) يعني في المهموز في الأحوال الثلاث وكذا غير المهموز وإن لم يذكره المصنف والفرق بين المهموز وغيره أن المهموز يغتفر فيه الأداء إلى الوزن المرفوض فيجور ذلك كما يجوز الإتباع وأما غير المهموز فلا يجوز فيه إلا الإتباع ولم يذكر المصنف في هذا الفصل أيضاً وقف أهل الحجاز هذا وقد ذكرنا قبل أن هاء الضمير كالهمز في الخفاء فإذا سكن ما قبلها وهو صحيح جاز نقل ضمتها لبيانها إلى ذلك الساكن نحو مِنُهْ وعَنُهْ قال: 114 - عَجِبْتُ والدهر كثير عجبه * من عنزي سَبَّنِي لَمْ أضْرِبُهْ (1) وبعض بني عدي من بني تميم يحركون ما قبل الهاء للساكنين بالكسر
__________
(1) هذا بيت من الرجز لزياد الاعجم - وهو من شواهد سيبويه (ح 2 ص
287) .
العنزي: نسبة الى عنزة وهى قبيلة من ربيعة بن نزار وهى عنزة بن اسد ابن ربيعة وزياد الاعجم قائل هذا البيت احد بنى عبد القين.
والاستشهاد بالبيت في قوله (لم اضربه) حيث نقل حركة الهاء إلى الباء ليكون أبين لها في الوقف وذلك من قبيل ان الهاء الساكنة خفية فإذا وقف عليها بالسكون وقبلها ساكن كان ذلك اخفى لها قال أبو سعيد السيرافى: (انما اختاروا تحريك ما قبل الهاء في الوقف إذا كان ساكنا لانهم إذا وقفوا اسكنوا الهاء وما قبلها ساكن فيجتمع ساكنان والهاء خفية ولا تبين إذا كانت ساكنة وقبلها حرف ساكن فحركوا ما قبلها بالقاء حركتها على ما قبلها وبعضهم - وهم بنو عدى - لما اجتمع الساكنان في الوقف وارادوا ان يحركوا ما قبل الهاء لبيان الهاء حركه بالكسر كما يكسر الحرف الاول لاجتماع الساكنين في نحو قولنا: لم يقم الرجل وذهبت الهندات) اه (*)

(2/322)


فيقولون: ضَرَبَتِهْ وقَالَتِهْ والأول هو الأكثر ولا ينقل الحركة إلى الساكن إذا كان مدغماً لئلا يلزم انفكاك الإدغام نحو الرَّدِّ والشَّدِّ قوله (صحيح) وإنما اشترط ذلك لأن حرف العلة لا تنقل الحركة إليه لثقلها عليه وذلك نحو زَيْد وَحَوْض واعلم أنه يجوز أن يوقف على حرف واحد كحرف المضارعة فيوصل بهمزة بعدها ألف وقد يقتصر على الألف قال: 115 - بالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإِنْ شَرًّافَا * وَلاَ أُرِيدُ الشَّرَّ إلاَّ أنْ تَا (1) أي: إن شرا فشر ولا أريد الشر إلا أن تشاء ويروى (فأا) و (تأا) كأنه زيد على الألف ألف آخر كإشباع الفتحة ثم حركت الأولى للساكنين فقلبت همزة كما ذكرنا في دأبَّة
__________
(1) هذا بيت من الرجز لم نعثر له على قائل وقد استشهد به سيبويه (ح 2 ص 62) والشاهد فيه قوله (فا) وقوله (تا) يريد فشر وتشاء فاقتصر على الفاء وهى اول الكلمة الاولى وعلى التاء وهى اول الثانية ولما لفظ بهما وفصلهما مما بعدهما ألحقهما الألف للسكت عوضاً من الهاء التى يوقف عليها وذلك كما وقفوا على (انا) و (حيهلا) بالالف قال أبو سعيد السيرافى: (إذا سميت رجلا بالباء من ضرب فمذهب الاخفش ان يزيد عليه ما يصيره بمنزلة اسم من الاسماء المعربة وفيها ما يكون على حرفين كيد ودم واولى ما ترده إليه ما كان في الكلمة فترد الضاد فتقول: ضب وقال المازنى: ارد اقرب الحروف إليه وهو الراء فأقول: رب وقال أبو العباس: ارد الحروف كلها فأقول: ضرب) اه.
قال سيبويه: (وسمعت من العرب من يقول: الا تا بلى فا فانما ارادوا (الا تفعل) و (بلى فافعل) ولكنه قطع كما كان قاطعا بالالف في انا وشركت الالف الهاء كشركتها في قوله: انا بينوها بالالف كبيانهم بالهاء في (هي) و (هن) و (بغلتيه) قال الراجز: * بالخير خيرات ... البيت * يريد ان شرا فشر ولا يريد الشر الا ان تشاء) اه (*)

(2/323)


وقد يجري الوصل مجرى الوقف والغالب منه في الشعر للضرورة الداعية إليه قال: 116 - لَمَّا رأَى أنْ لاَدَعَه وَلاَ شَبَعْ * مَالَ إلَى أَرْطَاةِ حِقْفٍ فَالْطَجَعْ (1) وربما جاء في غير الشعر نحو ثلاثه اربع وكذا جميع الاسماء المعددة تعديداً كما ذكرنا وذلك واجب فيها كما مر وقوله تعالى: (لَكِنَّا هُوَ الله رَبِّي) في قراءة ابن عامر وقوله تعالى (كتابيه) و (حسابيه) وصلاً كما في بعض القراءات وقوله تعالى: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) بإثبات ألف (أنا)
المقصور والممدود قال: (المقصور: ما آخره الف مفردة كَالْعَصَا والرَّحَى والْمَمْدُودُ مَا كَان بَعْدَهَا فيه هَمْزَة كالكِسَاءِ وَالرِّدَاءِ والْقِيَاسِيُّ مِنَ الْمَقْصُورِ ما يكونُ قَبْلَ آخِرِ نَظِيرِهِ مِنَ الصَّحِيحِ فَتْحَةٌ وَمِنَ الْمَمْدُودِ ما يكُونُ ما قَبْلَه ألِفاً فَالْمُعْتَلُّ اللاَّمِ مِنْ أسْمَاءِ الْمَفَاعِيلِ مِنْ غَيْرِ الثَّلاَثِيِّ الْمُجَرَّدِ مَقْصُورٌ كمُعْطًى ومُشْتَرًى
__________
(1) هذا بيت من الرجز لمنظور بن مرثد الأسَدِي وقد استشهد به كثير من النحاة منهم الزمخشري وابن جنى وابن هشام والمرادي وقبله: يَا رُبَّ أبَّازٍ مِنَ الْعَفرِ صَدَعْ * تَقَّبَّضَ الذِّئْبُ إلَيْهِ وَاجْتَمَعْ والاباز: العداء وفعله ابن من باب ضرب تقول: ابن الظبى يأبن إذا عدا والعفر: جمع اعفر وهو الاببض الذى ليس بشديد البياض.
والصدع: الخفيف اللحم.
وتقبض: انزوى وانضم.
والدعة: خفض العيش والتاء فيه بدل من الفاء الذاهبة في اوله.
والارطاة: واحدة الارطى وهو شجر من شجر الرمل.
والحقف - بكسر الحاء وسكون القاف -: التل المعوج.
والطجع: اصله اضطجع فأبدل الضاد لا ما ويروى (فاطجع) بابدال الضاد طاء ويروى (فاضجع) بابدال الطاء ضادا ويروى (فاضطجع) بابدال الضاد طاء ويروى (فاضجع) بابدال الطاء ضادا ويروى (فاضطجع) على الاصل.
والاستشهاد بالبيت في قوله (الادعه) حيث ابدل التاء هاء في الوصل إجراء له مجرى الوقف.
(*)

(2/324)


لأَنَّ نَظَائِرَهُمَا مُكْرَمٌ وَمُشْتَرَكٌ وَأَسْمَاءِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ والمصدر مما قياسه مفعل ومفعل كمَغْزًى ومُلهًى لأَنَّ نَظَائِرَهُمَا مَقْتَلٌ وَمُخْرَجٌ وَالْمَصْدَرُ مِنْ فَعِلَ فَهْوَ أفْعَلُ أوْ فَعْلاَنُ أوْ فِعْلٌ كالْعَشَى وَالطَّوَى وَالصَّدَى لأن نَظَائِرَهَا
الحول وَالْعَطَشُ والْفَزَعُ وَالْغَرَاءُ شَاذٌّ والأَصْمَعِيُّ يَقْصُرُهُ وجَمْعِ فُعْلَة وَفِعْلَة كَعُرًى وَجِزًى لأنَّ نَظَائِرَهَمَا قُرَبٌ وَقِرَبٌ) أقول: قوله (ألف مفردة) احتراز عن الممدودة لأنها في الأصل ألفان قلبت الثانية همزة ولا حاجة إلى هذا فإن آخر قولك كساء وحمراء ليس ألفاً بلى قد كان ذلك في الأصل ولو نظر إلى الأصل لم يكن نحو الفتى والعصا مقصوراً.
قوله (بعدها فيه) أي: بعد الألف في الآخر فتخلو الصلة عن العائد الى الموصول وإن قلنا إن الضمير في (فيه) لم فسد الحد بنحو جاء وجائية والأولى أن يقال: الممدود ما كان آخره همزة بعد الألف الزائدة لأن نحو مَاءٍ وشاءٍ لا يسمى في الاصطلاح ممدوداً والمقصور القياسي: مقصور يكون له وزن قياسي كما تقول مثلاً: ان كل اسم مفعول من باب الإفعال على وزن مُفْعَل فهذا وزن قياسي فإذا كان اللام حرف علة - أعني الواو والياء - انقلبت ألفاً قوله (ومن الممدود) يعني أن القياسي من الممدود أن يكون ما قبله: أي ما قبل آخر نظيره من الصحيح ألفاً والأولى أن يقال: الممدود القياسي ممدود يكون له وزن قياسي فإذا عرفنا المقصور والممدود اولا كفى في حد المقصور والممدود القياسيين أن نقول: هما مقصور وممدود لهما وزن قياسي والحدان اللذان ذكرهما المصنف لا يدخل فيهما نحو الْكُبْرَى تأنيث الأكبر وحمراء تأنيث الأحمر مع أنهما قياسيان لأن كل مؤنث لأفعل التفضيل مقصور وكل مؤنث لأفعل الذي للألوان والْحُلَى ممدود

(2/325)


والاولى في تسمية المقصورا انه لكونه لامد في آخره وذلك لأنه في مقابلة الممدود يقال: يجوز في الشعر قصر الممدود: أي الإتيان بالألف فقط
وقال بعضهم: سمي مقصوراً لكونه محبوساً ممنوعاً من الحركات من قولهم: (قصرته) أي حبسته ولا يسمى بالمقصور والممدود في الاصطلاح إلا الاسم المتمكن فلا يقال: ان حبسته ولا يسمى بالمقصور والممدود في الاصطلاح إلا الاسم المتمكن فلا يقال: إن إذا ومتى وما ولا مقصورة وأما قولهم: هؤلاء مقصوراً أو ممدوداً فَتَجَوَّز وفصد للفرق بين لغتي هذه اللفظة قوله (من غير الثلاثي المجرد) فمن أفْعَلَ نحو مُعْطًى ومن فَعَّل نحو: مُسَمَّى ومن فاعل نحو مُرَامًى ومن افتعل نحو مشترى ومن انفعل نحو منجلى عنه ومن استفعل نحو مستدعى ومن تفعل نحو مُتَسَلًّى عَنْهُ ومن تفاعل نحو مُتَقَاضًى منه ومن افْعلَّ وافعال مرعوى عنه ومحو اوى له ومن فعلل مُقَوْقًى فيه وكذا كل موضع وزمان من فَعْلَى وافعنلى كسَلْقَى (1) واغْرَنْدَى (2) قوله (وأسماء الزمان والمكان والمصدر) يعني من المعتل اللام وكذا كل ما يذكر بعده من قياسات المقصور والممدود فالزمان والمكان والمصدر من ناقص الثلاثي المجرد مَفْعَل بفتح العين سواء كان من يَفْعُل أو يفعل أو يفْعَلُ كما مر في أسماء الزمان والمكان وأما من غير الثلاثي المجرد فالثلاثة على وزن مفعوله كما مضى في الباب المذكور سواء كان المفعول مُفْعَلاً أو مُفْتَعَلاً أو مستفعلا أو غير ذلك ولم يذكر المصنف إلا مُفْعَلاً قوله (والمصدر من فَعِلَ) أي المصدر المعتل اللام وليس كل مصدر من فَعِلَ الناقص الذي نعته على أحد الثلاثة الأوجه بمقصور ألا ترى إلى قولهم خَزِي يَخْزَى خِزْياً فهو خَزْيَان وَرَوِي يَرْوَى ريا فهو رَيَّان بل يجب أن
__________
(1) انظر (ح 1 ص 55 و 68) (2) انظر (ح 1 ص 113) (*)

(2/326)


يكون مقصوراً إذا كان مفتوح الفاء والعين وإنما شرط أن يكون النعت من المصدر المقصور على الأوزان المذكورة احترازاً عن نحو فَنِيَ يَفْنَى فَنَاء قوله (والْغَرَاءُ شاذ) حكى سيبويه غَرِيَ يَغْرَى (1) غَرَاء وَظَمِيَ يَظْمَى ظماء وقال الأصمعي: هو غَرًى على القياس قوله: (جمع فُعْلَة وَفِعْلَة) أي: إذا كان معتل اللام وذلك لما ذكرنا أن جمع فُعْلَة فُعَل وجمع فِعْلة فِعَل.
ومن المقصور القياسي: كل مؤنث لأفعل التفضيل وكل مؤنث بغير هاء لفَعْلاَن الصفة وكل جمع لفعيل بمعنى مفعول إذا تضمن معنى البلاء والآفة وكل مذكر لفعلاء المعتل لامه من الألوان والحِلى والخلق كأحْوَى وحَوَّاء وكل مؤنث بالألف من أنواع المشي كالْقَهْقَرَى (2) والْخَوْزَلَى (3) والْبَشَكَى (4) والْمَرَطى (5) وكل ما يدل على مبالغة المصدر من المكسور فاؤه المشدد عينه
__________
(1) تقول: غرى بالشئ يغرى - كفرح يفرح - غرى وغراء إذا اولع به كما تقول: اغرى به بالبناء للمجهول والذى ذهب إليه المصنف من أو الغراء - بالفتح والمد - مصدر غرى هو ظاهر عبارة سيبويه وهو ما حكاه ابن عصفور وغيره وقد جزم صاحب الصحاح بنه اسم مصدر وليس بمصدر وعلى هذا يكون من الممدود السماعي كالغراء - بالكسر والمد الذى يلصق به الشئ.
(2) القهقرى: الرجوع الى خلف ومثله القهقرة بالتاء (3) الخوزلى: مشية فيها تثاقل وتبختر كالخيزل والخيزلى قال المتنبي: الا كل ماشية الهيدبا * فدا كل ماشية الخوزلى (4) البشكى: خفة المشى يقال: ناقة بشكى إذا كانت خفيفة المشى كانه من الوصف بالمصدر (5) المرطى: الاسراغ في المشى يقال: مرط يمرط - كنصر ينصر - مرطا
ومروطا ومرطى إذا اسرع (*)

(2/327)


كالرميا (1) ، والخليفى (2) ، وروى الكسائي المدفى الخِصَّيصى (3) كما مر في باب المصدر ومما الغالب فيه القصر كل مفرد معتل اللام يجمع على أفعال: كنَدًى وأنداء وقَفاً وأقفاء وجاء غُثاء (4) وأغثاء وروي قَفَاء بالمد مع أن جمعه أقفاء قال: (وَنَحْوُ الإِعْطَاءِ وَالرِّمَاءِ وَالاِشْتِرَاءِ وَالاِحْبِنْطَاء مَمْدُودٌ لأنَّ نَظَائِرَهَا الإِكْرَامُ وَالطِّلاَبُ والافتتاح والاحر بحام وأسماء الأصوات المضموم أولها كالعواء والثغاء (5) لأن نظائرهما النباح حِمَارٌ وَقَذَالٌ وأنْدِيَةٌ شاذ والسَّمَاعِيُّ نَحْوُ: الْعَصَا وَالرَّحَى وَالْخَفَاءِ وَالأَبَاءِ (7) مِمَّا لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ يُحْمَلُ عليه)
__________
(1) الرميا: انظر (ح 1 ص 168) (2) الخليفى: انظر (ح 1 ص 168) (3) الخصيصى: مصدر خصه بالشئ يخصه خصا وخصوصا وخصوصية وخصوصية - بفتح الخاء أو ضمها - وخصيصى إذا افرده به دون غيره.
وانظر (ح 1 ص 168) (4) الغثاء: ما يحمله السيل من الزبد والوسخ وغيره والغثاء بالتشديد - مثله وهما ايضا الهالك البالى من ورق الشجر وفى التنزيل (والذى اخرج المرعى فجعله غثاء احوى) (5) العواء: صوت الكلب والذئب.
والثغاء: صوت الغنم والظباء (6) القباء - بالفتح والمد -: نوع من الثياب (7) الاباء - بفتح الهمزة -: اسم جنس جمعى واحدته اباءة - كعباءة - وهو
القصب.
وقد وقع في بعض النسخ (الاناء) بالنون في مكان الاباء وهو خطأ فان الاناء ممدود قياسي لان جمعه آنية - كقذال واقذلة - فيكون نظير كساء واكسية وقباء واقبية (*)

(2/328)


أقول: قوله (ونحو الإعطاء والرِّمَاء) يعني كل مصدر لأفعل وفاعل ناقص غير مُصَدَّر بميم زائدة احترازاً عن نحو المُعْطَى والْمُرَامَى وكل مصدر لافتعل وانفعل واستفعل وافعلَّ وافعالَّ ناقص فهو ممدود كالإعطاء والرماء والاشتراء والانجلاء والاستلقاء والارْعِوَاء والاحْوِيواء وكذا كل مصدر معتل اللام لفعلل على غير فَعْلَلَة نحو: قوقي قِيقَاء وكل مصدر لافعنلى كاحْبَنْطَى وكذا كل صوت معتل اللام مضموم الفاء احترازاً عن نحو الدَّوِيّ وقد ذكرنا في المصادر أن الأصوات على فُعَال أو فَعيل وكذا كل مفرد لأفْعِلة معتل اللام مفتوح الفاء والعين احترازاً عن نحو نَدِيّ وأندية وشذ رَحىً وأرْحِية وقفا المقصور وأقفية وأما قفاء بالمد وأقفية فقياس وشذ أيضاً نَدًى وأندية قال: 117 - فِي لَيْلَةٍ من جمادى ذات أندية لا يُبْصِرُ الْكَلْبُ مِنْ ظَلْمَائِهَا الطُّنُبَا (1)
__________
(1) هذا بيت من بحر البسيط من قصيدة لِمُرَّة بن مِحْكَان وهو من شعراء الحماسة وقد اختار أبو تمام منها ابياتا في باب الاضياف والمديح وقبل البيت الشاهد قوله: يَا رَبَّةَ الْبَيْتِ قُوْمِي غَيْرَ صَاغِرَةٍ * ضُمِّي إلَيْكِ رحَالَ الْقَوْمِ والقربا وبعده بيت الشاهد وبعده قوله لاَ يَنْبَحُ الْكَلْبُ فِيهَا غَيْرَ واحِدَةٍ * حَتَّى يلف على خرطمه الذنبا ربة البيت: المراد منها امرأته وقوله (غير صاغرة) اراد غير مستهان بك
وذلك لان اكرام الضيف عنده من اقدس الواجبات والرحال: جمع رحل يريد به متاع الضيفان.
والقرب: جمع قراب مثل كتاب وكتب وهو جفن السيف وانما امرها ان تضم إليها قرب سيوفهم لانهم إذا نزلوا عنده امنوا ان يصيبهم مكروه وقوله (في ليلة من جمادى) اراد في ليلة من ليالي الشتاء وذلك لان الشتاء عندهم زمان الجدب والحاجة والاندية: جمع ندى والندى: البلل.
وقيل ما سقط آخر الليل والطنب: الحبل الذى تشد به الخيمة.
والاستشهاد بالبيت في قوله (اندية) = (*)

(2/329)


وكذا كل مؤنث بغير التاء لافعل الذي للألوان والحلى كأحمر وحمراء قوله (مما ليس له نظير) أي: من ناقص ليس له نظير من الصحيح والحق أن يقال: مما ليس له ضابط ليدخل فيه نحو الْقَرَنبَى (1) والْكُمَّثْرَى والسِّيَرَاء (2) والْخُشَّاء (3) ونحوها