موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب

الْبَاب الأول

شرح الْجُمْلَة وَذكر أسمائها وأحكامها وَفِيه أَربع مسَائِل

(1/29)


الْمَسْأَلَة الأولى فِي شرح الْجُمْلَة

إعلم أَيهَا الْوَاقِف على هَذَا المُصَنّف أَن اللَّفْظ الْمركب الاسنادي يكون مُفِيدا كقام زيد وَغير مُفِيد نَحْو إِن قَامَ زيد وَأَن غير الْمُفِيد يُسمى جملَة فَقَط وَأَن الْمُفِيد يُسمى كلَاما لوُجُود الْفَائِدَة وَيُسمى جملَة لوُجُود التَّرْكِيب الاسنادي
ونعني معشر النُّحَاة بالمفيد حَيْثُ أطلقناه فِي بحث الْكَلَام مَا يحسن من الْمُتَكَلّم السُّكُوت عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يصير السَّامع منتظرا لشَيْء آخر
وَبَين الْجُمْلَة وَالْكَلَام عُمُوم وخصوص مُطلق وَذَلِكَ أَن الْجُمْلَة أَعم من الْكَلَام لصدقها بِدُونِهِ وَعدم صدقه بِدُونِهَا فَكل كَلَام جملَة لوُجُود التَّرْكِيب الاسنادي وَلَا ينعكس عكسا لغويا أَي لَيْسَ كل جملَة كلَاما لِأَنَّهُ يعْتَبر فِيهِ الإفادة بِخِلَافِهَا أَلا ترى أَن جملَة الشَّرْط نَحْو قَامَ زيد من قَوْلك إِن قَامَ زيد قَامَ عَمْرو تسمى جملَة لاشتمالها على الْمسند والمسند إِلَيْهِ وَلَا تسمى كلَاما لِأَنَّهُ لَا يُفِيد معنى يحسن السُّكُوت عَلَيْهِ لِأَن إِن الشّرطِيَّة أخرجته عَن صلاحيته لذَلِك لِأَن السَّامع ينْتَظر الْجَواب وَكَذَلِكَ أَي وكالقول فِي جملَة الشَّرْط القَوْل فِي جملَة

(1/31)


الْجَواب أَي جَوَاب الشَّرْط وَهِي جملَة قَامَ عَمْرو من الْمِثَال الْمَذْكُور تسمى جملَة وَلَا تسمى كلَاما لما قُلْنَاهُ وَالْحَاصِل أَنه جعل فِي كل من جملتي الشَّرْط وَجَوَابه أَمريْن أَحدهمَا ثبوتي وَهُوَ التَّسْمِيَة بِالْجُمْلَةِ وَالْآخر سَلبِي وَهُوَ عدم التَّسْمِيَة بالْكلَام فَفِي ذَلِك دَلِيل على مَا ادَّعَاهُ من عدم ترادف الْجُمْلَة وَالْكَلَام ورد على من قَالَ بتراد فهما كالزمخشري وعَلى من قَالَ جملَة جَوَاب الشَّرْط كَلَام بِخِلَاف جملَة الشَّرْط كالرضى ثمَّ الْجُمْلَة تَنْقَسِم أَولا بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّسْمِيَة إِلَى اسمية وفعلية وَذَلِكَ أَنَّهَا تسمى اسمية إِن بدأت باسم صَرِيح كزيد قَائِم أَو مؤول نَحْو {وَأَن تَصُومُوا خير لكم} أَي صومكم خير لكم
أَو بِوَصْف رَافع لمكتف بِهِ نَحْو أقائم الزيدان أَو اسْم فعل

(1/32)


نَحْو هَيْهَات العقيق وَإِذا دخل عَلَيْهَا حرف فَلَا يُغير التَّسْمِيَة سَوَاء غير الْإِعْرَاب دون الْمَعْنى أم الْمَعْنى دون الْإِعْرَاب أم غَيرهمَا مَعًا أم لم يُغير وَاحِدًا مِنْهُمَا فَالْأول نَحْو إِن زيدا قَائِم وَالثَّانِي نَحْو هَل زيد قَائِم وَالثَّالِث مَا زيد قَائِما وَالرَّابِع نَحْو لزيد قَائِم
وَالْجُمْلَة تسمى فعلية إِن بدأت بِفعل سَوَاء كَانَ مَاضِيا أم مضارعا أم أمرا وَسَوَاء كَانَ الْفِعْل متصرفا أم جَامِدا وَسَوَاء كَانَ تَاما أم نَاقِصا وَسَوَاء كَانَ مَبْنِيا للْفَاعِل أم مَبْنِيا للْمَفْعُول كقام زيد وَيضْرب عَمْرو وَاضْرِبْ زيدا وَنعم العَبْد وَكَانَ زيد قَائِما و {قتل الخراصون} وَلَا فرق فِي الْفِعْل أَن يكون مَذْكُورا أَو محذوفا تقدم معموله عَلَيْهِ أَولا تقدم عَلَيْهِ حرف أَولا نَحْو هَل قَامَ زيد وَنَحْو زيدا ضَربته وَيَا عبد الله فزيدا وَعبد الله منصوبان بِفعل مَحْذُوف لِأَن التَّقْدِير فِي الأول ضربت زيدا ضَربته فَحذف ضربت لوُجُود مفسره وَهُوَ ضَربته وَفِي الثَّانِي أَدْعُو عبد الله فَحذف أَدْعُو لِأَن حرف النداء نَائِب عَنهُ وَنَحْو {ففريقا كَذبْتُمْ} ففريقا مقدم من تَأْخِير وَالْأَصْل كَذبْتُمْ فريقا
ثمَّ الْجُمْلَة تَنْقَسِم ثَانِيًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الوصفية الى صغرى وكبرى فالصغرى هِيَ الْمخبر بهَا عَن مُبْتَدأ فِي الأَصْل أَو فِي الْحَال إسمية كَانَت أَو فعلية
والكبرى هِيَ الَّتِي خَبَرهَا جملَة كزيد قَامَ أَبوهُ فجملة قَامَ أَبوهُ

(1/33)


صغرى لِأَنَّهَا خبر عَن زيد
وَجُمْلَة زيد قَامَ أَبوهُ كبرى لِأَن خبر الْمُبْتَدَأ فِيهَا جملَة
وَقد تكون الْجُمْلَة صغرى وكبرى باعتبارين كَمَا إِذا قيل زيد أَبوهُ غُلَامه منطلق فزيد مُبْتَدأ أول وَأَبوهُ مُبْتَدأ ثَان وَغُلَامه مُبْتَدأ ثَالِث ومنطلق خبر الْمُبْتَدَأ الثَّالِث وَهُوَ غُلَامه والمبتدأ الثَّالِث وَخَبره وهما غُلَامه منطلق خبر الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَهُوَ أَبوهُ والرابط بَينهمَا الْهَاء من غُلَامه والمبتدأ الثَّانِي وَخَبره وهما أَبوهُ غُلَامه منطلق خبر الْمُبْتَدَأ الأول وَهُوَ زيد والرابط بَينهمَا الْهَاء من أَبوهُ وَيُسمى الْمَجْمُوع وَهُوَ زيد ومنطلق وَمَا بَينهمَا جملَة كبرى لَا غير لِأَن خبر مبتدأيها جملَة وَتسَمى جملَة غُلَامه منطلق جملَة صغرى لَا غير لِأَنَّهَا وَقعت خَبرا عَن مُبْتَدأ وَهُوَ أَبوهُ وَتسَمى جملَة أَبوهُ غُلَامه منطلق جملَة كبرى بِالنِّسْبَةِ إِلَى جملَة غُلَامه منطلق وَتسَمى جملَة أَبوهُ غُلَامه منطلق أَيْضا جملَة صغرى بِالنِّسْبَةِ إِلَى زيد لكَونهَا وَقعت خَبرا عَنهُ وَالْمعْنَى غُلَام أَي زيد منطلق وَلَك فِي الرابط طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن تضيف كلا من المبتدآت غير الأول إِلَى ضمير متلوه كَمَا مثل المُصَنّف وَالثَّانِي أَن تَأتي بالرابط بعد خبر المبتدإ الْأَخير نَحْو زيد هِنْد الأخوان الزيدون ضاربوهما عِنْدهَا باذنه فضمير التَّثْنِيَة للأخوين وَضمير الْمُؤَنَّث لهِنْد وَضمير الْمُذكر لزيد وَيتَفَرَّع من هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ طَريقَة ثَالِثَة مركبة مِنْهُمَا وَهِي أَن نجْعَل بعض الروابط مَعَ الْمُبْتَدَأ وَبَعضهَا مَعَ الْخَبَر نَحْو زيد عبداه الزيدون ضاربوهما وَمثله فِي كَون الْجُمْلَة فِيهِ صغرى وكبرى باعتبارين قَوْله تَعَالَى {لَكِن هُوَ الله رَبِّي} إِذْ اصله أَي أصل {لَكِن هُوَ الله رَبِّي} لَكِن أَنا فحذفت الْهمزَة بِنَقْل الْحَرَكَة أَو بِدُونِهِ

(1/34)


وتلاقت النونان فأدغم فِي قِرَاءَة ابْن عَامر بِإِثْبَات ألف نَا وصلا ووقفا وَالَّذِي حسن ذَلِك وُقُوع الْألف عوضا عَن همزَة أَنا وَقَرَأَ أبي بن كَعْب لَكِن أَنا على الأَصْل وَإِلَّا أَي وَإِن لم يكن أَصله لَكِن أَنا بِالتَّخْفِيفِ بل كَانَ أَصله لَكِن هُوَ بِالتَّشْدِيدِ وَإِسْقَاط الْألف لقيل لكنه لِأَن لَكِن الْمُشَدّدَة عاملة عمل إِن فَإِذا كَانَ اسْمهَا ضميرا وَجب اتِّصَاله بهَا
وَقد تسَامح المصنفون بِدُخُول اللَّام فِي جَوَاب إِن الشّرطِيَّة المقرونة بِلَا النافية فِي قَوْلهم وَإِلَّا لَكَانَ كَذَا حملا على دُخُولهَا فِي جَوَاب لَو الشّرطِيَّة لِأَنَّهَا أُخْتهَا وَمنع الْجُمْهُور دُخُول اللَّام فِي جَوَاب إِن وَأَجَازَهُ ابْن الْأَنْبَارِي

(1/35)


وَلَكِن حرف اسْتِدْرَاك من أكفرت كَأَنَّهُ قَالَ أَنْت كَافِر بِاللَّه لَكِن أَنا هُوَ الله رَبِّي فَأَنا مُبْتَدأ أول وَهُوَ ضمير الشَّأْن مُبْتَدأ ثَان وَالله مُبْتَدأ ثَالِث
وربي خبر الثَّالِث وَالثَّالِث وَخَبره خبر الثَّانِي وَلَا يحْتَاج إِلَى رابط لِأَنَّهَا خبر عَن ضمير الشَّأْن وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول والرابط بَينهمَا يَاء الْمُتَكَلّم وَيُسمى الْمَجْمُوع جملَة كبرى وَالله رَبِّي جملَة صغرى وَهُوَ الله رَبِّي جملَة كبرى بِالنِّسْبَةِ إِلَى الله رَبِّي وصغرى بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَنا
وَقد تكون الْجُمْلَة لَا صغرى وَلَا كبرى لفقد الشَّرْطَيْنِ كقام زيد وَهَذَا زيد

(1/36)


الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي بَيَان الْجمل الَّتِي لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب

الَّذِي هُوَ الرّفْع وَالنّصب والخفض والجزم وَهِي سبع على الْمَشْهُور إِحْدَاهَا الْوَاقِعَة خَبرا لمبتدأ فِي الأَصْل أَو فِي الْحَال فَالْأول نَحْو زيد قَامَ أَبوهُ فجملة قَامَ أَبوهُ فِي مَوضِع رفع خبر زيد وَالثَّانِي نَحْو إِن زيدا أَبوهُ قَائِم فجملة أَبوهُ قَائِم فِي مَوضِع رفع خبر إِن وَالْفرق بَين الْبَابَيْنِ من وُجُوه أَحدهَا إِن الْعَامِل فِي الْخَبَر على الأول الْمُبْتَدَأ وعَلى الثَّانِي إِن
ثَانِيهَا إِن الْخَبَر فِي الأول مُحكم وَفِي الثَّانِي مَنْسُوخ
ثَالِثهَا إِن الْخَبَر فِي الأول يلقى إِلَى خَالِي الذِّهْن من الحكم والتردد فِيهِ وَالثَّانِي يلقى إِلَى الشاك أَو الْمُنكر فِي أول درجاته

(1/37)


وموضعها نصب فِي بَابي كَانَ وَكَاد فَالْأول نَحْو {كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ} فجملة يظْلمُونَ من الْفِعْل وَالْفَاعِل فِي مَوضِع نصب خبر لَكَانَ وَالثَّانِي نَحْو {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} فجملة يَفْعَلُونَ فِي مَوضِع نصب خبر لكاد
وَالْفرق بَين الْبَابَيْنِ من وُجُوه الأول أَن جملَة خبر كَانَ تكون جملَة اسمية أَو فعلية وَجُمْلَة خبر كَاد لَا تكون إِلَّا فعلية فعلهَا مضارع
الثَّانِي إِن خبر كَانَ لَا يجوز إقترانه بِأَن المصدرية وَيجوز فِي خبر كَاد
الثَّالِث أَن خبر كَانَ مُخْتَلف فِي نَصبه على ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه خبر مشبه بالمفعول عِنْد الْبَصرِيين

(1/38)


وَالثَّانِي أَنه مشبه بِالْحَال عِنْد الْفراء
وَالثَّالِث أَنه حَال عِنْد بَقِيَّة الْكُوفِيّين
بِخِلَاف خبر كَاد فَإِنَّهُ مَنْصُوب بهَا بِلَا خلاف الْجُمْلَة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة من الَّتِي لَهَا مَحل الْوَاقِعَة حَالا والواقعة مَفْعُولا بِهِ ومحلهما النصب فالحالية نَحْو قَوْله تَعَالَى {وجاؤوا أباهم عشَاء يَبْكُونَ} فجملة يَبْكُونَ من الْفِعْل وَالْفَاعِل فِي مَحل نصب على حَال من الْوَاو وعشاء مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقرب مَا يكون العَبْد من ربه وَهُوَ ساجد فجملة وَهُوَ ساجد من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي مَحل نصب على الْحَال من العَبْد
وَالْجُمْلَة المفعولية تقع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع الأول أَن تقع محكية بالْقَوْل نَحْو قَالَ إِنِّي عبد الله فجملة إِنِّي

(1/39)


عبد الله فِي مَوضِع نصب على المفعولية محكية بقال وَالدَّلِيل على أَنَّهَا محكية بقال كسر إِن بعد دُخُول قَالَ
وَالثَّانِي أَن تقع تالية للْمَفْعُول الأول فِي بَاب ظن نَحْو ظَنَنْت زيدا يقْرَأ فجملة يقْرَأ من الْفِعْل وفاعله الْمُسْتَتر فِيهِ فِي مَوضِع نصب على أَنَّهَا الْمَفْعُول الثَّانِي لظن
وَالثَّالِث أَن تقع تالية للْمَفْعُول الثَّانِي فِي بَاب أعلم نَحْو أعلمت زيدا عمرا أَبوهُ قَائِم فجملة أَبوهُ قَائِم فِي مَوضِع نصب على أَنَّهَا الْمَفْعُول الثَّالِث لأعْلم
وَإِنَّمَا لم تقع تالية للْمَفْعُول فِي بَاب اعْلَم لِأَن مَفْعُوله الثَّانِي مُبْتَدأ فِي الأَصْل والمبتدأ لَا يكون جملَة
وَالرَّابِع أَن تقع مُعَلّقا عَنْهَا الْعَامِل وَالتَّعْلِيق إبِْطَال الْعَمَل لفظا وإبقاؤه محلا لمجىء مَا لَهُ صدر الْكَلَام سَوَاء كَانَ الْعَامِل من بَاب علم أم من غَيره فَالْأول نَحْو {لنعلم أَي الحزبين أحصى}
فَأَي الحزبين مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ وأحصى خَبره وَهُوَ فعل مَاض لَا اسْم تَفْضِيل من الإحصاء على الْأَصَح وَجُمْلَة الْمُبْتَدَأ وَخَبره فِي مَوضِع نصب سادة مسد مفعولي نعلم
وَالثَّانِي {فَلْينْظر أَيهَا أزكى طَعَاما} فأيها مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ وأزكى خَبره وَطَعَامًا تَمْيِيز وَجُمْلَة الْمُبْتَدَأ وَخَبره فِي مَوضِع نصب سادة مسد مفعول ينظر الْمُقَيد بالجار
قَالَ المُصَنّف فِي الْمُغنِي لِأَنَّهُ يُقَال نظرت فِيهِ وَلكنه هُنَا علق بالاستفهام عَن الْوُصُول فِي اللَّفْظ إِلَى

(1/40)


الْمَفْعُول وَهُوَ من حَيْثُ الْمَعْنى طَالب لَهُ على معنى ذَلِك الْحَرْف وَزعم ابْن عُصْفُور أَنه لَا يعلق فعل غير علم وَظن حَتَّى يتَضَمَّن مَعْنَاهُمَا وعَلى هَذَا تكون هَذِه الْجُمْلَة سادة مسد مفعولين انْتهى وَالنَّظَر والفكر فِي حَال المنظور فِيهِ
وَالرَّابِعَة من الْجمل الَّتِي لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب الْجُمْلَة الْمُضَاف إِلَيْهَا ومحلها الْجَرّ فعلية كَانَت أَو اسمية فَالْأولى نَحْو قَوْله تَعَالَى {هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم} فجملة ينفع الصَّادِقين صدقهم فِي مَحل جر بِإِضَافَة يَوْم إِلَيْهَا
وَالثَّانيَِة نَحْو قَوْله تَعَالَى {يَوْم هم بارزون} فجملة هم بارزون من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي مَحل جر بِإِضَافَة يَوْم إِلَيْهَا وَالدَّلِيل على أَن يَوْم فيهمَا مُضَاف عدم تنوينه
وكذك كل جملَة بعد إِذْ الدَّالَّة على الْمَاضِي أَو إِذا الدَّالَّة على الْمُسْتَقْبل أَو حَيْثُ الدَّالَّة على الْمَكَان أَو لما الوجودية الدَّالَّة على وجود شَيْء لوُجُود غَيره عِنْد من قَالَ باسميتها وَهُوَ ابو بكر بن السراج

(1/41)


وَتَبعهُ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي وتبعهما أَبُو الْفَتْح بن جني وتبعهم جمَاعَة زَعَمُوا أَنَّهَا ظرف بِمَعْنى حِين وَقَالَ ابْن مَالك ظرف بِمَعْنى إِذْ وَاسْتَحْسنهُ المُصَنّف فِي الْمُغنِي أَو بَيْنَمَا أَو بَينا بِزِيَادَة الْمِيم فِي الأولي وحذفها فِي الثَّانِيَة فَهِيَ أَي الْجُمْلَة الْوَاقِعَة بعد هَذِه الْمَذْكُورَات كلهَا فِي مَوضِع خفض بإضافتهن أَي إِضَافَة هَذِه الْمَذْكُورَات إِلَيْهَا مِثَال إِذْ قَوْله تَعَالَى {واذْكُرُوا إِذْ أَنْتُم قَلِيل} و {إِذْ كُنْتُم قَلِيلا} فتضاف إِلَى الجملتين كَمَا مثلنَا وَمِثَال إِذا وتختص بالفعلية على الْأَصَح قَوْله تَعَالَى {إِذا جَاءَ نصر الله} وَمِثَال حَيْثُ جَلَست حَيْثُ جلس زيد وَحَيْثُ زيد جَالس فتضاف للجملتين كَمَا مثلنَا وإضافتها إِلَى الفعلية أَكثر
وَمِثَال لما قَوْلك لما جَاءَ زيد جَاءَ عَمْرو وتختص بِالْفِعْلِ الْمَاضِي
وَمِثَال بَيْنَمَا أَو بَينا قَوْلك بَيْنَمَا اَوْ بَينا زيد قَائِم أَو يقوم زيد وَالصَّحِيح أَن مَا كَافَّة لبين عَن الْإِضَافَة فَلَا مَحل للجملة بعْدهَا من الْإِعْرَاب وَاصل بَينا بَيْنَمَا فحذفت الْمِيم

(1/42)


وَالْجُمْلَة الْخَامِسَة الْوَاقِعَة جَوَابا لشرط جازم وَهُوَ إِن الشّرطِيَّة وَأَخَوَاتهَا ومحلها الْجَزْم إِذا كَانَت الْجُمْلَة الجوابية مقرونة بِالْفَاءِ سَوَاء كَانَت اسمية أم فعلية خبرية أم إنشائية أَو كَانَت مقرونة بإذا الفجائية وَلَا تكون إِلَّا اسمية والأداة إِن خَاصَّة فَالْأولى المقرونة بِالْفَاءِ نَحْو قَوْله تَعَالَى {من يضلل الله فَلَا هادي لَهُ ويذرهم}
فجملة لَا هادي لَهُ من لَا وَاسْمهَا وخبرها فِي مَحل جزم لوقوعها جَوَابا لشرط جزم وَهُوَ من وَلِهَذَا أَي وَلأَجل أَنَّهَا فِي مَحل جزم قريء بجزم يذرهم بِالْيَاءِ عطفا على مَحل الْجُمْلَة فيذرهم مجزوم فِي قِرَاءَة حَمْزَة وَالْكسَائِيّ مَعْطُوف على مَحل جملَة فَلَا هادي لَهُ وَالثَّانيَِة المقرونه بإذا الفجائية نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون} فجملة هم يقنطون فِي مَحل جزم لوقوعها جَوَابا لشرط جازم وَهُوَ إِن والفجأة البغته وَتَقْيِيد الشَّرْط بالجازم احْتِرَازًا عَن الشَّرْط غير الْجَازِم كإذا وَلَو وَلَوْلَا
فَأَما إِذا كَانَت جملَة الْجَواب فعلهَا مَاض خَال عَن الْفَاء نَحْو إِن قَامَ زيد قَامَ عَمْرو فَمحل الْجَزْم فِي الْجَواب مَحْكُوم بِهِ

(1/43)


للْفِعْل وَحده وَهُوَ قَامَ لَا للجملة بأسرها وَهُوَ قَامَ وفاعله
وَكَذَا أَي وكالقول فِي فعل الْجَواب القَوْل فِي فعل الشَّرْط إِن الْجَزْم مَحْكُوم بِهِ للْفِعْل وَحده لَا للجملة بأسرها لِأَن أَدَاة الشَّرْط إِنَّمَا تعْمل فِي شَيْئَيْنِ لفظا أَو محلا فَلَمَّا عملت فِي مَحل الْفِعْلَيْنِ لم يبْق لَهَا تسلط على مَحل الْجُمْلَة بأسرها وَلِهَذَا نقُول إِذا عطفت عَلَيْهِ أَي على فعل الشَّرْط الْمَاضِي فعلا مضارعا وَتَأَخر عَنْهَا مَعْمُول وأعملت الْفِعْل الأول وَهُوَ الْمَاضِي فِي الْمُتَنَازع فِيهِ نَحْو إِن قَامَ وَيقْعد أَخَوَاك قَامَ عَمْرو فتجزم الْمُضَارع الْمَعْطُوف على الْمَاضِي
قبل أَن تكمل الْجُمْلَة بفاعلها وَهُوَ أَخَوَاك فلولا أَن الْجَزْم مَحْكُوم بِهِ للْفِعْل وَحده للَزِمَ الْعَطف على الْجُمْلَة قبل إِتْمَامهَا وَهُوَ مُمْتَنع تَنْبِيه وَهُوَ لُغَة الإيقاظ يُقَال نبهت تَنْبِيها أَي أيقظت إيقاظا وَاصْطِلَاحا عنوان الْبَحْث الْآتِي بِحَيْثُ يعلم من الْبَحْث السَّابِق إِجْمَالا إِذا قلت إِن قَامَ زيد أقوم بِالرَّفْع مَا مَحل أقوم فَالْجَوَاب عَن هَذَا السُّؤَال مُخْتَلف فِيهِ قيل إِن أقوم لَيْسَ هُوَ الْجَواب وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيل الْجَواب أَي لَا عينه وَهُوَ مُؤخر من تَقْدِيم وَالْجَوَاب مَحْذُوف وَالْأَصْل أقوم إِن قَامَ زيد أقِم وَهُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ

(1/44)


وَقيل هُوَ أَي أقوم نفس الْجَواب على إِضْمَار الْفَاء والمبتدأ وَالتَّقْدِير فَأَنا أقوم وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين وَقيل أقوم هُوَ الْجَواب وَلَيْسَ على إِضْمَار الْفَاء وَلَا على نِيَّة التَّقْدِيم وَإِنَّمَا لم يجْزم لَفظه لِأَن الأداة لما لم تعْمل فِي لفظ الشَّرْط لكَونه مَاضِيا مَعَ قربه فَلَا تعْمل فِي الْجَواب مَعَ بعده فعلى القَوْل الأول وَهُوَ أَنه دَلِيل الْجَواب لَا مَحل لَهُ لِأَنَّهُ مُسْتَأْنف وَلَفظه مَرْفُوع لتجرده عَن الناصب والجازم
وعَلى القَوْل الثَّانِي وَهُوَ أَن يكون على إِضْمَار الْفَاء مَحَله مَعَ الْمُبْتَدَأ الْجَزْم وَيظْهر أثر ذَلِك الِاخْتِلَاف فِي التَّابِع فَتَقول إِن قَامَ زيد أقوم وَيقْعد أَخَوَاك بِالرَّفْع وعَلى الثَّانِي وَيقْعد أَخَوَاك بِالْجَزْمِ
وَالْجُمْلَة السَّادِسَة التابعة لمفرد كالجملة المنعوت بهَا ومحلها بِحَسب منعوتها فَإِن كَانَ منعوتها مَرْفُوعا فَهِيَ فِي مَوضِع رفع كالواقعة فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {من قبل أَن يَأْتِي يَوْم لَا بيع فِيهِ} فجملة لَا بيع فِيهِ من اسْم لَا وخبرها فِي مَحل رفع على أَنَّهَا نعت ليَوْم
وَإِن كَانَ منعوتها مَنْصُوبًا فَهِيَ فِي مَوضِع نصب كالواقعة فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} فجملة ترجعون فِي مَوضِع نصب على أَنَّهَا نعت

(1/45)


ل يَوْمًا وَإِن كَانَ منعوتها مجرورا فَهِيَ فِي مَوضِع جر كالواقعة فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {ليَوْم لَا ريب فِيهِ} فجملة لَا ريب فِيهِ فِي مَوضِع جر لِأَنَّهَا نعت ليَوْم
وَالْجُمْلَة السَّابِعَة الْجُمْلَة التابعة لجملة لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب وَذَلِكَ فِي بَابي النسق وَالْبدل فَالْأول نَحْو زيد قَامَ أَبوهُ وَقعد أَخُوهُ فجملة قَامَ أَبوهُ فِي مَوضِع رفع لِأَنَّهَا خبر الْمُبْتَدَأ وَكَذَا جملَة قعد أَخُوهُ فِي مَوضِع رفع أَيْضا لِأَنَّهَا معطوفة على جملَة قَامَ ابوه الَّتِي هِيَ خبر عَن زيد
وَلَو قدرت الْعَطف لجملة قعد أَخُوهُ على مَجْمُوع الْجُمْلَة الاسمية الَّتِي هِيَ زيد قَامَ أَبوهُ لم يكن للمعطوفة وَهِي قعد أَخُوهُ مَحل لِأَنَّهَا معطوفة على جملَة مستأنفة وَلَو قدرت الْوَاو فِي وَقعد وَاو الْحَال لَا وَاو الْعَطف وَلَا وَاو الِاسْتِئْنَاف كَانَت الْجُمْلَة الدَّاخِلَة عَلَيْهَا وَاو الْحَال فِي مَوضِع نصب على الْحَال من أَبوهُ وَكَانَت قد فِيهَا مضمرة تقرب الْمَاضِي من الْحَال وَيكون تَقْدِير الْكَلَام زيد قَامَ أَبوهُ وَالْحَال أَنه قعد أَخُوهُ
وَإِذا قلت قَالَ زيد عبد الله منطلق وَعمر ومقيم فَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب الَّذِي هُوَ من عطف جملَة على جملَة لَهَا مَحل حَتَّى تكون

(1/46)


جملَة عَمْرو مُقيم محلهَا نصب بالْعَطْف على جملَة عبد الله منطلق المحكية بالْقَوْل بل الَّذِي مَحَله النصب على المفعولية ب قَالَ مَجْمُوع الجملتين المعطوفة والمعطوف عَلَيْهَا لِأَن الْمَجْمُوع الْمركب من الجملتين المذكورتين هُوَ الْمَقُول لِلْقَوْلِ فَكل مِنْهُمَا أَي من الجملتين المتعاطفتين جُزْء الْمَقُول الْمركب من الجملتين لَا أَنه على انْفِرَاده الْمَقُول حَتَّى يكون أَحدهمَا مَعْطُوفًا على الآخر وَالثَّانِي الْبَدَل نَحْو قَوْله
(أَقُول لَهُ ارحل لَا تقيمن عندنَا ... وَإِلَّا فَكُن فِي السِّرّ والجهر مُسلما)
فجملة لَا تقيمن عندنَا
فِي مَوضِع نصب على الْبَدَلِيَّة من ارحل وَشَرطه أَن تكون الْجُمْلَة الثَّانِيَة أوفى بتأدية الْمَعْنى المُرَاد من الأولى كَمَا هُنَا فَإِن دلَالَة الثَّانِيَة على مَا أَرَادَهُ من إِظْهَار الْكَرَاهَة لإقامته أولى لِأَنَّهَا تدل عَلَيْهِ بالمطابقة وَالْأولَى تدل عَلَيْهِ بالالتزام

(1/47)


الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِي بَيَان الْجمل الَّتِي لَا مَحل لَهَا من الْأَعْرَاب

وَهِي أَيْضا مصدر آض بِالْمدِّ إِذا عَاد سبع إِحْدَاهَا الْجُمْلَة الابتدائية أَي الْوَاقِعَة فِي ابْتِدَاء الْكَلَام اسمية كَانَت أَو فعلية وَتسَمى المستأنفة أَيْضا وَهِي نَوْعَانِ أَحدهمَا المفتتح بهَا الْكَلَام نَحْو قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر}
وَالثَّانِي المنقطعة عَمَّا قبلهَا نَحْو قَوْله تَعَالَى {إِن الْعِزَّة لله جَمِيعًا} الْوَاقِعَة بعد {وَلَا يحزنك قَوْلهم} فجملة {إِن الْعِزَّة لله جَمِيعًا} مستأنفة لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب وَلَيْسَت محكية بالْقَوْل حَتَّى يكون لَهَا مَحل وَإِنَّمَا المحكي بالْقَوْل مَحْذُوف تَقْدِيره إِنَّه مَجْنُون أَو شَاعِر أَو نَحْو ذَلِك
وَإِنَّمَا لم تجْعَل محكية بالْقَوْل لفساد الْمَعْنى إِذْ لَو قَالُوا إِن الْعِزَّة لله جَمِيعًا لم يحزنهُ فَيَنْبَغِي للقارىء أَن يقف على قَوْلهم ويبتدىء {إِن الْعِزَّة لله جَمِيعًا}

(1/48)


فَإِن وصل وَقصد بذلك تَحْرِيف الْمَعْنى أَثم
وَنَحْو {لَا يسمعُونَ إِلَى الملإ الْأَعْلَى} الْوَاقِعَة بعد {وحفظا من كل شَيْطَان مارد} أَي خَارج عَن الطَّاعَة فجملة لَا يسمعُونَ لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب لِأَنَّهَا مستأنفة استئنافا نحويا لَا استئنافا بيانيا وَهُوَ مَا كَانَ جَوَابا عَن سُؤال مُقَدّر لِأَنَّهُ لَو قيل لأي شَيْء تحفظ من الشَّيْطَان فَأُجِيب بِأَنَّهُم لَا يسمعُونَ لم يستقم فَيَنْبَغِي أَن يكون كلَاما مُنْقَطِعًا عَمَّا قبله
وَلَيْسَت جملَة لَا يسمعُونَ صفة ثَانِيَة للنكرة وَهِي شَيْطَان وَلَا حَالا مِنْهَا أَي من النكرَة مقدرَة فِي الْمُسْتَقْبل لوصفها أَي النكرَة بمارد وَهُوَ عِلّة لتسويغ مَجِيء الْحَال من النكرَة
وَسَيَأْتِي أَن الْجُمْلَة الْوَاقِعَة بعد نكرَة مَوْصُوفَة تحْتَمل الوصفية والحالية وَإِنَّمَا امْتنع الْوَصْف وَالْحَال لفساد الْمَعْنى أما على تَقْدِير الصّفة فَلِأَنَّهُ لَا معنى للْحِفْظ من شَيْطَان لَا يسمع
وَأما على تَقْدِير الْحَال الْمقدرَة فَلِأَن الَّذِي يقدر معنى الْحَال هُوَ صَاحبهَا وَالشَّيَاطِين لَا يقدرُونَ عدم السماع وَلَا يريدونه قَالَه المُصَنّف فِي المغنى

(1/49)


وَتقول فِي الِاسْتِئْنَاف بالاصطلاحين مَا لَقيته مذ يَوْمَانِ فَهَذَا التَّرْكِيب كَلَام تضمن جملتين مستأنفتين إِحْدَاهمَا جملَة فعلية مُقَدّمَة وَهِي مَا لَقيته وَهِي مستأنفة استئنافا نحويا
وَالثَّانيَِة جملَة اسمية مؤخرة وَهِي مذ يَوْمَانِ وَهِي مستأنفة استئنافا نحويا لِأَنَّهَا فِي التَّقْدِير جَوَاب سُؤال مُقَدّر ناشىء من الْجُمْلَة الْمُتَقَدّمَة وكأنك لما قلت مَا لقيتة قيل لَك على رَأْي من جعل مذ مُبْتَدأ مَا امد ذَلِك فَقلت مجيبا لَهُ أمده يَوْمَانِ
وعَلى رَأْي من يَجْعَلهَا خَبرا مقدما فتقدير السُّؤَال مَا بَيْنك وَبَين لِقَائِه فَجَوَابه بيني وَبَينه يَوْمَانِ
وَالْأول قَول الْمبرد وَابْن السراج والفارسي وَالثَّانِي قَول الْأَخْفَش والزجاج وَنسب إِلَى سِيبَوَيْهٍ

(1/50)


وَأما على القَوْل بِأَن يَوْمَانِ فَاعل لفعل مَحْذُوف وَالتَّقْدِير مَا لَقيته مذ مضى يَوْمَانِ أَو أَن يَوْمَانِ خبر لمبتدأ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير مَا لَقيته من الزَّمَان الَّذِي هُوَ يَوْمَانِ
فَلَا يتمشى وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ لطائفتين من الْكُوفِيّين
وَمثلهمَا أَي مثل جملتي مَا لَقيته مذ يَوْمَانِ فِي كَونهمَا كلَاما متضمنا جملتين مستأنفتين بالاصطلاحين قَامَ الْقَوْم خلا زيدا وَقَامَ الْقَوْم حاشا عمرا وَقَامَ الْقَوْم عدا بكرا فَكل من هَذِه الْأَمْثِلَة الثَّلَاثَة كَلَام تضمن جملتين مستأنفتين إِحْدَاهمَا الْمُشْتَملَة على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَهِي مستأنفة استئنافا نحويا
وَالثَّانيَِة الْمُشْتَملَة على الْمُسْتَثْنى وَهِي مستأنفة استئنافا بيانيا لِأَنَّهَا فِي التَّقْدِير جَوَاب سُؤال مُقَدّر فكأنك لما قلت قَامَ الْقَوْم هَل دخل زيد فيهم فَقلت خلا زيدا وَكَذَا الْبَاقِي إِلَّا أَنَّهُمَا أَي جملَة الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَجُمْلَة الْمُسْتَثْنى فِي الْأَمْثِلَة الثَّلَاثَة فعليتان
وَهَذَا إِنَّمَا يتمشى مَعَ القَوْل بِأَن جملَة الْمُسْتَثْنى لَا مَحل لَهَا
أما على القَوْل بِأَنَّهَا فِي مَوضِع نصب على الْحَال فَلَا
وَمن مثلهَا بِضَم الْمُثَلَّثَة

(1/51)


جمع مِثَال أَي وَمن أَمْثِلَة الْجُمْلَة المستأنفة الْجُمْلَة الْوَاقِعَة بعد حَتَّى الابتدائية قَول جرير
(فَمَا زَالَت الْقَتْلَى تمج دماءها ... حَتَّى مَاء دجلة أشكل)
أَي أَبيض يخالطه حمرَة فماء دجلة مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ وأشكل خَبره وَجُمْلَة الْمُبْتَدَأ وَخَبره مستأنفة هَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور
وَنقل عَن أبي إِسْحَق الزّجاج وَأبي مُحَمَّد عبد الله بن جَعْفَر ابْن درسْتوَيْه أَن الْجُمْلَة الْوَاقِعَة بعد حَتَّى الابتدائية وَهِي الَّتِي تبدأ بعْدهَا الْجُمْلَة أَي تسْتَأْنف فِي مَوضِع جر بحتى وَخَالَفَهُمَا الْجُمْهُور وَقَالُوا لَيست حَتَّى هَذِه حرف جر بدليلين

(1/52)


أَحدهمَا لَو كَانَت حرف جر لقيل حَتَّى مَاء بِالْجَرِّ وَالرِّوَايَة بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر والعدول إِلَى الْعَمَل فِي مَحل الْجُمْلَة نوع من التَّعْلِيق وَهُوَ غير مُنَاسِب لِأَن حُرُوف الْجَرّ لَا تعلق بِفَتْح اللَّام عَن الْعَمَل بِدُخُولِهَا على الْجمل وَإِنَّمَا تدخل على الْمُفْردَات أَو مَا فِي تَأْوِيلهَا
وَالثَّانِي إِن حَتَّى هَذِه لَيست حرف جر لوُجُوب كسر همزَة إِن بعْدهَا فِي نَحْو قَوْلك مرض زيد حَتَّى إِنَّهُم لَا يرجونه بِكَسْر إِن وَلَو كَانَت حرف جر لفتحت الْهمزَة وَفَاء بالقاعدة وَهِي أَنه إِذا دخل الْحَرْف الْجَار على أَن فتحت همزتها نَحْو قَوْله تَعَالَى {ذَلِك بِأَن الله هُوَ الْحق} فَلَمَّا لم تفتح الْهمزَة علمنَا أَنَّهَا لَيست جَارة
وَفِي كل من هذَيْن الدَّلِيلَيْنِ نظر أما الأول فلأنهما لَا يسميان ذَلِك تَعْلِيقا وَإِنَّمَا يَقُولَانِ الْجُمْلَة بعد حَتَّى فِي مَحل جر على معنى أَن تِلْكَ الْجُمْلَة فِي تَأْوِيل مُفْرد مجرور بهَا لَا على معنى أَن تِلْكَ الْجُمْلَة بَاقِيَة على جمليتها غير مؤولة بالمفرد لَا يُقَال حَقِيقَة التَّعْلِيق أَن يمْنَع من الْعَمَل لفظا لمجيء

(1/53)


مَا لَهُ صدر الْكَلَام وَهُوَ مَفْقُود هُنَا لأَنا نقُول ذَاك فِي أَفعَال الْقُلُوب وَأما تعلق حُرُوف الْجَرّ فبأن تدخل على غير مُفْرد أَو مَا فِي تَأْوِيله أَو تدخل على مُفْرد وَلَا تعْمل فِيهِ شَيْئا
وَأما الثَّانِي فَلِأَن مدعاهما فِي أَنَّهَا عاملة فِي الْمحل لَا فِي اللَّفْظ وَلذَلِك لم تفتح همزَة إِن بعْدهَا
وَالْجُمْلَة الثَّانِيَة مِمَّا لَا مَحل لَهُ الْوَاقِعَة صلَة لاسم مَوْصُول نَحْو قَامَ أَبوهُ من قَوْلك جَاءَ الَّذِي قَامَ أَبوهُ فجملة قَامَ أَبوهُ لَا مَحل لَهَا لِأَنَّهَا صلَة الْمَوْصُول والموصول لَهُ مَحل بِحَسب مَا يَقْتَضِيهِ الْعَامِل بِدَلِيل ظُهُور الْإِعْرَاب فِي نفس الْمَوْصُول نَحْو {لننزعن من كل شيعَة أَيهمْ أَشد} فِي قِرَاءَة النصب وَنَحْو {رَبنَا أرنا الَّذين أضلانا}

(1/54)


وَذهب أَبُو الْبَقَاء إِلَى أَن الْمحل للموصول وصلته مَعًا كَمَا أَن الْمحل للموصول الْحرفِي مَعَ صلته وَفرق الأول بِأَن الِاسْم يسْتَقْبل بالعامل والحرف لَا يسْتَقْبل
أَو الْوَاقِعَة صلَة لحرف يؤول مَعَ صلته بمصدر نَحْو عجبت مِمَّا قُمْت أَي من قيامك فَمَا مَوْصُول حرفي على الْأَصَح وَقمت صلته والموصول وصلته فِي مَوضِع جر بِمن وَأما الصِّلَة وَهِي قُمْت وَحدهَا فَلَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب لِأَنَّهَا صلَة مَوْصُول وَكَذَا الْمَوْصُول الْحرفِي وَحده لَا مَحل لَهُ لانْتِفَاء الْإِعْرَاب فِي الْحَرْف
الْجُمْلَة الثَّالِثَة المعترضة بَين شَيْئَيْنِ متلازمين وَهِي إِمَّا للتسديد بِالسِّين الْمُهْملَة أَي التقوية أَو التَّبْيِين وَهُوَ الْإِيضَاح وَلَا يعْتَرض بهَا إِلَّا بَين الْأَجْزَاء الْمُنْفَصِل بَعْضهَا من بعض الْمُقْتَضِي كل مِنْهُمَا الآخر فَتَقَع بَين الْفِعْل وفاعله كَقَوْلِه
(وَقد أدركتني والحوادث جمة ... أسنة قوم لَا ضِعَاف وَلَا عزل)

(1/55)


أَو مَفْعُوله كَقَوْلِه
(وبدلت والدهر ذُو تبدل ... هيفا دبورا بالصبا والشمأل)
وَبَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر كَقَوْلِه
(وفيهن وَالْأَيَّام يعثرن بالفتى ... نوادب لَا يمللنه ونوائح)
أَو مَا هما اصله كَقَوْلِه
(إِن سليمى وَالله يكلؤها ... ضنت بِشَيْء مَا كَانَ يرزؤها)
وَبَين الشَّرْط وَجَوَابه نَحْو قَوْله تَعَالَى {فَإِن لم تَفعلُوا وَلنْ تَفعلُوا فَاتَّقُوا النَّار} وَبَين الْمَوْصُول وصلته كَقَوْلِه
(ذَاك الَّذِي وَأَبِيك يعرف مَالِكًا ... وَالْحق يدْفع ترهات الْبَاطِل)

(1/56)


وَبَين أَجزَاء الصِّلَة نَحْو جَاءَ الَّذِي جوده وَالْكَرم زين مبذول وَبَين الْمَجْرُور وجاره اسْما كَانَ نَحْو هَذَا غُلَام وَالله زيد أَو حرفا نَحْو اشْتَرَيْته بوالله الف دِرْهَم وَبَين الْحَرْف وتوكيده نَحْو
(لَيْت وَهل ينفع شَيْئا لَيْت ... لَيْت شبَابًا بوع فاشتريت)

(1/57)


وَبَين قد وَالْفِعْل نَحْو
(أخالد قد وَالله أوطأت عشوة ... )
وَبَين الْحَرْف ومنفيه نَحْو فَلَا وَأبي دهماء زَالَت عزيزة وَبَين الْقسم وَجَوَابه والموصوف وَصفته ويجمعهما {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} الْآيَة {وَإنَّهُ لقسم لَو تعلمُونَ عَظِيم} وَفِي هَذِه الْآيَة

(1/58)


اعْتِرَاض فِي ضمن اعْتِرَاض وَذَلِكَ لِأَن قَوْله تَعَالَى {إِنَّه لقرآن كريم} جَوَاب الْقسم وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} وَمَا بَينهمَا أَي بَين لَا أقسم وَجَوَابه وَالَّذِي بَينهمَا هُوَ {وَإنَّهُ لقسم لَو تعلمُونَ عَظِيم} اعْتِرَاض لَا مَحل لَهُ من الْإِعْرَاب
وَفِي أثْنَاء هَذَا الِاعْتِرَاض الَّذِي هُوَ {وَإنَّهُ لقسم لَو تعلمُونَ عَظِيم} اعْتِرَاض آخر وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {لَو تعلمُونَ} فَإِنَّهُ معترض بَين الْمَوْصُوف وَصفته وهما قسم عَظِيم على طَرِيق اللف والنشر على التَّرْتِيب فالاعتراض فِي هَذِه الْآيَة بجملة وَاحِدَة فِي ضمنهَا جملَة
وَيجوز الِاعْتِرَاض بِأَكْثَرَ من جملَة خلافًا لأبي عَليّ الْفَارِسِي فِي مَنعه من ذَلِك وَمن الِاعْتِرَاض بِأَكْثَرَ من جملَة قَوْله تَعَالَى {قَالَت رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى وَالله أعلم بِمَا وضعت وَلَيْسَ الذّكر كالأنثى وَإِنِّي سميتها مَرْيَم} فالجملة الاسمية هِيَ {وَالله أعلم بِمَا وضعت} بِإِسْكَان التَّاء والفعلية هِيَ {وَلَيْسَ الذّكر كالأنثى} معترضتان بَين الجملتين المصدرتين بِأَنِّي وَلَيْسَ مِنْهُ أَي من الِاعْتِرَاض بِأَكْثَرَ من جملَة هَذِه الْآيَة وَهِي {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} إِلَى آخرهَا

(1/59)


من سُورَة الْوَاقِعَة خلافًا للزمخشري ذكره فِي تَفْسِير آل عمرَان فِي قَوْله تَعَالَى {قَالَت رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى} إِلَى قَوْله {وَإِنِّي سميتها مَرْيَم} فَقَالَ فَإِن قلت علام عطف قَوْله {وَإِنِّي سميتها مَرْيَم} قلت هَذِه معطوفة على قَوْله {إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى} وَمَا بَينهمَا جملتان معترضتان كَقَوْلِه {وَإنَّهُ لقسم لَو تعلمُونَ عَظِيم} انْتهى
وَوجه الرَّد عَلَيْهِ إِن الَّذِي فِي آيَة آل عمرَان اعتراضان لَا اعْتِرَاض وَاحِد بجملتين وَيدْفَع بِأَن الزَّمَخْشَرِيّ إِنَّمَا قصد تَشْبِيه الْآيَة بِالْآيَةِ فِي عدد الْجمل الْمُعْتَرض بهَا لَا فِي عدد الِاعْتِرَاض بِدَلِيل قَوْله فِي تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة {وَإنَّهُ لقسم لَو تعلمُونَ عَظِيم} اعْتِرَاض بَين الْقسم وَجَوَابه وَقَوله {لَو تعلمُونَ} اعْتِرَاض بَين الْمَوْصُوف وَالصّفة انْتهى
الْجُمْلَة الرَّابِعَة التفسيرية وَتسَمى المفسرة والمفسرة الَّتِي لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب هِيَ الكاشفة لحقيقة مَا تليه من مُفْرد ومركب وَلَيْسَت عُمْدَة فَخرج بقوله بِحَقِيقَة مَا تليه صلَة الْمَوْصُول فَإِنَّهَا وَإِن كَانَت كاشفة وموضحة للموصول لَكِنَّهَا لَا توضح حَقِيقَته بل تُشِير إِلَيْهَا بِحَال من أحوالها
وَخرج بقوله وَلَيْسَت عُمْدَة الْجُمْلَة الْمخبر بهَا عَن ضمير الشَّأْن كَمَا سَيَأْتِي وَلَو قَالَ وَهِي الفضلة كَمَا قَالَ فِي المغنى لَكَانَ أولى لِأَن الْفُصُول

(1/60)


العدمية مهجورة فِي الْحُدُود ثمَّ مثل بأَرْبعَة أَمْثِلَة الأول يحْتَمل التَّفْسِير وَالْبدل نَحْو {هَل هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ} من قَوْله تَعَالَى {وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا هَل هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ}
فجملة الِاسْتِفْهَام الصُّورِي وَهِي هَل هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ مفسرة للنجوى فَلَا مَحل لَهَا والنجوى اسْم للتناجي الْخَفي وَهل هُنَا للنَّفْي بِمَعْنى مَا وَلذَلِك دخلت إِلَّا بعْدهَا وَقيل إِن جملَة الِاسْتِفْهَام الصُّورِي بدل مِنْهَا أَي من النَّجْوَى فَيكون الْمحل نصبا بِنَاء على أَن مَا فِيهِ معنى القَوْل يعْمل فِي الْجمل وَهُوَ رَأْي الْكُوفِيّين وَهُوَ إِبْدَال جملَة من مُفْرد نَحْو عرفت زيدا أَبُو من هُوَ
وَالثَّانِي مَا يحْتَمل التَّفْسِير وَالْحَال نَحْو قَوْله تَعَالَى {مستهم البأساء وَالضَّرَّاء} فَإِنَّهُ تَفْسِير {مثل الَّذين خلوا من قبلكُمْ} فَلَا مَحل لَهُ وَقيل إِن {مستهم البأساء وَالضَّرَّاء} حَال من الَّذين خلوا

(1/61)


على تَقْدِير قد قَالَه أَبُو الْبَقَاء قَالَ فِي المغنى وَالْحَال لَا تَأتي من الْمُضَاف إِلَيْهِ فِي مثل هَذَا وَتعقبه بعض الْمُتَأَخِّرين بِأَن مثل صفة فَيصح عمله فِي الْحَال فَيجوز مَجِيء الْحَال مِمَّا أضيف هُوَ إِلَيْهِ وَفِيه نظر لِأَن المُرَاد بِالْعَمَلِ عمل الْأَفْعَال والمضاف إِلَيْهِ مثل لَيْسَ فَاعِلا وَلَا مَفْعُولا فَلَا يَصح أَن يعْمل فِي الْحَال
وَالثَّالِث نَحْو قَوْله تَعَالَى {كَمثل آدم خلقه من تُرَاب} الْآيَة بعد قَوْله {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله} فجملة خلقه من تُرَاب تَفْسِير لمثل فَلَا مَحل لَهُ
وَالرَّابِع مَا يحْتَمل التَّفْسِير والاستئناف نَحْو قَوْله تَعَالَى {تؤمنون بِاللَّه وَرَسُوله} بعد قَوْله تَعَالَى {هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم من عَذَاب أَلِيم} فجملة تؤمنون وَمَا عطف عَلَيْهَا مفسرة للتِّجَارَة فَلَا مَحل لَهَا
وَقيل هِيَ مستأنفة استئنافا بيانيا كَأَنَّهُمْ قَالُوا كَيفَ نَفْعل فَقَالَ لَهُم تؤمنون وَهُوَ خبر وَمَعْنَاهُ الطّلب وَالْمعْنَى آمنُوا بِدَلِيل قِرَاءَة ابْن مَسْعُود آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله ومجيء يغْفر

(1/62)


بِالْجَزْمِ فِي جَوَابه على حد قَوْلهم اتَّقى الله امْرُؤ فعل خيرا يثب عَلَيْهِ أَي ليتق وليفعل يثب وعَلى الأول وَهُوَ أَن يكون تؤمنون تَفْسِيرا للتِّجَارَة هُوَ أَي يغْفر بِالْجَزْمِ جَوَاب الِاسْتِفْهَام وَهُوَ هَل أدلكم وَاسْتَشْكَلَهُ الزّجاج فَقَالَ الْجَواب مسبب عَن الطّلب وغفران الذُّنُوب لَا يتسبب عَن نفس الدّلَالَة بل عَن الْإِيمَان وَالْجهَاد
وَأَشَارَ المُصَنّف إِلَى جَوَابه بقوله وَصَحَّ ذَلِك الْجَزْم فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام على إِقَامَة سَبَب السَّبَب وَهُوَ الدّلَالَة على التِّجَارَة مقَام السَّبَب وَهُوَ الِامْتِثَال
قَالَ المُصَنّف وَخرج بِقَوْلِي فِي تَعْرِيف الْجُمْلَة التفسيرية الَّتِي لَا مَحل لَهَا وَلَيْسَت عُمْدَة الْجُمْلَة الْمخبر بهَا عَن ضمير الشَّأْن نَحْو هُوَ زيد قَائِم وَهِي هِنْد قَائِمَة فَإِنَّهَا أَي الْجُمْلَة الْمخبر بهَا عَن ضمير الشَّأْن مفسرة لَهُ وَلها مَحل من الْإِعْرَاب بالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا أَجمعُوا على أَن لَهَا محلا لِأَنَّهَا خبر وَالْخَبَر عُمْدَة فِي الْكَلَام كالمبتدأ والعمدة لَا يَصح الِاسْتِغْنَاء عَنْهَا فَوَجَبَ أَن يكون لَهَا مَحل وَهِي من حَيْثُ كَونهَا خَبرا حَالَة مَحل الْمُفْرد لِأَن الأَصْل فِي الْخَبَر الْإِفْرَاد لَا من حَيْثُ كَونهَا خَبرا عَن ضمير الشَّأْن لِأَن ضمير الشَّأْن لَا يخبر عَنهُ بمفرد وَكَون الْجُمْلَة الفضلة المفسرة لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب هُوَ الْمَشْهُور سَوَاء كَانَ مَا تفسره لَهُ مَحل أم لَا

(1/63)


وَقَالَ ابو عَليّ الشلوبين بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَاللَّام التَّحْقِيق إِن الْجُمْلَة المفسرة تكون بِحَسب مَا تفسره فَإِن كَانَ مَا تفسره لَهُ مَحل من الْإِعْرَاب فَهِيَ لَهَا مَحل كَذَلِك وَإِلَّا يكن لما تفسره مَحل فَلَا مَحل لَهَا
وَالثَّانِي وَهُوَ الَّذِي لَا مَحل لما تفسره نَحْو ضَربته من نَحْو قَوْلك زيد ضَربته فَإِنَّهُ مُفَسّر لجملة مقدرَة وَالتَّقْدِير ضربت زيدا ضَربته وَلَا مَحل للجملة الْمقدرَة الَّتِي هِيَ ضربت لِأَنَّهَا مستأنفة والمستأنفة لَا مَحل لَهَا وَكَذَلِكَ تَفْسِيرهَا لَا مَحل لَهُ
وَإِنَّمَا قدم الثَّانِي على الأول لكَونه من صور الْوِفَاق
وَالْأول وَهُوَ الَّذِي لما تفسره مَحل نَحْو خلقناه من قَوْله تَعَالَى {إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} بِنصب كل فجملة خلقناه مفسرة للجملة الْمقدرَة الْعَامِل فعلهَا فِي كل وَالتَّقْدِير إِنَّا خلقنَا كل شَيْء خلقناه فخلقناه الْمَذْكُورَة مفسرة لخلقناه الْمقدرَة وَتلك الْجُمْلَة الْمقدرَة فِي مَوضِع رفع لِأَنَّهَا خبر ل إِن
فَكَذَلِك جملَة خلقناه الْمَذْكُورَة تكون فِي مَوضِع رفع لِأَنَّهَا بِحَسب مَا تفسره
وَمن ذَلِك مَا مثل بِهِ الشلوبين من قَوْله زيد الْخبز يَأْكُلهُ فيأكله جملَة وَاقعَة فِي مَحل رفع لِأَنَّهَا مفسرة للجملة المحذوفة وَهِي يَأْكُل الْعَامِل فعلهَا فِي الْخبز النصب والمحذوفة فِي مَحل رفع على الخبرية لزيد وَالْأَصْل زيد يَأْكُل الْخبز يَأْكُلهُ فَكَذَلِك الْمَذْكُورَة لَهَا

(1/64)


مَحل بِحَسب مَا تفسره وَاسْتدلَّ على ذَلِك التَّحْقِيق بَعضهم بقول الشَّاعِر
(فَمن نَحن نؤمنه يبت وَهُوَ آمن ... وَمن لَا نجره يمس منا مروعا)
وَوجه الدَّلِيل مِنْهُ أَن نؤمنه مُفَسّر ل نؤمن قبل نَحن محذوفا مَجْزُومًا بِمن فَظهر الْجَزْم فِي الْفِعْل الْمَذْكُور وَهُوَ نؤمنه الْمُفَسّر للْفِعْل الْمَحْذُوف
وَالْأَصْل من نؤمن نؤمنه فَلَمَّا حذف نؤمن برز ضَمِيره وانفصل
وَفِي كل من أَمْثِلَة التَّحْقِيق نظر لِأَنَّهَا ترجع عِنْد التَّحْقِيق إِلَى تَفْسِير الْمُفْرد بالمفرد وَهُوَ تَفْسِير الْفِعْل بِالْفِعْلِ لَا الْجُمْلَة بِالْجُمْلَةِ بِدَلِيل ظُهُور الْجَزْم فِي الْفِعْل الْمُفَسّر لِأَن جملَة الِاشْتِغَال لَيست من الْجمل الَّتِي تسمى فِي الِاصْطِلَاح جملَة تفسيرية وَإِن حصل بهَا التَّفْسِير كَمَا قَالَ المُصَنّف فِي المغنى
الْجُمْلَة الْخَامِسَة مِمَّا لَا مَحل لَهُ الْوَاقِعَة جَوَابا للقسم سَوَاء ذكر فعل الْقسم وحرفه أم الْحَرْف فَقَط أم لم يذكرَا نَحْو أقسم بِاللَّه لَأَفْعَلَنَّ

(1/65)


وَالثَّانِي نَحْو {إِنَّك لمن الْمُرْسلين} بعد قَوْله تَعَالَى {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم}
وَالثَّالِث نَحْو قَوْله تَعَالَى {إِن لكم لما تحكمون} بعد قَوْله تَعَالَى {أم لكم أَيْمَان علينا بَالِغَة} والأيمان جمع يَمِين بِمَعْنى الْقسم
وَنَحْو {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتاب لتبيننه للنَّاس} لِأَن أَخذ الْمِيثَاق بِمَعْنى الِاسْتِحْلَاف
قيل وَمن هُنَا أَي من أجل أَن الْجُمْلَة الْوَاقِعَة جَوَاب الْقسم لَا مَحل لَهَا قَالَ أَحْمد بن يحيى ولقبه ثَعْلَب لَا يجوز أَن يُقَال زيد ليقومن على أَن ليقومن خبر عَن زيد لِأَن الْجُمْلَة الْمخبر بهَا لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب وَجَوَاب الْقسم لَا مَحل لَهُ فيتنافيان ورد قَول ثَعْلَب والراد لَهُ ابْن مَالك قَالَ فِي شرح التسهيل وَقد ورد السماع بِمَا مَنعه ثَعْلَب من وُقُوع جملَة جَوَاب الْقسم خَبرا وَاسْتشْهدَ بقوله تَعَالَى {وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لنبوئنهم} فجملة لنبوئنهم جَوَاب الْقسم وَهِي خبر الَّذين وَالْجَوَاب عَمَّا قَالَ ابْن مَالك أَن

(1/66)


التَّقْدِير وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أقسم بِاللَّه لنبوئنهم
وَكَذَا التَّقْدِير فِيمَا أشبه ذَلِك من نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين جاهدوا فِينَا لنهدينهم سبلنا} فَالْخَبَر فِي الْحَقِيقَة هُوَ مَجْمُوع جملَة الْقسم الْمقدرَة وَهِي أقسم بِاللَّه وَجُمْلَة الْجَواب الْمَذْكُورَة وَهِي لنبوئنهم ولنهدينهم لَا مُجَرّد جملَة الْجَواب فَقَط فَلَا يلْزم التَّنَافِي إِذْ لَا يلْزم من عدم محلية الْجُزْء عدم محلية الْكل هَذَا تَقْدِير كَلَامه هُنَا
وَقَالَ فِي المغنى مَسْأَلَة قَالَ ثَعْلَب لَا تقع جملَة الْقسم خَبرا فَقيل فِي تَعْلِيله لِأَن نَحْو لَأَفْعَلَنَّ لَا مَحل لَهُ فَإِذا بنى على مُبْتَدأ فَقيل زيد ليفعلن صَار لَهُ مَوضِع وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ إِن مَا يَقع وُقُوع الْخَبَر جملَة قسمية لَا جملَة هِيَ جَوَاب الْقسم وَمرَاده أَن الْقسم وَجَوَابه لَا يكونَانِ خَبرا إِذْ لَا تنفك إِحْدَاهمَا عَن الْأُخْرَى وَجُمْلَة الْقسم وَالْجَوَاب يُمكن أَن يكون لَهما مَحل كَقَوْلِك قَالَ زيد أقسم بِاللَّه لَأَفْعَلَنَّ وَفِي بعض النّسخ تَنْبِيه يحْتَمل قَول همام بن غَالب الفرزدق يُخَاطب ذئبا عرض لَهُ فِي سَفَره
(تعش فَإِن عاهدتني لَا تخونني ... نَكُنْ مثل من يَا ذِئْب يصطحبان)
كَون جملَة لَا تخونني جَوَابا لعاهدتني فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة الْقسم كَقَوْلِه وَهُوَ الفرزدق أَيْضا
(أرى محرزا عاهدته ليوافقن ... فَكَانَ كمن أغريته بخلافي)

(1/67)


فجملة ليوافقن جَوَاب لعاهدته فَيكون لَا تخونني جَوَابا لعاهدتني فَلَا مَحل لَهُ من الْإِعْرَاب لِأَنَّهُ جَوَاب الْقسم وَيحْتَمل كَونه أَي كَون لَا تخونني حَالا من الْفَاعِل وَهُوَ تَاء الْمُخَاطب من عاهدتني وَالتَّقْدِير حَال كونك غير خائن أَو حَالا من الْمَفْعُول وَهُوَ يَاء الْمُتَكَلّم من عاهدتني وَالتَّقْدِير حَال كوني غير خائن أَو حَالا مِنْهُمَا أَي من الْفَاعِل وَهُوَ التَّاء الفوقانية وَمن الْمَفْعُول وَهُوَ الْيَاء التَّحْتَانِيَّة وَالتَّقْدِير حَال كوننا غير خائنين وعَلى التقادير الثَّلَاثَة فَيكون فِي مَحل نصب وَالِاحْتِمَال الأول أرجح قَالَ فِي المغنى وَالْمعْنَى شَاهد لكَونهَا جَوَابا
الْجُمْلَة السَّادِسَة من الْجمل الَّتِي لَا مَحل لَهَا الْوَاقِعَة جَوَابا لشرط غير جازم مُطلقًا كجواب إِذا الشّرطِيَّة نَحْو إِذا جَاءَ زيد أكرمتك وَجَوَاب لَو الشّرطِيَّة نَحْو لَو جَاءَ زيد لأكرمتك
وَجَوَاب لَوْلَا الشّرطِيَّة نَحْو لَوْلَا زيد لأكرمتك فجملة أكرمتك فِي جَوَاب الثَّلَاثَة لَا مَحل لَهَا
أَو الْوَاقِعَة جَوَابا لشرط جازم وَلم تقترن بِالْفَاءِ وَلَا بإذا الفجائية نَحْو إِن جَاءَنِي زيد أكرمته فجملة اكرمته وَقعت جَوَابا لشرط جازم وَلم تقترن بِالْفَاءِ وَلَا بإذا الفجائية فَلَا مَحل لَهَا فَإِن اقترنت بِأَحَدِهِمَا

(1/68)


كَانَت فِي مَحل جزم كَمَا تقدم
الْجُمْلَة السَّابِعَة التابعة لما لَا مَوضِع لَهُ من الْإِعْرَاب نَحْو قَامَ زيد وَقعد عَمْرو فجملة قعد عَمْرو لَا مَحل لَهَا لِأَنَّهَا معطوفة على جملَة قَامَ زيد وَلَا مَحل لَهَا لِأَنَّهَا مستأنفة هَذَا إِذا لم تقدر الْوَاو الدَّاخِلَة على قعد للْحَال فَإِن قدرتها للْحَال كَانَت قد مقدرَة وَالْجُمْلَة بعْدهَا محلهَا نصب على الْحَال من زيد

(1/69)


الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة الْجمل الخبرية

وَهِي المحتملة للتصديق والتكذيب مَعَ قطع النّظر عَن قَائِلهَا الَّتِي لم يطْلبهَا الْعَامِل لُزُوما وَيصِح الِاسْتِغْنَاء عَنْهَا بِخِلَاف الْجُمْلَة الَّتِي يطْلبهَا الْعَامِل لُزُوما كجملة الْخَبَر والمحكية بالْقَوْل وَبِخِلَاف مَا لَا يَصح الِاسْتِغْنَاء عَنْهَا كجملة الصِّلَة إِن وَقعت بعد النكرات الْمَحْضَة أَي الْخَالِصَة مِمَّا يقربهَا من الْمعرفَة فصفات أَي فَهِيَ صِفَات أَو وَقعت بعد المعارف الْمَحْضَة أَي الْخَالِصَة من شَائِبَة التنكير فأحوال أَي فَهِيَ أَحْوَال أَو وَقعت بعد غير الْمَحْض الَّتِي يكون فِيهَا شَائِبَة تَعْرِيف من وَجه وشائبة تنكير من وَجه مِنْهُمَا أَي من النكرات والمعارف مُحْتَملَة لَهما أَي فَهِيَ مُحْتَملَة للصفات وَالْأَحْوَال وَذَلِكَ مَعَ وجود الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاء الْمَانِع فالمقتضي للوصفية بمحض التنكير والمقتضي للحالية بمحض التَّعْرِيف والمقتضي لَهما عدم تمحض التنكير وَالْمَانِع للوصفية الاقتران بِالْوَاو وَنَحْوهَا وَالْمَانِع للحالية الاقتران بِحرف الِاسْتِقْبَال وَنَحْوه وَالْمَانِع للوصفية والحالية فَسَاد الْمَعْنى كَمَا تقدم فِي جملَة لَا يسمعُونَ

(1/70)


مِثَال الْجُمْلَة الْوَاقِعَة بعد النكرَة الْمَحْضَة حَال كَونهَا صفة قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تنزل علينا كتابا نقرؤه} فجملة نقرؤه من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول فِي مَوضِع نصب صفة ل كتابا لِأَنَّهُ أَي كتابا نكرَة مَحْضَة وَقد مَضَت أَمْثِلَة ثَلَاثَة من ذَلِك أَي من وُقُوع الْجُمْلَة صفة للنكرة الْمَحْضَة فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عِنْد الْكَلَام على الْجُمْلَة التابعة لمفرد
وَمِثَال الْجُمْلَة الْوَاقِعَة بعد الْمعرفَة الْمَحْضَة حَال كَونهَا حَالا قَوْله تَعَالَى {وَلَا تمنن تستكثر} بِالرَّفْع فجملة تستكثر من الْفِعْل وَالْفَاعِل حَال من الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي تمنن الْمُقدر ذَلِك الضَّمِير ب أَنْت وَهُوَ معرفَة مَحْضَة لِأَن الضمائر كلهَا معارف مَحْضَة بل هِيَ أعرف المعارف
وَمِثَال الْجُمْلَة المحتملة للوجهين الصّفة وَالْحَال الْوَاقِعَة بعد النكرَة غير الْمَحْضَة نَحْو قَوْلك مَرَرْت بِرَجُل صَالح يُصَلِّي فَإِن شِئْت قدرت يُصَلِّي من الْفِعْل وَالْفَاعِل صفة ثَانِيَة لرجل لِأَنَّهُ نكرَة وَقد وصف أَولا بِصَالح وَإِن شِئْت قدرته أَي يُصَلِّي وفاعله حَالا مِنْهُ أَي من رجل لِأَنَّهُ قد قرب من الْمعرفَة باختصاصه بِالصّفةِ الأولى وَهِي صَالح

(1/71)


وَمِثَال الْجُمْلَة المحتملة للوجهين الصّفة وَالْحَال الْجُمْلَة الْوَاقِعَة بعد الْمعرفَة غير الْمَحْضَة قَوْله تَعَالَى {كَمثل الْحمار يحمل أسفارا} فَإِن المُرَاد بالحمار هُنَا الْجِنْس من حَيْثُ هُوَ لَا حمَار بِعَيْنِه وَذُو التَّعْرِيف الجنسي يقرب من النكرَة فِي الْمَعْنى فتحتمل الْجُمْلَة من قَوْله يحمل أسفارا من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَجْهَيْن أَحدهمَا الحالية لِأَن الْحمار وَقع بِلَفْظ الْمعرفَة
وَالْوَجْه الثَّانِي الصّفة لِأَنَّهُ أَي الْحمار كالنكرة فِي الْمَعْنى من حَيْثُ الشُّيُوع

(1/72)