علل النحو 53 - بَاب النّسَب
اعْلَم أَن كل اسْم تنسبه إِلَى أَب أَو بلد، وَمَا أشبه ذَلِك،
فَإنَّك تلْحقهُ الْيَاء الثَّقِيلَة، عَلامَة للنسب، وَذَلِكَ قَوْلك:
هَذَا رجل بكري، وَهَذَا رجل عامري، وَهَذَا رجل مكي، وَكَذَلِكَ
جَمِيع هَذَا الْبَاب.
قَالَ أَبُو الْحسن: اعْلَم أَن النّسَب مَعْنَاهُ إِضَافَة شَيْء
إِلَى شَيْء، وَإِنَّمَا تشدد ياؤه، لِأَن النِّسْبَة تصير لَازِمَة
للمنسوب، فَصَارَت هَذِه الْإِضَافَة أَشد مُبَالغَة من سَائِر
الإضافات، فشددوا يَاء هَذَا، ليدلوا على هَذَا الْمَعْنى، فَإِذا
كَانَ الِاسْم سالما من حُرُوف الْمَدّ واللين، زِدْت يَاء النِّسْبَة
فِي آخِره، طَال الِاسْم أَو قصر، كَقَوْلِك فِي النّسَب إِلَى بكر:
بكري، وَإِلَى سفرجل: سفرجلي: إِذا كَانَ الْمَنْسُوب إِلَيْهِ اسْمه
سفرجل، وَإِن كَانَ فِي الِاسْم الْمَنْسُوب إِلَيْهِ يَاء خَفِيفَة
قبل آخِره، أَعنِي بالخفيفة: الساكنة الزَّائِدَة، نَحْو: تَمِيم،
وَثَقِيف، وفقيم، وسليم، وقريش، وَمَا أشبه ذَلِك، فالأجود أَلا تحذف
من الْأَشْيَاء شَيْئا، إِذا نسبت إِلَيْهَا، كَقَوْلِك: تميمي،
وفقيمي، وَقد حذفوا الْيَاء من بعض ذَلِك، قَالُوا فِي قُرَيْش: قرشي،
وَفِي ثَقِيف: ثقفي، وَفِي هُذَيْل: هذلي، وهذيلي، عَمَّن أثبت
الْيَاء، فعلى الأَصْل، وَمن حذف فلاستثقال الْيَاء والكسرات، وَلَيْسَ
قبل الْكسر إِلَّا حرف وَاحِد، والحرف الْوَاحِد قَلِيل، فَصَارَ
بِمَنْزِلَة مَا لَا حكم لَهُ فِي الْكَلِمَة. فَإِن كَانَ قبل الكسرة
حرفان، لم يجب الْفَتْح، تَقول فِي تغلب: تغلبي، لِأَن أول الْكَلِمَة
حرفان، فقوي صدر الْكَلِمَة، وَيجوز الْفَتْح. فَأَما هذلي وثقفي،
فَالْأَصْل: هذيلي وثقيفي، وَإِنَّمَا
(1/529)
حذفوا الْيَاء مِنْهُمَا استثقالاً للكسرة
مَعَ الْيَاء، (82 / أ) فحذفت الْيَاء فَبَقيَ الِاسْم على وزن ثَمَر.
وَمَا كَانَ ثَانِيه مكسوراً، وَهُوَ على ثَلَاثَة أحرف يفتح فِي
النِّسْبَة، كَرَاهَة الكسرات والياءات، فَيُقَال: نمري. وَكَذَلِكَ
قَالُوا أَيْضا: هذلي، ففتحوا الذَّال، وَقد جَاءَ على الأَصْل فِي
الشّعْر، قَالَ الشَّاعِر:
(بِكُل قريشي عَلَيْهِ مهابة ... سريع إِلَى دَاعِي الندا والتكرم)
وَقَالَ آخر فَجمع بَين اللغتين:
(هذيلية تَدْعُو إِذا هِيَ فاخرت ... أَبَا هذليا من غطارفة نجد)
فَإِن كَانَ الِاسْم على (فعيلة أَو فعيلة) حذفت الْهَاء، كَقَوْلِك
فِي النّسَب إِلَى حنيفَة: حَنَفِيّ، وَفِي رجل من جذيمة: جذمي، وَقد
جَاءَ شَيْء على الأَصْل، وَلَيْسَ بالمستحسن، وَقَالُوا فِي رجل من
أهل السليقة: سليقي، وَفِي الخريبة: خريبي، وَفِي سليمَة: سليمي، وَفِي
عميرَة: عميري، وَالْوَجْه مَا
(1/530)
ذكرت لَك، إِلَّا أَن يكون الِاسْم من
المضاعف أَو المعتل، فَإنَّك تثبت فِيهِ الْيَاء، وَلَا يجوز حذفهَا،
وَذَلِكَ قَوْلك فِي رجل نسبته إِلَى شَدِيدَة: شديدي، وَفِي رجل من
طَوِيلَة: طويلي، من أجل الْوَاو، لِأَنَّهَا إِن سكنت لَزِمَهَا
الْقلب، وَإِنَّمَا وَجب حذف الْهَاء لِأَن هَاء التَّأْنِيث تضارع
يَاء النِّسْبَة، وَالدَّلِيل على مضارعتها أَنه تقع بَين الِاسْم
وَبَين جمعه، فَيكون حذفهَا فرقا بَين الْوَاحِد وَالْجمع، كَقَوْلِك:
تَمْرَة وتمر، وَكَذَلِكَ حَال الْيَاء الْمُشَدّدَة، نَحْو قَوْلك:
زنجي وزنج، ورومي ورم، وعربي وعرب، فَلَمَّا تضارعا من هَذَا الْوَجْه
الَّذِي ذَكرْنَاهُ كره الْجمع بَين تأنيثين أَو تثنيتين، فَلذَلِك
حذفت هَاء التَّأْنِيث، لمجيء يَاء النِّسْبَة، وحذفت الْيَاء، لِأَن
الْمُؤَنَّث أثقل من الْمُذكر، فَلَمَّا جَازَ الْحَذف من الْمُذكر
مَعَ خفته، لزم الْحَذف فِي الأثقل، وَمن أثبت فعلى الأَصْل، وَالله
أعلم.
وَأما مَا كَانَت قبل آخِره ياءان مدغمة إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى،
فَإِن النّسَب إِلَيْهِ بِحَذْف الْيَاء المتحركة، لِاجْتِمَاع
الياءات، وَذَلِكَ قَوْلك فِي النّسَب إِلَى ميت: ميتي، وَإِلَى حمير:
حميري، وَإِلَى أسيد: أسيدي، وَإِنَّمَا وَجب الْحَذف، لِأَن عدد هَذِه
الْحُرُوف أَكثر من عدد حُرُوف (فعيل) ، وَبَعضهَا مثلهَا فِي الْعدَد،
وهم قد حذفوا الْيَاء من (فعيل) ، وَالْكَسْر مَعَ يَاء النِّسْبَة،
فَكيف إِذا زَاد يَاء أُخْرَى، فَإِذا اجْتمع هَذَا، أَعنِي الياءين
فِي مثل (أسيد وحمير) مَعَ يَاء النِّسْبَة، كَانَ أثقل، فَلذَلِك وَجب
الْحَذف، وَإِنَّمَا كَانَ المتحرك من الياءين بالحذف أولى، لِأَنَّك
لَو حذفت الساكنة بقيت المتحركة وَقبلهَا فَتْحة، فَكَانَ يجب قَلبهَا
(1/531)
ألفا، فَيخْرجُونَ من عِلّة إِلَى عِلّة،
وَالْخُرُوج من عِلّة إِلَى عِلّة فِيهِ كلفة، فَلذَلِك حذفوا المتحركة
لتزول هَذِه الكلفة، وَمَعَ ذَلِك فَإِن الْيَاء الساكنة المدغمة لَا
مؤونة فِيهَا على الْمُتَكَلّم، لِأَنَّهُ يرفع لِسَانه بهَا فِي جملَة
الْيَاء المتحركة، فَصَارَ الاستثقال إِنَّمَا وَجب من أجل المتحركة،
فَكَانَت أولى بالحذف، إِذْ كَانَت هِيَ الْمُوجبَة للثقل.
فَإِن كَانَ آخر الِاسْم يَاء مُشَدّدَة، نَحْو: قصي وعدي وَاجِبَة،
فَإنَّك تحذف الْيَاء الساكنة، وتقلب المتحركة ألفا، لفتحة مَا قبلهَا،
ثمَّ تقلبها واواً، وتتبعها يَاء النِّسْبَة، فَتَقول: قصوي، وأموي،
وعدوي، وَإِن شِئْت تركته على الأَصْل، فَتَقول: قصيي، وأميي،
وَإِنَّمَا كَانَ الْحَذف أولى، كَرَاهَة لِاجْتِمَاع أَربع ياءات مَعَ
الكسرة، وهم قد فروا من ثَلَاث ياءات (82 / ب) وَبينهمْ حاجز، أَعنِي:
(فعيلاً) ، فَكَانَ مَا هُوَ أثقل مِنْهُ تكثيراً أولى بالحذف،
وَإِنَّمَا حذفوا الْيَاء الساكنة، لأَنهم قد علمُوا أَن المتحركة تقلب
ألفا وَلَا تثبت، لِأَنَّهَا تلِي يَاء النِّسْبَة، فَيجب قَلبهَا
واواً، فَلَمَّا كَانَ حذف السَّاكِن يُؤَدِّي إِلَى قلب المتحركة
واواً، وخروجها عَن شبه الْيَاء، وهم يفرون فِي هَذَا الْبَاب من
الياءات، وَالْكَسْر من أجل يَاء النِّسْبَة، احتملوا الْخُرُوج من
عِلّة إِلَى عِلّة، لما كَانَ ذَلِك يُؤَدِّي بهم إِلَى التَّخَلُّص
مِمَّا يفرون مِنْهُ. فَأَما بَاب (أسيد) فَلَو حذفت الْيَاء الساكنة
انقلبت
(1/532)
المتحركة ألفا، وَالْألف هِيَ قريبَة من
الْيَاء، أَلا ترى أَن الإمالة تدخل على الْألف فتقرب من الْيَاء،
فَلَمَّا كَانَ الْقلب لَا ينجيهم من بَاب (أسيد) مِمَّا يفرون مِنْهُ
حذفوا المتحركة، وتقوى الساكنة، لِأَنَّهَا قريبَة من الْألف، فَلذَلِك
خَالف فِي بَاب (أموي) . وَمن رأى الْجمع بَين الياءات فحجته أَن
الْيَاء الْمُشَدّدَة تجْرِي بِوُجُوه الْإِعْرَاب، وَلَا تستثقل
عَلَيْهِ الحركات، فَصَارَت بِمَنْزِلَة يَاء قبلهَا حرف سَاكن، نَحْو:
ظَبْي ونحي، وَمَا كَانَ كَذَلِك فَلم يحذف مِنْهُ شَيْء فِي
النِّسْبَة، فحملوا (أُميَّة) وبابه على مَا ذكرنَا، فَلم يحذفوا
مِنْهُ شَيْئا، وَإِنَّمَا أقرُّوا الْيَاء، إِذْ كَانَ قبلهَا سَاكن،
وَلم يستثقلوا دُخُول الضمة والكسرة عَلَيْهَا فِي حَال الْإِعْرَاب،
وَإِنَّمَا خَالَفت الْيَاء الْمُشَدّدَة الْيَاء الساكنة مَا قبلهَا،
لِأَن الْمُشَدّدَة وَإِن دَخلهَا الْإِعْرَاب فَهِيَ أثقل من
الْخَفِيفَة، فَإِذا انْضَمَّ إِلَيْهَا يَاء النِّسْبَة زَادَت ثقلا،
فَلذَلِك وَجب تخفيفها، وَحكم الْوَاو، إِذا كَانَت طرفا وَسكن مَا
قبلهَا، كَحكم الْيَاء إِذا سكن مَا قبلهَا، وَهِي هَاهُنَا، أولى أَو
تستثقل لأَنهم قد يفرون من الْيَاء وَهِي أثقل، وَحكم الْوَاو إِذا
كَانَت طرفا وَسكن مَا قبلهَا، كَحكم الْيَاء إِذا سكن مَا قبلهَا،
وَهِي أولى بِأَن لَا تستثقل هَاهُنَا، لأَنهم قد يفرون من الْيَاء
إِلَى الْوَاو فِي بَاب النِّسْبَة، فَإِذا كَانَت مَعَهم فِي
الْكَلِمَة فَهِيَ أولى بالثبات، فَإِن كَانَت الْيَاء فِي آخر الِاسْم
وَقبلهَا كسرة، وَكَانَ الِاسْم مَعهَا على ثَلَاثَة أحرف، قلبتها
ألفا، ثمَّ قلبتها واواً، كَقَوْلِهِم فِي عَم: عموي، وَفِي رد: ردوي،
وَإِنَّمَا وَجب ذَلِك، لأَنا قد بَينا أَن مَا كَانَ على (فعل)
(1/533)
بِكَسْر الْعين من الصَّحِيح ينْقل إِلَى
(فعل) ، فَإِذا وَجب نقل عَم إِلَى عممي، انفتحت الْمِيم، وَالْيَاء
بعْدهَا فِي مَوضِع حَرَكَة، فَإِذا كَانَ كَذَلِك انقلبت ألفا، ثمَّ
انقلبت واواً، لما سَنذكرُهُ بعد، إِن شَاءَ الله.
فَإِن كَانَ الِاسْم على أَكثر من ثَلَاثَة أحرف حذفت الْيَاء فِي
النّسَب، كَقَوْلِك إِلَى قَاض، قَاضِي، وَإِلَى نَاجِية: نَاجِي،
وَإِنَّمَا وَجب حذفهَا، لِأَن النِّسْبَة توجب كسر مَا قبلهَا، وَلَا
يدخلهَا الْكسر، فَيجب إِذا إسكانها بِدُخُول يَاء النّسَب عَلَيْهَا،
فيلتقي ساكنان، الْيَاء المسكنة وَالْيَاء المدغمة، فتحذف لالتقاء
الساكنين. وَمن قَالَ فِي تغلب: تغلبي، فَفتح اللَّام استثقالاً للكسرة
مَعَ الْيَاء أجَاز أَيْضا أَن يفتح الضَّاد من (قَاض) ، فَإِذا فتحهَا
انقلبت ألفا، أَعنِي يَاء (قَاضِي) ، ثمَّ انقلبت واواً، فَقَالَ:
قاضوي، كَمَا قَالُوا: عموي، وَإِنَّمَا ساغت التغييرات فِي بَاب
النِّسْبَة وَكثر ذَلِك، لِأَن المُرَاد بياء (83 / أ) النِّسْبَة أَن
تعلم بِأَن الْمَنْسُوب عَلَيْهِ تعلق بالمنسوب إِلَيْهِ، فَلَو فهم
ذَلِك بِبَعْض الْكَلِمَة، جَازَ أَن يقْتَصر عَلَيْهِ، فَلذَلِك سَاغَ
التَّغْيِير فِيهِ.
وَاعْلَم أَن الأَصْل فِي النّسَب أَن يُقَال: فلَان من بني فلَان، أَو
من بيئة كَذَا، وَلَكنهُمْ اختصروا ذَلِك واجتزوا بِالْيَاءِ من هَذَا
التَّطْوِيل، كَمَا اجتزوا بياء التصغير من
(1/534)
النَّعْت حَقِيرًا أَو صَغِيرا.
وَاعْلَم أَن مَا كَانَ آخِره ألفا وَهُوَ على ثَلَاث أحرف، فَإِنَّهُ
يجب قلب أَلفه واواً، من يَاء كَانَت منقلبة أَو من وَاو، كَقَوْلِك
فِي قفا: قفوي، وَفِي رحى: رحوي، وَإِنَّمَا وَجب قلب هَذِه الألفات
إِلَى الْوَاو، لِأَن الْألف تقرب من الْيَاء، والإمالة تدْخلهَا،
فَتَصِير إِلَى الْيَاء، فَلَو أقرُّوا الْألف على حَالهَا، لصار
كاجتماع ثَلَاث ياءات، وهم يَجدونَ مندوحة تَأْوِيلا لخروجهم عَن هَذَا
الثّقل، وَذَلِكَ أَن الْألف سَاكِنة، وَالْيَاء الأولى سَاكِنة،
وَالْجمع بَين ساكنين فِي كَلَامهم غير مُسْتَعْمل، إِلَّا أَن يكون
الأول حرف مد، وَالثَّانِي مشدداً، فَلَمَّا عوض بياء النِّسْبَة مَا
ذكرنَا، أجروا الْألف مَعَ يَاء النِّسْبَة مجْرى ساكنين لَيْسَ
أَحدهمَا حرف مد، فَوَجَبَ قلب الْألف إِلَى حرف يَتَحَرَّك فِيهِ،
ليزول الْجمع بَين ساكنين، وَكَانَت الْوَاو غالبة على الْيَاء فِي
هَذَا الْبَاب، إِذْ كُنَّا قد نقلب الْيَاء فِي إِيجَاب قلب الْألف،
إِذْ دخلت عَلَيْهَا يَاء النِّسْبَة، وَهُوَ أَن النِّسْبَة أقوى فِي
تَغْيِير الِاسْم من التَّثْنِيَة، إِذْ كَانَ قد ثَبت لياء النِّسْبَة
مَا ذكرنَا من إِيجَاب التَّغْيِير، وَقد بَينا عِلّة ذَلِك، والتثنية
لَيست بموجبة للتغيير، إِنَّمَا حَقّهَا أَن تزاد علامتها على لفظ
الْوَاحِد، فَإِذا كَانَت الْألف الْمَقْصُورَة تنْقَلب فِي
التَّثْنِيَة واواً أَو يَاء، كَقَوْلِك فِي قفا: قفوان، وَفِي رحى:
رحيان، وَجب أَن تكون يَاء النِّسْبَة تقلب الْألف، فَإِذا وَجب
قَلبهَا، كَانَت الْوَاو أولى لما ذكرنَا من
(1/535)
الْعلَّة الأولى، من عِلّة الْوَاو على
الْيَاء فِي بَاب النِّسْبَة، وَلم يجب فِي التَّثْنِيَة إِذْ كَانَت
التَّثْنِيَة توجب انتظام مَا كَانَ فِي الْوَاحِد، فَلذَلِك وَجب رد
الْألف فِي التَّثْنِيَة إِلَى أَصْلهَا.
فَإِن كَانَت الْألف رَابِعَة، وَكَانَت أَصْلِيَّة، فَالْوَجْه فِيهَا
أَن تجْرِي مجْراهَا فِي الثلاثي، وتقلب واواً، كَقَوْلِهِم: ملهى:
ملهوي، وَفِي معزى: معزوي، وأفعى أفعوي، لِأَنَّهَا لما كَانَت أصلا
جرت مجْرى الرَّاء فِي جَعْفَر، فَهَذَا الْقيَاس. وَكَذَلِكَ حكم
الْألف إِذا كَانَت للإلحاق بِمَنْزِلَة الْأَصْلِيّ. وَذَلِكَ نَحْو:
أرطى وعلقى، تَقول: أرطوي وعلقوي، فَإِن كَانَت الْألف للتأنيث،
فَالْوَجْه فِيهَا الْحَذف، كَقَوْلِك فِي حُبْلَى: حبلي، وَفِي بشرى:
بشري، وَفِي دنيا: دنيي، وَإِنَّمَا كَانَ حذفهَا الْوَجْه من
وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَنَّهَا من حَيْثُ كَانَت عَلامَة للتأنيث ضارعتها
التَّأْنِيث، فَكَمَا يجب حذفهَا، وأعني: الْهَاء فِي النّسَب،
فَكَذَلِك أَيْضا يجب حذف ألف التَّأْنِيث.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن ألف التَّأْنِيث سَاكِنة، وَلَيْسَت مِمَّا
أَصله الْحَرَكَة كالألف الْأَصْلِيَّة، وَألف الْإِلْحَاق فحذفوها
لسكونها وَسُكُون الْيَاء الأولى من يَاء النِّسْبَة، وَإِن كَانَت
الْألف قد يَقع بعْدهَا السَّاكِن المدغم لما بَينا أَن الْيَاء أقوى
فِي تَغْيِير مَا يدْخل عَلَيْهِ من عَلامَة التَّثْنِيَة، فَلَمَّا
كَانَت ألف التَّثْنِيَة لَا يجوز أَن يبْقى مَعهَا ألف التَّأْنِيث
(1/536)
على لَفظه، كَذَلِك لَا يبْقى مَعَ يَاء
النِّسْبَة، (83 / ب) لِأَن فِي هَذَا نقضا للْأَصْل الَّذِي أَقَمْنَا
الدَّلِيل عَلَيْهِ من قُوَّة يَاء النِّسْبَة على قدر مَا يقلبه ألف
التَّثْنِيَة.
وَاعْلَم أَنه يجوز فِي النّسَب إِلَى مَا آخِره ألف التَّأْنِيث
الْمَقْصُورَة، إِذا كَانَ على أَرْبَعَة أحرف وَجْهَان:
أَحدهمَا: أَن تَقول فِي حُبْلَى حبلاوي، وَفِي دنيا: دنياوي.
وَالْوَجْه الثَّانِي: حبلوي ودنيوي.
وَإِنَّمَا جَازَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ لِأَن ألف التَّأْنِيث، وَإِن
كَانَت عَلامَة كهاء التَّأْنِيث، فَهِيَ ألزم للأسماء من هَاء
التَّأْنِيث، وَذَلِكَ أَن الِاسْم بني من أول أَحْوَاله على ألف
التَّأْنِيث، وهاء التَّأْنِيث تقديرها أَن تكون بِمَنْزِلَة اسْم ضم
إِلَى اسْم، إِذْ كَانَت تدخل بعد اسْتِقْرَار لفظ الْمُذكر،
كَقَوْلِك: قَائِم وقائمة، فَصَارَت ألف التَّأْنِيث مشابهة للألف
الْأَصْلِيَّة، أَعنِي الَّتِي هِيَ بدل من لَام الْفِعْل، فجرت مجْرى
ألف الْإِلْحَاق، إِذْ كَانَت ألف الْإِلْحَاق زَائِدَة قد أجريت مجْرى
الأَصْل، فَلذَلِك جَازَ قلب ألف التَّأْنِيث واواً، كَمَا جَازَ قلب
الْإِلْحَاق واواً فِي النِّسْبَة، تَشْبِيها بِأَلف التَّأْنِيث،
كَمَا شبهت ألف التَّأْنِيث بهَا، فَتَقول: أرطي وعلقي. فَأَما
قَوْلهم: حبلاوي، فَإِنَّهُم زادوا ألفا قبل ألف التَّأْنِيث، لتصير
ألف التَّأْنِيث عُمْدَة فَيجب تحريكها، فَإِذا تحركت ألف التَّأْنِيث
الممدودة فيزول عَنْهَا حكم السّكُون، فَيجب ثباتها مَعَ يَاء
النِّسْبَة، وَصَارَ هَذَا الْوَجْه أقوى من قَلبهَا واواً من غير
مُوجب لتحركها، فَلهَذَا صَار هَذَا الْوَجْه أقوى من قَوْلهم: حبلوي.
فَإِن كَانَ الْمَقْصُور على خَمْسَة أحرف فَصَاعِدا وَجب حذف أَلفه
فِي النِّسْبَة،
(1/537)
زَائِدَة كَانَت أَو أَصْلِيَّة، وَذَلِكَ
أَن بعض الْعَرَب يحذف الْألف الَّتِي هِيَ بدل من لَام الْفِعْل
الَّتِي فِي الرباعي، فَتَقول فِي ملهى: ملهي، وَذَلِكَ أَنهم شبهوها
بِأَلف التَّأْنِيث، لاجتماعهما فِي صُورَة وَاحِدَة، فَإِذا كَانَ
يسوغ الْحَذف فِي الرباعي لزم الْحَذف فِي الخماسي لطوله، وَذَلِكَ
قَوْلك فِي مرامي: مرامي، وَفِي قبعثرى: قبعثري، وَفِي حبارى: حباري.
وَقد بَينا أَن الْوَجْه الْحَذف، وَألف التَّأْنِيث فِي الرباعي
والخماسي أولى بالحذف، إِذْ كَانَ الأَصْل أَيْضا قد حذف، لما
ذَكرْنَاهُ.
فَإِن كَانَت ألف التَّأْنِيث رَابِعَة، وَقد توالت الحركات قبلهَا،
تنقل الْكَلِمَة حَتَّى تجعلها بِمَنْزِلَة الخماسي، وَالدَّلِيل على
ذَلِك أَن زِيَادَة الْحَرَكَة قد تجْرِي مجْرى زِيَادَة حرف - أَنه من
يُجِيز صرف (هِنْد) وَترك صرفه لَا يُجِيز صرف (قدم) فِي حَال
الْمعرفَة، بل يلْزمه منع الصّرْف فِي امْرَأَة سميت ب (عقرب) فَلذَلِك
وَجب أَن تجْرِي مَا توالت حركاته من الرباعي مجْرى الخماسي، وَذَلِكَ
قَوْلك فِي النّسَب إِلَى جمزى: جمزي، وَفِي بشكى بشكي، إِذا سميت بهما
ونسبت إِلَيْهِمَا، وهما ضَرْبَان من الْمَشْي.
وَاعْلَم أَن الممدوة تَنْقَسِم أَرْبَعَة أَقسَام:
أَحدهمَا: أَن تكون همزته أَصْلِيَّة، كَقَوْلِك: رجل قراء، لِأَنَّهُ
من قَرَأت.
(1/538)
وَالثَّانِي: أَن تكون همزته منقلبة من
يَاء مُلْحقَة، نَحْو: علْبَاء وحرباء، وهما ملحقان بسرداح، بياء بعد
الْألف، لِأَن الْيَاء إِذا وَقعت طرفا وَقبلهَا ألف كَانَت همزَة،
فَلذَلِك كَانَت الْهمزَة أولى مِنْهَا، وَهِي أَيْضا أولى من الْهَاء،
لِأَن الْهَاء خُفْيَة وتحتاج إِلَى بَيَان، وَلِأَن الْهمزَة أجلد
مِنْهَا، صَارَت أولى.
فَإِذا نسبت إِلَى مَا همزته (84 / أ) للتأنيث قلبتها واواً عِنْد أهل
الْبَصْرَة، فَتَقول: حمراوي وخنفساوي، وَكَذَلِكَ حكم جَمِيع الْبَاب،
وَإِنَّمَا جَازَ بَقَاء الْهمزَة الَّتِي هِيَ بدل من هَاء
التَّأْنِيث مَعَ يَاء النِّسْبَة، وَلم تحذف، كَمَا حذفت الْألف
الْمَقْصُورَة، لِأَنَّهَا خرجت فِي اللَّفْظ من التَّأْنِيث، إِذْ
كَانَت الْهمزَة فِي نَفسهَا لَيست مِمَّا يؤنث بهَا، فجرت مجْرى حرف
لَيْسَ للتأنيث، فَلذَلِك لم تحذف.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَهَلا حذفت كَمَا يحذف الِاسْم المضموم إِلَى مَا
قبله؟
قيل لَهُ: قد بَينا أَن التَّأْنِيث بِالْألف مُخَالف لحكم التَّأْنِيث
بِالْهَاءِ، إِذْ كَانَ الِاسْم بني على ألف التَّأْنِيث، فَلهَذَا
الْوَجْه صَار كبعض حُرُوفه، وخالفت حكم الِاسْم المضموم إِلَى مَا
قبله، وَإِنَّمَا وَجب قَلبهَا واواً، ليفصلوا بَين الْهمزَة الَّتِي
هِيَ بدل من حرف التَّأْنِيث وَبَين الْهمزَة الَّتِي هِيَ على خلاف
ذَلِك، إِذْ كَانَت الْهمزَة تمنع الِاسْم الصّرْف، وَغَيرهَا لَا
تَأْثِير لَهُ، وصورتهما وَاحِدَة سَوَاء، ففصلوا بَينهمَا
بِالْقَلْبِ، ليدلوا على اخْتِلَاف حكمهمَا، وَإِنَّمَا كَانَت همزَة
التَّأْنِيث بِالْقَلْبِ أولى، لِأَن حكم التَّأْنِيث فِيهَا مَوْجُود،
وَهُوَ الْمُوجب لثقل الِاسْم، وَكَانَت يَاء النِّسْبَة توجب أَيْضا.
(1/539)
تثقيلاً للاسم، فَوَجَبَ أَن تقلب هَذِه
الْهمزَة إِلَى حرف لَا يدل على التَّأْنِيث، ليخف الِاسْم. وَأما مَا
سواهَا من الهمزات فَلم يكن فِيهِ مَا يُوجب هَذَا الحكم من الثّقل،
فَوَجَبَ إِقْرَاره على لَفظه، إِذْ كَانَ حكمه وَحكم سَائِر الْحُرُوف
سَوَاء فِي اجتماعه مَعَ يَاء النِّسْبَة. وَإِنَّمَا كَانَ قلب همزَة
التَّأْنِيث إِلَى الْوَاو أولى من سَائِر الْحُرُوف لوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: أَن الْوَاو تقع عَلامَة لجمع الْمُذكر، والمذكر كالأصل
للمؤنث، وَقد بَينا الْغَرَض أَن تقلب هَذِه لتبعد عَن حكم
التَّأْنِيث، فَلَمَّا كَانَت الْوَاو - لما ذَكرْنَاهُ - أَشد مباينة
للمؤنث من سَائِر الْحُرُوف، كَانَت أولى بقلب الْهمزَة إِلَيْهَا.
وَالْوَجْه الثَّانِي: هِيَ بدل عَن ألف التَّأْنِيث، فَكَانَت أولى.
وَاعْلَم أَن جَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ من الْمَمْدُود، سوى الْمَمْدُود
الَّذِي ينْصَرف يجوز أَن تقلب همزته واواً، فَتَقول: قراوي وكساوي
وعلباوي، وَبَعضه أحسن من بعض، فَقلب همزَة (علْبَاء) أحسن، لِأَنَّهَا
مُشَاركَة لهمزة التَّأْنِيث فِي الزِّيَادَة، فَحملت عَلَيْهَا، لِأَن
الْهمزَة أثقل من الْوَاو، إِذْ كَانَت ( ... .) فِي الصَّدْر، فَصَارَ
فِي قَلبهَا إِلَى الْوَاو فَائِدَة، وَهُوَ خفَّة اللَّفْظ، فَلذَلِك
جَازَ تشبيهها بِهَمْزَة التَّأْنِيث، وَإِقْرَاره على لَفظهَا، لِأَن
ذَلِك يُفِيد ثقلاً، فَإِذا ثَبت للكلمة حكم بالخفة لعِلَّة أوجبت
ذَلِك، لم يجز نَقله إِلَى مَا هُوَ أثقل مِنْهُ، وَلذَلِك جَازَ حمل
الهمزات الَّتِي هِيَ لغير التَّأْنِيث على همزَة التَّأْنِيث، وَلم
تحمل همزَة التَّأْنِيث عَلَيْهَا. وَأما همزَة (كسَاء) فَجَاز قَلبهَا
واواً بِالْحملِ على همزَة (علْبَاء) ، لِأَن الملحق بِالْأَصْلِ
يجْرِي مجْرى الأَصْل، فَلَمَّا جَازَ قلب الْهمزَة الملحقة واواً،
جَازَ قلب همزَة (رِدَاء وَكسَاء) واواً، لِأَنَّهُمَا يشابهان ألف
(علْبَاء) فِي انقلابهما من الْيَاء إِلَى الْهمزَة. وَأما همزَة
(قراء)
(1/540)
فقلبها بعيد، وَهُوَ جَائِز، وَوجه جَوَازه
الْحمل على همزَة (كسَاء) ، إِذْ كَانَت لَام الْفِعْل، فَإِن كَانَت
إِحْدَاهمَا منقلبة، فقد تشابهتا (84 / ب) فِي كَونهمَا أصليتين،
فَلذَلِك جَازَ الْقلب فِي همزَة (قراء) ، وَالله أعلم.
وَاعْلَم أَن مَا كَانَ آخِره هَاء التَّأْنِيث، وَقبلهَا يَاء أَو
وَاو، فالنسب إِلَيْهِ كالنسب إِلَى الْمَمْدُود المصروف، وَذَلِكَ
نَحْو: صلاية وشقاوة، تَقول: صلائي وشقائي، وَإِنَّمَا وَجب ذَلِك
لِأَن هَاء التَّأْنِيث يقدر سُقُوطهَا، لأجل يَاء النّسَب، فَإِذا
قدرت ذَلِك صَارَت الْيَاء وَالْوَاو طرفا وقبلهما ألف، فَيجب قَلبهَا
همزَة كهمزة (رِدَاء) ، فَإِذا ألحقتهما يَاء النِّسْبَة، بقيا على مَا
وَجب لَهما من الْهمزَة، وَيجوز أَن تَقول: شقاوي وصلاوي، كَمَا جَازَ
كساوي ورداوي.
فَإِن قَالَ قَائِل: إِذا كَانَت يَاء النّسَب تحل مَحل هَاء
التَّأْنِيث، فَلم لم تبْق الْيَاء وَالْوَاو على مَا كَانَ أَمرهمَا
عَلَيْهِ مَعَ يَاء النِّسْبَة؟
قيل: لَا يجوز ذَلِك، لِأَنَّهُ إِذا وَجب تَقْدِير الِاسْم مذكراً
لمجيء النِّسْبَة، لم يجز أَن تبقى الْيَاء وَالْوَاو على لَفْظهمَا،
وَذَلِكَ أَنا لَو قَدرنَا دُخُول هَاء التَّأْنِيث على هَذَا، وَلم
يبن الِاسْم على التَّأْنِيث لهمزنا، فَقُلْنَا: صلاءة، وشقاءة، فَإِذا
كَانَت الْهمزَة لَا تجب، إِذا قَدرنَا الِاسْم مذكراً مَعَ هَاء
التَّأْنِيث، وَكَانَ قَلبهَا همزَة مَعَ يَاء النِّسْبَة أولى،
لِأَنَّهُ لَا يجب إِلَّا تَقْدِير الِاسْم مذكراً، ثمَّ إِدْخَال يَاء
النِّسْبَة عَلَيْهِ، فاعرفه.
(1/541)
فَإِن كَانَ آخر الِاسْم يَاء وَقبلهَا
ألف، فلك فِي النِّسْبَة إِلَيْهِ ثَلَاثَة أوجه، وَذَلِكَ نَحْو: راي،
تَقول فِي النِّسْبَة إِلَيْهِ: رايي وراوي ورائي، فَمن أقرّ الْيَاء
مَعَ النِّسْبَة، فَلِأَنَّهَا يَاء يدخلهَا الْإِعْرَاب، فتجري مجْرى
الْحُرُوف الصِّحَاح، إِلَّا أَنه لَيْسَ فِي قُوَّة (رمى) ، لِأَن
(راي) قبل يائه ألف، وَالْألف تشبه بِالْيَاءِ فَيصير إِقْرَارهَا مَعَ
يَاء النِّسْبَة كأربع ياءات، فَلذَلِك فَارَقت يَاء (رمى) ، وَجَاز
أَن تقلب واواً وهمزة، فَأَما من قَلبهَا همزَة: فَإِنَّهُ شبهها ب
(رِدَاء) ، إِذْ كَانَت همزَة منقلبة من يَاء، وَمن قَلبهَا واواً،
جعلهَا بِمَنْزِلَة (دَرأ) ، وَفِي كل ذَلِك فِرَارًا من الياءات.
وَاعْلَم أَن النّسَب إِلَى الْإِحْيَاء على خلاف مَا ذكرنَا، لِأَن
هَذَا الْبَاب مُخَالف للْقِيَاس، إِلَّا أَنهم، وَإِن خالفوا قِيَاس
اللَّفْظ، فقد عدلوا بِهِ إِلَى جِهَة صَحِيحَة، فَمن ذَلِك قَوْلهم
فِي النّسَب إِلَى طَيئ: طائي، وَحقه أَن يَأْتِي على (طيئي) ، فتخفف
إِحْدَى الياءين، كَمَا قُلْنَا فِي سيد: سَيِّدي، وَإِنَّمَا خالفوا
الْقيَاس فِي (طَيئ) ، لِكَثْرَة اسْتِعْمَالهَا فِي كَلَامهم، وَهُوَ
أثقل من (سيد) ، لِأَن الْيَاء الْمُشَدّدَة بعْدهَا همزَة، والهمزة
تستثقل بعْدهَا، فقروا حذف الْيَاء الساكنة، لتنقلب المتحركة ألفا،
لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا، فيخف اللَّفْظ عَلَيْهِم، إِذْ كَانَ قد
جَازَ لَهُم حذف الْيَاء الْوَاحِدَة فِي (سيد) . وَإِنَّمَا قَدرنَا
حذف الْيَاء الساكنة من (طَيئ) ، ليَكُون قلب الْيَاء ألفا حجَّة من
جِهَة اللَّفْظ، ليقل تَقْدِير الشذوذ فِي هَذِه الْكَلِمَة، إِذْ لَو
قَدرنَا حذف
(1/542)
الْيَاء المتحركة، لم يجز قلب الْيَاء
الساكنة ألفا، فَيصير قَلبهَا على تَقْدِير الشذوذ لنا عَنهُ مندوحة،
فَلذَلِك وَجب مَا ذكرنَا.
وَمن ذَلِك قَوْلهم إِلَى الْيمن: يماني، وَإِلَى الشأم: شآمي،
وَالْقِيَاس: يمني وشأمي، وَإِنَّمَا فعلوا مَا ذَكرْنَاهُ، لِكَثْرَة
استعمالهم الْيمن (و) الشأم فِي كَلَامهم، فخففوا إِحْدَى ياءي
النّسَب، وعوضوا ألفا، إِذْ كَانَ الْحَذف قد وَقع فِي كَلَامهم،
والتعويض فِيمَا (85 / أ) لم يكثر اسْتِعْمَاله، فَكَانَ النّسَب أولى
بذلك، إِذْ كَانَ أَكثر تغييراً للكلمة من غَيره، فَلذَلِك قَالُوا:
يمَان وشآم.
فَأَما قَوْلهم فِي النّسَب إِلَى تهَامَة: تهام، فَإِن تَقْدِيره أَن
يكون ردوا الِاسْم إِلَى (تهم) ، وحذفوا الزِّيَادَة، فَصَارَ على لفظ
(يمن) ، فَكَانَ الْقيَاس على هَذَا الْوَجْه أَن يَقُولُوا: تهمي،
وَلَكنهُمْ حذفوا إِحْدَى الياءين، وعوضوا مِنْهَا الْألف، كَمَا
ذكرنَا فِي (يمَان) ، لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال، وَاحْتِمَال النّسَب
للتغيير، وَمن ذَلِك النّسَب إِلَى الْبَحْرين: بحراني، وَكَانَ
الْقيَاس: بحري، لِأَن يَاء النّسَب يَقع عَلَيْهَا الْإِعْرَاب، فَلَا
يجوز بَقَاء ألف التَّثْنِيَة مَعهَا، لِئَلَّا يجْتَمع فِي الِاسْم
رفعان وَنصب، وَمَعَ ذَلِك فَإِن عَلامَة التَّثْنِيَة وَالْجمع
زِيَادَة على بِنَاء الِاسْم، كزيادة هَاء التَّأْنِيث، فَكَمَا يجب
إِسْقَاط هَاء التَّأْنِيث، لمجيء يَاء النِّسْبَة، فَكَذَلِك يجب
إِسْقَاط عَلامَة التَّثْنِيَة وَالْجمع، لاشْتِرَاكهمَا فِي
الزِّيَادَة فِي أَوَاخِر الْأَسْمَاء، وَإِنَّمَا جَازَ (بحراني)
لِأَنَّهُ
(1/543)
قد صَار اسْما لموْضِع لَا يجوز إِسْقَاط
الْألف وَالنُّون مِنْهُ، فَصَارَت الْألف وَالنُّون مَعَه، كالألف
وَالنُّون فِي (عُثْمَان) ، وجريا مجْرى مَا بني الِاسْم عَلَيْهِ،
وَصَارَ أَيْضا فِي بَاب الْألف وَالنُّون فصل بَين النّسَب إِلَى
هَذَا الْموضع وَبَين النّسَب إِلَى الْبَحْر بِعَيْنِه.
وَمن ذَلِك قَوْلهم فِي النّسَب إِلَى زبينة: زباني، وَكَانَ الْقيَاس
زبني، وَلَكنهُمْ أبدلوا من الْيَاء ألفا لتخفيف الْكَلِمَة من غير أَن
يحذفوا حرفا، وَيجوز أَن يَكُونُوا خصوا بِهَذَا ليدلوا على أَن
الأَصْل فِيهِ (فعيلة) ، وَإِن شِئْت جعلت الْألف عوضا من حذف الْيَاء
من (فعيل) ، كَمَا جعلوها عوضا من إِحْدَى ياءي النّسَب ويمان.
وَأما قَوْلهم فِي النّسَب إِلَى الدَّهْر: دهري، فَإِنَّهُم أَرَادوا
الْفَصْل بَين من قد مرت عَلَيْهِ الدهور وَبَين من يَقُول بالدهر، فضم
الأول لضمة الدهور، وبقوا لفظ من يَقُول بالدهر على فَتحه، وَمن ذَلِك
قَوْلهم فِي النّسَب إِلَى الْبَصْرَة: بَصرِي، بِكَسْر الْبَاء، وَوجه
ذَلِك أَن الْبَصْرَة بِكَسْر الْبَاء: اسْم الْحِجَارَة الرخوة،
فَيجوز أَنهم كسروا الْبَاء فِي (بَصرِي) ليدلوا أَن الْبَصْرَة سميت
بِهَذَا الِاسْم من أجل الْحِجَارَة الَّتِي يُقَال لَهَا: الْبَصْرَة.
(1/544)
وَجَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ إِذا سميت بِهِ
رجلا نسبت إِلَيْهِ على الْقيَاس الَّذِي يجب لَهُ من جِهَة اللَّفْظ.
وَاعْلَم أَنَّك إِذا نسبت إِلَى رجلَيْنِ وَقع النّسَب إِلَى
أَحدهمَا، ليفصل بَينه وَبَين مَا وَقع اسْما وَاحِدًا، وَذَلِكَ
قَوْلك فِي النّسَب إِلَى رجلَيْنِ: رجْلي، وَإِلَى مُسلمين:
مُسْلِمِي.
قَالَ أَبُو الْحسن: إِنَّمَا وَجب أَن تحذف عَلامَة التَّثْنِيَة
وَالْجمع لِأَنَّهُمَا ليسَا بلازمين للاسم، فصارا بِمَنْزِلَة هَاء
التَّأْنِيث وياء النِّسْبَة، وَقد بَينا مضارعتهما لهاء التَّأْنِيث،
فحذفوا عَلامَة التَّثْنِيَة وَالْجمع، لمجيء النِّسْبَة، كَمَا حذفوا
هَاء التَّأْنِيث، لِأَن من شَرط الْإِعْرَاب أَن يَقع على يَاء
النِّسْبَة، فَلم تقو عَلامَة التَّثْنِيَة وَالْجمع، فَصَارَ فِي
الِاسْم رفعان ونصبان وجران، وَهَذَا لَا يكون، لِأَن عَاملا وَاحِدًا
لَا يحدث فِي الِاسْم الْوَاحِد إعرابين، فَكَانَت يَاء النِّسْبَة
ألزم من عَلامَة التَّثْنِيَة وَالْجمع، لِأَن الْمَنْسُوب يصير
مَرْفُوعا بِمَا نسب إِلَيْهِ، من بلد أَو غير ذَلِك؛ فَلذَلِك صَار
بَقَاء يَاء النِّسْبَة أولى من بَقَاء عَلامَة التَّأْنِيث وَالْجمع،
وَمَعَ ذَلِك فَلَو بقوا عَلامَة التَّثْنِيَة (85 / ب) وَالْجمع،
لالتبس الْمَنْسُوب إِلَى التَّثْنِيَة وَالْجمع بالمنسوب إِلَى
الْوَاحِد على لفظ التَّثْنِيَة وَالْجمع، وَكَانَ الْحَذف من الْمثنى
وَالْمَجْمُوع أولى مِمَّن اسْمه ذَلِك، لِأَن الْألف وَالنُّون إِذا
صارتا مَعَ مَا قبلهمَا من الْكَلِمَة اسْما لوَاحِد، لم يجز أَن
يفارقاه، لِأَنَّهُ قد صَار علما مَعَهُمَا، فجريا مجْرى أحد حُرُوف
الأَصْل، فَإِذا كَانَت الْألف وَالنُّون للتثنية لم يَكُونَا لازمين،
فَكَانَ حذف مَا لَا يلْزم أولى من حذف اللَّازِم.
(1/545)
وَاعْلَم أَنَّك إِذا سميت رجلا برجلَيْن
أَو مُسلمين، فالاختيار أَيْضا حذف عَلامَة التَّثْنِيَة وَالْجمع فِي
النِّسْبَة، وَذَلِكَ أَنا قد بَينا فِي بَاب (مَا لَا ينْصَرف وَمَا
ينْصَرف) أَن التَّسْمِيَة بالتثنية وَالْجمع الْأَحْسَن فِيهَا
حِكَايَة حَالهمَا قبل التَّسْمِيَة، وَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك، فقد
جَريا فِي حَال التَّسْمِيَة مجراهما قبل التَّسْمِيَة، أَعنِي فِي
الْإِعْرَاب، فَلذَلِك كَانَ حذفهما فِي التَّسْمِيَة مُسَاوِيا
لحذفهما قبل التَّسْمِيَة، وَمن جعل الْإِعْرَاب فِي النُّون، قَالَ:
جَاءَنِي رجلَانِ، وَرَأَيْت رجلَانِ، ومررت برجلان، وَكَذَلِكَ من
يَقُول: جَاءَنِي مُسلمين، وَرَأَيْت مسلمينا، ومررت بمسلمين،
فَإِنَّهُ قد أجْرى هَاتين العلامتين مجْرى مَا هُوَ من نفس الْحَرْف،
وَإِذا نسبت إِلَيْهِمَا لم تحذف مِنْهُمَا شَيْئا، فَتَقول: هَذَا
رجلاني، ومسلميني.
وَكَذَلِكَ حَال: يبرين، وقنسرين وفلسطين، من أعْربهَا إِعْرَاب
الْجمع، فَجَعلهَا فِي الرّفْع بِالْوَاو، وَفِي الْجَرّ وَالنّصب
بِالْيَاءِ، حذف الْيَاء وَالنُّون فِي النِّسْبَة، إِذا أجراها مجْرى
الْجمع.
وَمن جعل الْإِعْرَاب فِي النُّون، لم يحذف من الْأَسْمَاء، فَقَالَ:
هَذَا قنسريني وفلسطيني. وَكَذَلِكَ حكم جَمِيع مَا يجْرِي هَذَا
المجرى من الْأَسْمَاء.
فَأَما النّسَب إِلَى الْمَسَاجِد: فمسجدي، لِأَنَّك رددت الْمَسَاجِد
إِلَى الْوَاحِد
(1/546)
ونسبت إِلَيْهِ، لتفصل بَين من اسْمه
(مَسْجِد) وَبَين من يكثر الْقعُود فِي الْمَسَاجِد، وَإِنَّمَا كَانَ
بِالرَّدِّ إِلَى الْوَاحِد أولى من الْمُسَمّى بِالْجمعِ، لِأَن
الَّذِي يكثر الْقعُود فِي الْمَسَاجِد لَيْسَ يجوز أَن يجمع بَينهمَا
فِي حَال وَاحِدَة، وَإِنَّمَا نسب إِلَى أَحدهمَا، وَلَفظه لفظ
الْجِنْس، لما صَارَت النِّسْبَة تدل على ملازمته للمساجد، إِذْ لَيْسَ
وَاحِد مِنْهَا أولى بِهِ من الآخر.
وَأما الْمُسَمّى بِالْجمعِ فقد صَار مَجْمُوع الْكَلِمَة، وَلَيْسَ
الْغَرَض بِالنِّسْبَةِ إِثْبَات معنى من الْمُسَمّى، بل الْغَرَض أَن
يكون هَذَا الْجمع علما لَهُ، وَلَو رد إِلَى الْوَاحِد، لم يَقع
النّسَب إِلَى الْمَقْصُود إِلَيْهِ، فَلذَلِك وَجب بَقَاء الْجمع فِي
حَال النِّسْبَة، إِذْ كَانَ اسْما لشخص.
وَكَذَلِكَ حكم جَمِيع كل جمع مكسر، وَمن ذَلِك قَوْلهم للَّذي يكثر
النّظر فِي الْفَرَائِض: فَرضِي، وَذَلِكَ أَن الْوَاحِد: فَرِيضَة،
فَوَجَبَ حذف الْيَاء وَالْهَاء، على مَا ذَكرْنَاهُ فِي (فعيلة) .
وَأما قَوْلهم: مدائني ومعافري وضبابي وكلابي، فَإِنَّمَا نسب إِلَى
لفظ الْجمع، لِأَنَّهَا أَسمَاء لبلد أَو شخص، فالنسبة يجب أَن تكون
إِلَى لَفظه.
وَأما مَا كَانَ من أَسمَاء الجموع لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا،
نَحْو: نفر وَقوم
(1/547)
وعترة ورهط، فالنسب يَقع إِلَى لَفظهَا،
سَوَاء كَانَت لشخص أَو وَاقعَة على مَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا وَجب ذَلِك
فِي النّسَب، لِأَنَّهَا لَو ردَّتْ إِلَى وَاحِدهَا، لم يكن من لفظ
وَاحِدهَا أَن المُرَاد من هَذِه الجموع دون غَيرهَا، فبذلك وَجب
بَقَاء لَفظهَا فِي النّسَب اسْما كَانَ لشخص، أَو كَانَ لجمع، فاعرفه.
(1/548)
54 - النّسَب إِلَى الِاسْم الْمُضَاف
قَالَ أَبُو الْحسن: الأجود (86 / أ) فِي هَذَا أَن نقسم الْمُضَاف
والمضاف إِلَيْهِ على ثَلَاثَة أوجه:
أَحدهَا: أَن يكون الثَّانِي معرفَة مَقْصُودا إِلَيْهِ، وَالْأول بِهِ
معرفَة، فَإِذا كَانَ كَذَلِك فالنسب إِلَى الثَّانِي، لِأَن الأول
اخْتصَّ بِهِ، يَعْنِي: الثَّانِي، وَهُوَ فِي نَفسه مَعْرُوف، فَتَقول
فِي ابْن الزبير: زبيري.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن يكون الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ كنية،
نَحْو: أبي الْحسن، وَأبي عَمْرو، فَالْأول مُشْتَرك لجَمِيع المكنيين،
وَإِنَّمَا اخْتلفُوا بِالثَّانِي، فَصَارَ حكمه كَحكم (الزبير) فِي
اخْتِصَاص الأول، فالأجود فِي هَذَا أَن ينْسب إِلَى الثَّانِي،
فَتَقول: حسني، وَالْوَجْه الثَّانِي غير مَعْرُوف للْأولِ، وَلَكِن
الأول وَالثَّانِي جعلا اسْما وَاحِدًا لشخص لَيْسَ أَحدهمَا أولى بِهِ
من الآخر، فَصَارَ مجموعها بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد مُفْرد، وَإِذا
كَانَ ذَلِك كَذَلِك وَجب حذف الثَّانِي، لِأَنَّهُ فِي مَوضِع
الزِّيَادَة للْأولِ، إِذْ كَانَ قد قَامَ مقَام التَّنْوِين فِيهِ،
وَذَلِكَ نَحْو: عبد الْقَيْس، وامرئ الْقَيْس، فَتَقول: عَبدِي
وامرئي، وَبَعْضهمْ يَقُول: مرئي، وَذَلِكَ أَنه لما حذف ألف الْوَصْل،
رد الْكَلِمَة إِلَى أَصْلهَا، وَأَصلهَا (فعل) ، بِإِسْكَان الرَّاء،
وَلَكنهُمْ حركوها فِي النّسَب لروم الْحَرَكَة فِي بِنَاء ألف
الْوَصْل، وَهَذَا مطرد على قِيَاس مَذْهَب
(1/549)
سِيبَوَيْهٍ، أَنه تَغْيِير الْحَرْف،
فَإِن لَزِمته الْحَرَكَة لعِلَّة دَخلته، وَكَانَ أَصله السّكُون،
ثمَّ رد إِلَى أَصله لم تسْقط عَن الْحَرْف حركته وَإِنَّمَا فعل ذَلِك
ليدل بِبَقَاء الْحَرَكَة فِيهِ أَنه قد كَانَ مِمَّا تلْزمهُ
الْحَرَكَة، فَلذَلِك قَالُوا: امرئي.
وَاعْلَم أَن قِيَاس الكنية أَن تجْرِي مجْرى عبد الْقَيْس، لِأَن
الكنية مجموعها قد صَار علما للشَّخْص، غير أَن الكنية يجْرِي الِاسْم
الأول مِنْهَا على طَريقَة وَاحِدَة، فَيَقَع فِيهَا إِشْكَال لَو حذفت
الثَّانِي، وَأما الْمُسَمّى فَالْأول يخْتَلف، وَرُبمَا يتَّفق،
نَحْو: عبد الْقَيْس، وَعبد الدَّار، وَالْعرب لحرصها على تبيان
وَزَوَال الْإِشْكَال يشتقون من الاسمين اسْما فَتَقول فِي النّسَب
إِلَى عبد الْقَيْس: عبقسي، وَإِلَى عبد الدَّار: عبدري، وَإِلَى عبد
الشَّمْس: عبشمي. وَإِنَّمَا فعلوا ذَلِك لتساوي كم الِاثْنَيْنِ فِي
النِّسْبَة، فَلذَلِك جَازَ أَن يشتقوا مِنْهُمَا اسْما وَاحِدًا،
فيجتمع لَهُم بِهَذَا الْفِعْل معرفَة الْمَنْسُوب إِلَيْهِ وخفة
اللَّفْظ، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يجب أَن يَجْعَل اسْما يُقَام
عَلَيْهِ فِي كَلَامهم لاختلاط طَرِيقه، أَلا ترى أَنهم أثبتوا الدَّال
فِي (عبدري) ، وَلم يثبتوه فِي (عبقسي) و (عبشمي) ، فَإِذا كَانَ
الطَّرِيق مُخْتَلفا، لم يكن طَرِيق إِلَى الْقيَاس عَلَيْهِ، لِأَن
الْغَرَض فِي الْقيَاس أَن يتَكَلَّم على حد كَلَامهم، فَإِذا لم تدر
كَيْفيَّة ذَلِك، سقط الْقيَاس عَنَّا فِيمَا يجْرِي هَذَا المجرى.
وَإِنَّمَا وَجب فِي الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ حذف أحد الاسمين،
لِأَن الْغَرَض فِي الْمَنْسُوب أَن يعلم تعلقه بالمنسوب إِلَيْهِ،
فَإِذا كَانَ كَذَلِك استطالوا إِدْخَال يَاء النِّسْبَة على لفظ
الْمُضَاف إِلَيْهِ، لِأَن جعل الاسمين اسْما وَاحِدًا آكِد فِي لُزُوم
أَحدهمَا الآخر من لُزُوم الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ، لِأَن الْمُضَاف
قد ينْفَصل من الْمُضَاف إِلَيْهِ، وَيَقَع الْإِخْبَار عَن الْمُضَاف
دون الْمُضَاف إِلَيْهِ، إِذْ كَانَ الْمُضَاف إِلَيْهِ معنى فِي
(1/550)
نَفسه، نَحْو: غُلَام زيد، وَمَا أشبه
ذَلِك، وَيجوز الْفَصْل بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ فِي الشّعْر،
وَلَا يجوز ذَلِك فِي الاسمين اللَّذين جعلا اسْما وَاحِدًا، (86 / ب)
وَالنّسب يُوجب حذف الثَّانِي من الاسمين (اللَّذين) جعلا اسْما
وَاحِدًا، فَإِذا كَانَ الْحَذف وَاجِبا فِي اللَّازِم، فَإِن مَا
لَيْسَ بِلَازِم أولى بالحذف، وَإِنَّمَا وَجب حذف الثَّانِي من
الاسمين اللَّذين جعلا اسْما وَاحِدًا، لِأَنَّهُ مضارع لهاء
التَّأْنِيث، فَكَمَا وَجب حذفهَا - أَعنِي: هَاء التَّأْنِيث فِي
النِّسْبَة - وَجب حذف الِاسْم الثَّانِي فِي النِّسْبَة.
وَاعْلَم أَن الْعَرَب تشتق من الاسمين اللَّذين جعلا اسْما وَاحِدًا
فِي النِّسْبَة اسْما، فَتَقول فِي حَضرمَوْت: حضرمي. وَإِنَّمَا جَازَ
ذَلِك لِأَنَّهُ إِذا جَازَ فِي الْمُضَاف هَذَا الِاشْتِقَاق حرصاً
على الْبَيَان، وَلَيْسَ لُزُوم الْمُضَاف للمضاف إِلَيْهِ، كلزوم
وَاحِد الاسمين للْآخر الَّذِي جعل مَعَه اسْما وَاحِدًا، فَإِذا جَازَ
فِي الْمُضَاف هَذَا الْوَجْه، كَانَ فِي هَذَا أَجود، وَلَيْسَ ذَلِك
أَيْضا بِقِيَاس مطرد، وَالْعلَّة فِيهِ كالعلة فِيمَا ذكرنَا فِي بَاب
(الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ) ، وَذكر النّسَب إِلَى مَا كَانَ على
حرفين.
وَاعْلَم أَن الأَصْل فِي هَذَا الْبَاب أَن تعْتَبر الْأَسْمَاء
المنقوصة الَّتِي تقع على حرفين، نَحْو: يَد، وغد، وَدم، وَمَا
أشبههَا، فَلَمَّا لم يرجع من الْحَرْف إِلَيْهِ المنقوص فِي تَثْنِيَة
وَلَا جمع سَالم، فَأَنت مُخَيّر فِي النّسَب، إِن شِئْت رددت
الْمَحْذُوف، وَإِن شِئْت لم ترد، وَإِنَّمَا يعْتَبر برد الْمَحْذُوف
فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع مَا يسْتَعْمل فِي الْكَلَام دون مَا يجوز
فِي الشّعْر، تَقول فِي دم: دموي، وَإِن شِئْت دمي،
(1/551)
وَكَذَلِكَ تَقول فِي يَد: يدوي، وَإِن
شِئْت: يَدي، وَفِي غَد: غدوي، لِأَن هَذِه الْأَسْمَاء لَا تسْتَعْمل
فِي التَّثْنِيَة، تَقول: يدان، وَدَمَانِ، وغدان، وَإِنَّمَا ترد
المحذوفات مِنْهَا فِي الشّعْر، قَالَ الشَّاعِر:
(جرى الدميان بالْخبر الْيَقِين ... )
وَقَالَ آخر:
(يديان بِالْمَعْرُوفِ عِنْد محلم ... )
وَقَالَ آخر:
(وَمَا النَّاس إِلَّا كالديار وَأَهْلهَا ... بهَا يَوْم حلوها وغدواً
بَلَاقِع)
وَإِنَّمَا كَانَت النِّسْبَة دون الْمَحْذُوف لما بَيناهُ من كَثْرَة
تَغْيِير الْمَنْسُوب، فَلَمَّا
(1/552)
كَانَت النِّسْبَة تقوى على تَغْيِير
الِاسْم، وَحذف مَا لَا يجوز حذفه فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع
السَّالِم، كَانَت أَيْضا قَوِيَّة على رد الْمَحْذُوف، كَمَا قويت على
حذف الْمَوْجُود، ليَكُون هَذَا إِذا رد فِي النِّسْبَة عوضا مِمَّا
يُوجِبهُ حذف يَاء النِّسْبَة، وَكَذَلِكَ صَار رد يَاء النِّسْبَة
أقوى على رد الْمَحْذُوف من التَّثْنِيَة وَالْجمع السَّالِم، إِذْ
كَانَت التَّثْنِيَة وَالْجمع السَّالِم إِنَّمَا طريقهما نَحْو
علامتهما بِبِنَاء الِاسْم من غير تَغْيِير لصيغته. وَأما مَا رد فِي
التَّثْنِيَة وَالْجمع السَّالِم فَلَا بُد من رده فِي النِّسْبَة،
لِأَن الأضعف إِذا قوي على رد الْمَحْذُوف كَانَ الْأَقْوَى أولى برده،
فَتَقول فِي النّسَب إِلَى أَخ: أخوي، وَإِلَى أَب: أَبَوي، وَإِلَى
سنة: سنوي، لِأَنَّك تَقول: أَخَوان، وأبوان، وسنوات.
وَمن جعل سنة من سانهت، قَالَ فِي النّسَب: سنهي، لِأَنَّهُ إِنَّمَا
وَجب ردهَا لقيامها مقَام الْوَاو، لِأَنَّهُ وَإِن لم تقل: سنهات،
فَإِنَّمَا ذَلِك لاكتفائهم بالسنوات عَنهُ؛ فَلذَلِك وَجب رد الْهَاء
فِي النِّسْبَة على اللُّغَة الْأُخْرَى، فاعرفه.
وَاعْلَم أَن الأَصْل فِي (يَد، يَدي) ، على وزن (فعل) ، بِسُكُون
الْعين، وَيكون بتحريك الدَّال فِي الشّعْر، لما ذَكرْنَاهُ من مَذْهَب
سِيبَوَيْهٍ فِي أَن الدَّال لما كف مِنْهَا الْحَرَكَة فِي حَال
النَّقْص ثمَّ رد إِلَى الِاسْم مَا حذف، حركت الدَّال، فَتكون (87 /
أ) حركتها دلَالَة على لُزُوم الْحَرَكَة لَهَا فِي حَال النَّقْص،
وَجئْت بِالْفَتْح لِأَن عَلامَة التَّثْنِيَة توجب فتح مَا قبلهَا،
فَلَمَّا ظَهرت الْيَاء حركت الدَّال بالحركة الَّتِي كَانَت تستحقها،
ثمَّ حذفت الْيَاء فِي التَّثْنِيَة، وَإِن شِئْت قلت: إِنَّمَا خصت
(1/553)
بِالْفَتْح، لِأَن الْفَتْح أخف الحركات،
وَالْغَرَض بتحريك الدَّال الدّلَالَة على أَن لَهَا دَالا تلزمها
فِيهِ الْحَرَكَة، وَنحن نصل بِالْفَتْح إِلَى هَذِه الدّلَالَة،
فَوَجَبَ اسْتِعْمَاله بِالْفَتْح دون الضَّم وَالْكَسْر، إِذْ كَانَا
أثقل من الْفَتْح.
فَأَما (غَد) : فقد اسْتعْمل فِي الشّعْر على أَصله، وَصَارَ ذَلِك
دَلِيلا بَينا على (أَن) أَصله (فعل) ، بِسُكُون الْعين.
وَأما (دم) : فَالْأَظْهر فِيهِ فَتْحة الْمِيم فِي الشّعْر، لِأَنَّهُ
جَائِز أَن يكون سمي بمصدر: دمي يدمى دَمًا، فَلهَذَا كَانَ الْأَظْهر
فِيهِ هَذَا الْوَجْه، وَإِن كَانَ لَيْسَ بممتنع أَن يَجْعَل أَصله
على (فعل) ، بِسُكُون الْعين، وَهُوَ الْبناء الْمُتَّفق الَّذِي أقل
مَا تبنى الْكَلِمَة عَلَيْهِ، وَالْحَرَكَة زِيَادَة، وَيجوز أَن تكون
الْمِيم حركت فِي حَال التَّثْنِيَة الَّذِي ذكرنَا فِي (يَد) ، فَإِذا
كَانَ كَذَلِك، لم يمْتَنع هَذَا الْوَجْه الثَّانِي.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَإِذا كَانَ الأَصْل فِي (يَد وغد) مَا ذكرْتُمْ
من سُكُون حاليهما، فَلم يحركان فِي النِّسْبَة؟
قيل لَهُ: لما ذَكرْنَاهُ من لُزُوم الْحَرَكَة لَهما، فَلَمَّا رد
إِلَيْهِمَا فِي النِّسْبَة الْمَحْذُوف مِنْهُمَا، حرك الثَّانِي
مِنْهُمَا بِالْفَتْح.
وَأما (يَد) : فَلَمَّا تحركت الدَّال انقلبت مِنْهَا الْيَاء
الْمَرْدُودَة ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا، فَلَمَّا صَار آخرهَا
ألفا، جرت مجْرى الْمَقْصُور، فَلذَلِك وَجب أَن تَقول: يدوي، كَمَا
قلت: رحوي.
فَأَما (غَد) : فَالْقِيَاس فِيهِ أَيْضا، وَإِن كَانَت الْوَاو انقلبت
ألفا على حد انقلاب الْيَاء، ثمَّ صَارَت واواً بعد ذَلِك، كَمَا قيل
فِي قفوي، فاعرفه.
(1/554)
55 - بَاب التَّضْعِيف
اعْلَم أَن الأَصْل فِي الحرفين إِذا التقيا من كلمة وَاحِدَة،
وَكَانَت الْكَلِمَة على ثَلَاثَة أحرف فِي الْفِعْل أَن تُدْغَم،
نَحْو: رد، وفر، وَالْأَصْل: ردد، وفرر، وَإِنَّمَا وَجب الْإِدْغَام
فِي الْفِعْل لثقله إِذا كَانَ متضمناً للْفَاعِل.
فَأَما الْأَسْمَاء الثلاثية فَمَا كَانَ مِنْهَا على (فعل) أَو (فعل)
وَجب الْإِدْغَام لثقل الكسرة فِي الْعين والضمة فِيهَا، وَحمل على
الْفِعْل من أجل الثّقل.
فَأَما مَا كَانَ مِنْهَا على (فعل) مَفْتُوح الْعين، نَحْو: شرر،
وطلل، وضرر، لم يدغم لخفة الْفَتْح وخفة الِاسْم، أَقروهُ على أَصله،
إِذْ لم يشبه الْفِعْل، وأصل الْإِدْغَام إِدْخَال الشَّيْء فِي
الشَّيْء مَأْخُوذ من قَوْلهم: أدغمت فاس اللجام فِي فَم الْفرس،
وَإِنَّمَا حملهمْ على الْإِدْغَام طلب الخفة، لِأَن الشَّيْء إِذا
كَانَ خَفِيفا بَقِي على أَصله، وَلَا بُد من إسكان الْحَرْف المدغم،
لِأَن الْحَرَكَة حائلة بَين الحرفين، المدغم والمدغم فِيهِ،
وَإِنَّمَا وَجب الْإِدْغَام لِئَلَّا تعود من حرف نطقت بِهِ إِلَى
مثله من وَسطه، وَإِذا أدغمت رفعت لسَانك عَن الْحَرْف المدغم فِي
الآخر رفْعَة وَاحِدَة، لَا تَكْرِير فِيهِ، وَلَا يجوز أَن يكون
بَينهمَا متوسط، فَلذَلِك وَجب إسكان الْحَرْف المدغم.
فَأَما مَا زَاد على ثَلَاثَة أحرف، والتقى فِيهِ حرفان من جنس وَاحِد،
فالإدغام فِيهِ وَاجِب، لِأَنَّهُ لما (87 / ب) كثرت حُرُوفه طَال
وَثقل، فَلَمَّا كَانَ الْإِدْغَام فِي الثلاثي الَّذِي ثَانِيه مكسور
أَو مضموم وَاجِبا، كَانَ مَا زَاد على الثلاثي أولى بذلك
(1/555)
لِأَنَّهُ أثقل مِنْهُ، أَلا ترى أَنه أثقل
مِنْهُ، إِلَّا أَن تكون الْكَلِمَة مُلْحقَة، وَذَلِكَ أَنَّك لَو
بنيت من (ضرب) نَحْو: (جَعْفَر) لَقلت: ضربب، وَلم يجز الْإِدْغَام،
وَإِنَّمَا لم يجز ذَلِك، لِأَنَّك لَو أدغمت لألقيت حَرَكَة الْبَاء
الأولى على الرَّاء، فتغيرت الْبَاء وَالرَّاء عَن أَصلهمَا، وَكَانَ
الْإِلْحَاق يَزُول، وَالْغَرَض فِي الْإِلْحَاق أَن يكون الملحق
مطابقاً للفظ الملحق بِهِ فِي حركاته وسكونه، فَلذَلِك لم يجز
الْإِدْغَام فِي هَذَا الْقَبِيل. فَأَما قَوْله:
(فغض الطّرف إِنَّك من نمير ... فَلَا كَعْبًا بلغت وَلَا كلابا)
فلك فِي الضَّاد أَرْبَعَة أوجه: الضَّم وَالْفَتْح، وَالْكَسْر من
وَجْهَيْن، فأحد وَجْهي الْكسر أَن تحرّك الضَّاد الْآخِرَة، لسكونها
وَسُكُون الضَّاد الأولى، وَالضَّم وَالْفَتْح قد فسرناه فِي الشَّرْح.
وَأما إِن نَوَيْت بِكَسْر الضَّاد، لأجل سكونها وَسُكُون اللَّام فِي
الطّرف، فالكسر لَا غير، لِأَن الحرفين الساكنين إِذا كَانَا من
كَلِمَتَيْنِ لم يراعوا فيهمَا قبل السَّاكِن، وَإِنَّمَا تعْتَبر
الْحَرْف فِي نَفسه، وَإِن كَانَ الْكسر فِيهِ مستثقلاً عدل عَنهُ،
وَإِن لم يكن مستثقلاً، كسر على أصل مَا يجب فِي التقاء الساكنين.
وَأما إِذا كَانَت الْحَرَكَة من أجل السَّاكِن فِي الْكَلِمَة روعي
ثقل الْكَلِمَة، وَجَاز الْعُدُول عَن الْكسر، لثقل الْكَلِمَة، والفصل
بَين الحكم الْمُتَعَلّق بِالْكَلِمَةِ وَبَينه، إِذا كَانَ مُتَعَلقا
بِالْكَلِمَةِ الْأُخْرَى، أَن الْكَلِمَة الثَّانِيَة لَا تلْزم
الْكَلِمَة الأولى، كلزوم الْكَلِمَة بَعْضهَا بَعْضًا، فَصَارَ مَا
يتَعَلَّق بِالْكَلِمَةِ أثقل حكما مِمَّا يتَعَلَّق بغَيْرهَا، إِن
شَاءَ الله.
(1/556)
56 - بَاب الألفات
اعْلَم أَن ألفات الْوَصْل إِنَّمَا وَجب أَن يكون دُخُولهَا فِي
الأَصْل على الْأَفْعَال دون الْأَسْمَاء، لِأَن الْأَفْعَال تتصرف،
وَتَقَع فِيهَا الزِّيَادَة، والأسماء تبنى على بِنَاء وَاحِد، وَكَانَ
حق ألفها أَن يكون كبعض حُرُوف الِاسْم فِي الثَّبَات، فَلذَلِك كَانَ
حق ألف الْوَصْل أَن لَا تدخل على الْأَسْمَاء، وَإِنَّمَا دخلت على
الْأَسْمَاء، لِأَنَّهَا مشبهة بِالْفِعْلِ، إِذْ كَانَت متضمنة
للإضافة كتضمن الْفِعْل للْفَاعِل، وَمَعَ ذَلِك فقد حذف أواخرها،
كَمَا تحذف أَوَاخِر الْأَفْعَال المعتلة فِي الْأَمر، نَحْو: اغز،
ارْمِ، فسكنوا أَوَائِل هَذِه الْأَسْمَاء، وأدخلوا ألف الْوَصْل
عَلَيْهَا عوضا من الْحَذف الَّذِي وَقع فِيهَا.
فَإِن قَالَ قَائِل: فامرؤ وَامْرَأَة لم يَقع فيهمَا حذف، فلأي شَيْء
دَخَلتهَا ألف الْوَصْل؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَنهم يَقُولُونَ: مرء، وَإِذا حذفوا الْهمزَة
على هَذِه اللُّغَة، فَهُوَ إِذن من الْأَسْمَاء المحذوفة الْأَوَاخِر،
فَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك، ألحقوه ألف الْوَصْل فِي حَال تَخْفيف
الْهمزَة، عوضا من حذفهَا، فَلم يحذفوا لرجوع الْهمزَة، إِذْ كَانَ
التَّخْفِيف فِيهَا سَابِقًا أبدا، فَلَمَّا لم يكن رُجُوعهَا يُوجب
ثباتها أبدا، صَار الِاسْم فِي معنى المنقوص، فَلذَلِك دَخلته ألف
الْوَصْل.
وَأما الْأَفْعَال المضارعة فتقديرها أَن يَقع مَعهَا ألف الْوَصْل،
وَذَلِكَ أَن الْأَمر إِنَّمَا يكون لما لم يَقع مِنْهَا، وَإِذا كَانَ
كَذَلِك، وَجب تَقْدِير بنائِهِ من الْمُضَارع، (88 / أ) فثم حرف
المضارعة، فَإِن كَانَ بعْدهَا حرف سَاكن، وَأَرَدْت الْأَمر من ذَلِك،
لم يكن بُد من دُخُول ألف الْوَصْل فِي قَوْلك:
(1/557)
اضْرِب، وَالْأَصْل: تضرب، فَلَمَّا حذفت
التَّاء ( ... .) بِالْأَمر إِلَّا سَاكن، والابتداء بالساكن محَال،
لِأَن الِابْتِدَاء ( ... .) ، فمحال أَن يكون الْحَرْف فِي حَال إثارة
الْمُتَكَلّم لَهُ سَاكِنا، فَوَجَبَ إِدْخَال ألف الْوَصْل عَلَيْهِ،
ليمكن الِابْتِدَاء بِهِ، وَلما كَانَ مَا يَلِي حرف المضارعة فِي
قَوْلك: بِعْ وَقل، وَالْأَصْل فِيهِ: يَبِيع وَيَقُول، فالقاف
وَالْبَاء متحركتان، لم يحْتَج فيهمَا ألف وصل بعد حذف الْيَاء.
وَأما مَا زَاد على الرباعي من الْأَفْعَال، نَحْو: انْطلق، واستخرج،
فالسين وَالنُّون دخلا للمعاني الَّتِي أُرِيد بالأفعال، وَثبتت هَذِه
الْحُرُوف على السّكُون، لِأَن الأَصْل فِي الْحَرْف السَّاكِن،
فَلَمَّا ثبتَتْ على السّكُون، احْتَاجَت إِلَى ألف الْوَصْل، لما
ذَكرْنَاهُ.
وَأما همزَة ألف الْقطع، نَحْو قَوْلك: أكْرم يكرم، فَإِنَّهَا قطعت
وَإِن كَانَت دَاخِلَة على السَّاكِن، وخالفت همزَة (انْطلق واستخرج) ،
لِأَن همزَة (أكْرم) وبابه دخلت لِمَعْنى، وَهُوَ أَنَّهَا عدت
الْفِعْل بعد أَن لم يكن مُتَعَدِّيا، أَلا ترى أَنَّك تَقول: كرم زيد،
ثمَّ تَقول: أكرمت زيدا، فَلَمَّا دخلت لِمَعْنى، وَجب أَن تثبت فِي
جَمِيع الْأَحْوَال، كَمَا يثبت الْحَرْف الَّذِي هُوَ من نفس
الْكَلِمَة. وَألف انْطلق واستخرج لَا تفِيد معنى، وَإِنَّمَا دخلت لما
ذَكرْنَاهُ من التَّوَصُّل إِلَى النُّطْق بالساكن بعْدهَا، فَلذَلِك
افْتَرقَا، فَإِذا أمرت من قَوْلك: أكْرم يكرم، قلت: أكْرم زيدا،
وَهَذِه الْهمزَة الَّتِي كَانَت فِي الْمَاضِي محذوفة فِي الْمُضَارع،
وَفِي فعل الْأَمر، وَكَانَ
(1/558)
حَقّهَا أَن تسْتَعْمل، لِأَن شَرط
الْفِعْل الْمُضَارع أَن يكثر فِي لفظ الْمَاضِي مَعَ زِيَادَة حرف
المضارعة، فَلَمَّا كَانَ قَوْلك: أكْرم، فِي أَوله همزَة، ثمَّ أدخلت
عَلَيْهِ حرف المضارعة، وَجب أَن تَقول: يؤكرم، كَمَا تَقول: يدحرج،
إِلَّا أَنهم لَو قَالُوا: لزم الْمُتَكَلّم: أَنا أأكرم، فَيجمع بَين
همزتين زائدتين، وَقد وجدنَا الْعَرَب تستثقل الْجمع بَين همزتين،
وَالثَّانيَِة مِنْهُمَا أصل، فتحذفهما جَمِيعًا، نَحْو قَوْلك: خُذ
وكل، وهما من: أَخذ، وَأكل، فَلَمَّا حذفت الْهمزَة الْأَصْلِيَّة
كَانَ حذف الزَّائِد لَازِما، وَبقيت همزَة الْمُتَكَلّم، لِأَنَّهَا
دخلت لِمَعْنى، ثمَّ أجروا مَا فِي أَوله حرف المضارعة مجْرى الْهمزَة
فِي الْحَذف، لِئَلَّا يخْتَلف طَرِيق الْفِعْل، وَإِن اضْطر الشَّاعِر
جَازَ أَن يَأْتِي بِهِ على الأَصْل كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(لِأَنَّهُ أهل لِأَن يؤكرما ... )
فقد بَان بِمَا ذَكرْنَاهُ أَن الأَصْل فِي يكرم: يؤكرم. وَأما فِي
الْأَمر من أكْرم يكرم، فَإِنَّهُ إِذا أَمر حذف الْيَاء من يكرم،
فَبَقيت الْكَاف سَاكِنة، وَلَا يجوز الِابْتِدَاء بالساكن، فَوَجَبَ
أَن ترد الْهمزَة الذاهبة، لِأَنَّهَا أولى من زِيَادَة همزَة لَيست
مُرَادة فِي الْكَلِمَة، فَلذَلِك وَجب ردهَا دون ألف الْوَصْل، وَقد
ابتدت مَفْتُوحَة على أَصْلهَا، فَقَالُوا: أكْرم زيدا وَإِنَّمَا خصت
همزَة لَام التَّعْرِيف بِالْفَتْح، لِأَنَّهَا دخلت على
(1/559)
حرف، وأصل الْحَرْف أَن يبْنى على
الْفَتْح، فَلَمَّا ألزمت اللَّام السّكُون، (88 / ب) جعل مَا كَانَ
يسْتَحقّهُ اللَّام دَاخِلا على الْألف.
وَأما ألف (إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل) فَإِنَّمَا عَلَيْهِمَا
بِأَنَّهُمَا أصلان بعد الْهمزَة أَرْبَعَة أحرف أصُول، والهمزة لَا
تلْحق بناءات الْأَرْبَعَة زَائِدَة، فَوَجَبَ أَن تجْعَل من نفس
الْكَلِمَة، قِيَاسا على كَلَام الْعَرَب.
وَأما (إِسْحَاق) فَبعد الْهمزَة ثَلَاثَة أحرف، وَمن شَرط الْهمزَة
إِذا وَقعت بعد ثَلَاثَة أحرف أصُول أَن يحكم عَلَيْهَا
بِالزِّيَادَةِ، لِكَثْرَة زياداتها فِي هَذَا الْموضع، نَحْو:
حَمْرَاء، وصفراء، وَمَا أشبه ذَلِك، فَلذَلِك فَارَقت ألف (إِسْحَاق)
ألف (إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل) .
فَإِن قَالَ قَائِل: فقد ذكر سِيبَوَيْهٍ تَصْغِير إِبْرَاهِيم
فَقَالَ: بريه، وَكَانَ الْقيَاس على مَا أصلناه: أبيره، لِأَن الِاسْم
إِذا كَانَ على خَمْسَة أحرف أصُول، فَإِنَّمَا يَقع الْحَذف فِي آخِره
إِذا صغر، كَقَوْلِك: سفرجل، فَإِذا صغرته قلت: سفيرج، وَقد رد أَبُو
الْعَبَّاس قَول سِيبَوَيْهٍ، وَاحْتج بِمَا ذَكرْنَاهُ؟
فَالْجَوَاب لسيبويه عَن هَذَا أَن هَذِه أَسمَاء أَعْجَمِيَّة، لَا
يعرف اشتقاقها، وَغير مُمْتَنع أَن تكون الْهمزَة عِنْد الْعَجم
زَائِدَة، فَلَمَّا كَانَ هَذَا مُحْتملا، ورأينا الْهمزَة تزاد كثيرا
فِي الْأَوَائِل، جَازَ حذفهَا من هَذِه الأعجمية، لما ذكرنَا من
الِاحْتِمَال،
(1/560)
وَلَا يجب ذَلِك من كَلَام الْعَرَب، لِأَن
الدّلَالَة قد قَامَت على الْحُرُوف كلهَا أَنَّهَا أصُول فِي (سفرجل)
من غير شُبْهَة، فَلذَلِك لم يجز إِلَّا حذف الْأَوَاخِر، وَفَارَقت
أَسمَاء الأعجمية بِجَوَاز الشَّك فِي الأعجمية مِنْهَا، إِن شَاءَ
الله عز وَجل.
(1/561)
|