همع الهوامع في شرح جمع الجوامع

تعدد مبتدآت مُتَوَالِيَة
ص وتتوالى مبتدآت فيخبر عَن أَحدهَا وَيجْعَل مَعَ خَبره خبر متلوه وَهَكَذَا ويضاف غير الأول إِلَى ضمير متلوه أَو يجاء آخرا بالروابط عكسا وَالْمُخْتَار خلافًا للنحاة مَنعه فِي الموصولات ش إِذا تعدّدت مبتدآت مُتَوَالِيَة فلك فِي الْإِخْبَار عَنْهَا طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن تجْعَل الروابط فِي المبتدآت فيخبر عَن آخرهَا وتجعله مَعَ خَبره خَبرا لما قبله وَهَكَذَا إِلَى أَن تخبر عَن الأول بتاليه مَعَ مَا بعده ويضاف غير الأول إِلَى ضمير متلوه مِثَاله زيد عَمه خَاله أَخُوهُ أَبوهُ قَائِم وَالْمعْنَى أَبُو أخي خَال عَم زيد قَائِم وَالْآخر أَن تجْعَل الروابط فِي الْأَخْبَار فَيُؤتى بعد خبر الْأَخير بهاء آخرا لأوّل وتال لمتلوه مِثَاله زيد هِنْد الأخوان الزيدون ضاربوهما عِنْدهَا بِإِذْنِهِ وَالْمعْنَى

(1/402)


الزيدون ضاربو الْأَخَوَيْنِ عِنْد هِنْد بِإِذن زيد قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا الْمِثَال وَنَحْوه مِمَّا وَضعه النحويون للاختبار والتمرين وَلَا يُوجد مثله فِي كَلَام الْعَرَب أَلْبَتَّة قَالَ وَمثله من الْمَوْصُول الَّذِي الَّتِي اللَّتَان أَبوهَا أَبوهُمَا أُخْتهَا أَخُوك أُخْته زيد وَقَالَ ابْن الخباز الْعَرَب لَا تدخل مَوْصُولا على مَوْصُول وَإِنَّمَا ذَلِك من وضع النَّحْوِيين وَهِي مشكلة جدا انْتهى وَلِهَذَا اخْتَرْت عدم جَرَيَان ذَلِك فِيهِ
[جَوَاز دُخُول الْفَاء على الْخَبَر]
ص مَسْأَلَة تدخل الْفَاء فِي الْخَبَر جَوَازًا بعد مُبْتَدأ تضمن شرطا ك أل مَوْصُولَة بمستقبل عَام خلافًا لسيبويه أَو غَيرهَا مَوْصُولا بظرف أَو فعل يقبل الشّرطِيَّة خلافًا لمن أطلق أَو جوز الْمَاضِي أَو الْمصدر بِشَرْط أَو الأسمية أَو منع إِن أكد أَو وصف أَو نكرَة عَامَّة مَوْصُوفَة بذلك وَخَصه ابْن الْحَاج ب كل وَشرط فقد نفي أَو اسْتِفْهَام أَو مُضَاف إِلَيْهَا مشْعر بمجازاة أَو مَوْصُوف بالموصول على الْأَصَح أَو مُضَاف إِلَيْهِ وَقل فِي خبر كل مُضَافَة إِلَى غير ذَلِك وَجوزهُ الْأَخْفَش فِي كل خبر وَالْفراء إِن تضمن طلبا ش لما كَانَ الْخَبَر مرتبطا بالمبتدأ ارتباط الْمَحْكُوم بِهِ بالمحكوم عَلَيْهِ لم يحْتَج إِلَى حرف رابط بَينهمَا كَمَا لم يحْتَج الْفِعْل وَالْفَاعِل إِلَى ذَلِك فَكَانَ الأَصْل أَلا تدخل الْفَاء على شَيْء من خبر الْمُبْتَدَأ لكنه لما لحظ فِي بعض الْأَخْبَار معنى مَا يدْخل الْفَاء فِيهِ دخلت وَهُوَ الشَّرْط وَالْجَزَاء وَالْمعْنَى الملاحظ أَن يقْصد أَن الْخَبَر مُسْتَحقّ بالصلة أَو الصّفة وَأَن يقْصد بِهِ الْعُمُوم ودخولها على ضَرْبَيْنِ وَاجِب وَهُوَ بعد أما كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَاخِر الْكتاب الثَّالِث وَجَائِز وَذَلِكَ فِي صور إِحْدَاهَا أَن يكون الْمُبْتَدَأ أل الموصولة بمستقبل عَام نَحْو {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا} النُّور 2 {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا} الْمَائِدَة 38 وَهَذَا مَا جزم بِهِ ابْن مَالك وَنقل عَن الْكُوفِيّين والمبرد والزجاج وَذهب سِيبَوَيْهٍ وَجُمْهُور الْبَصرِيين إِلَى منع دُخُول الْفَاء فِي هَذِه الصُّورَة وَخَرجُوا الْآيَتَيْنِ وَنَحْوهمَا على حذف الْخَبَر أَي فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُم الزَّانِيَة أَي حكم ذَلِك

(1/403)


الثَّانِيَة أَن يكون الْمُبْتَدَأ غير أل من الموصولات وصلته ظرف أَو مجرور أَو جملَة تصلح للشرطية وَهِي الفعلية غير الْمَاضِيَة وَغير المصدرة بأداة شَرط أَو حرف اسْتِقْبَال كالسين وسوف وَلنْ أَو بقد أَو مَا النافية مِثَال الظّرْف قَوْله 339 -
(مَا لَدَى الحازم اللَّبيبِ مُعَاراً ... فمصونٌ وَمَا لَهُ قَدْ يَضيعُ)
وَمِثَال الْمَجْرُور قَوْله تَعَالَى {وَمَا بكم من نعْمَة فَمن الله} النَّحْل 53 وَمِثَال الْجُمْلَة قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم} الشورى 30 وَيدل على أَن مَا مَوْصُولَة سُقُوط الْفَاء فِي قِرَاءَة نَافِع وَابْن عَامر وَلَا يجوز دُخُول الْفَاء والصلة غير مَا ذكر وَجوز ابْن الْحَاج دُخُولهَا والصلة جملَة اسمية نَحْو الَّذِي هُوَ يأتيني فَلهُ دِرْهَم وَجوز بَعضهم دُخُولهَا والصلة جملَة فعلية مصدرة بِشَرْط نَحْو الَّذِي إِن يأتني أكْرمه فَهُوَ مكرم حَكَاهُ فِي الْبَسِيط عَن بعض شُيُوخه ورد بِأَن الْفَاء إِنَّمَا دخلت لشبه الْمُبْتَدَأ بِالشّرطِ وَهُوَ هُنَا مُنْتَفٍ لِأَن اسْم الشَّرْط لَا يجوز دُخُوله على أَدَاة الشَّرْط وَجوز بَعضهم دُخُولهَا والصلة فعل مَاض نَحْو الَّذِي زارنا أمس فَلهُ كَذَا وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى {وَمَا أَصَابَكُم يَوْم التقى الْجَمْعَانِ فبإذن الله} آل عمرَان 166 {ومآ أفآء الله على رَسُوله مِنْهُم فمآ أَو جفتم عَلَيْهِ} الْحَشْر 6 وأوله المانعون على معنى التَّبْيِين أَي وَمَا يتَبَيَّن إِصَابَته إيَّاكُمْ وَهُوَ بعيد وَجوز بَعضهم دُخُولهَا والصلة فعل مُطلقًا وَإِن لم يقبل الشّرطِيَّة حَكَاهُ ابْن عُصْفُور فَأجَاز نَحْو الَّذِي مَا يأتيني فَلهُ دِرْهَم وَإِن لم يجز دُخُول أَدَاة الشَّرْط على مَا النافية لِأَن هَذَا لَيْسَ شرطا حَقِيقَة وَإِنَّمَا هُوَ مشبه بِهِ ورد بِأَنَّهُ غير مَحْفُوظ من كَلَام الْعَرَب وَإِذا لم يسمع من كَلَامهَا أمكن أَن يكون امْتنعت من إجَازَة ذَلِك لما ذكر من أَن الصِّلَة إِذْ ذَاك لَا تشبه فعل الشَّرْط وَمنع هِشَام دُخُول الْفَاء مَعَ اسْتِيفَاء الشُّرُوط إِذا أكد الْمَوْصُول أَو وصف لذهاب معنى الْجَزَاء بذلك وأيد بِأَن ذَلِك لَا يحفظ من كَلَام الْعَرَب الثَّالِثَة أَن يكون الْمُبْتَدَأ نكرَة عَامَّة مَوْصُوفَة بِأحد الثَّلَاثَة أَعنِي الظّرْف وَالْمَجْرُور وَالْفِعْل الصَّالح للشرطية نَحْو رجل عِنْده حزم فَهُوَ سعيد وَعبد للكريم

(1/404)


فَمَا يضيع وَنَفس تسْعَى فِي تجارتها فَلَنْ تخيب وَخص ابْن الْحَاج ذَلِك ب كل وَالصَّحِيح التَّعْمِيم الرَّابِعَة أَن يكون الْمُبْتَدَأ مُضَافا إِلَى النكرَة الْمَذْكُورَة وَهُوَ مشْعر بمجازاة كَقَوْلِه 340 -
(وكُلّ خَيْر لَديْهِ فَهو مَسْؤُولُ ... )
الْخَامِسَة أَن يكون الْمُبْتَدَأ معرفَة مَوْصُوفَة بالموصول نَحْو {وَالْقَوَاعِد من النسآء الَّاتِي لَا يرجون نِكَاحا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جنَاح} النُّور 60 وَمنع بَعضهم دُخُول الْفَاء فِي هَذِه الصُّورَة لِأَن الْمخبر عَنهُ لَيْسَ بمشبه لاسم الشَّرْط لِأَن اسْم الشَّرْط لَا يَقع بعده إِلَّا الْفِعْل وَالِاسْم الْمَوْصُوف بِالَّذِي لَيْسَ كَذَلِك وَأول الْآيَة على أَن اللَّاتِي مُبْتَدأ ثَان وَالْفَاء دَاخل فِي خَبره لِأَنَّهُ مَوْصُول وَهُوَ وَخَبره خبر الأول السَّادِسَة أَن يكون الْمُبْتَدَأ مُضَافا إِلَى الْمَوْصُول نَحْو غُلَام الَّذِي يأتيني فَلهُ دِرْهَم وَمِنْه قَوْله 341 -
(وكلّ الَّذِي حَمّلْتَهُ فَهُو حَامِلُهْ ... )
وَقل دُخُول الْفَاء فِي حيّز كل مُضَافَة إِلَى غير ذَلِك إِمَّا إِلَى غير مَوْصُوف كَقَوْلِهِم كل نعْمَة فَمن الله أَو إِلَى مَوْصُوف بِغَيْر مَا ذكر كَقَوْلِه 342 -
(كُلُّ أَمْر مُبَاعَدٌ، أًوْ مُدان ... فَمَنوطُ بحِكْمة المُتَعالِى)

(1/405)


وَجوز الْأَخْفَش دُخُولهَا فِي كل خبر نَحْو زيد فمنطلق وَاسْتدلَّ لَهُ بقوله 343 -
(وقائلةٍ خَوْلانُ فَانْكِحْ فَتَاتَهُم ... )
وَقَوله 344 -
(أًنْتَ فانْظر لأيِّ ذَاك تصيرُ ... )
وَالْجُمْهُور أولُوا ذَلِك على أَن خولان خبر هُوَ محذوفة وَأَنت فَاعل بمقدر فسره الظَّاهِر وَجوز الْفراء والأعلم دُخُولهَا فِي كل خبر هُوَ أَمر أَو نهي نَحْو زيد فَاضْرِبْهُ وَزيد فَلَا تضربه وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى {هَذَا فليذوقوه} ص 57 وَقَول الشَّاعِر 345 -
(يَا ربِّ مُوسى أظْلَمِى، وَأَظْلَمُهْ ... فَاصْبُبْ عَلَيْهِ مَلَكًا لَا يَرْحَمُهْ)
ص وَالصَّحِيح دُخُول النَّاسِخ على مَوْصُول شرطي ويزيل الْفَاء إِلَّا إِن وَأَن وَلَكِن على الْأَصَح قيل وَلَعَلَّ قيل وَكَانَ مضارعا وَفعل الْيَقِين ش اخْتلف فِي جَوَاز دُخُول بعض النواسخ على الْمُبْتَدَأ إِذا كَانَ مَوْصُولا تضمن معنى الشَّرْط

(1/406)


فالجمهور على جَوَازه وَمنعه الْأَخْفَش لِأَن مَا تضمن معنى الشَّرْط لَا يعْمل فِيهِ مَا قبله وعَلى الأول إِذا دخل زَالَت الْفَاء من خَبره لزوَال شبهه باسم الشَّرْط من حَيْثُ عمل فِيهِ مَا قبله مَا لم يكن النَّاسِخ إِن أَو أَن أَو لَكِن فَإِنَّهُ يجوز دُخُول الْفَاء مَعهَا لِأَنَّهَا ضَعِيفَة الْعَمَل إِذْ لم يتَغَيَّر بِدُخُولِهَا الْمَعْنى الَّذِي كَانَ مَعَ الِابْتِدَاء وَلذَلِك جَازَ الْعَطف مَعهَا على معنى الِابْتِدَاء بِخِلَاف أخوتها لَيْت وَلَعَلَّ وَكَأن فَإِنَّهَا قَوِيَّة الْعَمَل مُغيرَة للمعنى فقوي شبهها بالأفعال فساوتها فِي الْمَنْع من الْفَاء وَقيل يمْنَع الْفَاء مَعَ إِن وَأَن وَلَكِن أَيْضا لِأَنَّهَا تحقق الْخَبَر وَالشّرط فِيهِ توقف فَبعد عَن الشّبَه ورد بِالسَّمَاعِ قَالَ تَعَالَى {إِن الَّذين فتنُوا المؤمين وَالْمُؤْمِنَات ثمَّ لم يتوبوا فَلهُ عَذَاب جَهَنَّم} البروج 10 {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَإِن لله خمسه} الْأَنْفَال 41 وَقَالَ الشَّاعِر 346 -
(ولكنّ مَا يُقْضى فَسَوْف يَكُونُ ... )
فَإِن عملت فِي اسْم آخر جَازَ دُخُولهَا إِجْمَاعًا نَحْو إِنَّه الَّذِي يأتيني فَلهُ دِرْهَم وَقيل يجوز دُخُول الْفَاء مَعَ لَعَلَّ إِلْحَاقًا لَهَا بِمَا لَا يُغير الْمَعْنى وَقيل يجوز أَيْضا دُخُولهَا مَعَ كَانَ بِلَفْظ الْمُضَارع لَا بِلَفْظ الْمَاضِي وَمَعَ فعل الْيَقِين كعلمت دون ظَنَنْت وَعَلِيهِ ابْن مَالك وَابْن السراج ص وَلَا يعْطف قبل خبر ذِي فَاء عِنْد الكوفية وَجوزهُ ابْن السراج ش قَالَ أَبُو حَيَّان فِي شرح التسهيل إِذا جِئْت بِالْفَاءِ فِي خبر مَا فِيهِ معنى الْجَزَاء لم يجز الْعَطف عَلَيْهِ قبلهَا عِنْد الْكُوفِيّين وَأَجَازَهُ ابْن السراج

(1/407)


نواسخ الِابْتِدَاء

كَانَ وَأَخَوَاتهَا
ص نواسخ الِابْتِدَاء الأول كَانَ وَأصْبح وأضحى وَأمسى وظل وَبَات وَصَارَ وَلَيْسَ مُطلقًا ودام بعد مَا الظَّرْفِيَّة وَزَالَ ماضي يزَال وانفك وبرح وفتئ وفتأ وأفتأ قيل وونى ورام بمعناها بعد نفي وَشبهه وَقد يفصل وَيقدر وَيرْفَع الْمُبْتَدَأ خلافًا للكوفية وَيُسمى اسْمهَا وفاعلا وَقيل ارْتَفع لشبهه وَينصب الْخَبَر وَيُسمى خَبَرهَا ومفعولها والكوفية حَالا وَالْفراء شبهه ويرفعان بعْدهَا بإضمار الشَّأْن وَثَالِثهَا إِلْغَاء وَلَا تدخل على مَا لزم صَدرا أَو حذفا أَو ابتدائية أَو عدم تصرف أَو خَبره جملَة طلبية وَلَا دَامَ والمنفي ب مَا وَلَيْسَ على مَا خَبره مُفْرد طلبي على الْأَصَح وَلَا صَار وَنَحْوهَا دَامَ وتلوها على ذِي مَاض وَشرط الكوفية فِي الْبَاقِي قد وَابْن مَالك فِي لَيْسَ على قلَّة الشَّأْن وَألْحق قوم بصار آض وَعَاد وَآل وَرجع وحار واستحال وتحول وارتد وَمَا جَاءَت حَاجَتك وَقَعَدت كَأَنَّهَا حَرْبَة وَقوم غَدا وَرَاح وَالْفراء أَسحر وأفجر وَأظْهر وَقوم كل فعل ذِي نصب مَعَ رفع لابد مِنْهُ والكوفية هَذَا وَهَذِه مرَادا بهما التَّقْرِيب مَرْفُوعا بعْدهَا مَا لَا ثَانِي لَهُ وسموها تَقْرِيبًا وَالرَّفْع اسْم التَّقْرِيب ش أَي هَذَا مَبْحَث الأدوات الَّتِي تدخل على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فتنسخ حكم الِابْتِدَاء وَهِي أَرْبَعَة أَنْوَاع كَانَ وَأَخَوَاتهَا وَكَاد وَأَخَوَاتهَا وَإِن وَأَخَوَاتهَا وظننت وَأَخَوَاتهَا وَمَا ألحق بذلك فَأَما كَانَ فمذهب الْبَصرِيين أَنَّهَا ترفع الْمُبْتَدَأ وَيُسمى اسْمهَا رُبمَا يُسمى فَاعِلا مجَازًا لشبهه بِهِ وَقع ذَلِك فِي عبارَة الْمبرد وَعبر سِيبَوَيْهٍ باسم الْفَاعِل وَمذهب الْكُوفِيّين أَنَّهَا لم تعْمل فِيهِ شَيْئا وَأَنه بَاقٍ على رَفعه

(1/408)


وَاسْتدلَّ الأول باتصال الضمائر بهَا وَهِي لَا تتصل إِلَّا بالعامل وَينصب الْخَبَر بِاتِّفَاق الْفَرِيقَيْنِ وَيُسمى خَبَرهَا وَرُبمَا يُسمى مَفْعُولا مجَازًا لشبهه بِهِ عبر بذلك الْمبرد وَعبر سِيبَوَيْهٍ باسم الْمَفْعُول وَكَانَ قِيَاس هَذِه الْأَفْعَال أَلا تعْمل شَيْئا لِأَنَّهَا بِأَفْعَال لَيست صَحِيحَة إِذْ دخلت للدلالة على تغير الْخَبَر بِالزَّمَانِ الَّذِي يثبت فِيهِ وَإِنَّمَا عملت تَشْبِيها لَهَا بِمَا يطْلب من الْأَفْعَال الصَّحِيحَة اسْمَيْنِ نَحْو ضرب فَرفع اسْمهَا تَشْبِيها بالفاعل من حَيْثُ هُوَ مُحدث عَنهُ وَنصب الْخَبَر تَشْبِيها بالمفعول هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَذهب الْفراء إِلَى أَن الِاسْم ارْتَفع لشبهه بالفاعل وَأَن الْخَبَر انتصب لشبهه بِالْحَال ف كَانَ زيد ضَاحِكا مشبه عِنْده ب جَاءَ زيد ضَاحِكا وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنه انتصب على الْحَال ورد بوروده مضمرا وَمَعْرِفَة وجامدا وَأَنه لَا يسْتَغْنى عَنهُ وَلَيْسَ ذَلِك شَأْن الْحَال وَاعْترض بِوُقُوعِهِ جملَة وظرفا وَلَا يَقع الْمَفْعُول كَذَلِك وَأجِيب بِالْمَنْعِ بل تقع الْجُمْلَة موقع الْمَفْعُول نَحْو قَالَ زيد عَمْرو فَاضل وَالْمَجْرُور نَحْو مَرَرْت بزيد والظرف إِذا توسع فِيهِ وَجوز الْجُمْهُور رفع الاسمين بعد كَانَ وَأنْكرهُ الْفراء ورد بِالسَّمَاعِ قَالَ 347 -
(إِذا مُتّ كَانَ النَّاس صِنْفان شامِتٌ ... وَآخر مُثْن بِالَّذِي كنتُ أصْنَعُ)
وَقَالَ 348 -
(وَليْس مِنْهَا شِفَاءُ الدَّاء مَبْذُولُ ... )

(1/409)


ثمَّ اخْتلفُوا فِي تَوْجِيه ذَلِك فالجمهور على أَن فِي كَانَ ضمير الشَّأْن اسْمهَا وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي مَوضِع نصب على الْخَبَر وَنقل عَن الْكسَائي أَن كَانَ ملغاة وَلَا عمل لَهَا وَوَافَقَهُ ابْن الطراوة والمتفق على عده من هَذِه الْأَفْعَال ثَلَاثَة عشر ثَمَانِيَة لَا شَرط لَهَا وَهِي كَانَ وَأصْبح وأضحى وَأمسى وظل وَبَات وَصَارَ وَلَيْسَ وَوَاحِد شَرطه أَن يَقع صلَة ل مَا الظَّرْفِيَّة وَهِي المصدرية لمراد بهَا وبصلتها التَّوْقِيت وَهُوَ دَامَ نَحْو {وأوصاني بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة مَا دمت حَيا} مَرْيَم 31 أَي مُدَّة دوامي الْحَيَاة وَأَرْبَعَة شَرطهَا تقدم نفي أَو شبهه وَهُوَ النَّهْي وَالدُّعَاء وَهِي زَالَ ماضي يزَال وانفك وبرح وفتئ وَالْأَرْبَعَة بِمَعْنى وَاحِد بِاتِّفَاق النَّحْوِيين وَسَوَاء كَانَ النَّفْي بِحرف أَو فعل أَو اسْم كَقَوْلِه 349 -
(لَنْ تزَالوا كَذلِكُمْ ثمَّ لَا زلْتُ ... لكم خالِداً خُلود الجبَال)
350 -
(لَيْسَ ينفكُّ ذَا غِنًى واعتزاز ... كُلُّ ذِي عفةٍ مقلٍّ قنوع)
وَقَوله 351 -
(غيرُ مُنْفَكٍّ أَسِيرَ هوى ... كلُّ وانٍ لَيْسَ يَعْتَبرُ)
وَمِثَال النَّهْي 352 -
(صَاح شَمِّر وَلَا تَزَلْ ذاكِرَ ... الموتِ فَنِسْيانُهُ ضَلاَلٌ مَبينُ)

(1/410)


وَمِثَال الدُّعَاء 353 -
(وَلَا زَال مُنْهلاًّ بجَرْعَائك الْقَطْرُ ... )
وَسَوَاء كَانَ النَّفْي ملفوظا بِهِ مَا مثل أم مُقَدرا كَقَوْلِه {تفتؤا تذكر يُوسُف} يُوسُف 85 أَي لَا تفتأ وَقَول الشَّاعِر 354 -
(تَنْفَكُّ تَسْمَعُ مَا حَيْيتَ ... بهَالِكٍ حتّى تَكونَهْ)
أَي لَا تنفك وَقَوله 355 -
(لَعَمْرُ أَبي دَهْماءَ زَالَتْ عَزيزَةً ... )
أَي لَا زَالَت وَقَوله 356 -
(وأبْرَحُ مَا أدام اللَّه قَوْمِى ... بِحَمْد الله مُنْتَطِقًا مُجيدا)
أَي لَا أَبْرَح وَسَوَاء كَانَ مُتَّصِلا بِالْفِعْلِ أم مَفْصُولًا بَينه وَبَينه كَقَوْلِه

(1/411)


357 -
(وَلَا أَرَاهَا تَزال ظَالمِةً ... تحْدِث لى قَرْحَةً، وَتَنْكَؤُها)
وَاحْترز بماضي يزَال من زَالَ الَّتِي مضارعها يَزُول وَهُوَ فعل تَامّ لَازم بِمَعْنى تحول وَالَّتِي مضارعها يزِيل وَهُوَ فعل مُتَعَدٍّ بِمَعْنى ماز وَالْمَشْهُور فِي فتئ كسر الْعين وفيهَا لُغَة بِالْفَتْح وثالثة أفتأ قَالَ فِي الْمُحكم مَا فتئت أفعل وَمَا فتأت أفتأ فتأ وفتوءا وَمَا أفتأت الْأَخِيرَة تميمية وَذكر الثَّلَاثَة أَيْضا أَبُو زيد وَذكر الصغاني فتؤ يفتؤ على وزن ظرف لُغَة فِي فتيء ثمَّ إِن مَا زَالَ وَأَخَوَاتهَا تدل على مُلَازمَة الصّفة للموصوف مذ كَانَ قَابلا لَهَا على حسب مَا قبلهَا فَإِن كَانَ قبلهَا مُتَّصِلَة الزَّمَان دَامَت لَهُ كَذَلِك نَحْو مَا زَالَ زيد عَالما وَإِن كَانَ قبلهَا فِي أَوْقَات دَامَت لَهُ كَذَلِك نَحْو مَا زَالَ يُعْطي الدَّرَاهِم قَالَ ابْن مَالك وَكَذَا الْعَمَل فِي ونى ورام بمعناها قَالَ وهما غريبتان وَلَا يكَاد النحويون يعرفونهما إِلَّا من عني باستقراء الْغَرِيب وَمن شَوَاهِد استعمالهما قَوْله 358 -
(لَا يَنى الخِبُّ شِيمَة الحبِّ مامَ ... يَحْسِبنّهُ ذَا ارْعِوَاء)
وَقَوله 359 -
(إِذا رُمْت مِمّن لَا يَريمُ مُتَيَّمًا ... سُلُوًّا فقد أبْعَدْتَ فى رَوْمِك الْمرمَى)
قَالَ واحترزت بِقَوْلِي بِمَعْنى زَالَ من ونى بِمَعْنى فتر ورام بِمَعْنى حاول أَو تحول انْتهى

(1/412)


وَقَالَ أَبُو حَيَّان ذكر أَصْحَابنَا أَن ونى زَادهَا بعض البغداديين فِي أَفعَال الْبَاب لِأَن مَعْنَاهَا معنى مَا زَالَ نَحْو مَا ونى زيد قَائِما ورد بِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَونهَا بمعناها مساواتها لَهَا فِي الْعَمَل أَلا ترى أَن ظلّ زيد قَائِما مَعْنَاهُ أَقَامَ زيد قَائِما النَّهَار وَلم يَجْعَل الْعَرَب ل أَقَامَ اسْما وَلَا خَبرا كَمَا فعلت ذَلِك ب ظلّ قَالُوا وَالْتزم التنكير فِي الْمَنْصُوب بهَا دَلِيل على أَنه حَال وَأما البيتان فالمنصوب فِي الأول على إِسْقَاط الْخَافِض أَي لَا يني عَن شِيمَة الخب وَالثَّانِي يحْتَمل الْحَال لتنكيره وَألْحق قوم مِنْهُم ابْن مَالك بصار مَا كَانَ بمعناها وَذَلِكَ عشرَة أَفعَال آض كَقَوْلِه 360 -
(رَبّيتُهُ حَتَّى إِذا تَمَعْدَدا ... وآض نَهْداً كالحِصَان أجْرَدا)
وَعَاد كَقَوْلِه 361 -
(فلِلّهِ مُغْو عَاد بالرُّشْدِ آمرا ... )
وَآل بِالْمدِّ كَقَوْلِه 362 -
(ثمَّ آلت لَا تكلِّمنا ... كل حَىٍّ مُعْقَبٌ عُقَبَا)
وَرجع كَقَوْلِه 363 -
(ويَرْجعْن بالأكْبَاد مُنْكَسِرات ... )

(1/413)


وَفِي الحَدِيث لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا حَار بِالْمُهْمَلَةِ كَقَوْلِه 364 -
(وَمَا الْمَرْء إِلَّا كالشّهاب وضَوْئِه ... يَحُورُ رَمَادا بعد إذْ هُوَ ساطِعُ)
واستحال كَقَوْلِه 365 -
(إِن العداوةَ تستحيل مودَّةً ... بتدارُكِ الهَفَواتِ بالحَسَناتِ)
وَفِي الحَدِيث فاستحالت غربا وتحول كَقَوْلِه 366 -
(فَيا لَكَ من نُعْمَى تَحَوَّلْن أَبْؤُسا ... )
وارتد كَقَوْلِه تَعَالَى {فَارْتَد بَصيرًا} يُوسُف 96 وَالتَّاسِع قَوْلهم مَا جَاءَت حَاجَتك قيل وَأول من قَالَهَا الْخَوَارِج لِابْنِ عَبَّاس حِين أرْسلهُ عَليّ إِلَيْهِم ويروى بِرَفْع حَاجَتك على أَن مَا خبر جَاءَت قدم لِأَنَّهُ اسْم اسْتِفْهَام وَالتَّقْدِير أَيَّة حَاجَة صَارَت حَاجَتك وبنصبه على أَنه الْخَبَر وَالِاسْم ضمير مَا وَالتَّقْدِير أَيَّة حَاجَة صَارَت حَاجَتك وَمَا مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة بعْدهَا خبر

(1/414)


والعاشر قعدت كَأَنَّهَا حَرْبَة من قَوْلهم شحذ شفرته حَتَّى قعدت كَأَنَّهَا حَرْبَة أَي صَارَت كَأَنَّهَا حَرْبَة ف كَأَنَّهَا حَرْبَة خبر قعدت فالملحقون طردوا اسْتِعْمَال هذَيْن الْفِعْلَيْنِ لقُوَّة الشّبَه بَينهمَا وَبَين صَار وَجعلُوا من ذَلِك جَاءَ الْبر قفيزين وصاعين وَقعد لَا يسْأَل حَاجَة إِلَّا قَضَاهَا أَي صَار وَجعل مِنْهُ الزَّمَخْشَرِيّ قَوْله تَعَالَى {فتقعد مذموما} الْإِسْرَاء 22 وَغَيرهم قصروهما على ذَيْنك المثالين وَقَالُوا فِي الثَّمَانِية الأول إِن الْمَنْصُوب فِيهَا حَال وَإِن آلت بِمَعْنى حَلَفت وَلَا تكلمنا جَوَاب الْقسم وَوَافَقَ عَلَيْهِ ابْن مَالك فِي آل وَقعد وَألْحق قوم مِنْهُم الزَّمَخْشَرِيّ وَأَبُو الْبَقَاء والجزولي وَابْن عُصْفُور بِأَفْعَال هَذَا الْبَاب غَدا وَرَاح بِمَعْنى صَار أَو بِمَعْنى وَقع فعله فِي وَقت الغدو والرواح وَجعل من ذَلِك حَدِيث اغْدُ عَالما وَحَدِيث تَغْدُو خماصا وَتَروح بطانا وَتقول غَدا زيد ضَاحِكا وَرَاح عبد الله مُنْطَلقًا أَي صَار فِي حَال ضحك وانطلاق وَمنع ذَلِك الْجُمْهُور مِنْهُم ابْن مَالك وَقَالُوا الْمَنْصُوب بعْدهَا حَال إِذْ لَا يُوجد إِلَّا نكرَة وَألْحق الْفراء بهَا أَسحر وأفجر وَأظْهر ذكرهَا فِي كتاب الْحُدُود قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يذكر لَهَا شَاهدا على ذَلِك وَبهَا تمت أَفعَال الْبَاب ثَلَاثِينَ فعلا وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن هَذَا وَهَذِه إِذا أُرِيد بهما التَّقْرِيب كَانَا من أَخَوَات كَانَ فِي احتياجهما إِلَى اسْم مَرْفُوع وَخبر مَنْصُوب وَنَحْو كَيفَ أَخَاف الظُّلم وَهَذَا الْخَلِيفَة قادما وَكَيف أَخَاف الْبرد وَهَذِه الشَّمْس طالعة

(1/415)


وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ فِيهِ الِاسْم الْوَاقِع بعد أَسمَاء الْإِشَارَة لَا ثَانِي لَهُ فِي الْوُجُود نَحْو هَذَا ابْن صياد أَشْقَى النَّاس فيعربون هَذَا تَقْرِيبًا وَالْمَرْفُوع اسْم التَّقْرِيب والمنصوب خبر التَّقْرِيب لِأَن الْمَعْنى إِنَّمَا هُوَ على الْإِخْبَار عَن الْخَلِيفَة بالقدوم وَعَن الشَّمْس بالطلوع وأتى باسم الْإِشَارَة تَقْرِيبًا للقدوم والطلوع أَلا ترى أَنَّك تشر إِلَيْهِمَا وهما حاضران وَأَيْضًا فالخليفة وَالشَّمْس معلومان فَلَا يحْتَاج إِلَى تبيينهما بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِمَا وَتبين أَن الْمَرْفُوع بعد اسْم الْإِشَارَة يخبر عَنهُ بالمنصوب لِأَنَّك لَو أسقطت الْإِشَارَة لم يخْتل الْمَعْنى كَمَا لَو أسقطت كَانَ من كَانَ زيد قَائِما وَقَالَ بعض النَّحْوِيين يدْخل فِي هَذَا الْبَاب كل فعل لَهُ مَنْصُوب بعد مَرْفُوع لابد مِنْهُ نَحْو قَامَ زيد كَرِيمًا وَذهب زيد متحدثا فَإِن جعلته تَاما نصبت على الْحَال فَإِذا عرف ذَلِك فَشرط الْمُبْتَدَأ الَّذِي تدخل عَلَيْهِ أَفعَال هَذَا الْبَاب أَلا يكون مِمَّا لزم الصَّدْر كأسماء الشَّرْط والاستفهام وَكم الخبرية والمقرون بلام الِابْتِدَاء وَلَا مِمَّا لزم الْحَذف كالمخبر عَنهُ بنعت مَقْطُوع وَلَا مِمَّا لزم الابتدائية كَقَوْلِه أقل رجل يَقُول ذَلِك إِلَّا زيدا وَالْكلاب على الْبَقر لجريانه كَذَلِك مثلا وَكَذَا مَا بعد لَوْلَا الامتناعية وَإِذا الفجائية وَلَا مِمَّا لزم عدم التَّصَرُّف ك أَيمن فِي الْقسم وطوبى لِلْمُؤمنِ وويل للْكَافِرِ وَسَلام عَلَيْك وَلَا خَبره جملَة طلبية شَذَّ قَوْله 367 -
(وكُوني بالمكارم ذَكِّريني ... )
وَشرط مَا تدخل عَلَيْهِ دَامَ وَلَيْسَ والمنفي ب مَا من جَمِيع أَفعَال هَذَا الْبَاب

(1/416)


زِيَادَة على مَا سبق أَلا يكون خَبره مُفردا طلبيا لِأَن لَهُ الصَّدْر وَهَذِه لَا يتَقَدَّم خَبَرهَا فَلَا يُقَال لَا أُكَلِّمك كَيفَ مَا دَامَ زيد وَلَا أَيْن مَا زَالَ زيد وَلَا أَيْن مَا يكون زيد وَلَا أَيْن لَيْسَ زيد وَلم يشرط ذَلِك الْكُوفِيُّونَ فسووا بَينهَا وَبَين غَيرهَا وَلم يشرطه الشلوبين فِي لَيْسَ بِنَاء على اعْتِقَاده جَوَاز تَقْدِيم خَبَرهَا وَلَا يشْتَرط ذَلِك فِي الْمَنْفِيّ بِغَيْر مَا ك لم وَلَا وَلنْ وَلَا فِي غير الْمَنْفِيّ إِجْمَاعًا وَشرط مَا تدخل عَلَيْهِ صَار وَمَا بمعناها ودام وَزَالَ وَأَخَوَاتهَا زِيَادَة على مَا سبق أَلا يكون خَبره فعلا مَاضِيا فَلَا يُقَال صَار زيد علم وَكَذَا الْبَوَاقِي لِأَنَّهَا تفهم الدَّوَام على الْفِعْل واتصاله بِزَمن الْإِخْبَار والماضي يفهم الِانْقِطَاع فتدافعا وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ وَاخْتلف فِي جَوَاز دُخُول بَقِيَّة أَفعَال الْبَاب على مَا خَبره مَاض فَالصَّحِيح جَوَازه مُطلقًا وَعَلِيهِ البصريون لكثرته فِي كَلَامهم نظما ونثرا كَثْرَة توجب الْقيَاس قَالَ تَعَالَى {إِن كَانَ قَمِيصه قد} يُوسُف 26 {إِن كنت قلته} الْمَائِدَة 116 {إِن كُنْتُم ءامنتم} الْأَنْفَال 41 {أولم تَكُونُوا أقسمتم} إِبْرَاهِيم 44 وَقَالَ الشَّاعِر 368 -
(ثُمّ أَضْحوا لَعِب الدَّهْرُ بهمْ ... )
وَقَالَ 369 -
(وَقد كَانُوا فأمْسى الحَيُّ سَارُوا ... )

(1/417)


وَحكى الْكسَائي أَصبَحت نظرت إِلَى ذَات التنانير يَعْنِي نَاقَته وَشرط الْكُوفِيُّونَ فِي ذَلِك اقترانه ب قد ظَاهِرَة أَو مقدرَة وحجتهم أَن كَانَ وَأَخَوَاتهَا إِنَّمَا دخلت على الْجمل لتدل على الزَّمَان فَإِذا كَانَ الْخَبَر يُعْطي الزَّمَان لم يحْتَج إِلَيْهَا أَلا ترى أَن الْمَفْهُوم من زيد قَامَ وَمن كَانَ زيد قَائِما شَيْء وَاحِد وَاشْتِرَاط قد لِأَنَّهَا تقرب الْمَاضِي من الْحَال وَشرط ابْن مَالك لدُخُول لَيْسَ على الْمَاضِي أَن يكون اسْمهَا ضمير الشَّأْن كَقَوْلِهِم لَيْسَ خلق الله أشعر مِنْهُ قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَيْسَ هَذَا التَّخْصِيص بِصَحِيح فقد حكى ابْن عُصْفُور اتِّفَاق النَّحْوِيين على الْجَوَاز من غير تَقْيِيد فَإِن قيل لَيْسَ لنفي الْحَال فَيلْزم من الْإِخْبَار عَنْهَا بالماضي تنَاقض فَالْجَوَاب أَنَّهَا لنفي الْحَال فِي الْجُمْلَة غير الْمقيدَة بِزَمَان وَأما الْمقيدَة فتنفيها على حسب الْقَيْد ص وتدل على الْحَدث خلافًا لقوم وَلَا تنصبه على الْأَصَح وَقيل لم يلفظ بِهِ وَفِي الظّرْف وَالْحَال خلاف مُرَتّب ش اخْتلف فِي دلَالَة هَذِه الْأَفْعَال على الْحَدث فَمَنعه قوم مِنْهُم الْمبرد وَابْن السراج والفارسي وَابْن جني وَابْن برهَان والجرجاني والشلوبين وَالْمَشْهُور والمتصور أَنَّهَا تدل عَلَيْهِ كالزمان كَسَائِر الْأَفْعَال وَذهب ابْن خروف وَابْن عُصْفُور إِلَى أَنَّهَا مُشْتَقَّة من أَحْدَاث لم ينْطق بهَا وَقد تقرر من كَلَام الْعَرَب أَنهم يستعملون الْفُرُوع وَلَا تكون من الْأُصُول ورد هَذَا وَالْأول بِالسَّمَاعِ قَالَ

(1/418)


370 -
(وكَوْنُكَ إيّاه عَلَيْكَ يَسِيرُ ... )
وَحكي أَبُو زيد مصدر فتئ وَحكى غَيره ظللت أفعل كَذَا ظلولا وَبت أفعل كَذَا بيتوتة وَمن كَلَام الْعَرَب كونك مُطيعًا مَعَ الْفقر خير من كونك عَاصِيا مَعَ الْغَنِيّ وَيَبْنِي الْأَمر وَاسم الْفَاعِل مِنْهُمَا وَلَا يبنيان من الزَّمَان وَيَبْنِي الْأَمر وَاسم الْفَاعِل مِنْهُمَا وَلَا يبنيان من الزَّمَان وَيَبْنِي على هَذَا الْخلاف عَملهَا فِي الظّرْف وَالْجَار وَالْمَجْرُور فَمن قَالَ بدلالتها على الْحَدث أجَاز عَملهَا فِيهِ وَلذَا علق بَعضهم الْمَجْرُور فِي قَوْله {أَكَانَ للنَّاس عجبا} يُونُس 2 بكان وَمن قَالَ لَا يدل عيه مَنعه وَقد صرح الْفَارِسِي بِأَنَّهَا لَا يتَعَلَّق بهَا حرف جر ثمَّ قَالَ وَفِي عَملهَا فِي ظرف الزَّمَان نظر انْتهى وَحكى أَبُو حَيَّان الْخلاف الَّذِي فِي عَملهَا فِي الظّرْف وَالْمَجْرُور فِي عَملهَا فِي الْحَال فَمن مَنعه قَالَ لِأَنَّهُ لَا استدعاء لَهَا للْحَال وَالْعَامِل مستدع وَمن جوزه قَالَ الْحَال يعْمل فِيهِ هَذَا وَلَيْسَ فعلا فَكَانَ أولى أما نصبها الْمصدر فَالْأَصَحّ مَنعه على القَوْل بإثباته لَهَا لأَنهم عوضوا عَن النُّطْق بِهِ الْخَبَر وَأَجَازَهُ السيرافي وَطَائِفَة فَيُقَال كَانَ زيد قَائِما كونا ص وتعدد خَبَرهَا كَمَا مر وَأولى بِالْمَنْعِ ش فِي تعدد خبر كَانَ الْخلاف فِي تعدد خبر الْمُبْتَدَأ وَالْمَنْع هُنَا أولى وَلِهَذَا قَالَ بِهِ بعض من جوزه هُنَاكَ كَابْن درسْتوَيْه وَابْن أبي الرّبيع وَوَجهه أَن هَذِه الْأَفْعَال شبهت بِمَا يتَعَدَّى إِلَى وَاحِد فَلَا يُزَاد على ذَلِك والمجوزون قَالُوا هُوَ فِي الأَصْل خبر مُبْتَدأ فَإِذا جَازَ تعدده مَعَ الْعَامِل الأضعف وَهُوَ الِابْتِدَاء فَمَعَ الْأَقْوَى أولى

(1/419)


ص وَترد الْخَمْسَة الأول قيل وَبَات كصار خلافًا للكذة فِي ظلّ ش ترد كَانَ وَأصْبح وأضحى وَأمسى وظل بِمَعْنى صَار فَلَا يَقع الْمَاضِي خَبرا لَهَا كَمَا تقدم كَقَوْلِه تَعَالَى {وبست الْجبَال بسا فَكَانَت هباء منبثا وكنتم أَزْوَاجًا ثَلَاثَة} الْوَاقِعَة 5، 6، 7 {فأصبحتم بنعمته إخْوَانًا} آل عمرَان 103 {ظلّ وَجهه مسودا} النَّحْل 58 وَقَول الشَّاعِر 31 -
(ثمَّ أَضْحَوْا كأنّهم ورقٌ جَفْفَ ... فألوَتْ بِهِ الصَّبا والدَّبُورُ)
وَقَوله 372 -
(أَمْسَتْ خَلاءً ... )
زعم لكذة الْأَصْبَهَانِيّ والمهاباذي شَارِح اللمع أَن ظلّ لَا تَأتي بِمَعْنى صَار بل لَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي فعل النَّهَار وَقَالَ بَعضهم هُوَ مُشْتَقّ من الظل فَلَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الْوَقْت الَّذِي للشمس فِيهِ ظلّ وَهُوَ مَا بَين طُلُوعهَا وغروبها وَزعم الزَّمَخْشَرِيّ أَن بَات يَأْتِي بِمَعْنى صَار قَالَ ابْن مَالك وَلَيْسَ بِصَحِيح لعدم شَاهد على ذَلِك مَعَ التتبع والاستقراء

(1/420)


وَجعل مِنْهُ بعض الْمُتَأَخِّرين فَإِن أحدكُم لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده وَضعف بِإِمْكَان حمله على الْمَعْنى الْمجمع عَلَيْهِ وَهُوَ الدّلَالَة على ثُبُوت مَضْمُون الْجُمْلَة لَيْلًا قَالَ وَمن أحسن مَا يحْتَج بِهِ لَهُ قَوْله 373 -
(أجنِّى كلّما ذُكِرَتْ كليبٌ ... أَبيتُ كأَنَّنِى أُكْوَى بجَمْر)
لِأَن كلما تدل على عُمُوم الْأَوْقَات
[الْمُتَصَرف مِنْهَا]
ص وَكلهَا تتصرف إِلَّا لَيْسَ قيل ودام ولتصاريفها مَا لَهَا كَغَيْرِهَا ش جَمِيع هَذِه الْأَفْعَال تتصرف فَيَأْتِي مِنْهَا الْمُضَارع وَالْأَمر والمصدر وَالْوَصْف إِلَّا أَن الْأَمر لَا يَتَأَتَّى صوغه من الْمُسْتَعْمل منفيا إِلَّا لَيْسَ فمجمع على عدم تصرفها وَأما دَامَ فنص كثير من الْمُتَأَخِّرين على أَنَّهَا لَا تتصرف وَهُوَ مَذْهَب الْفراء وَجزم بِهِ ابْن مَالك قَالَ ابْن الدهان لَا يسْتَعْمل فِي مَوضِع دَامَ يَدُوم لِأَنَّهُ جرى كالمثل عِنْدهم وَقَالَ ابْن الخباز لَا تتصرف مَا دَامَ لِأَنَّهَا للتوقيت والتأبيد فتفيد الْمُسْتَقْبل قَالَ أَبُو حَيَّان وَمَا ذكر من عدم تصرفها لم يذكرهُ البصريون ولتصاريف هَذِه الْأَفْعَال من الْعَمَل والشروط مَا للماضي مِنْهَا وَكَذَا سَائِر الْأَفْعَال وَمن أَمْثِلَة قَوْله تَعَالَى {قل كونُوا حِجَارَة أَو حديدا أَو خلقا} الْإِسْرَاء 50، 51 {وَلم أك بغيا} مَرْيَم 20 وَقَول الشَّاعِر 374 -
(وَمَا كُلُّ مَنْ يُبْدِي البَشاشة كائِنًا ... أخَاكَ إِذا لم تُلْفِه لَك مُنْجدا)

(1/421)


وَقَوله 375 -
(قضى اللَّهُ يَا أسماءُ أَنْ لستُ زائِلاً ... أُحِبُّكِ حَتَّى يُغْمِضَ الجَفْنَ مُغْمِضُ)
ص وَوزن كَانَ فعل وَقيل فعل وَلَيْسَ فعل وَالْأَكْثَر فِيهَا لست وَحكي كسر اللَّام وَضمّهَا وَيبْطل عَملهَا مَعَ إِلَّا فِي تَمِيم خلافًا لملك النُّحَاة وَأبي عَليّ وَفِي نَفيهَا وَمَا وَثَالِثهَا الْأَصَح الْحَال مَا لم يُقيد مدخولها بِزَمَان فبحسبه وَالْأَشْهر فِي زَالَ يزَال فَهِيَ فعل وَحكي يزِيل فَفعل الصَّحِيح تلقي الْقسم بهَا ش فِيهِ مسَائِل الأولى الْأَصَح أَن وزن كَانَ فعل بِفَتْح الْعين وَقَالَ الْكسَائي فعل بِالضَّمِّ ورد بِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لم يَقُولُوا مِنْهُ كَائِن لِأَن الْوَصْف من فعل فعيل وَأما لَيْسَ فمذهب الْجُمْهُور أَن وَزنهَا فعل بِالْكَسْرِ خفف وَلزِمَ التَّخْفِيف لثقل الكسرة على الْيَاء وَاسْتدلَّ لذَلِك بِأَنَّهَا لَو كَانَت بِالْفَتْح لَصَارَتْ إِلَى لاس بِالْقَلْبِ كباع أَو بِالضَّمِّ لقيل فِيهَا لست بِضَم اللَّام وَلَا يُقَال إِلَّا لست بِفَتْحِهَا قَالَ أَبُو حَيَّان على أَنه قد سمع فِيهَا لست بِالضَّمِّ فَدلَّ على أَنَّهَا بنيت مرّة على فعل وَمرَّة على فعل وَحكى الْفراء أَن بَعضهم قَالَ لست بِكَسْر اللَّام وَأما زَالَ فالأشهر فِي مضارعها يزَال فوزنها فعل بِالْكَسْرِ وَحكى الْكسَائي فِيهِ أَيْضا يزِيل على وزن يَبِيع وعَلى هَذَا فوزنها فعل بِالْفَتْح قَالَ أَبُو حَيَّان وَحكى ثَعْلَب عَن الْفراء لَا أزيل أَقُول كَذَلِك فَيكون زَالَ النَّاقِصَة مِمَّا جَاءَت على فعل يفعل وَفعل يفعل كنقم ينقم ونقم ينقم الثَّانِيَة ذهب قوم إِلَى أَن لَيْسَ وَمَا مخصوصان بِنَفْي الْحَال وبنوا على ذَلِك نهما يعينان الْمُضَارع لَهُ وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُمَا ينفيان الْحَال والماضي والمستقبل

(1/422)


وَالصَّحِيح توَسط ذكره الشلوبين يجمع بَين الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ أَن أَصلهمَا لنفي الْحَال مَا لم يكن الْخَبَر مَخْصُوصًا بِزَمَان فبحسبه وَمن أَمْثِلَة اسْتِقْبَال الْمَنْفِيّ ب لَيْسَ قَوْله تَعَالَى {أَلا يَوْم يَأْتِيهم لَيْسَ مصروفا عَنْهُم} هود 8 {ولستم بئاخذيه إِلَّا أَن تغمضوا فِيهِ} الْبَقَرَة 267 وَقَول حسان 376 -
(وَلَيْسَ يكونُ - الدَّهْرَ - مَا دَامَ يَذْبُلُ ... )
وب مَا {وَمَا هم بِخَارِجِينَ من النَّار} الْبَقَرَة 167 {وَمَا هم عَنْهَا بغائبين} الانفطار 16 وَمن أَمْثِلَة الْمَنْفِيّ ب لَيْسَ قَول الْعَرَب لَيْسَ خلق الله مثله الثَّالِثَة حكى أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء أَن لُغَة بني تَمِيم إهمال لَيْسَ مَعَ إِلَّا حملا على مَا كَقَوْلِهِم لَيْسَ الطّيب إِلَّا الْمسك بِالرَّفْع على الإهمال وَلَا ضمير فِيهَا وَقد نازعه فِي ذَلِك عِيسَى بن عمر فَقَالَ لَهُ أَبُو عَمْرو نمت يَا أَبَا عمر وأدلج النَّاس لَيْسَ فِي الأَرْض حجازي إِلَّا وَهُوَ ينصب وَلَا تميمي إِلَّا وَهُوَ يرفع ثمَّ وَجه أَبُو عَمْرو خلفا الْأَحْمَر وَأَبا مُحَمَّد اليزيدي إِلَى بعض الْحِجَازِيِّينَ وجهدا أَن يلقناه الرّفْع فَلم يفعل وَإِلَى بعض التميميين وجهدا أَن يلقناه النصب فَلم يفعل ثمَّ رجعا وأخبرا بذلك عِيسَى وَأَبا عَمْرو فَأخْرج عِيسَى خَاتمه من أُصْبُعه وَرمى بِهِ إِلَى أبي عَمْرو وَقَالَ هُوَ لَك بِهَذَا فقت النَّاس وَزعم أَبُو نزار الملقب بِملك النُّحَاة أَن الطّيب اسْم لَيْسَ والمسك مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره إِلَّا الْمسك أفخره وَالْجُمْلَة فِي مَوضِع نصب خبر لَيْسَ وَزعم أَبُو عَليّ أَن اسْم لَيْسَ ضمير الشَّأْن وَالطّيب مُبْتَدأ والمسك خَبره أَو الطّيب اسْمهَا وَالْخَبَر مَحْذُوف وَإِلَّا الْمسك بدل كَأَنَّهُ قيل لَيْسَ الطّيب فِي الْوُجُود إِلَّا الْمسك أَو الطّيب اسْمه وَإِلَّا الْمسك نعت وَالْخَبَر مَحْذُوف كَأَنَّهُ قيل

(1/423)


لَيْسَ الطّيب الَّذِي هُوَ غير الْمسك طيبا فِي الْوُجُود وَحذف خبر لَيْسَ لفهم الْمَعْنى كثير وَضعف بِأَن الإهمال إِذا ثَبت لُغَة فَلَا يُمكن التَّأْوِيل الرَّابِعَة أَن تكون حرفا عاطفا أثبت ذَلِك الْكُوفِيُّونَ أَو البغداديون على خلاف بَين النقلَة وَاسْتَدَلُّوا بِنَحْوِ قَوْله
(أيْنَ المَفَرُّ والإلهُ الطالبُ ... والأشْرَمُ المغلوبُ وَلَيْسَ الغالبُ)
وَخرج على أَن الْغَالِب اسْمهَا وَالْخَبَر مَحْذُوف قَالَ ابْن مَالك وَهُوَ فِي الأَصْل ضمير مُتَّصِل عَائِد على الأشرم أَي ليسه الْغَالِب كَمَا يَقُول الصّديق كَأَنَّهُ زيد ثمَّ حذف لاتصاله وَمُقْتَضى كَلَامه أَنه لَوْلَا تَقْدِيره مُتَّصِلا لم يجز حذفه وَفِيه نظر ص وَتسَمى نَاقِصَة فَإِن اكتفت بمرفوع فتامة وَلزِمَ النَّقْص لَيْسَ وَزَالَ خلافًا للفارسي وفتئ خلافًا للصغاني قيل وظل وَمن النَّاقِصَة ذَات الشَّأْن وَثَالِثهَا لَا وَلَا ش هَذِه الْأَفْعَال تسمى نواقص وَاخْتلف فِي سَبَب تَسْمِيَتهَا ذَلِك فَقيل لعدم دلالتها على الْحَدث بِنَاء على أَنَّهَا لَا تفيده وَقيل وَهُوَ الْأَصَح لعدم اكتفائها بالمرفوع لِأَن فائدتها لَا تتمّ بِهِ فَقَط بل تفْتَقر إِلَى الْمَنْصُوب ثمَّ مِنْهَا مَا لزم النَّقْص وَهُوَ لَيْسَ بِاتِّفَاق وَزَالَ خلافًا الْفَارِسِي فَإِنَّهُ أجَاز فِي الحلبيات أَنَّهَا تَأتي تَامَّة قِيَاسا لَا سَمَاعا وفتيء خلافًا للصغاني فَإِنَّهُ ذكر فِي نَوَادِر الْإِعْرَاب اسْتِعْمَالهَا تَامَّة نَحْو فتئت عَن الْأَمر فتأ إِذا نَسِيته وَزعم المهاباذي أَن ظلّ أَيْضا لَا تسْتَعْمل إِلَّا نَاقِصَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ مُخَالف لنقل أَئِمَّة اللُّغَة والنحو أَنَّهَا تكون تَامَّة وَبَقِيَّة الْأَفْعَال تسْتَعْمل بِالْوَجْهَيْنِ فَإِذا اسْتعْملت تَامَّة اكتفت بالمرفوع فَتكون كَانَ بِمَعْنى ثَبت كَانَ الله وَلَا شَيْء مَعَه وَحدث نَحْو 377 -
(إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ فَأَدْفِئُونِي ... )

(1/424)


وَحضر نَحْو {وَإِن كَانَ ذُو عسرة} الْبَقَرَة 280 وَوَقع نَحْو مَا شَاءَ الله كَانَ وكفل وغزل يُقَال كنت الصَّبِي كفلته وَكنت الصُّوف غزلته وَأصْبح وأضحى وَأمسى بِمَعْنى دخل فِي الصَّباح وَالضُّحَى والمساء كَقَوْلِه تَعَالَى {فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ} الرّوم 17 وَقَول الشَّاعِر 378 -
(وَمِنْ فَعَلاتى أنّنى حسَنُ القِرَى ... إِذا الَلّيْلَةُ الشّهْبَاءُ أضْحَى جليدُها)
وظل بِمَعْنى دَامَ أَو طَال أَو أَقَامَ نَهَارا وَبَات بِمَعْنى أَقَامَ لَيْلًا أَو نزل بالقوم لَيْلًا وَصَارَ بِمَعْنى رَجَعَ نَحْو {أَلا إِلَى الله تصير الْأُمُور} الشورة 53 وَضم وَقطع نَحْو {فصرهن إِلَيْك} الْبَقَرَة 260 ودام بِمَعْنى بَقِي نَحْو {مَا دَامَت السَّمَاوَات وَالْأَرْض} هود 108 وانفك بِمَعْنى خلص أَو انْفَصل نَحْو انْفَكَّ الْأَسير أَو الْخَاتم وبرح بِمَعْنى ذهب أَو ظهر وبالمعنيين فسر قَوْلهم برح الخفاء وونى بِمَعْنى فتر وَضعف ورام بِمَعْنى ذهب وَفَارق وَذكر ابْن مَالك أَن فتأ الْمَفْتُوحَة تَأتي تَامَّة بِمَعْنى كسر أَو أطفأ حكى الْفراء فتأته عَن الْأَمر كَسرته وَالنَّار أطفأتها قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا وهم وتصحيف إِنَّمَا ذَاك بِالتَّاءِ الْمُثَلَّثَة كَمَا فِي الصِّحَاح والمحكم وَقد اخْتلف فِي كَانَ الشأنية فالجمهور على أَنَّهَا من أَقسَام النَّاقِصَة وَذهب صَاحب البديع إِلَى أَنَّهَا من أَقسَام التَّامَّة وَذهب أَبُو الْقَاسِم ابْن الأبرش إِلَى أَنَّهَا قسم برأسها ص وَحذف أَخْبَارهَا لقَرِينَة ضَرُورَة وَثَالِثهَا إِلَّا لَيْسَ وَلَو دونهَا ش قَالَ أَبُو حَيَّان نَص أَصْحَابنَا على أَنه لَا يجوز حذف اسْم كَانَ وَأَخَوَاتهَا وَلَا حذف خَبَرهَا لَا اختصارا وَلَا اقتصارا أما الِاسْم فَلِأَنَّهُ مشبه

(1/425)


بالفاعل وَأما الْخَبَر فَكَانَ قِيَاسه جَوَاز الْحَذف لِأَنَّهُ إِن روعي أَصله وَهُوَ خبر الْمُبْتَدَأ فَإِنَّهُ يجوز حذفه أَو مَا آل إِلَيْهِ من شبهه بالمفعول فَكَذَلِك لكنه صَار عِنْدهم عوضا من الْمصدر لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا إِذْ الْقيام مثلا كَون من أكوان زيد والأعراض لَا يجوز حذفهَا قَالُوا وَقد تحذف فِي الضَّرُورَة كَقَوْلِه 379 -
(رَمَانى بأمْر كنتُ مِنْهُ ووالدي ... بَريئًا، وَمن أجل الطَّويِّ رمانى)
وَقَوله 380 -
(لَهْفِى عَلَيْك لِلَهْفةٍ من خائفٍ ... يَبْغى جوارَك حِين لَيْسَ مُجيرُ)
أَي لَيْسَ فِي الدُّنْيَا وَكنت بَرِيئًا وَمن النَّحْوِيين من أجَاز حذفه لقَرِينَة اخْتِيَارا وَفصل ابْن مَالك فَمَنعه فِي الجمييع إِلَّا لَيْسَ فَأجَاز حذف خَبَرهَا اخْتِيَارا وَلَو بِلَا قرينَة إِذا كَانَ اسْمهَا نكرَة عَامَّة تَشْبِيها ب لَا كَقَوْلِهِم فِيمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ لَيْسَ أحد أَي هُنَا وَقَوله 381 -
(فأمّا الجُود مِنْكِ فَلَيْسَ جُودُ ... )

(1/426)


وَقَوله 382 -
(يَئِسْتُمْ وَخِلْتُم أنّه لَيْسَ نَاصِر ... فَبُوئتُم من نَصْرنا خَيْرَ مَعْقِل)
وَمَا قَالَه ابْن مَالك ذهب إِلَيْهِ الْفراء وَقَالَ يجوز فِي لَيْسَ خَاصَّة أَن يَقُول لَيْسَ أحد لِأَن الْكَلَام قد يتَوَهَّم تَمَامه بليس أَو نكرَة كَقَوْلِه مَا من أحد ص وَقد تلِي الْوَاو جملَة وخبرا لليس وَكَانَ منفية بعد إِلَّا وفَاقا للأخفش وَابْن مَالك فيهمَا ش فِيهِ مَسْأَلَتَانِ الأولى قد تدخل الْوَاو على أَخْبَار هَذَا الْبَاب إِذا كَانَت جملَة تَشْبِيها بِالْجُمْلَةِ الحالية كَقَوْلِه 383 -
(وَكَانُوا أُنَاسًا ينْفحون، فَأَصْبحُوا ... وأكْثرُ مَا يُعْطُونه النّظر الشّزْرُ)
وَقَوله 384 -
(فظلُّوا، وَمِنْهُم سابقٌ دَمْعُه لَه ... وآخَرُ يَثْنِى دَمْعةَ العَيْن بالمهل)
هَذَا مَذْهَب الْأَخْفَش وَتَابعه ابْن مَالك وَالْجُمْهُور أَنْكَرُوا ذَلِك وتأولوا الْجُمْلَة على الْحَال وَالْفِعْل على التَّمام الثَّانِيَة ذهب الْأَخْفَش وَابْن مَالك أَيْضا إِلَى جَوَاز دُخُول الْوَاو على خبر لَيْسَ وَكَانَ المنفية إِذا كَانَ جملَة بعد إِلَّا كَقَوْلِه 385 -
(لَيْسَ شىء إِلَّا وَفِيه إذَا مَا ... قَابَلَتْهُ عينُ البَصير اعْتِبَارُ)
وَقَوله 386 -
(مَا كاَن من بَشَر إلاَّ وميتَتُه ... محْتومةٌ، لَكِن الآجالُ تَخْتَلِفُ)
وَقَوله

(1/427)


387 -
(إِذا مَا سُتُورُ الْبَيْت أُرْخِين لم يكن سِراجٌ لنا إِلَّا ووجْهُك أنْوَرُ ... )
وَالْجُمْهُور أَنْكَرُوا ذَلِك وَأولُوا الأول وَالثَّانِي على حذف الْخَبَر ضَرُورَة أَو على زِيَادَة الْوَاو وَقَالُوا الْخَبَر فِي الثَّالِث لنا
[جَوَاز توسيط أَخْبَارهَا]
ص وَيجوز توسيطها وَمنع الكوفية مُطلقًا وَابْن معط فِي دَامَ وَبَعْضهمْ فِي لَيْسَ ش أجَاز البصريون توسيط أَخْبَار هَذَا الْبَاب بَين الْفِعْل وَالِاسْم أَي حَيْثُ يجوز تَقْدِيم الْخَبَر على الْمُبْتَدَأ قَالَ تَعَالَى {وَكَانَ حَقًا علينا نصر الْمُؤمنِينَ} الرّوم 47 وَقَالَ {لَيْسَ الْبر أَن توَلّوا} الْبَقَرَة 177 وَقَالَ الشَّاعِر 388 -
(لَا طِيبَ لِلْعَيْش مَا دَامَتْ مُنغّصةً ... لَذَّاتُهُ بادِّكَار المَوتِ والهَرَم)
وَقَالَ 389 -
(فَلَيْسَ سَوَاء عالِمٌ وجَهُولُ ... )
وَمنعه الْكُوفِيُّونَ فِي الْجَمِيع لِأَن الْخَبَر فِيهِ ضمير الِاسْم فَلَا يتَقَدَّم على مَا

(1/428)


يعود عَلَيْهِ وَمنعه ابْن معط فِي دَامَ ورد بِأَنَّهُ مُخَالف للنَّص السَّابِق وللقياس كَسَائِر أخواتها وللإجماع وَمنعه بَعضهم فِي لَيْسَ تَشْبِيها ب مَا وَهُوَ محجوج بِالسَّمَاعِ وَالْخلاف فِي لَيْسَ نَقله أَبُو حَيَّان عَن حِكَايَة ابْن درسْتوَيْه وَلم يظرف بِهِ ابْن مَالك فَحكى فِيهَا الْإِجْمَاع على الْجَوَاز تبعا للفارسي وَابْن الدهان وَابْن عُصْفُور
جَوَاز تَقْدِيم أَخْبَارهَا
ص وتقديمها إِلَّا دَامَ والمنفي ب مَا وَلَيْسَ على الْأَصَح وَفِي زَالَ وَإِخْوَته ثَالِثهَا الْأَصَح يجوز إِن نفي بِغَيْر مَا قَالَ درود وَلنْ وَلم وَالأَصَح يجوز بَينهَا وَمَا وَفِي دَامَ خلاف ش يجوز تَقْدِيم أَخْبَار هَذَا الْبَاب على الْأَفْعَال إِلَّا دَامَ وَلَيْسَ والمنفي ب مَا أما دَامَ فحكي الِاتِّفَاق عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَشْرُوطَة بِدُخُول مَا المصدرية الظَّرْفِيَّة والحرف المصدري لَا يعْمل مَا بعده فِيمَا قبله وَأم الْمَنْفِيّ ب مَا غير زَالَ وَإِخْوَته فَفِيهِ قَولَانِ البصريون على الْمَنْع والكوفيون على الْجَوَاز ومنشأ الْخلاف اخْتلَافهمْ فِي أَن مَا هَل لَهَا صدر الْكَلَام أَو لَا فالبصريون على الأول والكوفيون على الثَّانِي وَأما لَيْسَ فجمهور الْكُوفِيّين والمبرد والزجاج وَابْن السراج والسيرافي والفارسي وَابْن أُخْته والجرجاني وَأكْثر الْمُتَأَخِّرين مِنْهُم ابْن مَالك على الْمَنْع فِيهَا قِيَاسا على فعل التَّعَجُّب عَسى وَنعم وَبئسَ بِجَامِع عدم التَّصَرُّف وقدماء الْبَصرِيين وَنسبه ابْن جني إِلَى الْجُمْهُور وَاخْتَارَهُ ابْن برهَان والزمخشري والشلوبين وَابْن عُصْفُور على الْجَوَاز لتقديم معموله على قَوْله تَعَالَى (أَلا يَوْم

(1/429)


يَأْتِيهم لَيْسَ مصروفا عَنْهُم} هود 8 وَفرق بَين لَيْسَ وَبَين الْأَفْعَال الْمَذْكُورَة وَأما زَالَ وَإِخْوَته فَفِي تَقْدِيم الْخَبَر عَلَيْهَا ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا الْمَنْع مُطلقًا سَوَاء نفيت ب مَا أَو بغَيْرهَا وَعَلِيهِ الْفراء وَالثَّانِي الْجَوَاز مُطلقًا وَعَلِيهِ سَائِر الْكُوفِيّين لِأَن مَا عِنْدهم لَيْسَ لَهَا الصَّدْر كَغَيْرِهَا وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح وَعَلِيهِ البصريون الْمَنْع إِن نفيت ب مَا لآن لَهَا الصَّدْر وَالْجَوَاز إِن نفيت بغَيْرهَا ك لَا وَلم وَلنْ وَلما وَإِن وَألْحق درود لم وَلنْ ب مَا فَمنع التَّقْدِيم إِن نفي بهما وَأما تَقْدِيمه على الْفِعْل دون مَا بِأَن توَسط بَينهمَا نَحْو مَا قَائِما زَالَ زيد فَالْأَصَحّ جَوَازه وَعَلِيهِ الْأَكْثَرُونَ وَمنعه بَعضهم لِأَن الْفِعْل مَعَ مَا كحبذا فَلَا يفصل بَينهمَا وَأما توسيطه بَين مَا ودام فنص صَاحب الإفصاح بدر الدّين بن مَالك على أَنه لَا يجوز لِأَن الْمَوْصُول الْحرفِي لَا يفصل بَينه وَبَين صلته بمعمولها وَلِأَن دَامَ لَا يتَصَرَّف وَقَالَ أَبُو حَيَّان الْقيَاس الْجَوَاز لِأَن مَا حرف مصدري غير عَامل وَلَا يمْتَنع فِيهِ ذَلِك إِلَّا أَن يثبت أَن دَامَ لَا تتصرف فَيتَّجه الْمَنْع