شرح الآجرومية لحسن حفظي الدرس الحادي عشر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله
وصحابته أجمعين.
اللهم إنّا نسألك يا حي يا قيوم أن تيسر لنا أمورنا وتغفر لنا ذنوبنا،
ونسألك يا حي يا قيوم أن تعلمنا ما
ينفعنا وأن تنفعنا بما علمتنا وأن تزيدنا علمًا.
أيها الاخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نواصل الحديث في الخبر إذا كان جملة، قلنا في اللقاء الماضي إنه لابد
أن تشتمل الجملة على رابطٍ يربطها
بالمبتدأ، هذا الرابط أنواع، النوع الأول والأقوى والكثير والغالب هو
أن يكون الرابط ضميرًا، ومن ذلك
قولك مثلا "محمدٌ سافر أخوه"، فالهاء في قولك "سافر أخوه" هذه عائدةٌ
على المبتدأ، وهي التي ربطت جملة
الخبر بالمبتدأ.
وقد يكون هذا الضمير مذكورًا وقد يكون مقدرًا، يوجد قراءة في قول الله
عزّ وجلّ ? وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ
الْحُسْنَى ? [النساء: 95] ، فيها قراءةٌ أخرى، ? وَكُلٌّ وَعَدَ
اللَّهُ الْحُسْنَى ? [النساء: 95] ، وتكون ? وَكُلٌّ ? مبتدأ، و ?
وَعَدَ ? هذه جملة ليس فيها ضمير في ظاهر الأمر، ولكنه مقدر، والتقدير
والله أعلم " وَكُلٌّ وَعَدَهُ اللَّهُ الْحُسْنَى"، ويقولون مثلا
"العسل رطلان بدرهم"، هذا ليس مذكورًا فيه أي رابط، لكن الرابط مقدر،
وتقديره "رطلان منه"، أي من العسل، فقد يكون الضمير مذكورًا، وقد يكون
مقدرًا، هذا هو الرابط الأول، وهو أقوى الروابط وأكثرها شيوعًا.
الرابط الثاني الإشارة إلى المبتدأ، ومنه
قول الله عزّ وجلّ ? وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ?
[الأعراف: 26] ، ? لِبَاسُ ? مبتدأ، و ? التَّقْوَى ? مضاف إليه، و ?
ذَا ? اسم إشارة، واللام للبعد، والكفاف للخطاب، و ? خَيْرٌ ? خبر
المبتدأ، طبعًا ? ذَا ? اسم إشارة مبتدأ ثاني، و? خَيْرٌ ? خبر المبتدأ
الثاني، وجملة ? ذَلِكَ خَيْرٌ ? خبر المبتدأ الأول، أين الرابط؟ هو
الإشارة إلى المبتدأ في قوله ? ذَلِكَ ?، لأنه يشير إلى ? لِبَاسُ ?،
هذا الثاني.
الثالث: إعادة المبتدأ بلفظه في جملة الخبر، ومنه قول الله عزّ وجلّ ?
الْقَارِعَةُ ?1? مَا الْقَارِعَةُ ?2? ? [القارعة: 1، 2] ، أُعيد لفظ
المبتدأ في جملة الخبر، فـ ? الْقَارِعَةُ ? مبتدأ، و ? مَا ? اسم
استفهام خبر مقدم، و ? الْقَارِعَةُ ? مبتدأ مؤخر، وجملة ? مَا
الْقَارِعَةُ ? خبر المبتدأ الأول، والرابط هو إعادة لفظ المبتدأ في
جملة الخبر.
أحيانًا يكون الرابط العموم، يعني أن يكون في جملة الخبر لفظٌ أعم من
المبتدأ، يعني يدخل المبتدأ ضمن هذا العموم، وذلك في نحو قولهم "محمدٌ
نعم الرجلُ"، فـ "محمدٌ" مبتدأ، و"نعمَ" فعل ماضٍ جامد، و"الرجلُ"
فاعلٌ لـ "نعمَ"، وجملة "نعم الرجلُ" خبر لـ "محمدٌ"، والرابط الذي ربط
هو كلمة "الرجل"، لأن الرجل تعم محمدًا وتعم غيره، فصار بهذا هو
الرابط، فالرابط قد يكون أيضًا العموم الموجود في جملة الخبر، وهذه هي
روابط جملة الخبر بالمبتدأ.
أما الظرف والجار والمجرور فيقعان خبرين، ولكن لابد أن تكون مفيدة
فائدة يحسن السكوت عليها، كقولك مثلا "عبد الله في المنزل"، و"عبد الله
عندك"، لكن لا يجوز أن تقول مثلا "زيدٌ بك"، لأنها ما أفادت شيئًا، هو
جار ومجرور صحيح، لكننا لم نستفد منه شيئًا، أما في قولك "محمدٌ عندك"،
أو "زيدٌ في داره"، فهنا الظرف والجار والمجرور أفادت معنًى يحسن
السكوت عليه.
وهنا خلاف بين النحويين في إعراب الجار
والمجرور والظرف إذا وقعا خبرين، كيف تعربهما؟ هل نقول الجار والمجرور
هو الخبر؟ أو نقول مُتعلق الجار والمجرور هو الخبر؟ أو نقول الاثنين،
المتعلق والجار والمجرور؟ أو المتعلق والظرف هما الخبر؟ أقوالٌ ثلاثة
لك أن تعرب بأي واحدٍ منها، لك أن تقول الجار والمجرور هو الخبر، أو
تقول متعلَق الجار والمجرور هو الخبر، أو تقول ـ وهو أولى في رأيي ـ
الجار والمجرور ومتعلقه هما الخبر، والمسألة في هذا سهلة، والحمد لله
رب العالمين.
لكن يشترط أيضًا ـ وأكرر مرة ثانية ـ في الخبر إذا كان ظرفًا أو جارًا
ومجرورًا أن يكون مفيدًا، وإلا فإنه لايصح الإخبار به.
ننتقل إلى قول المصنف (والمبتدأ قِسْمَانِ ظَاهِرٌ وَمُضْمَرٌ،
فَالظَّاهِرُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ) ، ما تقدم ذكره أين؟ في قوله في
الأمثلة ("زَيْدٌ قَائِمٌ" وَ"الزَّيْدَانِ قَائِمَانِ"
وَ"الزَّيْدُونَ قَائِمُونَ ") ، هذه كلها أسماءٌ ظاهرة، سواء كانت
مفردة، مثنّاةً، مجموعةً، مؤنثةً، مذكرةً فيه، لا إشكال، هذا كله مما
كان فيه المبتدأ اسمًا ظاهرًا.
ثم قال (والمضمر اثنا عشر وهى: أنا ونحن وأنتَ وأنتِ ووأنتما وأنُتم
وأنتن وهو وهى وهما وهم وهن نحو قولك (أنا قائم) و (نحن قائمون) وما
أشبه ذلك) تقيس عليه، أولا أنبه إلى أن هذه الضمائر التي ذكرها المصنف
هنا ضمائر منفصلة، ولا يقع المبتدأ ضميرًا متصلا، ما السبب في أنه لا
يقع ضميرًا متصلا؟ أن الضمير المتصل لا يستقل بنفسه، الضمير المتصل لا
يُبتدأ به الكلام قولا واحدًا، لأنه غير مستقل بنفسه، فلا تستطيع أن
تقول "تَ مجتهد"، لا يمكن هذا، هذا ضمير متصل صحيح، لكنه لا يستقل
بنفسه، ولا يُبتدأ به الكلام عند الجميع، هذا بإجماع، ولذلك كل الضمائر
التي ذكرها هنا ضمائر رفعٍ منفصلة، واثنان منها للمتكلم، وخمسة
للمخاطب، وخمسة للغائب.
أما التي للمتكلم فللمفرد "أنا"، ولما عدا
المفرد سواء أكان مثنًّى للمذكر أو للمؤنث أو كان لأكثر من اثنين
للمذكر أو للمؤنث "نحن"، وكذلك "أنتَ"، هذا للمخاطب، و"أنتِ" للمخاطبة،
و"أنتما" للمخاطبين وللمخاطبتين، و"أنتم" لجماعة الذكور، و"أنتن"
لجماعة الإناث، و"هو" للغائب الواحد، و "هي" للغائبة الواحدة، و"هما"
للغائبين للغائبتين، و"هم" لجماعة الذكور الغائبين، و"هنّ" لجماعة
الإناث، ومثّل لنا بماثلين وعليك أن تقيس، مثل ما قلتًَ "أنا قائمٌ"
و"نحن قائمون" يجوز أن تقول "هم قائمون"، يجوز أن تقول "هو قائمٌ" أو
"أنت قائمٌ" أو "أنتم قائمون" أو نحو ذلك، فهذه الضمائر
لابد كما ترون يا أيها الأحباب أن تكون منفصلةً، ولا يجوز الابتداء
بالضمير المتصل.
قال الله عزّ وجلّ ? نَبِّئْ عِبَادِي
أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ? [الحجر: 49] ، ? أَنَا ?
مبتدأ، وهو ضمير ويدل على الواحد، وقال صلى الله عليه وسلم (نحن
الآخرون السابقون يوم القيامة) ، (نحن) مبتدأ وهو لجماعة الذكور، طبعًا
هنا يصلح لكل شيءٍ، قال الله عزّ وجلّ ? وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى
رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ?
[الأنبياء: 83] ، ? أَنْتَ ? هنا مبتدأ، وهو ضمير المخاطب، وقال الله
عزّ وجلّ ? بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ
? [القصص: 35] ، هذا للمثنى، وقال الله
عزّ وجلّ ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ
وَأَنْتُمْ سُكَارَى ? [النساء: 43] ، ? أَنْتُمْ ? مبتدأ، وهو ضمير
للجماعة، وقال صلى الله عليه وسلم (هو عليها صدقة، وهو لنا هدية) ،
فابتدأ بالضمير المنفصل، وقال الله سبحانه وتعالى ? فَأَلْقَاهَا
فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ? [طه: 20] ، ? هِيَ ? مبتدأ، و ?
حَيَّةٌ ? خبر، وقال سبحانه وتعالى ? وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ
أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ
مِنْ قَبْلِي ?، ثم قال سبحانه ? وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ ?
[الأحقاف: 17] ، ? هُمَا ? هذا مبتدأ.
و"هم" و"هنّ" إلخ، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ? هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ
عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ
الْكِتَابِ ? [آل عمران: 7] ، ? هُنَّ ? هذه وقعت مبتدءًا، وهكذا في
بقية الضمائر، يجوز أن تبتدأ بضمير الرفع المنفصل "أنا" و"نحن" للمتكلم
وغيره، و"أنتَ" و"أنتِ" و"أنتم" و"أنتما" و"أنتن" للمخاطبين، و"هو"
و"هي" و"هما" و"هم" و"هنّ" للغائبين، سواء أكان ذلك من ناحية المفرد أو
غيره.
ثم قال المصنف رحمنا الله وإيّاه، وهذا يا
شيخ يرد على جوابك الذي ذكرته قبل قليل وهو أنه نص في الأول قال (الخبر
اسمٌ مرفوعٌ) ، هنا يرد على الكلام بأنه قسّم لنا الخبر فجعله مفردًا
وغيره، فقال (والخبر قسمان: مفرد وغير مفرد فالمفرد نحو "زيد قائمٌ") ،
"قائمٌ" هذه مفرد، "هندٌ قائمةٌ"، "هم قائمون"، "قائمون" مفرد، "هما
قائمان"، "قائمان" مفرد، طبعًا ليس المقصود بالإفراد هنا ما ليس مثنًّى
ولا مجموعًا، المقصود هو ما يخالف الجملة وغيرها، يعني قد يكون مفردًا
وقد يكون جملة وقد يكون شبه جملة.
ثم قال المصنف رحمنا الله وإياه (وغير المفرد أربعة أشياء: الجار
والمجرور، والظرف، والفعل مع فاعله، والمبتدأ مع خبره، نحو قولك: "زيد
في الدَار"، و"زيد عندك"، و"زيد قام أبوه"، و"زيد جاريته ذاهبةٌ") أما
قوله ("زيدٌ في الدار") فالخبر هنا هو الجار والمجرور، ولك يا شيخ
الأوجه الثالثة التي ذكرناها في إعرابه، فتقول الجار والمجرور هو
الخبر، أو تقول متعلق الجار والمجرور هو الخبر، أو تقول الجار والمجرور
ومتعلقه هما الخبر، لك ما تشاء، والمسألة في هذا سهلة، وأنت مسبوقٌ في
أي إعرابٍ أعربت به من هذه الأوجه الثالثة، لكني أرى أن الأولى أن
يُقال إن الاثنين هما الخبر، ونخرج بهذا من أي مشكلة.
أما قوله ("زيدٌ عندك") فـ"عند" هنا هو
الظرف الواقع خبرًا، وسواءٌ أعربته بأي وجه من الأوجه
الثلاثة التي ذكرت لك فالمسألة في هذا سهلة، وأما قوله ("زيد قام
أبوه") فالخبر هنا جملة فعلية، وكما ترون الرابط هنا هو الهاء الموجودة
في قوله "قام أبوه"، فإنها ربطت جملة الخبر بالمبتدأ، وهذا أكثر ما
يكون الرابط، وأما قوله ("زيد قام أبوه"، و"زيد جاريته ذاهبةٌ") ،
فـ"جاريته" مبتدأ ثاني، والهاء الموجودة في قوله "جاريته" تعود إلى
"زيد"، وهي الرابط الذي ربط جملة الخبر بالمبتدأ، وأكثر ما يكون الرباط
كما ذكرت لكم يكون بالضمير، فـ"جاريته" مبتدأ ثاني، و"ذاهبةٌ" خبر،
وجملة "جاريته ذاهبةٌ" في محل رفع خبر المبتدأ الأول.
قال الله عزّ وجلّ ? وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ?
[الذاريات: 22] ، الجار والمجرور متعلقان بمحذوفٍ خبر مقدم، أو خبر
مقدم، أو هو ومتعلقهما خبر مقدم، أما رزقكم فهو مبتدأ مؤخر، وهذا ورد
فيه الجار والمجرور خبرًا. يتحدثون أيضًا في هذا الباب عن أن اسم
الزمان لا يصلح أن يكون خبرًا عن الذوات، فلا تقول "محمدٌ يوم الجمعة"
مثلا، لا يصلح أن يكون خبرًا عن الذوات، ولكنه يُمكن أن يكون عن
المعاني، فتقول "السفر يوم الجمعة"، لا مانع، أما الذوات فإنهم لا
يجيزون وقوع ظرف الزمان خبرًا لها،
وقد ورد قليلا وهم يؤولونه، ومن ذلك قول العرب "الليلةَ الهلالُ"،
"الهلالُ" ذات، وهو مبتدأ، وقد أخبر عنه بظرف الزمان هو "الليلة"،
فماذا يُقال في مثل هذا؟ قالوا سهلة، هذه نؤولها، نجعل كلمة الهلال حلت
محل مُضافٍ محذوف، والتقدير "الليلةَ طلوع الهلال" حتى نخرج من هذا.
يذكرون كلامًا قاله امرؤ القيس لما أُخبر
بمقتل أبيه قال "رحم الله أبي، ضيّعني صغيرًا، وحمّلني دمه
كبيرًا، اليوم خمرٌ، وغدًا أمرٌ، لا صحو اليوم ولا سكر غدًا"، هذا
كلامٌ منسوبٌ إلى امرئ القيس، وامرؤ القيس ممن يُعتد بكلامه لأنه
جاهلي، فأولوا هذا "اليوم" ظرف، وقد وقع خبرًا، والخمر هذا اسم ذات،
فكيف وقع اسم الزمان خبرًا لاسم الذات، قالوا نؤوله، نجعل كلمة "خمر"
هذه وقعت موقع مضافٍ محذوف أو مقدر، ويكون التقدير "اليوم شربُ خمرٍ"،
أما قوله "وغدًا أمرٌ" فلا إشكال فيها، لأن الأمر معنويٌّ وليس ذاتًا،
هذا ما يُقال من ناحية اسم الزمان، وهذا ما أحببتُ التنبيه إليه.
مما يُذكر في هذا الباب، وهو باب المبتدأ والخبر أن الأصل في المبتدأ
أن يكون معرفةً، ولا يقع نكرةً إلا بمسوّغ، والمسوغات أوصلها بعضهم إلى
أكثر من ثلاثين مسوغًا، ولكن نكتفي بذكر بعضها، وهو ما أشار إليه ابن
مالك رحمه الله في ألفيته إذ قال:
وَلاَ يَجُوْزُ الابْتِدَا بِالْنَّكِرَهْ…… ... مَا لَمْ تُفِدْ
كَعِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ
وَهَلْ فَتَىً فِيْكُمْ فَمَا خِلٌّ لَنَا…… وَرَجُلٌ مِنَ الْكِرَامِ
عِنْدَنَ
وَرَغْبَةٌ فِي الْخَيْر خَيْرٌ وَعَمَلْ....... بِرَ يَزِيْنُ
وَلْيُقَسْ مَا لَمْ يُقَلْ
فذكر ستة مسوغات للابتداء بالنكرة، فنكتفي بالحديث عن هذه المسوغات
الستة، وليُقس عليها ما لم نذكره، إن المسوغات أولها كما ذكر ابن مالكٍ
رحمه الله إذ قال:
وَلاَ يَجُوْزُ الابْتِدَا بِالْنَّكِرَهْ مَا لَمْ تُفِدْ كَعِنْدَ
زَيْدٍ نَمِرَهْ
المسوغ الأول الذي ذكره ابن مالك هو أن
يكون الخبر ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا مقدمًا على المبتدأ، يعني
يكون المبتدأ متأخرًا وهو نكرة، والخبر ظرفٌ أو جارٌّ ومجرور ومتقدم،
ولذلك مثّل بقوله " كعند زيدٍ نمرة"، "عند زيد" ظرف متعلق بمحذوف خبر
مقدم، و"نمرة" هذه مبتدأ مؤخر، وهذه نكرة ولا مسوغ لها إلا هذا الذي
ذكرته، وهو أنه تقدم الخبر على المبتدأ، والخبر هنا ظرف، ومثله الجار
والمجرور تمامًا.
قال "وهل فتًى فيكم"، هذا هو المسوغ الثاني، وهو أن يتقدم على النكرة
ما يدل على العموم كالاستفهام، حتى لو كان المبتدأ نكرةً وهو اسم
استفهام فإنه مسوغ من المسوغات، وقد يكون الاستفهام تقدم على النكرة،
كقول ابن مالك في هذا "هل فتًى فيكم"، فـ"فتًى" هذا نكرة، وهو مبتدأ،
وقد تقدمت عليه "هل" فهي التي سوّغت الابتداء بالنكرة.
أما الثالث فهو قوله " فما خلٌ لنا "، وهذا أيضًا من الأشياء التي تدل
على العموم، وذلك أن النفي إذا تقدم على النكرة فإنها تدل على العموم،
يقولون النكرة في سياق النفي تدل على العموم، فقوله "فما خلٌّ لنا"،
"خلٌّ" هنا نكرة وقد ابتدئ به جوازًا لوجود مسوغ وهو تقدم النفي عليها.
الرابع قوله "ورجلٌ من الكرام عندنا"، "رجلٌ" هذا نكرة، و"من الكرام"
هذه صفة للرجل، فإذا كانت النكرة موصوفةً فإن هذا مسوغٌ للابتداء بها،
فـ"عندنا" هذه هي الخبر، وأما قوله "من الكرام" فهي الصفة لها.
ثم قال " ورغبةٌ في الخير خبرٌ"، "رغبةٌ"
هذه نكرة، وقد ابتدئ بها، ذلك لأنها عملت، والعمل هنا هو تعلق الجار
والمجرور بها، فهذا الذي جوّز الابتداء بها، والأخير قوله "وعملُ برٍّ
يزين"، "عمل" هذه نكرة، وأُضيفت إلى نكرة، فالإضافة هذه سوّغت الابتداء
بها، طبعًا لو أُضيفت إلى معرفة فلا إشكال لأنها تكتسب التعريف من
المضاف إليه، أما هنا فقد أضيفت إلى نكرة فقل شيوعها قليلا، فكان هذا
مسوغًا للابتداء بالنكرة، هذه المسوغات نكتفي بها، وإن كان بعضهم يُكثر
في ذكر مسوغات الابتداء بالنكرة فيوصلها إلى أكثر من ثلاثين مسوغًا.
ننتقل إلى قول المصنف رحمنا الله وإيّاه (بَابُ اَلْعَوَامِلِ
اَلدَّاخِلَةِ عَلَى اَلْمُبْتَدَأِ
وَالْخَبَرِ) ، تعلمون كما ذكرنا أن المبتدأ والخبر حقهما أن يكونا
مرفوعين، لكن قد يتغير هذا الحكم، بل
يتغير حكم المبتدأ والخبر فلا يصيران مبتدءًا وخبرًا، وذلك إذا دخل
عليهما بعض الأدوات التي سنذكرها الآن إن شاء الله، فقال (بَابُ
اَلْعَوَامِلِ اَلدَّاخِلَةِ عَلَى اَلْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ) ، ثم
قال (وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ كَانَ وَأَخَوَاتُهَا وَإِنَّ
وَأَخَوَاتُهَا وَظَنَّ وَأَخَوَاتُهَا) ، هذه العوامل بعضها يرفع
المبتدأ وينصب الخبر وهي كان وأخواتها، وبعضها يعكس فينصب المبتدأ
ويرفع الخبر وهو إن وأخواتها، وبعضها ينصب الاثنين وهما المبتدأ والخبر
فيجعلهما مفعولين وهي ظن وأخواتها.
ثم يبدأ المصنف رحمنا الله وإياه في الحديث
عن باب كان وأخواتها، فيقول
(فَأَمَّا كَانَ وَأَخَوَاتُهَا,
فَإِنَّهَا تَرْفَعُ اَلِاسْمَ, وَتَنْصِبُ اَلْخَبَرَ) ، المقصود
بالاسم هنا المبتدأ، الذي كان مبتدءًا صار اسمًا لكان، يعني لا تعربه
مبتدءًا لأنه لم يصر في بداية الكلام، بل صار هنا اسمًا لكان أو اسمًا
لإحدى أخواتها، وصار مرفوعًا، وعند إعرابه تقول هذه الكلمة اسم كان
مرفوعة وعلامة رفعها الضمة مثلا أو الألف أو الواو حسب ما يكون.
وأما الخبر فإنه يكون منصوبًا في هذا الباب، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ
? وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ? [النساء: 134] ، فـ"كان" هذه
فعل ماضٍ ناقص ناسخ، إذا اكتفيت ببعضها فقلت فعل ماضٍ ناقص يكفي، لو
قلت ناسخ لا بأس لأنه نسخ الحكم الموجود قبلها وهو أن المبتدأ والخبر
كانا مرفوعين فصار واحدًا منهما مرفوعًا وصار الآخر منصوبًا، فـ"كان"
فعلٌ ماضٍ ناقص، ولفظ الجلالة اسمها مرفوع، و ?سَمِيعًا ? خبرها منصوب.
يُقال عن هذا الباب كله إنه الأفعال الناقصة، ولا خلاف في شيءٍ منها
إلا في كلمة واحدة وهي كلمة "ليس"، فإن بعضهم يرى أنها حرف، وذلك
لجمودها، لأنه لا يأتي منها لا مضارع ولا أمر، فبعضهم يرى أنها حرف
لذلك، والصواب الذي نعتد به أنها فعلٌ ناقص، ودليلنا على فعليتها إلحاق
تاء التأنيث بها، كقولك "ليست هندٌ حاضرةٌ"، وكقولك "لستُ موجودًا"، أو
"لستُ غائبًا"، فإلحاق التاء أكبر دليلٍ على أنها فعلٌ وليست حرفًا،
لأن التاء لا تدخل على الحروف، وإنما تدخل على الأفعال، وهذا دليلٌ
واضح على فعليتها.
ثم قال المصنف رحمنا لله وإياها (وهي) ،
الآن بدأ يعدد أخوات "كان"، فقال (وَهِيَ كَانَ, وَأَمْسَى,
وَأَصْبَحَ, وَأَضْحَى, وَظَلَّ, وَبَاتَ, وَصَارَ, وَلَيْسَ, وَمَا
زَالَ, وَمَا اِنْفَكَّ, وَمَا فَتِئَ, وَمَا بَرِحَ, وَمَا دَامَ) ،
وانظر بارك الله فيك إلى الفرق في كلامه، فإن الأول منه لم يقل في
بدايته "ما"، وأما الأخير وهو من قوله "ما زال" إلى الأخير بدأه بحرف
النفي "ما"، وهذا دليلٌ على أنه يُشترط في أربعة أفعالٍ منها أن تكون
مسبوقةً إما بنفيٍّ أو بشبه النفي، وشبه النفي هو النهي والدعاء، وإلا
فلا تعمل هذا العمل، الذي هو عمل كان وأخواتها.
فأما الأفعال الأولى التي ذكرها فهي (كَانَ, وَأَمْسَى, وَأَصْبَحَ,
وَأَضْحَى, وَظَلَّ, وَبَاتَ, وَصَارَ, وَلَيْسَ) ، هذه لا تحتاج إلى
قيدٍ ولا شرط، بل تعمل هذا العمل مباشرةً، سواء كانت منفية أم غير
منفية، أما "ليس" فما يمكن أن تكون منفية لأنها هي متضمنةٌ للنفي، وأما
"كان" فتدل على حدوث شيءٍ في الزمن الماضي، و"أمسى" على حدوثه في وقت
المساء، و"أصبح" على حدوثه في وقت الصباح، و"أضحى" في وقت الضحى، و"ظل"
يقولون إنها خاصّةٌ بالنهار، يعني حصل هذا العمل في وقت النهار، و"بات"
يقولون هي خاصّةٌ بالليل، ومما يدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه
وسلم (فإنه لا يدري أين باتت يده) ، فهذا لا يُطلق في "بات" إلا على
المساء، وكذلك "صار" تدل على التحول، وأما "ليس" فهي دالة على النفي.
ثم نأتي إلى الأفعال الأخيرة التي يُشترط
فيها تقدم النفي أو شبهه، وهي أربعة، و" دام" لها شرطٌ آخر سنذكره إن
شاء الله، أما الأربعة التي يُشترط فيها تقدم النفي أو شبهه فهي "زال"
و"فتئ" و"انفك" و"برح"، هذه لابد ن يتقدم عليها نفي، أو شبه النفي وهو
الدعاء كما قلتُ أو النهي، أما دام فإنه يُشترط لعملها هذا العمل أن
تكون مسبوقةً بـ"ما" المصدرية الظرفية، وسنذكر بعض الأمثلة إن شاء الله
لهذه الأفعال نتتبعها واحدةً واحدةً.
لكن نذكر ما ذكره المصنف هنا في قوله (وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا نَحْوَ
كَانَ, وَيَكُونُ, وَكُنْ,
وَأَصْبَحَ وَيُصْبِحُ وَأَصْبِحْ, تَقُولُ "كَانَ زَيْدٌ قَائِمًا,
وَلَيْسَ عَمْرٌو شَاخِصًا" وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) ، يقول لا يلزم أن
يكون الفعل هنا بلفظ الماضي، بل لا مانع أن يعمل هذا العمل وهو بلفظ
المضارع، أو بلفظ الأمر وخاصة في الأفعال التي تتصرف، لأن بعضها لا
يتصرف، فأما الذي لا يتصرف وهو "ليس" فلا نحتاج إلى شيءٍ، لكن الأفعال
المتصرفة لا يضير أن تكون لفظ الماضي أو المضارع أو الأمر أو حتى لو
كانت بلفظ
اسم الفاعل أو اسم المفعول أو غيره، لا يضر، فهي تعمل هذا العمل.
من شواهد إعمال هذه الكلمات أو هذه الأفعال قول الله عزّ وجلّ ? ذَلِكَ
لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ?
[البقرة: 196] ، انظروا بارك الله فيكم إلى ? يَكُنْ ?، فإنها طبعًا
ليست بلفظ الماضي، وإنما هي بلفظ المضارع، وقد عملت هذا العمل، و ?
أَهْلُهُ ? هنا هي اسمها وهو مرفوعٌ بالضمة، أما ? حَاضِرِي ? فهو
خبرها، طبعًا ? حَاضِرِي ? أصله " حَاضِرِينَ"، ولكن للإضافة تُحذف
النون، فهو خبر "كان" منصوب، وعلامة نصبه الياء، أما من شواهد "أمسى"
قول الشاعر:
فمن يكن أمسى بالمدينة رحلُه فإنّي وقيّارٌ بها لغريب
" أمسى بالمدينة رحلُه"، "أمسى" فعل ماض
ناقص، "بالمدينة" جار ومجرور خبر مقدم، "رحلُه" اسم "أمسى" مؤخر، وهنا
كما ترون تقدم خبر "أمسى" على اسمها، وهذا لا إشكال فيه، وفي كثيرٍ من
منها لا إشكال في تقدم الخبر على الاسم أو توسط الخبر بين الفعل
والاسم، ولا إشكال في كثيرٍ منها، بل تقدمه عليها، يعني تقول "نائمًا
كان عبدُ الله"، أو "نائمًا كان زيدٌ"، فتُقدم الخبر على "كان" وعلى
اسمها، لا مانع، ومن شواهد "أصبح" قول الله عزّ وجلّ ? وَأَصْبَحَ
فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ? [القصص: 10] ، ? أَصْبَحَ ? فعل ماضٍ
ناقص، ? فُؤَادُ ? هذا اسمها، ? فَارِغًا ? هذا خبرها، أما "أضحى" فمن
شواهده قول الشاعر:
أضحى التنائي بديلا عن تدانينا وناب عن طيب لُقيانا تجافين
" أضحى التنائي"، "أضحى" هذا فعلٌ ناقص، و" التنائي" هذا اسمها،
و"بديلا" هذا خبرها، طبعًا "التنائي" هنا ساكن الآخر لأنه اسم منقوص،
فهو مرفوع بضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل، هذه "أضحى"، أما
"بات" فمن شواهدها قول الشاعر:
بات يعشيها بعضب باتر يقصد في أسوقها وجائر
فـ"بات" هنا فعلٌ ناقص، واسمها ضميرٌ مستترٌ يعود على المذكور في البيت
قبله، و" يعشيها" هذه الجملة واقعة في محل نصب خبر "بات"، أما صار فمن
شواهدها قول الرسول
صلى الله عليه وسلم (فيُميتهم إماتةً حتى إذا صاروا فحمًا أذن في
الشفاعة) ، (صارَ) واسمها الواو ضمير في محل رفع، و (فحمًا) هذا خبرها،
أما "ليس" فمن شواهد إعمالها هذا العمل قول الله عزّ وجلّ ? لَيْسَ
لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ ? [الغاشية: 6] ، هذه ? لَيْسَ ?،
وخبرها الجار والمجرور متقدم هنا، و ? طَعَامٌ ? اسمها مؤخر.
ننتقل الآن إلى الأفعال التي تحتاج إلى
سرد، وهي أن يتقدم عليها نفيٌّ أو شبهه، وهي أربعة، نعيدها مرة
ثانية "زال" و"فتئ" و"برح" "انفك"، هذه لابد أن يتقدم عليها إما نفي
وإما شبهه، انظروا إلى قول الشاعر:
ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر
" لا زال منهلا بجرعائك القطر"، "لا" هنا دعائية، و"زال" هي الفعل
الناقص، و"منهلا" هذا خبرها مقدم، و"القطر" هذا اسمها مؤخر، فقوله "لا
زال" هنا فعلٌ ماضٍ كما رأيتم ومسبوقٌ بلا الدعائية، وهذا مستوفٍ
للشروط، أما "انفك" وما يليها فسنؤجلها لوقتٍ آخر لنتحدث عنها، ونستمع
الآن إلى الأسئلة منكم إذا كان لديكم أسئلة متعلقة بالموضوع.
سأل أحد الطلبة:
? لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ ? [الغاشية: 6] ، هل الخبر هنا مقدم وجوبًا؟
أجاب الشيخ:
لا يلزم، ممكن أن تؤخر الخبر.
سأل الطالب:
فماذا نقول؟
أجاب الشيخ:
يمكن أن تقول "ليس طعامٌ لهم"، وإن كان "طعام" هنا نكرة وتحتاج إلى
مسوغ لأنها كانت أصلها مبتدءًا
والمبتدأ يحتاج إلى مسوغ، لكن لا مانع، لأن كلمة "طعام" ما دام دخلت
عليها "ليس" فإن "ليس" تحتاج إلى اسمٍ وخبر، واسمها سيكون مرفوعًا،
فمادام مرفوعًا فلا إشكال فيه.
سأل أحد الطلبة:
هل يُشترط المطابقة في المبتدأ والخبر في الإفراد والتثنية والجمع؟
أجاب الشيخ:
نعم، بدون شك، هذا من شروط المبتدأ والخبر أن يكونا متطابقين إفرادًا
وتثنيةً وجمعًا، ولا يصلح أن يكون المبتدأ مُثنًّى فتُخبر عنه بالمفرد،
أو يكون المبتدأ جمعًا فتخبر عنه بالمثنى، لابد أن يكون هذا متسقًا
لأنه حتى بعض الأحيان يشترطون إذا كان الخبر مشتقًا يرون أنه يتحمل
الضمير الذي يعود على المبتدأ، فلابد أن يكون الضمير مطابقًا للمبتدأ.
سأل أحد الطلبة:
فضيلة الشيخ، جزاكم الله خيرًا، ذكرتَ في
الأفعال هذه أن فهيا المتصرف وغير المتصرف، ومن الأفعال التي لا تنصرف
"ليس"، أما "دام" هل الصحيح فيها أنها لا تنصرف أم تنصرف؟
أجاب الشيخ:
"دام" فيها خلاف هل هي متصرفة أم هي جامدة، ولكن الصحيح أنه يجوز
استعمالها ـ إذا استوفت الشروط ـ وهو تقدم "ما" المصدرية الظرفية عليها
يصح أن يأتي منها الماضي والمضارع، أما الأمر فلا يأتي، لأنه لابد من
تقدم "ما" المصدرية الظرفية عليها، فهي متصرفة تصرفًا جزئيًّا، بعضهم
لا يجيز حتى صيغة الفعل المضارع ويُلزم أن تكون بصيغة الماضي فقط.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم، لماذا سُميَّت أفعال كان وأخواتها وإن وأخواتها وظن وأخواتها
أفعالا ناقصة؟
أجاب الشيخ:
سُميت هذه الأفعال أفعالا ناقصة لأنها لا تكتفي بمرفوعها، لا تكتفي
بالفاعل، تعرفون أن الأفعال في
الأصل لابد لكل فعلٍ من فاعل، فإذا قلتَ "قام محمدٌ" هذه جملة تامة،
لكن إذا قلتَ "كان محمدٌ" فهي لا تزال تحتاج إلى شيءٍ يكملها، فمن أجل
هذا نقول إنها ناقصة تحتاج إلى تكملة لهذا الأمر.
ونكتفي بهذا القدر اليوم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الدرس الثاني عشر
حمدًا لك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وصلاةً وسلامًا
دائمين متتابعين على الرحمة المهداة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وعلى
آله وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نواصل الحديث في باب كان وأخواتها، وقد وصلنا إلى الأفعال التي تحتاج
لعمل هذا العمل أن يتقدم عليها نفيٌ أو شبهه، وانتهينا من الحديث عن
"زال"، ومثلنا لها ـ بل استشهدنا ـ بقول الشاعر:
ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى...... ولا زال منهلا بجرعائك القطر
وقلنا إن "زال" هنا تقدمت عليها "لا" الدعائية، وخبرها هو "منهلا"
ومتقدم هنا، و"القطر" اسمها مؤخر.
أما انفك فيستشهدون لها، وقد جاءت بلفظ الفعل المضارع في هذا البيت،
يستشهدون لها بقول الشاعر:
ليس ينفك ذا غنًى واعتزازي...... كل ذي عفّةٍ مُقلٍ قنوع
فـ"ليس" هنا هي النفي الذي تقدم على كلمة "ينفك" وأجاز أن نعملها عمل
كان وأخواتها، أما "ينفك" فجاءت بلفظ الفعل المضارع، وقد تقدم هنا
خبرها على اسمها هو قوله "ذا غنًى"، و"ذا" اسم من الأسماء الخمسة وهو
مضاف إلى كلمة "غنًى" ومنصوب وعلامة نصبه الألف، أما اسمها فهو قوله
"كلّ ذي عفةٍ"، وقد جاء مؤخرًا كما ترون.
أما فتئ يا أيها الأحباب فيستشهدون له بقول الله عزّ وجلّ ? قَالُوا
تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ
تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ? [يوسف: 85] ، والشاهد في قوله تفتأ هنا
صحيح أنه لم يتقدم عليها في ظاهر اللفظ نفي، ولكن النفي مقدر، لأن
التقدير والله أعلم " لَا تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ
حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ "، فـ ? تَفْتَأُ ? هنا جاء
بلفظ الفعل المضارع، واسم ? تَفْتَأُ ? هنا ضمير مستتر تقديره "أنت"،
و? تَذْكُرُ يُوسُفَ ? هذه الجملة في محل نصبٍ خبر.
أما "برح" فمن شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ
عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ? [طه:91] ، ? نَبْرَحَ ?
تقدمت عليها ? لَنْ ? فمعناها أنها استوفت شرطها وهو النفي، و?
نَبْرَحَ ? هنا فعل مضارع، وهو منصوبٌ ب? لَنْ ?، و? عَاكِفِينَ ? خبر
? نَبْرَحَ ?، وأما اسمها فهو ضميرٌ مستترٌ تقديره "نحن"، " لَنْ
نَبْرَحَ نَحْنُ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ".
أما "دام" فقد ذكرنا لكم أنه يُشترط لعملها
أن تتقدم عليها "ما" المصدرية الظرفية، أما كونها مصدرية فلأنها تؤول
مع ما بعدها بمصدر، وأما كونها ظرفية فلأنها تدل على المدة، وانظروا
إلى نحو قول الله عزّ وجلّ ? وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ
مَا دُمْتُ حَيًّا ? [مريم: 31] ، فإن التأويل فيها أو التقدير
ـ والله أعلم ـ "مدة دوامي حيًّا"، فـ"مدة" هذه أخذنا منها الظرفية،
و"دوامي" هذه أخذنا منها
المصدرية، أما "دام" هنا فاسمها هو التاء، و ? حَيًّا ? هو خبرها،
فقوله سبحانه ? وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ
حَيًّا ? "دام" استوفت شروطها بتقدم "ما" المصدرية الظرفية عليها،
وعملت هذا العمل، ذلك أن التاء هنا ضمير متصل مبني على الضم في محل
"رفع" اسم "دام"، و? حَيًّا ? هو خبرها.
يُقال كلام كثير عن تقدم أخبارها عليها أو توسط الأخبار بينها وبين
أسمائها، أما التوسط فقد رأيتم من الأمثلة أنه جائز وكثير، "ولا زال
منهلا بجرعائك القطر"، وفي قول الله عزّ وجلّ ? لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ
إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ ? [الغاشية: 6] ، لا مانع من أن يتوسط الخبر بين
الفعل وبين الاسم.
أما تقدم أخبارها عليها فباتفاق لا يجوز تقدم خبر "دام" عليها، لم؟ لأن
"ما" المصدرية من الألفاظ التي لها الصدارة، فلا يتقدم شيءٌ من
متبوعاتها عليها، أما ليس ففيها خلافٌ طويلٌ، والصحيح أنه لا يجوز تقدم
خبرها عليها لأنه لم يرد له شواهد، أما بقية الأفعال فباتفاق لم يُخالف
في جواز تقدم أخبارها عليها أحدٌ إلا إن كان النفي الذي نشترطه في
الأدوات التي يُشترط فيها تقدم النفي عليها، إن كان النفي بـ"ما" فإنهم
لا يجيزون تقدم الخبر عليها، أما إن كان النفي بـ"لا" أو بـ"لن" أو
بغيرها فلا مانع من تقدم أخبارها عليها.
ثم ننتقل بعد هذا إلى بابٍ جديدٍ وهو باب
إنّ وأخواتها، قال المصنف (وَأَمَّا إِنَّ وَأَخَوَاتُهَا فَإِنَّهَا
تَنْصِبُ الاسْمَ وَتَرْفَعُ الْخَبَرَ) ، كما ترون عملها عكس عمل كان
وأخواتها، لأن في كان وأخواتها كان الاسم هو المرفوع والخبر هو
المنصوب، أما هنا فبالعكس، إن وأخواتها يكون اسمها منصوبًا ويكون خبرها
مرفوعًا.
ثم قال ابن آجروم رحمه الله (وهي) يعني يعدد الآن إن وأخواتها، فيقول
(وَهِيَ: إِنَّ، وَأَنَّ، وَلَكِنَّ، وَكَأَنَّ، وَلَيْتَ، وَلَعَلَّ،
تَقُولُ: إِنَّ زَيْدًا قَائِمٌ، وَلَيْتَ عَمْرًا شَاخِصٌ، وَمَا
أَشْبَهَ ذَلِكَ) مثل لنا
بمثالين، أحدها لـ"إن" والآخر لـ"ليت"، وعليك أن تقيس، وهنا فيه اختلاف
بينها وبين كان وأخواتها من حيث توسط الخبر ومن حيث تقدم الخبر عليها،
فأولا بإجماع لا يجوز تقدم أخبارها عليها، أما توسط الخبر بين "إن"
واسمها أو "ليت" واسمها أو "لعل" واسمها فإنه جائزٌ بشرط أن يكون إمّا
ظرفًا وإما جارًا ومجرورًا، وإذا كان غير ذلك فلا يجوز، فلا يجوز أن
تقول "إنّ مجتهدٌ زيدًا"، هذا بإجماع، ويجوز أن تقول "إنّ في الدار
زيدًا"، تقدم خيره وهو جار ومجرور، قال الله عزّ وجلّ ? إِنَّ
لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا ? [المزمل:12] ، فـ ? لَدَيْنَا ? هذا
هو خبر ? إِنَّ ?، و ? أَنْكَالًا ? هو اسمها وقد تأخر، ولا إشكال فيه
لأن الخبر هنا ظرف، أما لو كان غير ظرفٍ فبإجماع لا يجوز، هذا فارقٌ
دقيقٌ بين كان وأخواتها وإن وأخواتها.
هنا كانت المسألة مفتوحة من حيث توسط الخبر، سواءٌ أكان ظرفًا أم غيره،
أما هنا فلا يجوز أن يتوسط الخبر إلا إذا كان ظرفًا أو جارًا ومجرورًا،
ولا يجوز تقدمه مطلقًا وبإجماع لا خلاف في ذلك.
مثل لنا بمثالين فقال "إن زيدًا قائمٌ"،
"إنّ" حرف توكيد ونصب، ويمكن أن تقول "إنّ" حرفٌ ناسخ، هذه كلها حروف،
وهناك أفعال في باب كان وأخواتها، أقول "إنّ" حرف ناسخ، أو "إنّ" حرف
توكيد ونصب، "زيدًا" اسمها منصوب، "قائم" خبرها، ومثله قولك "ليت عمرًا
شاخصٌ"، فـ"ليت" حرفٌ ناسخ، وعمرًا اسمها، وشاخصٌ خبرها.
قال المصنف (وَمَعْنَى إِنَّ وَأَنَّ لِلتَّوْكِيدِ) ، أما "إنّ"
فبإجماعٍ أنها تدل على التوكيد، وأما "أنّ" فبخلافٍ، فيها خلافٌ هل تدل
على التوكيد أو لا تدل على التوكيد، من شواهد "إنّ" قول الرسول صلى
الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان (إنّ أبغض الرجال إلى الله الألدُّ
الخصم) ، فأبغض هنا اسم "إنّ"، و"الألدُّ" خبرها، و"الخصم" يمكن أن
تجعلها خبرًا ثانيًا ويمكن أن تجعلها صفةً لـ"الألد"، وقال الله عزّ
وجلّ، وهذا شاهدٌ لإعمال "أنّ"، قال الله عزّ وجلّ ? أَلَمْ تَرَ
أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ
أَزًّا ? [مريم:83] ، فـ"أنَّ" هذه من أخوات "إنّ"، وهي ناسخة، و"نَا"
اسمها ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب، وقوله سبحانه ?
أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ ? هذه الجملة واقعة في محل رفع خبر "أنَّ".
قال المصنف (وَلَكِنَّ لِلِاسْتِدْرَاكِ) ، ومن شواهدها قول الله عزّ
وجلّ ? إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ
النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ? [يونس: 44] ، فـ ? النَّاسَ ? هنا
اسم ? لَكِنَّ ? منصوب، وجملة ?
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ? فـ ? أَنْفُسَهُمْ ? مفعول ? يَظْلِمُونَ ?
مُقدّم، فـ ? أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ? هنا في محل رفع خبر ? لَكِنَّ
?، و ? لَكِنَّ ? هنا حرفٌ يدل على الاستدراك، وهذا معناه الذي ذكره
المصنف.
مما يُقال في ? لَكِنَّ ? بعضهم يرى أنها
حرفٌ واحدٌ، وبعضهم يقول لا، إنها مركبة من حرفين، من "لا" النافية
و"كأنّ" وخُففت بحذف الهمزة، والصواب أنها حرف واحدٌ، ولذلك لا نحتاج
إلى تطويلٍ في هذا الموضوع.
أما "كأنَّ" يا أيها الأحباب فهي حرفٌ يدل على التشبيه، كما قال المصنف
هنا، من شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا
مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ
الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ? [القصص: 82] ، ?
وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ ?، ? كَأَنَّ ? حرفٌ ناسخٌ، ? اللَّهَ ?
لفظ الجلالة اسمها منصوب على التعظيم، ? يَبْسُطُ الرِّزْقَ ? هذه
الجملة في محل رفع خبر ? كَأَنَّ ?، و"كأنّ" كما ترون دالة على
التشبيه.
قال المصنف أيضًا (وَلَيْتَ لِلتَّمَنِّي، وَلَعَلَّ لِلتَّرَجِي) ،
فما الفرق بين التمني والترجي، التمني طلب ما يستحيل حصوله أو ما يبعد
حصوله، التمني طلب المستحيل أو ما يبعد حصوله، وأما الترجي فهو طلب ما
هو قريب الحصول أو ممكن الحصول أو متوقع الحصول أيضًا، من شواهد ذلك
قول الله صلى الله عليه وسلم في ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله
عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم سهر، فلما قدم المدينة قال
(ليت رجلا من أصحابي صالحًا يحرسني الليلة) ، فـ (رجلا) هذا اسمها، و
(من أصحابي) هذه جار ومجرور صفة لرجل، و (صالحٌ) صفة ثانية، وجملة
(يحرسني) في محل رفع خبر (ليت) .
من شواهد "لعل" قول الله عزّ وجلّ ? اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ
الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ
السَّاعَةَ قَرِيبٌ ? [الشورى: 17] ، فـ ? لَعَلَّ ? حرف ناسخ، و ?
السَّاعَةَ ? اسمها، و ? قَرِيبٌ ? خبرها.
لا بأس أن نذكر في ختام هذا الموضوع ما
يتعلق بـ"لعل" من ما ذكره المرادي في كتابه، قال المرادي: و"لعل" لها
ثمانية معانٍ، أولها كما ذكرنا قبل قليل الترجي، ومنها قولك "لعل الله
يرحمنا"، ففي هذا المثال رجاؤك رحمة الله، المعنى الثاني من معانيها
الإشفاق، كقولك "لعل العدوَّ قادم"، فأنت تتوقع وصوله أو تخاف منه أو
تشفق منه فتقول ذلك، من معاني "لعل" التعليل، ومنه قول الله عزّ وجلّ ـ
على سبيل المثال، وهو كثير ـ ? وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ? [البقرة:
150] ، أي "ولتهدوا" والله أعلم، من معانيها كما ذكر المرادي
الاستفهام، ومنه وقول الله عزّ وجلّ ? وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ
يَزَّكَّى ? [عيسى: 3] ، قال لأن المعنى هنا "وما يدريك هل يزكّى"،
فكأنها دالة على الاستفهام في هذه الآية الكريمة، قال ومن معانيها
الشك، ومنه أن تقول وأنت شاكٌّ في مجيء شخص "لعله يجيء"، أنت تشك في
مجيئه، وهذه بعض المعاني التي أوردها المرادي في كتابه "الجنى الداني
في حروف المعاني"، وهو كتابٌ قيم ذكر فيه الحروف عمومًا وخاصة التي لها
معانٍ متعددة أو مختلفة، منها حروف الجر، منها إنّ وأخواتها، منها
"إلا" وهكذا، ذكر لها معاني متعددة.
هذه إنّ وأخواتها وقد انتهينا من الحديث فيها، ولا إشكال فيها إلا من
ناحية تقدم أخبارها عليها كما ذكرتُ لكم أنه لا يجوز بإجماع، ومن ناحية
توسط أخبارها بينها وبين أسمائها، وإلا فلا إشكالات فيها والحمد لله رب
العالمين.
ننتقل إلى بابٍ جديد ذكره المصنف وهوباب
ظنّ وأخواتها، فقال المصنف رحمنا الله وإياه (وَأَمَّا ظَنَنْتُ
وَأَخَوَاتُهَا فَإِنَّهَا تَنْصِبُ الْمُبْتَدَأَ وَالْخَبَرَ عَلَى
أَنَّهُمَا مَفْعُولَانِ لَهَا) ، تقول "ظننتُ زيدًا مجتهدًا"، "ظنَّ"
فعلٌ ماضٍ، والتاء فاعل، "زيدًا" مفعول به أول، و"مجتهدًا" مفعولٌ به
ثانٍ، فبعد أن كانت كلمة "زيدٌ مجتهدٌ" كانت مبتدءًا وخبرًا دخلت عليها
"ظنّ" فنسخت حكمها فجعلت المبتدأ مفعولا به أولا، والخبر مفعولا به
ثانيًا، وغيرت حكم الرفع إلى النصب، فصار المبتدأ منصوبًا على أنه
مفعول به أول، وصار الخبر منصوبًا على أنه مفعول به ثاني.
قال المصنف أيضًا (وَهِيَ: ظَنَنْتُ، وَحَسِبْتُ، وَخِلْتُ،
وَزَعَمْتُ، وَرَأَيْتُ، وَعَلِمْتُ، وَوَجَدْتُ، وَاتَّخَذْتُ،
وَجَعَلْتُ، وَسَمِعْتُ؛ تَقُولُ: "ظَنَنْتُ زَيْدًا قَائِمًا"،
وَ"رَأَيْتُ عَمْرًا شاخصًا"، وَمَا
أَشْبَهَ ذَلِكَ) ، نبدأ بآخر كلمة قالها لأنه قليلا ما ذُكرت هذه
الكلمة وهي كلمة "سمعتُ"، هو ذكرها وقد سبقه بعض النحويين وهو الفارسي،
ذكرا أنها من أخوات ظنَّ وأنها تنصب مفعولين، لكن بشرط أن يكون
المفعولان اللذان تنصبها "سمع" ليس كلامًا، يعني لو قلتَ "سمعتُ زيدًا"
هنا تنصب مفعولا به واحد، يعني "سمعتُ كلام زيدٍ".
فهذه لا تنصب إلا مفعولا به واحد، لكن لو قلت "سمعتُ زيدًا مجتهدًا"،
هذه هي التي تنصب مفعولين، وكما قلتُ لكم إنه قليلٌ من النحويين ذكرها
في باب ظنّ وأخواتها.
ثم نعود من الأول فنقول هذه الأفعال تدخل
على المبتدأ والخبر فتنصبهما مفعولين، هذه الأفعال لابد أن تكون
معانيها متعلقةً بالقلب أو بالفكر، ولذلك يسميها بعضهم باب الأفعال
القلبية، أو باب الأفعال التي تنصب مفعولين، أو باب ظن وأخواتها، هناك
تسميات متعددة لهذا الباب، لكن لابد أن تكون معانيها متعلقةً بالقلب أو
بالفكر أو بالعقل أو ما شاكل ذلك. بعضها يدل على اليقين في الخبر،
وبعضها يدل على الرجحان، وبعضها يحتمل الأمرين ويغلب فيه مثلا الرجحان
وبعض آخر يغلب فيه اليقين، وكل واحدةٍ منها سنبين عندما نذكرها إن شاء
الله تعالى ما الأصل فيها.
فنبدأ أولا بـ"ظنّ"، "ظنّ" الكثير والغالب
فيها أن تدل على الرجحان في الخبر، من شواهدها قول الله عزّ وجلّ ?
وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ
? [هود: 27] ، "ظنّ" هنا دالة على الرجحان في الخبر، والكاف مفعول به
أول، و ? كَاذِبِينَ ? مفعولٌ به ثان. أما ورودها دالة على اليقين في
الخبر ـ وهذا قليل، فالغالب فيها أن تدل على الرجحان ـ فنحو قول الله
عزّ وجلّ ? وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا
لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ?45? الَّذِينَ يَظُنُّونَ
أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ?46? ?
[البقرة:45، 46] ، هؤلاء الخاشعون متيقنون بأنهم ملاقون الله سبحانه
وتعالى، فليس مترجحًا عندهم، بل هو يقين، ولذلك خشعوا في صلاتهم، ?
وَإِنَّهَا ? يعني الصلاة، ? وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى
الْخَاشِعِينَ ?45? الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ
وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ?46? ?، أين مفعولاها؟ "أنّ" وما دخلت
عليه سدّت مسدّ المفعولين، بعضهم يرى أن "أنّ" وما دخلت عليه مفعول به
أول، والمفعول به الثاني مقدر، فيكون التقدير في هذه الآية الكريمة
"يظنون ملاقاة ربهم حاصلة"، وهكذا انهجوا هذا النهج في كل ما ورد في
باب "ظنّ" وأخواتها "أنّ" وأخواتها فإنه يمكن أن تؤولها بمصدر فتجعلها
كافية أو سادة مسد المفعولين، أو تقول لا، هذا مصدر وهو المفعول به
الأول والمفعول به الثاني مقدر.
من شواهد "حسب" قول الله عزّ وجلّ ?
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ
حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا ? [الإنسان: 19] ، "حسب" هنا الغالب
فيها أن تدل على الرجحان في الخبر، "حسب" هذا هو الفعل، والتاء فاعل،
و"هم" مفعول به أول، و? لُؤْلُؤًا ? مفعولٌ به ثانٍ، أما ورود حسب ـ
وهو قليل ـ دالةً على اليقين في الخبر فكقول الشاعر:
حسبت التقى والجود خير بضاعة رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقل
"حسبت التقى والجود خير"، فـ"التقى" هو المفعول به الأول، و"خير" هو
المفعول به الثاني.
أما "خال" يا أيها الأحباب فكذلك، الكثير والغالب فيها أن تكون دالة
على الرجحان في الخبر، ولكن قد ترد دالة على اليقين في الخبر، ومنه قول
الشاعر:
إخالك إن لم تغضض الطرف ذا هوى يسومك ما لا يُستطاع من الوجد
"إخال" هذا فعلٌ مضارع، والكاف مفعولٌ به أول، و"ذا هوًى" مفعولٌ به
ثاني منصوب، وعلامة نصبه الألف لأنه من الأسماء الخمسة، أما ورود خال
دالة على اليقين في الخبر فهو قليل، ولكن يستشهدون له بقول الشاعر:
دعاني الغواني عمهن وخلتني لي اسم فلا أدعى به وهو أول
يعني أن الغواني قلن لي "يا عم"، وهو لا يريد أن يقلن له "يا عم" لأنه
يرى نفسه شبابًا، فيقول " وخلتني لي اسم فلا أدعى به وهو أول "، يعني
أحسن أن يُقال لي فلان، ولا يقلن "يا عم"، المهم أن "خال" هنا تدل على
اليقين، لأنه متأكد أن له اسم.
أما "زعم" فلا تدل إلا على الرجحان في
الخبر، ولا تدل إلا على الرجحان في الخبر، ولا تدل على اليقين، ومنه
قول الله عزّ وجلّ ? قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ
زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ
فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ? [الجمعة: 6] ، ومنه
قوله سبحانه ? زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ?
[التغابن: 7] ، وأكثر ما تتعدى به "زعم" أن تكون داخلة على "أنَّ"
واسمها وخبرها، أو على "أنْ" وما يتلوها من مصدر أو ما يؤول بمصدرٍ
بعدها، هذا أكثر ما يجئ الفعل زعم، وقد ورد ناصبًا لمفعولين ليس فيهما
لا "أنْ" ولا "أنَّ"، ومنه قول الشاعر:
زعمتني شيخًا وليستُ بشيخٍ إنما الشيخ من يدب دبيبً
" زعمتني شيخًا "، الياء مفعول به أول، و"شيخًا" مفعول به ثاني.
أما "وجد" فهي أحيانًا تكون قلبية، وأحيانًا بمعنى عثر على ضالته، يعني
وجدها، وأحيانًا تكون بمعنى حقد عليه، "وجد على فلانٍ" يعني حقد عليه،
فإذا كانت بمعنى حقد فهي ما تتعدى إلى شيءٍ، لا تنصب أصلا مفعول به،
وإن كانت بمعنى عثر على ضالته فهي تنصب مفعولا به واحد، تقول "وجد
محمدٌ بعيره"، أو "قلمه" أو "كتابه"، وأما في هذا الباب فإنها تنصب
مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، في قول الله عزّ وجلّ ? وَرَأَى
الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ
يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا ? [الكهف: 53] ، من أي الأنواع هذه؟ هذه من
مثل قولك "وجد فلانٌ ضالته".
أما ورودها ناصبةً لمفعولين فنحو قول الله عزّ وجلّ ? تَجِدُوهُ عِنْدَ
اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ? [المزمل: 20] ، ? تَجِدُوهُ
? مفعول به أول، و ? خَيْرًا ? مفعولٌ به ثاني.
أما "رأى" فالكثير والغالب فيها أن تكون
دالة على اليقين في الخبر، وقد ترد دالة على الشك أو على الرجحان في
الخبر، ومن ذلك جُمع بين الدلالتين في قول الله عزّ وجلّ ? إِنَّهُمْ
يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ?6? وَنَرَاهُ قَرِيبًا ?7? ? [المعارج: 6، 7] ،
فأما قوله سبحانه ? إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ? فإن هذه الرؤية
تدل على الرجحان في الخبر، لأنه يترجح عندهم بعد قيام الساعة، أما قوله
سبحانه ? وَنَرَاهُ قَرِيبًا ?، فإن هذا يدل على اليقين في الخبر، وهو
الغالب فيها.
قبل أن ننتقل عن "رأى"، "رأى" أحيانًا تأتي بصرية، وأحيانًا تأتي علمية
وهي التي ذكرناها في هذه الآية الكريمة، وأحيانًا تأتي حُلمية، يعني من
"الحُلم" وهو المنام، فإذا كانت بصرية فإنها تنصب مفعولا به واحد فقط،
تقول "رأيتُ محمدًا"، أو "رأيتُ الباب"، أو "رأيتُ الأرض"، إلخ، لا
تنصب إلا مفعولا به واحد، وإن كانت قلبية فإنها تنصب مفعولين كما ذكرت
لكم قبل قليل، ? إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ?6?
وَنَرَاهُ قَرِيبًا ?7? ? [المعارج: 6، 7] ، وإن كانت حُلمية فكذلك،
تنصب مفعولين، قالوا ومنه قول الشاعر:
أبو حنشٍ يؤرقني وطلق...... وعمّارٌ وآونة أُثالى
أراهم رفقتي حتى إذا ما...... تجافى الليل وانخزل انخزال
إذا أنا كالذي يجري لورد.... إلى آلٍ فلم يدرك بلال
" أراهم رفقتي حتى إذا ما تجافى الليل وانخزل انخزالا "، الآن دليل على
أن هذه الرؤية رؤية منامية، والشاهد عندنا في قوله " أراهم رفقتي"، فإن
"أرى" هنا حُلمية، وقد نصبت مفعولين، الأول هم قولهم "هم"، والثاني هو
قوله "رُفقتي".
أما "علم" فهي مثل رأى في الدلالة، ذلك أن
الغالب فيها أنها تدل على اليقين في الخبر، ولكن أيضًا قد تدل على
الرجحان، أما دلالتها على اليقين فمن شواهدها قول الله عزّ وجلّ ?
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ
? [محمد: 19] ، ? فَاعْلَمْ ? يعني تيقن أنه لا إله إلا الله واستغفر
لذنبك، وأما دلالتها على الرجحان فقد وردت في مواضع قليلة، ولكن منها
قول الله عزّ وجلّ ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ
الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ
بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا
تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ? [الممتحنة: 10] ، لأن المعنى هنا ـ
والله أعلم ـ "فإن ترجح لديكم إيمانهن"، لأن اليقين الله وحده هو
المطلع عليه، أنت لا تستطيع أن تحكم بأن فلانًا مؤمن أو أنه ليس مؤمن،
لكن الذي يترجح لديك هو إيمانه أو يترجح عدم إيمانه، فالظاهر ـ والله
أعلم ـ أن علم في هذه الآية تدل على الرجحان في الخبر.
ومن الأفعال التي ذكرها المؤلف "اتَّخذ"، و"اتخذ" ليست من الأفعال
القلبية وإنما هي فعلٌ يدل على التصيير، والأفعال الدالة على التصيير
تدخل أيضًا على المبتدأ والخبر فتنصبهما مفعولين، ولكن معانيها ليست
متعلقة بالقلب، ومن شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? وَاتَّخَذَ اللَّهُ
إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ? [النساء: 125] ، ? اتَّخَذَ ? هذا فعلٌ ماضٍ،
? اللَّهُ ? لفظ الجلالة فاعل، ? إِبْرَاهِيمَ ? مفعولٌ به أول، و?
خَلِيلًا ? مفعولٌ به ثانِ.
فيه كلمة "اتخذ" بعضهم يخفف فيقول "تخذ"، وهي تعمل العمل نفسه فتنصب
مفعولين، ومن شواهدها قول الشاعر:
تخذتُ غراز إثرهمُ دليلا وفروا في الحجار ليعجزوني
"تخذ" هذا فعل ماضٍ، والتاء فاعل، و"غراز" مفعول به أول، و"دليلا"
مفعولٌ به ثاني.
من الأفعال أيضًا التي ذكرها المصنف "جعل"،
و"جعل" الموجودة عندنا في هذا الباب نوعان، واحد منها للظن أو متعلق
معناه بالقلب، ونوعٌ آخر للتصيير، وكلا الأمرين يعملان العمل نفسه،
فينصبان مفعولين، مما كان معناه متعلقًا بالقلب قول الله عزّ وجلّ ?
وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ
إِنَاثًا ? [الزخرف: 19] ، يعني اعتقدوهم، ما صيروهم طبعًا، لكنهم
اعتقدوا أن الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا، فالملائكة هنا مفعول
به أول لـ"جعل"، والواو طبعًا في ? جَعَلُوا ? فاعل، و? إِنَاثًا ?
مفعولٌ به ثانٍ.
أما "جعل" التي بمعنى "صيّر" فلعل من شواهدها ما رواه الشيخان من حديث
الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قوله (جعل الله الرحمة مائة جزءٍ، فأمسك
عنده تسعًا وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك يتراحم الخلق
حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه) ، اللهم ارحمنا برحمتك
يا رب العالمين، انظر إلى هذه الرحمة العظيمة، ? وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ
كُلَّ شَيْءٍ ? [الأعراف: 156] ، هذه الرحمة التي يتراحم بها الخلق في
هذه الدنيا كلها جزءٌ واحدٌ مما ادخره الله ليوم القيامة، نسأل الله
العلي القدير أن يرحمنا وإيّاكم، الشاهد عندنا في قوله (جعل الله
الرحمة مائة جزءٍ) ، (جعل) هذا هو الفعل الذي بمعنى "صيّر"، و (الله)
لفظ الجلالة فاعل، و (الرحمة) مفعولٌ به أول، و (مائة جزءٍ) مفعول به
ثاني، وهو مضاف طبعًا وكلمة (جزءٍ) مضاف إليه.
أما "سمع" فقد أنهينا الحديث فيها في بداية
الأمر، وقد أهمل المصنف رحمه الله بعض أفعال التصيير فلم يذكرها، ويذكر
بعض النحويين هذه الأفعال، أنا أذكر لكم بعضها ونترك بعضها الآخر، من
الأفعال التي ذكرها بعض النحويين "ودّ"، ومنه قول الله عزّ وجلّ ?
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ
إيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ? [البقرة:
109] ، ومن أفعال التصيير أيضًا التي تركها المصنف"ترك"، ومنها قول
الله عزّ وجلّ ? وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ
? [الكهف: 99] ، فـ"ترك" فعلٌ يدل على التصيير.
وأيضًا منها "صيّر"، وهي فعلٌ أيضًا يدل على التصيير بصيغته وبلفظه،
هذه الأفعال التي تركها المصنف، ونكتفي بهذا القدر بالنسبة للأفعال
التي تركها المصنف، ونستمع منكم إذا أردتم أن تسألوا شيئًا متعلقًا
بهذه الحلقة أو بغيرها.
سأل أحد الطلبة:
ما تعريف ظنّ وأخواتها؟ وما الفرق بينها وبين باقي الأفعال؟
أجاب الشيخ:
أولا بارك الله فيك، هذا الباب يُسمّى باب أفعال القلوب أحيانًا،
ويُسمى باب ظن وأخواتها، ويسمى باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر
فتنصبهما مفعولين، فمن خلال هذه التسميات يمكن أن نأخذ الفرق بينها
وبين بقية الأفعال، وهي أن معظم الأفعال لا تنصب مفعولين، وإنما ينصب
مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر وظن وأخواتها وكذلك الأفعال الدالة على
التصيير.
هناك أفعال تنصب مفعولين أيضًا ولكن ليس أصل المفعولين مبتدءًا وخبرًا،
وهي ما يسمونه بباب أعطى، وباب كسا، "كسوتُ زيدًا جُبّةً" مثلا،
و"أعطيتُ عمرًا دينارًا"، "عمرو" و"دينار" ليس أصله مبتدءًا وخبرًا،
فهذا يميزها عن بقية الأفعال أنها تنصب مفعولين.
وأما تعريفها فلا أعرف شيئًا يمكن أن نقوله فيه إلا أن نقول إنها
أفعالٌ متعلقةٌ بالقلب في الغالب، وأحيانًا تكون أفعالا دالة على
التصيير، وهي تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر.
سأل أحد الطلبة:
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ، إذا أُلحقت ما بأخوات إن فهل تُبطل عملها
أم لا؟
أجاب الشيخ:
هذا مما تركته اختصارًا، ولكن بارك الله فيك حين سألت عنه، "ما" إذا
دخلت على إنّ وأخواتها فإنها تبطل عملها قولا واحدًا وتهيؤها للدخول
على الجمل.
ونكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله
وصحابته أجمعين.
|