همع الهوامع في شرح جمع الجوامع

 [حالات جَوَاز تَقْدِيم الْخَبَر وتأخيره]
وَإِذا علم مَا يجب فِيهِ تَأْخِير الْخَبَر وَمَا يمْنَع علم أَن مَا عداهما يجوز فِيهِ التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير سَوَاء كَانَ الْخَبَر رَافعا ضميرا لمبتدأ أَو سببيه أَو ناصبا ضَمِيره أَو مُشْتَمِلًا عَلَيْهِ أَو على ضمير مَا أضيف إِلَيْهِ أَو الْمُبْتَدَأ مُشْتَمل على ضمير ملابس الْخَبَر الأول نَحْو قَائِم زيد وَالثَّانِي نَحْو قَائِم أَبوهُ زيد أَو قَامَ أَبوهُ زيد وَالثَّالِث نَحْو ضَربته زيد وَالرَّابِع نَحْو فِي دَاره زيد وَالْخَامِس نَحْو فِي دَاره قيام زيد وَفِي دَاره عبد زيد وَالسَّادِس نَحْو زيدا أَبوهُ ضرب وزيدا أَبوهُ ضَارب وَمنع الْكُوفِيُّونَ تَقْدِيم الْخَبَر فِي غير الرَّابِع والمفسر فِي الْأَخير إِلَّا هشاما مِنْهُم فَأجَاز الْأَخير بصورتيه وَوَافَقَهُ الْكسَائي على جَوَاز الصُّورَة الثَّانِيَة وَهِي زيدا أَبوهُ ضَارب دون زيدا أَبوهُ ضرب وعضده أَبُو عَليّ بِأَن الأَصْل الْإِخْبَار بالمفرد والإخبار بِالْفِعْلِ خلاف الأَصْل فَكَأَن الْمُبْتَدَأ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ أَجْنَبِي فَلَا يفصل بِهِ بَين الْفِعْل ومنصوبه بِخِلَاف اسْم الْفَاعِل وعضده غَيره بِأَن الْخَبَر إِذا كَانَ فعلا لَا يجوز تَقْدِيمه فَلَا يجوز تَقْدِيم معموله بِخِلَاف اسْم الْفَاعِل وعورض بِأَن تَقْدِيم مَعْمُول الْفِعْل أولى لقُوته وَأَجَازَ الْكسَائي أَيْضا التَّقْدِيم فِي الثَّالِث وَمنع الْأَخْفَش التَّقْدِيم فِي الرَّابِع على أَن زيد مَرْفُوع بالمجرور وَإِنَّمَا أجَازه الْكُوفِيُّونَ وَلم يجيزوا قَائِم زيد وضربته زيد لِأَن الضَّمِير فِي قَوْلك فِي دَاره زيد غير مُعْتَمد عَلَيْهِ أَلا ترى أَن الْمَقْصُود فِي الدَّار زيد وَحصل هَذَا الضَّمِير بِالْعرضِ وَاحْتج البصريون بِالسَّمَاعِ حُكيَ تميمي أَنا ومشنوء من يشنؤك وَذهب ابْن الطراوة إِلَى جَوَاز زيد أَخُوك دون قَائِم زيد بِنَاء على مَذْهَب لَهُ غَرِيب خَارج عَن قانون الْعَرَبيَّة وَقد أَشرت إِلَيْهِ فِي كتاب الاقتراح فِي أصُول النَّحْو وَتركته هُنَا لسخافته

(1/389)


[الْحَالَات الَّتِي يجوز فِيهَا حذف الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر]
ص مَسْأَلَة يحذف مَا علم من مُبْتَدأ أَو خبر وَحَيْثُ صَحَّ فيهمَا فَفِي الأولى قَولَانِ وَفِي الْمَحْذُوف من زيد وَعَمْرو قَائِم ثَالِثهَا التَّخْيِير ويقل بعد ((إِذا)) ش يجوز حذف مَا علم من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فَالْأول يكثر فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام نَحْو {وَمَا أَدْرَاك مَا هيه نَار} القارعة 10، 11 أَي هِيَ نَار {قل أفأنبئكم بشر من ذَلِكُم النَّار} الْحَج 72 أَي هُوَ النَّار وَبعد فَاء الْجَواب {من عمل صَالحا فلنفسه} فصلت 46 أَي فعمله لنَفسِهِ {وَإِن تخالطوهم فإخوانكم} الْبَقَرَة 220 أَي فهم إخْوَانكُمْ وَبعد القَوْل نَحْو {وَقَالُوا أساطير الْأَوَّلين} الْفرْقَان 5 ويقل بعد إِذا الفجائية نَحْو خرجت فَإِذا السَّبع وَلم يَقع فِي الْقُرْآن بعْدهَا إِلَّا ثَابتا وَمِنْه فِي غير ذَلِك {سُورَة أنزلناها} النُّور 1 {بَرَاءَة من الله} التَّوْبَة 1 أَي هَذِه وَالثَّانِي نَحْو {أكلهَا دآئم وظلها} الرَّعْد 35 أَي دَائِم {وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب} الْمَائِدَة 5 أَي حل لكم وَإِذا دَار الْأَمر بَين كَون الْمَحْذُوف مُبْتَدأ وَكَونه خَبرا فَأَيّهمَا أولى قَالَ الوَاسِطِيّ الأولى كَون الْمَحْذُوف الْمُبْتَدَأ لِأَن الْخَبَر محط الْفَائِدَة وَقَالَ الْعَبْدي الأولى كَونه الْخَبَر لِأَن التَّجَوُّز فِي آخر الْجُمْلَة أسهل نقل الْقَوْلَيْنِ ابْن إياز وَمِثَال الْمَسْأَلَة {فَصَبر جميل} يُوسُف 18 أَي شأني صَبر جميل أَو صَبر جميل أمثل من غَيره

(1/390)


وَإِذا جِئْت بعد مبتدأين بِخَبَر وَاحِد نَحْو زيد وَعَمْرو قَائِم فَذهب سِيبَوَيْهٍ والمازني والمبرد إِلَى أَن الْمَذْكُور خبر الأول وَخبر الثَّانِي مَحْذُوف وَذهب ابْن السراج وَابْن عُصْفُور إِلَى عَكسه وَقَالَ آخَرُونَ أَنْت مُخَيّر فِي تَقْدِيم أَيهمَا شِئْت
[الْأَسْبَاب الْمُوجبَة لحذف الْمُبْتَدَأ]
ص وَيجب فِي مُبْتَدأ خَبره نعت مَقْطُوع لمدح أَو ذمّ أَو ترحم أَو مصدر بدل من اللَّفْظ بِفِعْلِهِ أَو مَخْصُوص نعم أَو صَرِيح قسم وَنَحْو من أَنْت زيد وَلَا سَوَاء خلافًا للمبرد والسيرافي وَبعد لَا سِيمَا إِذا رفعت ش يجب حذف الْمُبْتَدَأ فِي مَوَاضِع أَحدهَا إِذا كَانَ مخبرا عَنهُ بنعت مَقْطُوع لمدح نَحْو الْحَمد لله أهل الْمَدْح أَو ذمّ نَحْو مَرَرْت بزيد الْفَاسِق أَو ترحم نَحْو مَرَرْت ببكر الْمِسْكِين وَإِنَّمَا الْتزم فِيهِ الْحَذف لأَنهم لما قطعُوا هَذِه النعوت إِلَى النصب التزموا إِضْمَار الناصب أَمارَة على أَنهم قصدُوا إنْشَاء الْمَدْح والذم والترحم كَمَا فعلوا فِي النداء إِذْ لَو أظهرُوا لأوهم الْإِخْبَار وأجرى الرّفْع مجْرى النصب أما غير الثَّلَاثَة من النعوت فَيجوز فِيهِ الْحَذف وَالذكر نَحْو مَرَرْت بزيد الْخياط أَي هُوَ الْخياط الثَّانِي إِذا أخبر عَنهُ بمصدر هُوَ بدل من اللَّفْظ بِفِعْلِهِ نَحْو سمع وَطَاعَة أَي أَمْرِي سمع وَالْأَصْل فِي هَذَا النصب لِأَنَّهُ جِيءَ بِهِ بَدَلا من اللَّفْظ بِفِعْلِهِ فَلم يجز إِظْهَار ناصبه لِئَلَّا يكون جمعا بَين الْبَدَل والمبدل مِنْهُ ثمَّ حمل الرّفْع على النصب فالتزم إِضْمَار الْمُبْتَدَأ الثَّالِث إِذا أخبر عَنهُ بمخصوص فِي بَاب نعم نَحْو نعم الرجل زيد أَي هُوَ زيد الرَّابِع إِذا أخبر عَنهُ بِصَرِيح الْقسم نَحْو فِي ذِمَّتِي لَأَفْعَلَنَّ أَي يَمِيني الْخَامِس قَول الْعَرَب من أَنْت زيد أَي مذكورك زيد السَّادِس قَوْلهم لَا سَوَاء حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ وتأوله على حذف مُبْتَدأ أَي هَذَانِ لَا سَوَاء أَو لَا هما سَوَاء وَهُوَ وَاجِب الْحَذف لِأَن الْمَعْنى لَا يستويان وَأَجَازَ الْمبرد والسيرافي إِظْهَاره السَّابِع قَوْلهم لَا سِيمَا زيد بِالرَّفْع أَي لَا سي الَّذِي هُوَ زيد

(1/391)


[الْأَسْبَاب الْمُوجبَة لحذف الْخَبَر]
ص وَخبر بعد لَوْلَا ولوما للامتناع قَالَ الْجُمْهُور مُطلقًا وَالْمُخْتَار وفَاقا للرماني وَابْن الشجري والشلوبين وَابْن مَالك يجب ذكره إِن كَانَ خَاصّا وَلَا دَلِيل وَعَلِيهِ لَوْلَا قَوْمك حديثو عهد وَمَعَهُ يجوز وَقيل الْخَبَر الْجَواب وَقيل تَالِيهَا رفع بهَا وَقيل بمضمر وَقدره بعض الْمُتَقَدِّمين لَو لم يحضر وَمَعَ قسم صَرِيح لَا غَيره فِي الْأَصَح وواو مَعَ والكوفية سدت عَنهُ وَالْجُمْهُور أَن مِنْهُ حَسبك ينم النَّاس وضربي زيدا قَائِما وَأَن الْمُقدر إِذا أَو إِذْ كَانَ وَقيل ضربه وَقيل ثَابت وَنَحْوه بعد الْحَال وَقيل يظْهر وَقيل لَا خبر وَالْفَاعِل مغن وَقيل هُوَ قَائِما وفيهَا ضميران وَقيل لَا وَقيل سدت عَنهُ وَقيل ضربي فَاعل مُضْمر وَرفع قَائِما ضَرُورَة وَجوزهُ الْأَخْفَش بعد أفعل مُضَافا إِلَى مَا مَوْصُولَة بكان أَو يكون وَابْن مَالك مَقْرُونا بواو الْحَال وَيجْرِي مجْرى مصدر مضافه وَفِي مؤول ثَالِثهَا الْمُخْتَار إِن أضيف إِلَيْهِ وأجرى ابْن عُصْفُور كل مَا لَا حَقِيقَة لَهُ فِي الْوُجُود وَالْمُخْتَار وفَاقا لسيبويه منع وَقع هَذِه الْحَال فعلا وَثَالِثهَا مضارعا مَرْفُوعا وتقديمها وَثَالِثهَا إِن كَانَت من ظَاهر وَرَابِعهَا إِن تعدى الْمصدر وتوسطها ومعمولها وَثَالِثهَا إِن لم يفصل وجوازها جملَة بواو لَا دونهَا وَرَابِعهَا إِن عري من ضمير وَدخُول كَانَ على مصدرها وإتباعه وَعلمِي بزيد كَانَ قَائِما على زيادتها لَا أما ضربيك فَكَانَ حسنا صفة للياء وَالْكَاف وَالْكِنَايَة قبلهَا وَعبد الله وعهدي بزيد قديمين ش يجب حذف الْخَبَر فِي مَوَاضِع أَحدهَا إِذا وَقع الْمُبْتَدَأ بعد لَوْلَا الامتناعية لِأَنَّهُ مَعْلُوم بمقتضاها إِذْ هِيَ دَالَّة على امْتنَاع لوُجُود فالمدلول على امْتِنَاعه هُوَ الْجَواب والمدلول على وجوده هُوَ

(1/392)


الْمُبْتَدَأ فَإِذا قيل لَوْلَا زيد لأكرمت عمرا لم يشك فِي أَن المُرَاد وجود زيد منع من إكرام عَمْرو وَجَاز الْحَذف لتعين الْمَحْذُوف وَوَجَب لسد الْجَواب وحلوله مَحَله ثمَّ أطلق الْجُمْهُور وجوب الْحَذف ولحنوا المعري فِي قَوْله 332 -
(فلولا الغِمْدُ يُمْسِكُه لَسالا ... )
وَقَيده الرماني وَابْن الشجري والشلوبين وتبعهم ابْن مَالك بِمَا إِذا كَانَ الْخَبَر الْكَوْن الْمُطلق فَلَو أُرِيد كَون بِعَيْنِه لَا دَلِيل عَلَيْهِ لم يجز الْحَذف فضلا عَن أَن يجب نَحْو لَوْلَا زيد سالمنا مَا سلم وَمِنْه قَوْله
لَوْلَا قَوْمك حديثو عهد بِكفْر لأسست الْبَيْت على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم فَإِن كَانَ عَلَيْهِ دَلِيل جَازَ الْحَذف وَالْإِثْبَات نَحْو لَوْلَا أنصار زيد حموه لم ينج وَمِنْه بَيت المعري السَّابِق وَالْجُمْهُور أطْلقُوا فِيهِ وجوب الْحَذف بِنَاء على أَنه لَا يكون بعْدهَا إِلَّا كونا مُطلقًا قَالَ ابْن أبي الرّبيع أجَاز قوم لَوْلَا زيد قَائِم لأكرمتك وَلَوْلَا زيد جَالس لأكرمتك وَهَذَا لم يثبت بِالسَّمَاعِ وَالْمَنْقُول لَوْلَا جُلُوس عَمْرو وَلَوْلَا قيام زيد انْتهى قلت وَالظَّاهِر أَن الحَدِيث حرفته الروَاة بِدَلِيل أَن فِي بعض رواياته لَوْلَا حدثان قَوْمك وَهَذَا جَار على الْقَاعِدَة وَقد بيّنت فِي كتاب أصُول النَّحْو من كَلَام ابْن الضائع وَأبي حَيَّان أَنه لَا يسْتَدلّ بِالْحَدِيثِ على مَا خَالف الْقَوَاعِد النحوية لِأَنَّهُ مَرْوِيّ بِالْمَعْنَى لَا بِلَفْظ الرَّسُول وَالْأَحَادِيث رَوَاهَا الْعَجم والمولدون لَا من يحسن الْعَرَبيَّة فأدوها على قدر ألسنتهم وك لَوْلَا فِيمَا ذكر لوما نبه عَلَيْهِ ابْن النّحاس فِي تَعْلِيقه على المقرب

(1/393)


وَذهب قوم إِلَى أَن الْخَبَر بعد لَوْلَا غير مُقَدّر وَأَنه الْجَواب وَذهب الْفراء إِلَى أَن الْوَاقِع بعد لَوْلَا لَيْسَ مُبْتَدأ بل مَرْفُوع بهَا لاستغنائه بهَا كَمَا يرْتَفع بِالْفِعْلِ الْفَاعِل ورد بِأَنَّهَا لَو كَانَت عاملة لَكَانَ الْجَرّ أولى بهَا من الرّفْع لاختصاصها بِالِاسْمِ وَذهب الْكسَائي إِلَى أَنه مَرْفُوع بِفعل بعْدهَا تَقْدِيره لَوْلَا وجد زيد أَو نَحوه لظُهُوره فِي قَوْله 333 -
(فَقُلْت بلَى لَوْلَا يُنازعُني شُغْلِي ... )
وَذهب جمَاعَة من الْمُتَقَدِّمين إِلَى أَنه مَرْفُوع بلولا لنيابتها مناب فعل تَقْدِيره لَو لم يُوجد أَو لَو لم يحضر الثَّانِي إِذا وَقع خبر قسم صَرِيح نَحْو لعمرك وأيمن الله وَأَمَانَة الله وَإِنَّمَا وَجب حذفه لكَونه مَعْلُوما وَقد سد الْجَواب مسده بِخِلَاف غير الصَّرِيح فَلَا يجب حذف خَبره بل يجوز إثْبَاته نَحْو عَليّ عهد الله لَأَفْعَلَنَّ لِأَنَّهُ لَا يشْعر بالقسم حَتَّى يذكر الْمقسم عَلَيْهِ وَمَا تقدم لَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الْقسم وَقيل إِن أَيمن الله وَنَحْوه خبر مَحْذُوف الْمُبْتَدَأ وَالتَّقْدِير قسمي أَيمن الله الثَّالِث إِذا وَقع بعد وَاو بِمَعْنى مَعَ نَحْو كل رجل وضيعته أَي مقترنان فَالْخَبَر مَحْذُوف لدلَالَة الْوَاو وَمَا بعْدهَا على المصحوبية وَكَانَ الْحَذف وَاجِبا لقِيَام الْوَاو مقَام مَعَ وَلَو جِيءَ لمع لَكَانَ كلَاما تَاما هَذَا مَذْهَب الْبَصرِيين وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن الْخَبَر لم يحذف وَإِنَّمَا أغنت عَنهُ الْوَاو كإغناء الْمَرْفُوع بِالْوَصْفِ عَنهُ فَهُوَ كَلَام تَامّ لَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير وَاخْتَارَهُ ابْن خروف فَإِن لم تكن الْوَاو صَرِيحَة فِي الْمَعِيَّة بِأَن احتملت الْعَطف نَحْو زيد وَعَمْرو مقرونان جَازَ الْحَذف وَالْإِثْبَات الرَّابِع اخْتلف فِي قَول الْعَرَب حَسبك ينم النَّاس فَقيل الضمة فِي حَسبك ضمة بِنَاء وَهُوَ اسْم سمي بِهِ الْفِعْل وَبني على الضَّم لِأَنَّهُ كَانَ معربا

(1/394)


قبل ذَلِك فَحمل على قبل وَبعد وعَلى هَذَا أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء وَالْجُمْهُور على أَنَّهَا ضمة إِعْرَاب فَقيل هُوَ مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر لدلَالَة الْمَعْنى عَلَيْهِ وَالتَّقْدِير حَسبك السُّكُوت ينم النَّاس وَقيل هُوَ مُبْتَدأ لَا خبر لَهُ لِأَن مَعْنَاهُ اكتف وَاخْتَارَهُ ابْن طَاهِر الْخَامِس مَسْأَلَة ضربي زيدا قَائِما وضابطها أَن يكون الْمُبْتَدَأ مصدرا عَاملا فِي مُفَسّر صَاحب حَال بعده لَا يصلح أَن يكون خَبرا عَنهُ وَهَذِه الْمَسْأَلَة طَوِيلَة الذيول كَثِيرَة الْخلاف وَقد أفردتها قَدِيما بتأليف مُسْتَقل وَأَقُول هُنَا اخْتلف النَّاس فِي إِعْرَاب هَذَا الْمِثَال فَقَالَ قوم ضربي مُرْتَفع على أَنه فَاعل فعل مُضْمر تَقْدِيره يَقع ضربى زيدا قَائِما أَو ثَبت ضربي زيدا قَائِما وَضعف بِأَنَّهُ تَقْدِير مَا لَا دَلِيل على تَعْيِينه لِأَنَّهُ كَمَا يجوز تَقْدِير ثَبت يجوز تَقْدِير قل أَو عدم وَمَا لَا يتَعَيَّن تَقْدِيره لَا سَبِيل إِلَى إضماره وَقَالَ الْجُمْهُور هُوَ مُبْتَدأ وَهُوَ مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله وزيدا مفعول بِهِ وَقَائِمًا حَال ثمَّ اخْتلفُوا هَل يحْتَاج هَذَا الْمُبْتَدَأ إِلَى خبر أَو لَا فَقَالَ قوم لَا خبر لَهُ وَأَن الْفَاعِل أغْنى عَن الْخَبَر لِأَن الْمصدر هُنَا وَاقع موقع الْفِعْل كَمَا فِي أقائم الزيدان وَالتَّقْدِير ضربت زيدا قَائِما وَضعف بِأَنَّهُ لَو وَقع موقع الْفِعْل لصَحَّ الِاقْتِصَار عَلَيْهِ مَعَ فَاعله كالمشبه بِهِ وَقَالَ الْكسَائي وَهِشَام وَالْفراء وَابْن كيسَان الْحَال نَفسهَا هِيَ الْخَبَر ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ الْأَوَّلَانِ الْحَال إِذا وَقعت خَبرا للمصدر كَانَ فِيهَا ضميران مرفوعان أَحدهمَا من صَاحب الْحَال وَالْآخر من الْمصدر وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى ذَلِك لِأَن الْحَال لَا بُد لَهَا من ضمير يعود على صَاحبهَا وَالْخَبَر لَا بُد فِيهِ من ضمير يعود على الْمُبْتَدَأ وَقد جمعت الوضعين فاحتاجت إِلَى ضميرين حَتَّى لَو أكدت كرر التوكيد نَحْو ضربي زيدا قَائِما نَفسه نَفسه

(1/395)


وَقَالَ الْفراء الْحَال إِذا وَقعت خَبرا للمصدر فَلَا ضمير فِيهَا من الْمصدر لجريانها على صَاحبهَا فِي إِفْرَاده وتثنيته وَجمعه وتعريها من ضمير الْمصدر للزومها مَذْهَب الشط وَالشّرط بعد الْمصدر لَا يتَحَمَّل ضمير الْمصدر نَحْو ضربي زيدا إِن قَامَ وَجَاز نصب قَائِما وَنَحْوه على الْحَال عِنْده وَعند الْأَوَّلين وَإِن كَانَ خَبرا لما لم يكن عين الْمُبْتَدَأ لِأَن الْقَائِم هُوَ زيد لَا الضَّرْب فَلَمَّا كَانَ خِلَافه انتصب على الْخلاف لِأَنَّهُ عِنْدهم يُوجب النصب وَقَالَ ابْن كيسَان إِنَّمَا أغنت الْحَال عَن الْخَبَر لشبهها بالظرف فَكَأَنَّهُ قيل ضربي زيدا فِي حَال قِيَامه وَضعف قَول الْكسَائي وَهِشَام بِأَن الْعَامِل الْوَاحِد لَا يعْمل رفعا فِي ظَاهِرين فَكَذَا لَا يعمله فِي ضميرين وَبِأَن الْحَال لَو ثني نَحْو ضربي أخويك قَائِمين لم يُمكن أَن يكون فِيهِ ضميران لِأَنَّهُ لَو كَانَ لَكَانَ أَحدهمَا مثنى من حَيْثُ عوده على صَاحب الْحَال الْمثنى وَالْآخر مُفردا لعوده على الْمُبْتَدَأ الْمُفْرد وتثنية اسْم الْفَاعِل وإفراده إِنَّمَا هُوَ بِحَسب مَا يرفع من الضَّمِير فَكَانَ يلْزم أَن يكون اسْم الْفَاعِل مُفردا مثنى فِي حَال وَاحِد وَهُوَ بَاطِل وَقَول الْفراء بِأَن الشَّرْط بمفرده لَا يصلح للخبرية لِأَنَّهُ لَا يُفِيد بل مَعَ الْجَواب فَهُوَ مَحْذُوف وَالضَّمِير مَحْذُوف مَعَه وَقَول ابْن كيسَان بِأَنَّهُ لَو جَازَ مَا قدره لجَاز مَعَ الجثة أَن يَقُول زيد قَائِما لِأَنَّهُ بِمَعْنى زيد فِي حَال قيام وَهُوَ مَمْنُوع إِجْمَاعًا وَقَالَ الْجُمْهُور بِتَقْدِير الْخَبَر ثمَّ اخْتلفُوا هَل يجوز إِظْهَاره فَقيل نعم وَالْجُمْهُور على الْمَنْع ثمَّ اخْتلفُوا فِي كيفيته ومكانه فَحكى البطليوسي وَابْن عمرون عَن الْكُوفِيّين أَنهم قدروه ثَابت أَو مَوْجُود بعد قَائِما وَضعف بِأَنَّهُ تَقْدِير مَا لَا دَلِيل فِي اللَّفْظ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كَمَا يجوز تَقْدِير ثَابت يجوز تَقْدِير منفي أَو مَعْدُوم وَقَالَ البصريون تقدر قبل قَائِما ثمَّ اخْتلفُوا فِي كيفيته فَقَالَ الْأَخْفَش تَقْدِيره ضربي زيدا ضربه قَائِما وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك لما فِيهِ من قلَّة الْحَذف

(1/396)


وَضعف بِأَنَّهُ لم يقدر زِيَادَة على مَا أَفَادَهُ الأول وَقَالَ الْجُمْهُور تَقْدِيره إِذْ كَانَ قَائِما إِن أردْت الْمَاضِي وَإِذا كَانَ قَائِما إِن أردْت الْمُسْتَقْبل فَحذف كَانَ وفاعلها ثمَّ الظّرْف وَجه تَقْدِير الظّرْف دون غَيره بِأَن الْحَذف توسع والظرف أليق بِهِ وَالزَّمَان دون الْمَكَان لِأَن الْمُبْتَدَأ هُنَا حدث وَالزَّمَان أَجْدَر بِهِ وَإِذ وَإِذا دون غَيرهمَا لاستغراق إِذْ للماضي وَإِذا للمستقبل وَتَقْدِير كَانَ التَّامَّة دون غَيرهَا من الْأَفْعَال لاحتياج الظّرْف وَالْحَال إِلَى عَامل ودلالتها على الْكَوْن الْمُطلق الَّذِي يدل الْكَلَام عَلَيْهِ وَلم يعْتَقد فِي قَائِما أَنه خبر كَانَ الْمقدرَة للزومه التنكير وفاعلها ضمير يعود إِلَى زيد وَجوز الزَّمَخْشَرِيّ عوده إِلَى فَاعل الْمصدر وَهُوَ الْيَاء إِذا عرفت ذَلِك فَهُنَا مسَائِل الأولى لَا يجوز رفع الْحَال الْمَذْكُورَة اخْتِيَارا بِأَن يُقَال ضربي زيدا قَائِم إِلَّا إِن اضْطر إِلَى ذَلِك فيرفع لَا على أَنه خبر ضربي بل خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير ضربي زيدا وَهُوَ قَائِم وَالْجُمْلَة حَال سدت مسد الْخَبَر وَسَوَاء فِي ذَلِك الْمصدر الصَّرِيح كالمثال الْمَذْكُور وَغَيره وَجوز الْأَخْفَش الرّفْع بعد أفعل مُضَافا إِلَى مَا مَوْصُولَة بكان أَو يكون نَحْو أَخطب مَا كَانَ أَو مَا يكون الْأَمِير قَائِم بِرَفْعِهِ خَبرا عَن أَخطب وَوَافَقَهُ ابْن مَالك وَقَالَ فِيهِ مجازان أَحدهمَا إِضَافَة أَخطب مَعَ أَنه من صِفَات الْأَعْيَان إِلَى مَا يكون وَهُوَ تَأْوِيل الْكَوْن وَالثَّانِي الْإِخْبَار بقائم مَعَ أَنه فِي الأَصْل من صِفَات الْأَعْيَان عَن أَخطب مَا يكون مَعَ أَنه من الْمعَانِي لِأَن أفعل التَّفْضِيل بعض مَا يُضَاف إِلَيْهِ وَالْحَامِل على ذَلِك قصد الْمُبَالغَة وَقد فتح بَابهَا بِأول الْجُمْلَة فعضدت بآخرها مَرْفُوعا وَقَالَ ابْن النّحاس وَجه ابْن الدهان رفع الْأَخْفَش قَائِما بِأَن جعل أَخطب مُضَافا إِلَى أَحْوَال محذوفة تَقْدِيره أَخطب أَحْوَال كَون الْأَمِير قَائِم الثَّانِيَة أصل الْمَسْأَلَة أَن يكون الْمُبْتَدَأ مصدرا كَمَا تقدم وَمثله أَن يكون مُضَافا إِلَى مصدر إِضَافَة بعض لكل أَو كل لجَمِيع نَحْو أَكثر شربي السويق ملتوتا وكل شربي السويق ملتوتا ومعظم كَلَامي معلما وَهل يجْرِي ذَلِك فِي الْمصدر المؤول نَحْو أَن ضربت زيدا قَائِما أَو أَن تضرب

(1/397)


زيدا قَائِما الْجُمْهُور لَا والكوفيون نعم وَالثَّالِث الْمَنْع إِن لم يضف إِلَيْهِ كالمثالين الْمَذْكُورين وَالْجَوَاز إِن أضيف إِلَيْهِ كأخطب مَا يكون الْأَمِير قَائِما وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَبَالغ ابْن عُصْفُور فَأجرى كل مَا لَا حَقِيقَة لَهُ فِي الْوُجُود مجْرى الْمصدر فِي ذَلِك الثَّالِثَة فِي جَوَاز وُقُوع هَذِه الْحَال فعلا أَقْوَال أَحدهَا وَعَلِيهِ سِيبَوَيْهٍ وَالْفراء الْمَنْع وَالثَّانِي الْجَوَاز وَعَلِيهِ الْأَخْفَش وَالْكسَائِيّ وَهِشَام وَابْن مَالك للسماع قَالَ 334 -
(ورَأْيُ عَيْنَىَّ الفَتَى أباكا ... يُعْطِى الجزَيل، فَعَلَيْكَ ذاكا)
وَقَالَ 335 -
(عَهْدِي بهَا فى الحَىّ قد سُرْبَلتْ ... بَيْضاءَ مثْلَ المُهْرَةِ الضّامر)
وَالثَّالِث الْمَنْع فِي الْمُضَارع الْمَرْفُوع لِأَن النصب الَّذِي فِي لفظ الْمُفْرد عوض عَن التَّصْرِيح بِالشّرطِ والمضارع الْمَرْفُوع لَيْسَ فِي لَفظه مَا يكتف مَذْهَب الشَّرْط وعزي للفراء الرَّابِعَة فِي جَوَاز تَقْدِيم هَذِه الْحَال على الْمصدر أَقْوَال أَحدهَا الْجَوَاز وَعَلِيهِ البصريون سَوَاء تعدى الْمصدر أم كَانَ لَازِما نَحْو قَائِما ضربي زيدا أَو ملتوتا شربي السويق وَالثَّانِي الْمَنْع وَعَلِيهِ الْفراء سَوَاء كَانَت من ظَاهر نَحْو مسرعا قيام زيد أم مُضْمر نَحْو مسرعا قيامك وَالثَّالِث الْجَوَاز إِذا كَانَت من مُضْمر وَالْمَنْع إِذا كَانَت من ظَاهر وَعَلِيهِ الْكسَائي وَهِشَام وَالرَّابِع الْمَنْع إِن كَانَ الْمصدر مُتَعَدِّيا وَالْجَوَاز إِن كَانَ لَازِما

(1/398)


وَفِي توسطها بَين الْمصدر ومفعوله نَحْو شربك ملتوتا السويق قَولَانِ أَحدهمَا الْمَنْع وَعَلِيهِ الْكسَائي وَهِشَام وَالْفراء وَقَالَ أَبُو حَيَّان وَحكي الْجَوَاز عَن الْبَصرِيين وَلَعَلَّه لَا يَصح فَإِنَّهُ مُشكل لِأَن فِيهِ الْفَصْل بَين الْمصدر ومعموله بِخِلَاف تقدمها فَلَيْسَ فِيهِ ذَلِك وَفِي توَسط معمولها بَينهَا وَبَين الْمصدر ومعموله نَحْو ضربي زيدا فرسا رَاكِبًا قَولَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز وَعَلِيهِ البصريون وَالْكسَائِيّ لعدم الْفَصْل بَين الْمصدر ومعموله وَالثَّانِي الْمَنْع وَعَلِيهِ الْفراء لِأَن رَاكِبًا لم يرد إِلَى الِاسْتِقْبَال فَلَا يقدم معموله عَلَيْهِ الْخَامِسَة فِي جَوَاز وُقُوع هَذِه الْحَال جملَة اسمية أَقْوَال أَحدهَا الْمَنْع سَوَاء كَانَت بواو أَو بِدُونِهَا وَعَلِيهِ سِيبَوَيْهٍ وَالثَّانِي الْجَوَاز مُطلقًا وَعَلِيهِ الْكسَائي وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك لوُرُود السماع بِهِ فِي قَوْله 336 -
(خَيْرُ اقْترابى من المَوْلَى حَليف رضَا ... وشرُّ بُعْدِي عَنهُ، وَهُوَ غَضْبانُ)
وَالثَّالِث الْجَوَاز ب وَاو لَا دونهَا وَعَلِيهِ الْفراء اقتصارا على مورد السماع السَّادِسَة فِي جَوَاز دُخُول كَانَ النَّاقِصَة على هَذَا الْمصدر قَولَانِ أَحدهمَا نعم وَعَلِيهِ السيرافي وَابْن السراج نَحْو كَانَ ضربي زيدا قَائِما وَالثَّانِي لَا وَعَلِيهِ ابْن عُصْفُور لِأَن تعويض الْحَال من الْخَبَر إِنَّمَا يكون بعد حذفه وَحذف خبر كَانَ قَبِيح السَّابِعَة فِي جَوَاز إتباع الْمصدر الْمَذْكُور بِأَن يُقَال ضربي زيدا الشَّديد قَائِما قَولَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز قِيَاسا وَعَلِيهِ الْكسَائي وَابْن مَالك وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن الْموضع مَوضِع اخْتِصَار وَلم يرد بِهِ سَماع الثَّامِنَة فِي جَوَاز نَحْو علمي بزيد كَانَ قَائِما قَولَانِ

(1/399)


أَحدهمَا لَا وَعَلِيهِ أَبُو عَليّ لِأَن اسْم كَانَ حِينَئِذٍ ضمير علمي وَعلمِي خبر كَانَ من حَيْثُ الْمَعْنى والقائم لَيْسَ نفس الْعلم وَلَا منزلا مَنْزِلَته وَلِأَن الْحَال حِينَئِذٍ من الضَّمِير وَضمير الْمصدر لَا يعْمل وَالثَّانِي نعم على أَن كَانَ زَائِدَة التَّاسِعَة إِذا كنيت عَن الْمصدر الَّذِي سدت الْحَال مسد خَبره قبل ذكر الْحَال نَحْو ضربي زيدا هُوَ قَائِما فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز وعيه البصريون وَهُوَ مُبْتَدأ وَقَائِمًا سد مسد خَبره وَالثَّانِي الْمَنْع وَعَلِيهِ الْفراء الْعَاشِرَة أَجَازُوا أما ضربيك فَكَانَ حسنا على أَن حسنا صفة للضرب ومنعها الْفراء على أَنه صفة للياء وَالْكَاف الْحَادِيَة عشرَة أجَاز الْكسَائي وَهِشَام عبد الله وعهدي بزيد قديمين على تَقْدِير الْعَهْد لعبد الله وَزيد قديمين فَقدم عبد الله وَرفع بِمَا بعده وثنى قديمين لِأَنَّهُ لعبد الله وَزيد وَكَانَ خَبرا للْعهد كَمَا يكون الْحَال خَبرا لمصدر وَمنع ذَلِك الْفراء وَقَالَ أَبُو حَيَّان وَقِيَاس الْبَصرِيين يَقْتَضِي الْمَنْع ص وَإِن ولي مَعْطُوفًا بواو على مُبْتَدأ فعل لأَحَدهمَا وَاقع على الآخر جَازَ وَقد يُغني مُضَاف إِلَيْهِ الْمُبْتَدَأ عَن مَعْطُوف فيطابقهما الْخَبَر وَيمْنَع تَقْدِيمه خلافًا لمن منعهما ش فِيهِ مَسْأَلَتَانِ الأولى اخْتلف هَل يجوز أَن يُؤْتى بمبتدأ ومعطوف عَلَيْهِ بواو وَبعده فعل لأَحَدهمَا وَاقع على الآخر نَحْو عبد الله وَالرِّيح يباريها فَقيل لَا لِأَن يباريها خبر عَن أَحدهمَا وَاقع على الآخر بِلَا خبر وَقيل نعم وَاخْتَارَهُ ابْن الْأَنْبَارِي وَابْن مَالك واستدلا على صِحَّته بقول الشَّاعِر 337 -
(واعْلَمْ بأنَّكَ والمَنِيْيَةَ ... شَاربٌ بعُقَارهَا)
ثمَّ اخْتلف فِي تَوْجِيه ذَلِك فوجهه من أجَازه من الْبَصرِيين على أَن الْخَبَر مَحْذُوف وَالتَّقْدِير عبد الله وَالرِّيح يجريان يباريها ويباريها فِي مَوضِع نصب على الْحَال وَاسْتغْنى بهَا عَن الْخَبَر لدلالتها عَلَيْهِ وَوَجهه من أجَازه الْكُوفِيُّونَ

(1/400)


على أَن الْمَعْنى يتباريان وَلم يقدروا محذوفا إِذْ من باراك فقد باريته وَلَو كَانَ الْعَطف بِالْفَاءِ أَو بثم لم تصح الْمَسْأَلَة إِجْمَاعًا وَلَو حذف العاطف صحت الْمَسْأَلَة إِجْمَاعًا الثَّانِيَة هَل يجوز أَن يُؤْتى بمبتدأ مُضَاف ويخبر عَنهُ بِخَبَر مُطَابق للمضاف وللمضاف إِلَيْهِ من غير عطف كَقَوْلِهِم رَاكب النَّاقة طليحان قَولَانِ أَحدهمَا لَا وَعَلِيهِ أَكثر الْبَصرِيين وَالثَّانِي نعم وَعَلِيهِ الْكسَائي وَهِشَام وَجزم بِهِ ابْن مَالك على أَن التَّقْدِير رَاكب النَّاقة والناقة طليحان فَحذف الْمَعْطُوف لوضوح الْمَعْنى وَجوز بَعضهم أَن يكون على حذف مُضَاف أَي رَاكب النَّاقة أحد طليحين وَمثله غُلَام زيد ضربتهما وعَلى هَذَا لَا يجوز تَقْدِيم الْخَبَر بِأَن يُقَال الطليحان رَاكب النَّاقة إِذْ لم يقم دَلِيل سَابق على تَثْنِيَة الْخَبَر وَالْمَرْفُوع الْمخبر عَنهُ وَاحِد
[تعدد الْخَبَر لمبتدأ وَاحِد]
ص ويتعدد الْخَبَر بعطف وَغَيره وَثَالِثهَا إِن لم يختلفا بِالْإِفْرَادِ وَالْجُمْلَة وَرَابِعهَا إِن اتحدا معنى ك حُلْو حامض وَالأَصَح فِي نَحوه الْمَرْفُوع منع الْعَطف والتقدم وَثَالِثهَا تقدم أَحدهمَا وعَلى منع التَّعَدُّد الأسبق أولى وَالْبَاقِي صفة وَقيل خبر مُقَدّر ش اخْتلف فِي جَوَاز تعدد الْخَبَر لمبتدأ وَاحِد على أَقْوَال أَحدهَا وَهُوَ الْأَصَح وَعَلِيهِ الْجُمْهُور الْجَوَاز كَمَا فِي النعوت سَوَاء اقْترن بعاطف أم لَا فَالْأول كَقَوْلِك زيد فِيهِ وشاعر وَكَاتب وَالثَّانِي كَقَوْلِه تَعَالَى {وَهُوَ الغفور الْوَدُود ذُو الْعَرْش الْمجِيد فعال لما يُرِيد} البروج 14، 15، 16 وَقَول الشَّاعِر 338 -
(مَنْ يَكُ ذَا بَتٍّ فَهَذَا بَتِّى ... مُقَيِّطٌ مُصَيِّفٌ مُشَتَّى)

(1/401)


وَالْقَوْل الثَّانِي الْمَنْع وَاخْتَارَهُ ابْن عُصْفُور وَكثير من المغاربة وعَلى هَذَا فَمَا ورد من ذَلِك جعل فِيهِ الأول خَبرا وَالْبَاقِي صفة للْخَبَر وَمِنْهُم من يَجعله خبر مُبْتَدأ مُقَدّر وَالْقَوْل الثَّالِث الْجَوَاز إِن اتحدا فِي الْإِفْرَاد وَالْجُمْلَة فَالْأول كَمَا تقدم وَالثَّانِي نَحْو زيد أَبوهُ قَائِم أَخُوهُ خَارج وَالْمَنْع إِن كَانَ أَحدهمَا مُفردا وَالْآخر جملَة وَالرَّابِع قصر الْجَوَاز على مَا كَانَ الْمَعْنى مِنْهُمَا وَاحِدًا نَحْو الرُّمَّان حُلْو حامض أَي مر وَزيد أعْسر أيسر أَي أضبط وَهُوَ الَّذِي يعْمل بكلتا يَدَيْهِ وَهَذَا النَّوْع يتَعَيَّن فِيهِ ترك الْعَطف لِأَن مَجْمُوع الْخَبَرَيْنِ فِيهِ بِمَنْزِلَة وَاحِد وَجوز أَبُو عَليّ اسْتِعْمَاله بالْعَطْف كَغَيْرِهِ من الْأَخْبَار المتعددة فَيُقَال هَذَا حُلْو وحامض قَالَ صَاحب البديع وَلَا يجوز الْفَصْل بَين هذَيْن الْخَبَرَيْنِ وَلَا تقديمهما على الْمُبْتَدَأ عِنْد الْأَكْثَرين وَلَا تَقْدِيم أَحدهمَا وَتَأْخِير الآخر وَأَجَازَهُ بَعضهم انْتهى وَمن ذَلِك يتَحَصَّل فِي التَّقْدِيم ثَلَاثَة أَقْوَال كَمَا حكيتها فِي الْمَتْن