شرح الآجرومية لحسن حفظي

الدرس الثامن

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، اللهم صلي وسلم وبارك على من أرسلته رحمةً للعالمين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحابته أجمعين.
أيها الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نواصل الحديث في شرح ما يتيسر من الآجرومية، وقد وصلنا إلى حديث المصنف رحمه الله عن نواصب الفعل المضارع، ومثلنا بكلمة "أنْ" و"لنْ"، وذكرنا شروط "إذًا" وما يتعلق بها، ومثلنا لها أيضًا.
قال المصنف (وكي) ، "كي" حرفٌ يدل على التعليل، وهو ينصب الفعل المضارع لكن بشرط أن تكون "كي" هذه مصدرية، ما معنى كونها مصدرية؟ قال تؤول مع ما بعدها بمصدر، فإن لم تكن مصدريةًً كأن كانت تعليلية فإنها لا تنصب الفعل المضارع، تقول "جئتُ لكي أتعلم"، و"جئتُ كي أن أتعلم"، و"جئتُ لكي أن أتعلم"، و"جئت كي أتعلم"، بعضها ينصب الفعل المضارع، وبعضها لا ينصب الفعل المضارع، الفعل المضارع منصوبٌ في الأحوال كلها، لكن ما الذي نصبه سننظر إن شاء الله؟ أما قولك "جئت لكي أتعلم" فكي هنا مصدرية لأن تأويل الكلام "جئتُ للتعلم" فهي الناصبة للفعل المضارع، أما قولك "جئت كي أن أتعلم" ففي هاتين الصورتين ليست هي الناصبة للفعل المضارع، الناصب في قولك "جئتُ كي لأتعلم" أو "كي أن أتعلم" ففي هاتين الصورتين ليست هي الناصبة للفعل المضارع، الناصب في قولك "كي لأتعلم" هو "أنْ" المضمرة، والناصب في قولك "كي أن أتعلم" هو "أنْ" الظاهرة هذه، وليست "كي" لأنها تعليلية ولا تنصب الفعل المضارع.
هناك صورتان يُحتمل أنها هي الناصبة ويُحتمل أنها غير الناصبة، الصورتان هما ألا تسبقها اللام ولا تتلوها أن كقولك "جئتُ كي أتعلم"، هنا يجوز أن تكون مصدرية فتكون هي الناصبة، ويجوز أن تكون تعليلية فيكون الناصب هو "أنْ" مقدرة بعدها.
الصورة الخامسة هي أن تسبقها اللام وتتلوها "أنْ"، في هذه الصورة يجوز لك أن تجعلها هي الناصبة، ويجوز لك أن تجعلها غير ناصبةٍ، وذلك كقولك "جئتُ لكي أن أتعلم"، صحيح أن استعمال هذا قليل، لكنه لو ورد فأنت حينئذٍ تعربه بهذا الإعراب، لك أن تجعلها هي الناصبة، ولك أن تجعل الناصب هو "أنْ" المذكورة بعدها، والأولى أن يكون الناصب هو "أنْ" وليست "كي" هي التي نصبت الفعل المضارع.


قال المصنف رحمه الله (ولام كي) ، أيضًا هذه تنصب الفعل المضارع عند الكوفيين، أما البصريون فإنهم يرون أن ناصب الفعل المضارع بعد اللام هو "أنْ" مقدرة، وقد يكون لهم بعض العلة، ذلك أنهم يقولون اللام الأصل فيها أنها حرف جر، فهل تعمل اللام في الأسماء وتعمل بنفس العمل في الأفعال أو بعملٍ آخر في الأفعال، تجر الأسماء وتنصب الأفعال؟!، هذا هو السبب الذي منع البصريين من إعمال اللام، فقالوا ننصب الفعل المضارع بـ "أنْ" مضمرة بعد اللام، أحيانًا يكون إضمارًا واجبًا وأحيانًا يكون إضمارًا جائزًا، في قول الله عزّ وجلّ ? وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ? [الأنفال: 33] ، ? لِيُعَذِّبَهُمْ ? يقولون "أنْ" مضمرة بعد اللام وجوبًا هنا، لأن هذه تُسمّى لام الجحود، قال الله عزّ وجلّ ? وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ? [الأنعام: 71] ، قالوا "أنْ" هنا مضمرة جوازًا، لماذا؟ قال لأنها ظهرت في بعض الآيات، قال الله تعالى ? وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ? [الزمر: 12] ، فمادام أنها ظهرت فيجوز إظهارها وإضمارها.
والذي نعتد به أنّ "أنْ" تُقدر بعد اللام لتكون ناصبةً للفعل المضارع، حتى ما يكون للام عملان، عمل في الأسماء وهو الجر وعمل في الأفعال وهو النصب، لكن صاحبنا هو اعتبر لام "كي" وهي اللام الدالة على التعليل ولام الجحود، اعتبرها أو عدّاهما هما الناصبتان للفعل المضارع، وله ذلك، وقد قال به غيره، وأنتم لكم أن تقولوا ذلك إذا أردتم من باب التخفيف، وإن أرتم من باب الدقة فيما أرى فهو أن تقولوا إن اللام إما لام الجحود أو لام التعليل، إن الفعل المضارع بعدها منصوبٌ بأن مضمرة، وتكون "أن"
وما دخلت عليه مؤولة بمصدر، ويكون هذا المصدر مجرورًا باللام، والله أعلم بالصواب.


قال المصنف أيضًا (وحتى) ، أما "حتى" قد قال الفرّاء رحمه الله "أموتُ وفي نفسي شيءٌ من حتى"، ومعه حقٌ، أو ومعه بعض الحق، يا أيها الأحباب اسمعوا إلى قول الله عزّ وجلّ ? سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ? [القدر: 5] ، جاءت هنا جارةً للأسماء، واسمعوا إلى قول الله عزّ وجلّ ? قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ? [طه: 91] ، وانظروا إلى قول العرب "مرض زيدٌ حتى لا يرجونه"، "يرجون" فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، يعني جاء بعد "حتى" فعل مضارع مرفوع، جاء بعد "حتى"فعل مضارع منصوب، جاء بعد "حتى" اسمٌ مجرور، فما لكم لا تقولون رحم الله الفراء إذ مات وفي نفسه شيءٌ من حتى؟!، لكنكم إن شاء الله ما تموتون وفي أنفسكم شيءٌ من "حتى"، لأن المسألة في هذا سهلة، إني أخيركم بين أن تجعلوها ناصبةً للفعل المضارع ولا تُعملوها في الأسماء، أو أن تقدروا بعدها "أنْ" وتريحوا أنفسكم، إذا نصبت الفعل المضارع فهو منصوبٌ بأن مضمرة بعدها، وإذا لم تنصبه فلا إشكال، لأنها لا تعمل شيئًا، أما عملها في الأسماء فهو واضح جدًا في نحو قول الله عزّ وجلّ ? سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ? [القدر: 5] .
لكم الخيار أن تأخذوا رأي الفرّاء فتموتوا وفي أنفسكم شيءٌ من "حتى"، لكم ذلك، ما أردتم فاجعلوا الكلام الذي قلتُ لكم نبراسًا، وهو أنها إذا دخلت على الأسماء الظاهرة تجرها، تجر الأسماء الظاهرة كقول الله عزّ وجلّ ? سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ? [القدر: 5] ، وأنها إن دخلت على الأفعال فإن عملت فيها فالنصب ليس بها وإنما هو بـ "أنْ" مضمرة وجوبًا بعدها، وإن لم تعمل شيئًا فلا إشكال، الحمدلله، لأن الأصل فيها أنها تعمل في الأسماء فقط، هذا الذي نريد أن نقوله عن حتى.


أما قول المصنف (والجواب بالفاء والواو وأو) ، فالفاء المقصودة هنا هي الفاء السببية، والواو المقصودة هنا هي واو المعية، و"أو" هنا هي "أو" التي تأتي بمعنى "إلا" أو تأتي بمعنى "حتى"، يعني ليس يُنصب الفعل المضارع مطلقًا بعد هذه الحروف، بل لابد أن تكون الواو واو المعية، والفاء فاء السببية، و"أو" "أو" التي بمعنى "إلا" أو التي بمعنى "حتى".
لاستسهلن الصعب أو أدرك المنى…… فما انقادت الآمال إلا لصابر
"أو" هنا بمعنى "حتى"، "لاستسهلن الصعب حتى أدرك المنى"، هنا يُنصب الفعل المضارع بـ "أنْ" مضمرة وجوبًا بعد "أو".
وكنت إذا غمزتُ فتاة قوم..... كسرت كعوبها أو تستقيم
"أو" هنا بمعنى "إلا"، والتقدير "إلا أن تستقيما"، إذا استقامت انتهينا، هذه "أو".
أما الفاء فالفاء السببية لا يُنصب الفعل المضارع بعدها مطلقًا، بل لابد أن يكون مسبوقًا إما بنفيٍّ خالصٍ أو بطلبٍ بالفعل، قال الله عزّ وجلّ ? وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ? [طه: 81] ، ?فَيَحِلَّ? فعل مضارع منصوب بعد الفاء السببية المسبوقة بالطلب وهو النهي ? وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ?، وقال الله عزّ وجلّ ? لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ? [فاطر: 36] ، "يموتوا" فعل مضارع منصوب بعد الفاء السببية المسبوقة بالنفي الخالص.
ما أنواع الطلب التي يُنصب الفعل المضارع بعدها؟ أنواع الطلب هي: الأمر والنهي والدعاء والاستفهام والتمني والترجي والعرض والتحضيض، إذا سُبقت الفاء السببيّة بواحدٍ من هذه الثمانية فإنك تنصب الفعل المضارع بعدها بـ "أنْ" مضمرة وجوبًا، وكذلك إذا سُبقت بالنفي، ومثلها تمامًا واو المعية، واو المعية يقولون من شواهدها قول الشاعر:
فقلتُ ادعي وأدعوَ إن أندى...... لصوتٍ أن ينادي داعيان


"أدعو" هنا الواو الذي سبقته هي واو المعية، و"أدعو" فعل مضارع منصوب بـ "أنْ" مضمرة وجوبًا بعد واو المعية، وهي مسبوقة بطلب وهو الأمر، ومنه قول الشاعر "رب وفقني فلا أعدل" الفاء سببية، وجاءت باء مسبوقة بالأمر، ومنه قول الشاعر أيضًا:
يا ناق سيري عنقا فسيحا..... إلى سليمان فنستريح
"نستريح" فعل مضارع منصوب بعد الفاء السببية، قال الله عزّ وجلّ ? وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ?36? أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى ? [غافر: 36، 37] ، الفاء
سببية ومسبوقة بـ ? لَعَلِّي ?، وهو يدل على الترجي، وقال الله عزّ وجلّ ? يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا ? [النساء: 73] ، هذه أيضًا مسبوقة بالتمني وهو كلمة "ليت"، وقال الله عزّ وجلّ ? وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ ? [المنافقون: 10] ، ? لَوْلَا ? هذه تدل على التحضيض، ? فَأَصَّدَّقَ ? جاءت بعد ما يدل على التحضيض، والله أعلم بالصواب.
وقال الله عزّ وجلّ ? أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ? [آل عمران: 142] ، هذه واو المعية ومسبوقة بالنفي وهو قوله ? لَمَّا يَعْلَمِ ?، وقال الله عزّ وجلّ ? وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ ? [الأنعام: 27] ، ? يَا لَيْتَنَا ? هنا تدل على
التمني، والواو للمعية، و ? نُكَذِّبَ ? فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الواو، وقول الشاعر:
ألم أك جاركم ويكون بيني وبينكم المودة والإخاء
هنا الواو للمعية، و"ألم" تدل على الاستفهام، وقول الشاعر:


لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
"تأتي" هنا مسبوقٌ بواو المعية، وواو المعية مسبوقة بقوله "لا تنه" وهذه أيضًا مسبوقة بالطلب، مما يذكرون في هذا الباب يقولون "لا تأكل السمكة وتشربَ اللبن" أو "وتشربُ اللبن" أو "وتشربْ اللبن"، يجوز لك الأوجه الثلاثة، "لا تأكل السمك وتشرب اللبن"، يجوز في كلمة "تشرب" ثلاثة أوجه، إن قلت "لا تأكلِ السمك وتشربُ اللبن"، فأنت حينئذٍ نهيته عن أكل السمك وأجزت له شرب اللبن، هذه الصورة الأولى، الصورة الثانية "لا تأكلِ السمك وتشربِ اللبن"، باعتبار أنك حركتها هنا لالتقاء الساكنين، وأصلها "تشربْ" بالسكون، معنى هذا أنك حرّمت عليه أكل السمك وشرب اللبن، أما قولك
"لا تأكل السمك وتشربَ اللبن" فالواو للمعية، يعني يجوز لك أن تأكل السمك وحده أو تشرب اللبن وحده، لكن الممنوع هو الجمع بينهما، وانظر بارك الله فيك إلى هذه الدقة في هذه الحركات الثلاث، مرة منعه من أكل السمك وأجاز له شرب اللبن لما تكون مرفوعة، لأنها تكون واو استئنافية ويكون تقدير الكلام "ولك شرب اللبن"، ومرة منعه من الاثنين فقال له "لا تأكلِ السمك وتشربِ اللبن"، يعني لأنه جزم الأول وجزم الثاني بالعطف، عطفه على الحكم الأول، ومرة أجاز له أكل السمك وحده أو شرب اللبن وحده، والذي منعه هو أن يجمع بينهما، وذلك إذا جعلت الواو للمعية، هذا مما يُقال في هذا الجانب.


بعد هذا انتقل المصنف إلى الحديث عن جوازم الفعل المضارع فقال (والجوازِمُ ثمانيةَ عَشَر، وهي: لَمْ، لَمَّا، ألَمْ، ألَمَّا، ولام الأمر والدعاء، ولا في النَّهيِ والدعاء، واِنْ، ومَنْ، ومهما، واِذْما، وأَيُّ، ومتى، وأَيَّانَ، وأينَ، وأَنَّى، وحَيثُمَا، وكيفما، وإذا في الشِّعر خاصة) ، هذه هي المسائل التي ذكرها المصنف، وفي كلامه بعض التفصيلات التي نريد أن نذكرها لكم، منها أنه جمع بين الأدوات التي تجزم فعلا واحدًا والتي تجزم فعلين، لأن أدوات الشرط تجزم فعلين، والأدوات الأخرى وهي: لَمْ، لَمَّا، ألَمْ، ألَمَّا، ولام الأمر والدعاء، و"لا" في النَّهيِ والدعاء كذلك، أيضًا مما يمكن أن يُتحدث فيه في هذا الموضوع أنه جعل "لَمْ" و"َأَلَمْ" حرفين، وهما حرف واحدٌ، لأن "ألم" هي نفس "لم" لكن زيدت عليها همزة الاستفهام، فالعمل لـ"لم" وليس لهمزة الاستفهام، وكذلك فعل مع "لمّا"، فإنه قال فيها (لَمَّا، ألَمَّا) ، والحقيقة أنهما واحد، وعند عد هذه الأدوات التي ذكرها ربما كانت أقل أو أكثر إذا حسبنا أن "لم" نفس "ألم" و"ألمْ" هي نفس "ألمّا"، فسيكون فيه بعض الكلام.
على كل حال له في منهجه أن يفعل ما يشاء، لكنه لو فصل بينهما فقال هذه الأدوات تجزم فعلا واحدًا وهذه الأدوات تجزم فعلين لكان أولى، أما أمثلتها وشواهدها فكثيرة والحمد لله رب العالمين، أولا استشهد لـ"لم"، ومنها قول الله عزّ وجلّ ? وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ? [البقرة: 164] ، فـ "لم" هنا جازمة، ونقصص فعل مضارع مجزوم، أما "ألم" فنحو قول الله عزّ وجلّ ? أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ? [الفيل: 1] ، أما "لمّا" فنحو قول الله عزّ وجلّ ? كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ? [عبس: 23] ، فـ "لمّا" هنا هي الجازمة، ويقض هذا فعلٌ مضارعٌ مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة.


وعلى كل حال "لمّا" لها استعمالات أخرى لكن ليس هذا مجال ذكرها، ومما جُزم به في "لمّا" قول الله عزّ وجلّ ? وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ? [الجمعة: 3] ، فـ "لمّا" هنا جازمةٌ للفعل يلحقوا، وعلامة جزمه حذف النون.
الجازم الرابع وهو "ألمّا"، ولم يرد شيءٌ في القرآن الكريم جُزم فيه الفعل المضارع بهذا الحرف، ولكن أورد الشيخ أحمد الرملي في كتابه شرح الآجرومية بعض الشواهد، ومنها قول الشاعر:
إليكم يا بني بكر إليكم ألما تعرفوا منا اليقين
فـ "تعرفوا" هنا فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بـ "ألمّا"، وعلامة جزمه حذف النون.
أما الجازم الخامس فهو لام الأمر ولام الدعاء، ويُفرق بينهما بأن لام الأمر تكون من الأعلى للأدنى، ولام الدعاء تكون من الأدنى للأعلى، في نحو قول الله عزّ وجلّ ? وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ? [الزخرف: 77] ، هذه تُسمّى بلام الدعاء لأنها من الأدنى إلى الأعلى، أما إذا كانت من الأدنى إلى الأعلى فكقولك لابنك مثلا "لتقم"، "لتذهب"، "لتفعل كذا"، "لتركب"، "لتجلس"، وهكذا، هذه هي لام الأمر، ومنها قول الله عزّ وجلّ ? لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ? [الطلاق: 7] ، فاللام هنا هي لام الأمر.
وكذلك يُقال في "لا" الناهية والدعائية، لأن "لا" الناهية هي التي يكون الأمر فيها من الأعلى إلى الأدنى، وأما "لا" الدعائية فهي بعكسها، يكون من الأدنى إلى الأعلى، يعني "لا" الناهية هي من الأعلى إلى الأدنى، و"لا" الدعائية بالعكس، من الأدنى إلى الأعلى، منها قول الله عزّ وجلّ ? فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ? [هود: 81] ، فـ "لا" هنا ناهية لأنها من الأعلى إلى الأدنى، ومنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهبًا ما بلغ مُد أحدهم ولا نصيفه) .


أما "لا" الدعائية فمن شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ? [البقرة: 286] ، ومنه قوله سبحانه ? رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ? [آل عمران: 8] ، وهكذا.
الأداة السابعة من أدوات الجزم هي "إنْ"، وطبعًا الآن سنبدأ في أدوات الشرط، وقد انتهينا من الأدوات التي تجزم فعلا واحدًا، نعيدها مرة ثانية، هي "لم" و"لمّا"، وكما قال صاحبنا "ألم" و"ألمّا"، وهما واحد مثل "لم" و"لمّا"، لكنه زادت عليهما همزة الاستفهام، وكذلك الأداة الخامسة هي لام الطلب، وتُطلق على لام الأمر ولام الدعاء، وأيضًا لا الناهية ولا الدعائية، وقد انتهينا من هذه الست جميعًا.
أما الأداة السابعة فهي تجزم فعلين، الأول فعل الشرط والثاني جواب الشرط، وهي أم الباب وهي "إن" الشرطية، وقبل الحديث عن أدوات الشرط أذكر لكم أنها ثلاثة أقسام، قسمٌ منها مُتفق على أنه حرف، وقسم منها مُتفق على أنه اسم، وقسم منها مُختلف فيه أهو اسمٌ أم حرف، فأما المتفق على حرفيته فهو "إن" التي هي أم الباب، وأما المختلف فيه فهو حرف أو اسم فكلمةٌ واحدة وهي "إذما"، وبعضهم يُضيف إليها "مهما"، لكن أكثر كلامهم عن كلمة "إذما" أهي حرفٌ أم اسم؟ والصواب أنها اسم، بقية الأدوات الشرطية كلها أسماء، فنبدأ بأم الباب وهي "إنْ"، قال الله عزّ وجلّ ? إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ? [آل عمران: 120] ، "إنْ" أداة شرط، "تمسس" هذا فعل الشرط وهو مجزوم، "تسؤ" هذا جواب الشرط، وهو مجزوم.
بعد هذا "من" الشرطية، وكما ذكرت لكم هذه مُتفق على أنها اسم، قال الله عزّ وجلّ ? وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَ ? [آل عمران: 161] ، ? يَغْلُلْ ? فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه السكون، ? يَأْتِ ? مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة.


الأداة التاسعة هي "مهما"، وهي من الأدوات التي قلت لكم قبل قليل إنه حصل فيها خلاف أهي اسم أم حرف، وعلى كل حال ترى هذا لا يؤثر في عملها شيئًا، عملها تجزم فعلين، سواء أكانت اسمًا أم كانت حرفًا، من شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ?
[آل عمران: 132] ، "تأتِ" فعل مضارع مجزوم -وهو فعل الشرط-، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، ? فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ? كل الكلام هذا في محل جزم جواب الشرط، والفاء الموجودة هذه فيه تقترن في مثل هذه الحالة، واقترانها واجب، يعني اقترانها بجواب الشرط واجب، لكن متى يكون ذلك؟ يجب اقتران جواب الشرط بالفاء يا أيها الأحباب في مواضع متعددة يجمعها عنوان واحد، العنوان هو ألا يصلح جواب الشرط لأن يقع فعلا للشرط، ما يصلح أن تنقل جواب الشرط وتجعله فعلا للشرط، حينئذٍ يجب اقتران الجواب بالفاء، أما الفروع فهي أن يكون الجواب جملة اسمية، أو جملة فعلية طلبية، أو جملة فعلية فعلها جامد، أو جملة فعلية مسبوقة بـ"لن"، أو جملة فعلية مسبوقة بـ "ما"، وهكذا، وسنذكر لكم بعض الأمثلة لها إن شاء الله تعالى.


قال الله عزّ وجلّ ? وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [الأنعام: 17] ، الفاء هنا واجبة لأن الجواب هنا جملة اسمية، قال الله عزّ وجلّ ? قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ? [آل
عمران: 31] ، جواب الشرط هنا جملة فعلية طلبية، قال الله عزّ وجلّ ? فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ ? [الكهف: 40] ، عسى هنا فعل ماضي جامد يجب اقترانه بالفاء، قال الله عزّ وجلّ ? قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ? [يوسف: 77] ، إذا كانت الجملة مبدوءة بـ "قد" وجب اقترانها بالفاء، قال الله عزّ وجلّ ? وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ? [التوبة: 28] ، كذلك إذا كانت الجملة مبدوءة بكلمة "سوف" فإنه يجب اقترانها بالفاء، وقال الله عزّ وجلّ ? وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ? [آل عمران: 115] ، وهذه الجملة الواقعة جوابًا للشرط هنا مبدوءة بـ "لن"، وقال الله عزّ وجلّ ? فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ ? [يونس: 72] ، بدأت جملة الجواب بـ "ما"، فيجب اقترانها بالفاء، وقد تُحذف هذه الفاء جوازًا، لكنه ليس الكثير، الكثير أن تكون ثابتة في هذه المواضع التي ذكرتها، ومما وردت فيه محذوفة قول الشاعر "من يفعل الحسنات الله يشكرها "، "الله" مبتدأ، "يشكرها" جملة خبرية، والجملة هنا الواقعة جوابًا للشرط جملة اسمية، ومع ذلك لم تقترن بالفاء، ولكن الكلام كما ترون شعر، فلا بأس بأن يكون خاليًا من الفاء، ولكنه خاصٌّ بالشعر.
هذا المواضع التي يجب فيها اقتران جواب الشرط بالفاء، وقد جاءت عرضًا لأننا ذكرنا الآية التي استشهدنا بها في الحرف الذي قبل قليل.


الآن ننتقل إلى كلمةٍ جديدة من أدوات الشرط، وهي كلمة "إذما"، وقد ذكرت لكم أيضًا إنها من المواضع المختلف فيه أهو اسمٌ أم حرف، "إذما" لم ترد في القرآن الكريم، ولكنها وردت في قول الشاعر:
وإنك إذما تأتي ما أنت آمرٌ به تُلفي من إيّاه تأمر آتي
هذا شبيهٌ في المعنى بقول الله عزّ وجلّ ? أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ? [البقرة: 44] ، هذا إذا أمرت شيئًا وأردت أن يُنفذ فابدأ بنفسك، فهذا مضمون هذا البيت، يقول:
وإنك إذما تأتي ما أنت آمرٌ...... به تُلفي من إيّاه تأمر آتي
إذا فعلت ما تأمر به فسوف تجد من تأمره قائمًا به.
الأداة الأخرى والجديدة هي "أي" الشرطية، وهي الأداة الحادية عشرة، وهي كما ذكرتُ لك في حلقة ماضية معربة دون بقية أدوات الشرط، أدوات الشرط كلها مبنية إلا كلمة "أي" فإنها معربة، من شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? [الإسراء: 110] ، فعل الشرط هنا هو قوله ? تَدْعُوا ?، و ? مَا ? زائدة، وقوله عزّ وجلّ ? فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى? هذه الجملة واقعة في جواب الشرط.
الأداة الثانية عشرة هي "متى"، وهي وكلمة "أي" وكلمة "أيّان"، وكلمة "أنّى" ترد أحيانًا أسماء استفهام وترد أحيانًا جازمةً، مرة ثانية، "متى" تأتي استفهامًا وتأتي شرطًا، "أيّ" تأتي استفهامًا وشرطًا، "أين" تأتي استفهامًا وتأتي شرطًا، "أيّان" كذلك، "أنّ" كذلك، والذي يُميز لك الشرطية عن الاستفهامية السياق، قال الله عزّ وجلّ ? وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ? [السجدة: 28] ، بدون شك أن متى هنا استفهامية، وقال الشاعر:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا....... متى أضع العمامة تعرفوني
هذه بدون شك أنها شرطية.


الأداة الثالثة عشرة، هي كلمة "أين" وأيضًا لم ترد شرطية في القرآن الكريم، وفي كثيرٍ من الأحيان يقرنون بها "ما" فيقولون "أينما"، أما كونها مقرونة بـ "ما" فقد وردت في القرآن الكريم، لكن مجردة من "ما" لم ترد شرطية في القرآن الكريم، ومما وردت فيه قول الله عزّ وجلّ ? أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ ? [النساء: 78] ، ? تَكُونُوا ? هو فعل الشرط، وهو مجزوم وعلامة جزمه حذف النون، و ? يُدْرِكُكُمُ ? جواب الشرط، ومن ورود "أين" الاستفهامية قول الله عزّ وجلّ ? يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ? [القيامة: 10] ، فهذه استفهامية.
الأداة الرابعة عشرة هي "أيّان"، من ورودها استفهامية قول الله عزّ وجلّ ? يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ? [الأعراف: 187] ، هذه استفهامية، أما ورودها شرطية فلم ترد في القرآن الكريم شرطية، ومنه قول الشاعر "فأيّان ما تعدل به الريح ينزل"، فـ "تعدل" هو فعل الشرط، وينزل هو جواب الشرط، ومثله قول الشرط "أيّان نؤمنك تأمن غيرنا"، "نؤمنك" هو فعل الشرط، و"تأمن غيرنا هو جواب الشرط".
أما الأداة الخامسة عشرة فهي "أنّا"، وهي اسم شرطٍ، وتأتي كثيرًا اسم استفهام، وفيها دلالة على الظرفية، ومما وردت فيه قول الله عزّ وجلّ ? أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ? [البقرة: 259] ، هذه استفهام، وقوله عزّ وجلّ ? قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا ? [آل عمران: 37] ، أما ورودها شرطية ففي قول
الشاعر:
فأصبحت أنّى تأتها تستجر بها...... تجد حطبًا حزلا ونازًا تأجج
"تأتها" هذا فعل الشرط، و"تجد حطبًا" هذا جواب الشرط، ونقف عند جواب الشرط هذا، ونتقبل الأسئلة منكم إذا كان لديكم أسئلة.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، قلتم أن "لم" و"لمّا" بنفس.......
قاطع الشيخ الطالب:


بالمناسبة يا أخ شريف همزة "إن" تُكسر بعد القول مطلقًا، بعد القول ومشتقاته، "قول" "يقول" "قال" "قل"، كلها اكسر همزة "إن" فيه موضع سنذكره إذا وصلنا باب "إن" وأخواتها إذا يسّر الله سبحانه وتعالى ذلك.
أكمل الطالب سؤاله:
جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، قلتم إن "لم" و"لمّا" بنفس المعنى، ولكن علمنا أن "لم" حرف نفي وجزم وقلب، و"لما" نفي وجزم وقلب، ولكن هناك فرق أن "لما" تفيد أنه لم يحدث هذا الفعل حتى القول، حتى قول هذه الكلمة،......، فنرجو التفصيل.
أجاب الشيخ:
أولا أنا لم أوازن بين "لم" و"لما"، وإنما قلت إن "لم" و"ألم" واحد، وإن "لمّا" و"ألمّا" واحد، فهمتني يا بني، هذا الذي قلته، هذا الذي أذكره، أما الموازنة بين "لم" و"لمّا" فيقولون بينها أربعة أوجه من الشبه وبينها أربعة أوجه من الاختلاف، فأما أوجه الشبه فهي:
1- أن كل واحدةٍ منهما حرف.
2- وأن كل واحدةٍ منهما للنفي.
3- وأن كل واحدة منهما للجزم.
4- وأن كل واحدة منهما تقلب معنى الفعل المضارع من الدلالة على الحال والاستقبال إلى الدلالة على الماضي.
أما الاختلاف بينهما فاثنان خاصّان بـ "لم"، واثنان خاصّان بـ "لمّا":
فأما "لم" تختص بجواز مصاحبتها للشرط:
1- ومنه قول الله عزّ وجلّ ? وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ? [المائدة: 67] ، ? وَإِنْ لَمْ ? ولا يجوز أن تقول "وإنْ لمّا"، هذه واحدة.
2- الثاني مما تختص به "لم" أنه يجوز انقطاع مجزومها قبل النطق بها، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ? [الإنسان: 1] ، ثم كان، يعني هو لمّا كان في بطن أمه لم يكن شيئًا مذكورًا، ثم خرج إلى الدنيا وصار شيئًا مذكورًا، ثم لما كبر صار ملكًا، صار كذا، صار كذا، صار كبيرً،......، هذه ما تختص به لم.


أما ما تختص به "لمّا" يا أيها الأحباب فهو أمران:
1- الأمر الأول أنه يجوز حذف مجزومها، فتقول "قاربتُ المدينة ولمّا"، إذا كان في الكلام ما يدل عليه، يعني ولما أدخلها، ولا يجوز ذلك في "لم".
2- والأمر الثاني الذي تختص به "لمّا" هو أنّه يُتوقع حدوث مدخولها، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ? [الحجرات: 14] ، يعني وسيدخل إن شاء الله، المهم أنه يُتوقع حدوث ما تدخل عليه، بعكس "لمّ".
هاتان ميزتان لـ "لم"، وهاتان ميزتان للـ "لمّا"، ولم أرد أن أتحدث عنهما، ولكن مادام سألت عنهما فهذا هو الجواب، وغفر الله لي ولك.
سأل أحد الطلبة:
هل يُوافق أهل البصرة أهل الكوفة في عدد النواصب؟
أجاب الشيخ:
لا، ما يُوافقونهم لأنهم لا يعتبرون الفاء ولا الواو ولا اللام ولا "حتى"، لا يعدونها ناصبة، وإنما يقولون الناصب هو "أن" مضمرة بعد كل واحدة من هذه الأدوات، معناه أنه يختلف العدد عندهم.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خيرًا، لم يذكر المؤلف "منْ" في الجوازم، فهل هي عند البصريين دون الكوفيين، أم غير ذلك؟
أجاب الشيخ:
"من" هذه ذكرها، هي مذكورة بارك الله فيك وقد مثلنا لها، ? وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَ ? [آل عمران: 161] .
سأل أحد الطلبة:
فضيلة الشيخ، المؤلف لماذا قدّم النواصب على الجوازم؟
أجاب الشيخ:
وهذا أمرٌ عاديٌّ، وفيما أعلم أن كل المؤلفين يقدمون النواصب على الجوازم، مع أنه كان الأصل فعلا أن يُقدم الجازم مع الفعل لكون الجازم هو الأصل في الأفعال، الأصل في الأفعال أن الجزم مُختصٌّ بها، فكان الأصل أن تُقدم الجوازم، هذا سؤالٌ جميلٌ بارك الله فيك.
نكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحابته أجمعين.


الدرس التاسع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.
أيها الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لازلنا نواصل الحديث في شرح مقدمة ابن آجروم النحوية، وقد وصلنا في اللقاءات الماضية إلى الحديث في جوازم الفعل المضارع، وأنهينا الحديث في بعضها، ونعيد ذكر الجوازم حتى نتذكرها، وبعدها إن شاء الله تعالى نتحدث في الحرف أو في الكلمة التي وصلنا إليها من أدوات الشرط، إذ يقول ابن آجروم (والجوازِمُ ثمانيةَ عَشَر، وهي: لَمْ، لَمَّا، ألَمْ، ألَمَّا، ولام الأمر والدعاء، ولا في النَّهيِ والدعاء، وإِنْ، ومَنْ، ومهما، وإِذْما، وأَيُّ، ومتى، وأَيَّانَ، وأينَ، وأَنَّى، وحَيثُمَا، وكيفما، وإذا في الشِّعر خاصة) ، وقد وصل الحديث بنا إلى "أنَّى"، وقلنا إن كلمة "أنّى" لم ترد في القرآن الكريم شرطية، وإنما وردت استفهامية، ومما وردت فيه استفهاميةً قول الله عزّ وجلّ ? قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ? [البقرة: 259] ، ومنه قوله سبحانه ? يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ? [آل عمران: 37] ، وأما ورودها شرطية فقد ورد في الشعر، ومنه قول الشاعر:

فأصبحت أنّى تأتها تستجر بها تجد حطبًا جزلا ونارًا تأجج

فعندنا "أنّى" هنا، وقد اتفقنا فيما مضى على أنها اسم، فـ "أنّى" هذه أداة الشرط، وهي اسمٌ، و"تأتِ" هذا هو فعل الشرط، ومجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة، و"تستجر" هذا بدلٌ من فعل الشرط "أنّى تأتها تستجر بها تجد حطبًا"، لأن الجواب في قوله "تجد حطبًا"، ومنه قول الشاعر أيضًا:
خليليَّ أنّى تأتياني تأتيا أخاً غير ما ... يرضيكما لا يُحاوِلُ"أنّى تأتياني تأتيا"،
فـ "تأتياني" هذا هو فعل الشرط، أما النون الموجودة هذه فليست نون الرفع في الفعل المضارع، وإنما هي نون الوقاية، وقد ذكرتُ لكم أن ياء المتكلم يجب أن يكون ما قبلها مكسورًا، ولذلك حتى يسلم الفعل من الكسر أتوا له بنون الوقاية حتى تقيه من الكسر، فالنون الموجودة هنا هي نون الوقاية، بقي أن نعرف أن جواب الشرط هو قوله "تأتيا"، وهو مجزوم وعلامة جزمه حذف النون.
الأداة السابعة عشرة هي "حيثما"، وهي اسم شرطٍ قولا واحدًا لا خلاف في ذلك، وهي متضمنةٌ للظرفية المكانية، ومما وردت فيه في القرآن الكريم شرطية قول الله عزّ وجلّ ? وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ? [البقرة: 150] ، فـ "حيثما" هي الأداة، و"كان" هو فعل الشرط، وجملة ? فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ? هي جواب الشرط.
أما الأداة الثامنة عشرة هي "كيفما"، وقد تبع المصنف رأي الكوفيين في عد كيفما من أدوات الشرط، وبعضهم لا يعدها أداة شرطٍ، ولم ترد شرطية في القرآن الكريم، وإنما وردت بدون ما ـ في القرآن الكريم ـ استفهامية، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ? قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ? [النمل: 69] ، أما ورودها شرطية فيمكن أن تمثل له بقولك "كيفما تكن أكن معك"، فـ "كيفما" هي الأداة، و"تكن" هو فعل الشرط، و"أكن" هو جواب الشرط.


بقيت الأداة الأخيرة التي ذكرها المصنف، وكثيرٌ من النحويين لا يذكرها، وهي "إذا"، لأن الأصل في "إذا" أنها ظرفٌ لما يُستقبل من الزمان، وأنها أداة شرطٍ غير جازمة، لكنه أوردها لأنه يرد الجزم بها لكن في الشعر خاصة، لا تأتي جازمة إلا في الشعر، بل هو نص في كتابه على أنها لا تجزم الأفعال إلا في الشعر خاصة، والنحويون حينما يعربونها يقولون "إذا" ظرفٌ لما يُستقبل من الزمان، خافضٌ لشرطه، منصوبٌ بجوابه، معنى هذا أنها تحتاج إلى جملة شرطية وتحتاج إلى جملة جوابية، فأما جملة الشرط فهي في محل جر مضاف إليه، لم؟ لأن إذا من الأدوات التي تحتاج دائمًا إلى أن تكون مضافةً إلى جملة، فتُضاف إلى جملة الشرط، وهي ظرف والظرف يحتاج إلى مُتعلق، فمتعلقه هو جواب الشرط.
هذا في إعراب النحويين، أن "إذا" ظرف لما يُستقبل من الزمان، خافضٌ لشرطه، منصوبٌ لجوابه، وبعضهم يقول "إذا" شرطية غير جازمة، ولم يرد جزمها لفعل الشرط إلا في الشعر، وقد يكون هذا من باب الضرورة، ومنه ما ورد في قول الشاعر:
استغني ما أغناك ربك بالغنى...... وإذا تصبك خصاصةٌ فتجمل
هنا "تُصب" أصله "تُصيب"، ولكن لمّا دخلت عليه "إذا" هنا واحتاج في الوزن حذف الياء هذه وسكّن الباء فصارت مجزومة، صار فعلا مضارعًا مجزومًا بـ "إذا" الشرطية، وهي لا تجزم ـ كما قلت أكثر من مرة ـ إلا في الشعر خاصة. وهذا هو الحديث عن آخر أداة ذكرها المصنف في الأدوات التي تجزم الأفعال المضارعة.


وبعد هذا ننتقل إلى باب جديد، وإلى منحًى آخر، وهو الحديث عن الجمل، وقد بدأ بالحديث عن الجمل الاسمية، ذلك أنه تحدث عن باب مرفوعات الأسماء، فقال (باب مرفوعات الأسماء) ، ثم قال (المرفوعاتُ سبعة، وهي: الفاعل، والمفعول الذي لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، والمبتدأ وخبره، واسم كان وأخواتها، وخبر إنَّ وأخواتها، والتابع للمرفوع، وهو أربعة أشياء: النَّعتُ، والعطفُ، والتوكيد، والبَدَل) ، وهذا بابٌ طويلٌ جدًا، لأنه ليس بابًا واحدًا وإنما هو أبوابٌ متعددة.
نبدأ في حديث المصنف عن الباب الأول من المرفوعات، وهو باب الفاعل، والفاعل يا أيها الأحباب عمدة، والعمدة لا يجوز حذفه ولا إسقاطه، والفاعل حكمه أنه يستحق الرفع، ولذلك ذكر المصنف باب الفاعل في أول أبواب المرفوعات، قال المصنف رحمنا الله وإياه: (باب الفاعل: الفاعل: هو الاسم المرفوعُ المذكورُ قبلَهُ فِعلُهُ) وهنا ذكر لنا بعض الأحكام المتعلقة بالفاعل، ذلك أن الفاعل حقه أن يكون مرفوعًا، وأيضًا حق الفاعل أن يتقدم عليه عامله، والعامل قد يكون فعلا وقد يكون غير فعل، قد يكون فعلا كقولك "قام عبد الله"، وقد يكون غير فعل نحو قوله عزّ وجلّ ? مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ? [النحل: 69] ، فـ ? مُخْتَلِفٌ ? اسم فاعل، و ? أَلْوَانُهُ ? فاعلٌ به، ومع ذلك فهو ليس فعلا وإنما هو اسم فاعل، طبعًا الفاعل قال المصنف في تعريفه (هو الاسم) ، ومعنى ذلك أنه يخرج من عندنا الفعل، فالفعل لا يكون فاعلا، ويخرج من عندنا الحرف، فالحرف لا يكون فاعلا، فلابد أن يكون الفاعل اسمًا، ثم قال (المرفوع) ، والمرفوع هذا حكم من أحكام الفاعل، وأحكامه سبعة كما يذكرها بعض النحويين، فالمرفوع هذا حكمٌ من أحكام الفاعل، وكان الأولى أن يؤجل الحديث عن حكمه حتى ننتهي من تعريفه، لكن المصنف هذا شأنه في كثيرٍ من الأبواب، وسيتبين ذلك إن شاء الله تعالى.


المهم أن الاسم المرفوع المذكور قبله فعله هو الفاعل، وطبعًا قد يكون اسمًا صريحًا مثل قولك "قام محمدٌ"، أو "حضر عبد الله"، وقد يكون اسمًا مؤولا، يعني أن يكون "أنْ" وما دخلت عليه، أو "أنّ" وما دخلت عليه، أو "لو" وما دخلت عليه، يعني قد يكون مصدرًا مؤولا، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ? أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ? [العنكبوت: 51] ، فـ"يكفي" هذا فعل، والهاء هنا مفعولٌ به، الميم للجمع، وأنّ وما دخلت عليها في تأويل المصدر فاعل، وتأويله والله أعلم "أولم يكفهم إنزالنا"، فالفاعل هنا ليس اسمًا صريحًا وإنما هو مصدرٌ مؤول.
ثم قال المصنف رحمه الله (المذكور قبله فعله) ، قد يكون الرافع للفاعل فعلا، كقولك حضر زيدٌ، وقد يكون الرافع له اسم فاعل كما ذكرنا قبل قليل، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ? [النحل: 69] ، فـ ? مُخْتَلِفٌ ? هذا اسم فاعل، و ? أَلْوَانُهُ ? هذا فاعلٌ، والذي عمل فيه الرفع هو اسم الفاعل، وقول المصنف (المذكور قبله فعله) هذا يشترطه البصريون أنه لابد أن يكون الفعل متقدمًا على الفاعل وإلا فلا يُعتبر فاعلا، يعني إذا قلتَ مثلا "محمدٌ حضر"، من الذي فعل الحضور؟ طبعًا هو محمدٌ، لكنه لا يُعرب هنا فاعلا، لأنه تقدم على عامله، هذا هو القول المعتد به، وإن كان الكوفيون يرون جواز تقديم الفاعل على فعله، فيعربون "محمدٌ" هنا فاعلا، ولا يهمهم قوله متقدم، لكن الصواب والله أعلم أن "محمدٌ" هنا مبتدأ، و"قام" فعل ماضٍ، والفاعل ضميرٌ مستترٌ يعود على محمد، والجملة هذه واقعة في محل رفع خبر المبتدأ "محمدٌ".


قال المصنف (وهو) يعني الفاعل، (على قسمين: ظاهر ومضمر) ، المقصود بقوله (ظاهر) يعني أنه يكون اسمًا ظاهرًا، وأما المقصود بقوله إنه مضمر، فالمقصود به الضمائر، ثم قال المصنف رحمه الله (فالظاهر نحو قولِك: قام زيدٌ، ويقوم زيدٌ، وقام الزَّيدانِ، ويقومُ الزَّيدانِ، وقامَ الزَّيدونَ، ويقوم الزَّيدون، وقام الرجالُ، ويقومُ الرجالُ) ، أما قوله (قام زيدٌ) فالفاعل هنا اسمٌ ظاهرٌ مفرد، وأما قوله (ويقوم زيدٌ) فلا اختلاف بينهما في الفاعل، وإنما الاختلاف في العامل، لأن الأول عامله فعلٌ ماض، والثاني عامله فعلٌ مضارع، ولا إشكال.
ثالث الأمثلة (وقام الزَّيدانِ) ، (الزَّيدانِ) هنا مثنى، والعامل الذي رفع قوله (الزَّيدانِ) هو قوله (قام) ، وهو هنا فعلٌ ماضٍ، مثله قوله (وقامَ الزَّيدونَ) ، فإن العامل هنا أيضًا فعلٌ ماضٍ، و (الزَّيدونَ) فاعلٌ ولكنه جمع مذكرٍ سالم، (الزَّيدانِ) مثنى ومرفوع بالألف، و (الزَّيدونَ) فاعلٌ، وهو مرفوعٌ أيضًا وعلامة رفعه الواو.
أما قوله (ويقوم الزَّيدون) فهو من حيث الفاعل واحد، لأن الفاعل هنا جمع مذكر سالم مرفوعٌ وعلامة رفعه الواو، أما عامله الذي رفعه فهو قوله (يقوم) وهو هنا فعلٌ مضارع.
أما المثال الخامس فهو قوله (وقام الرجالُ) ، (الرجالُ) هنا جمع تكسير، وهو مرفوعٌ وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والذي رفعه فعلٌ ماضٍ، ومثله من حيث الفاعل قوله (يقومُ الرجالُ) لأنه جمع تكسير أيضًا، لكن العامل هنا تغير وهو أنه فعلٌ مضارع، ولا إشكال فيه، والحمد لله رب العالمين.


وطبعًا لا يضير يا بني أن يكون الفاعل مذكرًا أو مؤنثًا، ولا يضير أن يكون معرفةً أو نكرة، كله واحد لا إشكال، فهذا حكمه أولا أنه عمدة، حكمه ثانيًا أنه مرفوع، حكمه ثالثًا أنه يأتي بعد العامل، والعامل قد يكون غير فعلٍ. أنبه هنا إلى شيءٍ آخر وهو أن الفاعل قد يجيء مجرورًا لفظًا ولكنه مرفوعٌ محلا، وهذا في حالتين: حالة يكون مجرورًا بحرف جرٍ زائد، نحو قول الله عزّ وجلّ ? أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ ? [المائدة: 19] ، فـ ? بَشِيرٍ ? هنا فاعل، وهو مجرورٌ بـ ? مِنْ ?، مجرورٌ لفظًا مرفوعٌ محلا، لأن حقه أن يكون مرفوعًا، ومثله قول الله عزّ وجلّ ? وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ? [النساء: 79] ، فلفظ الجلالة هنا مرفوعٌ، لأنه فاعل لـ ? كَفَى ?، ولكنه مجرورٌ في اللفظ بالباء الموجودة هذه.
ومنه أيضًا نوعٌ آخر يكون الفاعل مجرورًا بإضافة المصدر إليه، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ? [البقرة: 251] ، ? وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ ? الذي يدفع هو الله سبحانه وتعالى، وهو هنا فاعل، لكن مجرورٌ لفظًا، ولك في إعرابه وجهان، أن تقول لفظ الجلالة هنا مضاف إليه مجرور وتسكت، ويمكن أن تقول لفظ الجلالة هنا فاعل مجرورٌ لفظًا مرفوعٌ محلا من إضافة المصدر إلى عامله.
هذا، وقد قال المصنف بعد هذا من ضمن الأمثلة التي ذكرها للفاعل، قال (وقامَ أخوكَ، ويقوم أخوك) ، وهذان المثالان متشابهان من حيث الفاعل، لأن الفاعل اسم من الأسماء الخمسة مرفوع وعلامة رفعه الواو، لكن الاختلاف بينهما في العامل، فالعامل في الأول فعلٌ ماضٍ، والعامل في الثاني فعلٌ مضارع، وهذه سهلة.


أما قوله بعده (وقامَ غُلامي، ويقومُ غُلامي) ، فهذا فيه إشكالٌ يسير، وهو أن الفاعل هنا مضاف إلى ياء المتكلم، وقد ذكرنا أكثر من مرة أن المضاف إلى ياء المتكلم لابد أن يكون ما قبل الياء فيه مكسورًا، لذلك نقول عند إعرابه إن كلمة غلام هنا فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، و"قام" و"يقوم"، "قام" هنا فعل ماضٍ، و"يقوم" هذا
فعلٌ مضارعٌ ولا إشكال فيه والحمد لله رب العالمين.
وقد ذكر المصنف في البداية أن الفاعل نوعان، ظاهرٌ ومضمر، وسترون هنا أن الضمائر التي ذكرها في أمثلته كلها ضمائر متصلة، هل يأتي الفاعل ضميرًا منفصلا؟ نعم، ولكنه لابد أن يوجد فاصل نحو قولك مثلا "ما قام إلا هو"، و "ما قام إلا أنت"، و"ما حضر إلا أنا"، هذا هو الفاعل إذا كان ضميرًا متصلا لابد أن يوجد فيه فاصلٌ حتى يكون هو الفاعل، أما المذكور هنا فهو كله ضمائر متصلة.
قال المصنف (والمُضمَر اثنا عشر، نحو قولك: ضَربْتُ، وضربْنَا، وضَرَبْتَ، وضَرَبْتِ، وضربْتُمَا، وضربْتُم، وضرَبْتُنَّ، وضَرَبَ، وضَرَبَتْ، وضَرَبَا، وضَرَبُوا، وضَرَبْنَ) ، كل هذه الضمائر ظاهرة إلا في موضعٍ واحد، وهو قوله (ضَرَبَ) ، فإن فاعله ضميرٌ مستتر، لكن البقية ظهر فيها الفاعل، فنبدأ بقوله (ضربتُ) ، فالتاء هنا ضمير المتكلم الواحد، وهو فاعلٌ مبنيٌّ على الضم في محل رفع، والبقية كلها يا أيها الأحباب مبينة في محل رفع، لذلك لا نحتاج إلى تكرار هذا، لأننا كما قلنا قبل إن الضمائر كلها مبنية.


و (وضربْنَا) ، "نا" هنا هي "نا" الفاعلين، وتصلح للواحد المعظم نفسه، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ? [الحجر: 9] ، وهي في الأصل ليست للواحد، لكنها لأكثر من واحد، سواء كان المتكلم اثنين أو أكثر، وسواء أكانا مذكرين أم مؤنثين أم ذكورا أم إناثا، فإن "نا" تصلح للجميع، تصلح لما عدا الواحد، إلا أن الواحد أيضًا المعظم لنفسه تصلح له أيضًا، هذه "نا".
أما قوله (ضَرَبْتَ، وضَرَبْتِ، وضربْتُمَا، وضربْتُم، وضرَبْتُنَّ) فهذه كلها ضمائر المخاطب، أما الأول فهو المفرد، وأما الثاني وهو (ضَرَبْتِ) فالمفردة، وأما (ضربْتُمَا) فهو للاثنين، سواءٌ أكانا مذكرين أم مؤنثين، وأما (ضربْتُم) فهو لجماعة الذكور، وأما (ضرَبْتُنَّ) فهو لجماعة الإناث.
ننتقل إلى ضمير الغيبة، أما ضمير الغيبة فقد ذكر المصنف فيه (ضَرَبَ) في اللفظ الأول، والفاعل هنا ليس ظاهرًا، وإنما هو مستتر، وهو ضمير تقديره "هو"، ولابد أن يكون هناك شيءٌ يعود إليه هذا الضمير، مثل "محمدٌ ضرب"، أما قوله (ضَرَبَا) فالألف هنا للاثنين، لو كان مؤنثًا لقال ضربتا، أما (ضربوا) فهي لجماعة الذكور، وأما (ضربنّ) فهي لجماعة الإناث.
وكما ترون يا أيها الأحباب أنبه إلى شيءٍ آخر، وهو أن الفعل الماضي في هذه الأوجه مبنيٌّ، والذي هو مبنيٌّ عليه إما أن تكون مبنيٌ على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك، وإما أن تكون هو مبنيٌّ على الفتح وإنما سُكّن آخره لاتصاله بضمير الرفع المتحرك، وهذا أولى، لكن الثاني جائز، ولا إشكال فيه، والثاني أسهل وأيسر، طبعًا إلا في قوله (ضَرَبَ) فهذا مبنيٌّ على الفتح ظاهر، وفي قوله (ضربا) هذا مبنيٌّ على الفتح لأنه لم يتصل بمتحرك، لأن الألف هنا ساكنة.


هذا آخر ما يُقال في باب الفاعل، وإن كان فيه بعض الأحكام، وهي من حيث الأصل في ترتيب الجملة الفعلية التي فيها فاعل، الأصل أن يُبدأ بالفعل ثم يُذكر الفاعل بعده ثم يُذكر المفعول به، وقد يُخالف هذا الأصل، وأحيانًا تكون المخالفة واجبة، وأحيانًا تكون المخالفة جائزة، وقد يُلتزم هذا الأصل وجوبًا.
أذكر لكم بعض هذه المواضع فقط ولن أطيل فيها، نبدأ بالتزام الأصل، التزام الأصل إما جائز وإماواجب، فالجائز نحو قولك "أكرم محمدٌ عليًّا"، يمكن أن تقول "أكرم عليًّا محمدٌ"، ويمكن أن تقول "عليًّا أكرم محمدٌ"، ما فيه إشكال، هذه صورة، وهذه صورة جائزة.
فيه صورة أخرى واجب التزام الأصل، كقولك "أكرم موسى عيسى"، لأن الفاعل هنا لا تظهر عليه علامة أنه مرفوع، ولا تظهر علامة النصب على المفعول به، فإذا لم توجد في الكلام قرينة لفظية ولا معنوية فإنه يجب التزام الأصل، يعني يجب أن يكون المتقدم في هذين اللفظين ـ أعني موسى وعيسى ـ هو الفاعل، فإذا ظهر في الكلام ما ينبئ بأن المتقدم هو المفعول به والفاعل هو المتأخر فلا إشكال، مثلا قولك "أرضعت الصغرى الكبرى"، طبعًا المرضع هو "الكبرى"، هذه قرينة معنوية، لا مانع، و"أكل الكمثرى موسى"، الآكل هو موسى، لا مانع أن يتأخر لأنه معروف، "أكرم موسى العاقلَ عيسى"، عيسى أخرناه، لماذا مع أنه فاعل، ويوجد تشابه والحركة غير ظاهرة؟ لا، فيه ظهور وهو أن موسى هذا موصوفٌ بقوله العاقل، معنى هذا أن المتقدم مفعول به وأن الفاعل متأخر، هذا من ناحية التزام الأصل وعدم التزامه.


أحيانًا يجب توسط المفعول به بين الفعل والفاعل، يذكرون من شواهده قول الله عزّ وجلّ ? وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ? [البقرة: 126] ، توسط المفعول به بين الفعل والفاعل وجوبًا، لم؟ لأنك لو أخرت المفعول به وأتيت بالترتيب فقلت في الكلام العادي "وإذ ابتلى ربُه إبراهيم" لعاد الضمير في "ربه" على كلمة إبراهيم وهي متأخرة لفظًا ورتبة، وهذا لا يجيزه معظم النحويين.
ومن مخالفة الأصل وجوبًا، وذلك بتقديم المفعول به على الفعل والفاعل أن يكون المفعول به من الألفاظ التي لها الصدارة، كأن يكون اسم استفهام مثلا، أو أن يكون اسم شرط، كقول الله عزّ وجلّ ? أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? [الإسراء: 110] ، ? أَيًّا ? هنا مفعول به مقدم وجوبًا، لم؟ لأن أسماء الشرط لها الصدارة، "أيّ رجلٍ قابلت؟ "، هذه أيضًا من الألفاظ التي لها الصدارة فيجب تقديمها.
فإذًا في بعض الأحيان يجب التزام الأصل، في بعض الأحيان يجب مخالفة الأصل، وفي بعض الأحيان تكون المسألة جائزة، والحمد لله رب العالمين.
بقي نقطة أخرى، لكن ربما يذكر المصنف هذا الكلام فيما بعد، لكن إن ذكرها ما أعدنا شرحها، وإن لم يذكرها فنكون قد شرحناها، وهي أن الفاعل قد يكون مؤنثًا، وقد يكون مؤنثًا تأنيثًا حقيقيًّا، فيجب أن تُلحق علامة بالفعل تدل على أن الفاعل مؤنث، كقولك "أكرمت هندٌ جارتها"، فالتاء في "أكرمت" واجبة الذكر، لأن "هند" مؤنث حقيقي التأنيث غير مفصولٍ عن عامله. هل يجوز لنا مع كون الفاعل مؤنثًاحقيقي التأنيث ألا نؤنث الفعل أو ألا نلحق به علامة دالة على التأنيث؟ نعم، لكن بشرط أن يُفصل بين الفعل والفاعل، يعني يمكن أن تقول "أكرمت اليوم هندٌ جارتها"، ويمكن أن تقول "أكرم اليوم هندٌ جارتها"، لأن هند فُصلت عن العامل مع أنها مؤنث حقيقي التأنيث.


وجه ثاني، وهو أنه إذا كان الفاعل مؤنثًا مجازي التأنيث فإن لك أن تؤنث الفعل ولك أن تذكره، فتقول مثلا "نمتْ الشجرة"، و"طلعت الشمس"، ويمكن أن تقول "نمى الشجرة" و"طلع الشمس"، ولا إشكال فيه، إذًا إذا كان الفاعل مجازيًّ التأنيث أو كان الفاعل مؤنثًا مفصولا عن عامله جاز لك أن تؤنث الفعل وأن تذكره.
بقيت نقطة من أحكام الفاعل ضرورية جدًا، وهي أن الفاعل قد يكون مثنًّى، وقد يكون مجموعًا، فهل نلحق بالعامل علامة تدل على أن الفاعل مثنًّى أو مجموع كما فعلنا مع المؤنث؟ الجواب أن الكثير في كلام العرب ألا يُلحق، وهذا هو الوارد في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كثيرٍ مما ثبت عمن يُحتج بكلامهم، قال الله عزّ وجلّ ? وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ? [الفرقان: 8] ، وقال سبحانه ? وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ ? [يوسف: 30] ، فلم يرد هنا دلالة على أن الفاعل جماعة، وقال الله سبحانه وتعالى ? قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ ? [المائدة: 23] ، فـ ? قَالَ ? مسند إلى مثنّى وهو ? رَجُلَانِ ?، ومع ذلك لم يلحق بالفعل علامة تدل على أنه فاعل مثنى، وهذا هو الغالب الكثير من كلام العرب.
ولكن قد ورد في القرآن الكريم وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وفي بعض كلام العرب ـ وهو كثير ـ، لكنه ليس مقاربًا أبدًا لعدم ذكر هذا، ورد إلحاق علامة تدل على أن الفاعل مثنى أو مجموع، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ? [الأنبياء: 3] ، وقوله سبحانه ? ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ? [المائدة: 71] ، وقوله صلى الله عليه وسلم (يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكة بالنهار) . وقول الشاعر:


يلومونني في اشتراء النخيل أهلي
وقول الآخر:
أُلفيتا عيناك عند القفا……… أولى فأولى لك ذا وقيه
وقول الشاعر أيضًا:
نتج الربيعُ محاسناً....... ألقحنها غرُّ السحائب
هذا كما ترون اتصل بالعامل هنا علامات تدل على أن الفاعل مثنى أو مجموع، وهذا جائز، ولكنه قليلٌ، مادام ورد في كتاب الله سبحانه وتعالى، وورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي المعتد به من كلام العرب فنحن نستجيزه، ولكنه ليس كثيرًا، بل الغالب خلافه.
فنقف الآن عند هذا الحد، ونستمع منكم الأسئلة إذا كان لديكم أسئلة، أو أنا أسأل.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، قال المصنف رحمه الله (الفاعل هو الاسم المرفوع المذكور قبله فعله) ، وقلنا أن المذكور قبله فعله هذا شرط البصريين، وعلمنا أن المصنف رحمه الله من الكوفيين، فلم اختار هذا الشرط؟
وسؤالٌ آخر، في "أكرمت هندٌ"، كيف يكون إعراب التاء هاهنا؟
أجاب الشيخ:
أما سؤالك الأول، وهو لماذا اتبع رأيَ البصريين في هذا الشأن، في الحقيقة أن على الأقل حتى الكوفيون ليس الغالب عندهم أن يتقدم، لكنهم يجيزونه جوازًا، يجيزون أن يتقدم الفاعل على عامله، ولكنه جواز وليس هذا هو الغالب، فلعل هذا اتبع الغالب في كلام العرب وهو أن يتقدم العامل ويتأخر عنه فاعله.
أما سؤالك الثاني وهو كيف نعرب نحو قولنا "أكرمت هندٌ جارتها"، فالتاء هنا بارك الله فيكم جميعًا هي حرف لا محل له من الإعراب، التاء تاء التأنيث لا محل له من الإعراب، وما بعده هو الفاعل، "أكرمت هندٌ"، "هندٌ" هي الفاعل، وأما هذه فأتي بها للدلالة على أن الفاعل مؤنث.
سأل أحد الطلبة:


جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، سؤالٌ متعلقٌ بنصب الجوازم، ذكرتم في "إذما" أنها اسمٌ على الأصح وهذا الذي رجحتم، لكن وجدنا بعد الشراح قال هي حرفٌ على الأصح، فهل لهذا الخلاف سبب؟
أجاب الشيخ:
أولا هذه مسألة خلافية فلكلٍ رأيه في الترجيح، ولكن الذي دفعني إلى ترجيح كون كلمة "إذما" اسم هو أن "إذ" وحدها إذا لم تلحقها "ما" باتفاق اسم، فإذا لحقتها "ما" فلا يضيرها ذلك، فتبقى على اسميتها، هذا هو الذي دفعنى إلى ترجيح ذلك، وهي اسمٌ ظرفٌ يدل على الزمن الماضي، هذا هو السبب الذيدفعني إلى ترجيح هذا الجانب.
سأل أحد الطلبة:
فضيلة الشيخ جزاكم الله خيرًا، ذكر في الفاعل أنه مرفوع، فهل يمكن القياس على بعض كلام العرب بأن جعلوا الفاعل منصوبًا كقولهم "كسر الزجاجُ الحجرَ"، فهل يمكن القياس عليها؟
أجاب الشيخ:
طبعًا لا يُقاس عليها، لأن هذا أولا لغة لبعض العرب، وهي لغة إذا سمحنا بها فستضيع المسألة، فنحن لا نقيس عليها لأن الأصل في الفاعل أنه مرفوع، لكن يقولون "خرق الثوبُ المسمارَ"، و"كسر الزجاجُ الحجرَ"، يقولون إذا كانت المسألة واضحة جدًا أين الفاعل وأين المفعول فلا مانع من ذلك، لكن المسألة هي من ناحية الجواز فقط، ولكنها ليست قياسية، فنكتفي بما سُمع فيها، وإلا لو فتحنا الباب فهانت الأمور جدًا.
سأل أحد الطلبة:
فضيلة الشيخ، ما تعريف المضمر؟
أجاب الشيخ:
المضمر المقصود به الضمائر عمومًا، والضمائر ثلاثة أنواع، إما ما يدل على متكلم نحو "أنا"، وإما ما يدل على "مُخاطب" نحو "أنت"، وإما ما يدل على غائب نحو "هو"، فهذا هو الذي يُقال في تعريف الضمائر.
نكتفي بهذا القدر اليوم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.


الدرس العاشر

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحابته أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أريد أن أنبه إلى نقطة في الدرس الماضي وهي إذا ورد عندنا نحو قول الله عزّ وجلّ ? وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ? [الأنبياء: 3] ، فكيف نعربه؟ طبعًا هو الغالب ألا يلحق بالفعل ما يدل على أن الفاعل مثنى ولا مجموع، هذا هو الغالب في كلام الله عزّ وجلّ وفي كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وفي كل ما ورد عن العرب، لكن إذا ورد فكيف نعربه؟ المسألة في هذا سهلة والحمد لله، لك ثلاثة أوجه في الإعراب، ونطبق على قول الله عزّ وجلّ ? ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ? [المائدة: 71] :
الوجه الأول: أن تقول الواو هذه حرف يدل على أن الفاعل جماعة لا محل له من الإعراب، والفاعل هو قول الله سبحانه ? كَثِيرٌ ?، هذا الوجه الأول.
الوجه الثاني: أن تقول لا، بل الواو هذه هي الفاعل، و ? كَثِيرٌ ? بدلٌ منها.
الوجه الثالث: أن تقول لا، بل الواو هذه فاعل، والجملة وهي قوله ? عَمُوا ? خبر مقدم، و? كَثِيرٌ ? مبتدأ مؤخر.
هذا توجيه ما ورد من مثل هذا، وهو كما قلت أكثر من مرة قليلٌ وليس كثيرًا، ولكنه صحيحٌ جائز، وهو في لغة طيِّء وبعض أزد شنوءة، هو في لغتهم مشهورٌ هذا، إلحاق علامة تدل على أن الفاعل مثنى أو مجموع، هذه لغةٌ لبعض العرب، وهي جائزة صحيحة فصيحة، ولكنها ليست الغالبة، وليست الكثيرة بحسب ما ورد في الكلام المعتد به.


ننتقل الآن إلى باب النائب عن الفاعل، قال المصنف (وهو الاسم المرفوعُ الذي لم يُذكَر معه فاعلُهُ) ، وفي رأيي أن هذا التعريف ليس جامعًا ولا مانعًا، أما كونه غير جامع، فإنه لمّا عرفه قال هو الاسم المرفوع، وليس كل أنواع النائب عن الفاعل تكون مرفوعة، بل ينوب عن الفاعل أحيانًا الجار والمجرور، وأحيانًا الظرف، وأحيانًا المصدر، ومع ذلك لا تكون مرفوعة، فليس كل ما ينوب عن الفاعل مرفوعًا. هذه واحدة، أما كونه غير مانع فإنهم يدخلوا في هذا التعريف نحو قولك مثلا "محمدٌ حاضرٌ"، "محمد"ٌ مبتدأ وهو مرفوع، و"حاضرٌ" خبر وهو مرفوع، ولم يذكر مع كلمة "محمدٌ" فاعلها، ولذلك قد يدخل على هذا التعريف أن تعرب كلمة "محمدٌ" هنا على أنها نائب فاعل لأنه لم يُذكر معها فاعل، إذًا نقول هذا التعريف ليس جامعًا وليس مانعًا، لكن لو ذُكر مثلا الذي إذا حُذف الفاعل ينوب غيره منابه مع تغييرٍ في الصيغة يمكن أن يكون هذا الكلام مقبولا.
وقد تتساءل، ألم تقل لنا يا أستاذ إن الفاعل عمدة، فلماذا نحذفه وننيب غيره منابه؟ نقول لا يخلو أن يُحذف الفاعل وينوب غيره مقامه لإغراض، أحيانًا تكون الأغراض لفظية، وأحيانًا تكون الأغراض معنوية، أما كون الأغراض لفظية فكاستقامة الوزن في الشعر، ويُمثلون له بقول الأعشى:
علقتها عرضا وعلقت رجلا غيري وعُلق أخرى غيرها الرجل
فـ "عُلق" هنا في مواضعها الثلاثة قد بُنيت للمفعول لأنه لو ذكر فقال "علقني الله بها" مثلا، لانكسر الوزن عليه، فهذا غرضٌ لفظي، هناك غرضٌ لفظيٌّ آخر، وذلك في السجع، إذا أرادوا استقامة السجعة فقد يحذفون الفاعل ويقيمون غيره مقامه، فمثلا يقولون "من طابت سريرته حُمدت سيرته"، قالوا لو قالوا "حمد الناس سيرته" لكان هذا انتقضت عليه السجعة لأن الأول هنا كما ترون "من طابت سريرته"، فستصير سيرته هذه منصوبة، فسيقولون "حمد الناس سيرته" فتختل السجعة، هذان الغرضان لفظيان، ويوجد هناك أغراض معنوية، وهي كثيرةُ، أذكر لكم بعضها.
أما من الأغراض المعنوية فقد يكون ـ وهذا أغلب ما يكون ـ:
للجهل بالفاعل، الفاعل غير معروف، فتقول مثلا "سُرق المتاع"، لأنك ما تعرف من السارق، فتحذف الفاعل وتقيم غيره مقامه، هذا الأول.
الثاني: الخوف من الفاعل، أنك لو ذكرت مثلا "سرق زيدٌ المتاع" لأتى الفاعل هذا وسرق متاعك.


أيضًا الخوف على الفاعل، وذلك في قولك مثلا "سُرق المتاع"، لأنك لو ذكرت اسمه لتسلطت عليه الشرطة وأمسكته وقطعت يده على سبيل المثال.
من ذلك مثلا يقولون العلم بالفاعل، الفاعل معلوم ما يحتاج أنك تذكره، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ? [الأنبياء: 37] ، الخالق معروفٌ فلا تحتاج إلى ذكره.
قالوا ومنهم، من الأغراض المعنوية، تنزيه ذكر الفاعل مع المفعول به، وذلك كقولك مثلا "خُلق الخنزير"، فتنزه أن تذكر اسم الله عزّ وجلّ مع لفظ الخنزير، وهناك أغراض معنوية كثيرة يُحذف الفاعل من أجلها ويقوم غيره مقامه.
اتفقنا على أنه يُحذف الفاعل غيره مقامه، فما الأشياء التي تقوم مقامه، أربعة أشياء:
الأول: المفعول به، وهو أكثر ما ينوب عن الفاعل، حتى يرى بعض النحويين أنه إذا وُجد المفعول به في الكلام لا يجوز أن تنيب غيره مع وجوده، سواءٌ تقدم المفعول به أم تأخر، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? وَقُضِيَ الْأَمْرُ ? [البقرة: 210] ، أصل الكلام والله أعلم "وقضى الله الأمر"، فحُذف لفظ الجلالة وهو الفاعل وأقيم المفعول به مقامه، ومنه قول الله سبحانه ? وَغِيضَ الْمَاءُ ? [هود: 44] ، لو ذُكر الفاعل لقال
ـ والله أعلم قد يكون هذا هو التقدير ـ "وغاض الله الماء"، لكن حُذف الفاعل وأُقيم غيره مقامه وهو المفعول به هنا، فإذا وُجد المفعول به فهو ينوب عن الفاعل مقدمًا، وهذا هو الغالب الكثير أنه هو الذي ينوب عن الفاعل، المفعول به.
وينوب عنه أيضًا على خلافٍ في بعضها ثلاثة أمور، هي:
1 - المجرور، وبعضهم يرى أنه الجار والمجرور.
2 - الظرف المتصرف المختص.
3 - المصدر المتصرف المختص.


نبدأ بالمجرور، المجرور فيه خلاف في إنابته عن الفاعل، بعضهم لا يرى أنه نيابته عنه، ولكنه قد ورد في القرآن الكريم قول الله عزّ وجلّ ? وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ? [الأعراف: 149] ، فبعض المعربين يرون أن الجار والمجرور نائبان عن الفاعل، لكن المانعون يقولون لا، النائب عن الفاعل مقدر، وهو ضمير يعود على المصدر المفهوم من سُقط، فيقدرون "فلمّا سُقط هو" أي السقوط، من أين أخذتم السقوط؟ قالوا مفهومًا من قوله ? سُقِطَ ?، و ? فِي أَيْدِيهِمْ ? جار ومجرور متعلق بـ ? سُقِطَ ?، هؤلاء المانعون، لكن الصواب والله أعلم أنه يجوز نيابة الجار والمجرور عن الفاعل، هذا هو النوع الثاني.
أما النوع الثالث: الذي ينوب عن الفاعل فهو الظرف، لكن اشترطوا فيه أن يكون متصرفًا وأن يكون مختصًّا، أن يكون متصرفًا يعني ألا يلزم النصب على الظرفية، فإن كان دائمًا منصوبًا على الظرفية من "حيث" و"إذ" و"إذا" فإنه لا يجوز أن ينوب عن الفاعل، هذا هو المقصود بالتصرف، إذًا، فهل هناك ظرفٌ متصرف؟ نعم، مثل كلمة "يوم"، "يوم" هذه تقع مبتدءًا، وتقع خبرًا، وتقع فاعلا، وتقع غير ذلك من أنواع الإعرابات، قال الله عزّ وجلّ ? وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ? [الإنسان: 7] ، ? يَوْمًا ? هنا صارت مفعولا به وليست ظرفًا، وتقول "يوم الجمعة يومٌ مباركٌ"، تصير مبتدأ وخبر، وتقول "أعجبني يوم الجمعة" فتكون فاعلا، إذًا هي متصرفة، فيجوز أن تنوب عن الفاعل، هذا هو المقصود بالتصرف، التصرف هو أن يخرج عن النصب على الظرفية إعراباتٍ أخرى.


أما الاختصاص، هم اشترطوا أن يكون متصرفًا مختصًا، فالاختصاص يكون بواحدٍ من أربعة أمور، إما بأن يكون موصوفًا كقولك مثلا "صيم يومٌ حارٌّ"، هذا موصوف، وإما أن يكون مضافًا كقولك "صيم يومُ الخميس"، وإما أن يكون علمًا كقولك "صيم رمضانُ"، وإما أن يكون ـ بارك الله فيك ـ مقترنًا بـ "أل" العهدية، كأن يكون بينك وبين بعض إخوانك أو المخاطب حديث عن يوم الاثنين مثلا فتقول "صيم اليوم"، المقصود باليوم هذا هو المعهود بينك وبين المُخاطب، حينئذٍ يجوز، فلابد لنيابة الظرف عن الفاعل أن يكون متصرفًا وأن يكون مختصًا، والتصرف قد وضحناه، والاختصاص قد وضحناه.
وكذلك يُشترط في المصدر أن يكون متصرفًا وأن يكون مختصًا، نمثل له أولا، قال الله عزّ وجلّ ? فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ? [الحاقة: 13] ، ? نَفْخَةٌ ? هنا نائب عن الفاعل، وهي مصدر، والمصدر هنا متصرف، لأنه يمكن أن يكون غير منصوبٍ على الظرف، يمكن أن يكون مبتدءًا، يمكن أن يكون خبرًا، مثل ما قلنا في الظرف، كلمة ? نَفْخَةٌ ? يمكن أن تكون كذلك، هذا من ناحية التصرف، ونذكر بعض المصادر غير متصرفة، كلمة "سبحان"، هذه علمٌ على التسبيح، هذه ليست متصرفة لأنها لا تجئ إلا منصوبة على الظرفية، كلمة "معاذ الله"،"معاذ الله" هذه ملازمة للنصب على المصدرية، فلا يمكن أن تنيبها عن الفاعل، هاتان الكلمتان لا تنوبان عن الفاعل لأنهما ملتزمتان النصب على المصدرية، أما إذا كانت الكلمة صالحة لأن تكون مبتدءًا وخبرًا وفاعلا ومفعولا به وفي مواضع الإعراب المختلفة فلا مانع أن تنيبها عن الفاعل، ككلمة ? نَفْخَةٌ ? في هذه الآية الكريمة، هذا بالنسبة للتصرف.


أما الاختصاص يا أيها الأحباب فكما قلنا قبل قليل في الأشياء التي تكون فيها مختصة، وذلك بأن يكون إما موصوفًا وإما مضافًا وإما مقترنًا بـ "أل" العهدية، ولا يوجد عندنا مصدر علم إلا كلمة سبحان كما قلنا قبل قليل فهي علمٌ على التسبيح وما شاكلها، يعني توجد مصادر قليلة أعلام، لكنها ما تصلح نيابة عن الفاعل لأنها ملازمة للنصب على الظرفية، يعني تنتقل من ناحية أخرى. فإذًا لابد أن تقول "ضُرب ضربٌ شديدٌ"، وإما مضاف كقولك "ضُرب ضرب الأمير" أو "ضرب السلطان" أو "ضرب القوي"، وإما مقترنًا بـ "أل" العهدية بأن يكون بينك وبين المخاطب مثلا عهد عن ضرب المعروف، أو تتحدثون عن ضربٍ ما، فتقول له "ضُرب الضرب"، يعني الذي بيني وبينك العهد فيه.
هذه الأشياء هي التي تنوب عن الفاعل، أعيدها إجمالا مرةً ثانية، المفعول به، وهذا إذا وجد لا ينوب غيره منابه في بعض أقوال النحويين، لا ينوب غيره إلا هو الذي ينوب فقط، والثاني الجار والمجرور على خلافٍ في ذلك، والثالث هو الظرف المتصرف المختص، والربع هو المصدر المتصرف المختص، ونكون بهذا أنهينا الحديث في باب النائب عن الفاعل. بل في هذه الجزئية الأولى في باب النائب عن الفاعل لأن المصنف سيتحدث بعد قليل في موضوع آخر وهو أنه إذا حذفت الفاعل وأقمت غيره مقامه فلابد أن تغير صيغة الفعل، وإلا فكل شيء يبقى على حاله، وذلك في قول المصنف (فَإِنْ كَانَ اَلْفِعْلُ مَاضِيًا ضُمَّ أَوَّلُهُ وَكُسِرَ مَا قَبْلَ آخِرِهِ, وَإِنْ كَانَ مُضَارِعًا ضُمَّ أَوَّلُهُ وَفُتِحَ مَا قَبْلَ آخِرِهِ) ، هذه التغييرات لازمة في الفعل إذا بنيته للمفعول، أو بعبارة أخرى إذا جعلت الكلام على حذف الفاعل وإنابة غيره منابه، فلابد أن تفعل الأشياء الآتية:


أولا: لابد أن ننظر إلى الفعل الماضي، أما الفعل الماضي بارك الله فيكم فإنك تضم أوله وتكسر ما قبل آخره، فتقول "أَكْرَمَ" تقول فيه "أُكْرمْ"، وفي "استخرج" تقول "استُخرِج"، وفي "نَظَرَ" تقول "نُظِرَ"، وتقول في "ضَرَبَ" "ضُرِبَ"، وفي "جاهد" "جوهد"، وفي "بايَع" "بويِع"، وهكذا، وفي "باع" ماذا تقول؟ تضم أوله أم تكسر أوله؟ وفي قال تقول "قول" أم تقول "قيل"، بارك الله فيك، الكثير من لغات العرب أن يكسروا الأول بدل ضمه في "باع" و"قال"، فيقولون "قيل" و"بيع"، هذا الكثير في كلامهم، ولكن بعض العرب يُبقي أوله مضمومًا ويقلب الياء واوًا، والواو تبقى على حالها، فيقول في "باع" "بوع"، ويقول في "حاك" "حوك"، ويقول في "صام" "صوم"، وفيه لغة ثالثة ولكنها قليلة وهي ما يسمونه بالإشمام، أن تُشم الكسر شيئًا يسيرًا من الضم.
نعود إلى شواهد هذه اللغة القليلة، لأننا نستشهد للقليل، أما الكثير فهو موجود ولا إشكال فيه، يقولون مما ورد في ذلك قولهم:
ليتَ وهل ينفع شيئًا ليتُ...... ليتَ شبابًا بوع فاشتريت
الكثير فيه طبعًا "بيع"، ولكنه ورد في هذا الشاهد "بوع"، يعني بإبقاء الأول مضمومًا وبقلب الياء واوًا، هل هذا صحيحٌ؟ نعم، لا إشكال فيه لكنه ليس هو الغالب، وقالوا أيضًا من شواهده قول الشاعر:
حوكت على نيرين إذ تُحاكُ......... تختبط الشوك ولا تُشاكُ
"حوكت"، والكثير فيها أن يُقال "حيكت"، هذا هو النظر للفعل الماضي، النظر للفعل الماضي أنه يُضم أوله ويُكسر ما قبل آخره، إلا إن كان أجوف، نحو "قال" و"باع"، فإن حقه أن يُكسر أوله في أكثر كلام العرب، فيُقال في "باع" "بيع"، وأن يُقال في "صام" "صيم"، وأن يُقال في "قال" "قيل"، وهكذا، هذا الفعل الماضي، وقد يُضاف إلى هذا بعض الأشياء، لكن طالما أن المصنف ما تحدث عنها نحن نتركها.


إذا كان الفعل مضارعًا فإنه أيضًا يُضم أوله، لكن يُفتح ما قبل آخره، فنقول مثلا في "يَستخرِج" "يُستخرجُ"، ونقول في "يَنطلِق" "يُنطلقُ"، ونقول في "يَضربُ" نقول فيه "يُضرب"، ونقول في "يَكْرِمُ" نقول فيه "يُكرمُ"، وهكذا، الفعل المضارع يُضم أوله ويُفتح ما قبل آخره، و"يبيع" كيف نقول فيها؟ و"يقوم" كيف نقول فيها؟ و"يصوم" كيف نقول فيها؟ نقول في "يبيع" "يُباع"، ونقول في "يصوم" "يُصام"، ونقول في "يقول" "يُقال"، وهذه علل صرفية تحدث لبعض حروف العلة، فتنقلب إلى حرف آخر، وهذا الذي يُقال فيما يحصل من تغييرات إذا بنينا الفعل للمفعول.
وأنبه قبل الخروج من هذه القضية إلى أن بعضهم يقول إذا طلبت منه إعراب نحو "أُكرم عبد الله"، يقول "أُكرم" فعل ماضي مبني للمجهول، والحقيقة أن هذا تعبير جائز لكنه ليس أقوى من الذي أذكره لكم بعد قليل، يعني الأقوى أن تقول فعل ماضي مبني للمفعول، لأنه ليس دائمًا يكون الفاعل مجهولا، ففي نحو قول الله عزّ وجلّ ? خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ? [الأنبياء: 37] ، هل تستطيع أن تقول الفاعل مجهول هنا،
طبعًا ليس مجهولا، فتقول هذا الفعل مبني للمفعول.
تقول مبني للمفعول، لكن أحيانًا ينوب غير المفعول به، كأن ينوب الظرف أو ينوب المصدر، أو ينوب الجار والمجرور، فما مخرجك؟ مخرجي سهل والحمد لله، كل هذه مفعولات، المفعول به خلاص قولا واحدًا، المصدر مفعول مطلق، الظرف مفعول فيه، بقي المجرور فقط، المجرور أصله مفعول به، لكن الفعل لم يتعد إليه، فعدي بحرف الجر، بواسطة حرف الجر، فكلها مفعول، معنى هذا أنه سلم لنا قولنا مبني للمفعول، وهو أولى من إعراب بعضهم أن الفعل مبنيٌّ للمجهول، وأظن هذا واضح، والحمد لله رب العالمين.


ننتقل إلى قول المصنف (وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ ظَاهِرٍ, وَمُضْمَرٍ) ، يعني أن نائب الفاعل قد يكون اسمًا ظاهرًا وقد يكون ضميرًا، ننظر إلى أمثلته، أما أمثلته فنحو قولك "ضُرب زيدٌ"، و"يُضرب زيدٌ"، و"أكرم عمرٌو"، و"يُكرم عمرٌو"، هذه بعض الأمثلة النائب عن الفاعل فيها اسم مفرد ظاهر، أما العامل فأحيانًا يكون ماضيًا وأحيانًا يكون مضارعًا، هل يكون أمرًا؟ الجواب لا، لا يُبنى الفعل للمفعول إلا في هذين الاثنين في الماضي والمضارع، ولا يوجد في فعل الأمر، ولذلك لمّا تحدثنا عن التغييرات التي تحصل لم نذكر فعل الأمر، وإنما ذكرنا الفعل الماضي فقلنا كذا، وقلنا الفعل المضارع يُفعل به كذا، فننظر إلى قوله "ضُرب زيدٌ"، "زيدٌ" نائب عن الفاعل، "يُضرب زيدٌ" "زيدٌ" نائب عن الفاعل، "عمرٌو" كذلك نائب عن الفاعل، "أُكرم" و"يُكرمُ"، لكن الفعل الذي قبلها فعل مبني للمفعول، وهو أولى، ولو قلت مبني للمجهول ما فيه إشكال، لأن أكثر ما يُبنى هذا الفعل يبنى للمجهول، أكثر ما يؤتي بهذه الصيغة لأن الفاعل مجهول، هذه أكثر بدون شك، لكن لو قلت على التعبير الذي ذكرته لك فهو أولى من ناحية الأولوية، ويلزم أحيانًا.
ثم قال المصنف رحمن الله وإياه (وَالْمُضْمَرُ اِثْنَا عَشَرَ) ، لأنه هنا سيذكر لكم ضمير المتكلم، ويذكر
ضمير المخاطب، ويذكر ضمير الغائب، فقال رحمه الله (وَالْمُضْمَرُ اِثْنَا عَشَرَ, نَحْوَ قَوْلِكَ "ضُرِبْتُ


وَضُرِبْنَا, وَضُرِبْتَ, وَضُرِبْتِ, وَضُرِبْتُمَا, وَضُرِبْتُمْ, وَضُرِبْتُنَّ, وَضُرِبَ, وَضُرِبَتْ, وَضُرِبَا, وَضُرِبُوا, وضُربن") ، هذه بالنسبة للغائب، أقول المذكور عندي هنا هو (ضُرِبْتُ) التاء هنا نائبة عن الفاعل، (وضُرِبْنَا) تاء المتكلم المفرد، و"نا" لغير المفرد من المتكلمين أو المتكلميْن أو المتكلمات أو المتكلمتين، يعني يجوز للمذكر والمؤنث لما عدا الواحد، ونحو قولك "ضُربتَ" هذا للمخاطب، و"ضُربتِ" و"ضُربتما"، و"ضُربتم" و"ضُربتنّ".
وأيضًا يُقال "ضُربَ"، و"ضُربتْ"، و"ضُربا"، و"ضربتا"، و"ضُربوا"، و"ضُربنّ"، "ضُربَ" هذا للواحد، و"ضُربتْ" هذه الواحدة، و"ضُربا" هذان الاثنان، و"ضربتا" طبعًا للغائبتين، و"ضُربوا" للغائبين، و"ضُربنّ" للغائبات، والله أعلم بالصواب، هذا آخر ما يُقال في باب النائب عن الفاعل.


وننتقل الآن إلى باب المبتدأ والخبر، قال المصنف رحمه الله (بَابُ اَلْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ: اَلْمُبْتَدَأُ: هو اَلِاسْمُ اَلْمَرْفُوعُ اَلْعَارِي عَنْ اَلْعَوَامِلِ اَللَّفْظِيَّةِ) .
المبتدأ لا يكون إلا اسمًا، ولا يكون فعلا، ولا يكون جملةً، ولا يكون حرفًا، (اَلْمَرْفُوعُ) حق المبتدأ أن يكون مرفوعًا، (اَلْعَارِي عَنْ اَلْعَوَامِلِ اَللَّفْظِيَّةِ) ، يُخرج بقوله (اَلْعَارِي) أن يتقدم عليه مثلا حرف جر، أو أن يتقدم عليه إن وأخواتها، وأن يتقدم عليه كان وأخواتها، أو أن يتقدم عليه ظنّ وأخواتها، فإنه سوف يتغير الحكم، أما تقدم الجار عليه فأحيانًا لا يتغير إلا قليلا، نحو قولك مثلا "بحسبك درهمٌ"، فالباء هنا يقولون حرف جار زائد، و"حسب" هنا مجرور لفظًا مرفوعٌ محلا لأنه مبتدأ، ودرهمٌ خبر، فهو هنا لم يعر عن العوامل اللفظية، لكن الحرف الموجود هنا حرف جر زائد، لكن لو كان حرف جر أصليًّا لما جاز لنا أن نعربه مبتدأ، لأنه لابد أن يعرو عن العوامل اللفظية. مما يمكن أن يُنظر فيه من العوامل اللفظية إنّ وأخواتها، يتغير الحكم حينئذٍ، ما يصير تعربه مبتدأ، يصير تعربه اسم إنّ، كان وأخواتها كذلك، لا تعربه مبتدءًا وإنما تعربه اسم كان، ظن وأخواتها كذلك ما تعربه مبتدءًا وإنما تعربه مفعول أول، وهكذا.
في بعض الأحيان يا إخواني لا يصير اسمًا صريحًا، وأحيانًا يكون اسمًا صريحًا، قال الله عزّ وجلّ ? مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ? [الحجرات: 29] ، ? مُحَمَّدٌ ? هذا مبتدأ، وهو اسمٌ صريحٌ واضح، وقال الله سبحانه وتعالى ? وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ? [البقرة: 184] ، أنت قلت قبل قليل إن المبتدأ لا يكون إلا اسمًا، "أنْ" هذه حرف، و"تصوموا" فعل مضارع، فكيف تعرب هذه الجملة، قال هو ظاهره ليس اسمًا، ولكن في حقيقته هو اسمًا، لأن أنْ وما دخلت عليه تؤولان بمصدر، ويُعرب هذا المصدر مُبتدءًا، والتقدير في هذه الآية ـوالله أعلم ـ "وصيامكم خيرٌ لكم"، لأن "أنْ" هذه تؤول مع ما بعدها بمصدر، فإذاً يجوز أن يكون المبتدأ اسمًا ظاهرًا أن يكون مؤولا وذلك إذا كانت داخلةً عليه "أنْ" المصدرية أو "لو" المصدرية أو ما شاكل ذلك، هذا هو المبتدأ.


أما الخبر فقد عرفه المصنف في قوله (وَالْخَبَرُ هُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَرْفُوعُ اَلْمُسْنَدُ إِلَيْهِ, نَحْوَ قَوْلِكَ "زَيْدٌ قَائِمٌ" وَ"الزَّيْدَانِ قَائِمَانِ" وَ"الزَّيْدُونَ قَائِمُونَ ") ، أما قوله المسند إليه فهذا خطأٌ لأن الخطأ ليس مُسندًا إليه، المُسند إليه هو المبتدأ، فغيروها بارك الله فيكم، أقول الخبر: هو الاسم المرفوع المسند، هو مُسند إلى المبتدأ، المبتدأ هو المسند إليه، أما الخبر فهو مُسند وليس مُسندًا إليه، مثل له بعدد من الأمثلة، طبعًا هذه الأمثلة تصلح للمبتدأ وتصلح للخبر، وهو قوله "زيدٌ قائمٌ"، و"الزيدان قائمان"، و"الزيدون قائمون"، فإن كلمة "زيد" مبتدأ، و"قائم" خبر، و"الزيدان" مثنى وهو مبتدأ، و"قائمان" خبر وهو مثنى، و"الزيدون" مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الواو، وقائمون خبره.
أما قوله (اَلْمُسْنَدُ إِلَيْهِ) فهو كما بينتُ لكم يحتاج إلى إعادة نظر، لأنه قد تكون في بعض النسخ لم يُذكر فيها كلمة إليه.
والأصل في المبتدأ أن يكون مفردًا، ولا يكون المبتدأ إلا مفردًا، لا يكون جملة ولا يكون غيرها، أما الخبر فالأصل فيه والغالب أن يكون مفردًا، لكن قد يكون جملةً وقد يكون شبه جملة، أما كونه جملةً فهذا يُشترط فيه أن تكون الجملة مشتملة على رابطٍ يربطها بالمبتدأ، يعني ما يجوز لك أن تقول "زيدٌ سافر عبد الله"، "زيدٌ" مبتدأ، وجملة "سافر عبد الله" ما تصلح أن تكون خبرًا، لأنه لا رابط بين جملة الخبر والمبتدأ، لكن لو أكملت عليها كلمة واحدة "سافر عبد الله أخوه"، هذا صحيح لوجود الرابط.


والرابط أنواع، النوع الأول وهو أقوى الروابط وأكثرها شيوعًا الضمير، يعني أن يكون في الخبر ضميرٌ يعود على المبتدأ، كقولك مثلا "زيدٌ أكرمته"، فالهاء هذه تربط جملة الخبر بالمبتدأ، وهذا أقوى الروابط، لكن هناك عدد من الروابط متروكة إن شاء الله إلى لقائنا القادم، ونتقبل الآن الأسئلة منكم إذا كان لديكم أسئلة.
سأل أحد الطلبة:
فضيلة الشيخ، جزاكم الله خيرًا، قال (الخبر هو الاسم المرفوع المسند) ، نعرف أن الخبر قد يقع جملة وشبه جملة، أليس فيه قوله (الاسم) يعني خروج شبه الجملة والجملة؟
أجاب الشيخ:
بارك الله فيك، هذا الكلام حقٌ، وهذا الكلام الذي جعلني أتتطرق إلى أنه في بعض الأحيان يكون الخبر جملةً وأحيانًا يكون شبه جملةٍ، يعني ـجارًا ومجرورً ـ أو ظرفًا، وكلامك صحيح، وهذا الكلام عليه مأخذ، يعني على كلام المصنف فيه مأخذ لأن قوله (هو الاسم) يدل على أنه لا يكون غير اسم، ولا يكون جملةً ولا يكون شبه جملة، لكن طبعًا هذا هو الغالب، الغالب في الخبر أن يكون اسمًا، وأن يكون مفردًا أيضًا، هذا الغالب فيه.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خيرًا، قال المؤلف (بَابُ اَلْمَفْعُولِ اَلَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ) ، فلماذا ذكر هذا والمعروف أن التسمية نائب الفاعل؟ فهل هناك فرقٌ بين التسميتين؟
أجاب الشيخ:
أولا لا مشاحّة في الاصطلاح كما يقولون، وكثير من المؤلفين القدامى لا يقول "باب النائب عن الفاعل"، وإنما يقولن "باب المفعول الذي لم يُسم فاعله"، يعني هذا تعبيرٌ قديم، وهو لاضير عليه فيه، هو مفعول ولم يُسم فاعله يعني لم يُذكر فاعله من، حتى في الإعراب بعضهم لا يقول نائب فاعل وإنما يقول هو مفعول ما لم يُسم فاعله، لكن الأولى من ناحية الإعراب أن يُقال فيه إنه نائب عن الفاعل.
أما من ناحية تسميته بهذه التسمية فهذا اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح، والله أعلم.


سأل الشيخ:
متى يجب أن تُلحق بالعامل علامة تدل على أن الفاعل مؤنث؟
أجاب أحد الطلبة:
إن كان ليس هناك فاصلٌ بين الفعل والفاعل.
علق الشيخ:
بارك الله فيك، إذا لم يوجد فاصلٌ بين الفعل والفاعل وكان الفاعل مؤنثًا حقيقي التأنيث، فإنه لو كان مجازي حتى لو كان متصلا بفاعله فلا إشكال، تؤنث أو تذكر، تقول "طلع الشمس" وتقول "طلعت الشمس"، والأولى طبعًا "طلعت الشمس"، لكن الثاني جائز، فإذا كان الفاعل مؤنثًا حقيقي التأنيث غير مفصولٍ عن عامله وجب إلحاق علامة تدل على أن الفاعل مؤنث، هذا كلامٌ حقٌ، وبارك الله فيك.
سأل الشيخ:
إذا كان الفاعل مثنًى أو مجموعًا، فما الكثير في الفعل أو في العامل، هل نلحق به علامةً تدل على أن الفاعل مثنًّى أو مجموع، أو لا نلحق؟
أجاب الطالب:
لا نلحق.
علق الشيخ:
هذا الغالب، ولكن الوجه الثاني جائز أم غير جائز؟
أجاب الطالب:
جائز.
سأل الشيخ:
هل تحفظ شيئًا من شواهده؟
أجاب أحد الطبة:
مثل قول الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف ? قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا ? [الأعراف: 23] .
علق الشيخ:
لا، هذه ليست شاهدًا لهذا، لأن الفاعل هنا غير مذكور، يعني ليس مصرحًا به بعد ? قَالَا ?، وإنما الألف هذه هي الفاعل نفسها.
أجاب طالبٌ آخر:
? ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ? [المائدة: 71] .
علق الشيخ:
صحيح، هذا هو الشاهد، ولم يرد إلا في موضعين من القرآن، هما قول الله عزّ وجلّ ? وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ? [الأنبياء: 3] ، والموضع الثاني ? ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ? [المائدة: 71] ، ولم يرد في غيرهما في القرآن الكريم كله.
نكتفي بهذا القدر اليوم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.