تعجيل الندى بشرح قطر الندى المفعول فيه
قوله: (وَالمَفْعُولُ فِيهِ، وَهُوَ مَا سُلِّطَ عَليْه عَامِلٌ عَلَى
مَعْنَى (في) مِن اسْم زَمانِ كَـ (صُمْتُ يَوْمَ الخَمِيس) أَوْ
حِينًا أَوْ أسْبُوعًا، أَوِ اسْمِ مَكانٍ مُبْهَم وَهُوَ الجِهَاتُ
السِّتُّ كَالأَمَام وَالفَوْقِ وَاليَمِينِ وَعَكْسِهِنَّ
وَنَحْوِهِنَّ كَـ (عِنْدَ، وَلَدَى) والمَقَادِيرِ كَـ (َالفَرْسَخِ)
وَمَا صِيغَ مِنْ مَصْدَرِ عَامِلِهِ كـ (قَعَدْتُ مَقْعَدَ زَيْدٍ)) .
هذا الرابع من المفعولات وهو المفعول فيه. وهو الظرف. وقوله (والمفعول
فيه) معطوف كما تقدم.
وهو: كل اسم زمان أو مكان سُلِّطَ عليه عامل على معنى (في) ، كقولك:
صمت يومَ الخميس، صليت خلفَ مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام. فـ
(يوم) اسم زمان، و (خلف) اسم مكان. وكل منهما قد سلط عليه عامل (1)
فنصبه. وهو (صمت، صليت) وتسلط هذا العامل إنما هو على معنى (في)
الظرفية. ولذا صح أن يقال: إن ظرف الزمان يبين الزمن الذي حصل فيه
الفعل، وظرف المكان يبين المكان الذي حصل فيه الفعل، فـ (يوم) مفعول
فيه منصوب بالفتحة، و (الخميس) مضاف إليه. وكذا: خلف مقام إبراهيم.
__________
(1) العامل في المفعول فيه قد يكون فعلاً كما مثل، وقد يكون غيره نحو:
الطائرة مرتفعة فوق السحاب. فـ (فوق) منصوب باسم الفاعل. ونحو: (المشي
يمين الطريق أسلم) فالظرف منصوب بالمصدر قبله.
فشرط المفعول فيه أن يكون الظرف متضمنًا
معنى (في) مع جميع الأفعال، وخرج بذلك ما لم يتضمن معنى (في) أصلاً.
وهو الظرف الواقع مبتدأ أو خبراً أو فاعلاً أو مفعولاً أو غير ذلك،
فليس من باب المفعول فيه، نحو: يومُ الجمعة يومٌ مبارك. ومنه قوله
تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ} (1) أي: القيامة القريبة.
فـ (يوم) منصوب على أنه مفعول به ثانٍ لـ (أنذر) لا على أنه مفعول فيه
- لما تقدم - لأن المقصود إنذارهم يوم القيامة ذاته.
وخرج بقولنا: (مع جميع الأفعال) ما تضمن معنى (في) مع بعض الأفعال دون
بعض نحو: دخلت الدارَ. فـ (الدارَ) وإن تضمن معنى (في) مع الفعل (دخل)
ونحوه. لكن لا يصح أن يقال: صليت الدار، جلست الدار، على معنى (في) ،
فليست كلمة (الدار) منصوبة على الظرفية، بل على المفعولية، لأن الفعل
(دخل) يتعدى تارة بنفسه وتارة بحرف الجر.
واعلم أن جميع أسماء الزمان تقبل النصب على الظرفية بأنواعها الثلاثة
وهي:
1-اسم زمان مختص (2) : وهو ما يقع جواباً لـ (متى) ، نحو: متى صمتَ؟
فتقول: يومَ الخميس. فـ (يومَ) مفعول فيه منصوب وعلامة نصبه الفتحة. و
(الخميس) مضاف إليه.
2-اسم زمان معدود: وهو ما يقع جوابًا لـ (كم) ، نحو: كم جلست في مكة؟
فتقول: جلست أسبوعًا، أو جلست شهرًا، فـ (أسبوعًا) مفعول فيه منصوب.
3-اسم زمان مبهم: وهو لا يقع جوابًا لشيء منهما، كحين ووقت ومدة. فهو
يدل على زمان غير محدود. نحو: انتظرتك وقتاً. فـ (وقتاً) مفعول فيه
منصوب.
وأما أسماء المكان فلا ينصب منها على الظرفية إلا ما كان مبهماً (وهو
ما لا يختص بمكان بعينه) وهو ثلاثة أقسام كما ذكر المصنف:
__________
(1) سورة غافر، آية: 18.
(2) يكون الاختصاص بالعلمية كـ (رمضان) أو بالإضافة كـ (يوم الخميس) أو
بـ (أل) مثل: اليوم.
1-أسماء الجهات الست. وهي: الفوق والتحت،
والأعلى، والأسفل، واليمين، والشمال. وذات اليمين، وذات الشمال،
والوراء والأمام (1) نحو: وقف المتكلم أمامَ المصلين، جلست يمينَ
الباب، سرنا في الطريق ذاتَ اليمين، فكل من (أمام، يمين، ذات اليمين)
منصوب على أنه مفعول فيه.
ويلحق بأسماء الجهات: ما أشبهها في شدة الإبهام والاحتياج إلى ما يعين
معناها، مثل: عند، لدى، ناحية، مكان. تقول: جلست عندَ الباب. تركت
الكتاب لدى الطالب، أي: عنده فـ (عندَ) ظرف مكان منصوب، و (لدى) ظرف
مكان منصوب بفتحة مقدرة على الألف للتعذر.
2-أسماء المقادير: أي الدالة على مسافة معلومة كالفرسخ والبريد والميل.
نحو: سرت فرسخًا، مشينًا في المزرعة ميلاً، قطع الفرس بريدًا. (2)
3-ما صيغ من المصدر على وزن (مَفْعَل) للدلالة على المكان. وشرط نصبه:
أن يكون عامله من لفظه. وهو معنى قول المصنف: (وما صيغ من مصدر عامله)
نحو: وقفت موقفَ الخطيبِ. قعدت مقعدَ المدرس.فـ (موقفَ) مأخوذ من
المصدر (وقوفاً) الذي هو مصدر عامله (وقف) ، فيكون منصوباً على أنه
مفعول فيه، وكذا (مقعد) في المثال الثاني.
فإن كان عامله من غير لفظه وجب جره بـ (في) نحو: جلست في مقعد المعلم.
__________
(1) الجهات ست فقط: وأما أسماؤها فكثيرة. ولهذا ذكرنا أكثر من ستة
أسماء.
(2) الميل ألف باع. والباع أربعة أذرع والذراع: مسافة ما بين طرفي
المرفق إلى نهاية طرف الأصبع الوسطى من اليد وهو يعادل = 46.2سم. فتكون
مسافة الميل = 1000 × 4 × 46.2 = 1848م. والفرسخ ثلاثة أميال أي ما
يعادل 5540م، والبريد = أربعة فراسخ أي 22176م.
واعلم أن اسم الزمان أو المكان إن فارق
النصب على الظرفية إلى حالة لا تشبهها كأن يقع فاعلاً أو مبتدأ أو
خبرًا أو مفعولاً فهو متصرف ولا يسمى ظرفًا في هذه الاستعمالات، كما
تقدم، وإن لم يفارق النصب على الظرفية أصلاً، أو فارقها إلى حالة
تشبهها، وهي الجر بـ (من) ، فهو ظرف غير متصرف.
فالأول نحو (سحر) إذا أريد به سحر يوم بعينه نحو: أتيتك سحرَ يوم
الخميس فـ (سحر) مفعول فيه منصوب. والثاني مثل: عندَ، لدنْ، قبلُ،
بعدُ. نحو: جلست عندَك ساعةً. جئتك من لدنْ زيدٍ. (1)
فـ (عند) مفعول فيه منصوب، و (لدن) مفعول فيه مبني على السكون في محل
جر.
المفعول معه
قوله: (وَالمَفْعُولُ مَعَهُ، وَهُوَ اسْمٌ فَضْلةٌ بَعْدَ وَاوٍ
أُرِيدَ بِهَا التَّنْصِيصُ عَلَى المَعِيَّةِ مَسْبُوقَةٍ بِفعْلٍ
أَوْ مَا فِيهِ حُرُوَفُهُ وَمَعْنَاهُ كـ (سِرْتُ وَالنِّيلَ) و
(أَنَا سَائِرٌ وَالنِّيلَ)) .
هذا القسم الخامس والأخير من المفعولات. وهو المفعول معه. وهو: اسم
فضلة بعد واوٍ بمعنى (مع) ، مسبوقةٍ بفعل أو ما فيه حروفه ومعناه.
__________
(1) لدن: ظرف مبني على السكون في محل نصب على الظرفية في أكثر لغات
العرب، يأتي للدلالة على بدء الغاية الزمانية أو المكانية. ولم يرد في
القرآن إلا مجرور بـ (من) . فيكون مبنياً على السكون في محل جر، كقوله
تعالى {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} وهو من الأسماء
الملازمة للإضافة لمفرد أو جملة. وانظر: الكشف لمكي (2/54) .
نحو: سرت والنيلَ. وِأنا سائر والنيلَ. فـ
(النيلَ) مفعول معه منصوب، لأن المقصود سرت مع الطريق الذي يقارن
النيل. وهو اسم لدخول (أل) . وفضلة: لأنه يستغنى عنه، فليس ركنًا في
الإسناد. إذا هو زائد على المسند والمسند إليه. والواو بمعنى (مع) وقد
سُبقت في المثال الأول بفعل، وفي الثاني باسم فاعل، وهو (سائر) ، وفيه
معنى الفعل وحروفه (1) .
وخرج بقوله: (اسم) نحو: سرت والشمس طالعة. لأن الواو داخلة على جملة،
ونحو: لا تأكل وتتكلمَ، لأن الواو وإن كانت للمعية لكنها داخلة على
فعل.
وبقوله: (فضلة) نحو: تشارك خالد وصالح؛ لأن ما بعد الواو عمدة؛ لأن
الفعل (تشارك) يقتضي أن يكون فاعله متعددًا. وبقوله: (بمعنى مع) نحو:
جاء بكر وخالد قبله.
وبقوله: (مسبوقة بفعل) نحو: كلُّ طالبٍ وكتابُه. فإن الواو بمعنى (مع)
لكن لم يتقدم فعل ولا شبهه.
قوله: (وَقَدْ يَجِبُ النَّصْبُ كَقَوْلِكَ: لاَتَنْهَ عَنِ القَبيح
وَإِتْيَانَهُ، وَمِنْهُ: (قُمْتُ وَزَيْدًا) و (مَرَرْتُ بِكَ
وَزَيْدًا) عَلَى الأَصَحِّ فِيهمَا، وَيَتَرَجَّحُ في نحْوِ قَوْلِكَ:
كُنْ أَنْتَ وزَيْدًا كالأخِ. ويَضْعُفُ فِي نَحْوِ: (قَامَ زيْدٌ
وعَمْرٌو)) .
للاسم الواقع بعد (الواو) المسبوقة بفعل أو ما في معناه حالات:
الأولى: وجوب نصبه على أنه مفعول معه، وذلك إذا كان العطف ممتنعاً
لمانع معنوي، أو صناعي يعود إلى الإعراب.
__________
(1) ذكر ابن هشام في المغني (ص 471) : (أن واو المفعول معه لم تأت في
القرآن بيقين) . ومعنى ذلك أنه لم يأت في القرآن آية يتعين فيها النصب
على أنه مفعول معه، بل يحتمل ذلك ويحتمل العطف. كقوله تعالى:
{فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} وقوله تعالى:
{وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} .
فالأول كقولك: لا تنه عن القبيح وإتيانَه،
فيجب نصب ما بعد الواو على أنه مفعول معه. أي: لا تنه عن القبيح مع
إتيانه. ولا يجوز عطفه، لأن المعنى على العطف: لا تنه عن القبيح ولا
تنه عن إتيانه، وهذا تناقض يفسد المراد.
والثاني: كقولك: قمت وزيداً، ومررت بك وزيدًا، فيجب نصب (زيدًا) في
المثالين على المعية، ولا يصح العطف؛ أما الأول؛ فلأنه لا يجوز العطف
على الضمير المرفوع المتصل إلا بعد التوكيد بضمير منفصل، نحو: قمت أنا
وزيدٌ. وأما الثاني؛ فلأنه لا يعطف على الضمير المجرور إلا بإعادة
الجار مع المعطوف نحو: مررت بك وبزيد.
ومن النحاة من لا يشترط في المسألتين - مسألتي العطف - شيئًا فعلى هذا
يجوز العطف. ولهذا قال ابن هشام - رحمه الله -: (على الأصح فيهما) . أي
على الأصح من القولين.
الحالة الثانية: جواز النصب والعطف، والنصب
على المعية أرجح للفرار من عيب معنوي نحو: كن أنت وصالحًا كالأخ. فنصب
(صالحًا) على أنه مفعول معه أحسن من رفعه عطفاً على الضمير المستتر في
(كن) ؛ لأنك لو عطفت لزم أن يكون صالحًا مأمورًا، وأنت لا تريد أن
تأمره. وإنما تريد أن تأمر مخاطبك بأن يكون مع صالح كالأخ. (1)
الحالة الثالثة: جواز الوجهين. والعطف أرجح، وذلك إذا أمكن العطف بغير
ضعف في اللفظ ولا ضعف في المعنى، نحو: قام خالد وعصام؛ لأن العطف هو
الأصل، ولا مضعف له، فيترجح.
باب الحال
قوله: (وَهُوَ وصْفٌ فَضُلَةٌ يَقَعُ في جَوَابِ كَيْفَ: كَـ (ضَرَبْتُ
اللِّصَّ مَكْتُوفًا)) .
لما أنهى ابن هشام - رحمه الله - الكلام على المفعولات، شرع في الكلام
على بقية منصوبات الأسماء، ومنها الحال، وهو نوعان:
1-حال مؤكدة، وهي التي يستفاد معناها بدونها، وستأتي إن شاء الله في
باب التمييز.
2-حال مؤسسة أو مُبَيِّنَةٌ، وهي التي لا يستفاد معناها بدونها، وهي
عبارة عما اجتمع فيه ثلاثة شروط:
__________
(1) رجح ابن هشام النصب على الرفع لما ذكر، والظاهر وجوب النصب لا
رجحانه، وأن الرفع ممتنع، لأنه لو رفع لعطف على الضمير من عطف المفرد
على المفرد، وشرطه صلاحية المعطوف لمباشرة العامل وهو هنا غير صالح إذ
لو باشره للزم أن يكون فعل الأمر رافعًا للظاهر وهو ممتنع. ولهذا قدر
ابن مالك في نحو: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} فعلاً
محذوفًا أي وليسكن، وأقره عليه ابن هشام في المعنى ص (754) ، بل تابعه
عليه في أوضح المسالك (4/397) ، ويرى فريق من النحاة جواز العطف على
الضمير في الآية الكريمة وأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع.
وهو رأي جيد ولا داعي لتقدير عامل. ويكون من عطف المفرد على المفرد.
وهو اختيار أبي حيان كما في تفسيره (1/306) .
الأول: أن يكون وصفًا، والمراد به - كما
تقدم - ما دل على معنى وصاحبه كـ (راكب - وفرح - ومسرور) ونحوها.
الثاني: أن يكون فضلة. والمراد به: ما ليس ركناً في الإسناد (1) .
الثالث: أن يبين هيئة صاحبه عند وقوع الفعل. وهو معنى قوله المؤلف:
(ويقع في جواب كيف؟) نحو: كيف جاء سلمان؟ فيكون الجواب هو لفظ الحال.
فيقال: جاء سلمان فرحًا - مثلاً - وكيف ضربتَ اللص؟ فيقال: مكتوفاً. فـ
(فرحًا) حال، وهو وصف، لأنه صفة مشبهة، وفضلة؛ لأنه ليس ركنًا في
الإسناد، فهو زائد على المسند (جاء) والمسند إليه (سلمان) وقد بَيَّنَ
هيئة الاسم الذي قبله وقت وقوع الفعل وهو (المجيء) (2) .
فخرج بالشرط الأول نحو: رجعت القهقرى، فإنه وإن كان مبيناً لهيئة
الفاعل، إلا أنه ليس بوصف، بل هو اسم للرجوع إلى الخلف.
__________
(1) بعض الأحوال بمنزلة العمدة في إتمام المعنى الأساسي للجملة أو في
منع فساده. فالأولى نحو: احترامي الطالب مهذبًا - وتقدم في مواضع حذف
الخبر وجوبًا - والثانية نحو قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ
وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} فلو حذفت الحال لفسد المعنى
لأنه يصير نفياً. ولهذا احتاج النحاة أن يعرفوا الفضلة في باب الحال
تعريفًا خاصًا كما ذكرنا غير التعريف العام وهو أن الفضلة ما يستغنى
عنه، ولو قالوا: الحال: وصف ليس ركنًا في الإسناد. لكان أدق.
(2) الحال في مثل هذا المثال تسمى (الحال المقارنة) وهي التي يتحقق
معناها في زمن تحقق معنى عاملها بدون تأخر. فزمن الفرح هو زمن المجيء.
وتقابلها (الحال المقدرة) وهي الحال المستقبلة التي يتحقق معناها بعد
وقوع معنى عاملها نحو: ادخلوا المسجد سامعين المحاضرة. فإن سماعهم
متأخر عن زمن دخولهم. ومنه قوله تعالى: {وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ
بُيُوتاً} فـ (بيوتًا) حال من (الجبال) . وهي حال مقدرة؛ لأن زمن كون
الجبال بيوتًا متأخر عن زمن نحتها.
وخرج بالثاني: الوصف الواقع عمدة، كالخبر
نحو: عماد مسرور.
وخرج بالثالث نحو: لله دره فارسًا، فإنه تمييز لا حال؛ إذ لم يقصد به
الدلالة على الهيئة، بل التعجب من فروسيته، ووقع بيان الهيئة ضمنًا.
قوله: (وشَرْطُهَا التَّنْكِيرُ) .
أي: شرط الحال أن تكون نكرة - كما في الأمثلة - وقد وردت معرفة في
ألفاظ مسموعة عن العرب، لا يقاس عليها، ومنها كلمة: (وحد) في نحو: جاء
الضيف وحده، فـ (وحد) حال منصوبة، وهي معرفة؛ لأنها مضافة للضمير، وهي
مؤولة بنكرة أي: منفردًا ونحو: ادخلوا الأولَ فالأولَ. فـ (الأول
فالأول) حال منصوبة، وهي معرفة لدخول (ال) ، وهي مؤولة بنكرة، أي:
مترتبين.
قوله: (وصَاحِبِهَا التَّعْرِيفُ، أو التَّخْصِيصُ، أو التَّعْمِيمُ،
أو التَّأخِيرُ نحو: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ} (1) {فِي
أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) } (2) و (لميَّةَ
مُوحِشاً طَلَلٌ)) .
يشترط في صاحب الحال واحد من أربعة:
الأول: التعريف. وهذا هو الأصل في صاحب الحال؛ لأنه أشبه المبتدأ في
كونه محكوماً عليه بالحال. نحو: أقبل خالد ماشيًا. فـ (ماشيا) حال
منصوبة من (خالد) وهو معرفة، لأنه علم. ومنه قوله تعالى: {خُشَّعًا
أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ} (3) فـ (خشعًا) حال من فاعل (يخرجون) وهو
معرفة؛ لأنه ضمير.
ويصح وقوع صاحب الحال نكرة إذا وجد مسوغ وهو أحد الثلاثة الباقية وهي:
__________
(1) سورة القمر، آية: 7.
(2) سورة فصلت، آية: 10.
(3) سورة الشعراء، آية: 208. .
الثاني: التخصيص: ومعناه أن تتخصص النكرة
بوصف أو إضافة؛ فالوصف نحو: جاء رجل ضعيف ماشيًا. فـ (ماشيًا) حال من
(رجل) وهو نكرة لكنه وُصِفَ. والإضافة نحو: جاء ولدُ حفصةَ مسرورًا،
ومنه قوله تعالى: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ
(10) } (1) . فـ (سواءً) حال من (أربعة) وهي مضافة.
الثالث: أن تكون نكرة عامة لوقوعها بعد نفي أو شبهة نحو: ما ندم طالب
مجتهدًا، ومنه قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا
لَهَا مُنْذِرُونَ (208) } (2) فـ (لها منذرون) جملة في موضع الحال من
(قرية) وصح مجيء الحال من النكرة؛ لتقدم النفي عليها (3) .
الرابع: أن يتأخر صاحب الحال نحو: أتاني سائلاً رجلٌ. فـ (سائلاً) حال
من (رجل) ، ومنه قوله الشاعر:
(1) لِمَيَّةَ موحشًا طَلَلُ ……يلوح كأنه خِلَلُ (4)
__________
(1) سورة القمر، آية: 7.
(2) سورة الشعراء، آية: 208.
(3) وقد تأتي الحال وصاحبها ليس فيه شرط من هذه الشروط الأربعة كقول
عائشة رضي الله عنها ( ... وصلى وراءه قوم قياماً) متفق عليه. وقول
العرب: مررت بماء قعدة رجل. فـ (قعدة) حال من (ماء) . و (قيامًا) حال
من (قوم) . ويجوز القياس على ما ورد من ذلك. لكن الإتيان بالمسوغ أفضل؛
محاكاة للكثير من كلام العرب.
(4) طلل: ما تبقى بارزًا من آثار الديار. خلل: بكسر الخاء جمع خلة وهي
بطانة تغشى بها أجفان السيوف.
…إعرابه: (لمية) جار ومجرور. خبر مقدم. (موحشًا) حال تقدم على صاحبه
(طلل) مبتدأ مؤخر (يلوح) فعل مضارع. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازاً
تقديره (هو) يعود إلى (طلل) والجملة صفة لطلل. (كأنه) حرف تشبيه ينصب
الاسم ويرفع الخبر. والهاء اسمه. (خلل) خبر كأن. والجملة حال من الضمير
المستتر في (يلوح) .
فـ (موحشًا) حال من (طلل) وهو نكرة. وإنما
جاز ذلك لتأخره عن الحال. (1)
وقول المصنف: (وصاحبِها التعريفُ) معطوف على ما قبله. والتقدير: وشرطُ
صاحبِها التعريف.
باب التمييز
قوله: (والتَمْيِيزُ، وهُوَ اسْمٌ فَضْلةٌ نَكِرَةٌ جَامِدٌ مُفَسِّرٌ
لما انبهم مِنَ الذَواتِ) .
التمييز من منصوبات الأسماء في غالب أحواله. وقوله: (والتمييز) بالرفع
عطفًا على ما تقدم. وقد ذكر المصنف أن التمييز ما اجتمع فيه خمسة أمور:
1-أن يكون اسمًا.
2-أن يكون فضلة، وهو ما يمكن الاستغناء عنه.
3-أن يكون نكرة.
4-أن يكون جامدًا. (2)
5-أن يكون مفسرًا لما انبهم من الذوات.
مثاله: اشتريت رطلاً عسلاً. فـ (عسلاً) تمييز؛ وهو اسم بدليل تنوينه،
ونكرة؛ لأنه لا يدل على معين؛ وقد فَسَّر الإبهام في اسم الذات الذي
قبله؛ لأن قولك: اشتريت رطلاً ... فيه إبهام، لأن السامع لا يفهم ما
تريد بالرطل هل تريد عسلاً أو تمرًا أو سمنًا؟ فإذا قلت: عسلاً زال
الإبهام، وفُهم المراد، لأنك ميزت له (الرطل) وبينت المقصود به، ولذلك
يسمى لفظ (عسلاً) : تمييزاً. والاسم الذي قبله: مُمَيَّزًا، والتمييز
والتبيين والتفسير ألفاظ مترادفة معناها واحد.
__________
(1) هذا وجه الاستشهاد على ما أراد ابن هشام وفيه نظر؛ لأن النكرة قد
تخصصت بالوصف بجملة (يلوح) فيكون من الثاني. إلا أن يقال. إن التقديم
قد حصل فيكون مسوغًا والله أعلم.
(2) الاسم الجامد هو الذي لم يؤخذ من غيره. وإنما وضع على صورته
الحالية فليس له أصل يرجع إليه مثل: باب، رجل. غصن.. وهو إما اسم ذات
كهذه الأمثلة. أو اسم معنى مثل: ذكاء، سماحة، فهم.. ويقابله المشتق وهو
ما أخذ من غيره. كـ (قائم مذموم، حسن) . ومجئ التمييز جامدًا إنما هو
باعتبار الغالب. وإلا فقد يكون مشتقًا نحو: لله در خالد فارسًا.
قوله: (وَأَكْثَرُ وقُوعِهِ بَعْدَ
المقَادِير، كَجَرْيبٍ نخْلاً، وصَاعٍ تَمْراً، ومَنَوَيْنِ عَسَلاً،
والْعَدَدِ نَحْوَ: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} (1) إِلى تِسْعٍ
وتِسْعِينَ، ومِنْهُ تَمْييزُ كم الاسْتْفْهَامِيةَ نَحْوِ: (كَمْ
عَبْداً مَلَكَتْ) ، فأمَّا تَمْيِيزُ الخَبريةِ فَمَجْرورٌ مُفردٌ
كَتَمْييزْ المائةِ ومَا فَوْقَهَا، أو مَجْمُوعٌ كَتَمْييزِ
العَشَرَةِ ومَا دُونَها ولَكَ في تَمْيِيْزِ الاسْتِفْهَامِيَّة
الْمَجْرُوِرَةِ بالحرْفِ جَرٌ ونَصْبٌ) .
التمييز نوعان:
1-تمييز مفرد أو تمييز ذات. وهو المراد بقوله (وأكثر وقوعه) وهو الذي
عرفه المصنف فيما مضى.
2-تمييز نسبة أو تمييز جملة. وهذا سيأتي إن شاء الله.
فأما تمييز المفرد فأكثر مواضعه:
1-بعد المقادير وهي عبارة عن ثلاثة أشياء: المساحة، نحو: اشتريت جريبًا
(2) نخلاً. بعته ذراعًا صوفًا. والكيل نحو: تصدقت بصاع تمرًا. والوزن
نحو: أعطيته منوين (3) عسلاً. اشتريت رطلاً سمنًا. فـ (نخلاً) تمييز
منصوب. وهكذا ما بعده.
__________
(1) سورة يوسف، آية: 4.
(2) الجريب في الأصل اسم للوادي ثم استعير للقطعة المميزة من الأرض.
ويختلف مقدارها من مكان إلى مكان آخر. ويطلق الجريب على غير ذلك.
(3) منوين تثنية منا كعصا. مقصور وهو الذي يوزن به. قيل هو رطلان ويطلق
- أيضًا - على ما يُكال به السمن ونحوه.
2-بعد العدد. والتمييز بعد العدد جمع مجرور
مع الثلاثة والعشرة وما بينهما نحو: عندي خمسة أقلامٍ وثلاث مسَّاحاتٍ،
ومفرد منصوب مع أحد عشر وتسعة وتسعين وما بينهما نحو: في الكتاب خمس
وسبعون صفحةً، وفي كل صفحة تسعة عشر سطرًا، ومنه قوله تعالى: {أَحَدَ
عَشَرَ كَوْكَبًا} (1) وقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ
وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} (2) ومفرد مجرور مع المائة والألف نحو: في
المزرعة ألف نخلةٍ ومائة شجرةٍ.
ومن تمييز العدد: تمييز (كم) الاستفهامية (وهي الأداة التي يسأل بها عن
معدود) . وهو مفرد منصوب بها نحو: كم حديثاً حفظت؟ فـ (حديثاً) منصوب
على التمييز لـ (كم) . و (كم) مفعول مقدم. إلا إذا دخل عليها حرف جر
فإنه يكون مجرورًا كما سيأتي.
وأما تمييز (كم) الخبرية (وهي أداة للإخبار عن معدود كثير) فإن تمييزها
مجرور دائمًا بإضافتها إليه. وهو إما مفرد - كما تقدم في تمييز المائة
وما فوقها - نحو: كم مرةٍ يخطئ إلي أخي وأنا أغفر له. وإما جمع - كما
تقدم في تمييز الثلاثة والعشرة وما بينهما - نحو: كم ساعاتٍ قضيتها
لاهيًا لِلَّهِ
وقوله: (وَلَكَ في تَمْيِيْزِ الاسْتِفْهَامِيَّة الْمَجْرُوِرَةِ
بالحرْفِ جَرٌ ونَصْبٌ) .
معناه أن (كم) الاستفهامية إذا دخل عليها حرف جر جاز في تمييزها الجر
بـ (من) ظاهرة أو مقدرة، نحو: بكم ريالٍ اشتريت هذا الكتاب؟ بكم من
ريال ... ؟ فإن وجدت (من) فهي ومجرورها متعلقان بـ (كم) ، وإلا
فالتمييز مجرور بالإضافة، أو بـ (من) مضمرة. والوجه
__________
(1) سورة يوسف، آية: 4.
(2) سورة ص، آية: 23.
الثاني في تمييزها النصب وتقدم. (1)
قوله: (وَيَكُونُ التَّمْييزُ مُفسِّراً للنِّسْبَةِ مُحَوَّلاَّ كـ
{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} (2) {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ
عُيُونًا} (3) {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا} (4) أَوْ غَيْرَ
مُحَوَّلٍ نَحْوَ: (امْتَلأ الإنَاءُ مَاءً)) .
هذا النوع الثاني من نوعي التمييز وهو تمييز النسبة، وهو التمييز الذي
يزيل الإبهام عن المعنى العام بين طرفي الجملة. وهو المعنى المنسوب
فيها لشيء من الأشياء.
مثاله: إذا قلت: طاب المكان. نجد أن في الجملة إبهاماً ولكنه لا يقع
على كلمة واحدة - كما في تمييز المفرد أو تمييز الذات - وإنما ينصبُّ
على الجملة كلها، وهو نسبة الطيب إلى المكان، إذا لا ندري ما المراد
به؛ أهو هواؤه أم ماؤه أم تربته؟ فإذا قلنا: طاب المكان هواءً، تعين
المراد واتضحت نسبة الطيب إلى المكان. ولذلك يسمى لفظ (هواء) تمييزاً؛
لأنه أزال إبهامًا في نسبة شيء إلى شيء.
وتمييز النسبة نوعان:
الأول: تمييز محول. وهو ثلاثة أقسام:
__________
(1) أما إعراب (كمْ) فهي مبتدأ إذا وقع بعدها فعل لازم نحو: كم طالباً
حضر؟، أو فعل متعدِّ استوفى مفعوله نحو: كم كتاباً قرأته. أو وقع بعدها
ظرف أو جار ومجرور نحو: كم طفلاً عندك؟ كم طالباً في الفصل؟ . وتعرب
مفعولاً به إذا وقع بعدها فعل متعدّ لم يستوف مفعوله نحو: كم كتاباً
قرأت؟ وتعرب ظرفاً إذا وقعت على زمان أو مكان نحو: كم يوماً صمت؟ كم
ميلاً مشيت؟ وإن وقعت على حدث فهي مفعول مطلق نحو: كم زيارة زرت
المريض؟
وإن سبقت بحرف جر أو مضاف فهي في محل جر نحو: في كم ساعة تقرأ سورة
البقرة؟ مساعدة كم فقيراً قدمت؟ وقد تصلح مبتدأ أو خبراً في نحو: كم
مالك؟ ...
(2) سورة مريم، آية 4.
(3) سورة القمر، آية: 12.
(4) سورة الكهف، آية: 34.
1-محول عن الفاعل نحو: حَسُنَ الشاب خلقًا،
فـ (خلقًا) تمييز نسبة لأنه أزال الإبهام في نسبة الحُسْن إلى الشاب.
وهو محول عن الفاعل، إذ الأصل: حَسُنَ خُلُقُ الشاب. ومنه قوله تعالى:
{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} (1) فـ (شيباً) تمييز نسبة محول عن
الفاعل لأن أصله: واشتعل شيب الرأس. (2)
2-محول عن المفعول نحو: وفَّيتُ العمال أجوراً. فـ (أجورًا) تمييز
نسبة، لأنه أزال الإبهام في نسبة التوفية إلى العمال، وهو منقول عن
المفعول، والأصل: وفَّيت أجور العمال، ومنه قوله تعالى: {وَفَجَّرْنَا
الْأَرْضَ عُيُونًا} (3) فـ (عيونًا) تمييز نسبة محول عن المفعول؛ لأن
تقديره: وفجرنا عيون الأرض.
3-محول عن غيرهما كالمحول عن المبتدأ، وذلك بعد اسم التفضيل الصالح
للإخبار به عن التمييز، نحو: الحرير أغلى من القطن قيمةً. فـ (قيمة)
تمييز محول عن المبتدأ، إذ الأصل: قيمةُ الحرير أغلى من قيمة القطن.
ومنه قوله تعالى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا} (4) فـ (مالاً) تمييز
محول عن المبتدأ، وأصله: مالي أكثر من مالك.
القسم الثاني: من تمييز النسبة: تمييز غير محول. نحو: امتلأ الإناء
ماءً، فـ (ماءً) تمييز غير محول عن شيء، بل هو تركيب وضع ابتداء هكذا
(5) . ومنه قولهم: (لله دره فارسًا) . ونحوه مما يفيد التعجب. وهذا
القسم قليل في الكلام.
__________
(1) سورة مريم، آية 4.
(2) وهذا التحويل لغرض المبالغة والتوكيد؛ لأن ذكر الشيء مجملاً ثم
مفسرًا أوقع في النفس من ذكره مفسرًا من أول الأمر.
(3) سورة القمر، آية: 12.
(4) سورة الكهف، آية: 34.
(5) إلا إذا قلنا إن التمييز المحول لا يلزم أن يكون فاعلاً للفعل
المذكور فيصح أن يكون من المحول عن الفاعل والأصل: ملأ الماء الإناء.
قوله: (وقَدْ يُؤكِّدَانِ نَحْوُ: {وَلَا
تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (1) وقَوْلَه: (مِنْ خَيْرِ
أَدْيَانِ الْبَرِيِّة دِيناً) ومِنْهُ: (بِئْسَ الْفَحْلُ فَحْلُهُمُ
فَحْلاً) خلافاً لسيبويه) .
أي: قد يأتي الحال والتمييز مؤكدين. فلا تكون الحال لبيان الهيئة ولا
يزيل التمييز إبهاماً. بل يفيدان مجرد التأكيد.
فالحال المؤكدة: هي التي لا تفيد معنى جديداً سوى التوكيد نحو: لا تظلم
الناس باغيًا. فـ (باغيًا) حال من الفاعل. وهي مؤكدة لقوله: (لا تظلم)
؛ لأن الظلم هو البغي. ولو حذفت لفهم معناها مما بقي من الجملة. ومنه
قوله تعالى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} فـ (مفسدين)
حال من الواو، وهي مؤكدة لقوله (لا تعثوا) ؛ لأن العَثْوَ هو الفساد
معنى. وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ
جَمِيعًا} (2) فـ (جميعًا) حال من (ما) وهي مؤكدة، لأن العموم مستفاد
من لفظ (ما) .
وأما التمييز المؤكد فكقول أبي طالب:
ولقد علمت بأن دين محمد ……من خير أديان البرية دينا (3)
فـ (ديناً) تمييز مؤكد لما سبقه، إذ لو حذف لفهم معناه مما بقي من
الكلام.
ومنه أيضاً قول جرير:
والتَّغْلَبِيُّون بئس الفحلُ فحلُهمُ …فحلاً وأُمهمُ زَلاَّءُ
مِنْطِيقُ (4)
__________
(1) سورة البقرة، آية: 60.
(2) سورة البقرة، آية: 29.
(3) من خير: جار ومجرور خبر (أن) . و (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر
مجرور بالياء. والجار والمجرور متعلق بالفعل (علم) .
(4) الفحل: أراد به الأب (زلاء) بفتح الزاي وتشديد اللام وآخره همزة هي
المرأة قليلة لحم الأليتين (منطيق) أي: تعظم عجيزتها بالخرق لتغطي
هزالها بسبب امتهانها في الأعمال. وهذا دليل شدة الفقر وسوء الحال.
إعرابه: (والتغلبيون) مبتدأ أول مرفوع بالواو. (بئس) فعل ماض جامد
لإنشاء الذم (الفحل) فاعل بئس والجملة خبر مقدم (فحلهم) مبتدأ مؤخر.
والهاء مضاف إليه والميم علامة الجمع. والجملة في محل رفع خبر المبتدأ
الأول. (وأمهم زلاء) مبتدأ وخبر مِنْطيقُ صفة أو خبر بعد خبر.
فـ (فحلاً) تمييز مؤكد لما سبقه، إذ لو حذف لفهم معناه مما بقي من
الكلام.
وقول المصنف: (خلافاً لسيبويه) أي في هذا الشاهد. فإن سيبويه وأتباعه
لا يجيزون الجمع بين فاعل (نعم) إذا كان اسمًا ظاهرًا وبين التمييز -
كما في هذا البيت -، فلا تقول: نعم الرجل رجلاً إبراهيم. لأن التمييز
لرفع الإبهام، ولا إبهام مع ظهور الفاعل. وعندهم أنه حال مؤكدة.
والصحيح الجواز لوروده عن العرب شعرًا ونثرًا. أما الشعر فالشاهد
المذكور وغيره (1) . وأما النثر فقول الحارث بن عباد لما بلغه قتلُ
ابنه في حرب (البسوس) (2) : (نعم القتيلُ قتيلاً أصلح بين بكر وتغلب)
فـ (قتيلاً) تمييز، والفاعل (القتيل) .
ولا يلزم أن يكون التمييز لرفع الإبهام، فقد يكون للتوكيد كقوله تعالى:
{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} (3)
فـ (شهرًا) تميز مؤكد لقوله سبحانه (إن عدة الشهور) ، كقولك: عندي من
الرجال عشرون رجلاً. فـ (رجلاً) تمييز مؤكد لقولك (من الرجال) ، وإذا
كانت الشواهد على الجواز كثيرة فلا حاجة إلى التأويل الذي لجأ إليه
المانعون. |