عمدة الكتاب لأبي جعفر النحاس باب المرتبة التي
نذكر فيها النحو، وهي الخامسة
725- قد أمليت في النحو كتباً مؤلفة على الأبواب، فاستغنيت بذلك عن
الصمد إلى أبواب النحو ها هنا، غير أني أملي من ذلك شيئاً يحتاج إليه
من نظر في هذا الكتاب.
فأول ما أبدأ به باب الصم ((قبل)) و ((بعد)) ، واختلاف النحويين في
ذلك، وفي بنائهما، واختلاف حركتهما وثبوتهما وإسقاطهما.
ثم أملي باب بيان إعراب ما يقع في أوائل الكتب وأواخرها مما يشكل على
كثير من الكتاب، ثم أشياء من النسب، ثم مسائل من التصغير والتصريف
وغيرهما إن شاء الله، ثم ختم هذه المرتبة بحذف التنوين وإثباته إن شاء
الله.
باب ضم قبل وبعد واختلاف النحويين في علة
ضمهما وبنائهما واختلاف حركتهما وثبوتها وإسقاطها
726- للنحويين فيها بضعة عشر جواباً، وإن كانوا قد أجمعوا أن
(1/240)
((قبل)) و ((بعد)) إذا كانتا غايتين،
فسبيلهما أن لا تعربا، واحتجوا في علة ذلك بأجوبة، فمن أصحها أن سبيل
تعريف الأسماء أن تكون بالألف واللام، أو بالإضافة إلى معرفة، أو
التسمية، فلما كانتا قد عرفتا بغير تعريف الأسماء وجب بناؤهما.
وقال علي بن سليمان: لما كانتا متعلقتين بما بعدهما، أشبهتا الحروف؛
لأن الحرف لا يفيد إلا بما بعده.
وقيل: لما لم تنصرفا بوجوه الإعراب، وجب لهما البناء.
727- فإن قيل: فلم وجبت لهما الحركة؟ فالجواب: أن سيبويه قال: فأما
المتمكن الذي جعل في موضع بمنزلة غير المتمكن، فقولهم: ابدأ بهذا أول،
ويا حكم، فمعنى هذا أن ((أول)) و ((قبل)) و ((بعد)) ، لما وجب أن لا
يعربن في موضع، وقد كن يعربن في غيره أعطين حركةً.
728- فإن قيل: فلم لا فتحن أو كسرن؟ ففي هذا أجوبةٌ:
قال الفراء: تضمن معنيين، معناهن ومعنى ما بعدهن، فأعطين ثقل الحركات
لهذا المعنى.
وقال هشامٌ: كرهوا فتحهن لأنهم لو فتحوهن كان المضاف إليهن، كأنه
ظاهرٌ، فكرهوا الكسر فيهن، لأنهن يصرن كالمضاف إلى المتكلم، أي: فلم
يبق إلا الضم.
وللبصريين في هذا أجوبةٌ، منها أن الظرف يدخله النصب والخفض في حال
سلامته، ولا يدخله الرفع، فإذا اعتل ضم، لأن الضمة من
(1/241)
جنس الرفع، والرفع لا يدخل الظروف في
سلامتها، وقيل: أشبهن المنادى المفرد.
وقال محمد بن يزيد: لما كانت غايةً أعطيت غاية الحركات.
729- وأجاز الفراء ((أما بعداً)) بالنصب والتنوين، وأجاز أيضاً ((أما
بعدٌ)) بالرفع والتنوين؛ وأنشد:
ونحن قتلنا الأزد أزد شنوءة ... فما شربوا بعدٌ على لذة خمرا
730- وأجاز هشامٌ ((أما بعد)) بفتح الدال، وجئت ((من بعد)) بكسرها،
يريد من بعد ذلك، وهذا الذي أجازه غير معروف، والبيت الذي أنشده الفراء
لا حجة فيه، لأنه مستقيمٌ في الوزن بغير تنوين.
731- وتقول: أما بعد؛ أطال الله بقاءك، فإني قد نظرت في الأمر الذي قد
كتبت فيه. هذا اختيار النحويين، ويجوز: أما بعد فأطال الله بقاءك، فإني
قد نظرت؛ فتدخل الفاء فيهما جميعاً.
732- ونظيره: إن زيداً لفي الدار لجالسٌ. فإن قلت: إن زيداً لجالسٌ لفي
لدار، لم يجز، لأن اللام قد وقعت في موضعها، وكذا لو قلت: إني لصالحٌ
لبحمد الله، لم يجز، فإن قلت: إني لبحمد الله لصالحٌ، كررت اللام، لأن
الثاني موضعها.
733- ويجوز: ((أما بعد, فأطال الله بقاءك, وإني نظرت)) .
(1/242)
734- ويجوز: ((أما بعد, ثم أطال الله
بقاءك, ثم إني نظرت)) .
735- ويجوز: ((أما بعد, وأطال الله بقاءك, فإني نظرت)) .
736- ويجوز: ((أما بعد, ثم أطال الله بقاءك, فإني نظرت)) .
737- وأجودها: ((أما بعد, أطال الله بقاءك, فإني نظرت)) .
738- وأجود منه: ((أما بعد, فإني نظرت أطال الله بقاءك)) .
باب ذكر ما يقع في الصدور من الأشياء
المشكلة على من لم يتبحر النظر في العربية بإيضاح وتبيين
فمن ذلك:
739- ((سلامٌ عليك)) بالرفع, ويجوز النصب, وفيه إشكالٌ, لأن الاختيار
الرفع.
740- وقال النحويون: ما كان مشتقاً من فعل, فالاختيار فيه النصب, نحو
قولك: ((سقياً لك)) و ((ويلٌ له)) لأن ويلاً لا فعل منه, ويجوز في
أحدهما ما جاز في الآخر, إلا أن هذا الاختيار, وكان يجب على هذا أن
ينصب ((سلاماً)) لأن منه فعلاً, فالجواب عن هذا: إنه إنما اختير الرفع
في ((سلامٌ)) , وإن كان فيه معنى المنصوب, لأن معناه في الرفع أعم,
وليس يريد أفعل فعلاً, فيكون المعنى: ((تحيةً عليك))
(1/243)
وقيل: المعنى سلامه لك, وعليك بمعنى لك.
741- وقد قيل: السلام اسمٌ من أسماء الله جل وعز.
742- وقولهم: ((أطال الله بقاءك)) أصل أطال أطول ألقيت حركة الواو على
الطاء, فانقلبت ألفاً لانفتاح ما قبله.
وهذه العلة علة اتباع الثلاثي, وربما عوضوا, قال سيبويه في اسطاع: إن
السين عوضٌ, وهذا العوض لا يقاس عليه.
743- و ((بقاء)) مصدرٌ من بقي يبقى, فإن أخذته من أبقى قلت: ((أطال
الله إبقاءك)) , فإن شئت قلت: ((أطال الله بقاءكما)) وفي الجمع: ((أطال
الله بقاءكم)) , وتقالان في المؤنث. ولم تثن ((بقاءً)) ولم تجمعه, لأنه
مصدرٌ يؤدى عن التثنية والجمع, فإن جعلت بقاءً مخالفاً لبقاء قلت:
((أطال الله بقاءيكما)) , و ((أبقيتكم)) في الجمع.
744- وأصل ((أدام)) أدوم, كما مر في ((أطال)) .
745- و ((عزك)) أي: ظفرك وغلبتك, وهو من ((عز)) أي: غلب, فإن أردته من
أعز, قلت: ((وأدام إعزازك)) , ويجوز: ((وأدام تعزيزك)) من عزز, قال
الله: {فعززنا بثالث} , ومنه: أعزز علي بكذا, أي: ما أشده علي.
746- و ((تأييدك)) أي: تقويتك, من أيد يؤيد, واشتقاقه من
(1/244)
الأيد, أي: القوة.
وحكى أبو عبيدة عن العرب: فلانٌ ذو أيد, وآد, أي: ذو قوة, وأنشد:
لم يك ينآد فأمسى أنآدا
747- و ((سعادتك)) من سعد وأسعد, وقد حكي: سعد, واحتج قائله بـ
((مسعود)) , غير أني سمعت علي بن سليمان يقول: أنا أتعجب من قراءة
الكسائي: {وأما الذين سعدوا} مع محله من النحو, وقد سمع: أسعده الله.
748- و ((كلاءتك)) وحكى الكسائي والفراء: ((وكلايتك)) وهذا خطأٌ من غير
جهة, من ذلك أن قلب الهمزة شاذٌ, ومن النحويين من لا يجيزه البتة,
وأيضاً ينقلب المعنى لأن معنى كلأته: حفظته. ويقال: كلاه الله, أي:
أصابه بوجع في كليته.
749- و ((أتم نعمته عليك)) , وإن شئت: ((وتمم)) فمعناها كما قال:
ومن لا يكرم نفسه لا يكرم
وإن شئت ((نعمه)) ، وقد قيل: الاختيار ((نعمته)) ، لأنه أبلغ في
المعنى، لأن النعمة تقع على كل حال، والنعم تقع على القليل والكثير،
والدليل على صحة هذا قوله عز وجل: {وإن تعدوا نعمت الله لا
(1/245)
تحصوها} . ويجوز: ((وأتم نعماه عليك)) و
((نعماته)) ، ويجوز: ((ونعماته، ونعماته)) .
750- و ((فضله لديك وعندك)) واحد.
751- و ((جميل بلائه)) أي: نعمته.
752- و ((جميل آلائه)) أي: نعمه، واحدها إليٌ، ويقال إلى، ويقال: ألى.
باب ما يقع أواخر الكتب
753- من ذلك: ((فإن رأيت)) هو شرطٌ لا بد في جوابه من الفعل أو الفاء،
ومعناه المستقبل.
فإن شئت جئت به مستقبلاً، فقلت: فإن تر ذلك فافعله أو تفعله.
وإن شئت أتيت بالأول مستقبلاً والثاني ماضياً.
وإن شئت جئت بالأول ماضياً والثاني مستقبلاً.
وإن شئت همزت على الأصل، فقلت: فإن تر ذلك فافعله، غير أنه لا صورة
للهمزة، لأن قبلها ساكناً. وفي التثنية، فإن ترأيا ذلك، وفي الجمع فإن
ترأوا على الأصل؛ وعلى التخفيف: فإن تريا،
(1/246)
وفي الجمع: فإن تروا.
فإن قلت: ((فأحب أن تفعل ذلك)) ، لم تقل فيه: ((فعلت)) ، لأنه لا شرط
فيه.
754- وفي بعض اللغات حذف ((أن)) ورفع الفعل؛ وبعض النحويين يجيز نصبه
على إضمار ((أن)) ، وأنشد:
وحق لمن أبو موسى أبوه ... يوفقه الذي نصب الجبالا
ولا يجوز رفع يوفقه عند قائل هذا، لأنه محالٌ أن يكون فعلٌ بغير مرفوع
مضمر أو مظهر، ولو رفع ((يوفقه)) عند قائل هذا بقي الفعل بلا مرفوع.
وسمعت علي بن سليمان يقول: لا يجوز حذف ((أن)) ونصب الفعل، لأنه لا
يحذف بعض الفعل، وهذا قولٌ صحيحٌ بينٌ.
فأما القول في البيت، فالأصح فيه ما حكاه لنا علي بن سليمان، عن محمد
بن يزيد، قال: يكون التقدير، وحق الحق، كما تقول: سير بزيد فرسخٌ، لأن
سير يدل على السير، وحق يدل على الحق.
755- فإن قلت: ((فرأيك في ذلك موفقاً)) ففي ذلك خمسة عشر جواباً:
756- تقول: ((فرأيك في ذلك موفقاً)) .
757- وللمرأة: ((فرأيك)) بكسر الكاف، وتنصب موفقاً على الحال من الفعل
الناصب لرأيك.
(1/247)
وأجاز بعض النحويين أن يكون حالاً من
الكاف، فهذان وجهان، وفي التثنية ((فرأيكما في ذلك موفقين)) ، وفي
الجمع ((فرأيكم في ذلك موفقين)) .
758- والوجه الثالث أن تنصب ((موفقاً)) على الحال من الرأي، فتقول على
ذلك في التثنية: ((فرأيكما في ذلك موفقاً)) ، وفي الجمع: فرأيكم في ذلك
موفقاً، فهذه ثلاثة أوجه على أن ((الرأي)) منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ.
759- فإن أظهرته جازت فيه ثلاثة أوجه أيضاً، فقلت: ((فر رأيك)) وفي
التثنية ((فريا رأيكما)) وفي الجمع ((فروا)) ؛ وفي المؤنث: ((فرين)) ،
والوجه الثاني: ((إرء رأيك)) على الأصل، وفي التثنية ((ارأيا)) ، وفي
الجمع ((ارأوا)) ، و ((ارأين)) في جمع المؤنث؛ وأجاز الكوفيون ((إر
رأيك)) بكسر الهمزة وفتح الراء، وفي التثنية: ((إريا)) ، وفي الجمع
((إروا)) ، وفي المؤنث: ((إرين)) .
760- والسابع: ((فرأيك في ذلك موفقٌ)) ، مبتدأٌ وخبره. وفي التثنية:
((فرأيكما في ذلك موفقٌ)) ، وفي الجمع: ((فرأيكم في ذلك موفقٌ)) .
761- والثامن أن تقول: ((فرأيك في ذلك موفقٌ)) فتنصب ((رأيك)) بفعلٍ
مضمرٍ، وترفع موفقاً بإضمار مبتدإٍ وحسن هذا لطول الكلام، قال الله عز
وجل: {قل أفأنبئكم بشرٍ من ذلكم النار} .
(1/248)
762- والوجه التاسع أن تقول: ((فرأيك في
ذلك أنت موفقٌ)) .
763- والوجه العاشر أن تقول: ((فرأيك في ذلك وأنت موفقٌ)) ، والجملة في
موضع الحال.
764- والوجه الحادي عشر أن تقول: ((فرأيك في ذلك وأنت موفقٌ)) ترفع
الرأي بالابتداء وتحذف الخبر للدلالة؛ والكوفيون يقولون: ترفع الرأي
بموضع الواو، وهذا لا يحصل.
765- والوجه الثاني عشر: ((فرأيك في ذلك هو موفقٌ)) ابتداءً بعد
ابتداءٍ.
766- وأجاز الكوفيون: ((فرأيك في ذلك هو موفقاً)) يرفعون الرأي بما عاد
عليه من قولك: ((هو)) ويرفعون ((هو)) بموفقٍ، وينصبون ((موفقاً)) على
الحال من الكاف، ويقولون في التثنية: ((فرأيكما في ذلك هو موفقين)) ،
وفي الجمع: ((فرأيكم في ذلك هو موفقين)) .
767- والرابع عشر: ((فرأيك في ذلك وهو موفقٌ)) تنصب الرأي بإضمار فعلٍ،
والجملة في موضع الحال.
768- والخامس عشر أن تحذف الواو وأنت تريدها، وأجاز الكوفيون رأيت
زيداً السماء تمطر على عمروٍ، إلا أن يأتي بالواو.
769- وتكتب في الدعاء الآخر: ((وأطال الله بقاءك)) بالواو للإعلام بأنك
لم تضرب عن الأول، ولو حذفتها جاز أن يتوهم أنك أضربت عن الأول، وهذا
من أحسن قول النحويين في الفائدة بالمجيء بواو العطف مع الجمل. وإن
حذفتها أيضاً جاز، لأنه قد عرف المعنى،
(1/249)
وكذا: ((وحسبي الله)) ، وإن شئت حذفت
الواو.
770- وأما ((حسبنا الله)) فإنما يكتب به الرجل الجليل، والأحسن أن يكتب
((حسبي الله)) تواضعاً لله جل وعز.
باب ما يقع في العنوانات
771- تكتب: لأبي الحسن علي بن فلانٍ، على المبتدإ وخبره.
فإن أعدت الكنية في الناحية الأخرى رفعت، فقلت: ((أبو الحسن علي ابن
فلانٍ)) على المبتدإ وخبره، وإن شئت على إضمار مبتدإ.
= وإن شئت خفضت على البدل.
وإن لم تعد الكنية كان الخفض أحسن، فقلت: ((لأبي الحسن وأبي علي محمدٍ
وحسينٍ ابني جعفرٍ)) ، ويجوز الرفع، بمعنى هما فلان وفلان.
772- فإن كتبت إلى رجلين، كنية كل واحدٍ منهما أبو الحسن، كتبت:
((لأبوي الحسن)) لا يجوز غير هذا في الحسن، إذا لم يكن له ولدٌ يقال
له: الحسن، فإن كان له ولدٌ يقال له: الحسن، وللآخر ولد يقال له:
الحسن؛ جاز أن تكتب: ((لأبوي الحسنين)) ، والاختيار أن تكتب: ((لأبوي
الحسن)) أيضاً، لأن المعنى: للذين يقال لكل واحدٍ
(1/250)
منهما أبو الحسن، ويجوز أن تكتب إلى
الرجلين اللذين يكنيان بأبي الحسن: ((لأبي الحسن)) بفتح الباء وكسر
الياء على لغة من قال: جاءني أبك، فالأصل: ((لأبين)) سقطت النون في
الإضافة. وفي الجمع: ((لأبي الحسن)) ، الأصل: لأبين سقطت النون للإضافة
على لغة من قال في الجميع جاءني أبوك, وأنشد النحويون:
فقلنا أسلموا إنا أبوكم ... فقد سلمت من الإحن الصدور
773- ويجوز على قول الكسائي والفراء أن يكتب رجلٌ إلى رجل: ((لأبى
الحسن)) يجريه مجرى المقصور, كما يقول لفتى الحسن.
774- وسمعت علي بن سليمان يقول: سمعت محمد بن يزيد ينكر هذه اللغة,
ويرد ما أنشده الكوفيون:
أعرف منها الأنف والعينانا
ويقول: لو جاز هذا لكان فيه فساد اللغة.
ورأيت أبا الحسن يخالفه في هذا, ويقول: لا يجوز أن يرد ما حكاه
النحويون الكوفيون المتقدمون الذين لا تدفع ثقتهم, منهم أبو الخطاب
وأبو عبيدة والكسائي والفراء وغيرهم, وقد حكى سيبويه شيئاً من هذا, وما
يدل عليه.
(1/251)
باب ذكر أشياء من
النسب
775- قال الله جل ثناؤه: {لا شية فيها} , قال أهل التفسير: ليس فيها
لونٌ يخالف لوناً, أي: هي كلها صفراء.
فإن نسبت إلى ((شيةٍ)) ففي ذلك ثلاثة أقوالٍ على قول الخليل وسيبويه,
وشوي, زدت في أوله الواو, لأن أصله وشيةٌ, وحركت الشين لأنها كانت
متحركةً في ((شيةٍ)) وفتحتها لخفة الفتحة, وأبدلت من الياء واواً
لاجتماع الياءات.
وقال الأخفش: وشييٌ, ردها إلى أصلها.
وعلى قول يونس: وشويٌ, كما يقول في ظبيٍ ظبوي, وغيره يقول: ظبيي.
776- ويقول في النسب إلى أختٍ أخوي, كما تقول في أخٍ أخوي. وبعض
النحويين يقول: أختيٌ.
777- وإن نسبت إلى يدٍ على قول سيبويه قلت يدويٌ, ويجوز
(1/252)
يدي. وعلى قول الأخفش: يدييٌ, وعلى قول
يونس: يدوي.
فإن قيل: فما الفرق بين يدٍ وأخٍ؟ قلت: لأن أخاً ترد إليه ما حذفت منه
في التثنية.
778- وتقول في النسب إلى غدٍ غدوي. وعلى قول الأخفش: غدوي.
وتقول في النسب إلى عمٍ عمويٌ لا غير, لأنك قد تقول في السالم نمري,
فإن نسبت إلى سمرةٍ قلت: سمريٌ لا غير, لأنه لا تجتمع الكسرات.
779-ويقول في النسب إلى حيةٍ حيويٌ, تقلب الياء واواً.
780- فإن نسبت رجلاً إلى قول الشافعي, قلت: شافعيٌ.
781- فأن قيل لك: لم قلبت الياء واواً، ولم حذفتها؟ فالجواب: أن ياء
النسبة إنما حذفت لاجتماع الياءات، لأنها مضارعةٌ لهاء التأنيث. تقول:
زنجيٌ وزنجٌ، كما تقول: حصاةٌ وحصاً، فحذفتها كما تحذف هاء التأنيث،
ولم تقلبها واواً، وزدت ياء النسبة على الاستثقال فلم يجز إلا الحذف.
(1/253)
باب النسب الشاذ
782- قالوا في النسب إلى زبنية زبانيٌ، والقياس زبنيٌ، ولكنهم أبدلوا
من الياء ألفاً كما قالوا في رضي رضا. وأنشد سيبويه:
على محمرٍ ثويتموه وما رضا
783- وقالوا في النسب إلى عبد القيس عبقسيٌ والقياس عبدي، وإلى عبد
شمسٍ عبشميٌ، وإلى عبد الدار عبدريٌ.
ورأيت علي بن سليمان لا يجيز هذا أن يقاس عليه، وإنما يسلم إلى ما سمع
من العرب. ويحكي أنه مذهب أصحابه لا اختلاف بينهم في ذلك، أعني في
القياس على هذه الأشياء.
784- قال أبو جعفرٍ: وقد وجدنا للنحويين في مثل هذا ثلاثة أقوالٍ:
وأجودها أن ينسب إلى الأول إذا كان اسماً علماً، وأن ينسب إلى الثاني
إذا كان الأول متعرفاً به، فتقول في النسب إلى أبي محمدٍ أبويٌ، وإلى
عبد الدار عبديٌ، هذا القياس، وفي الآخر إلى ابن الزبير
(1/254)
زبيريٌ، لأن الأول يعرف بالثاني، فهذا قولٌ
لا ينكسر ويقاس عليه.
والقول الثاني: أن يقال: أبوي محمديٌ، فتأتي بالاسمين جميعاً، وكذا
عبديٌ داريٌ، وكذا ابنيٌ زبيريٌ، هذا مذهب أبي حاتمٍ.
والثالث: الاشتقاق من الاسمين الذي لا يقاس عليه.
وقد حكى بعض النحويين في النسب إلى بيت المال بتمليٌ، والقياس ماليٌ،
وعلى قول أبي حاتمٍ: بيتيٌ ماليٌ، وإلى دار الضرب ضربيٌ، وعلى قول أبي
حاتمٍ داري ضربيٌ ودرضبيٌ، وإلى الرقة البيضاء على قوله رقيٌ بيضاويٌ،
ورقبضيٌ، ورقسويٌ إلى السوداء.
785- ومن الشاذ قولهم لصاحب البلغم بلغمانيٌ، ولا يقولون: بلغميٌ، وقد
قالوا في صاحب الدم دمويٌ، وقد زعم سيبويه أن دماً فعلٌ في الأصل، فإن
كان كذلك جاز أن يقول: دميٌ، ويجوز دمويٌ، لأنك ترد إليه ما حذفت منه.
786- وقال محمد بن يزيد في قول سيبويه: دمٌ فعلٌ، وهذا خطأٌ، لأنك
تقول: دمي يدمى، فهو دمٍ، كما تقول: فرق يفرق فرقاً، واستدل على ذلك
بقول الشاعر:
جرى الدميان بالخبر اليقين
(1/255)
787- قال أبو جعفرٍ: ويدٌ فعلٌ بلا
اختلافٍ، لقولهم في جمعها أيدٍ.
788- ومن الشاذ قولهم لصاحب الكمأة كماهيٌ، وللكبير الفخذ فخاذيٌ،
وللغليظ الساق أسوق، وللطويل الرقبة رقبانيٌ، ولصاحب العنق الغليظة
أعنق، وللكبير القدم قدمانيٌ، وللواسع الفم أفوه، وللعظيم الرأس
رؤاسيٌ، ولبائع الرؤوس رأاس، ولصاحب الرأس العظيم أرأس، وفي النسب إلى
الأست ستهيٌ وستاهيٌ، وفي الكثير الشعر شعرانيٌ، وفي صاحب الجمة جمانيٌ
وجمانيٌ بالتثقيل والتخفيف، فإن نسبت رجلاً إلى رقبةٍ أو شعرٍ أو جمةٍ
قلت رقبي وجميٌ وشعريٌ، ترده إلى ما يجب.
789- ومن الشاذ قولهم في النسب إلى زبينة زبانيٌ، زادوا الألف وكأنها
عوضٌ من الياء.
790- وقالوا في الرجل المكب على الآخرة أخرويٌ، شبهوه بدنيويٍ للمكب
على الدنيا.
791- وقالوا في الرجل يكون مولىً يدعي العربية: أنت مولويٌ، فكيف
تعرببت؟ ولا يقولون: تعربت، لأن التعرب لا يكون إلا للدواب على أنه قد
حكي في هذا تعربت. وحكى سيبويه: مررت بعربٍ
(1/256)
أجمعون، وفسره بمعنى تعربوا، وخطأه محمد بن
يزيد، قال: لأنه ليس معنى هذه اللفظة: دخلوا في العرب، ولم يكونوا
منهم. وقال أبو إسحاق: الذي قال سيبويه صوابٌ، لأن تفعل قد تأتي لغير
هذا المعنى.
792- ومن الشاذ قولهم للعربي يجعل نفسه مولىً: كنت عربياً فتموليت، قال
أبو العباس: تمولت من المال، وتموليت، أي: صرت مولىً.
بابٌ من النسب الشاذ إلى البلدان المشهورة الشام والعراق ومصر وغيرهن
793- قالوا في النسب إلى الشام شآمٍ، فزادوا ألفاً وحذفوا ياء النسبة،
وكذا في اليمن يمانٍ، وفي تهامة تهامٍ فتحوا التاء عوضاً، وأبو العباس
يقدره كأنه نسب إلى تهمٍ على وزن يمنٍ، وقد قالوا: شأميٌ على الأصل،
وكذا يمنيٌ؛ ومن الشاذ قولهم: شآميٌ كأنه منسوبٌ إلى منسوب.
794- وكذا قالوا في البصرة: بصريٌ، والفتح أجود وأكثر.
795- وقالوا في قاليقلا: قاليٌ، وهذا حسنٌ جيد.
ومن الكوفيين من حكى إلى بعلبك بعلبكيٌ، وهذا شاذٌ، والأجود بعليٌ، وفي
مصر مصريٌ والأجود الكسر، وفي المغرب مغربيٌ والكسر
(1/257)
حسنٌ، وقد سمع في النسب إلى سوق وردان
سقردنيٌ وسقردنيٌ، وفي سوق بربر سقبريٌ، وعلى قول أبي حاتمٍ: ينسب
إليهما جميعاً، وكذا سوقيٌ كبيريٌ منسوبٌ إلى السوق الكبيرة، ويقال:
سقباري بزيادة ألفٍ للفرق، وربما قيل: سقبكاري وعلى قول أبي حاتمٍ:
سقفي جوادي، وسقفي يزيدي، وإن شئت سقيفيٌ، وفي الشاذ: سقردنيٌ وسقجوي،
وفي سوق الغطش سقشي، فرقاً بينه وبين النسب إلى العطش، وإلى سوق يحيى
سقحيٌ، وإلى دار البطيخ دربخيٌ، وقد قالوا في سوق الكرخ: كرخي، وهذا
جيدٌ غير شاذٍ، وكذا في سوق أذرعاتٍ أذرعيٌ، وذراعيٌ، لأنه ليس فيه
قولهم للكبير الذراع ذراعي، وفي سوق الزيت سقزتيٌ، وفي سوق مازن
سقزنيٌ، وقالوا في سوق الليل سقليٌ، لأنك تقول للرجل إذا كان صاحب ليلٍ
ليليٌ، كما قال:
فلست بليلي ولكني نهر
لا أدلج الليل ولكن أبتكر
796- ومن الشاذ قولهم في النسب إلى الماء مائيٌ وماويٌ، وقد كان يجب أن
يقال في النسب إليه: ماهيٌ، لأن الأصل في الماء ماهٌ، والدليل على ذلك
قولهم في التصغير مويهٌ، وفي الجمع القليل أمواهٌ، وفي الجمع الكثير:
مياهٌ، وربما غلط بعض الكتاب فقال: أمياهٌ وأرياحٌ، ولا يجوز إلا
أمواهٌ وأرواحٌ.
(1/258)
قال أبو الحسن بن كيسان: لم يأتوا به على
الأصل، فيقولوا ماهٌ، لأن الهاء خفيةٌ، وكذا الألف، فأبدلوا من الهاء
همزةً.
قال أبو جعفرٍ: والدليل على شذوذه في النسب إليه أنهم ينسبون إلى شاهٍ
شاهيٌ، فيردون الهاء المحذوفة.
797- ومن الشاذ قولهم في النسب إلى اللات لاتيٌ، وحكى الكوفيون في
النسب إلى حمراء حمرائي وهذا من الشاذ الذي لا يعرفه البصريون، ولا
يعرفون أنه يقال الأحمراويٌ، ليفرق بين ألف التأنيث وغيرها، لأنهم
يقولون في غير ألف التأنيث كسائيٌ، وقد أجاز الجميع كساويٌ. ومنهم من
يقول: شبهت بألف التأنيث، ومنهم من يقول ردت إلى أصلها، لأنها من كسوت،
غير أنهم قد أجازوا جميعاً في النسب إلى رداءٍ رداوي، وإلى سقاءٍ:
سقاوي، قال: وهذه لغاتٌ شاذةٌ.
والأجود أن يثبت ما كان لغير التأنيث على لفظه، فيقال: سقائيٌ، وما كان
للتأنيث رد إلى الواو فقيل: سوداويٌ.
باب مسائل من التصغير والتصريف وغيرهما من
النحو
798- سمعت علي بن سليمان يقول: سألنا محمد بن يزيد, عن تصغير
باذنجانةٍ, ثم أجاب بذينجةٌ. قال: حذف ما يجب أن يحذف
(1/259)
من الزوائد حتى صارت على أربعة أحرفٍ,
ويجوز على قوله وقول غيره: بذينيجةٌ, جئت يعوض مما حذفت, وكذا كميثيرةٌ
وكميثرةٌ وسفيريجةٌ وسفيرجةٌ, وفريزيدٌ وفريزد, هذا القياس, وقد قالوا:
فريزيقٌ وفريزقٌ, وليس في سفرجلٍ ما في فرزدقٍ, وإنما يقال فيه: سفيرج
وسفيريجٌ, فيحذف آخر حرفٍ لا غير.
799- ومما يشكل من التصغير أمويٌ, يتوهم الضعيف في العربية أنه لا
يصغر, وكذا حسينٌ وسليمان, لأنهما مصغران, وليس كذلك, تقول العرب في
تصغيره: أمييٌ, وهذا قول الخليل وسيبويه, ليفرق بين المحقر وغير
المحقر, لأن أموياً قد صار غير محقرٍ؛ وإن صغرت عدوياً قلت عدييٌ,
بأربع ياءات, هذا قول سيبويه, ومن قال: عدوي, فقد أخطأ وترك المعنى,
لأنه لا يريد أن يضيف إلى عديٍ, ولا يجوز عديوي على أسيود كما لا يجوز
في غزوةٍ غزيوةً, لأن ياء النسبة بمنزلة هاء التأنيث.
ومما يشكل من هذا ويسأل عنه
800- إذا سميت رجلاً بـ ((إن)) , ثم صغرته, فالجواب عنه يحير لاختلافه,
وذلك أن الجواب أن يقال: إذا أردت بإن التي للمجازاة, قلت في تصغيرها:
أني, زدت ياءً, لأن إن على حرفين, فلا بد من زيادة حرفٍ, فحروف المد
واللين أولى بأن تأتي بأحدها, لأنها أكثر ما يحذف, وكذا إن سميته بإن
التي بمعنى ما. فإن سميته بإن من قوله عز
(1/260)
وجل: {وإن كانوا ليقولون} قلت في تصغيرها
على قول سيبويه أنين, لأنها عنده مخففةٌ من الثقيلة. وكذا إن قلت: إن
زيدٌ لمنطلقٌ, ثم سميت وصغرت.
801- وإن صغرت رجلاً يسمى إبراهيم وإسماعيل, قلت على قول سيبويه:
بريهيمٌ وسميعيلٌ, وعلى قول محمد بن يزيد: أبيريهٌ, قال: لأن ألف الوصل
لا تلحق رباعياً, أي: فلا يجوز حذفها, ويجوز بريهٌ على تصغير الترخيم.
ومما يشكل من هذا
802- تصغير عثمان ومصران, قالوا في تصغيرهما: عثيمان ومصيران, ولا
يقال: عثيمين, كما لا يقال في الجمع عثامين, وربما غلط في هذا, فقيل:
مصيرين, لقولهم: مصارين, وهذا خطأٌ, قال سيبويه: ولا تلتفت إلى قولهم:
مصارين, يعني أن هذا شاذٌ.
803- وتقول في أحوى أحي, كما تقول في تصغير أسود أسيد, إلا أنك حذفت
ياءً من أحي لاعتلالها واجتماع الياءات فيها. ومن قال: أسيود, قال:
أحيوٍ, غير أن عيسى بن عمر يقول: أحيٌ, بالصرف, لأنها نقصت عن تصغير
أفعل وهذا غلطٌ يلزم من قاله أن يصرف فعل إذا سمي به. وأبو عمرو بن
العلاء يقول: أحيٍ, وهذا غلطٌ يلزم من قاله أن
(1/261)
يقول في تصغير عطاءٍ عطيٍ, والصواب: أحي,
بلا صرفٍ, وهو قول يونس.
804- ولا يجوز تصغير أمس ولا غدٍ ولا عند, لأنه لا فائدة في ذلك.
805- وتقول في مسائل من التصريف إذا افتعل من وعد, قلت: اتعد, وكذا
اتزن, واتقى, وإن شئت قلت: إيتعد والأول أجود, لأن الواو تستثقل فتبدل
تاءً في تخمةٍ وتالله, وكذا متعدٌ وموتعدٌ, وتقول في النور: انتار,
واتنر خطأٌ, ويقال: ثوبٌ مبيعٌ ومخيطٌ, ولغة شاذةٌ: مبيوعٌ ومخيوطٌ,
وخاتم مصوغٌ, ولا يؤتى به على الأصل لثقل الواو, ويقال في فعالٍ من
الألية آلاءٌ, ومن اللؤلؤ لآالٌ, والقياس لااءٌ لأن لام الفعل همزةٌ.
ويقال زيلت فلاناً, وهو فعلت ومن قال: إنه فيعلت فقد أخطأ, لأنه يصرف
تصريف فعلت ويقال: تحيزت وهو تفيعلت, من حاز يحوز.
806- ومن قال: هذه عشرة زيدٍ, قال: هذه خمسة عشره يا هذا, وأجاز سيبويه
خمسة عشره, ولا يجوز هذا في اثني عشر, لأن عشر بمنزلة النون, فلا تجتمع
مع الإضافة, قال سيبويه في اثني عشر لا تضاف, ولا يضاف إليها إذا كانت
في العدد, أي لا يقال: اثنا عشرٍ
(1/262)
ولا اثني, ولا يجوز حذفها, فتشبه اثنين,
ولكن إن سميت بها رجلاً جاز حذف عشرٍ.
ومن المسائل ما يسألون عنه
807- يقولون: من قال: حيي كيف يجمع؟ ومن قال: حي كيف يجمع؟ وقد بقي
عليهم في السؤال: ما حجة من قال: حي ومن قال: حيي؟
ولكن مذهبهم السؤال عن المسطورات, وهم عن العلة بمعزلٍ, فقد سطر الجواب
بما سألوا عنه, ويحتاج فيه أيضاً إلى العلة.
فالجواب عن حيي وحي أن من قال: حي, وهي قراءة أكثر القراء, أدغم؛ لأنه
قد التقى حرفان متحركان من جنسٍ واحدٍ, فقد صار مثل قولك: بر فلانٌ,
ولا تقول: برر, ومن قال: حيي, وهي قراءة أهلٍ المدينة, فحجته أن الياء
الآخرة من حيي قد تقع ساكنةً ومتحركةً في المستقبل, ولا يجوز الإدغام,
فأجروا الماضي مجرى المستقبل لئلا يختلف الفعل, فإن جمعت على لغة من
أدغم قلت: حيوا, كما تقول: بروا؛ وأنشد سيبويه:
وكنا حسبناهم فوارس كهمسٍ ... حيوا بعدما ماتوا من الدهر أعصرا
(1/263)
والعلة في هذا أن الأصل فيه حيوا.
قال محمد بن يزيد: وذلك أن الياء إذا انكسر ما قبلها لم تدخلها الضمة,
كما لا تقول: هو يقضيء ولا هو قاضيٌ.
وكان أصلها حييوا على وزن عملوا, فسكنت, والواو بعدها ساكنةٌ, فحذفت
لالتقاء الساكنين.
قال أبو جعفرٍ: وهذه عبارةٌ بينةٌ حسنةٌ, ونظير حيي وحيوا في الحذف خشي
وخشوا.
808- ومما سأل عنه رئيسٌ من رؤساء الكتاب, وهو ابن ثوابة: لم صارت
((منذ)) تخفض في الماضي والحال, و ((مذ)) تخفض ما أنت فيه, وترفع ما
مضى؟ فأجابه المسؤول بأن ((منذ)) إنما خفضت ما مضى وما أنت فيه, لأن
فيها حرف ((من)) و ((مذ)) قد نقصت عن حرف ((من)) ؛ فاستحسن السائل
الجواب, وهذا من النحو الكتابي الضعيف.
809- وقد تكلم النحويون في ((منذ)) و ((مذ)) :
فقال الكسائي: إذا رفعت فمعناه: من إذ مضى شهران.
وأما قول الفراء, فحكى لي أبو بكرٍ بن شقير أن للفراء فيها قولين:
أحدهما أنها ((من)) و ((ذو)) ؛ فإذا قلت: منذ شهران فالتقدير عنده من
ذو شهران, أي: من ذو هو شهران. والقول الآخر, أن معناه: من إذ تم شهران
استحقوا, ثم قالوا: منذ ومذ وغيروه إلى الضم لما أزيل عن الأصل, فإذا
قالوا: منذ, أجروه على أصله.
قال الفراء: يقال: منذ ومنذ ومذ ومذ.
(1/264)
لا يعرف البصريون إلا مذ و [منذ] , و
((منذ)) , الأصل عندهم, واستدلوا على ذلك بأن ((مذ)) تصغر ((منيذاً)) ,
فالأصل عندهم إذا قلت: ما رأيته مذ يومان محمولٌ على المعنى, أي: مده
بيني وبينه يومان, والخفض على أنها حرف خفضٍ.
810- ومن المسائل. أحوج ما أنت إليه النحو؛ وهذه من مسائلهم المحالة
عند جميع النحويين في ما عملت. فأما الكوفيون, فمنهم هشامٌ, فزعموا أن
إحالتها أن ((ما)) اسمٌ ناقصٌ, ولم تتم صلته, وتصحيحها عنده أن تقول:
أحوج ما أنت إليه محتاجٌ النحو. ولا يجوز عند البصريين البتة في ما
عملت, كما حكى لنا علي بن سليمان, عن محمد بن يزيد, قال: لو قلت: أحوج
ما أنت إليه محتاجٌ النحو, لم يجز أيضاً, لأن أحوج مرفوعٌ بالابتداء,
ولا يجوز أن يكون النحو خبراً عنه, لأنه ليس إياه.
811- ومن المسائل: أي هاتيك أطول السبابة أو الوسطى. وهذه أيضاً محالٌ,
لأنه أضاف المبهم, وإضافة المبهم لا تجوز بوجهٍ. وجواز المسألة عندي أن
تزيد فيها نوناً, فتقول: أي هاتينك, على أن تكون الكاف للخطاب, لا موضع
لها من الإعراب.
812- ومن ذلك: جاءني القوم سيما زيدٍ, لا يجوز أن تقول: لا سيما أو ولا
سيما.
813- ومن ذلك سقطت له ثنيتان علييان لا سفليان, لا يجوز لأن عليا وسفلى
لا تكونان إلا بالألف واللام, فإن قلت: سقطت له الثنيتان
(1/265)
العلييان لا السفليان جاز.
814- ولا يجوز زيدٌ جوف الدار, كما لا يجوز زيدٌ الدار, لأنه موضعٌ
محصلٌ, وكذا لا يجوز زيدٌ داخل الدار, ولا خارجها, ولا براها. فإن قلت
زيدٌ داخل الدار مستحماً في الباطية جاز, لأن داخلاً خبر الابتداء,
وقولك: مستحماً, حالٌ من المضمر الذي في داخل, وتقديره مقدرٌ لهذا, وإن
شئت قلت: مستحمٌ في الباطية, على أنه نعتٌ للداخل.
815- ولا يجوز: الحمد لله الذي جئت, وتصحيح المسألة: الحمد لله إذ جئت.
816- ولا يجوز أن تقول: سمع أذني زيداً يقول ذاك حتى تقول: حقٌ. فإن
قلت: بصر عيني زيداً يقول ذاك, جاز, لأن بصراً لا يحتاج إلى مفعولين.
817- وحدثني بعض الكتاب أن أبا العباس محمد بن يزيد سأل بعض ولد الكتاب
ممتحناً له عن حبلى لم لا ينصرف في معرفةٍ ولا نكرةٍ؟ فأجأب بجواب
النحويين, وهو أن فيها علامة التأنيث, وأنها غير مفارقةٍ للاسم, فثقلت
من جهتين في حال النكرة؛ ثم قال: وأيضاً فلما كان هذا الاسم لم يشتق من
معناه شيءٌ للمذكر فثقل, لم ينصرف في معرفةٍ, ولا نكرةٍ؛ فاستحسن أبو
العباس جوابه ومجيئه بقول النحويين وزيادةٍ,
(1/266)
فوجه إلى أبيه: هذا يستحق أن يذاكر.
818- وحكي لي عنه أنه جرى في غضبان لم منع من الصرف في المعرفة
والنكرة؟ فقيل له: لأن مؤنثه فعلى, فقال: فقد قيل غضبانةٌ. والجواب عن
هذا على قول الخليل بن أحمد, أن الألف والنون في غضبان بمنزلة الألفين
في حمراء لمخالفة المذكر المؤنث فيهما.
819- ومن مسائلهم: أوطيته عشوةً, والصواب: أوطأته عشوةً.
820- ومن المسائل: هذا الكاتب أفضل الثلاثة, زعم محمد بن يزيد أن هذا
لا يجوز, لأنه لا يفضل على نفسه.
821- ومن المسائل: رأى فلانٌ أرقم, للحية, لا ينصرف في معرفةٍ ولا
نكرةٍ, وكان القياس في النحو أن ينصرف لقول العرب في جمعه: أراقم, وهذا
جمع غير النعوت, ومثله أسود للحية أيضاً, وكذا أدهم للقيد, وهذا قول
سيبويه, والعلة في هذه الأشياء أنها جمعت جمع غير النعوت, لأن الصفة
فيها أقيمت مقام الموصوف.
822- ومن المسائل: دخل فلانٌ حمص, بغير صرفٍ, ولا يجوز فيها ما جاز في
مصر. وهند, لأن حمص أعجميةٌ, فدخلت فيها علةٌ أخرى, وكذا جور وماه.
823- تقول: اشتريت ثلاث بطاتٍ, وإن عنيت ذكوراً؛ كما تقول ثلاث مئةٍ,
وإن عنيت رجالاً؛ وكذا مذهب سيبويه في كل ما أضفته إلى ما فيه الهاء
وليس بنعتٍ, نحو: ثلاث طلحاتٍ؛ فإن كان مضافاً إلى
(1/267)
نعتٍ, فأردت المذكر, قلت: ثلاثة نساباتٍ,
والمعنى ثلاثة رجالٍ نساباتٍ, والأجود عنده ثلاثةٌ نساباتٌ, كما تقول:
ثلاثةٌ مسلمون لضعف إقامة الصفة مقام الموصوف, وتقول: عنده ثلاثة دواب
إن أردت مذكراً, وإن شئت ثلاثةٌ دواب, لأن دابةً صفةٌ, وإن كانت قد
قامت مقام الأسماء, ويجوز ثلاث أفراسٍ, وإن عنيت مذكراً؛ لأن التأنيث
أكثر, ويجوز عند أصحابه ثلاثة أفراسٍ إذا عنيت مذكراً.
824- ومن المسائل كيف تبني مثال ياقوتةٍ من حصاةٍ؟ قلت: حاصيةٌ, والأصل
حاصويةٌ, قلبت من أجل الياء. فإن بنيت من ياقوتةٍ مثال حصاةٍ, قلت:
يقتةٌ.
825- وتبني من رمى مثال بلصوصٍ, قلت: رمويٌ, والأصل في الواو الياء
قلبت, كما تقول: أموي.
826- ولا يجوز سبحانك الله العظيم على البدل من الكاف, ولا تبدل من
المخاطب ولا المخاطب, لأنهما لا يحتاجان إلى بيانٍ, وتصحيح المسألة:
سبحانك الله العظيم, أي أعني, وإن شئت ضممت على البدل, فقلت: سبحانك
الله العظيم والعظيم.
(1/268)
باب حذف التنوين
وإثباته
827- سمعت محمد بن الوليد يقول: للتنوين في كلام العرب ثلاثة مواضع:
يكون فرقاً بين ما ينصرف وما لا ينصرف, ويكون عوضاً, نحو قولك: جاءني
جوارٍ ويومئذٍ, ويكون فرقاً بين المعرفة والنكرة, تقول: إيهٍ حدثنا إذا
أردت النكرة, وإيه, إذا أردت المعرفة.
828- قال: وقد أنكر الأصمعي على ذي الرمة قوله:
وقفنا فقلنا إيه عن أم سالمٍ ... وما بال تكليم الديار البلاقع
سمعت علي بن سليمان يقول: الذي قاله ذو الرمة صوابٌ, والأصمعي في النحو
ليس كغيره.
829- فإذا كان التنوين فرقاً بين ما ينصرف وما لا ينصرف وجب أن لا يحذف
في ما ينصرف, ولهذا لم يجز النحويون للشاعر أن يترك صرف ما ينصرف, وقد
جاءت أشياء حذف منها التنوين في ما ينصرف, فاحتاج النحويون إلى الكلام
عليها, منها: جاءني زيد الظريف, حذف التنوين لالتقاء الساكنين, وإثباته
أجود, وقراءة الجماعة الذين تقوم بهم الحجة {قل هو الله أحد. الله
الصمد} وقد قرئ بغير تنوينٍ.
(1/269)
وجاء عن العرب أيضاً: جاءني زيد بن عمروٍ
بحذف التنوين, وإثباته جائزٌ, إلا أن الأكثر حذفه, إذا كان اسماً علماً
مع اسم أبيه الذي يعرف به, فمنهم من قال: حذف التنوين لكثرة الاستعمال,
ومنهم من قال لالتقاء الساكنين, ومنهم من قال للعلتين جميعاً, فمن قال:
حذف التنوين لكثرة الاستعمال, قال: هذه هند بنت فلانٍ, وهذا قول أبي
عمرو بن العلاء.
ومن قال لالتقاء الساكنين, لم يحذف ها هنا, وكذا من قال للعلتين.
ومن قال: هذا زيد بن عمروٍ, فحذف التنوين, حذف الألف التي في ابنٍ, ومن
قال: هذا زيدٌ ابن عمروٍ, فأثبت التنوين, أثبت الألف, فإن قلت: إن
زيداً ابن عمروٍ, أثبت والتنوين والألف لا غير؛ وكذا زيدٌ ابن عمروٍ,
وعلى هذا قراءة من قرأ: {وقالت اليهود عزيزٌ ابن الله} .
ومن حذف التنوين أضمر مبتدأً.
وقول من قال: لم يصرف عزيزٌ, لأنه اسمٌ عجميٌ, خطأٌ؛ لأنه عربيٌ مشتقٌ
من عزره.
فإن قلت: هذا زيدٌ ابن أخيك, فالأجود إثبات التنوين والألف؛ ومن حذف
لالتقاء الساكنين لزمه أن يحذف التنوين ههنا والألف. وكذا جاءني زيدٌ
ابن صاحب الدار بالتنوين والألف.
ومن قال: يا زيد بن عمروٍ, كتبه بغير ألفٍ؛ ومن قال: يا زيد ابن
(1/270)
عمروٍ, كتبه بالألف؛ وكذا من فرق, فقال:
جاءني زيدٌ الظريف ابن عمروٍ, وكذا: مررت بعمروٍ يوم الجمعة ابن عبد
الله.
ومما حذف التنوين والألف فيه أجود, قولك: جاءني زيد بن الأمير, وكذا
عمرو بن القاضي, لأن مثل هذا مشهورٌ.
جاءني زيدٌ بن هندٍ الحذف أجود, وإن كانت هندٌ اسماً لأمةٍ, وهذا على
مذهب سيبويه. وكذا جاءني أبو عمروٍ بن زيدٍ, وجاءني زيد بن أبي عمروٍ,
والكنية والاسم واحدٌ.
وقد أولع الكتاب بالفرق بين الكنية والاسم, فيكتبون ألفاً مع الكنية
وينونون, وهذا غلطٌ على مذهب الخليل وسيبويه, وأنشد:
ما زلت أفتح أبواباً وأغلقها ... حتى أتيت أبا عمرو بن عمار
(1/271)
|