شرح قطر الندى وبل الصدى

الْمَفْعُول مَعَه
ص وَالْمَفْعُول مَعَه وَهُوَ اسْم فضلَة بعد وَاو أُرِيد بهَا التَّنْصِيص على الْمَعِيَّة مسبوقة بِفعل أَو مَا فِيهِ حُرُوفه وَمَعْنَاهُ ك سرت والنيل وَأَنا سَائِر والنيل ش خرج بِذكر الِاسْم الْفِعْل الْمَنْصُوب بعد الْوَاو فِي قَوْلك لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن فَإِنَّهُ على معنى الْجمع أَي لَا تفعل هَذَا مَعَ فعلك هَذَا وَلَا يُسمى مَفْعُولا مَعَه لكَونه لَيْسَ اسْما وَالْجُمْلَة الحالية فِي نَحْو جَاءَ زيد وَالشَّمْس طالعة فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ الْمَعْنى على قَوْلك جَاءَ زيد مَعَ طُلُوع الشَّمْس إِلَّا أَن ذَلِك لَيْسَ باسم وَلكنه جملَة وبذكر الفضلة مَا بعد الْوَاو فِي نَحْو اشْترك زيد وَعَمْرو فَإِنَّهُ عُمْدَة لِأَن الْفِعْل لَا يسْتَغْنى عَنهُ لَا يُقَال اشْترك زيد لَان الِاشْتِرَاك لَا يتألد إِلَّا بَين إثنين وبذكر الْوَاو مَا بعد مَعَ فِي نَحْو جَاءَنِي زيد مَعَ عَمْرو وَمَا بعد الْبَاء فِي نَحْو بِعْتُك الدَّار بأثاثها وبذكر إِرَادَة التَّنْصِيص على الْمَعِيَّة نَحْو جَاءَ زيد وَعَمْرو إِذا أُرِيد مجْرى الْعَطف

(1/231)


وَقَوْلِي مسبوقة إِلَخ بَيَان لشرط الْمَفْعُول مَعَه وَهُوَ أَنه لَا بُد أَن يكون مَسْبُوقا بِفعل أَو بِمَا فِيهِ معنى الْفِعْل وحروفه فَالْأول كَقَوْلِك سرت والنيل وَقَول الله تَعَالَى فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاءكم وَالثَّانِي كَقَوْلِك أَنا سَائِر والنيل وَلَا يجوز النصب فِي نَحْو قَوْلهم كل رجل وضيعته خلافًا للصيمري لِأَنَّك لم تذكر فعلا وَلَا مَا فِيهِ معنى الْفِعْل وَكَذَلِكَ لَا يجوز هَذَا لَك وأباك بِالنّصب لِأَن اسْم الْإِشَارَة وَإِن كَانَ فِيهِ معنى الْفِعْل وَهُوَ أُشير لكنه لَيْسَ فِيهِ حُرُوفه ص وَقد يجب النصب كَقَوْلِك لاتنه عَن الْقَبِيح وإتيانه وَمِنْه قُمْت وزيدا ومررت بك وزيدا على الْأَصَح فيهمَا ويترجح فِي نَحْو قَوْلك كن أَنْت وزيدا كالأخ ويضعف فِي نَحْو قَامَ زيد وَعَمْرو ش للاسم الْوَاقِع بعد الْوَاو المسبوقة بِفعل أَو مَا فِي مَعْنَاهُ ثَلَاث حالات إِحْدَاهَا أَن يجب نَصبه على المفعولية وَذَلِكَ إِذا كَانَ الْعَطف مُمْتَنعا لمَانع معنوي أَو صناعي فَالْأول كَقَوْلِك لَا تنه عَن الْقَبِيح وإتيانه وَذَلِكَ لِأَن الْمَعْنى على الْعَطف لاتنه عَن الْقَبِيح وَعَن إِتْيَانه وَهَذَا تنَاقض وَالثَّانِي كَقَوْلِك قُمْت وزيدا ومررت بك وزيدا أما الأول فَلِأَنَّهُ لَا يجوز الْعَطف على الضَّمِير الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل إِلَّا بعد التوكيد بضمير مُنْفَصِل كَقَوْلِه تَعَالَى لقد كُنْتُم أَنْتُم فِي ضلال مُبين وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا يجوز الْعَطف على الضَّمِير المخفوض إِلَّا بِإِعَادَة الْخَافِض كَقَوْلِه تَعَالَى وَعَلَيْهَا وعَلى الْفلك تحملون وَمن النَّحْوِيين من لم يشْتَرط فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ شَيْئا فعلى قَوْله يجوز الْعَطف وَلِهَذَا قلت على الْأَصَح فيهمَا وَالثَّانيَِة أَن يتَرَجَّح الْمَفْعُول مَعَه على الْعَطف وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك كن أَنْت وزيدا كالأخ وَذَلِكَ لِأَنَّك لَو عطفت زيدا على الضَّمِير فِي كن لزم أَن

(1/232)


يكون زيد مَأْمُورا وَأَنت لَا تُرِيدُ أَن تَأمره وَإِنَّمَا تُرِيدُ أَن تامر مخاطبك بِأَن يكون مَعَه كالأخ قَالَ الشَّاعِر فكونوا أَنْتُم وَبني أبيكم مَكَان الكليتين من الطحال وَقد اسْتُفِيدَ من تمثيلي ب كن أَنْت وزيدا كالأخ أَن مَا بعد الْمَفْعُول مَعَه يكون على حسب مَا قبله فَقَط لَا على حسبهما وَإِلَّا لَقلت كالأخوين هَذَا هُوَ الصَّحِيح

(1/233)


وَمِمَّنْ نَص عَلَيْهِ ابْن كيسَان وَالسَّمَاع وَالْقِيَاس يقتضيانه وَعَن الْأَخْفَش إجَازَة مطابقتهما قِيَاسا على الْعَطف وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ وَالثَّالِثَة أَن يتَرَجَّح الْعَطف ويضعف الْمَفْعُول مَعَه وَذَلِكَ إِذا أمكن الْعَطف بِغَيْر ضعف فِي اللَّفْظ وَلَا ضعف فِي الْمَعْنى نَحْو قَامَ زيد وَعَمْرو لِأَن الْعَطف هُوَ الأَصْل وَلَا مضعف لَهُ فيترجح
الْحَال
ص بَاب الْحَال وَهُوَ وصف فضلَة يَقع فِي جَوَاب كَيفَ ك ضربت اللص مكتوفا ش لما انْتهى الْكَلَام على المفعولات شرعت فِي الْكَلَام على بَقِيَّة المنصوبات فَمِنْهَا الْحَال وَهُوَ عبارَة عَمَّا اجْتمع فِيهِ ثَلَاثَة شُرُوط أَحدهَا أَن يكون وَصفا وَالثَّانِي أَن يكون فصلة وَالثَّالِث أَن يكون صَالحا للوقوع فِي جَوَاب كَيفَ وَذَلِكَ كَقَوْلِك ضربت اللص مكتوفا فَإِن قلت يرد على ذكر الْوَصْف نَحْو قَوْله تَعَالَى فانفروا ثبات فَإِن ثبات حَال وَلَيْسَ بِوَصْف وعَلى ذكر الفضلة نَحْو قَوْله تَعَالَى وَلَا تمش فِي الأَرْض مرحا وَقَول الشَّاعِر لَيْسَ من مَاتَ فاستراح بميت إِنَّمَا الْمَيِّت ميت الْأَحْيَاء

(1/234)


إِنَّمَا الْمَيِّت من يعِيش كئيبا كاسفا باله قَلِيل الرَّجَاء فَإِنَّهُ لَو أسقط مرحا وكثيبا فسد الْمَعْنى فَيبْطل كَون الْحَال فضلَة وعَلى ذكر الْوُقُوع فِي جَوَاب كَيفَ نَحْو قَوْله تَعَالَى وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين قلت ثبات فِي معنى مُتَفَرّقين فَهُوَ وصف تَقْديرا وَالْمرَاد بالفضلة مَا يَقع بعد تَمام الْجُمْلَة لَا مَا يَصح الِاسْتِغْنَاء عَنهُ وَالْحَد الْمَذْكُور للْحَال المبينة لَا الْمُؤَكّدَة ص وَشَرطهَا التنكير ش شَرط الْحَال أَن تكون نكرَة فَإِن جَاءَت بِلَفْظ الْمعرفَة وَجب تَأْوِيلهَا بنكرة وَذَلِكَ كَقَوْلِهِم ادخلو الأول فَالْأول وأرسلها العراك وَقِرَاءَة بَعضهم ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل بِفَتْح الْيَاء وَضم الرَّاء وَهَذِه الْمَوَاضِع وَنَحْوهَا

(1/235)


مخرجة على زِيَادَة الْألف وَاللَّام وكقولهم اجْتهد وَحدك وَهَذَا مؤول بمالا إِضَافَة فِيهِ وَالتَّقْدِير اجْتهد مُنْفَردا ص وَشرط صَاحبهَا التَّعْرِيف أَو التَّخْصِيص أَو التَّعْمِيم أَو التَّأْخِير نَحْو خشعا أَبْصَارهم يخرجُون فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء للسائلين وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا لَهَا منذرون لمية موحشا طلل ش أَي شَرط صَاحب الْحَال وَاحِد من أُمُور أَرْبَعَة الأول التَّعْرِيف كَقَوْلِه تَعَالَى خشعا أَبْصَارهم يخرجُون فخشعا حَال من الضَّمِير فِي قَوْله تَعَالَى يخرجُون وَالضَّمِير أعرف المعارف وَالثَّانِي التَّخْصِيص كَقَوْلِه تَعَالَى فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء للسائلين فَسَوَاء حَال من أَرْبَعَة وَهِي وَإِن كَانَت نكرَة وَلكنهَا مخصصة بِالْإِضَافَة إِلَى أَيَّام وَالثَّالِث التَّعْمِيم كَقَوْلِه تَعَالَى وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا لَهَا منذرون فجملة لَهَا منذرون حَال من قَرْيَة وَهِي نكرَة عَامَّة لوقوعها فِي سِيَاق النَّفْي وَالرَّابِع التَّأْخِير عَن الْحَال كَقَوْل الشَّاعِر لمية موحشا ظلل يلوح كَأَنَّهُ خلل

(1/236)


ف موحشا حَال من طلل وَهُوَ نكرَة لتأخيره عَن الْحَال
التَّمْيِيز
ص بَاب والتمييز وَهُوَ اسْم فضلَة نكرَة جامد مُفَسّر لما انبهم من الذوات ش من المنصوبات التَّمْيِيز وَهُوَ مَا اجْتمع فِيهِ خَمْسَة أُمُور أَحدهَا أَن يكون اسْما وَالثَّانِي أَن يكون فضلَة وَالثَّالِث أَن يكون نكرَة وَالرَّابِع أَن يكون جَامِدا وَالْخَامِس أَن يكون مُفَسرًا لما انبهم من الذوات فَهُوَ مُوَافق للْحَال فِي الْأُمُور الثَّلَاثَة الأولى ومخالف فِي الْأَمريْنِ الْأَخيرينِ

(1/237)


لِأَن الْحَال مُشْتَقّ مُبين للهيئات والتمييز جامد مُبين للذوات ص وَأكْثر وُقُوعه بعد الْمَقَادِير ك جريب نخلا وَصَاع تَمرا ومنوين عسلا وَالْعدَد نَحْو أحد عشر كوكبا وتسع وَتسْعُونَ نعجة وَمِنْه تَمْيِيز كم الاستفهامية نَحْو كم عبدا ملكت فَأَما تَمْيِيز الخبرية فمجرور مُفْرد كتمييز الْمِائَة وَمَا فَوْقهَا أَو مَجْمُوع كتمييز الْعشْرَة وَمَا دونهَا وَلَك فِي تَمْيِيز الاستفهامية المجرورة بالحرف جر وَنصب وَيكون التَّمْيِيز مُفَسرًا للنسبة محولا ك اشتعل الرَّأْس شيبا ووفجرنا الأَرْض عيُونا وَأَنا أَكثر مِنْك مَالا أَو غير محول نَحْو امْتَلَأَ الْإِنَاء مَاء وَقد يؤكدان نَحْو وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين وَقَوله من خير أَدْيَان الْبَريَّة دينا وَمِنْه بئس الْفَحْل فحلهم فحلا خلافًا لسيبويه
التَّمْيِيز نَوْعَانِ مُفَسّر لمفرد ومفسر لنسبة
ش التَّمْيِيز ضَرْبَان مُفَسّر لمفرد ومفسر نِسْبَة فمفسر الْمُفْرد لَهُ مظان يَقع بعْدهَا أَحدهَا الْمَقَادِير وَهُوَ عبارَة عَن ثَلَاثَة أُمُور المساحات ك جريب نخلا والكيل ك صَاع ممرا وَالْوَزْن ك منوين عسلا

(1/238)


الثَّانِي الْعدَد كَأحد عشر درهما وَمِنْه قَوْله تَعَالَى إِنِّي رَأَيْت أحد عشر كوكبا وَهَكَذَا حكم الْأَعْدَاد من الْأَحَد عشر إِلَى التِّسْعَة وَالتسْعين وَقَالَ الله تَعَالَى إِن هَذَا أخي لَهُ تسع وَتسْعُونَ نعجة وَفِي الحَدِيث إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما وَفهم من عطفي فِي الْمُقدمَة الْعدَد على الْمَقَادِير أَنه لَيْسَ من جُمْلَتهَا وَهُوَ قَول أَكثر الْمُحَقِّقين لِأَن المُرَاد بالمقادير مَا لم ترد حَقِيقَته بل مِقْدَاره حَتَّى إِنَّه تصح إِضَافَة الْمِقْدَار إِلَيْهِ وَلَيْسَ الْعدَد كَذَلِك أَلا ترى أَنَّك تَقول عِنْدِي مِقْدَار رَطْل زيتا وَلَا تَقول عِنْدِي مِقْدَار عشْرين رجلا إِلَّا على معنى آخر وَمن تَمْيِيز الْعدَد تَمْيِيز كم الاستفهامية وَذَلِكَ لِأَن كم فِي الْعَرَبيَّة كِنَايَة

(1/239)


عَن عدد مَجْهُول الْجِنْس والمقدار وَهِي على ضَرْبَيْنِ استفهامية بِمَعْنى أَي عدد ويستعملها من يسْأَل عَن كمية الشَّيْء وخبرية بِمَعْنى كثير ويستعملها من يُرِيد الافتخار والتكثير وتمييز الاستفهامية مَنْصُوب مُفْرد تَقول كم عبدا ملكت وَكم دَارا بنيت وتمييز الخبرية مخفوض دَائِما ثمَّ تَارَة يكون مجموعا كتميز الْعشْرَة فَمَا دونهَا وَتقول كم عبيد ملكت كَمَا تَقول عشرَة أعبد ملكت وَثَلَاثَة أعبد ملكت وَتارَة يكون مُفردا كتمييز الْمِائَة فَمَا فَوْقهَا تَقول كم عبد ملكت كَمَا تَقول مائَة عبد ملكت وَألف عبد ملكت وَيجوز خفض تَمْيِيز كم الاستفهامية إِذا دخل عَلَيْهَا حرف جر تَقول بكم دِرْهَم اشْتريت والخافض لَهُ من مضمرة لَا الْإِضَافَة خلافًا للزجاج الثَّالِث من مظان تَمْيِيز الْمُفْرد مَا دلّ على مماثلة نَحْو قَوْله تَعَالَى وَلَو جِئْنَا بِمثلِهِ مدَدا وَقَوْلهمْ إِن لنا أَمْثَالهَا إبِلا الرَّابِع مَا دلّ على مُغَايرَة نَحْو إِن لنا عيرها إبِلا أَو شَاءَ وَمَا أشبه ذَلِك وَقد أَشرت بِقَوْلِي وَأكْثر وُقُوعه إِلَى أَن تَمْيِيز الْمُفْرد لَا يخْتَص بالوقوع بعد الْمَقَادِير ومفسر النِّسْبَة على قسمَيْنِ محول وَغير محول فالمحول على ثَلَاثَة أَقسَام محول عَن الْفَاعِل نَحْو واشتعل الرَّأْس شيبا أَصله اشتعل شيب الرَّأْس فَجعل الْمُضَاف إِلَيْهِ فَاعِلا والمضاف تمييزا أَو محول عَن الْمَفْعُول نَحْو وفجرنا الأَرْض عيُونا أَصله وفجرنا عُيُون الأَرْض فنفعل فِيهِ مثل مَا ذكرنَا ومحول عَن مُضَاف غَيرهمَا وَذَلِكَ بعد أفعل التَّفْضِيل الْمخبر بِهِ عَمَّا

(1/240)


هُوَ مُغَاير للتمييز وَذَلِكَ كَقَوْلِك زيد أَكثر مِنْك علما أَصله علم زيد أَكثر وَكَقَوْلِه تَعَالَى أَنا أَكثر مِنْك مَالا وأعز نَفرا فَإِن كَانَ الْوَاقِع بعد أفعل التَّفْضِيل هُوَ عين الْمخبر عَنهُ وَجب خفضه بِالْإِضَافَة كَقَوْلِك مَال زيد أَكثر مَالا إِلَّا أَن كَانَ أفعل التَّفْضِيل مُضَافا إِلَى غَيره فينصب نَحْو زيد أَكثر النَّاس مَالا وَقد يَقع كل من الْحَال والتمييز مؤكدا غير مُبين لهيئة وَلَا ذَات مِثَال ذَلِك فِي الْحَال قَوْله تَعَالَى وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين ثمَّ وليتم مُدبرين وَيَوْم أبْعث حَيا فَتَبَسَّمَ ضَاحِكا وَقَالَ الشَّاعِر وتضيء فِي وَجه الظلام منيرة كجمانة البحري سل نظمها

(1/241)


وَمِثَال ذَلِك فِي التَّمْيِيز قَوْله تَعَالَى إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا وواعدنا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة وأتممناها بِعشر فتم مِيقَات ربه أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَقَول أبي طَالب وَلَقَد علمت بِأَن دين مُحَمَّد من خير أَدْيَان الْبَريَّة دينا وَمِنْه قَول الشَّاعِر والتغلبيون بئس الْفَحْل فحلهم فحلا وأمهم زلاء منطيق

(1/242)


وسيبويه رَحمَه الله تَعَالَى يمْنَع أَن يُقَال نعم الرجل رجلا زيد وتأولوا فحلا فِي الْبَيْت على أَنه حَال مُؤَكدَة والشواهدعلى جَوَاز الْمَسْأَلَة كَثِيرَة فَلَا حَاجَة إِلَى التَّأْوِيل وَدخُول التَّمْيِيز فِي بَاب نعم وَبئسَ أَكثر من دُخُول الْحَال
المسثنى بإلا
ص والمستثنى بإلا من كَلَام تَامّ مُوجب نَحْو فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم فَإِن فقد الْإِيجَاب ترجح الْبَدَل فِي الْمُتَّصِل نَحْو مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل

(1/243)


مِنْهُم وَالنّصب فِي الْمُنْقَطع عِنْد بني تَمِيم وَجب عِنْد الْحِجَازِيِّينَ نَحْو مَا لَهُم بِهِ من علم إِلَّا اتِّبَاع الظَّن مَا لم يتَقَدَّم فيهمَا فالنصب نَحْو قَوْله وَمَا لي إِلَّا آل أَحْمد شيعَة وَمَالِي إِلَّا مَذْهَب الْحق مَذْهَب أَو فقد التَّمام فعلى حسب العوامل نَحْو وَمَا أمرنَا إِلَّا وَاحِدَة وَيُسمى مفرغا ش من المنصوبات الْمُسْتَثْنى فِي بعض أقسامه وَالْحَاصِل أَنه إِذا كَانَ الِاسْتِثْنَاء بإلا وَكَانَت مسبوقة بِكَلَام تَامّ وَمُوجب وَجب بِمَجْمُوع هَذِه الشُّرُوط الثَّلَاثَة نصب الْمُسْتَثْنى سَوَاء كَانَ الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِلا نَحْو قَامَ الْقَوْم إِلَّا زيدا وَقَوله تَعَالَى فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم أَو مُنْقَطِعًا كَقَوْلِك قَامَ الْقَوْم إِلَّا حمارا وَمِنْه فِي أحد الْقَوْلَيْنِ

(1/244)


قَوْله تَعَالَى فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيس فَلَو كَانَت الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا وَلَكِن الْكَلَام السَّابِق غير مُوجب فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِلا أَو مُنْقَطِعًا فَإِن كَانَ مُتَّصِلا جَازَ فِي الْمُسْتَثْنى وَجْهَان أَحدهمَا أَن يَجْعَل تَابعا للمستثنى مِنْهُ على أَن بدل مِنْهُ بدل بعض من كل عِنْد الْبَصرِيين أَو عطف نسق عِنْد الْكُوفِيّين الثَّانِي أَن ينصب على أصل الْبَاب وَهُوَ عَرَبِيّ جيد والإتباع أَجود مِنْهُ ونعني بِغَيْر الْإِيجَاب النَّفْي وَالنَّهْي والاستفهام مِثَال النَّفْي قَوْله تَعَالَى مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُم وَقَرَأَ السَّبْعَة غير ابْن عَامر بِالرَّفْع على الْإِبْدَال من الْوَاو فِي مَا فَعَلُوهُ وَقَرَأَ ابْن عَامر وَحده بِالنّصب على الِاسْتِثْنَاء وَمِثَال النَّهْي قَوْله تَعَالَى وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد إِلَّا امْرَأَتك قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن كثير بِالرَّفْع على الْإِبْدَال من أحد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب على الِاسْتِثْنَاء وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا أَن يكون مُسْتَثْنى من أحد وَجَاءَت قِرَاءَة الْأَكْثَر على الْوَجْه الْمَرْجُوح لِأَن مرجع الْقِرَاءَة الرِّوَايَة لَا الرَّأْي وَالثَّانِي أَن يكون مُسْتَثْنى من أهلك فعلى هَذَا يكون النصب وَاجِبا وَمِثَال الِاسْتِفْهَام قَوْله تَعَالَى وَمن يقنط من رَحْمَة ربه إِلَّا الضالون قَرَأَ الْجَمِيع بِالرَّفْع على الْإِبْدَال من الضَّمِير فِي يقنط وَلَو قرئَ الضَّالّين بِالنّصب على الِاسْتِثْنَاء لجَاز وَلَكِن الْقِرَاءَة سنة متبعة

(1/245)


وَإِن كَانَ الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا فَأهل الْحجاز يوجبون النصب فَيَقُولُونَ مَا فِيهَا أحد إِلَّا حمارا وبلغتهم جَاءَ التَّنْزِيل قَالَ الله تَعَالَى مَا لَهُم بِهِ من علم إِلَّا اتِّبَاع الظَّن وَبَنُو تَمِيم يجيزون النصب والإبدال ويقرءون إِلَّا اتِّبَاع الظَّن بِالرَّفْع على أَن بدل من الْعلم بِاعْتِبَار الْموضع وَلَا يجوز أَن يقْرَأ بالخفض على الْإِبْدَال مِنْهُ بِاعْتِبَار اللَّفْظ لِأَن الْخَافِض لَهُ من الزَّائِدَة وإتباع الظَّن معرفَة مُوجبَة وَمن الزَّائِدَة لَا تعْمل إِلَّا فِي النكرات المنفية أَو المستفهم عَنْهَا وَقد اجْتمعَا فِي قَوْله تَعَالَى مَا ترى فِي خلق الرَّحْمَن من تفَاوت فَارْجِع الْبَصَر هَل ترى من فطور وَإِذا تقدم الْمُسْتَثْنى على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَجب نَصبه مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا نَحْو مَا فِيهَا إِلَّا حمارا أحد أَو مُتَّصِلا نَحْو مَا قَامَ إِلَّا زيدا الْقَوْم قَالَ الْكُمَيْت وَمَالِي إِلَّا آل أَحْمد شيعَة وَمَالِي إِلَّا مَذْهَب الْحق مَذْهَب

(1/246)


وَإِنَّمَا امْتنع الإتباع فِي ذَلِك لِأَن التَّابِع لَا يتَقَدَّم على الْمَتْبُوع وَإِن كَانَ الْكَلَام السَّابِق على إِلَّا غير تَامّ ونعني بِهِ أَلا يكون الْمُسْتَثْنى مِنْهُ مَذْكُورا فَإِن الِاسْم الْمَذْكُور الْوَاقِع بعد إِلَّا يعْطى مَا يسْتَحقّهُ لَو لم تُوجد إِلَّا فَيُقَال مَا قَامَ إِلَّا زيد بِالرَّفْع كَمَا يُقَال مَا قَامَ زيد وَمَا رَأَيْت إِلَّا زيدا بِالنّصب كَمَا يُقَال مَا رَأَيْت زيدا وَمَا مَرَرْت إِلَّا بزيد بِالْجَرِّ كَمَا يُقَال مَا مَرَرْت بزيد وَيُسمى ذَلِك اسْتثِْنَاء مفرغا لِأَن مَا قبل إِلَّا قد تفرغ لطلب مَا بعْدهَا وَلم يشْتَغل عَنهُ بِالْعَمَلِ فِيمَا يَقْتَضِيهِ وَالِاسْتِثْنَاء فِي ذَلِك كُله من اسْم عَام مَحْذُوف فتقدير مَا قَامَ إِلَّا زيد مَا قَامَ أحد إِلَّا زيد وَكَذَا الْبَاقِي
الْمُسْتَثْنى بِغَيْر وَسوى وبخلا وَعدا وحاشا وَمَا خلا وَمَا عدا وَلَيْسَ وَلَا يكون
ص وَيسْتَثْنى بِغَيْر وَسوى خافضين معربين بإعراب الِاسْم الَّذِي بعد إِلَّا وبخلا وَعدا وحاشا ونواصب أَو خوافض وَبِمَا خلا وَبِمَا عدا وَلَيْسَ وَلَا يكون نواصب ش الأدوات الَّتِي يسْتَثْنى بهَا غير إِلَّا ثَلَاثَة أَقسَام مَا يخْفض دَائِما وَمَا ينصب دَائِما وَمَا يخْفض تَارَة وَينصب أُخْرَى فَأَما الَّذِي يخْفض دَائِما فَغير وَسوى تَقول قَامَ الْقَوْم غير زيد وَقَامَ الْقَوْم سوى زيد بخفض زيد فيهمَا وتعرب غير نَفسهَا بِمَا يسْتَحقّهُ الِاسْم الْوَاقِع بعد إِلَّا فِي ذَلِك الْكَلَام فَتَقول قَامَ الْقَوْم غير زيد بِنصب غير كَمَا تَقول قَامَ الْقَوْم إِلَّا زيدا بِنصب زيد وَتقول مَا قَامَ الْقَوْم غير زيد وَغير زيد بِالنّصب وَالرَّفْع كَمَا تَقول مَا قَامَ الْقَوْم إِلَّا زيدا وَإِلَّا زيد وَتقول مَا قَامَ الْقَوْم غير حمَار بِالنّصب عِنْد الْحِجَازِيِّينَ وَبِالنَّصبِ أَو الرّفْع عِنْد التميميين وعَلى ذَلِك فقس وَهَكَذَا حكم سوى خلافًا لسيبويه فَإِنَّهُ زعم أَنَّهَا وَاجِبَة النصب على الظَّرْفِيَّة دَائِما الثَّانِي مَا ينصب فَقَط وَهُوَ أَرْبَعَة لَيْسَ وَلَا يكون وَمَا خلا

(1/247)


وَمَا عدا تَقول قَامُوا لَيْسَ زيدا وَلَا يكون زيدا وَمَا خلا زيدا وَمَا عدا زيدا وَفِي الحَدِيث مَا أنهر الدَّم وَذكر اسْم الله عَلَيْهِ فَكُلُوا لَيْسَ السن وَالظفر وَقَالَ لبيد أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل وكل نعيم لَا محَالة زائل وانتصابه بعد لَيْسَ وَلَا يكون على أَنه خبرهما واسمهما مستتر فيهمَا أَي وجوبا وانتصابه بَعْدَمَا خلا وَمَا عدا على أَنه مفعولهما وَالْفَاعِل مستتر فيهمَا الثَّالِث مَا يخْفض تَارَة وَينصب أُخْرَى وَهُوَ ثَلَاثَة خلا وَعدا وحاشا وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تكون حُرُوف جر وأفعالا مَاضِيَة فَإِن قدرتها حروفا خفضت بهَا الْمُسْتَثْنى وَإِن قدرتها أفعالا نصبته بهَا على المفعولية وقدرت الْفَاعِل مضمرا فِيهَا

(1/248)