همع الهوامع في شرح جمع الجوامع حذف الْمَفْعُول بِهِ
(ص) ويحذف الْمَفْعُول لَا نَائِب ومتعجب مِنْهُ وَجَوَاب ومحصور
ومحذوف عَامله حتما وَكَذَا نَحْو زيد ضَربته خلافًا للكوفية وينوى
إِلَّا لتضمين الْفِعْل اللُّزُوم أَو الإيذان بالتعميم أَو غَرَض حذف
الْفَاعِل وَمَتى حذف بعد لَو فَهُوَ جوابها غَالِبا ويجر بِالْبَاء
الزَّائِدَة كثيرا مفعول عرفت وَنَحْوه نَحْو {وَلَا تلقوا
بِأَيْدِيكُمْ} [الْبَقَرَة: 195] وقليلا فِي ذِي اثْنَيْنِ وَنَحْو
كفي بِالْمَرْءِ كذبا أَن يحدث بِكُل مَا سمع (ش) فِيهِ مسَائِل الأولى
الأَصْل جَوَاز حذف الْمَفْعُول بِهِ لِأَنَّهُ فضلَة وَيمْنَع فِي صور
أَحدهَا أَن يكون نَائِبا عَن الْفَاعِل لِأَنَّهُ صَار عُمْدَة
كالفاعل
(2/11)
ثَانِيهَا أَن يكون مُتَعَجِّبا مِنْهُ
نَحْو مَا أحسن زيدا ثَالِثهَا أَن يكون مجابا بِهِ ك (زيدا) لمن قَالَ
من رَأَيْت إِذْ لَو حذف لم يحصل جَوَاب رَابِعهَا أَن يكون محصورا
نَحْو مَا ضربت إِلَّا زيدا إِذْ لَو حذف لأفهم نفي الضَّرْب مُطلقًا
وَالْمَقْصُود نَفْيه مُقَيّدا خَامِسهَا أَن يكون عَامله حذف نَحْو
خيرا لنا وشرا لعدونا لِئَلَّا يلْزم الإجحاف سادسها إِذا كَانَ
الْمُبْتَدَأ غير (كل) والعائد الْمَفْعُول نَحْو زيد ضَربته فَلَا
يُقَال اخْتِيَارا زيد ضربت بِحَذْف الْعَائِد وَرفع زيد بل يجب عِنْد
الْحَذف نصب زيد قَالَ الصفار وَأَجَازَ سِيبَوَيْهٍ فِي الشّعْر (زيد
ضربت) وَمنع ذَلِك الْكسَائي وَالْفراء وَأَصْحَاب سِيبَوَيْهٍ حُكيَ
عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ لَا يضْطَر شَاعِر إِلَى هَذَا لِأَن
وزن الْمَرْفُوع والمنصوب وَاحِد
(2/12)
وَنقل عَن هِشَام أَنه أجَاز زيد ضربت فِي
الِاخْتِيَار هَكَذَا نقل أَبُو حَيَّان وَنقل ابْن مَالك عَن
الْبَصرِيين الْجَوَاز فِي الِاخْتِيَار وَعَن الْكُوفِيّين الْمَنْع
إِلَّا فِي الشّعْر وَالله أعلم الثَّانِيَة إِذا حذف الْمَفْعُول نوي
لدَلِيل عَلَيْهِ نَحْو {فَعَالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107] أَي لما
يُريدهُ وَقد لَا يَنْوِي إِمَّا لتضمين الْفِعْل الْمُتَعَدِّي معنى
يَقْتَضِي اللُّزُوم كَمَا يضمن اللَّازِم معنى يَقْتَضِي التَّعْدِيَة
كتضمن (أصلح) معني (الطف) فِي قَوْله تَعَالَى {وَأصْلح لي فِي ذريتي}
[الْأَحْقَاف: 15] أَي ألطف بِي فيهم وَإِمَّا للإيذان بالتعميم نَحْو
{يُحيِ وَيُمِيتُ} [الْبَقَرَة: 258] يُعْطي وَيمْنَع ويصل وَيقطع
وَإِمَّا لبَعض الْأَغْرَاض السَّابِقَة فِي حذف الْفَاعِل كالإيجاز
فِي {واسمعوا وَأَطيعُوا} [التغابن: 16] والمشاكلة فِي {وَأَن إِلَى
رَبك الْمُنْتَهى وَأَنه هُوَ أضْحك وأبكى} [النَّجْم: 42، 43]
وَالْعلم فِي {فَإِن لم تَفعلُوا وَلنْ تَفعلُوا} [الْبَقَرَة: 24]
وَالْجهل فِي قَوْلك ولدت فُلَانَة وَأَنت لَا تَدْرِي مَا ولدت وَعدم
قصد التَّعْيِين فِي {وَمن يظلم مِنْكُم نذقه عذَابا} [الْفرْقَان: 19]
والتعظيم فِي {كتب الله لأغلبن أَنا ورسلي} [المجادلة: 21] وَالْخَوْف
فِي أبغضت فِي الله وَلَا تذكر المبغوض خوفًا مِنْهُ الثَّالِثَة إِذا
حذف الْمَفْعُول بعد (لَو) فَهُوَ الْمَذْكُور فِي جوابها غَالِبا
نَحْو {وَلَو شَاءَ رَبك لآمن من فِي الأَرْض} [يُونُس: 99] أَي وَلَو
شَاءَ إِيمَان من فِي الأَرْض {لَو يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ
جَمِيعاً} [الرَّعْد: 31] أَي لَو يَشَاء هدى النَّاس وَقد لَا يكون
كَذَلِك كَقَوْلِه تَعَالَى {قَالُوا لَو شَاءَ رَبنَا لأنزل
مَلَائِكَة} [فصلت: 14] فَإِن الْمَعْنى لَو شَاءَ رَبنَا إرْسَال
الرُّسُل لأنزل مَلَائِكَة بِقَرِينَة السِّيَاق الرَّابِعَة تزاد
الْبَاء كثيرا فِي مفعول عرفت وَنَحْوه وَمِمَّا زيدت فِيهِ الْبَاء
فِي الْمَفْعُول نَحْو {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة}
[الْبَقَرَة: 195] {وهزي إِلَيْك بجذع النَّخْلَة} [مَرْيَم: 25]
{فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الْحَج: 15]
(2/13)
{وَمن يرد فِيهِ بإلحاد} [الْحَج: 25] أَي
أَيْدِيكُم وجذع النَّخْلَة وسببا وإلحادا وقلّت زيادتها فِي مفعول مَا
يتَعَدَّى لاثْنَيْنِ كَقَوْلِه 644 -
(تَسْقى الضَّجيع بباردٍ بسّام ... )
وَقد زيدت فِي مفعول كفى المتعدية لوَاحِد وَمِنْه الحَدِيث
(كفى بِالْمَرْءِ كذبا أَن يحدث بِكُل مَا سمع) وَقَوله 645 -
(فَكفى بِنَا فَضْلاً على مَن غَيرنا ... حب النّبيِّ محمّدٍ إيّانا)
تعدد الْمَفْعُول بِهِ
(ص) مَسْأَلَة إِذا تعدد مفعول فِي غير ظن فَالْأَصْل تَقْدِيم فَاعل
معنى وَمَا لَا يتَعَدَّى بِحرف وَمن ثمَّ جَازَ خلافًا لهشام
أَعْطَيْت درهمه زيدا ودرهمه أَعْطَيْت زيدا وَثَالِثهَا يمْنَع الأول
دون الثَّانِي وَامْتنع خلافًا للكوفية أَعْطَيْت مَالِكه الْغُلَام
وَيجب وَيمْنَع لما مر
(2/14)
(ش) إِذا تعدد الْمَفْعُول فَإِن كَانَ فِي
بَاب ظن وَأعلم فمعلوم أَن الْمُبْتَدَأ فيهمَا مقدم على الْخَبَر
وَالْفَاعِل فِي بَاب أعلم مقدم على الِاثْنَيْنِ وَإِن كَانَ فِي
غَيره كباب أعْطى وَاخْتَارَ فَالْأَصْل تَقْدِيم مَا هُوَ فَاعل معنى
فِي الأول وَمَا يتَعَدَّى إِلَيْهِ الْفِعْل بِنَفسِهِ فِي الثَّانِي
على مَا لَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ أقوى فَالْأَصْل فِي أَعْطَيْت زيدا
درهما واخترت زيدا الرِّجَال تَقْدِيم زيد لِأَنَّهُ آخذ الدِّرْهَم
ومختار من الرِّجَال وَيتَفَرَّع على ذَلِك جَوَاز تَقْدِيم
الْمَفْعُول الثَّانِي إِذا اتَّصل بِهِ ضمير يعود على الأول إِمَّا
عَلَيْهِ فَقَط نَحْو أَعْطَيْت درهمه زيدا أَو على الْعَامِل أَيْضا
نَحْو درهمه أَعْطَيْت زيدا لعود الضَّمِير على مُتَقَدم فِي
الرُّتْبَة وَإِن تَأَخّر فِي اللَّفْظ فَهُوَ نَظِير ضرب غُلَامه زيد
وَالْجَوَاز فِي الصُّورَتَيْنِ مَذْهَب أَكثر الْبَصرِيين خلافًا
لهشام فِي مَنعه لَهما ولبعض الْبَصرِيين فِي مَنعه الأولي دون
الثَّانِيَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَبنى مَنعه على أَن المفعولين فِي
رُتْبَة وَاحِدَة بعد الْفَاعِل فَأَيّهمَا تقدم فَذَلِك مَكَانَهُ
بِخِلَاف مَا إِذا قدم على الْفِعْل فَإِن النِّيَّة بِهِ التَّأْخِير
وَحِينَئِذٍ ينوى تَقْدِيره بعد الْمَفْعُول الَّذِي يعود عَلَيْهِ
الضَّمِير وَمِمَّا يفرع على الأَصْل أَيْضا امْتنَاع أَعْطَيْت
مَالِكه الْغُلَام لعود الضَّمِير على مُؤخر لفظا ورتبة لِأَن
الْمَالِك هُوَ الْآخِذ فَهُوَ نَظِير ضرب غُلَامه زيد والكوفيون جوزوا
ذَلِك على تَقْدِير تنَاول الْفِعْل الْغُلَام أَولا فَالْأول عِنْدهم
هُوَ الَّذِي يقدر الْفِعْل آخِذا لَهُ قبل صَاحبه وَقد يخرج عَن هَذَا
الأَصْل فَيُقَال أَعْطَيْت درهما زيدا واخترت الرِّجَال زيدا
بِتَأْخِير مَا حَقه التَّقْدِيم وَقد يجب الْتِزَام الأَصْل فِي نَحْو
أَعْطَيْت زيدا عمرا لِأَنَّهُ لَو قدم لم يدر أَزِيد آخذ أم مَأْخُوذ
وَقد يجب الْخُرُوج عَنهُ فِي نَحْو أَعْطَيْت الْغُلَام مَالِكه ليعود
الضَّمِير على مُتَقَدم وَيُؤَخر المحصور مِنْهُمَا نَحْو مَا
أَعْطَيْت زيدا إِلَّا درهما وَمَا أَعْطَيْت درهما إِلَّا زيدا
(2/15)
أوجه حذف ناصب الْمَفْعُول بِهِ جَوَازًا
ووجوبا
(ص) مَسْأَلَة يحذف عَامله قِيَاسا لقَرِينَة وَيجب سَمَاعا فِي مثل
وَشبهه لَا إِن لم يكثر اسْتِعْمَاله خلافًا للزمخشريي ك (الْكلاب على
الْبَقر) {انْتَهوا خيرا} [النِّسَاء: 171] (أحشفا وَسُوء كيلة) (من
أَنْت زيدا) (كل شَيْء وَلَا هَذَا) (هَذَا وَلَا زعماتك) إِن تأتني
فَأهل اللَّيْل وَأهل النَّهَار ديار الأحباب، عذيرك وَكَذَا
(مرْحَبًا) وَأهلا وسهلا خَبرا لَا دُعَاء فَمن بَاب الْمصدر وَقيل
مصدر مُطلقًا وَقيل يَجْعَل الْمَنْصُوب مُبْتَدأ أَو خَبرا فَيلْزم
حذف متمه وَالأَصَح أَن مِنْهُ (سبوحا) و (قدوسا) على النصب
(2/16)
(ش) يجوز حذف ناصب الْمَفْعُول بِهِ
قِيَاسا لقَرِينَة لفظية أَو معنوية نَحْو (زيدا) لمن قَالَ من ضربت
أَي ضربت وَلمن شرع فِي إِعْطَاء أَي أعْط و (خيرا) لمن ذكر رُؤْيا أَي
رَأَيْت و (حَدِيثك) لمن قطع حَدِيثه أَي تمم و (مَكَّة) لمن تأهب
لِلْحَجِّ أَي تُرِيدُ أَو أَرَادَ و (القرطاس) لمن سد سَهْما أَي تصيب
وَمعنى كَونه قِيَاسا أَنَّهَا لَا يقْتَصر فِيهِ على مورد السماع
وَمِنْه فِي الْقُرْآن {مَاذَا أَنَزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً}
[النَّحْل: 30] أَي أنزل {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [الْبَقَرَة:
135] أَي نتبع وَيجب الْحَذف سَمَاعا فِي الْأَمْثَال الَّتِي جرت
كَذَلِك فَلَا تغير كَقَوْلِهِم (كل شَيْء وَلَا شتيمة حر) أَي ائْتِ
وَلَا ترتكب و (هَذَا وَلَا زعماتك) أَي هَذَا هُوَ الْحق وَلَا أتوهم
وَقيل التَّقْدِير وَلَا أزعم وَكَذَا مَا أشبه الْمثل فِي كثر
الِاسْتِعْمَال نَحْو {انتَهُوا خَيراً لَكُمْ} [النِّسَاء: 171] أَي
وَأتوا بِخِلَاف مَا لم يكثر اسْتِعْمَاله نَحْو انته أمرا قَاصِدا أَي
وأت فَإِنَّهُ لَا يجب إِضْمَار فعل قَالَ أَبُو حَيَّان وَقد غفل
الزَّمَخْشَرِيّ عَن هَذَا فَجعل (انْتَهوا خيرا) مِنْهُ وانته أمرا
قَاصِدا سَوَاء فِي جَوَاب إِضْمَار الْفِعْل وَقد نَص سِيبَوَيْهٍ على
أَنه لَا يجب إِضْمَار الْفِعْل فِي (انته أمرا قَاصِدا) وَعلل ذَلِك
بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَثْرَة الِاسْتِعْمَال مثل انته خيرا لَك
وَقَوْلهمْ (الْكلاب على الْبَقر) بإضمار (أرسل) وَمَعْنَاهُ خل بَين
النَّاس جَمِيعًا خَيرهمْ وشرهم واغتنم أَنْت طَرِيق السَّلامَة
فاسلكها
(2/17)
وَقَوْلهمْ (أحشفا وَسُوء كيلة) مثل لمن
يظلم النَّاس من وَجْهَيْن وَمَعْنَاهُ تُعْطِينِي حشفا وتسيء الْكَيْل
وَأما (من أَنْت زيدا) فأصله أَن رجلا غير مَعْرُوف بِفضل تسمى بزيد
وَكَانَ زيد مَشْهُورا بِالْفَضْلِ والشجاعة فَلَمَّا تسمى الرجل
الْمَجْهُول باسم ذِي الْفضل دفع عَن ذَلِك وَقيل لَهُ من أَنْت زيدا
على جِهَة الْإِنْكَار عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ من أَنْت تذكر زيدا
أَو ذَاكِرًا زيدا وَفِي قَوْلهم من أَنْت تحقير للمخاطب وَقد يُقَال
لمن لَيْسَ اسْمه زيدا (من أَنْت) زيدا على الْمثل الْجَارِي وَأما (كل
شَيْء وَلَا هَذَا) فَمَعْنَاه ائْتِ كل شَيْء وَلَا تأت هَذَا أَو
اقْربْ كل شَيْء وَلَا تقرب هَذَا وَأما (هَذَا وَلَا زعماتك)
فَمَعْنَاه أَن الْمُخَاطب كَانَ يزْعم زعمات فَلَمَّا ظهر خلاف قَوْله
قيل لَهُ (هَذَا) الْكَلَام وَهَذَا مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي هَذَا
الْحق وَلَا يخْتَص بِهَذَا اللَّفْظ بل تَقول أَقُول كَذَا وَلَا
زعماتك وَأعلم كَذَا وَلَا زعماتك وَأما (إِن تأتني فَأهل اللَّيْل
وَأهل النَّهَار) فَالْمَعْنى تَجِد من يقوم لَك مقَام أهلك فِي
اللَّيْل وَالنَّهَار وَهُوَ مِمَّا يجرى مجْرى الْمثل فِي كَثْرَة
الِاسْتِعْمَال وَأما (ديار الأحباب) فَمَعْنَاه اذكر قَالَ أَبُو
حَيَّان إِن أَرَادَ ابْن مَالك هَذَا اللَّفْظ بِخُصُوصِهِ فَيحْتَاج
إِلَى سَماع وَلم نقف عَلَيْهِ وَإِن أَرَادَ لفظ (ديار) مُضَافا إِلَى
اسْم المحبوبة فكثير قَالَ ذُو الرمة 646 -
(ديارَ ميّةَ إذْ مَيٌّ تُساعِفُنا ... )
(2/18)
وَقَالَ طرفَة 647 -
(ديارَ سُلَيْمَى إذْ تصيدُكَ بالمُنى ... )
وَفِي الْبَسِيط مَا نَصه وَمِنْهَا ذكر الدَّار فَإِنَّهُ كثر عِنْدهم
فاستعملوه بِحَذْف الْفَاعِل كَقَوْلِه (ديار مية) أَي اذكر وَمثله ذكر
الْأَيَّام والمعاهد والدمن لِأَنَّهُ يسْتَعْمل عِنْدهم كثيرا وَأما
عذيرك فَمَعْنَاه أحضر عاذرك قَالَ 648 -
(أُرِيد حياتَهُ وَيُرِيد قَتْلَى ... عَذِيرك مِنْ خَليلٍ مِنْ
مُرادٍ)
وَأما مرْحَبًا وَأهلا وسهلا فَالْمَعْنى صادفت رحبا وسعة وَمن يقوم
لَك مقَام الْأَهْل وسهلا أَي لينًا وخفضا لَا حزنا وَهَذَا يسْتَعْمل
خَبرا لمن قصدك وَدُعَاء
(2/19)
للْمُسَافِر وَالْأول هُوَ المُرَاد هُنَا
وَأما الثَّانِي فتقديره لقاك الله ذَلِك وَقدره سِيبَوَيْهٍ رَحبَتْ
بلادك وأهلت قَالَ أَبُو حَيَّان وَإِنَّمَا قدره بِفعل لِأَن
الدُّعَاء إِنَّمَا يكون بِالْفِعْلِ فقدره بِفعل من لفظ الشَّيْء
الْمَدْعُو بِهِ فعلى تَقْدِير سِيبَوَيْهٍ يكون انتصاب (مرْحَبًا) على
الْمصدر لَا على الْمَفْعُول بِهِ وَكَذَلِكَ (أَهلا) قَالَ وَهَذَا
الَّذِي قدره سِيبَوَيْهٍ إِنَّمَا هُوَ إِذا اسْتعْمل دُعَاء أما إِذا
اسْتعْمل خَبرا على تَقْدِير صادفت وأصبت فَيكون مَفْعُولا بِهِ لَا
مصدرا قَالَ وَوهم القواس فنسب لسيبويه أَن (مرْحَبًا) مفعول بِهِ أَي
صادفت رحبا لَا ضيقا وَأَن مَذْهَب غَيره أَنه مصدر بدل عَن اللَّفْظ
بِفِعْلِهِ وَمن الْعَرَب من يرفع الْمَنْصُوب فِي هَذِه الْأَمْثِلَة
وَنَحْوهَا على الِابْتِدَاء أَو الْخَبَر فَيلْزم حذف الْجُزْء الآخر
كَمَا لزمَه إِضْمَار الناصب نَحْو كل شَيْء أَي أُمَم بِمَعْنى قصد
وديار الأحباب أَي تِلْكَ و (كِلَاهُمَا وَتَمْرًا) أَي لي وزدني وَمن
أَنْت وَزيد أَي ذكرك أَو كلامك وَكَذَا الْبَوَاقِي قَالَ 649 -
(أَلا مَرْحبٌ واديكَ غَيرُ مضيّقٍ ... )
د أَي لَا هَذَا مرحب أَو لَك مرحب وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ
(2/20)
650 -
(وبالسّهْبِ ميمونُ النّقيبة قولهُ ... لِمُلْتَمِس الْمَعْرُوف أهلٌ
ومرحبُ)
وَأما سبوح قدوس فيقالان بِالرَّفْع عِنْد سَماع من يذكر الله على
إِضْمَار (مذكورك) فليسا بمصدرين وَبِالنَّصبِ على إِضْمَار ذكرت سبوحا
قدوسا أَي أهل ذَلِك فَاخْتلف على هَذَا الْفِعْل الناصب وَاجِب
الْإِضْمَار أَو جائزه فَقَالَ الشلوبين وَجَمَاعَة بِالْأولِ
وَآخَرُونَ بِالثَّانِي
(2/21)
التحذير
(ص) وَمِنْه مَا نصب تحذيرا إِن كَانَ (إيا) أَو مكررا أَو متعاطفا
وَإِلَّا فَيجوز إِظْهَاره وَأَجَازَهُ قوم من المكرر وَلَا يحذف عاطف
بعد (إيا) إِلَّا بِنصب الْمَحْذُوف بإضمار آخر أَو جَرّه بِمن
وَيَكْفِي تَقْدِيره فِي أَن تفعل ويعطف الْمَحْذُور على إيَّايَ
وإيانا وعَلى إياك وَإِخْوَته ونفسك شبهه من الْمُخَاطب ويضمر مَا
يَلِيق ك (نح) وأتق وَقيل لكل ناصب وَلَا يحذر من ظَاهر وَضمير غَائِب
إِلَّا مَعْطُوفًا وَالضَّمِير هُنَا مؤكدا ومعطوفا عَلَيْهِ
كَغَيْرِهِ (ش) من الْمَنْصُوب على الْمَفْعُول بِهِ بإضمار فعل لَا
يظْهر بَاب التحذير وَهُوَ إِلْزَام الْمُخَاطب الِاحْتِرَاز من
مَكْرُوه ب (إيا) أَو مَا جري مجْرَاه وَإِنَّمَا يلْزم إضماره مَعَ
(إيا) مُطلقًا نَحْو إياك وَالشَّر فالناصب ل (إيا) فعل مُضْمر لَا
يجوز إِظْهَاره وَمَعَ المكرر نَحْو الْأسد الْأسد لِأَن أحد الاسمين
قَامَ مقَام الْفَاعِل وَمَعَ العاطف نَحْو {نَاقَةَ اللهِ
وَسُقْيَهَا} [الشَّمْس: 13] اسْتغْنَاء بِذكر المحذر مِنْهُ عَن ذكر
المحذر وَمَا عدا هَذِه الصُّور الثَّلَاث يجوز فِيهِ الْإِظْهَار
وَجوز بَعضهم إِظْهَار الْعَامِل مَعَ المكرر حَكَاهُ فِي الْبَسِيط
وَقَالَ الْجُزُولِيّ يقبح فِيهِ الْإِظْهَار وَلَا يتمنع وَيمْتَنع
عِنْد قوم والشائع فِي التحذير أَن يُرَاد بِهِ الْمُخَاطب فَإِذا حذر
ب (إيا) اتَّصل بضميره وَعطف عَلَيْهِ الْمَحْذُور نَحْو إياكَ أَو
إياكِ أَو إياكما أَو إيَّاكُمْ أَو إياكن وَالشَّر ويضمر فعل أَمر
يَلِيق بِالْحَال نَحْو اتَّقِ وباعد ونح وخل ودع وَمَا أشبه ذَلِك
(2/22)
وتحذر نَفسك وَشبهه من الْمُضَاف إِلَى
الْمُخَاطب مَعْطُوفًا عَلَيْهِ الْمَحْذُور أَيْضا بإضمار مَا ذكر
نَحْو رَأسك والحائط ورجلك وَالْحجر وعينك وَالنَّظَر إِلَى مَا لَا
يحل وفمك وَالْحرَام وَكَونه مَعْطُوفًا مَذْهَب السيرافي وَجَمَاعَة
وَأَجَازَهُ ابْن عُصْفُور وَابْن مَالك وَذهب ابْن طَاهِر وَابْن خروف
إِلَى أَن الثَّانِي مَنْصُوب بِفعل آخر مُضْمر وَالتَّقْدِير إياك
باعد من الشَّرّ وَاحْذَرْ الشَّرّ فَيكون الْكَلَام جملتين وعَلى
الأول يكون جملَة وَاحِدَة وَالتَّقْدِير إياك باعد من الشَّرّ
وَالشَّر مِنْك فَكل مِنْهُمَا مباعد عَن الآخر وَلَا يحذف العاطف بعد
(إيا) إِلَّا والمحذور مَنْصُوب بناصب آخر مُضْمر أَو مجرور ب (من)
نَحْو إياك الشَّرّ فَلَا يجوز أَن يكون الشَّرّ مَنْصُوبًا بِمَا
انتصب بِهِ (إياك) بل بِفعل آخر تَقْدِيره دع الشَّرّ وَإِيَّاك (من)
الشَّرّ وَيجوز تَقْدِير من مَعَ أَن تفعل لاطراد حذف الْجَرّ مَعَ أَن
إِذا أَمن اللّبْس نَحْو إياك أَن تفعل أَي من أَن تفعل وَقد يكون
التحذير للمتكلم سمع (إيَّايَ وَأَن يحذف أحدكُم الأرنب) أَي إيَّايَ
نح عَن حذف الأرنب ونح حذف الأرنب عَن حضرتي
(2/23)
وَلَا يكون الْمَحْذُور ظَاهرا وَلَا ضمير
غَائِب إِلَّا وَهُوَ مَعْطُوف نَحْو إياك وَالشَّر وماز رَأسك وَالسيف
وَقَوله 651 -
(فَلَا تصْحَب أَخا الجَهْل ... وإيّاك وإيّاهُ)
أَي باعد مِنْهُ وباعده مِنْك وَأما قَوْلهم (أَعور عَيْنك الْحجر)
فعلى حذف العاطف أَي وَالْحجر وَقَوْلهمْ فإياه وإيا الشواب شَاذ أَي
ليتباعد من النِّسَاء الشواب ويباعدهن مِنْهُ
(2/24)
وَحكم الضَّمِير فِي هَذَا الْبَاب مؤكدا
ومعطوفا عَلَيْهِ حكمه فِي غَيره وَهنا ضميران أَحدهمَا لفظ إياك
وَالْآخر مَا تضمنه (إياك) من الضَّمِير الْمُنْتَقل إِلَيْهِ من
الْفِعْل الناصب لَهُ فَإِذا أكدت قلت إياك نَفسك أَن تفعل أَو أياك
نَفسك وَالشَّر وَأَنت بِالْخِيَارِ فِي تأكيده ب (أَنْت) قبل النَّفس
وَتَركه وَإِذا أكدت الضَّمِير المستكن فِي إياك قلت (إياك) أَنْت
نَفسك أَن تفعل أَو إياك أَنْت نَفسك وَالشَّر وَإِذا عطفت على (إياك)
قلت إياك وزيدا والأسد وَكَذَا رَأسك ورجليك وَالضَّرْب وَأَنت
بِالْخِيَارِ فِي تأكيده ب (أَنْت) وَإِذا عطفت على الضَّمِير المستكن
فَقلت (إياك وزيدا أَن تفعل) كَانَ قبيحا حَتَّى تؤكده ب (أَنْت) ثمَّ
الْفِعْل الْمُضمر فِي هَذَا الْبَاب يجب تَقْدِيره بعد (إيا) وَلَا
يجوز تَقْدِيره قبلهَا وَأَن الأَصْل باعدك مثلا فَلَمَّا حذف انْفَصل
الضَّمِير لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ تعدِي الْفِعْل الرافع لضمير
الْفَاعِل إِلَى ضَمِيره الْمُتَّصِل وَذَلِكَ لَا يجوز إِلَّا فِي
أَفعَال الْقُلُوب وَمَا حمل عَلَيْهِ إِلَّا فِي (إيَّايَ) إِذا قدر
ناصبه فعل أَمر فَإِنَّهُ يجوز لانْتِفَاء هَذَا الْمَحْذُور
(2/25)
الإغراء
(ص) وَمِنْه مَا نصب إغراء بإضمار الزم إِن عطف أَو كرر وَيجوز
إِظْهَاره دونهمَا وَلَا يكون ضميرا وَقد يرفع مكررا وَإِنَّمَا يعْطف
فيهمَا بِالْوَاو وَيجوز كَون تَالِيهَا مَفْعُولا مَعَه (ش) من
الْمَنْصُوب مَفْعُولا بِهِ بإضمار فعل وَاجِب الْإِضْمَار بَاب
الإغراء وَهُوَ إِلْزَام الْمُخَاطب العكوف على مَا يحمد عَلَيْهِ
وَإِنَّمَا يجب الْإِضْمَار فِي صُورَتَيْنِ إِذا عطف أَو كرر
كَقَوْلِك الْأَهْل وَالْولد وقولك العهْدَ العَهْدَ وتضمر الزم أَو
شبهه قَالَ 652 -
(أَخَاك أَخَاك إنَّ من لَا أَخا لَهُ ... )
وَيجوز الْإِظْهَار فِيمَا عداهما نَحْو الْعَهْد فَيجوز أَن تَقول
الزم الْعَهْد واحفظ الْعَهْد
(2/26)
وَلَا يكن المغري بِهِ إِلَّا ظَاهرا فَلَا
يجوز أَن يكون ضميرا وَقد يرفع المكرر قَالَ 653 -
(لجديرون بالوفَاء إِذا قَالَ ... أَخُو النجدة السّلاحُ السّلاحُ)
وَلَا يعْطف فِي هَذَا الْبَاب وَبَاب التحذير إِلَّا بِالْوَاو
لدلالتها على الْجمع وَهِي للمقارنة هُنَا فِي الزَّمَان بِخِلَاف
الْفَاء و (ثمَّ) لدلالتهما على التَّرَاخِي وَلِأَن الْمَعْطُوف هُنَا
شَبيه بالتأكيد اللَّفْظِيّ لِأَن إياك وَالشَّر مَعْنَاهُ إياك أبعد
من الشَّرّ وَالشَّر مِنْك والتوكيد اللَّفْظِيّ إِذا اخْتلف اللَّفْظ
لَا يكون إِلَّا بِالْوَاو وَيجوز كَون مَا بعد الْوَاو فِي
الْبَابَيْنِ مَفْعُولا مَعَه لِأَنَّهُمَا لما كَانَت للمقارنة فِي
الزَّمَان جَازَ أَن يلحظ فِيهَا معنى الْمَعِيَّة
(2/27)
الِاخْتِصَاص
(ص) وَمِنْه مَا نصب على الِاخْتِصَاص قَالَ سيوبيه بِتَقْدِير
(أَعنِي) وَهُوَ (أَي) بعد ضمير مُتَكَلم وَقل بعد مُخَاطب وغائب فِي
تَأْوِيله خلافًا للصفار وَحكمهَا كالنداء إِلَّا حرفه ووصفها
بِإِشَارَة وَقَالَ السيرافي معربة مُبْتَدأ أَو خَبرا والأخفش منادى
ومتبوعها مَرْفُوع وَلَا يُزَاد عَلَيْهِ وَيقوم مقَامهَا مَنْصُوب
معرف ب (أل) أَو إِضَافَة قَالَ سِيبَوَيْهٍ فالأكثر بَنو و (معشر) و
(أهل) و (آل) وَأَبُو عَمْرو لَا ينصب غَيرهَا وَقل علما وَلَا يقدم
مَنْصُوبًا على الضَّمِير (ش) من الْمَنْصُوب مَفْعُولا بِهِ بِفعل
وَاجِب الْإِضْمَار بَاب الِاخْتِصَاص وَقدره سِيبَوَيْهٍ ب (أَعنِي)
وَيخْتَص ب (أَي) الْوَاقِعَة بعد ضمير الْمُتَكَلّم نَحْو أَنا أفعل
كَذَا أَيهَا الرجل و (اللَّهُمَّ اغْفِر لنا أيتها الْعِصَابَة)
وَقَوله 654 -
(جُد بِعَفْو فإنني أيُّها العَبْدُ ... إِلَى الْعَفو يَا إلهي
فَقيرُ)
وَإِنَّمَا اخْتصَّ بهَا لِأَنَّهُ لما جرى مجْرى النداء لم يكن فِي
المناديات مَا لزم النداء على صِيغَة خَاصَّة إِلَّا أَيهَا الرجل
فلازمه معنى الخطابية الَّذِي فِي النداء فَنَاسَبَ أَن يكون وَحده
مُفَسرًا فَلَا يُقَال مثلا إِنِّي أفعل زيد تُرِيدُ نَفسك وَحكم (أَي)
فِي هَذَا الْبَاب حكمهَا فِي بَاب النداء من بنائها على الضَّم
مَحْكُومًا على موضعهَا بِالنّصب ووصفها باسم الْجِنْس مُلْتَزما فِيهِ
الرّفْع
(2/28)
وَاسْتثنى ابْن مَالك فِي التسهيل دُخُول
حرف النداء فَإِنَّهُ لَا يدْخل عَلَيْهَا هُنَا لِأَن المُرَاد بهَا
الْمُتَكَلّم والمتكلم لَا يُنَادي نَفسه وَزَاد أَبُو حَيَّان وصفهَا
باسم الْإِشَارَة فَإِنَّهُ مُمْتَنع هُنَا لَا يُقَال عَليّ أَيهَا
ذَا الْفَقِير تصدق سَوَاء قصد بِهِ التَّعْيِين أم صرف إِلَى اسْم
الْجِنْس وَزعم السيرافي أَن (أيا) هُنَا معرفَة وَضمّهَا حَرَكَة
إِعْرَاب لَا بِنَاء على أَنه خبر تَقْدِيره أَنا أفعل كَذَا هُوَ
أَيهَا الرجل أَي الْمَخْصُوص بِهِ أَو مُبْتَدأ تَقْدِيره الرجل
الْمَخْصُوص أَنا الْمَذْكُور وَزعم الْأَخْفَش أَنَّهَا منادى
لِأَنَّهَا فِي غير الشَّرْط والاستفهام لَا تكون إِلَّا على النداء
قَالَ وَلَا يُنكر أَن يُنَادي الْإِنْسَان نَفسه أَلا ترى أَن عمر
قَالَ (كل النَّاس أفقه مِنْك يَا عمر) قَالَ وَهَذَا أولى من أَن تخرج
(أَي) عَن بَابهَا ورد بِأَن بَقِيَّة الْبَاب لَا يُمكن فِيهِ
تَقْدِير الْحَرْف نَحْو (نَحن الْعَرَب) ، و (بك الله) وَيقوم مقَام
(أَي) فِي الِاخْتِصَاص مُصَرحًا بنصبه اسْم دلّ على مَفْهُوم
الضَّمِير معرف بِاللَّامِ نَحْو (نَحن الْعَرَب أقرى النَّاس للضيف)
أَو الْإِضَافَة قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَأكْثر الْأَسْمَاء المضافة
دُخُولا فِي هَذَا الْبَاب (بَنو فلَان) و (معشر) مُضَافَة و (أهل
الْبَيْت) و (آل فلَان) وَقَالَ أَبُو عَمْرو الْعَرَب تنصب فِي
الِاخْتِصَاص هَذِه الْأَرْبَعَة وَلَا ينصبون غَيرهَا قَالَ 655 -
(نحنُ بني ضَبّة أصحابُ الجَمَلْ ... )
(2/29)
وَقَالَ 656 -
(إنّا بنى مِنْقَر قومٌ ذَوو حَسَبٍ ... )
وَقَالَ 657 -
(نَحنُ بناتِ طارقْ ... نَمْشي على النّمارقْ)
وَقَالَ 658 -
(لنا مَعشرَ الْأَنْصَار مَجْد مؤثّل ... بإرضائنا خيرَ البريّة
أحْمَدا)
(2/30)
وَفِي الحَدِيث
(نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث) وَقل كَونه علما كَقَوْل رؤبة 659
-
(بِنَا تميماً يُكشفُ الضَّبَابْ ... )
وَلَا يكون اسْم إِشَارَة وَلَا غَيره وَلَا نكرَة الْبَتَّةَ وَلَا
يجوز تَقْدِيم اسْم الِاخْتِصَاص على الضَّمِير وَإِنَّمَا يكون بعده
حَشْوًا بَينه وَبَين مَا نسب إِلَيْهِ أَو آخرا وَقل وُقُوع
الِاخْتِصَاص بعد ضمير الْمُخَاطب نَحْو بك الله نرجو الْفضل وسبحانك
الله الْعَظِيم وَبعد لفظ غَائِب فِي تَأْوِيل الْمُتَكَلّم أَو
الْمُخَاطب نَحْو على الْمضَارب الوضيعة أَيهَا البَائِع فالمضارب لفظ
غيبَة لِأَنَّهُ ظَاهر لكنه فِي معنى عَليّ أَو عَلَيْك وَمنع الصفار
ذَلِك الْبَتَّةَ لِأَن الِاخْتِصَاص مشبة بالنداء فَكَمَا لَا يُنَادي
الْغَائِب فَكَذَلِك لَا يكون فِيهِ الِاخْتِصَاص
(2/31)
المنادى
(ص) وَمِنْه المنادى وَيقدر (أَدْعُو) و (أنادي) إنْشَاء وَقيل ناصبه
الْقَصْد وَقيل الْحَرْف نِيَابَة وَقيل اسْم فعل وَقيل فعل وَهُوَ
همزَة لقريب و (أَي) لَهُ أَو لبعيد أَو متوسط أَقْوَال وَيَا وأيا
وهيا وآي و (آ) للبعيد حَقِيقَة أَو حكما وَقد يُنَادى ب (يَا)
الْقَرِيب وَقيل مُشْتَركَة بَينهمَا قيل: والمتوسط وَزعم الْجَوْهَرِي
أيا مُشْتَركَة وَبَعْضهمْ الْهمزَة للمتوسط و (يَا) للقريب وَابْن
السّكيت (هَا) (هيا) بَدَلا وَالْجُمْهُور تخْتَص (وَا) بالندبة (ش) من
الْمَنْصُوب مَفْعُولا بِهِ بِفعل لَازم الْإِضْمَار بَاب المنادى
وللزوم إضماره أَسبَاب الِاسْتِغْنَاء بِظُهُور مَعْنَاهُ وَقصد
الْإِنْشَاء وَإِظْهَار الْفِعْل يُوهم الْإِخْبَار وَكَثْرَة
الِاسْتِعْمَال والتعويض مِنْهُ بِحرف النداء وَيقدر بأنادي أَو
أَدْعُو إنْشَاء هَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور وَذهب بَعضهم إِلَى أَن
الناصب لَهُ معنوي وَهُوَ الْقَصْد ورد بِأَنَّهُ لم يعْهَد فِي عوامل
النصب وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الناصب لَهُ حرف النداء ثمَّ اخْتلفُوا
فَقيل على سَبِيل النِّيَابَة والعوض عَن الْفِعْل فَهُوَ على هَذَا
مشبه بالمفعول بِهِ لَا مفعول بِهِ وَعَلِيهِ الْفَارِسِي
(2/32)
ورد بِجَوَاز حذف الْحَرْف وَالْعرب لَا
تجمع بَين الْعِوَض والمعوض مِنْهُ فِي الذّكر وَلَا فِي الْحَذف وَقيل
على أَن حُرُوف النداء أَسمَاء أَفعَال بِمَعْنى أَدْعُو ك (أُفٍّ)
بِمَعْنى أتضجر وَلَيْسَ ثمَّ فعل مُقَدّر ورد بِأَنَّهَا لَو كَانَت
كَذَلِك لتحملت الضَّمِير وَكَانَ يجوز إتباعه كَمَا سمع فِي سَائِر
أَسمَاء الْأَفْعَال ولاكتفي بهَا دون الْمَنْصُوب لِأَنَّهُ فضلَة
وَلَا قَائِل بِأَنَّهَا تستقل كلَاما وَقيل على أَنَّهَا أَفعَال ورد
بِأَنَّهُ كَانَ يلْزم اتِّصَال الضَّمِير مَعهَا كَمَا يتَّصل
بِسَائِر العوامل وَقد قَالُوا أيا إياك مُنْفَصِلا وَلم يَقُولُوا
إياك فَدلَّ على أَن الْعَامِل مَحْذُوف وَذهب بَعضهم إِلَى أَن النداء
مِنْهُ مَا هُوَ خبر لَا إنْشَاء وَهُوَ النداء بِصفة نَحْو يَا فَاسق
وَيَا فَاضل لاحْتِمَال الصدْق وَالْكذب فِي تِلْكَ الصّفة وَمِنْه مَا
هُوَ إنْشَاء وَهُوَ النداء بِغَيْر صفة وحروف النداء ثَمَانِيَة
أَحدهَا الْهمزَة وَالْجُمْهُور أَنَّهَا للقريب نَحْو 660 -
(أفاطمُ مهلا بَعْضَ هَذَا التّدَلُّل ... )
وَزعم شيخ ابْن الخباز أَنَّهَا للمتوسط قَالَ ابْن هِشَام فِي
الْمُغنِي: وَهُوَ خرق لإجماعهم
(2/33)
وَذكر فِي شرح التسهيل أَن النداء بهَا
قَلِيل فِي كَلَام الْعَرَب وَتَبعهُ ابْن الصَّائِغ فِي حَوَاشِي
الْمُغنِي وَمَا قَالَاه مَرْدُود فقد وقفت لذَلِك على أَكثر من
ثَلَاثمِائَة شَاهد وأفردتها بتأليف الثَّانِي (أَي) بِالْفَتْح
وَالْقصر والسكون قَالَ 661 -
(ألم تسمعي أيْ عَبْدَ فِي رَوْنق الضُّحَى ... )
وَفِي مَعْنَاهَا أَقْوَال قيل للقريب كالهمزة وَعَلِيهِ الْمبرد
والجزولي وَقيل للبعيد ك (يَا) وَعَلِيهِ ابْن مَالك وَقيل للمتوسط
الثَّالِث (يَا) وَهِي أم الْبَاب وَمن ثمَّ قَالَ أَبُو حَيَّان
إِنَّهَا أَعم الْحُرُوف وَإِنَّهَا تسْتَعْمل للقريب والبعيد مُطلقًا
وَإنَّهُ الَّذِي يظْهر من استقراء كَلَام الْعَرَب وَقَالَ ابْن مَالك
هِيَ للبعيد حَقِيقَة أَو حكما كالنائم والساهي وَفِي الْمُغنِي
لِابْنِ هِشَام (يَا) حرف لنداء الْبعيد حَقِيقَة أَو حكما وَقد
يُنَادي بهَا الْقَرِيب توكيدا وَقيل هِيَ مُشْتَركَة بَين الْبعيد
والقريب وَقيل بَينهمَا وَبَين الْمُتَوَسّط وَذكر ابْن الخباز عَن
شَيْخه أَن (يَا) للقريب وَهُوَ خرق لإجماعهم الرَّابِع (أيا) وَهِي
للبعيد قَالَ فِي الْمُغنِي وَلَيْسَ كَذَلِك قَالَ: 662 -
(أيا ظَبية الوَعْسَاءِ بَين جُلاجلٍ ... وَبَين النّقا آأنت أمْ أمُّ
سَالم)
(2/34)
الْخَامِس هيا للبعيد قَالَ: 663 -
(هيا أمّ عَمْرو هَل ليَ الْيَوْم عِنْدَكُم ... )
وهاؤه أصل وَقيل بدل من همزَة أيا وَعَلِيهِ ابْن السّكيت وَجزم بِهِ
ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي السَّادِس (آي) بِالْمدِّ والسكون السَّابِع
(آ) بِالْمدِّ وهما للبعيد وَقد حَكَاهُمَا الْكُوفِيُّونَ عَن
الْعَرَب الَّذين يثقون بعربيتهم وَذكر الْأَخْفَش فِي كِتَابه
الْكَبِير (آ) وَجعلهَا ابْن عُصْفُور فِي (المقرب) للقريب كالهمزة
الثَّامِن (وَا) ذكرهَا ابْن عُصْفُور نَحْو 664 -
(وافَقْعَسًا وَأَيْنَ منّى فَقْعَسُ ... )
(2/35)
وَالْجُمْهُور أَنَّهَا مُخْتَصَّة بالندبة
لَا تسْتَعْمل فِي غَيرهَا وَحكى بَعضهم أَنَّهَا تسْتَعْمل فِي غير
الندبة قَلِيلا كَقَوْل عمر بن الْخطاب لعَمْرو بن الْعَاصِ (وَاعجَبا
لَك يَا بن الْعَاصِ)
نصب المنادى وبناؤه
(ص) وَإِنَّمَا يظْهر نصب مُضَاف وَشبهه ونكرة لم تقصد ويبنى على مَا
يرفع بِهِ لفظا أَو تَقْديرا علم مُفْرد ونكرة مَقْصُودَة وَزعم
الرياشي إعرابهما فَإِن وصفت فَشبه الْمُضَاف وَقيل يجوز الْبناء
وَالنّصب وَقيل إِن كَانَ فِيهِ ضمير غيبَة وَجب النصب أَو خطاب فالرفع
وَجوز ثَعْلَب ضم حسن الْوَجْه والكوفية نصب اثْنَي عشر وَبَعْضهمْ كل
مثنى وَجمع وَمنع الْأَصْمَعِي نِدَاء النكرَة مُطلقًا والمازني بِلَا
قصد والكوفية إِن لم تكن خلف مَوْصُوف وَلَا يفصل بَين الْمُضَاف
بِاللَّامِ وَقد يعْمل عَامله فِي مصدر وظرف ويحذف تَنْوِين مَنْقُوص
لَا ياؤه خلافًا ليونس فَإِن كَانَ ذَا أصل وَاحِد فوفاقا (ش) لكَون
المنادى مَفْعُولا بِهِ كَانَ مَنْصُوبًا لَكِن إِنَّمَا يظْهر نَصبه
إِذا كَانَ مُضَافا نَحْو يَا عبد الله يَا رجل سوء وشبيها بِهِ نَحْو
(يَا خيرا من زيد) وَقَوله: 665 -
(أيا مُوقِدًا نَارا لِغَيرك ضوءها ... )
أَو نكرَة غير مَقْصُودَة كَقَوْل الْأَعْمَى يَا رجلا خُذ بيَدي ويبنى
الْعلم الْمُفْرد أَعنِي غير الْمُضَاف وَشبهه والنكرة الْمَقْصُودَة
على مَا يرفع بِهِ لفظا وَهُوَ الضمة فِي الْمُفْرد وَالْجمع المكسر
وَجمع الْمُؤَنَّث السَّالِم نَحْو يَا زيد يَا رجل يَا رجال يَا هندات
وَالْألف فِي الْمثنى نَحْو يَا زَيْدَانَ
(2/36)
وَالْوَاو فِي الْجمع السَّالِم نَحْو يَا
زيدون أَو تَقْديرا فِي الْمَقْصُور نَحْو يَا مُوسَى والمنقوص نَحْو
يَا قَاضِي وَمَا كَانَ مَبْنِيا قبل النداء نَحْو يَا سِيبَوَيْهٍ
وَيَا حذام وَيَا خَمْسَة عشر وَيَا برق نَحره هَذَا مَذْهَب
الْجُمْهُور وَعلة الْبناء الْوُقُوع موقع كَاف الْخطاب وَقيل شبهه
بالضمير وَخص بِالضَّمِّ لِئَلَّا يلتبس بِغَيْر المنصرف لَو فتح
وبالمضاف للياء لَو كسر وَزعم الرياشي أَنَّهُمَا معربان وَأَن الضمة
إِعْرَاب لَا بِنَاء وَنَقله ابْن الْأَنْبَارِي عَن الْكُوفِيّين
وَذهب بعض الْكُوفِيّين إِلَى جعل الْمثنى وَالْجمع بِالْيَاءِ حملا
على الْمُضَاف وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن اثْنَي عشر إِذا نُودي
أجري على أَصله من الْإِضَافَة فيعرب نصبا بِالْيَاءِ والبصريون يبقونه
على التَّرْكِيب مَبْنِيا بِالْألف لِأَنَّهُ إِضَافَته غير
حَقِيقِيَّة وَذهب ثَعْلَب إِلَى جَوَاز بِنَاء نَحْو (حسن الْوَجْه)
على الضَّم لِأَن إِضَافَته فِي نِيَّة الِانْفِصَال ورد بِأَن الْبناء
نَاشِئ عَن شبه الضَّمِير والمضاف عادم لَهُ وَذهب الْأَصْمَعِي إِلَى
منع نِدَاء النكرَة مُطلقًا وَذهب الْمَازِني إِلَى أَنه لَا يتَصَوَّر
أَن يُوجد فِي النداء نكرَة غير مقبل عَلَيْهَا وَأَن مَا جَاءَ منونا
فَإِنَّمَا لحقه التَّنْوِين ضَرُورَة وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى
جَوَاز ندائها إِن كَانَت خلفا من مَوْصُوف بِأَن كَانَت صفة فِي
الأَصْل حذف موصوفها وخلفته نَحْو يَا ذَاهِبًا وَالْأَصْل يَا رجلا
ذَاهِبًا وَالْمَنْع إِن لم تكن كَذَلِك فَهَذِهِ أَرْبَعَة مَذَاهِب
فِي النكرَة غير الموصوفة أما الموصوفة بمفرد أَو جملَة أَو ظرف فَيجوز
نداؤها وفَاقا وَهِي من شبه الْمُضَاف فتنصب نَحْو يَا رجلا كَرِيمًا
وَيَا عَظِيما يُرْجَى لكل عَظِيم وَقَوله: 666 -
(أَلا يَا نَخْلَة من ذاتِ عرْق ... )
(2/37)
وَقيل يجوز الْبناء وَالنّصب قَالَه
الْكسَائي وَفصل الْفراء فَأوجب النصب إِذا كَانَ الْعَائِد فِيهَا
ضمير غيبَة نَحْو يَا رجلا ضرب زيدا وَالرَّفْع إِذا كَانَ ضمير خطاب
نَحْو يَا رجل ضربت زيدا وَلَا يجوز فصل الْمُضَاف المنادى بِاللَّامِ
إِلَّا فِي الضَّرُورَة كَقَوْلِه: 667 -
(يَا بُؤسَ للحرب ضَرّاراً لأقْوام ... )
وَقد يعْمل عَامل المنادى فِي الْمصدر كَقَوْلِه: 668 -
(يَا هندُ دَعوة صبّ هائم دَنِفٍ ... )
(2/38)
وَفِي الظّرْف كَقَوْلِه: 669 -
(يَا دارُ بَين النّقا والحَزْن ... مَا ضعت يدُ النّوي بالألي كَانُوا
أهاليكِ)
ويحذف تَنْوِين المنقوص الْمعِين بالنداء نَحْو يَا قَاضِي لحدوث
الْبناء وَتثبت ياؤه عِنْد الْخَلِيل إِذْ لَا مُوجب لحذفها وَقَالَ
يُونُس تحذف لِأَن النداء دخل على اسْم مُعرب منون مَحْذُوف الْيَاء
فَذهب التَّنْوِين من الْمَحْذُوف الْيَاء فَبَقيَ حذف الْيَاء
بِحَالهِ وتقدر الضمة فِي الْيَاء المحذوفة كَمَا تقدر فِيهَا حَرَكَة
الْإِعْرَاب مَعَ أَن النداء مَكَان تَغْيِير وَتَخْفِيف فَنَاسَبَ
أَلا تثبت الْيَاء فَإِن كَانَ ذَا أصل وَاحِد تثبت الْيَاء بِإِجْمَاع
نَحْو يَا ري وَيَا يَفِي علما لِأَن (ر) ذهبت عينه ولامه و (يَفِ)
ذهبت فاؤه ولامه فَإِذا نوديا ردَّتْ اللَّام
تَنْوِين المنادى وَالْأولَى فِيهِ
(ص) وينون منادى للضَّرُورَة وَالِاخْتِيَار عِنْد الْخَلِيل وسيبويه
بَقَاء الضَّم وَقوم النصب وَابْن مَالك الأول فِي الْعلم وَالثَّانِي
فِي النكرَة وَعِنْدِي عَكسه (ش) يجوز تَنْوِين المنادى الْمَبْنِيّ
فِي الضَّرُورَة بِالْإِجْمَاع ثمَّ اخْتلف هَل الأولى بَقَاء ضمه أَو
نَصبه فالخليل وسيبويه والمازني على الأول علما كَانَ أَو نكرَة
مَقْصُودَة كَقَوْلِه:
(2/39)
670 -
(سلامُ اللهِ يَا مطرٌ عَلَيْها ... )
وَقَوله: 671 -
(مكانَ يَا جَمَلٌ حُيّيت يَا رَجُلُ ... )
وَأَبُو عَمْرو وَعِيسَى عِنْد عمر والجرمي والمبرد على الثَّانِي ردا
إِلَى أَصله كَمَا رد المنصرف إِلَى الْكسر عِنْد تنوينه فِي
الضَّرُورَة كَقَوْلِه: 672 -
(يَا عَدِيًّا لقد وقَتْكَ الأواقى ... )
(2/40)
وَقَوله: 673 -
(يَا سيّدًا مَا أَنْت مِنْ سَيِّدٍ ... )
وَاخْتَارَ ابْن مَالك فِي شرح التسهيل بَقَاء الضَّم فِي الْعلم
وَالنّصب فِي النكرَة الْمعينَة لِأَن شبهها بالمضمر أَضْعَف وَعِنْدِي
عَكسه وَهُوَ اخْتِيَار النصب فِي الْعلم لعدم الإلباس فِيهِ وَالضَّم
فِي النكرَة الْمعينَة لِئَلَّا يلتبس بالنكرة غير الْمَقْصُودَة إِذْ
لَا فَارق حِينَئِذٍ إِلَّا الْحَرَكَة لِاسْتِوَائِهِمَا فِي
التَّنْوِين وَلم أَقف على هَذَا الرَّأْي لأحد
(2/41)
|