زينة العرائس من الطرف والنفائس في تخريج الفروع الفقهية على القواعد النحوية

القاعدة الواحدة والعشرون
قاعدة: مقتضى اسم الفاعل صدور الفعل منه، ومقتضى اسم المفعول صدوره عليه.
إذا تقرر هذا، فمن فروع القاعدة: إذا حلف لا يأكل مستلذا، فإنه يحنث بأكل للذيذ، سواء استلذ به أو لا، إذا كان لذيذا عند غيره، ولو عند نفسه ولم يستلذ به.
وإن حلف لا يأكل شيئا لذيذا، لم يحنث ألا بما استلذه هو، لأن المستلذ من صفات المأكول، واللذيذ من صفات الأكل.
ومنها: إذا حلف لا يأكل مرا، حلف بأكل ما كان مرا بطبعه، ولم يجده هو مرا، وإن قال شيئا مريرا لم يحنث، وفيهما نظر، والله أعلم.

القاعدة الثانية والعشرون
قاعدة: أفعل التفضيل مقتضاها المشاركة


ذكره النحاة، وتكون للمشاركة مطلقا، كما هو مقتضى كلام النحاة وسواء كان محلى ب "الألف واللام" أم لا. فالمحلى مثل: الأرشد، وغير المحلى مثل أرشدهم.
إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: إذا وقف على ولده، وشرط النظر للأرشد فأرشد، اشترك جميع من استوى في الأرشدية في النظر من الذكور والإناث.
وقد رد بعض الحنفية على الفقهاء، فقال: أفعل التفضيل إذا ورد محلى ب"الألف واللام" قال أهل العربية: يجب مطابقته الموصوف إن كان مذكرا فمذكر، وإن كان مؤنثا فمؤنث، فيكون على وزن الفعلى، لا على وزن "الأفعل"،والفقهاء يدخلون الأنثى حين يقول الواقف: النظر للأرشد، فالأرشد من أولاده، والأرشد صفة للمذكر عند أهل العربية، فما وجه دخول الأنثى في لفظ الأرشد فالأرشد؟.
وجواب على هذا: وقد أجاب شيخنا الشيخ تقي الدين بن قندس عن هذا بجواب مطول، وهو أيضا في الحكم: "أيها الكاتب هذا السؤال، والواقف عليه، والسامع له، إن قوله: الأرشد صفة للمذكرعند أهل العربية، خصه ممنوع بل قد يكون للمذكر فقط، وقد يكون لما يعم المذكر والمؤنث، وألفاظ الواقفين كلها أو غالبها إنما تقع على الثاني دون الأول.
فعلى تقدير وقوعها على الأول، لا يصح إدخال الأنثى فيه، ولا يوجد الإدخال المذكور في كلام فقيه، فإن وقع فهو سهو، وإذا وقع على الثاني - كما هو المعهود من ألفاظ الواقفين - تعين الإدخال، إعطاء اللفظ حقه، ما لم يوجد مانع معتبر.
فالاستشكال إنما نشأ من الإجمال في مقام التفصيل، فإذا حصل التفصيل المعتبر، وأعطى كل مقام ما يليق به زال الإشكال واتفق كلام الفريقين - الفقهاء وأهل العربية - بتوفيق الله تعالى" فصل في بيان وجوب التفضيل بمذكور في هذا المقام، وألفاظ الإجمال بعد الاعتصام بالهادي من يشاء إلى صراط مستقيم. فنقول: إن" الأرشد" من أفعل التفضيل، وهو تابع في معناه للموصوف به، فإن كان الموصوف به للمذكر فقط، كان "الأرشد" للمذكر فقط، وإن كان الموصوف به للمذكر والمؤنث، كان "الأرشد" كذلك للمذكر والمؤنث.
فإذا وقف على ولده الأرشد، أو جعل النظر لولده الأرشد، كان ذلك شاملا للذكر والأنثى - كما هو معلوم في كلام الفقهاء وغيرهم - وليس في كلام أهل العربية ما يخالفه، بل في كلامهم ما يعضده ويوافقه.
وأما إذا قال: على ذكر ولدي الأرشد، فهو للمذكر فقط، لا يعلم في كلام فقيه ما يخالفه، وهذا كاف في جواب ما كتب، والله أعلم بالصواب.
وذلك لأن "الأرشد" صفة للمذكر والمؤنث، فلو وقف على بناته وشرط النظر للأرشد، فالأرشد، صح.
فإذا وقف على أولاده، وشرط النظر للأرشد فالأرشد، دخل فيه الذكور والإناث، لأن "الأرشد" صفة للمذكر والمؤنث، والله أعلم بالصواب.
فإذا قال: وقفت على ولدي الرجل، ووصفه بأفعل التفضيل تعين أن يقول"الأفضل"، ولا يقال: "للأفضلين"، لأن لفظ "الرجل" مفرد فتعين "الأفضل" لأنه مفرد، حتى تحصل المطابقة المعتبرة، مع أن "الرجل" للعموم فتعم كل رجل أفضل، لأن المفرد المحلى ب "الألف واللام" للعموم، اعتبرت المطابقة للفظ دون المعنى.
وأما أحكام الفقهاء فسرت على المعنى، ويدخلون تحت ذلك اللفظ مدخل "أفضل" وفسر على ذلك ما في معناه.
ولو سلم أن كلام الفقهاء مخالف لكلام أهل العربية، فوجه كلام الفقهاء أنهم يبنون الحكم على ما يتعارفه الواقفون ويفهمونه من كلامهم، لا على دقائق أهل العربية التي لا معرفة للواقف بها، فإن قيل: لا سنلم أن "الآرشد" تابع للموصوف به، فإن كان الموصوف به مذكرا ف "أرشد" للمذكر، وإن كان مذكرا ومؤنثا كان "الأرشد" للمذكر والمؤنث، كما ذكرتم.
بل نقول: الموصوف به تابع له، فإذا كان الموصوف به مذكرا كان مطابقا له، فإذا قال: ويكون النظر للابن الأرشد، ثم للرجل الأرشد، أو للذكر الأرشد، حصلت المطابقة، لأن الابن والرجل للمذكر، فحصلت الموافقة لمساواة كل منهما التذكير في الآخر.
وأما إذا كان الموصوف به يشمل المذكر والمؤنث، فإنه مخصص بذكر "الأرشد" ويصير للمذكر، فالولد - مثلا - يشمل المذكر والمؤنث إذا كان مجردا، فإذا اتصف ب "الأرشد" يخصص وصار للمذكر لكونه وصف بالمذكر، وهو "الأرشد".


وهذا ظاهر يبطل قولكم: إن "الأرشد" تابع للموصوف به، بل الآخر بالعكس، وهو أن الأرشد ما وصف به تابع له وتخصص به، قلنا: الجواب عن ذلك أن أهل العربية الذي اعتمدتم عليه في الاستشكال وأوردتم لأجله السؤال يهدم دعواكم، وينصب في المقام سواكم.
ألا ترى أنهم يقولون: إذا كان أفعل التفضيل ب "الألف واللام" لزم مطابقته لما هو له، أي أفعل التفضيل يطابق الموصوف به، فيكون أفعل التفضيل تابعا للموصوف به لا بالعكس. وهذا ظاهر واضح لا يخفى على من هو عالم يعطي التأمل حقه.
وأيضا إذا كان الموصوف موضوعا للمذكر والمؤنث، ووصف بالمذكر فقط، فقد يقال: لا تحصل المطابقة المعتبرة في المقام، وأيضا لو صح ذلك لجاز أن يوصف الشامل للمذكر والمؤنث، فيصح أن يقول: ولدي "الأرشد"، ويصح أن يقول: ولدي "الرشدى"، ويصح أن يقول على الطائفة "الأفضل"، والطائفة "الفضلى"، وعلى الفريق "الأفضل"، وعلى الفريق "الفضلى"، وهلم جرا.
وصريح كلام أهل العربية يمنع ذلك، وأنه تتعين المطابقة، والقبيلة - مثلا - "الفضلى" والفريق "الأفضل"، لأن لفظ "الطائفة" ونحوها مؤنث، ولفظ الفريق مذكر، وإن كان كلا منهما يشمل المذكر والمؤنث في المعنى والدلالة.
ولذلك لفظ " الولد" مذكر فتعين له لفظ "الأرشد" لأنه مذكر، وإن كان يدخل في المعنى كلا منهما - المذكر والمؤنث، وكذلك إذا قال: "القبيلة" تعين - مثلا - أن يقول " العظمى"، ولا يقال: "الأعظم"، لأن الأعظم، لأن لفظ "الأعظم" مذكر، و"العظمى" مؤنث، فتعين المؤنث للمطابقة، ولا يمنع الفقهاء من إدخال الذكر والأنثى في مثل هذه، لأن معناها شامل لهما، وهذا يقوي أن أهل العربية مرادهم الألفاظ دون المعاني الشاملة، لأنهم ذكروا في المطابقة الإفراد والتثنية والجمع ومنها: إذا وصى لأقارب زيد، دخل الأبوان - كما قد صرح به الأصحاب -.
ومنها: إذا قال: أنت أزنى الناس، أو أزنى من فلان، كان صريحا في القذف، وإن قال: أنت أزنى مني كان قذفا، ولو قيل له: يازان، فقال: أنت أزنى مني، كان قاذفا. وحكى الأسنوي أنه لا يكون قاذفا، والله أعلم.

القاعدة الثالثة والعشرون
قاعدة: لفظ "الأكثر" - ب "الثاء" المثلثة - أفعل تفضيل في أصل الوضع إذا تقرر هذا، فمن فروع القاعدة: إذا ادعى عليه فقال: لفلان علي أكثر من مالك، وقال: أردت التهزئ، لم يقبل منه ويلزمه حق لهما.
ولنا وجه لا يلزمه شيء، والصحيح الأول، ويكون حق من قال له على أكثر، "أكثر" وسواء كان نفعا أو بقاء، ونحوه كما سيأتي.
ومنها: إذا قال: له علي أكثرمن مال فلان، لزمه التفسير، فإن فسره بأكثر قدرا قبل، وإن قل، وإن فسره بأكثر بقاء أو نفعا قبل منه مع يمينه، وسواء علم مال فلان أو جهله، أو ذكر قدره أو لم يذكره. جزم به الأصحاب في كتبهم، والله أعلم.
ومنها: إذا قال له: علي دراهم كثيرة، قبل تفسيرها بثلاثة دراهم فما فوقها، جزم به الأصحاب.
وإن قال: مال كثير، قبل تفسيره بالقليل والكثير.
ومنها: إذا حلف لا يصلي صلاة كثيرة، حنث بثلاث ركعات، والصيام الكثير ثلاثة أيام ومنها: إذا قال: أنت طالق أكثر الطلاق، طلقت ثلاثا، كما قد صرح به الأصحاب في كتبهم فانظروه.
ومنها: إذا أوصى له بأكثر ماله، فهو فوق النصف بأي شيء كان.
ومنها: الأكثر عددا أفضل من الأحسن في الأضاحي، مثاله: إذا كانت شاة بعشرة، وخمسة بعشرة، فالخمسة أفضل، ذكره في "تجريد العناية"، وذكره أنه نص أحمد، وأطلق في "القواعد الرجبية" في المسألة روايتين.
ومنها: أن تعدد الركعات في الصلاة أفضل من طول القنوت، جزم به بعض الأصحاب، وأطلق بعضهم في المسألة روايتين.

القاعدة الرابعة والعشرون
قاعدة: المصدر المنسبك نحو يعجبني صنعك إن كان بمعنى الماضي أو الحال، فينحل إلى "ما" و "الفعل" نحو ما صنعت، أو تصنع، وإن كان بمعنى الاستقبال فينحل إلى "أن" و"الفعل"، وكذا "أن" المشددة مع "الفعل". وذكر في "الارتشاف" أن النحاة فرقوا بين "انطلاقك" و "أنك منطلق"، أن المصدر لا دليل فيه على الوقوع.
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة:


إذا قال: أوصيت لك أن تسكن هذه الدار، أو بأن يخدمك هذا العبد، فإنه يكون إباحة لا تمليكا، وفي كلام الفقهاء ما يدل عليه، لأنهم قالوا في الأمة: يجوز أن يوصي لشخص بمنافعها، والآخر برقبتها.
ومنها: لو وكله، وقال: وكلتك في أن تبيع هذا، أو أن تشتريه، أو في أن تصدق به، أو في أن تقفه، تارة يكون قصد الموكل بهذا أن لا يوكل، فليس للوكيل أن يوكل فيه، وتارة لا يكون له قصد، فهذا يجوز للوكيل أن يوكل بشروط، والله أعلم بالصواب.

القاعدة الخامسة والعشرون
قاعدة: قد يحذف المصدر وتقام صفته مقامه.
إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: إذا قال: أنت واحدة، وقع عليها واحدة، وإن وقع بالرفع، فهي من كنايات الطلاق الخفية، جزم به في "المقنع"، وأكثر أصحاب الإمام أحمد، ويقع بها ما نواه من واحدة وثلاث، وما نوى.
ومنها: إذا قال: أنت طالق أقل من طلقتين، وأكثر من واحدة وقع طلقتان، وأفتى بهذا أبو المعالي من أصحاب الشافعي.
وأفتى أبو إبراهيم بوقوع ثلاث، لأنه قال: أقل من طلقتين وقعت واحدة، وأكثر من واحدة وقع ثلاث.

القاعدة السابعة والعشرون
قاعدة: المصدر لا يشتق من المصدر بلا خلاف بين النحويين إنما اختلفوا أن المصدر.. هل هو أصل والفعل والوصف مشتقان منه؟ أو أن الفعل أصل والمصدر والوصف مشتقان منه؟ أو أن كلا منهما أصل بنفسه؟ فيه أقوال للنحاة.
إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة" الكتاب مشتق من الكتب، والكتب مصدر، والكتاب مصدر ذكر ذلك الفقهاء، وقد رد بعضهم كلام الفقهاء، وقال المصدر لا يشتق من المصدر.
وقد أجاب عنه شيخنا تقي الدين بن قندس فقال: "الفقهاء لم يقولوا: الكتاب مشتق من الكتب، إلا بعد حكمهم على"الكتاب" بأنه اسم مفعول، ولهذا قالوا: "كالخلق بمعنى المخلوق"، والله أعلم بالصواب.

القاعدة الثامنة والعشرون
قاعدة: "مع" اسم استصحاب، وحركته إعراب، يجوز بناؤه بالسكون على لغة، وأصلها "معي"، فحذفوا الياء للتخفيف إذا علمت هذا فمن فروع القاعدة: إذا قال أنت طالق طلقة مع طلقة، أو معها طلقة، طلقت طلقتين. جزم به في "المقنع" وغيره من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله.
ومنها: إذا أوقع بامرأته طلاقا، أو ظهارا، أو إيلاء، أو غيره، ثم قال لأخرى: أنت معها، وقع بها مثل ما وقع بالأولى. جزم به الأصحاب.
ومنها: إذا قال: زنيت مع فلان، كان قذفا لها.
ومنها: إذا قال: له علي درهم مع درهم، لزمه درهمان. جزم به الأصحاب، وعند الشافعية يلزمه درهم.
ومنها: إذا حلف لا يخرج من البلد إلا معه، فخرجا معا، لكن تقدم أحدهما عن الآخر خطوات، فلم أر لأصحابنا فيها شيئا، لكن الذي ينبغي عدم الحنث، وللشافعية وجهان، وصحح في "الروضة لهم عدم الحنث.
ومنها: إذا قال لوكيله: بع هذا العبد مع هذا الآخر، فإن كان قصده اجتماعهما في البيع، فليس للوكيل التفريق بينهما، وإن لم يكن قصده ذلك جاز.
ومنها: إذا قال: بعتك هذه الدابة مع أخرى في البيت، فلا يصح، وكذا كل ما جمع فيه بين معلوم ومجهول.
ومنها: إذا قال: إن كلمت زيدا مع عمرو، فأنت طالق، فلا تطلق حتى تكلمهما. وهل تطلق إذا كلمتهما منفردين، أو لا بد من اجتماعهما؟ الذي ينبغي أن لا تطلق حتى تحدثهما مجتمعين، صرح بهذا بعضهم. وذكر الرافعي: ويحتمل أن تطلق حيث وجد الكلام، وهو المتباردر إلى الذهن من الحالف، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: أنت طالق طلقة واحدة مع طلقتين، طلقت ثلاثا، كما جزم به الأصحاب، والله أعلم.
ومنها: إذا حلف: لا أقام مع زيد، أو لا جلس معه، فجلس في قوم هو فيهم، فإن كان يعلم حنث، وإن لم يعلم لم يحنث، فإن علم وهو بينهم خرج، فإن لم يخرج حنث.
ومنها: إذا حلف: لا أقمت مع الماء، وكان الماء راكدا، حنث، وإن كان جاريا لم يحنث، إذا كان يرى الماء الذي هو فيه بعينيه.
ومنها: إذا حلف: لا أقام في هذه الساعة، لم يحنث لأنه لا يقيم فيها، لأن المذكور مثل الماء الجاري، والله أعلم.

القاعدة التاسعة والعشرون
قاعدة: إذا قطعت "مع" عن الإضافة، فإنها تنون، وتكون مثل "جميعا" في المعنى.
قال أبو حيان: "ومعناها لا تدل على الاتحاد في الوقت، بل معناه التأكيد، وقال أحمد بن يحيى: "تدل على الاتحاد في الوقت".


إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: إذا قال: إن ولدتما معا، أو دخلتما معا، أو إن خرجتما معا، فأنتما طالقتان، أو حران.
هذه المسألة لم أر لأصحابنا فيها منقولا، لكن الذي ينبغي الوقوع بدخولهما ولو مع التفرق كما هو أحد الوجهين عن الشافعية، نقله ابن الرفعة عن الشافعي، والله أعلم.

القاعدة الثلاثون
قاعدة: أول الأيام "الأحد" عند أهل اللغة، وقال بعض العلماء: أولها السبت منه قول الشاعر:

ألم تر أن الدهر يوما وليلة ... بكران من سبت عليك إلى سبت
والأشهر الحرم أربعة: ذي القعدة، وذي الحجة، ومحرم، ورجب، وذهب الكوفيون إلى أن الابتداء بالمحرم قلت: وعندي أولها رجب، والله أعلم بالصواب.
ويترتب على هذا: النذور، والطلاق، والأيمان، وجميع التحاليف، والله أعلم بالصواب.