شرح نظم المقصود عناصر الدرس
* بيان الفعل الضارع وعلامته.
* أنواع المضارع.
*
حالات الفعل المضارع المعرب.
*
حالات الفعل المضارع المبني.
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده
ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا .. أما بعد:
فلا زال الحديث في الباب الثاني وهو (باب المصدر وما يشتق منه)، ذكرنا
المشتقات تسعة أو أكثر من ذلك، منها الماضي والمضارع والأمر، وقلنا هذه
من المشتقات، وذكر الماضي فيما سبق والماضي المبني للمعلوم والماضي
المبني للمجهول، وإن كان قدم حركة آخر الماضي يعني بيان حاله في
الأخير، لماذا؟ قلنا: توطئة لبيان الأول، وهنا شرع في بيان النوع
الثاني وهو الفعل المضارع لأنه من المشتقات، وهو فرع عن الماضي، وذكرنا
أن الاشتقاق قد يكون بالأصل بالذات بدون واسطة، وقد يكون بواسطة. إذاً
قدم الماضي على المضارع لأنه أصل للمضارع والمضارع فرع عن الماضي،
أيضاً الأصل في الاشتقاق هو المصدر، والماضي يشتق من المصدر بالذات
مباشرة بدون واسطة، والمضارع يشتق من المصدر بواسطة الماضي، المضارع
يشتق من المصدر بواسطة الماضي، قال:
مُضَارِعَاً سِمْ بِحُرُوْفِ نَأْتِي
حَيْثُ لِمَشْهُوْرِ المَعَانِي تَأْتِي
فَإِن بِمَعْلُوْمٍ فَفَتْحُهَا وَجَبْ
إلاَّ الرُّبَاعِيْ غَيْرُ ضَمٍّ مُجْتَنَبْ
(غيرُ) بالضم، هذا مثل ما سبق بعض الإخوة نبهني، (وأمر ذي ثلاثة نحو
اقبُلا) البيت رقم (31) بضم الباء ليس بالفتح، (اقبُلا) قلنا: من باب
نصر ينصُر، وإلا ما يصح المثال.
فَإِن بِمَعْلُوْمٍ فَفَتْحُهَا وَجَبْ ... إلاَّ الرُّبَاعِيْ غَيْرُ
ضَمٍّ مُجْتَنَبْ
وَمَا قُبَيْلَ الآخِرِ اكْسِرْ أَبَدَا ... مِنَ الَّذِي عَلَى
ثَلاَثَةٍ عَدَا
فِيْمَا عَدَا مَا جَاءَ مِنْ تَفَعَّلاَ ... كَالآتِيْ مِنْ تَفَاعَلَ
اوْ تَفَعْلَلاَ
وَإِن بِمَجْهُوْلٍ فَضَمُّهَا لَزِمْ ... كَفَتْحِ سَابِقِ الَّذِي
بِهِ اخْتُتِمْ
وَآخِرٌ لَهُ بِمُقْتَضَى العَمَلْ
مِن رَّفْعٍ اوْ نَصْبٍ كَذَا جَزْمٌ حَصَلْ
هذه الأبيات في بيان الفعل المضارع وعلامته
وحركة أوله وحركة ما قبل آخره، قال رحمه الله: (مضارعاً سِمْ)
(مضارعاً) يعني فعلاً (مضارعاً سِمْ)، (سِمْ) هذا فعل أمر من وَسَمَ
يَسِم من باب وعد يعد، وسَم يسم، والأصل فيه وسم يوسم كوعد يوعد، قلنا:
ما وجد فيه داع الكسر يكسر عين مضارعه، وهنا داع الكسر كونه مثالاً
واوياً، وعَدَ هذا مثال من باب فَعَل فاؤه واو، إذاً هو مثال واوي،
وسَم مثل وعَد، وعد يوعد وقعت الواو بين عدوتيها فأسقطت، كذلك وسم يوسم
وقعت الواو بين عدوتيها فأسقطت، إذاً (سِمْ) بكسر السين، لِمَ؟ لأنها
مكسورة في المضارع، يوسِم يسِم، والأمر يؤخذ أو يشتق من المضارع بإسقاط
حرف المضارعة، فإن كان ما بعده محركاً أُبقى على حركته، وإن كان ساكناً
جيء بهمزة الوصل، وهنا متحرك يسِم باعتبار الفرع لا الأصل، فالأمر منه
بإسقاط الياء تقول: (سِمْ)، إذاً (سِمْ) هذا فعل أمر من وَسَم، مضارعه
يسِم، كسرت السين لأنها مكسورة في المضارع الذي هو أصل للأمر، لأنه قد
يلتبس، تقول: أصله وَسَمَ بفتح السين، كيف كسرت السين؟ تقول: هو من باب
يفعِل يوسِم، إذاً (سِمْ مضارعاً) (مضارعاً) هذا مفعول به لـ (سِم)
قُدّم عليه، (سم مضارعاً) (سم) بمعنى عَلِّم، وميِّز مضارعاً، وقلنا:
عند الحل لا بد من التقدير، (مضارعاً) هذا مفعول به لـ (سِم) مقدم
عليه، لكن إذا أردنا حل العبارة لا بد من أن نجعل (مضارعاً) صفة لموصوف
محذوف، فعلاً (مضارعاً)؛ لأن مضارع هذا اسم فاعل ويدل على ذات وصفة،
ومضارع اسم فاعل ضارَع يضارِع فهو مضارِع، قاتل يقاتِل فهو مقاتل، بضم
الميم وإبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة وكسر ما قبل آخره الذي هو
العين، ضارع يضارع،
كَذَا اسْمُ مَفْعُوْلٍ وَفَاعِلٍ كُسِرْ ... عَيْنًا وَأَوَّلٌ لَهَا
مِيْمًا يَصِرْ
إذاً تبدل الأول ميماً مضمومة، وقلنا لا بد
من القيد، وتكون عين اسم الفاعل مكسورة. إذاً (مضارع) نقول: اسم فاعل
من ضارع يضارع فهو مضارع، المضارعة هنا فيه مأخوذة من اسم الفاعل،
لماذا؟ لأن الوصف الحكم إذا علق على وصف دل على عِليَّة ما منه
الاشتقاق. هكذا عند الأصوليين. إذاً علق الحكم بوصف - يعني باسم فاعل
أو اسم مفعول - دل على أن الوصف الذي اشتق منه الاسم المعلق عليه الحكم
هو علة الحكم، {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:1] (المؤمنون)
جمع مؤمن، اسم فاعل مثل الذي معنا هنا، {قَدْ أَفْلَحَ} (أفلح) هذا
حكم، فعل لأنه وصف والحكم كما سبق أن الفعل يسمى مسنداً ويسمى حكماً أو
محمولاً عند المناطقة، فنقول: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} هنا رتب
الفلاح على ذات وهو (المؤمنون)، لأن (المؤمنون) جواهر أجسام ذوات، رتب
الحكم الفلاح على ذوات، ما العلة؟ لإيمانهم، يعني كأن التقدير: {قَدْ
أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} لإيمانهم، لإيمانهم هذا هو علة ترتيب الحكم -
وهو الفلاح - على الذوات؛ لاتصافهم بصفة الإيمان، من أين عرفنا هذه
العلة؟ نقول: العلة في ترتيب الفلاح هنا على المؤمنين، وهم الأصل فيهم
أنهم بشر وعباد وذوات، نقول: العلة هي وصفهم أو اتصافهم بصفة الإيمان.
من أين أخذنا هذا؟ نقول: (مؤمنون) هذا اسم فاعل، جمع مؤمن وهو اسم
فاعل، واسم الفاعل يدل على ذات متصفة بوصف، إذاً من أجل إيمانهم رُتب
عليه الحكم الذي هو الفلاح، وهلم جرا. هنا قال: (مضارعاً) سمي الفعل
النوع الخاص الذي هو مقابل للماضي والأمر (مضارعاً) نوعٌ خاص من أنواع
الفعل، لأن الأفعال كما سبق ثلاثة على رأي البصريين،
وَإِنْ أَرَدْتَ قِسْمَةَ الأَفْعَالِ ... لِيَنْجَلِي عَنْكَ صَدَى
الإِشْكَالِ
فَهِيَ ثَلَاثٌ مَا لَهُنَّ رَابِعُ ... مَاضٍ وَفِعْلُ الأَمْرِ
وَالْمُضَارِعُ
المضارع سمي مضارعاً من المضارعة،
والمضارعة في اللغة: المشابهة. إذاً هناك علة سمي الفعل الذي هو يضرب،
ويقتل، ويقاتل سمي هذا النوع الخاص بالمضارع وهو نوع من أنواع الأفعال
لعلة، وهذه العلة هي المضارعة، والمضارعة في اللغة: المشابهة، مشتق من
الضرع، كأن كلا الشبيهين ارتضعا من ضرع واحد، فهما أخوان رضاع، هكذا
قيل. يقال: تضارع السخْلان إذا أخذ كل واحد منهما بحُلْمِة من الضرع
وتقابلا وقت الرضاع. إذاً الفعل الذي هو يقتل سمي مضارعاً لأنه أشبه
الاسم لمشابهته الاسم، ما وجه الشبه؟ فيه نزاع بين ابن مالك رحمه الله
والجمهور، علة الجمهور أن الفعل المضارع سمي مضارعاً وأعرب التي هي علة
الإعراب أيضاً لأن الأصل فيه أنه مبني، سمي مضارعاً لأنه شابه الاسم،
الذي هو اسم الفاعل في الإبهام والتخصيص وقبول لام الابتداء والجريان
على حركات اسم الفاعل وسكناته. هذه أربعة علل أو أربعة أوجه لمشابهة
الفعل للاسم. في الإبهام والتخصيص، قال: الاسم يكون فيه إبهام، ضاربٌ
هذا فيه إبهام، وسبق أنه ضارب يدل على ذات مبهمة وحدث معين، أليس كذلك؟
يدل على ذات مبهمة وحدث معين. إذاً هو مبهم، وإذا قلت كذلك عالم، يدل
على ذات مبهمة وحدث معين، فإذا قلت: العالم، تخصص بأل، أو عالم المدينة
تخصص بأل. إذاً يكون مبهماً ويقبل التخصيص. قالوا: وكذلك الفعل المضارع
يكون مبهماً من جهة الزمن لأنه يدل على الزمن الحال والمستقبل، يضرب
زيد عمراً، متى؟ يحتمل أنه الآن ويحتمل أنه في المستقبل، وهذا بناءً
على قول الجمهور: أن دلالة الزمن في الفعل المضارع أنها للحال
والاستقبال معاً فهو مشترك. والصحيح أنه حقيقة في الحال مجاز في
الاستقبال، والسيوطي رحمه الله نص على هذا في همع الهوامع شرح جمع
الجوامع.
إذاً إذا قيل: يضرب زيد عمراً، فيه إبهام، والإبهام هذا قد يزول بإدخال
ما يخصصه إلى الاستقبال، فتقول: سيضرب زيد عمراً، إذاً تخصص أو لا؟
تخصص. إذاً يقبل الفعل المضارع التخصيص مع أنه كان مبهماً في الدلالة
على الزمن الحال والزمن المستقبل، يضرب زيد عمراً، يصلي زيد، ما تدري
متى يصلي؟ الآن أو في المستقبل، يحتمل هذا وذاك، ولذلك يحتمل التورية
تقول: يصلي زيد، توري أنه في المستقبل. إذا قلت: سيصلي، سوف يصلي، إذاً
تخصص، صار بزمن واحد معين وهو المستقبل ولا يحتمل الحال. وهذا الدليل
على أنه حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال؛ لأن ما احتاج إلى قرينه
لفظية هذا هو المجاز، وما لا يحتاج هو الحال، فإذا أُطلق على الصواب،
إذا أطلق الفعل المضارع نحمله على الحال ولا نحمله على المستقبل إلا
بقرينة كالسين وسوف. إذاً يقبل الفعل المضارع الإبهام والتخصيص كما
يقبله اسم الفاعل. كذلك دخول لام الابتداء {إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَعِبْرَةً} [آل عمران:13]، إن زيداً لقائم، دخلت اللام لام الابتداء
التي تسمى اللام المزحلقة بعد إنَّ،
وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ تَصْحَبُ الْخَبَرْ ... لَامُ ابْتِدَاءٍ
نَحْوُ إِنِّي لَوَزَرْ
إذاً دخلت اللام على اسم الفاعل وعلى الاسم
مطلقاً {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} كذلك تدخل على الفعل المضارع إذا
وقع خبراً لإنَّ {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ} [النحل:124] (يحكم) هذا
فعل مضارع وهو خبر إنَّ، ودخلت عليه لام الابتداء كما دخلت على اسم
الفاعل. جريانه على حركات اسم الفاعل وسكناته لفظاً أو تقديراً، تقول:
قاتِلٌ أباه، زيدٌ قاتل، قاتل هذا اسم فاعل على وزن فاعل، قاتل يقْتُل
هذا فعل مضارع، قالوا: جرى يقتل في الحركات والسكنات مُجرى قاتل وهو
اسم فاعل، والمقصود هنا بالحركات والسكنات مطلق الحركة لا عين الحركة،
يعني لا يشترط أن يكون الحرف الأول محركاً بالفتح فيكون الحرف الأول من
اسم الفاعل محركاً بالفتح، لا، المقصود أنه هذا محرك وذاك محرك،
قَاتِلٌ يَقْتُلُ، قَـ يَـ، إذاً الياء محركة والقاف محركة، يَقْـ
القاف ساكنة قَاْ الحرف الثاني ساكن، قاتِـ يقتُـ إذاً حركت التاء
وحركت التاء، إذاً جرى الفعل المضارع على حركات وسكنات اسم الفاعل،
حيثما حُرك الحرف في اسم الفاعل حرك محله في الفعل المضارع، قلنا:
حقيقة أو لفظاً ويشمل أيضاً التحريك الحكمي وهو في نحو يقول وقائل، هنا
جرى اسم الفاعل أو جرى الفعل المضارع مُجرى اسم الفاعل في الحركات،
لكنه تقديراً، لأنك لو نظرت يَقُوْ الأول متحرك والثاني متحرك، اسم
الفاعل قَائِل الأول متحرك والثاني ساكن، إذاً ما جرى عليه، يَقُوْل
الأول متحرك والثاني متحرك، وقائل الذي هو اسم الفاعل الأول متحرك
والثاني ساكن، هل نقول: لم يجر عليه؟ نقول: لا، الأصل في يَقُوْل
يَقْوُل إذاً الأول متحرك والثاني ساكن، وقائل الأول متحرك والثاني
ساكن، هذا قول الجمهور، أن الفعل المخصوص بهذا الاسم المضارع أنه سمي
مضارعاً وأعرب مع أن الأصل فيه أنه مبني لأنه أشبه الاسم في هذه الأمور
الأربعة، وهي، ما هي؟ التخصيص، الإبهام، وقبول لام الابتداء، جريانه
على حركات اسم الفاعل وسكناته. ابن مالك رحمه الله لم يرتضِ هذا، قال:
لا، هذا ليس بصحيح، لماذا؟ لأن الإبهام والتخصيص كما يكون في الفعل
المضارع والاسم - اسم الفاعل - يكون في الفعل الماضي أيضاً، تقول: قام
زيد، قام هذا يدل على وقوع الحدث الذي هو القيام في الزمن الماضي، وهذا
يحتمل الزمن الماضي البعيد والزمن الماضي القريب، إذاً هو مبهم ويحتمل
التخصيص، فتقول: قد قام زيد، هذه قد أفادت تقريب وقوع الحدث من الزمن
الماضي البعيد إلى القريب، ففرق بين الجملتين، وهذا يتحدث فيه أصحاب
البيان، قام زيد قد قام زيد، يظن الظان أنها بمعنى واحد وهذا ليس
بصحيح، قام زيد هذا يدل على وقوع الحدث الذي هو القيام في الزمن
الماضي، ثم هل هو الزمن الماضي الذي قبل زمن التحدث قبل قليل مثلاً أو
قبل شهر؟ يحتمل هذا ذاك، الجملة بذاتها لا تدل، يحتمل هذا ويحتمل ذاك،
إذاً فيه إبهام، وإذا دخلت عليه قد قرّبت الحدث من الزمن البعيد إلى
الزمن القريب، إذاً الفعل الماضي يحتمل الإبهام والتخصيص كما يحتمله
الاسم.
كذلك تدخل اللام في جواب لو على الاسم كذلك
تدخل على الفعل، إذاً أشبه الفعل الماضي الاسم في دخول - وإن لم يكن
اللام لام الابتداء كما هو في الفعل المضارع - إلا أنه في لامٍ وهذه
تقتضي المشابهة في جواب لو، {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا
لَمَثُوبَةٌ} [البقرة:103] الآية التي فيها {لمثوبة} هذا اسم وقع في
جواب لو، {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا} [الأنفال:23]، (تولوا)
هذا فعل ماضٍ، إذاً اتصلت أو دخلت اللام على الفعل الماضي في جواب لو،
كما دخلت في جواب لو على الاسم أيضاً {لمثوبة} {وَلَوْ أَنَّهُمْ
آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ}، إذاً {مثوبة} هذا وقع في جواب لو
التي هي اللام ومدخولها اسم، {لَتَوَلَّوْا} وقعت اللام في جواب لو
ومدخولها فعل ماضٍ. إذاً أشبه الفعل الماضي الاسم في اتصال اللام حال
كونها جواباً لـ (لو). كذلك يكون الفعل الماضي جارياً على حركات اسم
الفاعل وسكناته، فَرِحَ فَرِحٌ، أَشِرَ أَشِرٌ أليس كذلك؟ طَلبَ
طَلَبَاً، جَلَبَ جَلَبَاً. إذاً أفسد عليهم العلل الأربع، يعني هذا
يسمى بالنقد، يعني العلة وجدت، علة المشابهة مشابهة الفعل المضارع
بالاسم المقتضية للإعراب وجدت في الماضي، فلو كانت هي المقتضية للإعراب
في المضارع لكان الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً في الماضي، لكن لما
انتفى الحكم الذي هو الإعراب عن الماضي مع وجود المشابهة في الإبهام
.... الخ نقول: ليست العلة التي في المضارع هي العلة التي ثبتت في
الماضي؛ لأنها لو كانت هي بعينها لأُعرب الماضي كما أعرب الفعل
المضارع. إذاً ما هي العلة يا ابن مالك؟ قال: هو مشابهة الفعل المضارع
للاسم في أن كلاً منهما يطرأ عليه معانٍ مختلفة متعاقبة على صيغة
واحدة، هذه المعاني يحصل التمييز بينها بالإعراب، في الاسم لهم مثالهم
المشهور ما أحسنَ زيدٌ، ما أحسنَ زيداً، ما أحسنُ زيدٍ، هذه معانٍ ثلاث
تعاقبت على صيغة واحدة وبالحركات الذي هو الإعراب تغير المعنى، ما
أحسنُ زيدٍ هذا ما هو؟ استفهام، ما أحسنَ زيدٌ نفي، ما أحسنَ زيداً هذا
تعجب. إذاً التعجب والاستفهام والنفي هذه معانٍ متعاقبة على زيد، والذي
ميز ذا عن ذاك هو الإعراب، إذاً تعاقب المعاني وتوارد المعاني
التركيبية طبعاً لا توجد إفرادية هنا التركيبية على صيغة واحدة هذه
المعاني لا يفرق ولا يميز بينها إلا الإعراب موجودة في الفعل المضارع،
ومثالهم المشهور لا تأكل السمك وتشرب اللبن، لا تأكل السمك وتشربَ،
تشربُ، تشربِ، ثلاثة معانٍ لا يميز بعضها عن بعض إلا بالإعراب. إذا
قيل: لا تأكل السمك وتشربُ اللبنَ، ما المعنى؟ النهي عن أكل السمك ولك
شرب اللبن. لا تأكل السمك لوحده هذا المنهي عنه، ولك شرب اللبن. لا
تأكل السمك وتشربَ اللبنَ الجمع، إذاً لو أكلت السمك لوحده لا بأس، لو
شربت اللبن لوحده لا بأس. لا تأكل السمك وتشربِ اللبنَ هذا النهي عن
الاثنين مطلقاً، يعني سواء في حالة الاجتماع أو في حالة الإفراد.
هذه المعاني تشربُ تشربَ تشربِ هذه المعاني
التي استفيدت من هذا التركيب وهي صيغة واحدة معانٍ تركيبية لم يميز
بينها إلا الإعراب، أو بعبارة أدق نقول: حصل التمييز بينها بالإعراب،
لِمَ؟ لأن الإعراب أصل في الأسماء فرع في الأفعال، قالوا: الفرعية
والأصلية ثبتت هنا من جهة أن التميز بين المعاني المتعاقبة على الاسم
الواحد أو الصيغة الواحدة لا يحصل إلا بالإعراب، ولذلك كان الإعراب
أصلاً في الأسماء، لماذا؟ لأنه أشد احتياجاً إلى الإعراب من غيره،
والفعل المضارع لما كان يمكن أن يميز بين المعاني بغير الإعراب جُعل
الإعراب فيه فرعاً لا أصلاً، فإذا قلت: لا تأكل السمك وتشربِ اللبن،
إذا أردت النهي لك أن تقول: لا تأكل السمك ولا تشربِ اللبن، تظهر لا
الناهية، إذاً يمكن التمييز بين المعاني بإظهار الجازم لا تأكل السمك
ولا تشرب اللبن، لا تأكل السمك وتشربُ اللبن ترفع مباشرة، على أن الواو
هذه استئنافية أو تقول: ولكن لك شربُ اللبن، لا تأكل السمك وتشربَ، وأن
تشربَ اللبن، إذاً يمكن تمييز المعاني بإظهار الأدوات التي اقتضيت
الإعراب الخاص لذلك جعل فيه فرعاً، وفي المضارع جعل فرعاً لأنه يمكن
تمييزه بغير الإعراب، وجعل أصلاً في الأسماء لأنه لا يمكن تمييزها إلا
بالإعراب. هذه علة ابن مالك رحمه الله أن سبب تسمية أو إعراب الفعل
المضارع مشابهته للاسم في توارد المعاني، كما أن الأسماء تتوارد عليها
المعاني على صيغة واحدة لا تتميز أو يحصل التمييز بينها بالإعراب، كذلك
الفعل المضارع تتوارد عليه المعاني ولا تتميز ويحصل التمييز بينها
بالإعراب. أُورد على ابن مالك نُقضت علته قيل له: يقال: ما صام زيد
واعتكف، واعتكف هذا يحتمل، تتوارد عليه المعاني: ما صام زيدٌ وما
اعتكف، ما صام زيد ولكن اعتكف، ما صام زيد واعتكف يعني معتكفاً، الواو
واو الحال على تقدير قد، ما صام زيد وقد اعتكف. إذاً كل من العلتين
التي ذكرها ابن مالك رحمه الله والجمهور فيها أخذ ورد، ولكن الأصل في
مثل هذه إذا تضاربت العلل نقول: الأصل السماع، وإلا علة الجمهور منتقضة
بما انتقضها ابن مالك رحمه الله، وعلة ابن مالك أيضاً فيها نقض من جهة
ثبوتها في الفعل الماضي، ولكن نرجع إلى الأصل في التلقي وهو السماع، أن
العرب نطقت بالفعل المضارع معرباً ونطقت بالفعل الماضي والأمر مبنيين
على الأصل في البناء. (مضارعاً) إذاً عرفنا علة بناء أو علة تسمية
الفعل المضارع بالمضارع وهي العلة نفسها في إعرابه عند من قال بالعلتين
مفردتين.
مُضَارِعَاً سِمْ بِحُرُوْفِ نَأْتِي
حَيْثُ لِمَشْهُوْرِ المَعَانِي تَأْتِي
المضارع حده عندهم بعضهم يعلمه بالعلامة كما علمه ابن مالك رحمه الله:
......... ... فِعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِيْ لَمْ
هذه علامة مميزة له وهي كل ما وجدت (لم)
فما بعدها فعل مضارع من غير عكس، لِمَ؟ كل ما وجدت (لم) وجدها بعدها
الفعل المضارع من غير عكس؟ نقول: هذه علامة والعلامة تتطرد ولا تنعكس،
كل ما وجدت العلامة وجد المعَلَّم، ولا يلزم كل ما انتفت العلامة انتفى
المعَلَّم، يضرب زيد عمرًا ما وجدت العلامة وهي (لم)، هل نقول: يضرب
هذا ليس بفعل مضارع لأن (لم) لم توجد؟ نقول: لا، نقول: كل ما وجدت (لم)
فما بعدها فعل مضارع من غير عكس. هذه طريقة ابن مالك رحمه الله (فعل
مضارع يلي لم). جرى على هذا ابن هشام في قطر الندى ميزه بـ (لم)،
وبعضهم ميزه بأنه ما افتتح بأحد حروف نأيت التي ذكرها الناظم، لذلك
قال: (مضارعاً سم بحروف نأتي) (مضارعاً) يعني فعلاً مضارعاً، سمي به
النوع المخصوص من الفعل، (سم) أي عَلِّم وميز الفعل المضارع عن قسيميه
الماضي والأمر (بحروف نأتي) يعني بابتدائه بأحد (حروف نأتي) هذه أحرف
أربعة: النون والهمزة والتاء والياء، نأتي أو أنيت أو أتينا أو نأيت،
يعني جمعت في هذه وفي غيرها، وأحسنها أنيت بمعنى أدركت؛ لأن فيها تفاؤل
بحصول المطلوب، وأيضاً هي فعل ماضٍ وهي سابق على المضارع، وهي أولى،
أنيت بمعنى أدركت. أنيت أتينا نأيت، نأتي، والتي ذكرها الناظم نأتي،
إذاً إذا وجد في أول كل فعل حرف من هذه الحروف الأربعة فنحكم على الفعل
بأنه مضارع،
يُزَادُ فِي فِعْلٍ مُضَارِعٍ عَلَى ... مَاضِيهِ حَرْفٌ مِنْ
أَتَيْنَا أَوَّلا
(أولاً) هذا بيان لمحل زيادة الحرف، إذاً
يزاد في الفعل المضارع أحد حروف نأتي على ما ذكره الناظم، ليميز بينه
وبين الفعل الماضي، لأنه كما سبق أنه فرع عنه، كتب يكتب ما الفرق
بينهما من جهة اللفظ؟ حرف المضارعة، إذاً بزيادة حرف المضارعة على
الماضي انتقل من النوع الأول وهو الماضي إلى الفعل النوع الثاني وهو
المضارع؛ لذلك قيل: زيدت هذه الأحرف - وهي أحرف زائدة - زيدت للفرق بين
الماضي والمضارع، ولماذا جعلت في المضارع دون الماضي؟ قيل: لأن الماضي
أصل والمستقبل الذي هو المضارع فرع، وعدم الزيادة أصل والزيادة فرع،
فأعطي الأصل الأصل والفرع الفرع، أعطي الأصل - الذي هو الماضي - الأصل
- الذي هو عدم الزيادة - وأعطي الفرع - الذي هو المستقبل - الفرع -
الذي هو الزيادة -، ولك أن تقول: المستقبل بعد الماضي والزيادة بعد
التجرد فأعطي السابق السابق أو اللاحق اللاحق، كما ذكره صاحب المطلوب.
إذاً جعلت هذه الأحرف في الفعل المضارع لأنها فرع وهي زائدة والزائد
فرع عن المجرد، أيضاً هو مستقبل والماضي ماضي أصل باعتبار زمنه للفعل
المضارع، فأعطى الأصل الأصل والفرع الفرع. لم جعلت في أوله دون آخره؟
قيل: لئلا يلتبس بالفعل الماضي، لأنك لو زدت الألف في آخر الفعل نصر
مثلاً قلت: نصرا، التبس بالفعل الماضي الذي أسند إلى ألف الاثنين، نصرت
لو زدت التاء في آخره لالتبس بالفعل الماضي المسند إلى تاء الفاعل،
نصرن لو زدت النون في آخره لالتبس، الياء لا يلتبس ولكن حملاً على
أخواته. أورد على هذه الميزة أو العلامة التي تُعَلَّم بها الفعل
المضارع عن الماضي بأنها غير مطردة، يعني قد توجد ولا يوجد الفعل
المضارع، قيل: أكرم، هذا مبدوء بالهمزة هي همزة نأتي، ونصر النون، ويفع
ويتم هذه مبدوء بالتاء ويرنأ، وتعلم وتكلم هذه مبدوءة بالتاء، إذاً
وجدت الحروف ولم يوجد الحكم بالمضارع، إذاً هذا نقض للعلامة. أورد
الناظم قيداً لهذه الحروف فقال: (حيث) هذا قيد، إذاً ليست بإطلاقها،
(مضارعاً سم بحروف نأتي حيث) (حيث) هنا قيدية قيْد، يعني حروف نأتي
زائدة، لماذا؟ لأنها تدل على معنى، وإذا دلت على معنى فهي حروف معانٍ،
وإذا كانت حروف معانٍ فهي كلمات مستقلة بذاتها، إذاً هي زائدة على أصل
الكلمة، فنأخذ الحكم بالزيادة من كونها دالة على معنى، ثم هي دالة على
معنى، إذاً حروف نأتي التي جعلت علامة على الفعل المضارع في أوله ليست
مطلقاً، وإنما هي ذات المعاني المخصوصة، (حيث لمشهور المعاني) (لمشهور
المعاني) جار ومجرور متعلق بقوله: (تأتي) هي، أي حروف نأتي، (تأتي)
حروف نأتي (لمشهور المعاني) يعني للمعاني المشهورة من باب إضافة الصفة
إلى الموصوف، حيث تأتي للمعانٍ المشهورة، مشهورة هذا اسم مفعول من
شَهَرَهُ، ماهي هذه المعاني المشهورة؟ هذه صارت علماً بالغلبة كما نص
ياسين، نأتي وأتينا هذه إذا أطلقت في اصطلاح النحاة انصرفت إلى الأحرف
أحرف المضارعة الزائدة ذات المعاني المخصوصة، ولا تحتمل غيرها، فإذا
قال النحوي: إذا يُفتتح الفعل المضارع بأحد حروف نأيت، انصرف نأيت إلى
الحروف الزائدة ذات المعاني المخصوصة، ولا يحتمل الحروف المجردة التي
تكون في أول الفعل الماضي.
ما هي هذه المعاني؟ نأتي الأصل أتينا الأصل
الهمزة، لماذا؟ لأنها تكون للمتكلم وحده مطلقاً، سواء كان ذكراً أو
أنثى، تقول: أذهب، أذهب هذا فعل مضارع مبدوء بهمزة المتكلم الدالة على
المتكلم وحده وهو مذكر، أو تقول هند: أذهب، وهي أنثى فتكون دالة على
المتكلم المؤنث، أذهب الهمزة هذه زائدة لأن أصل المادة ذهب، والفرق بين
ذهب وأذهب الهمزة، زيادة الهمزة. ثانياً: دالة على معنى وهي أنها تدل
على المتكلم. إذاً الهمزة هذه حرف معنى وليست حرف مبني، أما أكرم
فالهمزة هذه حرف مبنى وليست حرف معنى، ففرق بين الموضعين. إذاً الهمزة
تكون للمتكلم وحده سواء كان ذكراً أو أنثى. نأتي، النون نقول: تكون
للمتكلم ومعه غيره، أو للمعظم نفسه إما ادعاءاً أو بحسب الواقع،
للمتكلم وحده أو للمتكلم ومعه غيره، هذا كأن يقول: ندرس أو نتدارس، هذه
النون تدل على المتكلم ومعه غيره، نكتب إذا كان حقيقة أن الجميع يكتب،
أو نأكل ونشرب هذه إذا كان الفعل واقعاً من الجميع كانت النون دالة على
المتكلم ومعه غيره، لماذا المتكلم ومعه غيره؟ لأن المتلفظ بالفعل واحد،
إذا قلت الآن: نحن نقرأ، والجميع يقرأ، المتكلم واحد والجميع يشملهم
الحكم من جهة الإخبار، فنحن نقرأ النون دلت على المتكلم ومعه غيره، أو
المعظم نفسه يعني ليس معه غيره وإنما من باب التعظيم، والتعظيم قد يكون
حقيقة وقد يكون ادعاءاً، حقيقة يعني بحسب الواقع {وَنُرِيدُ أَنْ
نَمُنَّ} [القصص:5] {نُرِيدُ} يعني الله عز وجل، النون هنا للتعظيم،
المعظم نفسه حقيقة مطابقاً للواقع، (ونريد أن نمن) النون هذه للمعظم
نفسه حقيقة، ادعاءاً كأن لا يكون معظماً أو عظيماً في نفسه، وإنما يدعي
العظمة، كأن يقول: نكتب وسنرفع وسنفتي وهلم جرا، نقول: هذا شخص واحد
ادعى، سنفتي يعني إذا لم يكن أهلاً للفتوى، يقول: هذا ليس أهلاً أن
يعظم نفسه؛ لأن هذه الأفعال بهذه الصورة بالنون تكون للتعظيم، فإذا
تلفظ بها من ليس أهلاً لها نقول: قد ادعى العظمة وليس عظيماً، وأورد
على الثاني هذا أنه من باب المجاز، يعني قيل: أنه مجاز، إذا أطلق من
باب التعظيم ادعاءًا فهو مجاز، من باب إطلاق الجماعة ما على الواحد،
ورد بأن المتكلم يتكلم ويعبر عن حدثه غالباً ومن معه، لماذا؟ لأن
العظيم في الغالب أن غيره أو أتباعه يشاركونه في الحدث، فإذا قال:
نكتب، من الذي أتى بالقلم؟ هو عظيم ما يأتي بالقلم، من الذي أتى له
بالورقة، من الذي سيرسل له؟ إذاً العمل مشترك ليس خاصاً، فإطلاقه هنا
من باب إطلاق الشيء على نفسه وعلى من شاركه في العمل. نأتي الياء تكون
للغائب المذكر مطلقاً، يعني سواء كان مفرداً أو مثنى أو جمعاً، زيد
يذهب، الزيدان يذهبان، الزيدون يذهبون، وتطلق أيضاً لجمع الغائبات
الهندات يقمن، إذاً الياء تكون للمذكر الغائب مطلقاً، سواء كان مفرداً
أو مثنى أو جمعاً، وتكون لجمع الغائبات. التاء تكون للمخاطب مطلقاً،
يعني سواء كان مذكراً أو مؤنثاً، مفرداً أو مثنى أو جمعاً، أنت تذهب،
وأنت تذهبين، والهندان وأنتما يا هندان تذهبان، وأنتما يا زيدان
تذهبان، وأنتم تذهبون، وأنتن تذهبن، وأيضاً يطلق على الغائبة
والغائبتين، هند تذهب هي، الهندان تذهبان.
إذاً الياء تكون للغائب المذكر مطلقاً
ولجمع الغائبات، والتاء تكون للمخاطب مطلقاً والغائبتين والغائبة. إذاً
هذه المعاني تضمنتها هذه الحروف التي زيدت في أول الكلمة، كلما وجدت
فعلاً ماضياً وأردت أن تنقله إلى الفعل المضارع زد عليه حرفاً من هذه
الحروف الأربعة. إذاً نقول في قوله: (بحروف نأتي) يعني بابتدائه بأحد
حروف نأتي، لأنه لا يصح أن يوصل الجميع بالفعل، نأتي لا، بواحد منها،
ويبقى الفعل الماضي على حاله، يعني لا ينقص منه حرف، ذهب يذهب، نصر
ننصر، قتل يقتل، خرج أخرج نخرج تخرج يخرج، يبقى الفعل على حاله كما هو
إلا في باب أفعل، قلنا هذا من أي أنواع الأبواب؟ الثلاثي المزيد بهمزة
قطع في أوله، المزيد الثلاثي قلنا: مزيد بحرف، مزيد بحرفين، مزيد
بثلاثة أحرف. المزيد بحرف واحد ثلاثة أبواب:
أَوَّلُهَا الرُّبَاعِ مِثْلُ أَكْرَمَا ... وَفَعَّلَ وَفَاعَلاَ
كَخَاصَمَا
أَفعَل، وفَعَّل وفاعَل. أفعل هذه إذا زيد عليه حرف من حروف المضارعة
تسقط الهمزة، هو الوحيد الذي يستثنى من باب الفعل الماضي، أنه إذا زيد
عليه حرف من حروف أتينا أو نأتي تسقط الهمزة، لِمَ؟ قيل: أول ما يسند
هو همزة المتكلم، أكرم هذا فعل ماضٍ، مبتدأ بهمزة قطع على وزن أفعل،
إذا أردت أن تسند الفعل إليك بهمزة المتكلم تقول: اُأَكرم؛ لأنه رباعي
يضم أوله، لأنه رباعي فيضم حرف المضارعة، أُأَكرم هنا اجتمع ثقيلان:
أولاً: الزيادة زيادتان. ثانياً: سبق تقرير أن الهمزة من حروف الحلق،
وحروف الحلق هذه فيها عسر وصعوبة من جهة النطق، يعني أعسر الحروف
مخارجاً أو مخرجاً، فإذا اجتمع همزتان مع كونهما زائدتين اجتمع ثقلان،
ثقل الزيادتين على أول الكلمة، وثقل كون الزيادتين حرفي حلق، الهمزة
لوحدها ثقيلة وكونها زائدة على الفعل فيه ثقل، وكون هذه الهمزة تتكرر
نقول: هذا زاد الفعل ثقلاً على ثقل، أرادوا التخفيف، لا يمكن إسقاط
الهمزتين، لماذا؟ لأن الحرف حرف المضارعة جيء به للدلالة على معنى، مع
أنه لو أُمكن أو أَمكن إسقاط الهمزتين لكان أولى؛ لأن الهمزة الواحدة
هي ثقيلة، فباجتماعها مع أختها ازدادت ثقلاً، جئنا للهمزة الأولى وهي
الطرف هل يمكن إسقاطها؟ لا يمكن؛ لأنها حرف معنى، والهمزة الثانية؟
أصلية، كيف أصلية وهنا نقول: من باب أفعل؟ زائدة، لكنها حرف مبني وليست
حرف معنى، لو أسقطت الهمزة الأولى لسقط ما يدل على الفعل المضارع فصار
فعلاً ماضياً؛ لأن الذي يميز المضارع عن ماضيه هو حرف المضارعة، فإذا
أُسقط سقطت المضارعية. إذاً لا يمكن إسقاط الهمزة الأولى، نلجأ إلى
الهمزة الثانية فنسقطها، لذلك نقول: أُكرم، والأصل أَكرم الهمزة
مفتوحة، خرج نخرج، أَكرم أُأَكرم، تقول: أَكرم أين الهمزة الثانية؟
سقطت تخفيفاً، طلباً للخفة، نكرم ويكرم وتكرم هنا ليس عندنا اجتماع
همزتين، قالوا: حملاً وطرداً للباب على الهمز،
وَرَفْضُهُمْ لِلْهَمْزِ فِي يُؤَفْعِلُ ... مِنْ حَذَرِ الْهَمْزِينِ
فِي أُأَفْعِلُ
إذاً (ورفضهم للهمز في يُؤَفْعِل) لم يؤفعل؟ (من حذر الهمزين في
أُأَفْعل)
فَخَفَّفُوْا الْجَمِيعَ كَيْ يَنْتَظِمَا ... وَشَذَّذُوْا أَهْلٌ
لِأَنْ يُؤَكْرَمَا
أبو حيان الفقعسي قال:
فِإِنَّهُ أَهْلٌ لِأَنَّ يُؤَكْرَمَا
(وشذَّذوا) يعني النحاة حكموا على (يؤكرم) بأنه شاذ، ما هو نوع الشاذ
هنا استعمالاً أو قياساً؟ استعمالاً لا قياساً؛ لأنه وافق القياس وهو
المحافظة على الحرف الأول من الفعل الماضي، هذا هو الأصل، أن يبقى
الحرف الأول كما هو، هذا القياس، ولكن (أُأَكرم) لما وجد الثقل في
الهمزتين أسقطت همزة الماضي وطردوا الباب كله على وتيرة واحدة، (ورفضهم
للهمز في يُؤَفْعِل) يؤفعل ليس عندنا همزتان،
وَرَفْضُهُمْ لِلْهَمْزِ فِي يُؤَفْعِلُ ... مِنْ حَذَرِ الْهَمْزِينِ
فِي أُأَفْعِلُ
فَخَفَّفُوْا الْجَمِيعَ كَيْ يَنْتَظِمَا
وَشَذَّذُوْا أَهْلٌ لِأَنْ يُؤَكْرَمَا
إذاً القاعدة: أن حرف المضارعة يزاد على الفعل الماضي ويبقى الفعل
الماضي على حاله، ولا يسقط منه إلا في باب أفعل، تسقط الهمزة، ويحمل
عليه اسم الفاعل واسم المفعول أَكرم أُكرم نُكرم، والأصل نؤكرم، يكرم
يؤكرم، تكرم، تؤكرم هذا هو الأصل، ولكن سقطت الهمزة حملاً على أُأَكرم.
واسم الفاعل كذلك مُكرِمٌ، والأصل مؤُكرِمٌ، اسم المفعول مكرَم، والأصل
مُؤَكْرَمٌ. هذا يدل على أن اسم الفاعل واسم المفعول أخوان للفعل
المضارع، يعني يجري عليهما من الأحكام ما يجري على الفعل المضارع هذا
هو الأصل، وإلا لماذا سقطت من مؤكرم ومُؤَكْرَم؟ نقول: حملاً على الفعل
المضارع الذي هو أصل لاسم الفاعل واسم المفعول.
مُضَارِعًا سِمْ بِحُرُوْفِ نَأْتِي ... حَيْثُ لِمَشْهُوْرِ
المَعَانِي تَأْتِي
إذاً إذا أطلق نأتي انصرفت إلى أحرف المضارعة، بفتح الراء مصدر ضارَع
يضارع مضارعة. سميت أحرف مضارعة لأن الفعل ضارع شابه الاسم بسبب
زيادتها، لذلك سميت أحرف مضارعة، وتسمى الزوائد لأنها من حروف
سألتمونيها،
مُضَارِعًا سِمْ بِحُرُوْفِ نَأْتِي ... حَيْثُ لِمَشْهُوْرِ
المَعَانِي تَأْتِي
إذاً هل يرد أكرم ويرفأ وتعلّم وتكلّم؟ نقول: لا يرد، لماذا؟ هذه
الحروف أصول وليست بزائدة، وحروف نأتي زائدة، هذه الحروف في أكرم ليست
كلها أصول بعضها أصول وبعضها زائد، تكلم ينع، نصر هذه النون أصلية،
ويَنَع الياء أصلية، أكرم الهمزة هذه زائدة، تكلّم تفعّل التاء زائدة،
إذاً قد تكون زائدة وقد تكون أصلية، إن كانت أصلية فالشرط عندنا أن
تكون زائدة، فانتفت، إن كانت زائدة فالشرط عندنا أن تكون زائدة دالة
على معنى خاص، وتلك زائدة لا تدل على معنى خاص، إذاً لا يرد على من
علّم الفعل المضارع بوجود حرف من حروف أنيت، وهي التي عنون لها في
الملحة هناك:
وَإِنْ وَجَدْتَ هَمْزَةً أَوْ تَاءَ ... أَوْ نُونَ جَمْعٍ مُخْبِرٍ
أَوْ يَاءَ
قَدْ أُلْحِقَتْ أَوَّلّ كُلِّ فِعْلِ ... فَإِنَّهُ الْمُضَارِعُ
الْمُسْتَعْلِي
كثير من النحاة يعلم الفعل المضارع بوجود حرف من حروف أنيت.
وَسِمْطُهَا الْحَاوِي لَهَا نَأَيْتُ ... فَاسْمَعْ وَعِ الْقَوْلَ
كَمَا وَعِيتُ
فَإِنْ بِمَعْلُوْمٍ فَفَتْحُهَا وَجَبْ ... إلاَّ الرُّبَاعِيْ غَيْرُ
ضَمٍّ مُجْتَنَبْ
الكلام مرتبط بعضه ببعض (فإن بمعلوم) بين
لك نأتي إذاً هذه حروف معنى، ما حركتها إذا زيدت؟ الأصل فيها أنها
ساكنة، إذا زيدت ما حركتها؟ قال: (فإن بمعلوم ففتحها وجب) (بمعلوم) هذا
جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر كان المحذوفة مع اسمها، يعني (فإن) كانت
حروف نأتي حالة (بمعلوم)، يعني بفعل (معلوم) (فإن بمعلوم ففتحها وجب)
(فإن بمعلوم) يعني (فإن) كانت حروف نأتي حالة (بمعلوم) يعني بفعل مضارع
معلوم، (معلوم) هذا اسم مفعول من عَلِم، فإن كانت حروف نأتي حالة
بمضارع معلوم، إذاً قسم لك الفعل المضارع إلى مبني للفاعل وإلى مبني
للمجهول كما سيذكره الناظم، كما قسم لك هناك الماضي (وبدء معلوم) ثم
قال: (وبدء مجهول)، إذاً إذا كان الفعل المضارع مبنياً للمعلوم (ففتحها
وجب) الفاء هذه واقعة في جواب الشرط في جواب (إن) (ففتحها) (فتح) هذا
مصدر مبتدأ مضاف إلى مفعوله، (وَجَبَ) (وجب) هذا فعل ماض مبني للمعلوم،
(وجب) الضمير يعود على الفتح، (ففتحها وجب) متى؟ إن كانت هذه الحروف
حروف نأتي حالّة بمضارع مبني للفاعل (فتحها وجب)، والجملة من المبتدأ
والخبر في محل جزم جواب (إن) جواب الشرط، (إن بمعلوم) الفاء هذه (فإن)
نقول: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، إن علمت أن الفعل
المضارع يوسم بحروف نأتي فما حركتها؟ إن أردت معرفة حركتها فأقول لك:
(إن) كانت حالّة (بمعلوم ففتحها وجب إلا الرباعي)، إذاً (ففتحها وجب)
نفهم منه أن الحكم عام سواء كان الفعل المضارع ثلاثي الأصل الماضي، أو
رباعي الأصل أو الرباعي بالزيادة، أو خماسياً أو سداسياً مطلقاً، كلما
وجدت حرفاً من حروف نأتي في فعل مضارع مبني للمعلوم (ففتحها وجب، إلا
الرباعي) والاستثناء معيار العموم، يعني ما سبق دخل فيه جميع أنواع
الفعل المضارع، (إلا الرباعي) (إلا) المضارع المعلوم (الرباعي)
بالتشديد وخففه للوزن، (إلا الرباعي) مطلقاً سواء كان رباعياً مجرد
الأصول، أو رباعيًا بالزيادة أو ملحقاً بالرباعي، يشمل ثلاثة أنواع؛
لأن الرباعي المجرد تلحق به ما ذكر من الأنواع الست، حوقل، ورهوك ..
الخ، (غير ضم مجتنب) إذا عرفنا أن ما عدا
الرباعي حكم حروف نأتي الفتح، ما حكم الرباعي إذا كان مفتتحاً بأحد
حروف نأتي؟ قال: (غير ضم مجتنب)، (غير) يعني شكل (غير ضم)، (غير) هذا
مبتدأ وهو مضاف و (ضم) مضاف إليه، (مجتنب) هذا اسم مفعول من اجتنب
يجتنب فهو مجتنب، والمراد به الترك، يعني عدم الاستعمال، (غير ضم)
متروك، مهمل، لا يستعمل، ما هو غير الضم؟ الفتح والكسر، لكن الكسر هنا
غير وارد، لماذا؟ لأنه بالاستقراء والنظر في أصول كلام النحاة أن غير
الضم هنا المراد به الفتح، إذاً ليس عندنا في حركة أول الفعل المضارع
الذي هو حروف نأتي في اللغة المشهورة، ليس عندنا إلا ضم الحرف الأول أو
فتحه، الرباعي يضم، غير الرباعي يفتح، لذلك نقول: (غير ضم) المراد به
الفتح بقرينة ما ذكر، وإلا اللفظ لو وقفنا معه هكذا بالتجريد نقول:
(غير ضم) يعني الكسر والفتح، إذاً يجتنب الكسر والفتح، نقول: لا،
المراد به المجتنب هنا الضم، إذاً إذا كان مبنياً لمعلوم يفتح حرف
المضارعة إن كان أصله ثلاثياً أو خماسياً أو سداسياً، وتحرك بالضم إن
كان رباعياً، سواء كان مجردا أو مزيدا، دحرج هذا رباعي الأصول تقول:
يُدحرج أُدحرج نُدحرج تُدحرج بضم حرف المضارعة، حوقل يُحوقل نُحوقل ...
الخ، تفعل في الملحق بالرباعي ما فعلته بالرباعي المجرد الأصول، أكرم
يُكرم نُكرم تُكرم أُكرم، دخل يَدخل، لِمَ؟ لأنه ثلاثي الأصول، يعني
بالنظر إلى الفعل الماضي، تقول: دخل يَدخل، نصر يَنصر، انطلق يَنطلق،
تكلّم يَتكلم، تَعلم يتعلم، استغفر يَستغفر. إذاً كل ما كان مبدوءاً
بحرف المضارعة نقول: الأصل فيه أنه يفتح إلا إذا كان رباعياً، (فإن
بمعلوم فتحها وجب إلا الرباعي (مطلقاً) غير ضم مجتنب، هذا حركة الحرف
الأول المبني للمعلوم.
ما قبل الآخر حركة العين، قال: (وما قبيل
الآخر اكسر أبدا) واكسر ما قبيل الآخر هذا التركيب، يعني والحرف الذي
استقر (قبيل الآخر)، (قبيل) هذا تصغير قبل، (ما) اسم موصول بمعنى الذي
في محل نصب مفعول به والعامل فيه (اكسر) اكسر ما، وقلنا: لابد من حل،
عند الحل حل المعنى لابد من التقدير، الحرف الذي استقر (قبيل)، (قبيل)
وقع صلة هنا ولا يمكن أن يكون هو الصلة، لماذا؟ لأنه لا تكون إلا جملة،
(قبيلَ) نقول: منصوب على الظرفية والعامل فيه محذوف، لابد أن يقدر جملة
فعلية، لابد أن يقدر فعلاً، إذاً والحرف الذي استقر (قبيل الآخر) يعني
(قبيل الآخر) المضارع المبني للمعلوم، (اكسر) يعني انطق به مكسوراً
(أبدا) دائماً، (من الذي على ثلاثة عدا) يعني متى تنطق به مكسوراً؟
قال: حال كون (ما قبيل الآخر) كائناً (من الذي) يعني من الفعل المضارع
المعلوم (الذي على ثلاثة) أحرف أو على أحرف (ثلاثة عدا)، يعني تجاوز،
ذهب يذهَب، إذاً يَذهَب ليس داخلاً معنا، لم؟ لأن الحكم هنا الذي يُكسر
ما قبل آخره ما كان أصله رباعياً فما زاد، الرباعي فما زاد في الأصل
وسيأتي استثناء من هذا في الأصل أنه يكسر ما قبل آخره، دَحرج، إذاً
أخرج الثلاثي ذهب وخرج تقول: يخرُج، ليس معنا، الرباعي فما زاد دحرج
يدحرِ هذا قبيل الآخر، الراء هو الذي قبيل الآخر، (اكسر أبدا) يدحرِج،
انطلق ينطلِق، (لِ) اللام قبل الآخر، إذاً قبيل الآخر الذي هو اللام
(اكسر أبدا)، (استخرج، يستخرِ) إذاً قبيل الآخر (اكسر أبدا)،
وَمَا قُبَيْلَ الآخِرِ اكْسِرْ أَبَدَا ... مِنَ الَّذِي عَلَى
ثَلاَثَةٍ عَدَا
يعني من الفعل المضارع المعلوم (الذي عدا) يعني تجاوز ثلاثة أحرف،
والمقصود به الرباعي والخماسي والسداسي، أما الثلاثي فذهب فيما سبق
(فالعين إن تفتح بماض ... ) الخ، هذا بيان للفعل الثلاثي.
فِيْمَا عَدَا مَا جَاءَ مِنْ تَفَعَّلاَ ... كَالآتِيْ مِنْ تَفَاعَلَ
اوْ تَفَعْلَلاَ
ما زاد على ثلاثة أحرف يكسر ما قبل آخره
إلا إن كان مبدوءاً بتاء، وهو في ثلاثة أبواب: (تَفَعَّلا)،
(تَفَاعَل)، (تَفُعْلَلَ). (تفعَّل) تكلم يتكلَّم، إذاً فتحت ما قبل
الآخر، تقول: (تفاعل) تقاتل يتقاتَل، بفتح ما قبل الآخر، (تفعلل) تدحرج
يتدحرج، الذي هو مزيد للرباعي مزيد الرباعي، تدحرج (تفعلل) هذا خماسي
مزيد على الرباعي. إذاً عرفنا أن القاعدة أن ما قبل الأخير يكسر أبداً،
إلا إذا كان الفعل الماضي الذي زيد عليه أحرف المضارعة مبدوءاً بالتاء
وهذا في ثلاثة أبواب. إذاً (من الذي على ثلاثة عدا) (وما قبيل الآخر
اكسر أبدا) اكسر الحرف الذي قبل الآخر مطلقاً، (من الذي على ثلاثة عدا)
هذا احترازاً من الفعل المضارع الذي ماضيه ثلاثي، إذاً الرباعي فما
زاد، مطلقاً؟ قال: لا، (فيما عدا) يعني هذا الحكم السابق في كل فعل زاد
على حروفه على ثلاثة أحرف، (عدا) سوى هذا استثناء، (عدا ما جاء من
تفعَّل)، (ما) يعني الفعل الذي جاء عن العرب وثبت عن العرب حال كونه
(من) باب (تفعّل) يعني مضعف العين من الخماسي المزيد على الثلاثي، فعّل
تفعّل كم حرف زيد؟ التاء وتضعيف العين، إذاً مضعف العين من الثلاثي
الذي زيد عليه حرفان، ويسمى المضعّف أيضاً، إذاً من باب تفعّل نحو
تكلّم يتكلّم، تعلّم يتعلّم، فالاستثناء هنا أيضاً يعلم حكمه بالمقابل؛
لأنه قال: (اكسر) (فيما عدا ما جاء من تفعل) ما حكمه؟ لا يكسر بل يفتح،
نعم، نأخذه بالمقابلة. (كالآتي) يعني كالمضارع المعلوم الوارد من باب
(تفاعل) الذي أصله ثلاثي وزيد عليه حرفان: التاء وألف المفاعلة، كتقاتل
وتعاظم يتعاظم، (أو) من باب (تفعللا) من الخماسي المزيد على الرباعي
بحرف واحد. إذاً القاعدة العامة في الفعل المضارع المبني للمعلوم له
جهتان: جهة الحرف الأول حرف المضارعة، وجهة الحرف الذي هو قبل الأخير،
الحرف الأول حرف المضارعة يفتح فيما عدا الرباعي، وما كان رباعياً فيضم
أوله، ما قبل الآخر نقول: الرباعي فما زاد يكسر هذا الأصل، إلا إذا كان
مبدوء بتاء، إلا إن كان مبدوءاً بتاء فحينئذٍ يفتح ما قبل آخره.
وَضُمَّهَا مِنْ أَصْلِهَا الرُّبَاعِي ... مِثْلُ يُجِيبُ مِنْ
أَجَابَ الدَّاعِي
وَمَا سِوَاهُ فَهِيَ مِنْهُ تُفْتَتَحْ ... وَلَا تُبَلْ أَخَفَّ
وَزْناً أَمْ رَجَحْ
ثم انتقل إلى بيان النوع الثاني وهو الفعل
المضارع المبني للمجهول، المبني للمجهول القاعدة العامة فيه قبل
الشروع: يضم أوله ويفتح ما قبل آخره، دحرج يدحرج يُدحرَج ضُمَّ أوله
والضمة هذه مستحدثة، ليست الضمة الأولى يُدحرَج، انطلق ينطلق يُنطلَق،
بضم حرف المضارعة وفتح الحرف الذي قبل آخره، استخرج يستخرج يُستخرَج،
لذلك قال: (وإن بمجهول) يعني وإن كانت حروف نأتي حالّة (بمجهول)،
(بمجهول) هذا متعلق بمحذوف خبر لكان المحذوفة مع اسمها، (بمجهول) يعني
(بـ) ـمضارع (مجهول) فاعله، وقلنا: الأولى أن يسمى مغير الصيغة، ولا
يقال (بمجهول)، لماذا؟ لأنه لا يحذف الفاعل أو ليست علة حذف الفاعل
الجهل، وإنما مختلف في الجهل هل هو غرض معنوي أو لفظي؟ فيه خلاف، وحذف
الفاعل إما يكون لغرض لفظي أو لغرض معنوي، إذاً وإن كانت هذه الحروف
حروف نأتي حالّة (بـ) ـمضارع (مجهول) فاعله اسم مفعول جهل (فضمها لزم)
(فضمها) الفاء هذه واقعة في جواب الشرط، (ضمها) هذا من إضافة المصدر
إلى مفعوله (ضم)، والهاء هنا يعود على أحرف المضارعة أحرف نأيت، (لزمْ)
(لزمَ) هذا فعل ماض مبني على الفتح مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل
بسكون الوقف، (لزمَ) هو، أي الضم، والجملة خبر المبتدأ، والمبتدأ وخبره
في محل جزم جواب الشرط. إذاً (وإن بمجهول فضمها) أي ضم حروف نأتي
(لزمَ) يعني وجب، يجب ضم حروف نأتي، (كفتح سابق الذي به اختتم) (كفتح)
الكاف هنا للتشبيه، شبّه لزوم الضم بلزوم فتح الحرف الذي قبل آخره،
(كفتح) (فتح) هذا مصدر مضاف لمفعوله، (كفتح) حرف (سابق) الحرف (الذي به
اختتم) يعني الذي اختتم به، المبني للمجهول الحرف الذي يسبقه يجب فتحه
ويلزم فتحه، هنا شبه اللزوم - لزوم الضم - بلزوم الفتح، أو لزوم الفتح
بلزوم الضم على العكس. إذاً (كفتح) حرفٍ (سابق) الحرف (الذي به اختتم)
الذي اختتم به، الجار والمجرور متعلق بـ (اختتم) وهو فعل ماضٍ مغير
الصيغة ونائبه يعود على المجهول. إذاً القاعدة أنه المبني للمجهول يضم
حرف المضارعة ويفتح ما قبل آخره. إذاً عندنا ثلاثة أبواب: مبني للمعلوم
يفتح أوله ويكسر ما قبل آخره، مبني للمعلوم يضم أوله ويكسر ما قبل
آخره، ومبني للمجهول يضم أوله ويفتح ما قبل آخره. هل هناك لبس بين
الأبواب الثلاثة؟ نقول: لا، لماذا؟ لأن ما كسر قبل آخره وضم أوله
يُكرِم يُدحرَج وجه الشبه في ضم الأول، وافترقا في أن المبني للمعلوم -
يكرِم - مكسور، والمبني للمجهول مفتوح ما قبل الآخر. إذاً لا التباس.
يَذهَب يُكرَم هل هناك لبس؟ لا، أين وجه الشبه؟ يُكرَم يَذهب كل منهما
فتح ما قبل آخره، ولكن الفرق بينهما أن يَذهب هذا مبني للمعلوم مفتوح
الأول، ويُكرَم هذا مضموم الأول، والمبني للمجهول يضم أوله ويفتح ما
قبل آخره، بضم أوله التبس بـ يُكرَم أو يُكرِم مبني للفاعل، لكن يميز
بينهما بأن المبني للمجهول مفتوح ما قبل الآخر، فلا يقع اللبس بين
الأبواب الثلاثة.
وَآخِرٌ لَهُ بِمُقْتَضَى العَمَلْ ... مِنْ رَّفْعٍ اوْ نَصْبٍ كَذَا
جَزْمٌ حَصَلْ
هنا استطرد وبين لك أن الحرف الأخير، لما
ذكر الحرف الأول والحرف الذي قبل الأخير ناسب أن يذكر الحرف الأخير،
(وآخر) يعني حرف (آخر) هذا مبتدأ، (آخر) اسم فاعل خلاف الأول، (له) هذا
جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لـ (آخر)، (آخر) نكرة وسوغ الابتداء به
كونه موصوفاً (له)، (وآخر) كائن (له)، (بمقتضى العمل) (بمقتضى) هذا جار
ومجرور متعلق بمحذوف خبر لـ (آخر)، (وآخر) كائن (له) كائن (بمقتضى)،
(بمقتضى) هذا اسم مفعول اقتضى يقتضي فهو مُقْتَضى، وهو مضاف و (العمل)
مضاف إليه والإضافة هنا للبيان، (العمل) ما معنى (العمل) بمقتضى العمل؟
يعني ما يطلبه العامل، العامل قد يطلب فاعلاً، قد يطلب مفعولاً به، قد
يطلب اسماً مجروراً، لذلك بعضهم يحده العمل ما يحدثه العامل وتختلف
بسببه أحوال آخر المعرَب. فإن ركب مع عامل يقتضي الرفع رفع، وإن ركب مع
عامل يقتضي النصب نصب، وإن ركب مع عامل يقتضي الجزم جزم. وهنا نقول:
الجزم؛ لأن الكلام في الفعل. (وآخر له بمقتضى العمل) فسر هذا (العمل)
يعني حال كونه (من رفع) بين لنا (العمل) المجمل في قوله: (بمقتضى العمل
من رفع)، إذاً آخر الفعل المضارع قد يكون مرفوعاً إذا اقتضى العامل عمل
الرفع، والرفع يكون بحركة أو حرف، حركة متى؟ إذا لم يكن من الأفعال
الخمسة، إذا لم يكن من الأمثلة الخمسة يكون رفعه بحركة ظاهرة أو مقدرة،
يخشى يضرب، تقول: هنا حركة ضمة ظاهرة في يضربُ وحركة وهي ضمة في يخشى،
يضربان تقول مرفوع ورفعه بالنون، (أو نصب) يعني إذا ركب مع عامل يقتضي
النصب، والنواصب أربعة: أن ولن وكي وإذن، وما عداها فهو منصوب بأن
مضمرة إما وجوباً أو جوازاً، والنصب أيضاً يكون بحركة ظاهرة أو مقدرة،
وقد يكون بحذف حرف.، ظاهرة أو مقدرة لن يضربَ، لن تدعوَ، لن يرميَ، أو
مقدرة لن يرميَ ظاهرة، مقدرة لن يخشى نقول: الفتحة هنا مقدرة، لن يضرب،
{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة:24]، تفعلون حذفت
النون لدخول الناصب، (كذا جزم) (كذا) أي مثل المذكور من الرفع والنصب
في الكون من العمل خبر مقدم متعلق بمحذوف، (جزم) هذا مبتدأ مؤخر، (جزم)
بحذف حركة أو حرف، حذف حركة (لم يلدْ) حذفت الحركة، حذف حرف لم يدعُ،
لم يرمِ، لم يخشَ، {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} حذفت النون للجازم. هذا
بيان للفعل المضارع المعرب، والفعل المضارع نقول: يعرب ويبني، إذاً له
حالان: حالة إعراب وحالة بناء. يعرب وله ثلاثة أحوال: أن يكون مرفوعاً
أو منصوباً أو مجزوماً. ويبنى في حالتين: إذا اتصل به نون الإناث فيبنى
معها على السكون، ويبنى على الفتح إذا اتصل به نون التوكيد الخفيفة أو
الثقيلة، وهذا فيه خلاف، وسبق بيانه مفصلاً في شرح الملحة، فلا نعيد
وإنما ذكره الناظم هنا استطراداً، وإلا ليس مبحث الصرفيين في الحرف
الأخير كما سبق. نقف على هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
|