تعجيل الندى بشرح قطر الندى باب التوابع
1- النعت
قوله: (يَتْبَعُ مَا قَبْلَهُ في إِعْرَابِهِ خَمْسَةٌ: النَّعْتُ،
وَهُوَ التَّابعُ المُشْتَقُّ أَوِ المُؤَوَّلُ بِهِ المُبَايِنُ
لِلَفْظِ مَتْبُوعِهِ، وَفَائِدَتُهُ تَخْصِيصٌ أَوْ تَوْضِيحٌ أَوْ
مَدْحٌ أَوْ ذَمٌّ أَوْ تَرَحُّمٌ أَوْ تَوْكِيدٌ) .
التوابع جمع تابع، وهو لفظ متأخر دائماً
يتقيد في نوع إعرابه بنوع الإعراب في لفظ معين متقدم عليه. يسمى
(المتبوع) ، نحو: جاء الرجلُ المهذبُ. رأيت الرجلَ المهذبَ، سلمت على
الرجل المهذبِ فلفظ (المهذب) تابع لكلمة (الرجل) في إعرابه رفعًا
ونصبًا وجرًا.
والتوابع خمسة وهي: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، وعطف النسق، والبدل.
فالأول: النعت، وهو: التابع المشتق أو المؤول به المباينُ للفظ متبوعه.
فقوله: (التابع) هذا جنس يشمل التوابع كلها.
وقوله: (المشتق أو المؤول به) . فيه بيان الأشياء التي ينعت بها فذكر
شيئين:
1-الاسم المشتق. وهو ما دل على معنى وصاحبه كـ (قائم، وكاتب، ومهذب،
وحسن، وأفضل) .
2-المؤول بالمشتق. وهو الاسم الجامد المشبه للمشتق في المعنى، كاسم
الإشارة نحو: مررت بزيد هذا. أي: الحاضر. و (ذي) بمعنى صاحب نحو: مررت
برجل ذي مال. أي: صاحب مال.
وأسماء النسب نحو: مررت برجل تميمي، أي: منسوب إلى تميم (1) .
وخرج بذلك بقية التوابع، فإنها لا تكون مشتقة ولا مؤولة به، ألا ترى
أنك تقول في التوكيد: جاء القوم أجمعون. وفي عطف البيان والبدل: جاء
صالح أبو عبد الله، وفي عطف النسق: جاء خالد وهشام. فتجدها توابع
جامدة.
وما جاء في بعضها مشتقاً فليس بشرط فيه، فعطف النسق قد يكون بين
مشتقين. ولكن ذلك ليس بشرط كما في النعت نحو: أبوك كريم وعالم. وكذا
التوكيد اللفظي نحو: جاء خالد الفاضل الفاضل.
وقوله: (المباين للفظ متبوعه) لإخراج التوكيد اللفظي (2) . لأنه عين
متبوعه.
وأشهر الأغراض التي يفيدها النعت ما يأتي:
__________
(1) ومن المؤول بالمشتق الجملة الواقعة نعتًا كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا
يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} . والمصدر نحو: مررت برجل
عدل.
(2) ويبقى عطف النسق بين مشتقين داخلاً في تعريف المصنف إلا بالتفسير
الذي ذكرنا وهو أنه ليس بشرط فيه بخلاف النعت.
1- التخصيص إن كان المتبوع نكرة، والمراد
به: تقليل الاشتراك المعنوي في النكرة، وتضييق عدد ما تشمله، نحو: جاء
رجل تاجر.
2- الإيضاح إن كان المتبوع معرفة، والمراد به: إزالة الاشتراك اللفظي
فيها ورفع الاحتمال الذي يتجه إلى معناها: حضر خالد الكاتب.
3-مجرد المدح نحو: رضي الله عن عمر بن الخطاب الشاملِ عدلُه الرحيمِ
قلبُه.
4-مجرد الذم نحو: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
5-الترحم- أي إظهار الرحمة والحنان لغيرك - نحو: اللهم ارحم عبدك
المسكين.
6-التوكيد كقوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ
وَاحِدَةٌ (13) } (1) فـ (واحدة) نعت لـ (نفخة) وهو للتوكيد؛ لأن
الواحدة تفهم من اسم المرة (نفخة) .
قوله: (وَيَتْبَعُ مَنْعُوتَهُ في وَاحِدٍ مِنْ أَوْجُهِ الإِعْرَابِ،
وَمِنَ التَّعْريفِ وَالتَّنْكِيرِ، ثُمَّ إِنْ رَفَعَ ضَمِيراً
مُسْتَتِراً تَبِعَ في واحِدٍ مِنَ التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ،
وَوَاحِدٍ مِنَ الإِفْرَادِ وَفَرْعَيْهِ، وَإِلاَّ فَهُوَ كَالفِعْلِ،
وَالأَحْسَنُ جَاءَنِي رَجُلٌ قُعُودٌ غِلْمَانُهُ ثُمَّ قَاعِدٌ ثُمَّ
قَاعِدُونَ) .
النعت نوعان:
1-حقيقي: وهو ما دل على صفة في اسم قبله، نحو: أقمت في المنزل الفسيح،
فـ (الفسيح) نعت حقيقي، لأنه دل على صفة في الاسم الذي قبله، وهو
(المنزل) ، لأن المتصف بالفساحة حقيقة هو المنزل، فسمى هذا النعت:
نعتاً حقيقيًا.
وعلامته: أن يشتمل النعت على ضمير مستتر يعود على المنعوت.
__________
(1) سورة الحاقة، آية: 13.
2-سببي: وهو ما دل على صفة في اسم له
ارتباط بالمتبوع، نحو: أقمت في المنزل الفسيح فناؤه. فـ (الفسيح) نعت،
ولكنه ليس للمتبوع (المنزل) إذ ليست الفساحة - هنا - صفة المنزل. وإنما
هي صفة لما بعده وهو (فناؤه) غير أنه لما كان للفناء ارتباط بالمنزل.
جاز أن نقول عن صفة الفِنَاءِ إنها صفة للمنزل، ومن أجل ذلك يسمى لفظ
(الفسيح) في هذا المثال نعتاً غير حقيقي أو نعتًا سببيًا (1) ، فـ
(الفسيح) نعت مجرور بالكسرة (فناؤه) فاعل للصفة مرفوع بالضمة، والهاء
مضاف إليه.
وعلامته: أن يأتي بعد النعت اسم ظاهر مرفوع بالنعت، مشتمل على ضمير
يعود على المنعوت.
وأما مطابقة النعت لمنعوته فقد ذكر المصنف - رحمه الله - أن النعت
بنوعيه يتبع منعوته في رفعه ونصبه وجره. وفي تعريفه وتنكيره.
وأما ما يتعلق بالإفراد وفرعيه والتذكير والتأنيث. فإن كان النعت
حقيقياً تبع منعوته في إفراده وتثنيته وجمعه وفي تذكيره وتأنيثه.
وإن كان النعت سببياً فهو بمنزلة الفعل الذي يصح أن يحل محله ويكون
بمعناه. فيلزم الإفراد، ويراعي في تذكيره وتأنيثه الاسم الذي بعده.
مثال الحقيقي: هذا منزلٌ واسعٌ، سقيت كلبًا لاهثًا، اقبل النصح من أخٍ
مخلصٍ، أكرمت الطالبَ المهذبَ. دخلت مكتبةً واسعةً، هاتان فتاتان
عاقلاتان، عاشرت إخوانًا مستقيمين.
مثال السببي: هذا منزل واسعٌ فناؤه، أكرمت الطالبَ المهذبةَ أخلاقُه،
عاشرت إخواناً مستقيمةً أخلاقُهم. مررت بالرجلِ الجديدِة سيارتُه.
وقول المصنف - رحمه الله -: (والأحسن جاءني رجل قعودٌ غلمانهُ ثم قاعد
ثم قاعدون) .
__________
(1) السببي هو الضمير العائد على المنعوت لأن السبب لغةً الحبل. والحبل
من شأنه أن يربط به فلما كان الضمير يقع للربط أطلق عليه ذلك. وقيل:
السبب هو الاسم المتصل بالضمير العائد على المنعوت لاتصاله بالسبب الذي
هو الضمير.
معناه: أنه إذا كان السببي - وهو مرفوع
النعت - جمع تكسير جاز أن يجمع النعت جمع تكسير، لجريانه مجرى المفرد.
فتقول: هؤلاءِ زملاءٌ كرامٌ آباؤهم، وجاءني رجل قعود غلمانه، وجاز أن
يفرد النعت فتقول: هؤلاءِ زملاءٌ كريمٌ آباؤهم. وجاءني رجلٌ قاعدٌ
غلمانُه بالإفراد.
وظاهر كلام المصنف أن جمعه أرجح من إفراده؛ لأنه قدم الجمع على
الإفراد، وقيل إفراده أرجح؛ لأنه حلَّ محل الفعل، والفعل وإذا أسند
لجمع أُفرد؛ فتقول: كَرُمَ آباؤهم، وقَعَدَ غلمانه، لا كرموا. وقعدوا،
على اللغة المشهورة كما مضى في باب الفاعل.
وهناك وجه ثالث - كما ذكر المصنف - وهو جمعه جمع مذكر سالم، وهذا ضعيف،
كما نص عليه المصنف في الشذور. (1)
قوله: (وَيَجُوزُ قَطْعُ الصِّفَةِ المَعْلُوم مَوْصُوفُهَا حَقِيقَةً
أَوِ ادِّعَاءً رَفْعًا بِتَقْدِيرِ هُوَ، وَنَصْبًا بِتَقْدِيرِ
أَعْنِي أَوْ أَمْدّحُ أَوْ أَذُمُّ أَوْ أَرْحَمُ) .
الأصل أن النعت يتبع منعوته في إعرابه - كما تقدم - ويجوز لداع بلاغي
قطع هذا النعت عن التبعية لمنعوته، فلا يتبعه في علامة الإعراب. بل
يعطي إعراباً جديدًا، فإن كان المنعوت مرفوعًا وأردنا قطع النعت - لداع
بلاغي (2) - قطعناه إلى النصب، نحو: جاء محمدٌ العالمَ، وإن كان
المنعوت منصوبًا وأردنا قطع النعت قطعناه إلى الرفع نحو: رأيت محمدًا
المسكينُ، وإن كان المنعوت مجروراً جاز قطعه إلى الرفع أو النصب نحو:
آمنت بالأنبياءِ الهداةُ، أو الهداةَ.
__________
(1) انظر: شرح شذور الذهب ص 432.
(2) الغرض من القطع: غرض بلاغي محض وهو التشويق وتوجيه الذهن إلى هذا
النعت المقطوع، وأنه ذو أهمية بالغة تستدعي مزيدًا من الانتباه. ولذا
جعل في جملة جديدة الغرض منها إنشاء المدح أو الذم أو الترحم إلخ.
ولهذا لا يستعمل القطع مع من يجهله لئلا يحكم على المتكلم بأنه أخطاء
في حركة الكلمة.
فرفْعُه على أنه خبر لمبتدأ محذوف، تقديره:
(هو) ، ونصبه بإضمار فعل تقديره: (أعني) في النعت الموضِّح. أو (أمدح)
في المدح أو (أذم) في الذم، أو (أرحم) في الترحم، أو غير ذلك مما يناسب
النعت، ويجب حذف المبتدأ أو الفعل إذا كان النعت المقطوع لمدح أو ذم أو
ترحم؛ لأنه من العوامل الواجبة الحذف، فإن كان لغير ذلك جاز ذكره
وحذفه.
وشرط القطع أن يكون المنعوت معلومًا ومتعينًا بدون النعت، إما حقيقة أو
ادعاء بأن ينزل المنعوت غير المعلوم منزلة المعلوم لأمر ما.
فالمعلوم حقيقة كما تقدم، والمعلوم ادعاء نص عليه سيبويه في كتابه (1)
فقال: (وقد يجوز أن تقول: مررت بقومك الكرامَُ - أي بالرفع والنصب -
إذا جعلت المخاطب كأنه قد عرفهم، كما قال: مررت برجلٍ زيدٌ، فتنزله
منزلة من قال لك: من هو؟ وإن لم يتكلم به، فكذلك هذا تنزله هذه المنزلة
وإن كان لم يعرفهم) .
ومن الأمثلة قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) }
(2) فقد قرأ عاصم بنصب (حمالة) على أنه مفعول به لفعل محذوف وجوبًا
تقديره: أذم، وقرأ بقية السبعة بالرفع على الاتباع؛ لأن نعت المرفوع
مرفوع.
2- التوكيد
قوله: (وَالتَّوْكِيدُ وَهُوَ إِمَّا لَفْظِيٌّ نحْوُ: (أَخَاكَ
أَخَاكَ إِنَّ مَنْ لا أَخا لَهُ) وَنحْوُ: (أَتَاكِ أَتَاكِ
الَّلاحِقُونَ احْبِسِ احْبِسِ) وَنحْوُ: (لاَ لاَ أَبُوحُ بِحُبِّ
بَثْنَةَ إِنَّهَا) وَلَيْسَ مِنْهُ {دَكًّا دَكًّا} (3) و {صَفًّا
صَفًّا} (4) .
الثاني من التوابع: التوكيد المراد به: المؤكِّد - بكسر الكاف - من
إطلاق المصدر مراداً به اسم الفاعل، ويقال: التأكيد - بالهمزة - والأول
أفصح، كما في القاموس.
وهو قسمان: لفظي، وهو المراد هنا، ومعنوي، ويأتي إن شاء الله.
__________
(1) كتاب سيبويه (2/70) .
(2) سورة المسد، آية: 4.
(3) سورة الفجر، آية: 21.
(4) سورة الفجر، آية: 22.
فاللفظي: إعادة اللفظ الأول: بعينه، سواء
كان اسمًا كقول الشاعر:
(3) أخاك أخاك إنَّ من لا أخا له …كساع إلى الهيجا بغير سلاح (1)
فـ (أخاك) مفعول به لفعل محذوف وجوبًا، لأنه من باب الإغراء تقديره:
الزم أخاك - مثلاً - وهو منصوب بالألف لأنه من الأسماء الخمسة، والكاف
مضاف إليه. و (أخاك) الثاني توكيد لفظي.
أو كان فعلاً وحده، أو مع فاعله كقول الشاعر:
فأينَ إلى أينَ النجاةُ ببغلتي ……أتاكِ أتاكِ اللاحقونَ احبسِ احبسِ
(2)
فقوله (أتاكِ أتاكِ) فيه توكيد الفعل بالفعل. و (اللاحقون) فاعل (أتاك)
الأول، والثاني جيء به للتوكيد فلا فاعل له.
وفي قوله: (احبسِ احبسِ) وقع الفعل الثاني مع فاعله المستتر توكيدًا
للأول مع فاعله.
أو كان حرفًا كقول الشاعر:
(1) لا لا أبوح بحب بَثْنَةَ إنها ……أخذت عليَّ مواثقاً وعهودا (3)
__________
(1) الهيجا: بالمد والقصر. وهنا بالقصر وهي الحرب.
إعرابه: (إن) حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر (من) اسم موصول
مبني على السكون في محل نصب اسم (إن) (لا أخا له) لا نافية للجنس. و
(أخا) اسمها (له) خبرها، والجملة لا محل لها صلة. (كساع) جار ومجرور
خبر (إن) .
(2) النجاة: بهاء التأنيث وفي شرح الفاكهي (النجاء) بالمد وهو الإسراع.
إعرابه: (فأين) الفاء بحسب ما قبلها و (اين) اسم استفهام مبني على
الفتح في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بفعل محذوف يدل عليه
السياق والتقدير: فأين تذهب، ولو جعلته في محل جر بحرف مقدر يدل عليه
ما بعده فلا بأس والتقدير: فإلى أين؟ (إلى أين) خبر مقدم (النجاة)
مبتدأ مؤخر. (ببغلتي) جار ومجرور متعلق بالنجاة.
(3) لا أبوح: لا أفشي ولا أظهر، بثنة: هي بثينة ولكن تصرف في اسمها
تمليحاً.
إعرابه: "لا" حرف نفي "لا" توكيد للأول (أبوح) فعل مضارع مرفوع، وفاعله
ضمير مستتر وجوباً تقديره (أنا) (بحب) جار ومجرور متعلقان بالفعل
"أبوح" وهو مضاف و (بثنة) مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف
للعلمية والتأنيث (إنها) إن: حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر.
والهاء اسمها. وجملة (أخذت) في محل رفع خبر (إن) (عليَّ) جار ومجرور
متعلق بالفعل (أخذ) (مواثقاً) مفعول به منصوب وقد نونه للضرورة وإلا
فحقه المنع من الصرف (وعهوداً) معطوف على ما قبله.
ثم ذكر المصنف - رحمه الله - أنه ليس من
تأكيد الاسم قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا
دَكًّا (21) } (1) {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) }
(2) . لأن معنى (دكًا دكًا) أي: دكًا بعد دك. وأن الدك كرر عليها حتى
صارت منخفضة الجبال، وعلى هذا فهو (حال) ، والدكُّ هو حط المرتفع
والتسوية، ومعنى (والملك صفًا صفًا) أي: تنزل ملائكة كل سماء فيصفون
صفًا بعد صف محدقين بالجن والإنس. وعلى هذا فهو (حال) .
والظاهر أن قوله تعالى (دكًا دكًا) من باب التوكيد، وعليه كثير من
النحاة كما قال (الفاكهي) في شرحه على القطر (3) ، وجرى عليه ابن هشام
نفسه في كتابه "شذور الذهب" (4) لأن الدك في القيامة مرة واحدة، بدليل
قوله تعالى: {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً
وَاحِدَةً (14) } (5) فيكون اللفظ الثاني مؤكداً للأول.
وأما قوله تعالى: (صفًا صفًا) فالظاهر أنه ليس بتوكيد، بل هو حال على
ما تقدم، أي: مصطفين، أو ذوي صفوف كثيرة، والله أعلم. (6)
__________
(1) سورة الفجر، آية: 21.
(2) سورة الفجر، آية: 22.
(3) مجيب النّدا (2/224) .
(4) شرح شذور الذهب ص428.
(5) سورة الحاقة، آية: 14.
(6) هذا التقدير مبني على قولهم إن مجيء الحال مصدراً غير مقيس، وأنه
لابد من تأويله بوصف. والصواب أنه مقيس لكثرة وروده في أفصح كلام وهو
القرآن الكريم. ولا داعي للتأويل قال تعالى: {ثُمَّ إِنِّي
دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً} وقال تعالى: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً
وَطَمَعاً} وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ
الْيَتَامَى ظُلْماً} وقال تعالى: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا
النِّسَاءَ كَرْهاً} .
قوله: (أَوْ مَعْنَويٌ، وَهُوَ بِالنَّفْسِ
وَالعَيْنِ مُؤَخَّرَةً عَنْهَا إِنِ اجْتَمَعَتَا، وَيُجُمَعَانِ
عَلَى أَفْعُلِ مَعَ غَيْرِ المُفْرَدِ، وَبِكُلٍ لِغَيْرِ مُثَنَّى
إِنْ تَجَزَّأَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِعَامِلِهِ، وبِكِلا وَكِلْتَا لَهُ
إِنْ صَحَّ وُقُوعُ المُفْرَدِ مَوْقِعَهُ وَاتحَدَ مَعْنَى المُسْنَد،
وَيُضَفْنَ لِضَمِيرِ المُؤَكَّدِ، وَبِأَجْمَعَ وَجَمْعَاءَ
وَجَمْعِهِمَا غَيْرَ مُضَافَةٍ) .
النوع الثاني: التوكيد المعنوي وهو: تابع يذكر لرفع احتمال تقديرِ
مضافٍ إلى المتبوع، أو إرادة الخصوص بما ظاهره العموم.
فالأول: يكون بـ (النفس والعين) نحو: حادثني الأمير نفسه. فلو اقتصرنا
على المؤكَّد (بفتح الكاف) لاحتمل أن يكون هناك مضاف محذوف، وأن الذي
حادثك وكيله، أو أمين سره، أو رجل آخر من مساعديه، فإذا ذكر التوكيد
ارتفع ذلك الاحتمال، فـ (نفسه) توكيد معنوي مرفوع، والهاء مضاف إليه.
وإذا اجتمعا - النفس والعين - في اللفظ وجب تأخير (العين) عن النفس؛
لأن النفس عبارة عن جملة الشيء، والعين مستعارة في التعبير عن الجملة،
فتقول: جاء خالد نفسُه عينُه.
ولابد من اتصالهما بضمير مذكور عائد على المؤكَّد مطابق له في الإفراد
والتذكير وفروعهما؛ ليحصل الربط بين التابع والمتبوع. ويجب إفرادهما مع
المفرد - كما تقدم - وأما مع التثنية والجمع فيجمعان جمع تكسير للقلة
على وزن (أَفْعُل) ، وهذا الجمع مع الجماعة واجب، ومع الاثنين أرجح من
الإفراد، فتقول: جاء المحمدان أنفسُهما وأعينُهما (1) ، وجاء المحمدون
أنفسُهم وأعينُهم، وتقول: جاءت الفاطمات أنفسُهن.
__________
(1) هذا أفصح من قولك: (نفساهما) لأن العرب تكره الجمع بين تثنيتين في
لفظ واحد. قال تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ
قُلُوبُكُمَا} فجمع ولم يثن مع أنهما قلبان.
وأما النوع الثاني: من التوكيد المعنوي وهو
ما يراد به رفع احتمال إرادة الخصوص بما ظاهره العموم فهو لفظ (كل)
نحو: قرأت القرآن كلَّه، فلو لم يؤت بكلمة (كل) لكان من المحتمل أن
المراد من المقروء هو الأكثر أو الأقل أو النصف، فلما أردنا رفع هذا
الاحتمال زدنا كلمة (كله) .
ولا يؤكد بها إلا بثلاثة شروط:
الأول: أن يكون المؤكَّد بها غير مثنى، وهو المفرد والجمع.
الثاني: أن يكون المؤكد بها جمعاً له أفراد، أو مفرداً يتجزأ بنفسه، أو
بعامله، فالأول نحو: حضر الضيوف كلُّهم، والثاني نحو: قرأت الكتاب
كلَّه، والثالث نحو: اشتريت الحصان كلَّه؛ لأن الحصان يتجزأ باعتبار
الشراء، ولا يجوز: جاء الضيف كلُّه؛ لعدم الفائدة من التوكيد؛ إذ
يستحيل نسبه المجيء إلى جزء منه دون الآخر.
الشرط الثالث: أن يتصل بها ضمير عائد على المؤكَّد كما في الأمثلة.
فإن كان المؤكد مثنى فله لفظان: (كلا) للمثنى المذكر، و (كلتا) للمثنى
المؤنث، نحو: نجح الأخوان كلاهما، وفازت البنتان كلتاهما، فلولا
التوكيد (كلاهما) لكان من المحتمل اعتبار التثنية غير حقيقية، وأن الذي
نجح هو أحدهما، ويؤكد بهما المثنى بشروط:
1-أن يصح حلول المفرد محلهما، ليمكن توهم إرادة البعض بالكل كما في
المثالين بخلاف: اختصم الزيدان كلاهما، فلا يصح لعدم صحة حلول المفرد
محلهما؛ لأن الاختصام لا يكون إلا بين اثنين، ومن النحاة من يجيز ذلك
محتجًا بأن التوكيد قد يأتي للتقوية أيضاً لا لرفع الاحتمال فقط.
2-أن يتخذ معنى المسند إلى المؤكَّد، فإن اختلف المسند لم يصح نحو: مات
زيد وعاش بكر كلاهما؛ لأن المسند (مات، وعاش) مختلف معناه.
3-أن يتصل بهما ضمير عائد على المؤكَّد بهما.
ثم ذكر المصنف ما يتعلق بتقوية التوكيد،
وأنه يؤكد بـ (أجمع) المفرد المذكر، وبـ (جمعاء) المؤنث (وجمعهما)
فجَمْعُ أجمع: (أجمعون) ، وجَمْعُ جمعاء: (جُمَعُ) ولا يؤكد بها في
الأكثر (1) إلا بعد (كل) ، فلهذا كانت غير مضافة لضمير المؤكَّد نحو:
جاء الجيش كلُّه أجمعُ، قال تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ
أَجْمَعُونَ (30) } (2) . فـ (كلهم) توكيد معنوي لـ (الملائكة) مرفوع
مثله، والهاء مضاف إليه والميم علامة الجمع. (أجمعون) توكيد معنوي ثان،
مرفوع بالواو وتقول: جاءت القبيلة كلُّها جمعاءُ. وجاءت النساء كلُّهن
جُمَعُ.
قوله: (وَهِيَ بِخِلافِ النُّعُوتِ لا يَجُوزُ أَنْ تَتَعَاطَفَ
المُؤَكِّدَاتُ، وَلا أَنْ يَتْبَعْنَ نَكِرَةً، وَنَدَرَ: يَا لَيْتَ
عِدَّةَ حَوْلٍ كُلِّهِ رَجَبُ) .
ذكر المصنف مسألتين:
المسألة الأولى: أن ألفاظ التوكيد مخالفة للنعوت المتعددة؛ في أن
النعوت إذا تعددت جاز الإتيان فيها بالعطف وتركه؛ فتقول: جاء خالدٌ
الفقيهُ الكاتبُ الخطيبُ. ويجوز: جاء خالد الفقيه والكاتب والخطيب.
بواو العطف، لاختلاف معانيها.
وأما ألفاظ التوكيد إذا اجتمعت (3) فإنها لا تتعاطف بل تورد متتابعة
بدون فصل، فلا تقول: جاء عليٌّ نفسُه وعينُه، ولا جاء القوم كلُّهم
وأجمعون. وذلك لأنها بمعنى واحد، والشيء لا يعطف على نفسه.
__________
(1) واستقلالها بدون (كل) قليل قلة نسبية لا تمنع القياس لوروده في
القرآن. كقوله تعالى عن إبليس: {لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} .
(2) سورة الحجر، آية: 30.
(3) لا يجوز اجتماعها إلا لداع بلاغي. وهو إزالة الاحتمالات إزالة لا
تتم إلا بالتعدد. فإن كانت تتم بغيرها فلا داعي لتعدد التوكيد.
المسألة الثانية: أن النعت كما يَتْبَعُ
المعرفة كذلك يتبع النكرة، كما تقدم في بابه، ولا يجوز في ألفاظ
التوكيد أن تتبع النكرة، لأنها معارف بالإضافة (1) فلا تقول: جاء رجل
نفسه. وقد جاء في قول الشاعر:
(2) لكنَّهُ شاقه أن قيل ذا رَجَبُ ……يا ليت عدةَ حولٍ كلِّه رجبُ (2)
حيث أكد الشاعر النكرة. وهي قوله (حول) بـ (كل) ، وحَكَمَ عليه المصنف
بأنه نادر. والصحيح جواز توكيد النكرة إذا اجتمع فيها أمران:
الأول: أن تكون النكرة محدودة، وهي: التي تدل على زمن محدود بابتداء
وانتهاء معينين، أو على شيء معلوم القدر، كشهر وحول. وأسبوع، ويوم،
ودرهم، ودينار.
__________
(1) هذا بالنسبة لألفاظ التوكيد الأصلية وهي النفس والعين وغيرهما. أما
ألفاظ التوكيد الملحقة مثل: أجمع وجمعاء وأجمعون. فهي معارف بالعلمية
لأن كل لفظ منها هو (علم جنس) يدل على الإحاطة والشمول. لأنها ممنوعة
من الصرف والمانع هو تعريف العلمية. وقيل معرفة بنية الإضافة.
(2) شاقه: أي أعجبه وهيجه. والشوق: نزوع النفس إلى الشيء والمعنى: أنه
أعجبه وبعث الشوق إلى نفسه حين قيل له: هذا الشهر هو رجب. وتمنى أن
السنة كلها (رجب) لما فيه من الأنس والسرور.
إعرابه: (لكنه) لكن: حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر والهاء
اسمه. (شاقه) شاق: فعل ماض. والهاء مفعول به (أن قيل) أن: مصدرية.
وقيل: فعل ماض مبني للمجهول (ذا رجب) مبتدأ وخبر في محل رفع نائب فاعل.
وأن ما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل (شاق) وجملة (شاق) وفاعله خبر
(لكن) (يا) للتنبيه أو للنداء والمنادى محذوف. (عدة) اسم ليت (حول)
مضاف إليه (كله) كل توكيد لـ (حول) والهاء مضاف إليه (رجب) خبر ليت.
وقد ذكر محمد عبد الحميد أن الصواب (رجبا) بدليل الأبيات التي قبل هذا
البيت. ويكون الشاعر نصب بـ (ليت) الجزأين معاً (المبتدأ والخبر) أما
على رواية النحاة فهو خبر ليت مرفوع.
الثاني: أن يكون لفظ التوكيد من ألفاظ
الإحاطة والشمول.
وذلك لورود السماع عن العرب كما ذكر المصنف، ولحصول الفائدة؛ لأن
التوكيد يفيد النكرة شيئًا من التحديد والتخصيص يُقَرِّبُها من
التعريف، فتقول: خرجت إلى الريف يومًا كلَّه، سافرت إلى مكة أسبوعاً
جميعَه، تصدقت بدينارِ كلِّه.
بخلاف: عملت زمنًا كَّله، أنفقت مالاً كلَّه، لتخلف الأمر الأول.
وبخلاف: عملت يومًا نفسَه؛ لتخلف الأمر الثاني.
3- عطف البيان
قوله: (وَعَطْفُ البَيَانِ، وَهُوَ تَابعٌ مُوَضِّحٌ، أَوْ مُخَصِّصٌ
جَامِدٌ غَيْرُ مَؤَوَّلٍ، فَيُوَافِقُ مَتْبُوعَهُ كَأَقْسَمَ بِاللهِ
أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ، وَهذَا خَاتَمٌ حَدِيدٌ) .
هذا النوع الثالث من التوابع وهو عطف البيان.
وتعريفه: تابع موضِّح أو مخصِّص، جامد غير مؤول.
وقوله: (تابع) . هذا جنس في التعريف يشمل التوابع الخمسة.
وقوله: (موضح أو مخصص) أي موضح لمتبوعه إن كان معرفة بإزالة ما قد يطرأ
عليها من الشيوع، بسبب تعدد مدلولها، أو مخصص له إن كان نكرة بتحديد
مدلولها وتقليله، فـ (خالد) و (صالح) و (محمد) معارف، لكن قد يحصل لها
شيء من الشيوع بسبب تعدد مدلولها. فلابد من شيء يوضح المراد. ويزيل
الإبهام. و (رجل) لفظٌ مدلوله شائع كامل الشيوع فما جاء لتحديده
وتقليله فهو مخصص له.
وهذا القيد يخرج التوكيد كـ (جاء الأمير نفسُه) وعطف النسق نحو: قرأت
التفسير والحديث، والبدل نحو: قضيت الدين نصفَه. فإنها لا توضح متبوعها
ولا تخصصه. فإن وجد التوضيح في البدل والتوكيد فهو غير مقصود بهما
بالذات.
وقوله: (جامد) أي في الغالب، وهذا يخرج النعت فإنه يوافق عطف البيان في
التوضيح والتخصيص - كما تقدم في بابه - لكنه مشتق.
وقوله: (غير مؤول) أي غير مؤول بمشتق. وهذا يخرج النعت الجامد المؤول
بمشتق، كاسم الإشارة نحو: مررت بعلي هذا. أي المشار إليه.
مثال توضيح المتبوع: أكرمت محمداً أخاك.
فكلمة (أخاك) جاءت لتوضيح المراد بـ (محمد) ، إذ لولا هذا التابع لبقيت
كلمة (محمد) - برغم أنها معرفة بالعلمية - بحاجة إلى مزيد من الإيضاح
والتبيين كما تقدم.
ومنه: أقسم بالله أبو حفص عمر. فـ (عمر) عطف بيان لـ (أبو حفص) وهو
علم، وقد قصد به الإيضاح.
ومثال تخصيص النكرة: سمعت كلمةً خطبةً كثيرة المعاني قليلة الألفاظ.
فكلمة (خطبة) عطف بيان، جاءت لتخصيص النكرة وهو (كلمة) ؛ لأن مدلولاتها
متعددة من شعر ونثر ... ومن خطبة ومقالة.. ولولا هذا التابع لبقيت هذه
الكلمة على شيوعها وتعدد مدلولها.
ومنه: هذا خاتمٌ حديدٌ. فـ (حديد) عطف بيان لـ (خاتم) ذكر لتخصيصه؛ لأن
الخاتم قد يكون حديدًا أو ذهبًا أو غيرهما.
وقول ابن هشام - رحمه الله -: إن عطف البيان يأتي للتوضيح أو التخصيص.
هذا هو الأصل، وإلا فقد يأتي للمدح - على قول بعض المفسرين - كقوله
تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا
لِلنَّاسِ} (1) فـ (البيت الحرام) عطف بيان.
ومجيء عطف البيان معرفة تابعًا لمعرفة لا خلاف فيه.
__________
(1) سورة المائدة، آية 97، وجعل بمعنى: صيَّر. فتنصب مفعولين الأول:
(الكعبة) والثاني: (قياماً) .
وأما مجيئه نكرة فمنعه قوم، محتجين بأن
البيان كاسمه، والنكرة مجهولة، والمجهولا لا يبين المجهول، وأوجبوا
البدلية فيما استند إليه المجيز، وأجازه آخرون وهو الحق؛ لوروده في
آيات من القرآن، يتضح فيها عطف البيان، كقوله تعالى: {مِنْ وَرَائِهِ
جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) } (1) فـ (صديد) نكرة.
وهو عطف بيان لـ (ماء) وهو نكرة، وذلك أنه لما أبهم الماء بَيَّنَهُ
بقوله: (صديد) ، وهو ما يخرج من أجواف أهل النار من قيح ودم وعرق.
وكقوله تعالى: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} (2) فـ
(زيتونه) عطف بيان لـ (شجرة) .
وما احتج به المانعون مردود بأن بعض النكرات قد يكون أخص من بعض،
والأخص يعين غيره.
وعطف البيان يوافق متبوعه في إعرابه. وفي الإفراد والتثنية والجمع،
والتذكير والتأنيث، والتعريف والتنكير، على ما تقدم بيانه في باب
النعت. وسمي بعطف البيان؛ لأنه بمنزلة التفسير والبيان للأول باسم آخر
مرادف له يكون أشهر منه.
قوله: (وَيُعْرَبُ بَدَلَ كُلٍ مِنْ كُلٍ إِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ
إِحْلالُهُ مَحَلَّ الأَوَّلِ كَقَوْلِهِ: (أَنَا ابْنُ التَّارِكِ
البَكْرِيِّ بِشْرٍ) وَقَوْلِهِ: (أَيَا أَخَوَيْنَا عَبْدَ شَمْسٍ
وَنَوْفَلا)) .
القاعدة أن كل عطف بيان يصح أن يعرب بدل كل من كل؛ لما في البدل من
تقرير معنى الكلام وتوكيده بكونه على نية تكرار العامل، إلا إذا امتنع
إحلاله محل الأول فإنه يتعين كونه عطف بيان ولا يعرب بدلاً، كقول
الشاعر:
(1) أنا ابنُ التاركِ البكريِّ بشرٍ ……عليه الطيرُ تَرْقُبُهُ وقوعا
(3)
__________
(1) سورة إبراهيم، آية: 16.
(2) سورة النور، آية: 35.
(3) البكري: المنسوب إلى بكر بن وائل. وهو بشر بن عمرو البكري. والمعنى
أن الشاعر يصف نفسه بالشجاعة وأنه ابن الذي قتل البكري وتركه مجندلاً
في العراء، تنتظر الطير خروج روحه لتنقض عليه فتأكله، فهو شجاع من نسل
شجعان.
…إعرابه: (أنا) مبتدأ (ابن التارك) خبر ومضاف إليه (البكري) مضاف إليه
من إضافة الوصف إلى مفعول (بشر) عطف بيان (عليه الطير) خبر مقدم ومبتدأ
مؤخر (ترقبه) الجملة في محل نصب حال من (الطير) أو من ضميره المستتر في
الخبر (وقوعاً) مفعول لأجله أو حال.
فـ (بشر) عطف بيان على قوله: (البكري) ،
ولا يجوز أن يكون بدلاً منه؛ لأن البدل على نية تكرار العامل، فترفع
المبدل منه وتضع البدل مكانه، فتقول التاركِ بشرٍ. ويلزم على هذا إضافة
الوصف المفرد المقترن بـ (ال) إلى الخالي منها، وهذا لا يجوز، كما تقدم
في باب الإضافة.
وكقول الشاعر أيضًا:
(2) أيا أخوينا عبد شمس ونوفلا ……أعيذكما بالله أن تحدثا حربا (1)
فقوله: (عبد شمس) عطف بيان على قوله: (أخوينا) ، ولا يجوز أن يكون
بدلاً منه؛ إذ لو كان بدلاً منه لكان على تقدير حرف النداء، فيلزم ضمُّ
(نوفلاً) بدل فَتْحِهِ، لأنه مفرد معرفة. والرواية وردت بنصبه، فدل على
أن قوله: (عبد شمس) ليس بدلاً. لأن الشاعر عطف عليه اسماً آخر بالنصب،
مع كون ذلك المعطوف علمًا مفردًا.
والصحيح جواز إعراب عطف البيان بدلاً في هذين البيتين، ولا داعي للضابط
المذكور، فإن المعنى واضح على البدلية كوضوحه على عطف البيان. وهذا
يتمشى مع ما ذكره ابن هشام في المغني (2) وذكره غيره من أنه يغتفر في
الثواني ما لا يغتفر في الأوائل (3) ؛ أي: يغتفر في التابع ما لا يغتفر
في المتبوع. وكون العامل (وهو المضاف وحرف النداء كما في البيتين) لا
يصح وقوعه قبل التابع لا يؤثر. إنما الضرر في عدم صحة وقوعه قبل
المتبوع.
__________
(1) عبد شمس ونوفل من أولاد عبد مناف.
إعرابه: (أيا) حرف نداء (أخوينا) منادى منصوب بالياء لأنه مثنى و (نا)
مضاف إليه (عبد شمس) عطف بيان منصوب (ونوفلا) معطوف عليه منصوب (أن
تحدثا حربًا) في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف متعلق بالفعل (أعيذ)
أي من إحداثكما حربًا.
(2) المغني ص 908.
(3) بل إن الصبان يصرح بأن هذا الاغتفار كثير انظر حاشيته على شرح
الأشموني (2/261) .
وقولهم: إن البدل على نية تكرار العامل لا
يلزم، فإن العرب أصحاب اللغة لا تدري من أمر هذه القاعدة شيئاً، ولن
يترتب على إهمالها وعدم التمسك بها فساد في المعنى ولا في التركيب. وقد
نقل الصبان في حاشيته على الأشموني عن المحقق الرضى قوله: (أنا إلى
الآن لم يظهر لي فرق جلي بين بدل الكل من الكل وبين عطف البيان، بل لا
أرى عطف البيان إلا البدل كما هو ظاهر كلام سيبويه ... ) . (1)
4- عطف النسق
قوله: (وَعَطْفُ النَّسَق بِالْوَاوِ، وهِيَ لِمُطْلَق الْجَمْعِ) .
هذا النوع الرابع من التوابع. وهو عطف النسق.
وتعريفه: هو تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد حروف العطف الآتي ذكرها،
والنَّسَقُ - بفتح السين - مصدر نسقت الكلام أنسُقه؛ أي: واليت أجزاءه،
وربطت بعضها ببعض. والنَّسَقُ بمعنى المنسوق؛ أي الكلام المنسوق بعضه
على بعض.
وحروف العطف هي:
1-الواو: وهي لمطلق الجمع والاشتراك في الحكم بين المعطوف والمعطوف
عليه. ولا تفيد الترتيب ولا المعية إلا بقرينة. فقد يكون المعطوف
متأخرًا عن المعطوف عليه، نحو: تولي الخلافة أبو بكر وعمر رضي الله
عنهما. قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} (2) .
وقد يكون المعطوف سابقًا للمعطوف عليه، نحو: تولى الخلافة عمر وأبو
بكر. قال تعالى: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكَ} (3) . وقد يكون المعطوف مصاحباً للمعطوف عليه فلا تفيد
ترتيباً، نحو: جاء خالد وعليٌّ معه. قال تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ
وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} (4) .
قوله: (وَ (الْفَاءِ) لِلتَرْتِيبِ والتَّعْقِيبِ) .
__________
(1) انظره أيضاً في شرح الكافية للرضى (2/379) وانظر: حاشية الصبان
(3/88) وانظر شرح الفاكهي على القطر (2/232) .
(2) سورة الحديد، آية: 26.
(3) سورة الشورى، آية: 3.
(4) سورة العنكبوت، آية: 15.
2-الفاء: وتفيد التشريك في الحكم مع
الترتيب والتعقيب. ومعنى الترتيب: مجيء المعطوف بعد المعطوف عليه (1) .
ومعنى التعقيب: وقوع المعطوف عقب المعطوف عليه بلا مهلة. وهو في كل شيء
بحسبه، تقول: دخل الخطيب فأنصت الناس، دخلت مكة فالمدينة. قال تعالى:
{ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) } (2) .
قوله: (وَ (ثُمَّ) للتَّرْتِيبِ والتَرَاخِي) .
3-ثم: وتفيد التشريك في الحكم مع الترتيب والتراخي. ومعنى التراخي:
انقضاء مدة زمنية طويلة بين وقوع المعنى على المعطوف عليه ووقوعه على
المعطوف. ومرجع تقدير المدة للعرف، نحو تولى الخلافة عمر ثم عثمان رضي
الله عنهما. قال تعالى: {فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ
أَنْشَرَهُ (22) } (3) .
…قوله: (وَ (حَتَّى) لِلْغَايَةِ والتَدْرِيجِ لا للتَرتيبِ) .
4-حتى: وتفيد الاشتراك في الحكم مع الغاية والتدريج. ومعنى الغاية:
النهاية. أي أن ما بعدها غاية لما قبلها ينتهي الحكم عنده. ومعنى
التدريج: أن ينقضي ما قبلها شيئًا فشيئًا إلى أن يبلغ الغاية. ولهذا
يشترط في المعطوف بها أن يكون بعضًا مما قبله، نحو: فَرَّ الجنود حتى
القائد.
ولا تفيد الترتيب، بل هي كالواو للجمع والاشتراك في الحكم، كما تقدم،
لأنك تقول: حفظت القرآن حتى سورة البقرة. وإن كانت أول ما حفظت.
قوله: (و (أو) لأَحَدِ الشَّيئينِ أو الأَشياءِ مُفيدةً بَعْدَ
الطَّلبِ التَخييرَ أو الإباحة، وبَعدَ الخبرِ الشَّكَّ أو
التَشْكِيكَ) .
__________
(1) الترتيب نوعان: ترتيب معنوي؛ وهو أن يكون زمن تحقق المعنى في
المعطوف متأخرًا عن زمن تحققه في المعطوف عليه. كما في الأمثلة. وترتيب
ذكري؛ وهو وقوع المعطوف بعد المعطوف عليه بحسب التحدث عنهما لا بحسب
زمانهما. نحو: حدثنا المحاضر عن أبي بكر فعثمان فعمر - رضي الله عنهم
-.
(2) سورة عبس، آية 21.
(3) سورة عبس، آية: 21، 22.
5-أو: وهي لأحد الشيئين أو الأشياء. فإن
كانت مسبوقة بأمر فهي للتخيير، أو الإباحة، فمثال التخيير: تزوج حفصة
أو أختها. ومثال الإباحة: اقرأ النحو أو البلاغة. والفرق بينهما جواز
الجمع بين المتعاطفين في الإباحة دون التخيير. وإن كانت مسبوقة بخبر
فهي للشك أو التشكيك. فالشك من المتكلم في الحكم نحو: حضر صالح أو
عليٌّ. إذا كنت لا تعلم من حضر منهما، ومنه قوله تعالى: {لَبِثْنَا
يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} (1) والتشكيك: إيقاع السامع في الشك.
ويعبر عنه بالإبهام - كما في المثال السابق - إذا كنت تعلم الحاضر
منهما، ومنه قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ
فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (2) وتفيد أيضًا التقسيم نحو: الاسم: نكرة أو
معرفة.
قوله: (وَ (أَمْ) لِطَلَبِ التَّعْيينِ بَعْدَ هَمْزَةٍ دَاخِلَةٍ
عَلَى أَحَدِ المُسْتَوِيَيْنِ) .
6-أم: وهي نوعان:
الأول: متصلة. وهي التي تصل ما قبلها بما بعدها بحيث لا يستغني أحدهما
عن الآخر. وتقع بعد:
(أ) همزة التسوية الداخلة على جملة مؤولة بمصدر. والغالب أن تكون
مسبوقة بكلمة (سواء) ، كقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ
أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} (3) ، فـ (سواء) خبر مقدم،
والمصدر المؤول من همزة التسوية وما بعدها مبتدأ مؤخر. والتقدير:
إنذارك وعدمه سواء.
(ب) همزة الاستفهام يطلب بها وبـ (أم) التعيين، نحو: أخالد عندك أم
خليل؟ فيكون الجواب: خالد - مثلاً - وتعرب (أم) المتصلة حرف عطف مبني
على السكون لا محل له من الإعراب.
الثاني: منقطعة. وهي التي لا تتقدم عليها همزة التسوية ولا همزة يطلب
بها وبـ (أم) التعيين. وسميت منقطعة؛ لأنها تقع غالبًا بين جملتين
مستقلتين لكل منهما معنى يخالف معنى الأخرى.
__________
(1) سورة الكهف، آية: 19.
(2) سورة سبأ، آية: 24.
(3) سورة البقرة، آية: 6.
ويكون معناها في الغالب الإضراب الإبطالي،
وهو إبطال الحكم السابق ونفي مضمونه، والانتقال عنه إلى ما بعده. كقوله
تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ
(7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} (1) . أي: بل يقولون افتراه. فقد وقعت
(أم) بين جملتين هما: (هذا سحر مبين) و (يقولون افتراه) وكل واحدة
منهما مستقلة بمعناها عن الأخرى.
والراجح أن (أم) المنقطعة ليست من حروف العطف، وإنما هي حرف ابتداء
مبني على السكون يفيد الإضراب، ولا تدخل إلا على الجمل.
قوله: (وَلِلرَدِّ عَنْ الْخَطَأِ في الْحُكْمِ (لا) بَعْدَ إِيجَاب. و
(لَكِنْ) و (بَلْ) بَعْدَ نَفْي، ولِصَرْفِ الْحُكْمِ إلى مَا
بَعْدَهَا (بَلْ) بَعْدَ إِيجَابٍ) .
ذكر بقية الحروف وهي: لا، لكن، بل.
فأما (لا) فهي لرد السامع عن الخطأ في الحكم إلى الصواب فيه. فتفيد نفي
الحكم عن المعطوف. وقصره على المعطوف عليه.
ويشترط لها أن يكون الكلام قبلها موجبًا لا منفيًا نحو: قرأت النحو لا
البلاغة، يقال: ردًا على من اعتقد أن المتكلم قرأهما معاً أو أنه قرأ
البلاغة فقط.
وأما (لكن) فهي للاستدراك المتضمن رد السامع عن الخطأ في الحكم إلى
الصواب فيه (2) .
ويشترط لها أن تكون مسبوقة بنفي أو نهي، نحو: ما جاء الضيف لكن
ابْنُهُ. ردًا على من اعتقد أن الجائي الضيف لا ابنه.
__________
(1) سورة الأحقاف، آية: 7، 8.
(2) يشترط في كونها عاطفة ألا تقترن بالواو. فإن سبقتها الواو فهي حرف
ابتداء كقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ
رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} و
(رسول) خبر لكان المحذوفة مع اسمها.
وأما (بل) فيشترط دخولها على مفرد، ثم إن
تقدم عليها نفي أفادت إقرار الحكم السابق وإثبات نقيضه لما بعدها نحو:
ما جاء الضيف بل ابنه. فقد أثبتت نفي المجيء للضيف، وجعلت ضد هذا النفي
وهو المجيء ثابتاً لابنه، وإن تقدم عليها كلام موجب - أي مثبت - أفادت
الإضراب عن الحكم السابق وتركه وصرف الحكم إلى ما بعدها نحو: اشتريت
كتابًا بل قلماً.
5- البدل
قوله: (وَالْبَدَلُ، وَهُوَ تَابعٌ مَقْصُودٌ بِالحكْمِ بِلا وَاسِطَةٍ
وَهُوَ سِتَّةٌ: بَدَلُ كُلٍّ نَحْوُ: {مَفَازًا حَدَائِقَ} (1)
وَبَعْضٍ نَحْوُ: {مَنِ اسْتَطَاعَ} (2) وَاشْتِمَالٍ نَحْوُ: {قِتَالٍ
فِيهِ} (3) وَإِضْرَابٍ وَغَلَطٍ وَنِسْيَانٍ نَحْوُ: تَصَدَّقْتُ
بِدِرْهَمٍ دِينَارٍ بِحَسَبِ قَصْدِ الأَوَّلِ وَالثَّانِي، أَوِ
الثَّانِي وَسَبْقِ اللِّسَانِ، أَوِ الأوَّلِ وَتَبَيُّنِ الخَطَإِ) .
هذا النوع الخامس من التوابع. وهو البدل.
وتعريفه: تابع مقصود بالحكم بلا واسطة بينه وبين متبوعه. نحو: حضر أخوك
خالد، فـ (خالد) بدل من (أخوك) . وهو المقصود بالحكم وهو (الحضور)
ليتضح المراد. وأن الأخ الذي حضر هو (خالد) دون بقية الإخوة. وكلمة
الأخ لم يكن ذكرها مقصودًا لذاته، وإنما ذكرت تمهيدًا لما بعدها.
وليكون الكلام أقوى في نفس السامع؛ لأنك تنسب فيه الحضور إلى (خالد)
مرتين. مرة باعتبار أنه أخ، ومرة بذكر اسمه.
وقوله: (تابع) جنس يشمل جميع التوابع.
__________
(1) سورة النبأ، آية: 31، 32.
(2) سورة آل عمران، آية: 97.
(3) سورة البقرة، آية: 217.
وقوله: (مقصود بالحكم) يخرج النعت والتوكيد
وعطف البيان. لأنها مكملة للمتبوع المقصود بالحكم، لا لأنها هي
المقصودة بالحكم، ويخرج به المعطوف بالواو ونحوها مثل: جاء صالح وعاصم،
فإنه مقصود بالحكم وليس هو المقصود وحده، كما يخرج المعطوف بـ (لا)
نحو: جاء صالح لا عاصم، فإن ما بعد (لا) ليس مقصودًا بالحكم. وكذا
المعطوف بـ (بل) بعد النفي نحو: ما جاء صالح بل عاصم؛ لأن المقصود نفي
المجيء عن الأول.
وقوله: (بلا واسطة) يخرج المعطوف بـ (بل) بعد الإثبات نحو: جاء صالح بل
عاصم. فإن الثاني وإن كان هو المقصود بالحكم لكنه بواسطة، فلا يكون
بدلاً.
وأقسام البدل ستة:
1-بدل كل من كل (1) وهو أن يكون الثاني مساوياً للأول في المعنى نحو:
عاملت التاجر خليلاً. ومنه قوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا
(31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) } (2) فـ (حدائق) بدل من (مفازًا) .
وهو بدل كل من كل. (3)
__________
(1) سماه ابن مالك - رحمه الله -: البدل المطابق لوقوعه في اسم الله
تعالى في قوله تعالى: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللهِ} فقد
قرأ السبعة (عدا نافعًا وابن عامر) بالجر على أنه بدل من (العزيز) .
وقرأ نافع وابن عامر بالرفع على الابتداء والخبر (الذي) وصلته. قال ابن
مالك: (وذكر المطابقة أولى لأنها عبارة صالحة لكل بدل يساوي المبدل منه
في المعنى بخلاف (بدل الكل من الكل) فإنها لا تصدق إلا على ذي أجزاء
(أي وذلك ممتنع هنا) الكافية وشرحها 3/1276) .
(2) سورة النبأ، آية: 31، 32.
(3) الذين قالوا إنه بدل كل قالوا: إنه بدل الجرم من المعنى، على حذف
مضاف أي: فوز حدائق. وقيل إنه بدل بعض وقيل بدل اشتمال. وعليهما
فالرابط مقدر. راجع تفسيري أبي حيان والألوسي عند هذه الآية.
2-بدل بعض من كل وهو أن يكون الثاني بعضًا
من الأول. نحو: قضيت الدين ثلثه. ومنه قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (1) فـ
(من استطاع) بدل من (الناس) وهو بدل بعض من كل؛ لأن المستطيع بعض الناس
لا كلهم، ولابد فيه من ضمير يعود على المبدل منه. وهو مقدر في الآية.
3-بدل اشتمال وهو أن يكون المبدل منه مشتملاً على البدل بأن يكون دالاً
عليه. بحيث إذا ذكر المبدل منه تشوفت النفس إلى ذكر البدل. نحو: نفعني
خالد علمُه. فـ (علمُه) بدل اشتمال من (خالد) وهو منطوٍ تحته، وليس
جزءاً منه. ولو قلت: نفعني خالد ... لم يتضح المراد، وهل نفعك علمه أو
ماله أو جاهه؟ فإذا ذكر البدل اتضح المقصود. ومنه قوله تعالى:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} (2) فـ
(قتالٍ فيه) بدل اشتمال من (الشهر الحرام) وبينهما تعلق وارتباط بوقوع
القتال فيه.
وبدل الاشتمال كبدل البعض، لابد فيه من ضمير يعود على المبدل منه كما
في الأمثلة. (3)
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 97.
(2) سورة البقرة، آية: 217.
(3) قد يلتبس على الطالب بدل البعض ببدل الاشتمال بجامع البعضية أو
الجزئية في كل منهما. والفرق بينهما أن التابع في بدل البعض جزء حقيقي
من المبدل منه وهو المتبوع نحو: أكلت الرغيف ثلثه. أما بدل الاشتمال
فإنه التابع فيه ليس جزءًا أصيلاً من المتبوع بل هو أمر عرضي اشتمل
عليه المبدل منه وهو المتبوع نحو: أعجبني خالد علمه أو حسنه أو كلامه
أو فهمه ونحو ذلك مما قد يكون في أمر مكتسب كالعلم أو غير مكتسب وهو
ملازم لصاحبه زمناً كالحسن أو غير ملازم كالكلام. وقد يكون الاشتمال
تارة اشتمال الظرف على المظروف كالثوب وتارة لا يكون كالفرس. (انظر
النحو الوافي 3/667، 669) .
4-بدل إضراب، وهو ما يذكر فيه المبدل منه
قصدًا. ولكن يضرب عنه المتكلم ويتركه دون أن يتعرض له بنفي أو إثبات،
ويتجه إلى البدل.
5-بدل غلط، وهو ما يذكر فيه المبدل منه غلطاً، ثم يذكر البدل لإزالة
ذلك الغلط، فهو بدل من اللفظ الذي ذكر غلطاً، لا أنه هو الغلط.
6-بدل نسيان، وهو: ما يذكر فيه المبدل منه قصدًا. ثم يتبين للمتكلم
فساد قصده. فيذكر البدل الذي هو الصواب، فهو بدل من اللفظ الذي ذكر
نسيانًا، لا أن البدل ذكر نسيانًا، والفرق بين هذا وسابقه أن الغلط
متعلق باللسان، والنسيان متعلق بالجنان. فالمبدل منه في الأول ذكر
غلطًا، وفي الثاني ذكر نسيانًا، وهذه الأنواع الثلاثة لا تحتاج إلى
ضمير يربط البدل بالمبدل منه.
ومثالها: تصدقت بدرهم دينار. فهذا المثال يصلح للثلاثة، فإن كان
المتكلم قصد الإخبار بالتصدق بالدرهم ثم أضرب عنه وتركه إلى الإخبار
بالتصدق بالدينار. وجعل الأول في حكم المتروك فهو بدل إضراب، وهذا معنى
قول المصنف: (بحسب قصد الأول والثاني) .
وإن كان المتكلم أراد الإخبار بالتصدق بالدينار فسبق لسانه إلى الدرهم،
فهو بدل غلط. وهذا معنى قوله: (أو الثاني وسَبْقِ اللسان) أي: أو
قَصْدِ الثاني وَسَبْقِ اللسان إلى الأول.
وإن كان قصد الإخبار بالتصدق بالدرهم فلما نطق به تبين له أن الصواب
الإخبار بالتصدق بالدينار بظهور الخطأ في القصد الأول فهو بدل نسيان،
وهذا معنى قوله: (أو الأول وتَبَيُّنِ الخطأ) أي: أو قَصْدِ الأول
وتَبَيُّنِ الخطأ في قصده.
باب في حكم العدد تذكيرًا وتأنيثًا
قوله: (العَدَدُ مِنْ ثَلاثَةٍ إلَى
تِسْعَةٍ يُؤنَّثُ مَعَ المُذَّكَرِ وَيُذَكَّرُ مَعَ المُؤَنَّثِ
دَائِمًا نحْوُ: {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} (1) .
وَكَذَلِكَ العَشْرَةُ إِنْ لم تُرَكَّبْ، وَمَا دُونَ الثَّلاثَةِ،
وَفَاعِلٌ كَثَالِثٍ وَرَابعٍ عَلَى القِيَاس دَائمًا، وَيُفْرَدُ
فَاعِلٌ أَوْ يُضَافُ لِمَا اشْتُقَّ مِنْهُ أَوْ لمَا دُونَهُ أَوْ
يَنْصِبُ مَا دُونَهُ) .
ألفاظ العدد من حيث التذكير والتأنيث ثلاثة أقسام:
ما يخالف المعدود في التذكير والتأنيث. فيذكر مع المؤنث ويؤنث مع
المذكر، وهو من ثلاثة إلى تسعة، مفردًا كان نحو: عندي ثلاثة رجال،
وأكرمت تسع نسوة، ومنه قوله تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ
لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} (2) أو مركباً مع العشرة،
نحو نجح ثلاثة عشر طالبًا. أقمت في مكة تسع عشرة ليلةً. أو معطوفاً
عليه نحو: في الفصل سبعة وعشرون طالباً. في المزرعة سبع وثمانون نخلة.
2-ما يوافق المعدود في التذكير والتأنيث، فيذكر مع المذكر، ويؤنث مع
المؤنث. وهما العددان: واحد واثنان، مفردين نحو: في القرية مسجد واحد،
ومدرسة واحدة، اشتريت كتابين اثنين وكراستين اثنتين، أو مركبين نحو:
رأى يوسف عليه السلام أحد عشر كوكبًا. كتبت إحدى عشرة ورقة، عندي اثنا
عشر كتابًا، واثنتا عشرة كراسة، أو معطوفًا عليهما نحو: حضر الوليمة
واحد وعشرون رجلاً، وإحدى وعشرون امرأة. وكذا ما يصاغ من العدد على وزن
(فاعل) مفرداً نحو: أزورك - إن شاء الله - في اليوم الثالث من الشهر في
الساعة الرابعة عصراً، أو مركبًا، نحو: قرأت الحديث الرابعَ عشرَ، وفي
الفقه المسألة السادسة عشرةَ. أو معطوفًا عليه نحو: جلست في المقعد
الرابع والعشرين، يكثر تحري المسلمين ليلة القدر في رمضان في الليلة
السابعة والعشرين.
__________
(2) سورة الحاقة، آية: 7.
1-
وهذا معنى قوله: (وما دون الثلاثة وفاعل
كثالث ورابع على القياس دائمًا) أي: ما دون الثلاثة وهو: واحد واثنان،
وفاعل: مثل العدد ثالث ورابع (على القياس دائماً) فيذكران مع المذكر،
ويؤنثان مع المؤنث، مفردًا كان العدد أو مركبًا أو معطوفًا.
3-ما له حالتان وهو العشرة، فإن كانت مفردة فهي عكس المعدود نحو: عندي
عشرة رجال، وعشر نساء، وإن كانت مركبة فهي موافقة للمعدود تذكيرًا
وتأنيثًا. كما تقدم في أمثلة القسم الأول.
وأما الأعداد: مائة وألف وألفاظ العقود - من عشرين إلى تسعين - فإنها
تلزم صورة واحدة سواء كان المعدود مذكراً أم مؤنثاً نحو: في الفصل
خمسون طالبًا، في المزرعة أربعون نخلة، قَلَّ من يعيش مائة سنة، على
فضل العلم مائةُ برهانٍ وبرهانٍ. (1)
ويصاغ من الأعداد على وزن (فاعل) من اثنين إلى عشرة؛ ليصف ما قبله ويدل
على ترتيبه، وقد ذكر المصنف له أربع حالات:
الأولى: الإفراد عن الإضافة، فيفيد حينئذ الاتصاف بمعناه مجردًا نحو:
جاء الطالبُ الثالثُ في فصله. فـ (الثالثُ) صفة للطالب.
الثانية: أن يضاف لما اشتق منه، فيفيد حينئذ أن الموصوف به بعض تلك
العدة المعينة فتقول: جئت إلى المسجد يوم الجمعة وأنا ثالثُ ثلاثةٍ.
أي: واحد من ثلاثة. قال تعالى: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا
ثَانِيَ اثْنَيْنِ} (2) وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا
إِن اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} (3) .
__________
(1) إعراب تمييز العدد مضى في باب التمييز.
(2) سورة التوبة، آية: 40. و (ثاني) حال، وهو مضاف و (اثنين) مضاف
إليه.
(3) سورة المائدة، آية: 73.
الثالثة: أن يضاف إلى ما تحته من العدد، فيفيد حينئذ معنى التصيير نحو:
دخلت المسجد وأنا رابعُ ثلاثةٍ أي: جاعل الثلاثة بنفسه أربعة. قال
تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ
وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} (1) .
الرابعة: أن ينصب ما تحته لكونه اسم فاعل. واسم الفاعل ينصب المفعول،
بشرط اعتماده، وكونه للحال أو الاستقبال - كما تقدم في بابه - وعلى هذا
فيلحقه التنوين، لعدم الإضافة، فتقول: سأسافر غدًا - إن شاء الله -
وأنا رابعٌ ثلاثةً، كما تقول: هذا كاتبٌ الواجبَ. فـ (ثلاثةً) مفعول به
منصوب لاسم الفاعل (رابع) . |