همع الهوامع في شرح جمع الجوامع [ذكر الْأَقْوَال فِي إِعْمَال لَا]
ص الثَّالِث لَا وعملها أَكثر من إِن وَقيل عَكسه وَقيل لَا تعْمل
وَقيل فِي الِاسْم فَقَط بِشَرْط إِن وإيلاء مرفوعها وتنكير جزأيها
وألغاه ابْن جني ش لَا أَيْضا من الْحُرُوف غير المختصة فِي إعمالها
أَقْوَال أَحدهَا وَهُوَ الْمَشْهُور أَنَّهَا تعْمل ك مَا وإلحاقا
بليس كَقَوْلِه 434 -
(تعزّ فَلَا شىء على الأَرْض بَاقِيا ... وَلَا وَزَرٌ مِمَّا قضى
اللَّهُ وَاقيَا)
الثَّانِي أَنَّهَا لَا تعْمل أصلا ويرتفع مَا بعْدهَا بِالِابْتِدَاءِ
وَالْخَبَر وَلَا ينصب أصلا وَعَلِيهِ أَبُو الْحسن الثَّالِث أَنَّهَا
أجريت مجْرى لَيْسَ فِي رفع الِاسْم خَاصَّة فترفعه وَلَا تعْمل فِي
الْخَبَر شَيْئا وَعَلِيهِ الزّجاج وَاسْتدلَّ لَهُ بِأَنَّهُ لم يسمع
النصب فِي خَبَرهَا ملفوظا بِهِ كَقَوْلِه 435 -
(مَنْ صَدّ عَن نِيرانِها ... فَأَنا ابْن قَيْس لَا بَرَاحُ)
وَقَوله 436 -
(بيَ الجَحيمَ حِين لَا مُسْتَصْرَخُ ... )
(1/456)
ورد بِالْبَيْتِ السَّابِق وعَلى الأول
قَالَ ابْن مَالك عَملهَا أَكثر من عمل إِن وَقَالَ أَبُو حَيَّان
الصَّوَاب عَكسه لِأَن إِن قد عملت نثرا ونظما وَلَا إعمالها قَلِيل
جدا بل لم يرد مِنْهُ صَرِيحًا إِلَّا الْبَيْت السَّابِق وَالْبَيْت
والبيتان لَا تبنى عَلَيْهِمَا الْقَوَاعِد ولإعمالها أَرْبَعَة شُرُوط
الشرطان الْمَذْكُورَان فِي إِن وَالثَّالِث أَلا يفصل بَينهَا وَبَين
مرفوعها فَإِن فصل بَطل عَملهَا لِأَنَّهَا أَضْعَف من مَا وَمَا شَرطه
عدم الْفَصْل وَالرَّابِع تنكير اسْمهَا وخبرها نَحْو لَا رجل قَائِما
وَلم يعْتَبر ابْن جني وَطَائِفَة هَذَا الشَّرْط فأجازوا إعمالها فِي
المعارف كَقَوْلِه 437 -
(وحلّت سَوادَ الْقلب لَا أَنا بَاغِيا ... سواهَا، وَلَا عَن حُبِّها
مُتَراخِيَا)
وتأوله الْجُمْهُور على أَن الأَصْل لَا أرى بَاغِيا فَحذف الْفِعْل
وانفصل الضَّمِير وباغيا حَال
(1/457)
تَنْبِيه قَالَ أَبُو حَيَّان لم يُصَرح
أحد بِأَن إِعْمَال لَا عمل لَيْسَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى لُغَة
مَخْصُوصَة إِلَّا صَاحب الْمغرب نَاصِر المطرزي فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ
بَنو تَمِيم لَا يعملونها وَغَيرهم يعملها وَفِي كَلَام
الزَّمَخْشَرِيّ أهل الْحجاز يعملونها دون طَيئ وَفِي الْبَسِيط
الْقيَاس عِنْد بني تَمِيم عدم إعمالها وَيحْتَمل أَن يَكُونُوا وافقوا
أهل الْحجاز على إعمالها اه
[أوجه إِعْمَال لات]
ص الرَّابِعَة لات وَهِي لَا زيدت التَّاء تأنيثا وَقيل لغيره وسيبويه
ركبت كإنما وَقيل فعل مَاض وَقيل أَصْلهَا لَيْسَ وَقد تكسر وتختص
بالحين قيل ومرادفه وَلَا تعْمل فِي هُنَا خلافًا لِابْنِ عُصْفُور لَا
يذكر جزاءها وَالْأَكْثَر حذف الِاسْم والعطف على خَبَرهَا ك مَا
وَأنكر الْأَخْفَش عَملهَا وَفِي قَول لَهُ كَإِن وجر الْفراء بهَا
الزَّمَان وَقد يُضَاف إِلَيْهَا حِين وَلَو تَقْديرا وَقد تحذف
حِينَئِذٍ دون التَّاء وَجَاءَت مُفْردَة ش اخْتلف فِي لات فَذهب
سِيبَوَيْهٍ إِلَى أَنَّهَا مركبة من لَا وَالتَّاء ك إِنَّمَا
وَلِهَذَا تحكى عِنْد التَّسْمِيَة بهَا كَمَا تحكى لَو سميت بإنما
وَذهب الْأَخْفَش وَالْجُمْهُور إِلَى أَنَّهَا لَا زيدت التَّاء
عَلَيْهَا لتأنيث الْكَلِمَة كَمَا زيدت على ثمَّ وَرب فَقيل ثمت وربت
وَذهب ابْن الطراوة وَغَيره إِلَى أَنَّهَا لَيست للتأنيث وَإِنَّمَا
زيدت كَمَا زيدت على الْحِين كَقَوْلِه 438 -
(العاطفون تَحِينَ مَا مِنْ عَاطِفٍ ... )
(1/458)
أَي حِين مَا من عاطف وَذهب ابْن أبي
الرّبيع إِلَى أَن الأَصْل فِي لات لَيْسَ أبدلت سينها تَاء كَمَا فِي
سِتّ فَعَادَت الْيَاء إِلَى الْألف لِأَن الأَصْل فِي لَيْسَ لاس
لِأَنَّهَا فعل وَلَكنهُمْ كَرهُوا أَن يَقُولُوا لَيْت فَيصير لَفظهَا
لفظ التَّمَنِّي وَلم يفعل هَذَا إِلَّا مَعَ الْحِين كَمَا أَن لدن لم
تشبه نونها بِالتَّنْوِينِ إِلَّا مَعَ غدْوَة وَفِي الْبَسِيط
وَيحْتَمل أَن تكون التَّاء بَدَلا من سين لَيْسَ كَمَا فِي سِتّ
وانقلبت الْيَاء على الْقيَاس فَتكون لَيْسَ نَفسهَا ضعفت بالتغيير
فَعمِلت فِي لُغَة أهل الْحجاز عَملهَا فِي موضعهَا وَهُوَ الْحَال
وَاخْتلفُوا هَل لَهَا عمل أم لَا عل أَقْوَال
(1/459)
أَحدهَا وَهُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ
وَالْجُمْهُور أَنَّهَا تعْمل عمل لَيْسَ وَلَكِن فِي لفظ الْحِين
خَاصَّة قَالَ فِي الْبَسِيط وَرب شَيْء يخْتَص فِي الْعَمَل بِنَوْع
مَا لَا لسَبَب كَمَا أعملوا لدن فِي غدوا خَاصَّة وَالتَّاء فِي
الْقسم وَقيل لَا تقصر على لفظ الْحِين بل تعْمل أَيْضا فِي مرادفه ك
أَوَان وَسَاعَة وَعَلِيهِ ابْن مَالك كَقَوْلِه 439 -
(نَدِمَ البُغاةُ ولاتَ سَاعَةَ مَنْدَم ... )
والتزموا فِيهَا أَلا يذكر الجزآن مَعهَا بل لابد من حذف أَحدهمَا
وَالْأَكْثَر كَون الْمَحْذُوف الِاسْم وَقد يكون الْخَبَر وقرىء
بِالْوَجْهَيْنِ قَوْله تَعَالَى {ولات حِين مناص} ص 3 أَي ولات
الْحِين حِين مناص أَو ولات حِين مناص لَهُم وَهل تعْمل فِي هُنَا
كَسَائِر مرادف الْحِين قَولَانِ أَحدهمَا نعم وَعَلِيهِ الشلوبين
وَابْن عُصْفُور كَقَوْلِه 440 -
(لات هنّا ذكرى جُبَيْرة ... )
ف هُنَا اسْمهَا وذكرى الْخَبَر أَي لات هَذَا الْحِين حِين ذكرى
جبيرَة وَقَوله 441 -
(حنّت نوار ولات هنّا حنّتِ ... )
(1/460)
أَي لَيْسَ هَذَا أَوَان حنين وَالثَّانِي
لَا وَعَلِيهِ ابْن مَالك وَهِي فِي فِيمَا ذكر وَشبهه مُهْملَة وَهنا
نصب على الظَّرْفِيَّة خبر مَا بعده وَالْفِعْل بِتَقْدِير أَن لِأَن
هن ظرف غير متصرف فَلَا يَخْلُو من معنى فِي إِلَّا بِأَن يدْخل
عَلَيْهِ من أَو إِلَى وَوَافَقَهُ أَبُو حَيَّان القَوْل الثَّانِي
أَنَّهَا لَا تعْمل شَيْئا بل الِاسْم الَّذِي بعْدهَا إِن كَانَ
مَرْفُوعا فمبتدأ أَو مَنْصُوبًا فعلى إِضْمَار فعل أَي ولات أرى حِين
مناص نَقله ابْن عُصْفُور عَن الْأَخْفَش وَصَاحب الْبَسِيط عَن
السيرافي وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّان لِأَنَّهُ لم يحفظ الْإِتْيَان
بعْدهَا باسم وَخبر مثبتين وَلِأَن لَيْسَ لَا يجوز حذف اسْمهَا فَلَو
حذف اسْم لات لكانوا قد تصرفوا فِي الْفَرْع مَا لم يتصرفوا فِي
الأَصْل إِلَّا أَنه جعل الْمَنْصُوب بعْدهَا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف
لِأَنَّهُ لم يحفظ نفي الْفِعْل بهَا فِي مَوضِع من الْمَوَاضِع
القَوْل الثَّالِث أَنَّهَا تعْمل عمل إِن وَهِي للنَّفْي الْعَام وعزي
إِلَى الْأَخْفَش فَجعل {ولات حِين مناص} ص 3 بِالنّصب اسْمهَا مثل لَا
غُلَام سفر وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي لَهُم الرَّابِع أَنَّهَا حرف جر
تخْفض أَسمَاء الزَّمَان قَالَه الْفراء وَأنْشد 442 -
(طلبُوا صُلْحَنا ولاتَ أَوَان ... )
(1/461)
وَقُرِئَ ولات حِين مناص بِالْجَرِّ وَمن
أَحْكَام لات أَنَّهَا قد تكسر تاؤها وَأَنَّهَا قد يُضَاف إِلَيْهَا
حِين لفظا كَقَوْلِه 433 -
(وَذَلِكَ حِين لاَتِ أَوَان حِلْم ... )
أَو تَقْديرا كَقَوْلِه 444 -
(تذكّر حبَّ ليلى لاتِ حينا ... )
أَي حِين لات حِين تذكر وَقد تحذف لَا حِين تَقْدِير إِضَافَة الْحِين
وَتبقى التَّاء كَقَوْلِه 445 -
(العاطِفُون تحَيْنَ مَا من عَاطِفٍ ... )
أَرَادَ هم العاطفون حِين لات حِين مَا من عاطف فَحذف حِين مَعَ لَا
قَالَه ابْن مَالك وَقد جَاءَت لات غير مُضَاف إِلَيْهَا حِين وَلَا
مَذْكُور بعْدهَا حِين وَلَا مرادفه فِي قَول الأفوه 446 -
(ترك النّاسُ لنا أَكْتَافَهُمْ ... وتوَلّوْا لاتَ لم يُغْن الفِرارُ)
(1/462)
وَهِي هُنَا حرف نفي مُؤَكد بِحرف النَّفْي
وَهُوَ لم وَلَيْسَت عَامله والعطف على خبر لات العاملة كالعطف على مَا
فتنصب وترفع فِي نَحْو لات حِين جزع وَلَا حِين طيش وَيتَعَيَّن
الرّفْع فِي مثل نَحْو لات حِين قلق بل حِين صرر أَو لَكِن حِين صَبر ص
تزاد الْبَاء فِي خبر منفي بليس وَمَا وَلَو زيدت كَانَ بعد اسْمهَا
خلافًا للفراء أَو الْخَبَر مثل خلافًا لهشام أَو ظرف يسْتَعْمل اسْما
وَقَالَ هِشَام مُطلقًا وَالْكسَائِيّ أَو كَاف التَّشْبِيه وَلَا
يخْتَص بالحجازية خلافًا لأبي عَليّ وَلَا مَنْصُوب خلافًا للكوفية
فَيجوز بعد إِن وَفِي مقدم وَثَالِثهَا فِيهِ لَهُم إِن فصل بمعموله
وَقد تزاد بعد نفي فعل نَاسخ وَلَا وَمنع قياسهما ابْن عُصْفُور وَلَا
التبرئة وَاسم لَيْسَ مُؤَخرا وَخبر الْمُبْتَدَأ بعد هَل وَلَكِن وليت
وَأَن بعد نفي ودونه قَالَ ابْن مَالك وَحَال منفية وَخَالفهُ أَبُو
حَيَّان والأخفش وكل مُوجب ش تزاد الْبَاء فِي خبر لَيْسَ وَمَا إِذا
كَانَ منفيا نَحْو {أَلَيْسَ الله بكاف عَبده} الزمر 36 {وَمَا رَبك
بغافل} الْأَنْعَام 132 وَفَائِدَة زيادتها رفع توهم أَن الْكَلَام
مُوجب لاحْتِمَال أَن السَّامع لم يسمع النَّفْي أول الْكَلَام فيتوهمه
مُوجبا فَإِذا جِيءَ بِالْبَاء ارْتَفع التَّوَهُّم وَلذَا لم تدخل فِي
خبرهما الْمُوجب فَلَا يجوز لَيْسَ زيد إِلَّا بقائم وَلَا مَا زيد
إِلَّا بِخَارِج فَلَو زيدت كَانَ بَين اسْم مَا وخبرها لم يجز دُخُول
الْبَاء عِنْد الْفراء وَأَجَازَهُ البصريون وَالْكسَائِيّ نَحْو مَا
زيد كَانَ بقائم وَلَو كَانَ الْخَبَر ((مثلا)) لم يجز دُخُول الْبَاء
عِنْد هِشَام وَأَجَازَهُ البصريون وَالْكسَائِيّ نَحْو مَا زيد بمثلك
وَلَو كَانَ الْخَبَر ظرفا فَإِن جَازَ أَن يسْتَعْمل اسْما جَازَ
دُخُول الْبَاء عَلَيْهَا وَإِن لم يسْتَعْمل اسْما كحيث لم يجز عِنْد
الْبَصرِيين وَأَجَازَهُ هِشَام نَحْو مَا زيد بِحَيْثُ يحب وَأَجَازَ
الْكسَائي دُخُولهَا فِي الْخَبَر إِذا كَانَ كَاف التَّشْبِيه حُكيَ
لَيْسَ بكذلك
(1/463)
وَلَا يخْتَص دُخُول الْبَاء بِخَبَر مَا
الحجازية بل تدخل فِي خبر مَا التميمية خلافًا للفارسي والزمخشري
لوُجُود ذَلِك فِي أشعار بني تَمِيم ونثرهم وَلِأَن الْبَاء إِنَّمَا
دخلت الْخَبَر لكَونه منفيا لَا لكَونه مَنْصُوبًا بِدَلِيل دُخُولهَا
فِي لم أكن بقائم وامتناعها فِي كنت قَائِما وَلَا يخْتَص أَيْضا
بالْخبر الْمَنْصُوب خلافًا للكوفيين فَيجوز وَلَو بَطل عمل مَا
لزِيَادَة إِن أَو تقدم الْخَبَر فِي الْأَصَح قَالَ 447 -
(لَعَمْرُكَ مَا إِن أَبو مالكٍ ... بواهٍ وَلَا بضعيفٍ قُواهْ)
وَقد تزاد الْبَاء فِي خبر فعل نَاسخ منفي نَحْو لم أكن بقائم قَالَ
448 -
(وإنْ مُدّت الْأَيْدِي إِلَى الزّاد لم أَكُنْ ... بأعْجَلِهم إذْ
أَجْشَعُ الْقَوْم أعْجَلُ)
وَقَالَ 449 -
(فلمّا دَعَانى لمْ يَجدْنى بقعْدَدَ ... )
وَقد تزاد فى خبر لَا أُخْت مَا كَقَوْلِه
(1/464)
450 -
(فَكنْ لي شَفيعًا يَوْم لَا ذُو شَفاعَة ... بِمُغْنٍ فتيلاً عَن
سَواد بن قَارِبِ)
وَمنع قِيَاس ذَلِك فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ابْن عُصْفُور وَقد تزاد فِي
لَا التبرئة قَالُوا لَا خير بِخَير بعده النَّار أَي خير وَفِي اسْم
لَيْسَ إِذا تَأَخّر عَن الْخَبَر وَفِي خبر الْمُبْتَدَأ بعد هَل
كَقَوْلِه 451 -
(ألاَ هَل أَخُو عَيْش لذيذٍ بدَائم ... )
وَفِي خبر لَكِن كَقَوْلِه 452 -
(ولكِنّ أجرا لَو فَعَلْتَ بهَيِّن ... )
وَفِي خبر لَيْت كَقَوْلِه 453 -
(أَلا لَيْت ذَا العَيْشَ اللَّذِيذَ بدَائم ... )
(1/465)
وَفِي خبر أَن بعد نفي ودونه كَقَوْلِه
تَعَالَى {أولم يرَوا أَن الله} إِلَى قَوْله {بِقَادِر} الْأَحْقَاف
33 وَقَول الشَّاعِر 454 -
(فَإنَّك مهما أَحْدَثَتْ بالمجرّب ... )
وَذكر ابْن مَالك أَنَّهَا تزاد فِي الْحَال المنفية كَقَوْلِه 455 -
(فَمَا رَجَعْت بخائبةٍ ركابٌ ... )
أَي خائبة ونازعه أَبُو حَيَّان بِاحْتِمَال كَون الْبَاء للْحَال لَا
زَائِدَة أَي بحاجة خائبة أَي ملتبسة بحاجة وَجوز الْأَخْفَش زِيَادَة
الْبَاء فِي كل مُوجب نَحْو زيد بقائم وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى
{جَزَاء سَيِّئَة بِمِثْلِهَا} يُونُس 27 وأوله الْجُمْهُور على حذف
الْخَبَر أَي وَاقع ص مَسْأَلَة ولي عاطف بعد لَيْسَ وَمَا وصف تلاه
سببي الرّفْع وللوصف مَا لَهُ أَو جعلا مُبْتَدأ وخبرا أَو أَجْنَبِي
جَازَ عطفه بعد لَيْسَ على اسْمهَا وَالْوَصْف على خَبَرهَا ويجر إِن
جر على الْأَصَح وَيجب بعد مَا الرّفْع وَجوز الْكُوفِي نَصبه وجره لَا
إِن حذف لَا وَأطلق هِشَام فَإِن تَأَخّر الْوَصْف عَن الْأَجْنَبِيّ
جَازَ نَصبه خلافًا للقدماء ش إِذا عطف على خبر لَيْسَ وَمَا وصف يتلوه
سببي أعطي الْوَصْف مَا لَهُ مُفردا وَرفع بِهِ السببي نَحْو لَيْسَ
زيد قَائِما وَلَا ذَاهِبًا أَخُوهُ وَمَا زيد قَائِما وَلَا ذَاهِبًا
أَخُوهُ وَيجوز جعل السببي مُبْتَدأ مُؤَخرا وَالْوَصْف خَبره فَتجب
مطابقته وَإِن تلاه أَجْنَبِي فَفِي لَيْسَ يعْطف على اسْمهَا
وَالْوَصْف المتلو على خَبَرهَا فينصب نَحْو لَيْسَ زيد قَائِما وَلَا
ذَاهِبًا عَمْرو فعمرو مَعْطُوف على زيد وذاهبا
(1/466)
على قَائِما. . فَإِن كَانَ الْخَبَر
مجرورا جَازَ جر الْوَصْف أَيْضا نَحْو لَيْسَ زيد بقائم وَلَا ذَاهِب
عَمْرو وَيجوز فِي الْحَالَتَيْنِ الرّفْع على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر
وَقيل لَا يجوز النصب فِي الأولى بل يتَعَيَّن الرّفْع قِيَاسا على مَا
ورد بِالسَّمَاعِ حكى سِيبَوَيْهٍ لَيْسَ زيد وَلَا أَخُوهُ قَاعِدين
وَقيل لَا يجوز الْجَرّ فِي الثَّانِيَة حذرا من الْعَطف على عاملين
ورد بِأَنَّهُ بباء مقدرَة مَدْلُول عَلَيْهَا بالمقدمة وبالسماع قَالَ
456 -
(فَلَيْسَ بآتِيكَ مَنْهيُّها ... وَلَا صارفٍ عَنْك مأمورُها)
وَأما فِي مَا فَيتَعَيَّن الرّفْع سَوَاء نصب خَبَرهَا أم جر لِأَن
خَبَرهَا لَا يتَقَدَّم على اسْمهَا فَكَذَا خبر مَا عطف على اسْمهَا
كَقَوْلِه 457 -
(لعمرك مَا معنٌ بتاركِ حَقِّهِ ... وَلَا مُنْسِىءٌ مَعْنٌ وَلَا
مُتَّيسِّرُ)
وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ النصب إِن نصب الْخَبَر والجر إِن جر وحكوا
مَا زيد قَائِما فمتخلفا أحد أَي إِذا قَامَ لم يتَخَلَّف أحد وَيُقَال
عِنْدهم مَا زيد بمنطلق وَلَا خَارج عَمْرو بِالْجَرِّ إِذا لم تحذف
لَا فَإِن حذفت لَا نَحْو خَارج امْتنع الْجَرّ عِنْدهم إِلَّا هشاما
فَإِنَّهُ يجر كَمَا إِذا لم تحذف وَلَو تَأَخّر الْوَصْف فِي الْعَطف
نَحْو مَا زيد قَائِما وَلَا عَمْرو خَارج جَازَ مَعَ الرّفْع النصب
عِنْد سِيبَوَيْهٍ والخليل وَالْكسَائِيّ وَهِشَام وَمنع النصب
النحويون القدماء الَّذين رد عَلَيْهِم سِيبَوَيْهٍ
(1/467)
أَفعَال المقاربة
ص الثَّانِي كَاد وكرب وأوشك وهلهل وَأولى وألم لمقاربة الْفِعْل وَجعل
وطفق كسرا وفتحا وبالباء وَأخذ وعلق وَأَنْشَأَ وهب للشروع فِيهِ
وَعَسَى واخلولق لترجيه وَزَاد ابْن مَالك وَابْن طريف والسرقسطي حرى
وثعلب قَامَ والبهاري كارب وقارب وَقرب وأوحال وَأَقْبل وأظل وأشفى
وشارف ودنا وَأثر وَقعد وَذهب وازدلف ودلف وأزلف وأشرف وتهيأ وأسف
وَبَعْضهمْ طَار وانبرى ونشب وَاللَّخْمِيّ ابْتَدَأَ وعبأ وَقد ترد
عَسى اشفاقا وَقيل هُوَ مَعْنَاهَا وَقيل كرب للشروع ش الثَّانِي من
نواسخ الِابْتِدَاء أَفعَال المقاربة وتسميتها بذلك على سَبِيل التغليب
إِذْ هِيَ ثَلَاثَة أَقسَام أَحدهَا مَا هُوَ لمقاربة الْفِعْل وَهُوَ
سِتَّة أَلْفَاظ أشهرها كَاد وأغربها أولى وَمن شواهدها قَوْله 458 -
(فعادى بَين هادِيَتَيْن مِنْهَا ... وأوْلى أَن يزِيد على الثَّلاثِ)
والبواقي كرب بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا وَالْفَتْح أفْصح وَزعم بَعضهم
أَنَّهَا من أَفعَال الشُّرُوع وأوشك وهلهل وَمن شواهدها قَوْله 459 -
(وَطئْنا بلادَ الْمُعْتَدِينَ فَهَلْهَلَتْ ... نُفُوسهم قبل الإماتة
تَزْهَقُ)
(1/468)
وألم وَمن شواهدها حَدِيث وَإِن مِمَّا
ينْبت الرّبيع يقتل أَو يلم أَي يلم أَن يقتل وَحَدِيث لَوْلَا أَنه
شَيْء قَضَاهُ الله لألم أَن يذهب ببصره وَالثَّانِي مَا هُوَ للشروع
فِي الْفِعْل وَهُوَ سِتَّة أَلْفَاظ جعل قَالَ 460 -
(وَقد جَعَلْتُ إذَا مَا قُمْتُ يُثْقِلُني ... ثوبي، فأنْهَضُ نَهْضَ
الشَّارِب الثّمِلِ)
وطفق بِكَسْر الْفَاء وَفتحهَا وَالْكَسْر أشهر وَيُقَال طبق بِكَسْر
الْبَاء قَالَ تَعَالَى {وطفقا يخصفان} طه 121 وَأخذ قَالَ 461 -
(فأَخَذْتُ أَسْأَلُ والرُّسُوم تُجيبُني ... )
وعلق قَالَ 462 -
(أرَاكَ عَلِقْتَ تَظْلِمُ مَنْ أَجَرْنَا ... )
(1/469)
وَأَنْشَأَ قَالَ 463 -
(أنشأْتُ أُعْرب عمّا كَانَ مَكْنُونا ... )
وهب قَالَ 464 -
(هَبَبْتُ أًلُوم القَلْب فِي طَاعَةِ الهَوى ... )
قَالَه ابْن مَالك وأغربهن علق وهب الثَّالِث مَا هُوَ لترجي الْفِعْل
وَهُوَ لفظان عَسى واخلولق نَحْو اخلولقت السَّمَاء أَن تمطر فَهَذِهِ
الْأَفْعَال الْمُتَّفق عَلَيْهَا فِي هَذَا الْبَاب زَاد ابْن مَالك
فِيهَا حرى للترجي كَقَوْلِه 465 -
(فحَرى أَن يكونَ ذَاك وَكَانَا ... )
قَالَ أَبُو حَيَّان وَالْمَحْفُوظ أَن حرى اسْم منون لَا يثنى وَلَا
يجمع قَالَ ثَعْلَب أَنْت حرى من ذَلِك أَي حقيق وخليق قَالَ ابْن
قَاسم وَلَكِن ابْن مَالك ثِقَة قلت ظَاهر كَلَامهمَا أَنه مُنْفَرد
بذلك وَلَيْسَ كَذَلِك فقد سبقه إِلَى عدهَا ابْن طريف السَّرقسْطِي
وَزَاد ثَعْلَب فِي أَفعَال الشُّرُوع قَامَ وَأنْشد
(1/470)
466 -
(قامَتْ تَلُوم، وبعْضُ اللّوْم آونةً ... )
وَزَاد أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن يحيى البهاري فِي
كِتَابه الْمُسَمّى الْإِمْلَاء المنتخل فِي أَفعَال هَذَا الْبَاب
مَعَ قَامَ الْمَذْكُورَة كارب وَمَا ذكر بعده وَذَلِكَ تِسْعَة عشر
فعلا زَاد غَيره طَار وانبرى ونشب وَزَاد اللَّخْمِيّ ابْتَدَأَ وعبأ
فبلغت أَفعَال الْبَاب أَرْبَعِينَ فعلا قَالَ ابْن قَاسم وَمَا زَاده
البهاري وَمن ذكر لَا يقوم عَلَيْهِ دَلِيل على أَنه من أَفعَال
الْبَاب وَقد ترد عَسى للإشفاق من الْمَكْرُوه وَهُوَ أقل من مجيئها
للرجاء وَقد اجْتمعَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَسَى أَن تكْرهُوا
شَيْئا وَهُوَ خير لكم وَعَسَى أَن تحبوا شَيْئا وَهُوَ شَرّ لكم}
الْبَقَرَة 216
[مُلَازمَة أَفعَال المقاربة للفظ الْمَاضِي]
ص ويلزمها لفظ الْمُضِيّ وَسمع مضارع كَاد وأوشك وَاسم فاعلها وَحكى
الْجَوْهَرِي مضارع طفق والأخفش مصدره وقطرب مصدر كَاد وَبَعْضهمْ اسْم
فَاعله وَعبد القاهر مضارع عَسى وفاعله وَالْكسَائِيّ مضارع جعل
وَبَعْضهمْ الْأَمر والتفضيل من أوشك وَقوم فَاعل كرب ش أَفعَال هَذَا
الْبَاب جامدة لَا تتصرف مُلَازمَة للفظ الْمَاضِي وَعلل ذَلِك ابْن
جني بِأَنَّهَا لما قصد بهَا الْمُبَالغَة فِي الْقرب أخرجت عَن
بَابهَا وَهُوَ التَّصَرُّف وَكَذَلِكَ كل فعل يُرَاد بِهِ
الْمُبَالغَة كنعم وَبئسَ وَفعل التَّعَجُّب وَعلله ابْن يسعون
بالاستغناء بِلُزُوم الْمُضَارع خَبَرهَا فَلم يبنوا مِنْهَا
مُسْتَقْبلا وَعلله ابْن عُصْفُور بِأَن مَعْنَاهَا لَا يكون إِلَّا
مَاضِيا إِذْ لَا تخبر عَن الرَّجَاء إِلَّا وَقد اسْتَقر فِي نَفسك
والماضي يسْتَعْمل فِي الْحَال الَّذِي هُوَ الشُّرُوع لإِرَادَة
الِاتِّصَال والدوام فَلَا يكون مَعْنَاهَا مُسْتَقْبلا أصلا واستثني
مِنْهَا كَاد وأوشك فَسمع فِيهَا الْمُضَارع قَالَ تَعَالَى (يكَاد
زيتها
(1/471)
يضيء} النُّور 35 قَالَ الشَّاعِر 467 -
(يُوشِكُ مَن فَرَّ مِن مَنِّيته ... )
بل الْمُضَارع فِي أوشك أشهر من الْمَاضِي حَتَّى زعم الْأَصْمَعِي
أَنه لَا يسْتَعْمل ماضيها وَسمع اسْم الْفَاعِل من أوشك قَالَ 468 -
(فَمُوشِكَةٌ أَرْضُنَا أَنْ تَعُودا ... )
وَقَالَ 469 -
(فإنّك مُوشِكٌ أَلاَّ تَراهَا ... )
وَحكى الْجَوْهَرِي مضارع طفق قَالَ ابْن مَالك وَلم أره لغيره
وَالظَّاهِر أَنه قَالَ ذَلِك رَأيا وَحكى الْأَخْفَش مصدر طفق وَحكى
قطرب مصدر كَاد كيدا وكيدودة وَقَالَ بَعضهم كودا ومكادا نَقله فِي
الْبَسِيط
(1/472)
وَحكى ابْن مَالك اسْم الْفَاعِل من كَاد
وَأنْشد 470 -
(أَمُوت أسًى يَوْم الرِّجام وإنّنى ... يَقِينا لرهنٌ بالَّذي أَنا
كَائِدُ)
أَي بِالْمَوْتِ الَّذِي كدت آتيه وَحكى عبد القاهر الْجِرْجَانِيّ
الْمُضَارع وَاسم الْفَاعِل من عَسى وَحكى الْكسَائي مضارع جعل رُوِيَ
إِن الْبَعِير يهرم حَتَّى يَجْعَل إِذا شرب المَاء مجه وَحكى أَبُو
حَيَّان الْأَمر وأفعل التَّفْضِيل من أوشك وَأنْشد قَول زُهَيْر 471 -
(وأَوْشك مَا لَمْ يَخْشَه يَقَعُ ... )
وَقَوله 472 -
(بأوشك مَه أَن يساورَ قِرْنَهُ ... )
وَحكى قوم اسْم الْفَاعِل من كرب ص وَألف كَاد وَاو وَقيل يَاء ووزنها
فعل وَلَا تزاد خلافًا للأخفش وَكسر عَسى لُغَة وَمَعَ ضمير رفع قَلِيل
ش كَاد من ذَوَات الْوَاو حكى سِيبَوَيْهٍ كدت بِضَم الْكَاف وَلَا
يكون هَذَا إِلَّا من الْوَاو وَقيل من ذَوَات الْيَاء وَزعم
الْأَخْفَش أَن كَاد قد تزاد وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى {إِن السَّاعَة
ءاتية أكاد أخفيها} طه 15
(1/473)
وَالْجُمْهُور تأولوا الْآيَة على معنى
أكاد أخفيها فَلَا أَقُول هِيَ آتِيَة وَكسر السِّين من عَسى لُغَة حكى
ابْن الْأَعرَابِي عسي فَهُوَ عس وَإِذا اتَّصل بهَا ضمير الرّفْع
نَحْو عَسَيْت وعسين وعسينا وعسيتم جَازَ فِيهَا الْفَتْح وَالْكَسْر
وَالْفَتْح أَكثر وَأشهر وَقُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ فِي السَّبع أما
مَعَ ضمير النصب فَلَيْسَ إِلَّا الْفَتْح ص مَسْأَلَة تعْمل ككان
لَكِن خَبَرهَا مضارع مُجَرّد من أَن مَعَ هلهل وَمَا للشروع وَمَعَهَا
مَعَ أولى والرجاء وَفِي الْبَاقِي الْوَجْهَانِ والحذف مَعَ كَاد وكرب
أعرف وَعَسَى وأوشك قيل وقارب بِالْعَكْسِ وندر دُخُول أَن مَعَ جعل
وَالْبَاء مَعَ أَن فِي أوشك وَالسِّين عَن أَن فِي عَسى ومجيء
خَبَرهَا وَكَانَ مُفردا وَجعل جملَة اسمية وَإسْنَاد عَسى إِلَى
الشَّأْن ونفيها نفي خبر كَاد وَزعم الكوفية ذَا أَن بَدَلا مِمَّا
قبله وَقوم مَفْعُولا بِهِ وَقوم بِإِسْقَاط الْجَار وَقيل بتضمين
الْفِعْل وَقيل رفع سَاد عَن الجزأين ش أَفعَال هَذَا الْبَاب تعْمل
عمل كَانَ فَترفع الْمُبْتَدَأ اسْما لَهَا وتنصب الْخَبَر خَبرا لَهَا
وَيدل على ذَلِك مَجِيء الْخَبَر فِي بَعْضهَا مَنْصُوبًا كَمَا
سَيَأْتِي وَلَا خلاف فِي ذَلِك حَيْثُ كَانَ الْفِعْل بعْدهَا غير
مقرون بِأَن أما المقرون بهَا فَزعم الْكُوفِيُّونَ أَنه بدل من الأول
بدل الْمصدر فَالْمَعْنى فِي كَاد أَو عَسى زيد أَن يقوم قرب قيام زيد
فَقدم الِاسْم وَأخر الْمصدر وَزعم الْمبرد أَنه مفعول بِهِ لِأَنَّهَا
فِي معنى قَارب زيد هَذَا الْفِعْل وحذرا من الْإِخْبَار بِالْمَصْدَرِ
عَن الجثة ورد بِأَن أَن هُنَا لَا تؤول بِالْمَصْدَرِ وَإِنَّمَا
جِيءَ بهَا لتدل على أَن فِي الْفِعْل تراخيا وَزعم آخَرُونَ أَن
مَوْضِعه نصب بِإِسْقَاط حرف الْجَرّ لِأَنَّهُ يسْقط كثيرا مَعَ أَن
وَقيل يتَضَمَّن الْفِعْل معنى قَارب وَزعم ابْن مَالك أَن مَوْضِعه
رفع وَأَن وَالْفِعْل بدل من الْمَرْفُوع سَاد مسد الجزأين كَمَا فِي
{أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا} العنكبوت 2
(1/474)
قَالَ فِي الْبَسِيط وَهَذِه التأويلات
تخرج الْأَلْفَاظ عَن مقتضاها بِلَا ضَرُورَة مَعَ أَنَّهَا لَا تسوغ
فِي جَمِيعهَا وانفردت هَذِه الْأَفْعَال بِالْتِزَام كَون خَبَرهَا
مضارعا ثمَّ هُوَ ثَلَاثَة أَقسَام مَا يجب تجرده من أَن وَهُوَ خبر
هلهل وأفعال الشُّرُوع لِأَنَّهَا للأخذ فِي الْفِعْل فخبرها فِي
الْمَعْنى حَال وَأَن تخلص للاستقبال وَمَا يجب اقترانه بهَا وَهُوَ
خبر أولى وأفعال الرَّجَاء لِأَن الرَّجَاء من مخلصات الِاسْتِقْبَال
فناسبه أَن وَمَا يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ وَهُوَ خبر الْبَوَاقِي
والأعرف فِي خبر كَاد وكرب الْحَذف قَالَ تَعَالَى {وَمَا كَادُوا
يَفْعَلُونَ} الْبَقَرَة 71 {يكَاد زيتها يضيء} النُّور 35 قَالَ
الشَّاعِر 473 -
(كَرَبَ القلبُ من جَوَاهُ يَذُوبُ ... )
وَمن الْإِثْبَات قَوْله 474 -
(قد كَاد طُول البلَى أَن يَمْصَحَا ... )
وَقَوله
(1/475)
475 -
(وَقد كَرَبَتْ أَعْناقُها أَنْ تَقَطّعا ... )
والأعرف فِي عَسى وأوشك الْإِثْبَات قَالَ تَعَالَى {وَعَسَى أَن
تكْرهُوا} الْبَقَرَة 216 {فَعَسَى الله أَن يَأْتِي بِالْفَتْح}
الْمَائِدَة 52 و {فَهَل عسيتم إِن توليتم أَن تفسدوا} مُحَمَّد 22
وَقَالَ الشَّاعِر 476 -
(وَلَو سُئِل النّاس التّرَابَ لأوشكوا ... إِذا قيل هَاتُوا أَن
يَمَلُّوا ويَمْنَعُوا)
وَمن الْحَذف قَوْله 477 -
(عَسى الكرْبُ الَّذِي أَمْسَيْتُ ... يكون وَرَاءه فرجٌ قَريبُ)
(1/476)
وَقَوله 478 -
(يُوشك مَنْ فَرّ مِنْ مَنِّيتِه ... فى بعض غِرّاتِه يُوَافِقُها)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَزعم الزجاجي أَن قَارب مِمَّا الأجود فِيهِ أَن
يسْتَعْمل ب أَن ورد عَلَيْهِ وعَلى من أدخلها فِي أَفعَال المقاربة
بِأَنَّهَا لَا تسْتَعْمل إِلَّا ب أَن وَلَيْسَت من هَذَا الْبَاب
لِأَنَّهَا لَيست دَاخِلَة على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر بِدَلِيل
مَجِيء مفعولها اسْما فِي فصيح الْكَلَام تَقول قَارب زيد الْقيام وندر
دُخُول أَن فِي خبر جعل قَالَ ... ... ... وندر دُخُول الْبَاء فِي خبر
أوشك قَالَ 479 -
(أَعَاذلُ تُوشِكينَ بِأَن تَرَيْنِي ... )
وندر دُخُول السِّين فِي خبر عَسى عوضا من أَن قَالَ 480 -
(عَسى طيِّىءٌ من طَيِّىء بَعْدَ هَذِه ... سَتُطْفِىءُ غُلاّت الكُلَى
والجَوانِح)
وندر مَجِيء خبر عَسى وَكَاد اسْما مُفردا قَالَ 481 -
(لَا تَلْحني إنِّي عَسِيتُ صَائِما ... )
(1/477)
وَقَالَ 482 -
(فَأُبْتُ إِلَى فَهْم وَمَا كِدْتُ آيبا ... )
وَهَذَا تَنْبِيه على الأَصْل لِئَلَّا يجهل وندر مَجِيء خبر جعل جملَة
اسمية كَقَوْلِه 483 -
(وَقد جَعَلَتْ قَلوص بنى سُهَيل ... من الأكْوار مَرْتَعُها قَريبُ)
وندر إِسْنَاد عَسى إِلَى ضمير الشَّأْن حكى غُلَام ثَعْلَب عَسى زيد
قَائِم ص وَلَا يتَقَدَّم خَبَرهَا ويتوسط بِلَا أَن وَمَعَهَا بخلف
ويحذف إِن علم وَلَا يرفع أَجْنَبِيّا مُطلقًا وَلَا سببيا غَالِبا
إِلَّا خبر عَسى وَقد يَجِيء اسْمهَا نكرَة مَحْضَة ويسند أوشك وَعَسَى
وَكَذَا واخلولق فِي الْأَصَح إِلَى أَن يفعل فيغني عَن الْخَبَر وَقيل
هِيَ تَامَّة حِينَئِذٍ فَإِن وَقعت خبر اسْم سَابق جَازَ الْإِضْمَار
وَتَركه قَالَ دريود وَهُوَ أَجود وَقد يُوصل بعسى ضمير نصب اسْما حملا
على لَعَلَّ وَقيل خَبرا مقدما وَقيل نَائِب الْمَرْفُوع وَقيل هِيَ
حرف حِينَئِذٍ وَقد يقْتَصر عَلَيْهِ وَنفي كَاد نفي للمقاربة وَقيل
يدل على وُقُوع الْخَبَر ببطء وَقيل إِثْبَاتهَا بنفيه وَعَكسه ش فِيهِ
مسَائِل الأولى لَا يتَقَدَّم الْخَبَر فِي هَذَا الْبَاب على الْفِعْل
فَلَا يُقَال أَن يقوم عَسى زيد اتِّفَاقًا كَمَا حَكَاهُ فِي
الْبَسِيط
(1/478)
ويتوسط بَين الْفِعْل وَالِاسْم إِذا لم
يقْتَرن ب أَن اتِّفَاقًا نَحْو طفق يصليان الزيدان قَالَ ابْن مَالك
وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن أَخْبَار هَذِه الْأَفْعَال خَالَفت أَصْلهَا
بِلُزُوم كَونهَا أفعالا فَلَو قدمت لازدادت مخالفتها الأَصْل
وَأَيْضًا فَإِنَّهَا أَفعَال ضَعِيفَة تتصرف فلهَا حَال ضعف
بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَفْعَال الْكَامِلَة التَّصَرُّف فَلم تتقدم
أَخْبَارهَا لتفضلها كَانَ وَأَخَوَاتهَا وَحَال قُوَّة بِالنِّسْبَةِ
إِلَى الْحُرُوف فأجيز توسطها تَفْضِيلًا لَهَا على إِن وَأَخَوَاتهَا
فَإِن اقْترن ب أَن فَفِي التَّوَسُّط قَولَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز
كَغَيْرِهِ وَعَلِيهِ الْمبرد والسيرافي وَصَححهُ ابْن عُصْفُور
وَالثَّانِي الْمَنْع وَعَلِيهِ الشلوبين الثَّانِيَة يجوز حذف
الْخَبَر فِي هَذَا الْبَاب إِذا علم وَمِنْه قَوْله تَعَالَى
{فَطَفِقَ مسحا} ص 33 أَي يمسح لدلَالَة الْمصدر وَالْأَحْسَن كَمَا
قَالَه مُصعب الْخُشَنِي أَنه مِمَّا ورد فِيهِ الْخَبَر اسْما مُفردا
تَنْبِيها على الأَصْل كَمَا تقدم فِي صَائِما وآيبا وَمن الْحَذف
حَدِيث من تأنى أصَاب أَو كَاد وَمن عجل أَخطَأ أَو كَاد وَقَوله 484 -
(وَقد ذاق طَعْم الْمَوْت أَو كَربَا ... )
الثَّالِثَة يتَعَيَّن فِي خبر هَذَا الْبَاب أَن يعود مِنْهُ ضمير
إِلَى الِاسْم فَلَا يجوز رَفعه الظَّاهِر لَا أَجْنَبِيّا وَلَا سببيا
فَلَا يُقَال طفق زيد يتحدث أَخُوهُ وَلَا أنشأ عَمْرو ينشد ابْنه
لِأَنَّهَا إِنَّمَا جَاءَت لتدل على أَن فاعليها قد يلبس بِهَذَا
الْفِعْل وَشرع فِيهِ لَا غَيره وَيسْتَثْنى عَسى فَإِن خَبَرهَا يرفع
السببي كَقَوْلِه 485 -
(وماذا عَسى الحَجّاجُ يبلغ جُهْدُهُ ... )
(1/479)
على رِوَايَة رَفعه جهده وَقَوْلِي غَالِبا
أَشرت بِهِ إِلَى مَا ورد نَادرا من رفع خبر غير عَسى السببي كَقَوْلِه
486 -
(وأسْقِيه حَتَّى كَاد مِمَّا أبثُّهُ ... تُكَلِّمنى أحْجَارُهُ
ومَلاعِبُهْ)
وَقَوله 487 -
(وَقد جَعَلْتُ إِذا مَا قُمْتُ يُثْقِلُنى ... ثَوْبى ... ... ... ...
. .)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَذَلِكَ عِنْد أَصْحَابنَا لَا يجوز وتأولوا مَا
ورد من ذَلِك الرَّابِعَة حق الِاسْم فِي هَذَا الْبَاب أَن يكون
معرفَة أَو مُقَارنًا لَهَا كَمَا فِي بَاب كَانَ وَقد يرد نكرَة
مَحْضَة كَقَوْلِه 488 -
(عَسى فَرَجٌ يَأْتِي بِهِ الله إنّهُ ... )
الْخَامِسَة يسند أَو شكّ وَعَسَى واخلولق إِلَى أَن يفعل فيغني عَن
الْخَبَر وَيكون أَن وَالْفِعْل سادة مسد الجزأين كَمَا سدت مسد مفعولي
حسب
(1/480)
وَقيل بل هِيَ حِينَئِذٍ تَامَّة مكتفية
بالمرفوع كَمَا فِي كَانَ التَّامَّة كَقَوْلِه تَعَالَى {وَعَسَى أَن
تكْرهُوا شَيْئا} الْبَقَرَة 216 {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما
مَحْمُودًا} الْإِسْرَاء 79 وَقَالَ الشَّاعِر 489 -
(سَيُوشِكُ أَن تُنِيخَ إِلَى كَريم ... ينالُك بالنّدى قَبْل
السُّؤَال)
وَتقول اخلولق أَن تمطر السَّمَاء وَقَالَ الخضراوي لَا يجوز ذَلِك فِي
اخلولق بل يخْتَص بأوشك وَعَسَى فَإِن تقدم وَالْحَالة هَذِه اسْم
ظَاهر نَحْو زيد عَسى أَن يخرج جَازَ جعل الْفِعْل مُسْندًا إِلَى أَن
يفعل كَمَا تقدم وَجعله مُسْندًا إِلَى ضمير الِاسْم السَّابِق وَأَن
يفعل الْخَبَر فعلى الأول يجرد الْفِعْل من عَلامَة التَّثْنِيَة
وَالْجمع والتأنيث نَحْو الزيدان عَسى أَن يقوما والزيدون عَسى أَن
يقومُوا وَهِنْد عَسى أَن تقوم والهندات عَسى أَن يقمن وَكَذَا أوشك
واخلولق وعَلى الثَّانِي يلْحق بهَا فَيُقَال فِي الْأَمْثِلَة عسيا
وعسوا وعسيت وعسين والتجرد أَجود كَمَا قَالَ دريود وَقَالَ أَبُو
حَيَّان وقفت من قديم على نقل وَهُوَ أَن التَّجْرِيد لُغَة لقوم من
الْعَرَب والإلحاق لُغَة لآخرين ونسيت اسْم القبيلتين فَلَيْسَ كل
الْعَرَب تنطق باللغتين وَإِنَّمَا ذَلِك بِالنِّسْبَةِ إِلَى لغتين
انْتهى أما غير الثَّلَاثَة فَلَا يسند ل أَن يفعل بِحَال السَّادِسَة
حق عَسى إِذا اتَّصل بهَا ضميران لَا يكون إِلَّا بِصُورَة الْمَرْفُوع
هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي كَلَام الْعَرَب وَبِه نزل الْقُرْآن وَمن
الْعَرَب من يَأْتِي بِهِ بِصُورَة الْمَنْصُوب الْمُتَّصِل فَيُقَال
عساني وعساك وعساه قَالَ 490 -
(يَا أَبتا علَّك أَو عَسَاكا ... )
(1/481)
فمذهب سِيبَوَيْهٍ إِقْرَار الْمخبر عَنهُ
وَالْخَبَر على حاليهما من الْإِسْنَاد السَّابِق إِلَّا أَن الْخلاف
وَقع فِي الْعَمَل فعكس الْعَمَل بِأَن نصبت الِاسْم وَرفعت الْخَبَر
حملا لَهَا على لَعَلَّ وَقد صرح بِهِ فِي قَوْله 491 -
(فَقلت عسَاهَا نارُ كأس وَعَلّها ... )
بِرَفْع نَار وَمذهب الْمبرد والفارسي عكس الْإِسْنَاد إِذْ جعلا
الْمخبر عَنهُ خَبرا وَالْخَبَر مخبرا عَنهُ وَيلْزم مِنْهُ جعل خبر
عَسى اسْما صَرِيحًا وَمذهب الْأَخْفَش وَابْن مَالك إِقْرَار
الْأَمريْنِ الْعَمَل والإسناد لكنه تجوز فِي الضَّمِير فَجعل مَكَان
ضمير الرّفْع ضمير النصب وَهُوَ فِي مَحل رفع نِيَابَة عَن الْمَرْفُوع
كَمَا نَاب ضمير الرّفْع عَن ضمير النصب والجر فِي قَوْلهم أكرمتك
أَنْت وَأَنا كَأَنْت وَمذهب السيرافي أَنَّهَا حِينَئِذٍ حرف ك
لَعَلَّ وَقد يقْتَصر وَالْحَالة هَذِه على الضَّمِير الْمَنْصُوب
كالبيت الْمصدر بِهِ فَيكون الْخَبَر محذوفا كَمَا يَقع ذَلِك فِي
لَعَلَّ السَّابِقَة وَزعم قوم أَن نفي كَاد إِثْبَات للْخَبَر
وإثباتها نفي لَهُ وشاع ذَلِك على الْأَلْسِنَة حَتَّى قَالَ بَعضهم
ملغزا فِيهَا 492 -
(أَنَحْويّ هَذَا الْعَصْر مَا هى لفْظةٌ ... جَرت فى لسَانَىْ جُرْهُم
وثَمُودِ)
(إذَا اسْتُعْمِلَتْ فى معرف الجَحْدِ ... وَإِن أثْبَتَتْ قَامَت
مقَام جُحودِ)
وَاسْتدلَّ لذَلِك بقوله تَعَالَى {فذبحوها وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}
الْبَقَرَة 71 وَقد ذَبَحُوا وَبِقَوْلِهِ {يكَاد زيتها يضيء} النُّور
35 وَلم يضيء وَالتَّحْقِيق أَنَّهَا كَسَائِر الْأَفْعَال نَفيهَا نفي
وإثباتها إِثْبَات إِلَّا أَن مَعْنَاهَا المقاربة لَا وُقُوع الْفِعْل
فنفيها نفي لمقاربة الْفِعْل وَيلْزم مِنْهُ نفي الْفِعْل ضَرُورَة أَن
(1/482)
من لم يُقَارب الْفِعْل لم يَقع مِنْهُ
الْفِعْل وإثباتها إِثْبَات لمقاربة الْفِعْل وَلَا يلْزم من مقاربته
الْفِعْل وُقُوعه فقولك كَاد زيد يقوم مَعْنَاهُ قَارب الْقيام وَلم
يقم وَمِنْه {يكَاد زيتها يضيء} النُّور 35 أَي يُقَارب الإضاءة إِلَّا
أَنه لم يضيء وقولك لم يكد زيد يقوم مَعْنَاهُ لم يُقَارب الْقيام فضلا
عَن أَن يصدر مِنْهُ وَمِنْه {إِذا أخرج يَده لم يكد يَرَاهَا} النُّور
40 أَي لم يُقَارب أَن يَرَاهَا فضلا عَن أَن يرى {وَلَا يكَاد يسيغه}
إِبْرَاهِيم 17 أَي لَا يُقَارب إساغته فضلا عَن يسيغه وعَلى هَذَا
الزجاجي وَغَيره وَذهب قوم مِنْهُم ابْن جني إِلَى أَن نَفيهَا يدل على
وُقُوع الْفِعْل بعد بطء لآيَة {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} فَإِنَّهُم
فعلوا بعد بطء وَالْجَوَاب أَنَّهَا مَحْمُولَة على وَقْتَيْنِ أَي
فذبحوها بعد تكْرَار الْأَمر عَلَيْهِم بذبحها وَمَا كَادُوا يذبحونها
قبل ذَلِك وَلَا قاربوا الذّبْح بل أَنْكَرُوا ذَلِك أَشد الْإِنْكَار
بِدَلِيل قَوْلهم {أتتخذنا هزوا} الْبَقَرَة 67
(1/483)
إِن وَأَخَوَاتهَا
ص الثَّالِث إِن للتَّأْكِيد وَلَكِن للاستدراك قيل والتوكيد وَهِي
بسيطة والكوفية مركبة من لَكِن أَن أَو لَا كَأَن أَو لَا أَن أَقْوَال
وَكَأن للتشبيه زَاد الكوفية وَالتَّحْقِيق والتقريب وَالشَّكّ إِن
كَانَ الْخَبَر صفة أَو جملَة أَو ظرفا وَتدْخل فِي تَنْبِيه وإنكار
وتعجب وَالأَصَح أَنَّهَا مركبة وَأَنه لَا تعلق لكافها وليت
لِلتَّمَنِّي وَيُقَال لت وَلَعَلَّ لترج وإشفاق قَالَ الْأَخْفَش
وتعليل والكوفية واستفهام والطوال وَشك وَهِي بسيطة ولامها أصل وَقيل
زَائِدَة وَقيل ابْتِدَاء وَيُقَال عل وَلَعَلَّ وَلعن وَعَن وَلِأَن
وَأَن ورعن ورغن ولغن ورعل وغن ولعلت ولعا وَلَو ان ش الثَّالِث من
النواسخ الِابْتِدَاء الأحرف الْخَمْسَة المشبهة بِالْفِعْلِ وعددتها
خَمْسَة كَمَا صنع سِيبَوَيْهٍ والمبرد فِي المقتضب وَابْن السراج فِي
الْأُصُول وَابْن مَالك فِي التسهيل لَا سِتَّة كَمَا صنع آخَرُونَ
لِأَن أَن وَإِن وَاحِدَة وَإِنَّمَا تكسر فِي مَوَاضِع وتفتح فِي
مَوَاضِع وَإِن كَانَتَا غيرين فالثانية فرع الأولى قَالَ ابْن مَالك
فَإِن قيل يَنْبَغِي أَلا تعد كَأَن لِأَن أَصْلهَا إِن زيدت عَلَيْهَا
الْكَاف فَالْجَوَاب أَن ذَلِك أَن مَنْسُوخ لاستغناء الْكَاف عَن
مُتَعَلق بِهِ بِخِلَاف أَن فَلَيْسَ أَصْلهَا مَنْسُوخا بِدَلِيل
جَوَاز الْعَطف بعْدهَا على معنى الِابْتِدَاء كَمَا يعْطف بعد
الْمَكْسُورَة فَإِن للتَّأْكِيد وَلذَا أُجِيب بهَا الْقسم كَمَا
يُجَاب اللَّام فِي قَوْلك وَالله لزيد قَائِم
(1/484)
وَزعم ثَعْلَب أَن الْفراء قَالَ إِن مقررة
لقسم مَتْرُوك استغني عَنْهَا بهَا وَالتَّقْدِير وَالله إِن زيدا
لقائم وَأَن الْمَفْتُوحَة أَيْضا تفِيد التوكيد كَمَا ذكر وَفِيه
إِشْكَال ذكرته فِي الْفَتْح الْقَرِيب على مُغنِي اللبيب وَلَكِن
للاستدراك وَمَعْنَاهُ أَن يثبت حكما لمحكوم عَلَيْهِ يُخَالف الحكم
الَّذِي للمحكوم عَلَيْهِ قبلهَا وَلذَلِك لابد أَن يتقدما كَلَام
ملفوظ بِهِ أَو مُقَدّر ولابد أَن يكون نقيضا لما بعده أَو ضدا لَهُ
أَو خلافًا على رَأْي نَحْو مَا هَذَا سَاكن لكنه متحرك وَمَا هَذَا
أسود لكنه أَبيض وَمَا هَذَا قَائِم لكنه شَارِب وَلَا يجوز زيد قَائِم
لَكِن عمرا قَائِم بِالْإِجْمَاع وَذكر ابْن مَالك وَصَاحب الْبَسِيط
أَنَّهَا للتَّأْكِيد أَيْضا قَالَ فِي الْبَسِيط مَعْنَاهَا
الِاسْتِدْرَاك لخَبر يُوهم أَنه مُوَافق لما قبله فِي الحكم فَإِنَّهُ
يُؤْتى بِهِ لرفع ذَلِك التَّوَهُّم وَتَقْرِيره أَو لتأكيد الأول
وتحقيقه نَحْو مَا قَائِم زيد لَكِن عمرا قَاعد لما قيل مَا قَائِم زيد
فَكَأَنَّهُ يُوهم أَن عمرا مثله لشبه بَينهمَا أَو مُلَابسَة فيرفع
ذَلِك التَّوَهُّم بالاستدراك وَنَحْو لَو قَامَ فلَان لقمت لكنه لم
يقم فأكدت لَكِن مَا دلّت عَلَيْهِ لَو وَكَأَنَّهَا فِي الْمَعْنى
مخرجة لما دخل فِي الأول توهما وَلذَا لَا يَقع بَين وفاقين وَاخْتلف
فِيهَا أَهِي بسيطة أم مركبة فالبصريون على الأول وَأَنَّهَا منتظمة من
خَمْسَة أحرف وَهُوَ أقْصَى مَا جَاءَ عَلَيْهِ الْحَرْف والكوفيون على
الثَّانِي ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ الْفراء هِيَ مركبة من لَكِن سَاكِنة
النُّون وَأَن الْمَفْتُوحَة الْمُشَدّدَة طرحت الْهمزَة فحذفت نون
لَكِن لملاقاتها السَّاكِن وَقَالَ قوم من الْكُوفِيّين هِيَ مركبة من
لَا وَأَن حذفت الْهمزَة وزيدت الْكَاف وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم هِيَ
مركبة من لَا وَكَأن وَاخْتَارَهُ السُّهيْلي فَإِذا قلت قَامَ زيد
لَكِن عمرا لم يقم فكأنك قلت لَا كَأَن عمرا لم يقم وَالْمعْنَى فعل
زيد لَا كَفعل عَمْرو ثمَّ ركبت وغيرت للانتشار بِحَذْف الْهمزَة وَكسر
الْكَاف وَقَالَ السُّهيْلي لما كَانَ أصل كَأَن إِن الْمَكْسُورَة
وَفتحت للكاف كسرت الْكَاف عِنْد حذف الْهمزَة لتدل على الْمَحْذُوف
لِكَثْرَة التَّغْيِير
(1/485)
وَكَأن للتشبيه لَا معنى لَهَا عِنْد
الْبَصرِيين غَيره وَزعم الْكُوفِيُّونَ والزجاجي أَنَّهَا تَأتي
للتحقيق وَالْوُجُوب كَقَوْلِه 493 -
(فَأصْبح بطْنُ مكّة مُقْشَعِراً ... كأنّ الأَرْض لَيْسَ بهَا هِشامُ)
أَي إِن الأَرْض لِأَنَّهُ قد مَاتَ ورثاه بذلك وخرجه ابْن مَالك على
أَن الْكَاف للتَّعْلِيل كاللام أَي لِأَن الأَرْض قلت وَعِنْدِي
تَخْرِيج أحسن من هَذَا وَهُوَ أَنه من بَاب تجاهل الْعَارِف كَقَوْلِه
494 -
(أَيا شَجَر الخَابُور مَا لَك مُورقاً ... كأنكَ لم تَجْزع على ابْن
طَريفِ)
وَزعم الْكُوفِيُّونَ أَنَّهَا تكون للتقريب فِي نَحْو كَأَنَّك
بالشتاء مقبل وكأنك بالفرج آتٍ وكأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل
إِذْ الْمَعْنى تقريب إقبال الشتَاء وإتيان الْفرج وَزَوَال الدُّنْيَا
وَبَقَاء الْآخِرَة وَزعم الْكُوفِيُّونَ والزجاجي أَنَّهَا إِذا كَانَ
خَبَرهَا اسْما جَامِدا كَانَت للتشبيه نَحْو كَأَن زيدا أَسد وَإِذا
كَانَ مشتقا كَانَت للشَّكّ بِمَنْزِلَة ظَنَنْت وتوهمت نَحْو كَانَ
زيدا قَائِم لِأَن الشَّيْء لَا يشبه بِنَفسِهِ وَأجِيب بِأَن الشَّيْء
يشبه فِي حَالَة مَا بِهِ فِي حَالَة أُخْرَى فكأنك شبهت زيدا وَهُوَ
غير قَائِم بِهِ قَائِما أَو التَّقْدِير كَأَن هَيْئَة زيد هَيْئَة
قَائِم وَوَافَقَ الْكُوفِيّين على ذَلِك ابْن الطراوة وَابْن
السَّيِّد وَصرح ابْن السَّيِّد بِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْخَبَر فعلا
أَو جملَة أَو ظرفا فَكَمَا إِذا كَانَ صفة وَقد تدخل كَأَن فِي
التَّنْبِيه وَالْإِنْكَار والتعجب تَقول فعلت كَذَا وَكَذَا كَأَنِّي
لَا أعلم وفعلتم كَذَا كَأَن الله لَا يعلم مَا تَفْعَلُونَ قَالَ
تَعَالَى {ويكأنه لَا يفلح الْكَافِرُونَ} الْقَصَص 82 فَهِيَ للتعجب
على جعل وي مفصولة
(1/486)
وَاخْتلف فِي كَأَن أبسيطة أم مركبة
فَقَالَ بِالْأولِ شرذمة وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّان لِأَن التَّرْكِيب
خلاف الأَصْل فَالْأولى أَن تكون حرفا بسيطا وضع للتشبيه كالكاف
وَقَالَ بِالثَّانِي الْخَلِيل وسيبويه والأخفش وَجُمْهُور الْبَصرِيين
وَالْفراء وَأَنَّهَا مركبة من أَن وكاف التَّشْبِيه وأصل كَأَن زيدا
أَسد إِن زيدا كأسد فالكاف للتشبيه وَأَن مُؤَكدَة لَهُ ثمَّ أَرَادوا
الاهتمام بالتشبيه الَّذِي عقدوا لَهُ الْجُمْلَة فأزالوا الْكَاف من
وسط الْجُمْلَة وقدموها إِلَى أَولهَا لإفراط عنايتهم بالتشبيه
فَلَمَّا دخلت الْكَاف على إِن وَجب فتحهَا لِأَن إِن الْمَكْسُورَة
لَا تقع بعد حرف الْجَرّ وَادّعى الخضراوي أَنه لَا خلاف فِي أَنَّهَا
مركبة من ذَلِك وَاخْتلف على هَذَا هَل تتَعَلَّق هَذِه الْكَاف
بِشَيْء على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا وَهُوَ الصَّحِيح لَا لِأَنَّهَا لما
فَارَقت الْموضع الَّذِي يُمكن أَن تتَعَلَّق فِيهِ بِمَحْذُوف زَالَ
مَا كَانَ لَهَا من التَّعَلُّق وعَلى هَذَا الرضي وَابْن عُصْفُور
وَالثَّانِي نعم وَعَلِيهِ الزّجاج قَالَ الْكَاف فِي مَوضِع رفع
ومدخولها فِي تَأْوِيل الْمصدر وَالْخَبَر مَحْذُوف فَإِذا قلت
كَأَنِّي أَخُوك فالتقدير كأخوتي إياك مَوْجُودَة ورد بِأَن الْعَرَب
لم تظهر قطّ مَا ادّعى اضماره وعَلى عدم التَّعَلُّق هَل هِيَ بَاقِيَة
على جر مدخولها أم لَا؟ احتمالات لِابْنِ جني أقواهما عِنْده الأول
بِدَلِيل فتح الْهمزَة بعْدهَا وليت لِلتَّمَنِّي وَيُقَال لت بإبدال
الْيَاء تَاء وإدغامها فِي التَّاء وَتَكون فِي الْمُمكن وَغَيره نَحْو
لَيْت الشَّبَاب يعود وَلَعَلَّ للترجي فِي المحبوب وللإشفاق فِي
الْمَكْرُوه نَحْو {لَعَلَّ السَّاعَة قريب} الشورى 17 {فلعلك باخع
نَفسك} الْكَهْف 6 وَلَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي الْمُمكن وَزَاد
الْأَخْفَش وَالْكسَائِيّ فِي مَعَانِيهَا التَّعْلِيل وَخرج عَلَيْهِ
{لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى} طه 44
(1/487)
وَزَاد الْكُوفِيُّونَ فِي مَعَانِيهَا
الِاسْتِفْهَام وَخرج عَلَيْهِ {وَمَا يدْريك لَعَلَّه يزكّى} عبس 3
وَحَدِيث لَعَلَّنَا أعجلناك وَزَاد الطوَال فِي مَعَانِيهَا وَأكْثر
الْكُوفِيّين الشَّك والبصريون رجعُوا هَذِه الْمعَانِي كلهَا إِلَى
الترجي والإشفاق وَالْجُمْهُور على أَن لعلى بسيطة ولامها أصل حَكَاهُ
فِي الْبَسِيط عَن الْكُوفِيّين وَأكْثر النَّحْوِيين وَقيل مركبة من
عل وَاللَّام الزَّائِدَة وَقيل من لَام الِابْتِدَاء وفيهَا لُغَات
أخر عدتهَا ثَلَاث عشرَة لُغَة عل بِحَذْف اللَّام قَالَ 495 -
(لَا تُهينَ الفقيرَ علَّك أَن ... تَرْكَعَ يَوْمًا، والدَّهرُ قد
رفَعَهْ)
وَلعن بإبدال اللَّام نونا قَالَ 496 -
(أَخُوك وَلَا تَدْري لعنَّك سَائِلُهْ ... )
وَعَن بِحَذْف اللَّام من هَذِه وَلِأَن بإبدال الْعين همزَة وَاللَّام
نونا قَالَ
(1/488)
497 -
(عُوجا على الطّلل المُحيل لأننا ... نَبكى الدِّيار كَمَا بَكى ابنُ
حِذام)
وَأَن بِحَذْف اللَّام من هَذِه وَخرج عَلَيْهَا {وَمَا يشعركم
أَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ} الْأَنْعَام 109 وَحكي ايت
السُّوق أَنَّك تشتري لنا شَيْئا ورعن بإبدال اللَّام رَاء كَمَا فِي
رجل ورجر ورغن ولغن بالغين الْمُعْجَمَة فيهمَا بَدَلا من الْمُهْملَة
ورعل بِالْمُهْمَلَةِ وَحَكَاهُ فِي الْغرَّة وغن بِالْمُعْجَمَةِ
حَكَاهَا أَبُو حَيَّان وثعلب ولعلت وَهِي أقلهَا اسْتِعْمَالا مَا
قَالَ الْفَارِسِي فِي تَذكرته ولعا وَلَو ان حَكَاهُمَا ... ... ...
... ... وَحكى لَو ان القالي فِي أَمَالِيهِ وَقَالَ قَالَ رجل يمني من
يَدْعُو إِلَى الْمَرْأَة الضَّالة فَقَالَ أَعْرَابِي لَو ان
عَلَيْهَا خمار أسود يُرِيد لَعَلَّ عَلَيْهَا وَأنْشد على لغن
بِالْمُعْجَمَةِ قَول أبي النَّجْم 498 -
(اغْدُ لغَنَّا فِي الرِّهان نُرْسِلُهْ ... )
قَالَ عِيسَى بن عمر سَمِعت أَبَا النَّجْم ينشده هَكَذَا
(1/489)
[عمل " إِن " وَأَخَوَاتهَا عكس عمل "
كَانَ "]
ص مَسْأَلَة تعْمل عكس كَانَ وَقَالَ الكوفية الْخَبَر بَاقٍ وتعدده
ككان وَلَا تخبر بِوَاحِد عَن متعاطفين بتكريرها وَلَا تدخل على مَا
لَا يدْخلهُ دَامَ وَفِيمَا خَبره نهي خلف وَمنع الْأَخْفَش وُقُوع
سَوف خبر لَيْت ومبرمان الْمَاضِي ل لَعَلَّ وَيخْتَص بِجَوَاز أَن
فِيهِ وبالممكن وَجوز الْفراء نصب جزأي لَيْت وَابْن سَلام وَابْن
الطراوة الْبَاقِي وَتَقَع أَن اسْما لَهَا بفصل ولليت بِدُونِهِ وفيسد
عَن الجزأين وَألْحق الْأَخْفَش بليت لَعَلَّ وَكَأن وَلَكِن وَالْفراء
إِن وَأَن ش لما كَانَ لهَذِهِ الأحرف شبه بكان فِي لُزُوم
الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر والاستغناء بهما عملت عَملهَا معكوسا ليكونا
مَعَه كمفعول قدم وفاعل أخر تَنْبِيها على الفرعية وَلِأَن مَعَانِيهَا
فِي الْإِخْبَار فَكَانَت كالعمد والأسماء كالفضلات فأعطيا إعرابيهما
وَلَا خلاف بَين الْفَرِيقَيْنِ أَنَّهَا الناصبة للاسم وَاخْتلف فِي
الْخَبَر فمذهب الْبَصرِيين أَنَّهَا الرافعة لَهُ أَيْضا وَمذهب
الْكُوفِيّين أَنَّهَا لم تعْمل فِيهِ شَيْئا بل هُوَ بَاقٍ على رَفعه
قبل دُخُولهَا وَاسْتدلَّ لَهُ السُّهيْلي بِأَنَّهَا أَضْعَف من
الْأَفْعَال فَلم يجز أَن تعْمل عملهن وَسمع من الْعَرَب نصب الجزأين
بعْدهَا فَقيل هُوَ مؤول وَعَلِيهِ الْجُمْهُور وَقيل سَائِغ فِي
الْجَمِيع وَأَنه لُغَة وَعَلِيهِ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام
وَابْن الطراوة وَابْن السَّيِّد وَقيل خَاص بليت وَعَلِيهِ الْفراء
وَمن الْوَارِد فِي ذَلِك قَوْله 499 -
(إِن حُرَّاسَنا أُسْدَا ... )
(1/490)
وَقَوله 500 -
(إنَّ الْعَجُوز خِبّةً جَرُوزَا ... )
وَقَوله 501 -
(كأنَّ أُذْنَيْه إِذا تشَوَّفا ... قادمةً، أوْ قَلَماً مُحرَّفَا)
وَقَوله 502 -
(أَلا يَا لَيْتني حجرا بوَادٍ ... )
وَقَوله 503 -
(يَا لَيْت أَيّام الصِّبا رَوَاجعا ... )
وَسمع لَعَلَّ زيدا أخانا وَالْجُمْهُور أولُوا ذَلِك وَشبهه على
الْحَال أَو إِضْمَار فعل وَحذف الْخَبَر وَبَقِي فِي الْمَتْن مسَائِل
الأولى فِي جَوَاز تعدد خبر هَذِه الأحرف خلاف قَالَ أَبُو حَيَّان
وَالَّذِي يلوح من مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ الْمَنْع وَهُوَ الَّذِي
يَقْتَضِيهِ الْقيَاس
(1/491)
لِأَنَّهَا إِنَّمَا عملت تَشْبِيها
بِالْفِعْلِ وَالْفِعْل لَا يَقْتَضِي مرفوعين فَكَذَلِك هَذِه مَعَ
أَنه لم يسمع فِي شَيْء من كَلَام الْعَرَب الثَّانِيَة لَا يجوز
الْإِتْيَان بِخَبَر وَاحِد عَن متعاطفين بتكرير إِن فَلَا يُقَال إِن
زيدا وَإِن عمرا مُنْطَلقًا من جِهَة أَن الْخَبَر حِينَئِذٍ يكون
مَعْمُولا لعاملين وَهُوَ لَا يجوز الثَّالِثَة أَلا يكون الْخَبَر فِي
هَذَا الْبَاب مُفردا طلبيا كَمَا لَا يكون فِي دَامَ كَذَلِك وَاخْتلف
فِي جملَة النَّهْي وَصحح ابْن عُصْفُور وُقُوعهَا خَبرا هُنَا لقَوْله
504 -
(إنّ الَّذين قَتَلْتُم أَمْس سيِّدهُمْ ... لَا تَحْسَبوا لَيْلَهُم
عَن لَيْلِكم نَامَا)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَيَنْبَغِي تَخْصِيص ذَلِك ب أَن وَحدهَا
لِأَنَّهَا مورد السماع قَالَ وَالَّذِي نَص عَلَيْهِ شُيُوخنَا
الْمَنْع مُطلقًا وتأولوا الْبَيْت على إِضْمَار القَوْل وَمنع مبرمان
وُقُوع الْمَاضِي خبر ل لَعَلَّ فَلَا يُقَال لَعَلَّ زيدا قَامَ وَمنع
الْأَخْفَش وُقُوع سَوف خَبرا لليت فَلَا يُقَال لَيْت زيدا سَوف يقوم
لِأَن لَيْت لما لم يثبت وسوف لما يثبت واختص خبر لَعَلَّ بِجَوَاز
دُخُول أَن فِيهِ حملا على عَسى قَالَ 505 -
(لعلّهُما أَن يبغيا لَك حِيلةً ... )
وَفِي الحَدِيث لَعَلَّ أحدكُم أَن يكون أَلحن بحجته وَقَوْلِي بالممكن
مر تَقْرِيره
(1/492)
الرَّابِعَة تقع أَن الْمَفْتُوحَة
ومعمولاها اسْما لهَذِهِ الأحرف بِشَرْط الْفَصْل بالْخبر إِلَّا لَيْت
بِلَا شَرط نَحْو إِن عِنْدِي أَنَّك فَاضل وكأنك فِي نَفسِي أَنَّك
فَاضل وَلَا يجوز إِنَّكُم فَاضل وَنَحْوه وَيجوز فِي لَيْت نَحْو
لَيْت أَنَّك عِنْدِي فَيكون أَن ومعمولاها سادة مسد جزأي لَيْت
وَألْحق الْأَخْفَش ب لَيْت فِي ذَلِك لَعَلَّ وَكَأن وَلَكِن نَحْو
لَعَلَّ أَنَّك منطلق وَلَكِن أَنَّك منطلق وَكَأن أَنَّك منطلق قَالَ
الْجرْمِي وَهَذَا رَدِيء فِي الْقيَاس لِأَن هَذِه الْحُرُوف إِنَّمَا
تعْمل فِي الْمُبْتَدَأ وَأَن لَا يبتدأ بهَا وَأَجَازَ هِشَام إِن أَن
زيدا منطلق حق بِمَعْنى إِن انطلاق زيد حق وَأَجَازَ الْكسَائي
وَالْفراء إِدْخَال أَن لقَوْله 506 -
(وَخُبِّرْتُ أَنّ أَنّما بَين بَيته ... ونَجْرَان أَحْوَى،
والْجَنَابُ رَطِيبُ)
قَالَ الْفراء أَدخل أَن على أَنما وَقَالَ الْفراء لَو قَالَ قَائِل
أَنَّك قَائِم يُعجبنِي جَازَ أَن تَقول أَن أَنَّك قَائِم يُعجبنِي
قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا من الْفراء بِنَاء على رَأْيه أَن أَن
يجوز الِابْتِدَاء بهَا ص وَلَا يتَقَدَّم خَبَرهَا بِحَال ويتوسط ظرفا
وَمَعَ معموله وَلَو مَعَ اللَّام خلافًا للفراء وَيجب لما مر ويتوسط
الْمَعْمُول ظرفا خلافًا للأخفش وَحَالا وفَاقا للجلولي ويحذف لقرينه
خبر وَقيل بِشَرْط تنكير الِاسْم وَقيل والتكرير وَيجب مَعَ وَاو مَعَ
وسد حَال وَكَذَا لَيْت شعري قبل اسْتِفْهَام فِي الْأَصَح وَاسم وَقيل
يخْتَص بالشعر وَثَالِثهَا إِن أدّى إِلَى وَلَاء فعل قبح فِي غَيره
وَرَابِعهَا فيهمَا وخامسها مَا لم يرد إِلَى وَلَاء اسْم يصلح لعملها
وسادسها يخْتَص بإن وَأكْثر مَا يكون الشَّأْن وَلَا يجوز إِن قَائِما
الزيدان وَلَا ظَنَنْت خلافًا للكوفية ش فِيهِ مسَائِل الأولى لَا يجوز
تقدم خبر هَذِه الأحرف عَلَيْهَا بِحَال لِأَن عَملهَا بِحَق الفرعية
فَلم يتصرفوا فِيهَا وَأم تَقْدِيمه على الِاسْم دونهَا فَإِن كَانَ
غير ظرف أَو مجرور لم يجز أَيْضا لما ذكر وَإِن كَانَ ظرفا أَو مجرورا
جَازَ للتوسع فيهمَا نَحْو
(1/493)
{إِن لدينا أَنْكَالًا} المزمل 12 {إِن
علينا الْهدى وَإِن لنا للأخرة وَالْأولَى} اللَّيْل 12، 13 وَقد يجب
التَّقْدِيم وَالْحَالة هَذِه كَأَن يتَّصل بِالِاسْمِ ضَمِيره نَحْو
إِن فِي الدَّار ساكنها وَإِن عِنْد هِنْد أخاها وَلَا يجوز إِيلَاء
هَذِه الأحرف مَعْمُول خَبَرهَا فَلَا يُقَال طَعَامك زيدا آكل
بِالْإِجْمَاع فَإِن كَانَ ظرفا أَو مجرورا جَازَ للتوسع فيهمَا
كَقَوْلِه 507 -
(فَلَا تَلْحَنِى فيهمَا فَإِن بحُبَّها ... أخَاك مُصابُ القَلْبِ
جَمٌّ بلاَبُلهْ)
وَمنع الْأَخْفَش قِيَاس ذَلِك وقصره على السماع وَإِن كَانَ حَالا
فالجمهور على الْمَنْع وَأَجَازَهُ أَبُو عَليّ الْحسن بن عَليّ بن
حمدون الْأَسدي الْمَعْرُوف بالجلولي فِي نكته على إِيضَاح الْفَارِسِي
قَالَ لأَنهم قد أجروا الْحَال مجْرى الظّرْف نَحْو إِن ضَاحِكا زيدا
قَائِم الثَّانِيَة يجوز حذف الْخَبَر فِي هَذَا الْبَاب للْعلم بِهِ
كَغَيْرِهِ سَوَاء كَانَ الِاسْم معرفَة أم نكرَة كررت إِن أم لَا
هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ قَالَ يَقُول الرجل هَل لكم أحد إِن النَّاس
ألب عَلَيْكُم فَيَقُول إِن زيدا وَإِن عمرا أَي إِن لنا وَقَالَ 508 -
(إنَّ مَحلاًّ وإنَّ مُرْتَحَلا ... )
(1/494)
أَي لنا فِي الدُّنْيَا محلا وَإِن لنا
عَنْهَا مرتحلا وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنه لَا يجوز إِلَّا إِذا
كَانَ الِاسْم نكرَة وَذهب الْفراء إِلَى أَنه لَا يجوز فِي معرفَة
وَلَا نكرَة إِلَّا إِن كَانَ بالتكرير كالبيت والمثال ورد المذهبان
بِالسَّمَاعِ قَالَ تَعَالَى {إِن الَّذين كفرُوا بِالذكر لما
جَاءَهُم} فصلت 41 الْآيَة أَي يُعَذبُونَ وَقَالَ الشَّاعِر 509 -
(أتَوْنى فَقَالُوا يَا جَمِيلُ تَبدّلت ... بُثَيْنَةُ أبْدالاً،
فَقلت لَعلّها)
أَي تبدلت وَيجب حذف الْخَبَر إِذا سدت مسده وَاو المصاحبة حكى
سِيبَوَيْهٍ إِنَّك مَا وَخيرا إِي إِنَّك مَعَ خير وَمَا زَائِدَة
وَحكى الْكسَائي إِن كل ثوب لَو ثمنه بِإِدْخَال اللَّام على الْوَاو
أَو سد مسده حَال كَقَوْلِه 510 -
(إِن اختيارَك مَا تبغيه ذَا ثِقَةٍ ... باللَّهِ مُسْتَظْهراً بالحزْم
والجَلَدِ)
وَكَذَا لَيْت شعري إِذا أرْدف باستفهام كَقَوْلِه 511 -
(أَلا لَيْت شِعْري كَيْف حَادِث وَصْلِها ... )
فشعري مصدر اسْم لَيْت وَالْخَبَر مُلْتَزم الْحَذف وَالتَّقْدِير
لَيْت شعري بِكَذَا ثَابت أَو مَوْجُود أَو وَاقع وَجُمْلَة
الِاسْتِفْهَام فِي مَوضِع نصب بِالْمَصْدَرِ وَعلة الْحَذف كَونه فِي
معنى لَيْتَني أشعر وسد الْجُمْلَة بعده عَن الْمَحْذُوف وَمُقَابل
الْأَصَح فِيهِ قَول الْمبرد والزجاج إِن جملَة الِاسْتِفْهَام فِي
مَحل رفع خبر لَيْت وَالتَّقْدِير لَيْت علمي وَاقع بكيف حَادث وَصلهَا
ثمَّ حذف وأضاف اتساعا
(1/495)
ورد بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْإِخْبَار
فِي هَذَا الْبَاب بِالْجُمْلَةِ الطلبية وَإِلَى خلو الْجُمْلَة
الْمخبر بهَا عَن الرابط الثَّالِثَة فِي جَوَاز حذف الِاسْم فِي هَذَا
الْبَاب للْعلم بِهِ مَذَاهِب أَحدهَا الْجَوَاز مُطلقًا وَعَلِيهِ
الْأَكْثَر حكى سِيبَوَيْهٍ عَن الْخَلِيل إِن بك زيد مَأْخُوذ أَي
إِنَّه وَحكى الْأَخْفَش إِن بك مَأْخُوذ أَخَوَاك وَقَالَ الشَّاعِر
512 -
(فَلَو كنت ضَبِّيّاً عَرَفْتَ قَرَابَتِى ... ولكنَّ زَنْجىٌّ عظيمُ
المَشَافِر)
أَي وَلَكِنَّك وَقَالَ 513 -
(فليت دَفَعْت الهمّ عنّي سَاعَةً ... )
أَي فليتك الثَّانِي أَنه خَاص بالشعر وَصَححهُ ابْن عُصْفُور والسخاوي
فِي شرح الْمفصل الثَّالِث أَنه حسن فِي الشّعْر وَغَيره مَا لم يؤد
حذفه إِلَى أَن يَلِي إِن وَأَخَوَاتهَا فعل فَإِنَّهُ إِذْ ذَاك يقبح
فِي الْكَلَام قيل وَفِي الشّعْر أَيْضا وَهَذَا هُوَ القَوْل
الرَّابِع لِأَنَّهَا حُرُوف طالبة للأسماء فاستنقبحوا مباشرتها
الْأَفْعَال الْخَامِس أَنه حسن فيهمَا إِن لم يؤد الْحَذف إِلَى أَن
يلى إِن وَأَخَوَاتهَا اسْم يَصح عَملهَا فِيهِ نَحْو إِن فِي الدَّار
قَامَ زيد وَقَوله
(1/496)
514 -
(كَأَن على عِرْنينِه وجَبينِه ... أَقَامَ شُعَاعُ الشَّمس أَو طلَع
البدْرُ)
وَقَوله 515 -
(إنّ مَنْ يدْخل الكنيسةَ يَوْمًا ... يَلْقَ فِيهَا جآذراً وظِباءَ)
فَإِن الشَّرْط لَا يحسن عمل إِن فِيهِ فَإِن أدّى إِلَى ذَلِك لم يجز
نَحْو إِنَّه زيد قَائِم فَلَا يجوز حذف الضَّمِير السَّادِس أَن
الْحَذف خَاص بإن دون سَائِر أخواتها وَنَقله أَبُو حَيَّان عَن
الْكُوفِيّين وَأكْثر مَا يكون الِاسْم إِذا حذف ضمير الشَّأْن وَقد
يكون غَيره كَمَا تقدم فِي وَلَكِنَّك وليتك الرَّابِعَة لَا يجوز
هُنَا إِن قَائِما الزيدان كَمَا لَا يجوز ذَلِك فِي الْمُبْتَدَأ دون
اسْتِفْهَام أَو نفي وَأَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ والأخفش بِنَاء على
إِجَازَته فِي الْمُبْتَدَأ فَجعلُوا قَائِما اسْم إِن والزيدان فَاعل
بِهِ سد مسد خَبَرهَا وَالْخلاف جَار فِي بَاب ظن فَمن أجَاز فِي
الْمُبْتَدَأ وَهنا أجَاز ظَنَنْت قَائِما الزيدان وَمن منع منع وَابْن
مَالك وافقهم على الْجَوَاز فِي الْمُبْتَدَأ وَمنع فِي بَاب إِن وَظن
وَفرق بِأَن أَعمال الصّفة عمل الْفِعْل فرع إِعْمَال الْفِعْل فَلَا
يستباح إِلَّا فِي مَوضِع يَقع فِيهِ الْفِعْل فَلَا يلْزم من تَجْوِيز
قَائِم الزيدان جَوَاز إِن قَائِما الزيدان وَلَا ظَنَنْت قَائِما
الزيدان لصِحَّة وُقُوع الْفِعْل موقع المتجرد من إِن وظننت
وَامْتِنَاع وُقُوعه بعدهمَا
(1/497)
[أَحْوَال إِن]
ص مَسْأَلَة تكسر إِن صلَة وَحَالا ومحكية بقول وَقبل لَام معلقَة
خلافًا للمازني مُطلقًا وللفراء إِن طَال وَكَذَا خبر عين ومبدوءا بهَا
فِي الْأَصَح وَجَوَاب الْقسم وَجوز قوم الْفَتْح وَاخْتَارَهُ قوم
وأوجبه الْفراء وتفتح بعد لَوْلَا وَلَو وَمَا الظَّرْفِيَّة وَحَتَّى
غير الابتدائية وَأم بِمَعْنى حَقًا وَلَا جرم غَالِبا وَمَوْضِع جر
أَو رفع فعل أَو ابْتِدَاء أَو نصب غير خبر وتؤول حِينَئِذٍ بمصدر
وَأنْكرهُ السُّهيْلي ويجوزان بعد إِذا فَجْأَة وَفَاء جَزَاء وَأي
المفسرة وَأول قولي وَفِي الْكسر بعد مذ ومنذ خلاف |