شرح نظم المقصود عناصر الدرس
* الحالات التي نحكم فيها على الفعل أنه لازم.
* بيان الخماسي والسداسي أنه لازم إلا ما استثني منهما.
* معان همزة إفعال.
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد
ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله،
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .. أما بعد: فلا زال
الحديث في بيان الفوائد التي عنون لها الناظم رحمه الله تعالى بقوله:
(فصل في فوائد)، وهذه الفوائد كما سبق أنها متممة للأبواب السابقة،
جميع المسائل التي سبق ذكرها تحتاج إلى تتميم من نواحٍ متعددة فذكر هذا
الفصل إتماماً لما سبق، ومما سبق أنه ذكر الفعل وأطلق الفعل، والفعل قد
يكون متعدياً وقد يكون لازماً، وذكر في أول هذا الفصل الفعل اللازم بم
يكون، وذكرنا مقدمة له وهو معرفة الفعل المتعدي من اللازم، متى نحكم
على الفعل المتعدي أنه متعدٍ، ومتى نحكم على الفعل اللازم أنه لازم؟ أو
متى نحكم على الفعل أنه متعدٍ؟ ومتى نحكم على الفعل أنه لازم؟ هو عنون
بمسألة: وهي هل يمكن أن يُعدَّى اللازم أم أن اللازم لا يكون إلا
لازماً؟ قال: لا، يعدى وذكر ما يعدى به الثلاثي وما يعدى به غير
الثلاثي، الثلاثي محصور في ثلاث: بالتضعيف والهمز وحرف الجر، هذا مشترك
بين الثلاثي وغيره وغير الثلاثي هذا محصور في حرف الجر، إذاً لا يعدى
إلا بحرف الجر،
وَعَدِّ لَازِماً بِحَرْفِ جَرِّ ... وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ
لِلْمُنْجِرِّ
نَقْلاً ..................... ... ..........................
بالهَمْزِ وَالتَّضْعِيْفِ عَدِّ مَالَزِمْ ... وَحَرْفِ جَرٍّ إِنْ
ثُلاَثِيًّا وُسِمْ
هذه ثلاثة أمور يعدى بها الفعل الثلاثي، ثم
قال: (وَغَيْرُه عَدِّ) أي عدِّ غيره غير الثلاثي، أي صير الفعل اللازم
غير الثلاثي سواء كان رباعياً أو خماسياً أو سداسياً (بما تأخرا) يعني
بالحرف الذي تأخر ذكره في البيت السابق، أو بالذي تأخر ذكره في البيت
السابق وهو قوله: (وحرف جرٍّ)، (وإن حذفتها) أي أسباب التعدية الثلاث
السابقة: الهمز والتضعيف وحرف الجر (فلازماً يُرى)، يعني يرجع إلى أصله
فيكون لازماً؛ لأن هذه زوائد، الهمز زائدة على أصله، وأصله ثلاثي
كَرُمَ زيدت عليه الهمزة همزة التعدية أو همزة النقل فصار أَكْرَمَ،
إذا جردته من الهمزة صار كَرُمَ، إذاً كَرُمَ زدت عليه الهمزة صار
متعدياً، احذف الهمزة رجع لازماً، (وإن حذفتها فلازماً يُرى)، كذلك
التضعيف خَرَج زيدٌ هذا لازم، ضعِّف العين خَرَّجْتُ زيداً إذاً صار
متعدياً، احذف التضعيف رجع إلى أصله خَرَجَ زيدٌ، حرف الجر تقول: ذهبت
بزيدٍ، هذا التعدي هنا ما نوعه؟ بحرف جر، ولكن هل هو التعدي الاصطلاحي؟
نقول: لا، هذا التعدي بالمعنى الثاني وهو كون المعنى يتعدى إلى مدخول
حرف الجر، ولذلك يقال: سميت حروف الجر حروفَ الجر لِمَ؟ لأنها تجر
معاني الأفعال إلى الأسماء، هذه وظيفتها هذا الأصل فيها حروف الجر،
أنها تجر معاني الأفعال إلى الأسماء، متى؟ أيّ معنى؟ إذا كان لا يتعدى
بنفسه، إما إذا تعدى بنفسه فلا نحتاج إلى واسطة، فإنما يتعدى بنفسه
يعني يتجاوز الحدث الفاعل فيسقط على المفعول، ولذلك المتعدي يسمى
واقعاً ويسمى مجاوزاً، لِمَ سمي واقعاً؟ لأنه يقع على المفعول به،
ضَرَبَ زيدٌ عمراً عمراً وقع عليه الضرب، إذاً ضَرَبَ هذا يسمى واقعاً؛
لأن الحدث وقع على المفعول به، كذلك يسمى مجاوزاً، لِمَ؟ لأنه تجاوز
الفاعل ووقع على المفعول به، إذاً حروف الجر هذه كلها وإن كان اشتهر أن
الباء تكون للتعدية بهذا المعنى الخاص ليست التعدية التي إذا أطلقت
التي هي الاصطلاحية التي إذا أطلقت صارت أو كانت مقابلة للازم، نقول:
وَلَازِمٌ غَيْرُ الْمُعَدَّى ...... ... ........................
هكذا قابل بينهما ابن مالك رحمه الله، ما
المقصود (ولازم غير المعدى) هنا؟ غير المعدى بنفسه وضعاً، أما الذي
يتعدى بواسطة هذا في الأصل أنه لازم، والتعدي هذا فرع وليس أصلاً فيه،
لذلك خَرَجَ هل هو لازم أو متعدي؟ لازم، وتقول: أَخْرَجْتُ زيداً هذا
متعدي، خَرَّجْتُ زيداً هذا متعدي، تقول: التعدي هنا ليس التعدي وضعاً،
بمعنى أن العرب وضعت هذا الفعل ليتجاوز الفاعل فيقع على المفعول به،
ضَرَبَ تقول: هذا فعل متعدٍ وضعاً، لِمَ؟ لكون العرب وضعت أو الواضع
لكون الواضع وضع ضَرَبَ متعدياً بنفسه بدون واسطة لا بهمزٍ ولا بتضعيفٍ
ولا بحرف جر، فيقع الأثر أو يتجاوز الأثر الفاعل فيقع على المفعول به،
إذاً نقول: (ولازم غير المعدَّى) أن المعدى المراد به هنا المتعدي
بنفسه وضعاً، هذا المعنى الاصطلاحي الخاص الذي إذا أطلق انصرف إليه،
يعني في اصطلاح النحاة، إذا أطلق هذا اللفظ إذا قيل: فعل متعدٍ، فالأصل
أنه ينصرف إلى الفعل الذي تعدى بنفسه وضعاً، أما الذي الأصل فيه أنه
فعل لازم فعدِّيَ بوسيلة أو واسطة كالهمز والتضعيف وحرف جر هذا يسمى
متعدياً بالمعنى الثاني الذي ذكرناه في الدرس السابق. إذاً قوله: (وإن
حذفتها) أي الأسباب أسباب التعدية الثلاثة (فلازماً يُرى)، لِمَ
(لازماً يرى)؟ لأنه هو الأصل فيه، خَرَجَ الأصل فيه أنه لازم، فإذا
قلت: أَخْرَجْتُهُ، عدّيتَهُ جعلته متعدياً هل هو متعدٍ بنفسه؟ نقول:
لا، إنما تعدى بواسطة، فإذا حذفت هذه الواسطة رجع إلى أصله،
وَغَيْرُه عَدِّ بِمَا تَأَخَّرَا ... وَإِنْ حَذَفْتَهَا فَلاَزِمًا
يُرَى
ثم ذَكَرَ بعد ذلك مسألة تتعلق بهذه المسألة، وهي متى نحكم على الفعل
أنه لازم؟ متى نقول: هذا الفعل لازم؟ قلنا: هذا ينظر فيه من جهتين:
الجهة الأولى: من حيث معنى الفعل، يعني ننظر إلى المعنى، وذكرنا أن له
ثمانية معانٍ، إن دلَّ الفعل على معنى واحدٍ من هذه المعاني فنقول: هو
فعل لازم دون أن ننظر إلى الصيغة، هذه الحالة الأولى، يعني متى نحكم
على الفعل أنه لازم؟ نقول: ننظر في المعنى، فإن دلَّ على واحد من هذه
المعاني الثمانية ابن مالك رحمه الله نظم أشهرها:
وَلَازِمٌ غَيْرُ الْمُعَدَّى وَحُتِمْ ... لُزُومُ أَفْعَالِ
السَّجَايَا كَنَهِمْ
كَذَا افْعَلَلَّ وَالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا ... وَمَا اقْتَضَى
نَظَافَةً أَوْ دَنَسَا
أَوْ عَرَضًا أَوْ طَاوَعَ الْمُعَدَّى ... لِوَاحِدٍ كَمَدَّهُ
فَامْتَدَا
هذه أهم ما يذكر في هذا الباب، يعني إما أن
يدل على سجيَّة، ما معنى سجيَّة؟ يعني طبيعة، من الأمثلة تقول: جَبُنَ
وشَجُعَ هذه سجايا، يعني طبيعة صفة لازمة في موصوفها، إن دلَّ الفعل من
جهة المعنى على صفة لازمة نقول: هذا فعل لازم، بقطع النظر عن الصيغة،
ولذلك بعضهم يقيد يقول: هذا كل فعل كان على زنة فَعُلَ، لكن هذا قلنا:
فيه هو الكثير، يعني يمكن أن يحمل قولهم على أنه الغالب والكثير فيه
إذا أطلق كان من باب فَعُلَ الثلاثي، ولذلك الغالب في هذه المعاني أن
تكون في الثلاثي المجرد، أما الرباعي والخماسي والسداسي فالغالب أنه
ينظر فيه من جهة الصيغة، وهو الذي ذكره الناظم، فالمعاني الثمانية
الأكثر فيها أن تكون في الثلاثي المجرد، فقلنا: إذا دلَّ الفعل على
سجيَّة أو طبيعة فنحكم على الفعل أنه لازم، يعني لا يتعدى أثرَه لا
يتعدى فاعلَه، لأن المقصود بالفعل اللازم هو حصول الحدث من الفاعل، هذه
الدلالة فقط، ما دلالة الفعل اللازم إذا قلت مثلاً فعلٌ لازم على أي
شيء يدل؟ لِمَ يستخدم المتكلم الفعل اللازم؟ نقول: إذا أراد أن يدل على
أن الحدث اتصف به الفاعل فقط دون غيره نقول: هذا يستعمل له الفعل
اللازم، لذلك يسمى القاصر، لم؟ لأنه قَصُرَ على فاعله ولم يتجاوز إلى
مفعول يقع عليه، جَلَسَ زيدٌ وصفت زيداً بالجلوس، إذاً وقع الجلوس من
زيد هذا المقصود من الكلام، أنك وصفت الفاعل بوقوع الحدث منه، مع كون
هذا الفاعل قد يتعدى من جهة المعنى، لكن المقصود الأصلي هو الأول وصف
زيد بإيقاع الجلوس منه، خَرَجَ عمروٌ يقال فيه ما قيل في الأول، إذاً
ما دلَّ على سجيَّة فالأكثر فيه أن يكون من باب فَعُلَ، ومثال ابن مالك
رحمه الله يستدل به الشراح على أن ما دلَّ على السجيَّة قد يكون من غير
باب فَعُلَ بضم العين، ونص على ذلك الخضري في حاشيته على ابن عقيل، هو
قال:
وَلَازِمٌ غَيْرُ الْمُعَدَّى وَحُتِمْ ... لُزُومُ أَفْعَالِ
السَّجَايَا كَنَهِمْ
(نَهِمَ) على وزن فَعِلَ وهو مثل له بلزوم
أفعال السجايا، إذاً ما دلَّ على سجيَّة وصفة لازمة قد يكون من باب
فَعِلَ، هذا أكثر ما يكون في الفعل الثلاثي، لم؟ لأن الفعل ثلاثة أنواع
أو ثلاثة أبنية المجرد الثلاثي: فَعَلَ فَعِلَ فَعُلَ، القسم الثالث
كلُّه لازم، وما جاء منه متعدياً أو معدى فنقول: إما أنه على الحذف
والإيصال، وإما أنه شاذ، أو أنه ضُمِّنَ معنى فعل متعدٍ، رَحُبَتْكَ
الدارُ هذا الذي سمع، رَحُبَتْكَ الدارُ رَحُبَتَ على وزن فَعُلَ،
وقلنا: الأصل في باب فَعُلَ أنه لازم غير متعدٍ، فكيف نصب هنا؟
رَحُبَتْكَ، الدار فاعل، رَحُبَتْ هذا الفعل الدارُ، والكاف هذا ضمير
متصل في محل نصب مفعول به، إذاً تعدى فكيف نقول: باب فَعُلَ لا يكون
متعدياً؟ نقول: هذا يجاب عنه إما إنه شاذ، يعني يحفظ ولا يقاس عليه،
فيقال: باب فَعُلَ كله لازم وما تعدى فهو شاذ، وإما أن نقول: إنه لازم
ضُمِّنَ معنى فعل متعدٍ، لِمَ؟ لأنه كما أن اللازم يتعدى بوسيلة كالهمز
والتضعيف وحرف الجر كذلك قد يكون المتعدي لازماً من جهة المعنى، يعني
الأصل في الفعل اللازم أنه لازم لا ينصب، لكن قد ينصب، متى؟ قد يتعدى
إذا دخلت عليه همزة التعدية أو التضعيف أو حرف جر، وذكرنا من الوسائل
التضمين أن يُضمن الفعل اللازم معنى فعل متعدٍ فيتعدى كما تعدى الأصل،
ومثله رَحُبَتْكَ الدارُ أي وَسِعَتْكَ، وَسِعَ هذا يتعدى بنفسه،
فضَمَّن رَحُبَ معنى وَسِعَ وهذا جواب أنه عُدِّي هنا من أجل تضمينه
معنى فعل عدِّي الفعل اللازم هنا من أجل تضمينه معنى فعل متعدٍ، ولذلك
عُدِّي، طَلُعَ بشر اليمن، طَلُعَ هذا على وزن فَعُلَ والأصل أنه لا
يتعدى، كيف اليمنَ نقول: مفعول به لطَلُعَ، نقول: ضُمِّنَ طَلُعَ معنى
بَلَغَ، كما أن القضية عكسية أيضاً، قد يكون الأصل في الفعل أنه متعدي
فيضمن معنى فعل لازم فيقتصر على الفاعل ولا ينصب مفعولاً، يمثل له
الصرفيون بقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ
أَمْرِهِ} [النور:63] (فليحذر الذي يخالفون) تقول: خالف زيدٌ عمراً،
إذاً يتعدى بنفسه لا يتعدى بحرف الجر، وهنا في الآية (فليحذر الذين
يخالفون عن أمره) عدّي بحرف الجر، ولم يقل: يخالفون أمرَهُ؟ فالجواب:
أن هذا الفعل المتعدي ضُمِّنَ معنى فعل لازم فاقتصر كأصله، يعني اقتصر
على التعدي بحرف الجر كأصله، وهنا قيل: أنه ضُمِّنَ معنى يخرجون أو
يُعْرضون، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} أي
يخرجون عن أمره، أو {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ
أَمْرِهِ} أي يعرضون عن أمره، فمعناه معنى الفعل اللازم، يعني ضُمِّن
(يخالفون) معنى أعرض، وأعرض يتعدى بعن، إذاً قد يضمن الفعل المتعدي
معنى فعل لازم فيقف عند الفاعل، وقد يضمن الفعل اللازم معنى فعل متعدٍ
فينصب مفعولاً كما في رَحُبَتْكَ الدار.
إذاً الأصل في باب فَعُلَ أنه لازم ولا
يتعدى، وما سمع أنه متعدٍ لابد من الجواب، إما بالشذوذ وإما على
التضمين أنه في الأصل لازم وضمن بوسيلة ما أو أنه عدي بوسيلة ما؛ كما
يعدى الفعل اللازم في أصله، أو تقول في مثل هذا المثال: أنه على الحذف
والإيصال، رَحُبَتْكَ الدار، على أصله أنه لازم، وإنما حصل ماذا؟ حذف
وإيصال، وأصل التركيب رَحُبَتْ بك الدار، حذف حرف الجر واتصل الضمير
بالفعل، إذاً هل هو منصوب به لفظاً هل تعدى إليه الفعل مباشرة؟ نقول:
لا، إن الحذف والإيصال هذا أسلوب من أساليب اللغة يراد به الاختصار،
أما فَعَلَ وفَعِلَ هذا منه ما هو متعدي ومنه ما هو لازم، واللزوم في
باب فَعَلَ أقل من اللزوم في باب فَعِلَ، وإن شئت فاعكس اللزوم في باب
فَعِلَ أكثر من اللزوم في باب فَعَلَ، أما فَعُلَ فكله لازم. إذاً
الأمور الثمانية التي أخذناها في الدرس الماضي نقول: هذه في الأصل أنه
ينظر في الفعل الثلاثي المجرد، أما الرباعي فينظر فيه من الجهة الثانية
التي يثبت بها أن الفعل لازم، قلنا: ما دليل أن الفعل لازم؟ له جهتان:
إما من جهة المعنى إذا دلَّ على واحد من الأمور الثمانية السابقة، وإما
من جهة الصيغة يعني البنية والوزن، فهذا ما كان من الثلاثي يختص
بفَعُلَ، كلما رأيت فَعُلَ فهو لازم، كلما مرت بك كلمة فعل ماضي على
زنة فَعُلَ فاحكم عليها أنها فعل لازم، لِمَ؟ لأنك نظرت إلى الصيغة،
لكن هل تستطيع أن تحكم على فَعَلَ أو فَعِلَ من جهة الوزن؟ الجواب لا،
لِمَ؟ لأنه مشترك بين اللزوم والتعدي، لذلك بعضهم يقول: الفعل من جهة
دلالته على اللزوم والتعدي قد يكون لازماً فقط، وقد يكون متعدياً فقط،
وقد يكون مشتركاً بين اللزوم والتعدي، قال: (وغالب الرباع) هذا شروع
منه في بيان الدليل الثاني على أن الفعل لازم لا متعدٍ، وهو من جهة
الصيغة،
وَغَالِبَ الرُّبَاعِ عَدِّ مَا عَدَا ... فَعْلَلَ فَاعْكِسنْ
كَدَرْبَخَ اهْتَدَى
(وغالب الرباع) (وغالبَ) قلنا: هذا اسم
فاعل على زنة فاعل من غَلَبَ، اسم فاعل غَلَبَ فهو غالب يعني كَثُرَ،
(وغالبَ الرباع عدِّ) (وغالب الرباع) أي أكثرَ أفراد الفعل (الرباع
عدِّ)، (غالبَ) أي أكثرَ أفراد الفعل (الرباع)، (غالب الرباع) قلنا:
هذا مفعول به لـ (عدِّ) متقدم عليه، ويجوز الرفع إلا أن النصب أولى
وأرجح، لِمَ؟ لأننا لو رفعنا لجعلناه مبتدأ، وجملة (عدِّ) هذا خبر، أين
مفعوله؟ لابد من التقدير، وإذا جعلت (غالب) مفعولاً به و (عدِّ) هو
العامل سلمنا من التقدير، وعدم التقدير أولى من التقدير، لذلك نقول:
يجوز الوجهان والنصب أرجح، (وغالبَ الرباع)، (الرباع) هذه نسبة إلى
أربعة، (رباعِ) أين الياء؟ محذوفة، لِمَ؟ للوزن، حذفت الياء ياء النسب
الأصل الرباعِيُّ، حذفت الياء هنا من أجل الوزن، (وغالبَ) الفعل
(الرباع)، يعني (وغالب) أفراد الفعل (الرباع عدِّ)، (عدِّ) أي صيره
متعدياً أو احكم عليه بأنه متعدٍ، (عدِّ) قلنا: لابد من صلة، (عدِّ)
إلى ماذا؟ إلى المفعول به، إذاً حُذفت الصلة هنا الذي هو الجار
والمجرور للعلم به، (عدِّ) نقول: أي (غالب الرباع) عدِّه إلى المفعول
به، (ما عدا فعلل) كل فعل رباعي الأصل فيه أنه متعدٍ، سواء كان فعلاً
رباعياً مجرداً أو فعلاً رباعياً مزيداً على أو ثلاثياً مزيداً بحرف أو
ملحقاً بالرباعي هذا الأصل فيه، إذاً القاعدة عامة، (وغالب الرباع) أل
هذه للعموم، إذاً كل رباعي الأصل فيه التعدي، سواء كان رباعياً مجرداً
أو ثلاثياً مزيداً بحرف فصار أربعة أحرف أو رباعيا ملحقاً بالرباعي
الذي هو فوعل وأخواته، (ما عدا فَعْلَلَ) (ما) اسم موصول بمعنى الذي
مبتدأ، (عدا) جملة الصلة، (فَعْلَلَ) أي (ما عدا) الذي (ماعدا) فعلاً
موازناً (فَعْلَلَ)، (وغالب الرباع عدِّ) استثنى نوعاً واحداً مما كان
موازناً لـ (فَعْلَلَ)، (ما عدا) فعلاً موازناً (فَعْلَلَ)، ما حكمه؟
قال: (فاعكسن)، الفاء هذه واقعة في جواب المبتدأ؛ لأن المبتدأ إذا كان
من صيغ العموم أو فيه معنى العموم جاز اتصال الفاء بالخبر، (فاعكسن)
هذا أمر من العكس، يعني فخالفن الحكم المتقدم، ما هو الحكم المتقدم؟
التعدية، إذاً باب فَعْلَلَ قال: اعكس الحكم المتقدم وهو أن الأصل في
الفعل الرباعي التعدي، والقسمة ثنائية ليس عندنا عكس التعدي إلا أن
نحكم عليه بأنه لازم (ولازم غير المعدَّى)، يقابل اللازم المتعدي،
يقابل المتعدي اللازم، إذا أُثبت أحدهما انتفى الآخر، إذا حُكم بأحدهما
على الآخر انتفى الثاني، إذاً (ما عدا فَعْلَلَ فاعكسن) أي خالفن فيه
الحكم المتقدم وهو التعدية، واحكم له باللزوم، إذاً كل أفراد الفعل
الرباعي نقول: هو متعدٍ، إلا ما كان على زنة فَعْلَلَ فالأصل فيه أنه
لازمٌ، (كدربخ اهتدى) (كدربخ) هذا مثال لما كان على زنة فَعْلَلَ وهو
لازم، دربخ ودربج يقال: دربخ ودربج وكلاهما لازم، إلا أن الأصل المقصود
الذي هو النثر مثَّل بدربخ، فعليه نقول: الأولى أن يضبط بدربخ، وخاصة
أنه زاد عليه من جهة الناظم (اهتدى)، (اهتدى) هذا جملة تفسيرية،
(كدربخ) دربج بالجيم: لَانَ بعد صعوبة هكذا في القاموس، لان بعد صعوبة،
دربج زيدٌ هذا فعل لازم وهو على وزن
فَعْلَلَ إذاً يجوز التمثيل بدربج، لكن
نقول: دربخ بالخاء أولى، دربخ بالخاء نقول: دربخت الحمامة لذكرها
طاوعته للسفاد، هكذا في القاموس، ودربخ الرجلُ طأطأ رأسه وبسط ظهره
وتذلَّل وخضع، لذلك فسَّرها بقوله: (اهتدى) لأنه إذا طأطأ اهتدى، هنا
على حذف حرف التفسير (كدربخ) أي (اهتدى)، فدلَّ على أن مراد الناظم
دربخ وليس دربج. إذاً الفائدة التي نأخذها من هذا البيت أن غالب أفراد
الفعل الرباعي ماذا؟ متعدٍ، إلا بابَ فَعْلَلَ فالعكس الذي هو الحكم
باللزوم هو الثابت، مثاله (دربخ)، الكاف هذه تسمى تمثيلية ليست
استقصائية، (كدربخ) (دربخ) هذا فعل ماضٍ، كيف دخلت عليه الكاف وهي حرف
جر؟ قصد لفظه، إذاً صارت علما صارت اسماً، (كدربخ) تقول: الكاف حرف جر
و (دربخ) هذا اسم مجرور بالكاف، وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من
ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية، ولك أن تقول: (كدربخ) - داخلة على
– (كـ) قولك: (دربخ)، فيكون (دربخ) هذا مقول لقولٍ محذوف مقدر، وتعرب
(كدربخ) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، (كدربخ) تقول:
الكاف ومدخولها سواء كان المدخول الملفوظ (دربخ) على أنه اسم، أو على
المحذوف تقول: الكاف حرف جر متعلقة بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف تقديره:
وذلك (كدربخ) أي (اهتدى). ثم شرع في بيان الخماسي فقال:
كُل ُّ الخُمَاسِي لاَزِمٌ إِلاَّ افْتَعَلْ ... تَفَعَّلَ اوْ
تَفَاعَلاَ قَدِ احْتَمَلْ
(كل الخماسي) كل هذه من ألفاظ العموم،
صِيَغُهُ كُلٌّ أَوِ الْجَمِيعُ ... وَقَدْ تَلَا الَّذِي التِّي
الْفُرُوعُ
(كل الخماسي) (كل) مبتدأ و (الخماسي)
بإسكان الياء من أجل الوزن، والأصل فيها أنها مشددة؛ لأنها ياء النسب،
(كل الخماسي) أي كل أفراد الفعل الخماسيِّ (لازمٌ)، (لازم) هذا اسم
فاعل من لَزِمَ، (الخماسي) المراد به هنا هل نقول: الخماسي المجرد؟ ليس
عندنا خماسياً مجرداً في الأفعال، إنما الخماسي المجرد يكون في باب
الأسماء، إذاً (كل الخماسي) ما كان أصله ثلاثياً مجردا فزيد عليه ثلاثة
أحرف، أو رباعي مجرد، ولا يكون رباعياً مزيد؛ لأن الرباعي المزيد بحرف
هو خماسي، فهنا باعتبار الأصل، (كل الخماسي) يعني الذي أصله ثلاثي مجرد
اسْتَغْفَرَ أصله غَفَرَ، دحرج هذا رباعي زِدْ عليه التاء تدحرج، إذاً
ما كان أصله ثلاثياً أو رباعياً، (كل الخماسي لازم)، (لازم) هذا خبر
المبتدأ، أي قاصر على رفع الفعل ولا يتعداه إلى نصب المفعول، (كل
الخماسي) أي (كل) أفراد الفعل (الخماسي لازم) أي احكم عليه باللزوم
بأنه قاصر على الفاعل ولا يتعداه إلى مفعول فينصبه، (إلا) هذه أداة
استثناء وهي معيار العموم، إذاً يستثنى من الباب السابق من أفراد
الخماسي ثلاثة أبواب، (إلا) ثلاثةَ أبوابٍ لا تختص باللزوم: أولها: باب
(افْتَعَلَ)، الثاني: باب (تَفَعَّلَ) بتشديد العين، الثالث: باب
(تَفَاعَلَ)، هذه الأبواب الثلاثة من الخماسي، الأصل في الخماسي أنه
لازم ولا يتعدى، ولكن هناك ثلاثة أبواب تكون لازمة وتكون متعدية، يعني
تكون مشتركة بين النوعين: اللزوم والتعدي، ولذلك نقول كما قلنا سابقاً:
إن الفعل ينقسم ثلاثة أقسام: ما يكون لازماً فقط ولا يوصف بالتعدي، وما
يكون متعدياً فقط، وما يأتي على الوجهين يكون لازماً ومتعدياً، ليس في
تركيب واحد وإنما يستعمل لازماً ويستعمل متعدياً. إذاً (كل الخماسي)
يعني (كل) أفراد الفعل (الخماسي لازم) قاصر لا يتعدى إلى المفعول،
(إلا) ثلاثةَ أبواب لا تختص باللزوم، بل تكون تارة لازمة وتارة متعدية:
الباب الأول: هو (افْتَعَلَ) من الثلاثي المجرد الأصول الذي زيد عليه
حرفان الألف والتاء، تقول: اِجْتَمَعَ المال هذا لازم، اكتسبتُ المالَ
متعدٍ، إذاً اجتمع المالُ على زنة افْتَعَلَ هذا نقول: لازم، اكتسبت
المالَ هذا متعدٍ نصب مفعولاً، إذاً (افْتَعَلَ) يأتي تارة لازماً
وتارة يأتي متعدياً، - (تَفَعَّلَ) - كذلك احتقر واعْتَوَرَ هذا من
اللازم.
(تَفَعَّلَ) بزيادة التاء وتضعيف العين،
أصله ثلاثي مجرد الأصول زيد عليه حرفان فصار خماسياً بزيادة التاء
وتضعيف العين، هذا ليس مختصاً باللزوم، وإنما يكون تارة لازماً وتارة
متعدياً، اللزوم نحو تَبَسَّمَ زيدٌ، تَبَسَّمَ على وزن تَفَعَّلَ،
تَكَلَّمَ تَحَلَّمَ، نقول: هذه على زنة (تَفَعَّلَ) وهي لازمة،
تَعَلَّمَ زيدٌ العلمَ، تَعَلَّمَ زيدٌ النحوَ، تقول: هذا متعدٍ وهو
على زنة تَفَعَّلَ، تَقَسَّمَ الورثة الميراث أو التركة، تقول:
تَقَسَّمَ هذا متعدٍ كتَعَلَّمَ، إذاً (تَفَعَّلَ) خماسي وهو فرد من
أفراد الفعل الخماسي، ولم يأتِ على الأصل فيه وهو أنه ملازم لفاعله لا
يتعداه إلى مفعولٍ، وإنما جاء تارة لازماً وجاء تارة متعدياً، إذاً هو
مشترك بين الحالين، (اِفْتَعَلَ تَفَعَّلَ او تَفَاعَلا) بإسقاط همزة
(أو) من أجل الوزن، (تَفَاعَلا) الألف هذه للإطلاق من أجل الوزن
(تَفَاعَلا)، (تَفَاعَلا) أصله تَفَاعَلْ ثلاثي زيد عليه التاء وألف
المفاعلة، هذا أيضاً يأتي لازماً ويأتي متعدياً، تَحَالَمَ زيدٌ
تَوَاضَعَ عمروٌ هذا لازم، تَشَارَكْنَا الحديثَ هذا متعدٍ،
تَنَازَعْنَا المالَ هذا متعدٍ، الله المستعان، (قد احتمل) (قد) هذه
للتحقيق، (اِحْتَمَلَ) يعني (قد) قَبِلَ، هذه الأبواب الثلاثة (قد
احتمل)، (إلا اِفْتَعَلَ تَفَعَّلَ او تَفَاعَلا قد احتمل) أي قبل
التعدي واللزوم، (قد احتمل) ما ذكر من الأبواب الثلاثة، الضمير يعود
على (افتعل) و (تَفَعَّلَ) و (تفاعلا)، (قد احتمل) أي (قد) قبل اللزوم
والتعدي، يعني يكون تارة لازماً ويكون تارة متعدياً.
(كذا السداسي) انتقل إلى السداسي، إذاً
الرباعي فيما سبق والخماسي هل الحكم عليه باللزوم من جهة المعنى أو من
جهة الصيغة؟ من جهة الصيغة، لأنك تنظر إلى الأوزان ما كان على زنة
اِفْتَعَلَ ما كان على تَفَعَّلَ اِنْفَعَلَ دون نظر إلى المعنى، (كذا
السداسي) هنا شبه السداسي بالخماسي في اللزوم، (كذا السداسي)، (كل
الخماسي لازم) (كذا السداسي)، إذًا كل السداسي لازم هذا الأصل، كل
السداسي لازم، الكاف هذه حرف تشبيه و (ذا) اسم إشارة، والجار والمجرور
متعلق بمحذوف خبر مقدم، و (السداسي) مبتدأ مؤخر، (سداسيْ) بإسكان الياء
من أجل الوزن، والأصل سداسيُّ بالتشديد؛ لأن ياء النسب عبارة عن ياءين،
(كذا السداسي) أي مثل الخماسي في الحكم على أفراده بأنه لازم
(السداسي)، (السداسي) هذا إما أن يكون أصلاً ثلاثي الأصول أو يكون
رباعياً زيد عليه حرفان، إما ثلاثي زيد عليه ثلاثة أحرف أو رباعي زيد
عليه حرفان، ما حكمه؟ أنه لازم، يعني قاصرٌ على رفع الفاعل ولا يتعداه
إلى نصب مفعولٍ به، يستثنى منه كما استثنى مما سبق (غيرَ) هذا استثناء،
(غيرَ) هذي تأتي استثناء من جهة المعنى، لذلك منصوبة هنا على الحال،
(غيرَ) بمعنى إلا، إلا ما كان من السداسي من (باب اِسْتَفْعَلَ) مما
كان من (باب اِسْتَفْعَلَ)، (اِسْتَفْعَلَ) أصله ثلاثي زيدت عليه الألف
والسين والتاء، غَفَرَ اِسْتَغْفَرَ، خَرَجَ اِسْتَخْرَجَ، ما حكم هذا
الباب اِسْتَفْعَلَ؟ هذا مثل (افْتَعَلَ) و (تَفَعَّلَ) و (تَفَاعَلَ)،
أي أنه (قد احتمل)، اِحْتَمَلَ ماذا؟ اللزوم والتعدي، إذاً الأصل في
السداسي أنه لازم مثل الخماسي إلا باباً واحداً وهو (باب
اِسْتَفْعَلَ)، (كذا السداسي غير باب اِسْتَفْعَلَ) إلا ما كان من (باب
اِسْتَفْعَلَ) من الثلاثي الذي زيد عليه الألف والسين والتاء فإنه يكون
مشتركاً، يأتي تارة لازماً نحو اِسْتَحْجَرَ الطينُ، اسْتَحْجَرَ على
وزن اسْتَفْعَلَ، أصله حَجَرَ، اسْتَحْجَرَ زيدت عليه الألف والسين
والتاء وهو هنا لازم ليس متعدٍ، اِسْتَحْجَرَ الطينُ، فعل وفاعل،
اِسْتَنْوَقَ الجملُ اِسْتَنْوَقَ على وزن اِسْتَفْعَلَ، الجمل فاعل،
اِسْتَنْوَقَ الجملُ يقولون: تخلَّق بأخلاق الناقة، إذاً نقول:
اِسْتَنْوَقَ الجملُ هذا فعل وفاعل، استخرج المالَ زيدٌ استخرج المالَ،
أو اِسْتَخْرَجْتُ المالَ نقول: هذا متعدٍ، اِسْتَغْفَرْتُ الله نقول:
هذا متعدٍ، إذاً باب اِسْتَفْعَلَ يستثنى من السداسي، يأتي تارة لازماً
وتارة متعدياً، أما الأصل في السداسي فإنه لازم، ويستثنى كلمتان سمعت
عن العرب من غير باب اِسْتَفْعَلَ وهي: اغْرَنْدَى واسْرَنْدَى،
(اسْرَنْدَى واغْرَنْدَى) هذه سداسية، (اسرندى) اِفْعَنْلَى، (واغرندى)
اِفْعَنْلَى، (اسرندى) معناها غَلَبَ، (واغرندى) معناها قهر، (واسرندى
واغرندى) فهما متعديان، إذاً باب اِسْتَفْعَلَ هذا مستثنى كله، وباب
اِفْعَنْلَى هذا استثنى منه كلمتان فقط: (اسرندى واغرندى) سمع أنهما
متعديتان،
قد جعل النعاس يسرنديني ... أدفعه عنِّي ويغرنديني
(قد جعل النعاس يسرنديني) يعني يغلبني،
(يسرنديني) الياء هذه في محل نصب مفعول به، والنون للوقاية، (أدفعه عني
ويغرنديني) يعني يقهُرني، (يغرنديني) الياء هذه مفعول به، إذاً تعدى
إلى مفعول به، هاتان كلمتان سمعتا مع باب اِسْتَفْعَلَ يستثنى من
السداسي عامة، إذاً الأصل في السداسي أنه لازم إلا (باب اِسْتَفْعَلَ)
كله (واسرندى واغرندى) على جهة الخصوص؛ لذلك قال: (واسرندى واغرندى
بمفعول صلا)، (صلا) هذا أمر من الوصل، (بمفعول) جار ومجرور متعلق
بقوله: (صلا)، يعني (صلا) والألف هذه نون التوكيد الخفيفة، يعني صِلَنْ
اسرندى واغرندى (بمفعولٍ)، واسرندى واغرندى صلن بمفعولٍ، يعني صلها
بمفعول، لِمَ؟ لأنه سُمع تعديها، والأصل فيها أنها لازمة. إذاً ذكر في
هذه الأبيات الثلاث ما يعرف أو يحكم به على الفعل أنه ماذا؟ أنه لازم
من جهة الصيغة، وقلنا: أن اللازم قد يُضَمَّن معنى المتعدي فيصير
متعدياً، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}
[النور:63] أي يعرضون عن أمره، {أَذَاعُوا بِهِ} [النساء:83] أي تحدثوا
به، أيضاً تحويله من باب فَعَلَ وفَعِلَ إلى فَعُلَ كما سبق، عَلِمَ
الأصل فيه أنه متعدٍ، إذا أردت الدلالة على اللزوم أنه صفة لازمة أو
التعجب تقول: عَلُمَ زيدٌ، عَلُمَ زيدٌ هذا متعدٍ أو لازم؟ لازم، فعل
وفاعل عَلُمَ زيدٌ، فَهِمَ زيدٌ المسألةَ، تقول: فَهُمَ زيدٌ، أي اتصف
بالفهم الثاقب، أو صار الفهم صفة لازمة أو كاللازمة له، ضَرُبَ زيدٌ
إذا كان متصفاً بالضرب، فنقول: باب فَعِلَ وفَعَل المتعدي قد ينقل
ويحول إلى باب فَعُلَ، فنقول: قد عدل بالمتعدي إلى اللازم، إذاً هل
يكون المتعدي لازماً؟ نقول: نعم، في أحوال: أولها: إذا ضمن معنى الفعل
اللازم مثل الآية السابقة. الثاني: إذا حُوِّلَ وهذا في الثلاثي إذا
حُوِّلَ من باب فَعَلَ وفَعِلَ وهما متعديان إلى باب فَعُلَ، أما
اللازم فلا إشكال فيه.
ثم انتقل إلى بيان همزة إفْعَال، هذا من
الأوزان السابقة الأبنية قلنا: تدل على معانٍ ذكرنا في كل باب ما يختص
به من معانٍ، وأحلنا على باب الإفعال والسين في باب اِسْتَفْعَلَ؛
لأنها تستخدم وتستعمل لمعانٍ مقصودة، قال: (لهمز إفعال) هذه الفائدة
السادسة في هذا الباب، (لهمز إفعالٍ معانٍ)، (لهمز إفعالٍ) (إفعال) هذا
مصدر أَفْعَلَ يُفْعِلُ إِفْعَالاً أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامَاً،
أَخْرَجَ يُخْرِجُ إِخْرَاجَاً، قلنا: أَفْعَلَ الهمزة هذه تزاد ويراد
بها معنى، ما هي هذه المعاني؟ ذكر منها الناظم هنا سبعة معانٍ، (لهمز
إفعالٍ) هذا من إضافة الجزء إلى الكل، (همز إفعال) (إفعال) فيه همزة،
جزء (إفعال) همز، يكون من باب إضافة الجزء إلى كله، من باب إضافة الجزء
إلى الكل، وهو جار ومجرور متعلق بمحذوفٍ خبر مقدّم، (معانٍ) جمع معنى
وهو مبتدأ مؤخر، (معانٍ) أصلها معانيُ استثقلت الضمة على الياء فأسقطت
ثم نُوِّنَ والتقى ساكنان الياء والتنوين، إذاً (معانٍ) نقول: هذا
مبتدأ مؤخر مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء
الساكنين، هذا على قولٍ، (لهمز إفعال معانٍ) إذاً معانٍ لهمز إفعالٍ،
(معانٍ) جمع معنى والمراد بالمعنى: ما يقصد من الشيء إذا عممنا، إذا
نظرنا إلى اللفظ ذاته معنى نقول: المعنى: ما يقصد من الشيء، سواء كان
الشيء ملفوظاً به أو غير ملفوظ، فما كان ملفوظاً إذا أردنا الملفوظ
نقول: ما يقصد من اللفظ وهو المدلول المعبَّر عنه بالمدلول أو المفهوم،
المفهوم هو المعنى، قام زيدٌ ماذا دلت هذه الجملة؟ على ثبوت القيام
لزيد، هذا يسمى مدلولاً ويسمى مفهوماً ويسمى معنى، إذاً ما هي معاني
همزة إفعال؟ قال: (سبعة)، (سبعة) هذه صفة لـ (معان)، (معانٍ سبعةٌ)
يعني معدودة بالسبعة، (تعدية) هذا الأول منها، (تعدية) هذا بدل من
(سبعة)، بدل مفصَّل من مجمل، (سبعة) هذا مجمل، (تعدية) هذا بدل وبدل
المرفوع مرفوع، ويسمى بدل مفصّل من مجمل، إذاً تأتي همزة إفعال لـ
(لتعدية)، مصدر عدَّى تعدية، كزكَّى تزكية، (تعديةٌ) المراد بها همزة
النقل: أن يُضَمَّنَ الفعل معنى التصيير، إذاً تزاد الهمزة همزة
التعدية على الفعل الثلاثي، خَرَجَ نزيد عليه همزة إفعال فصار
أَخْرَجَ؛ لأن المصدر يكون إخراجاً، هذه الهمزة نقول: صيرت أو ضمنت
الفعل معنى التصيير، أَخْرَجْتُ زيداً، أي صيرته خارجاً من البيت
ونحوه، فنقول: في هذه الهمزة أنها همزة التعدية، هي التي سبق تسميتها
بهمزة النقل، لكن يفرقون في الموضعين - والله أعلم - أنه في الموضع
السابق المراد اللفظ صيرت الفاعل مفعولاً والمفعول الأول مفعولاً
ثانياً، وهنا الكلام في المعنى، فيطلق همزة التعدية إذا قصد المعنى،
وتسمى همزة النقل إذا قصد اللفظ، خَرَجَ زَيدٌ إسناد اللفظ خرج وهو
الفعل إلى زيد، أردت أن يكون زيد أو أن يصبح زيد فاعلاً فتدخل همزة
النقل، نقلته من كونه فاعلاً إلى أن صيرته مفعولاً به، وحكم على الفعل
بنقله وتحويله من كونه فعلاً لازماً إلى فعلٍ متعدٍ، لأن أخرج متعدٍ،
وخرج لازم إذاً أثرت في الفعل أم لا؟ أثر في الفعل، حكمنا على الفعل في
الأول بأنه لازم لتجرده عن همزة إفعال (وإن حذفتها
فلازماً يرى)، وحكمنا على الفعل الثاني
بأنه متعدٍ لوجود هذه الهمزة، إذاً (تعدية) نقول: مصدر عدّى وهو أن
يضمن الفعل معنى التصيير فيصبح الفاعل مفعولاً أولاً، والفعل اللازم
يصير متعدياً إلى مفعول واحد، والفعل المتعدي إلى واحد يصير متعدياً
إلى اثنين، والمتعدي إلى اثنين يصير متعدياً إلى ثلاثة وسبق أمثلة هذه
العناوين الثلاثة. إذاً (تعدية صيرورة) يعني و (صيرورة) على حذف حرف
العطف، وهذا مجمع على جوازه في الشعر مختلف في النثر، وجوَّزه ابن مالك
في النثر، (صيرورة) هذا مصدر صار يصير صيرورة، ما المراد بـ
(الصيرورة)؟ التحويل هذا الأصل في المعنى اللغوي، والمراد به هنا أن
تدل الهمزة يعني إذا دخلت على الفعل أن تدل على أن الفاعل قد صار صاحب
شيء هو ما اشتُق الفعل منه، مثلوا له بأَغَدَّ البعير، أي صار ذا
غُدَّةٍ، أغدَّ البعير، قلنا: الهمزة همزة الصيرورة تدل على أن الفاعل
قد صاحب شيئاً هو المصدر الذي اشتق الفعل منه، أي صار البعير ذا
غدَّةٍ، أَثْمَرَ البستان أي صار ذا ثمر، ألبنت الشاة أي صارت ذات لبن،
إذاً الهمزة التي تزاد في باب أَفْعَلَ وهو المقصود بالإفعال هنا
أَفْعَلَ الهمزة التي تزاد قد يراد بها التعدية، وقد يراد بها
الصيرورة، ما معنى الصيرورة؟ أن تدل على أن الفاعل قد اتصف وصاحب ما هو
مشتق منه، ما هو مشتق منه مقصود به الفعل، أغدَّ البعير أغدَّ مشتق من
الغُدَّة، إذا صار البعير ذا غدَّة، أَثْمَرَ هذا مشتق من الثَّمَرَة،
أثمر البستان أي صار البستان ذا ثمر، (وكثرةٌ) مصدر كَثُرَ ضد القلةِ،
(وكثرة) أي تدل همز إفعال على معنى هو الكثرة، أَلْبَنَ الرجلُ
أَلْبَنَ على وزن أَفْعَلَ، ألبن الرجل إذا صار عنده اللبن كثيراً،
ألبن الرجلُ، ويقال: أَشْحَمَ إذا كثر عنده الشحم، وأَلْحَمَ إذا كثر
عنده اللحم، وأثمر إذا كثر عنده الثمر، أَفْعَلَ همزة الإفعال هنا دلت
على الكثرة، (حينونة)، (حينونة) هذا معطوف على قوله: (تعدية) على حذف
وإسقاط حرف العطف، (حينونة) هذا مصدر حَانَ يَحِيْنُ، حضر يعني
(حينونة) معناها حضر حينه ووقته، عبَّر عنه البعض بأنه أن يقرب الفاعل
من الدخول في أصل الفعل الذي هو المصدر، أحصد الزرعُ أي قرُب حصاده،
تقول: أحصد على وزن أَفْعَلَ، أَحْصَدَ الزرعُ بمعنى حان وقرُب حصادُه،
وأَصْرَمَ النخلُ أي قرب صِرَامُه، (إزالة) هذا معطوف على (تعدية) على
حذف حرف العطف، (إزالة) هذا مصدر أَزَالَ يُزيِلُ إزالة، يعبر عنها عن
الإزالة بعضهم بالسلب، مثاله أشكيته، أشكيته بمعنى أزلتُ شكواه، إذاً
أزلت عن الفاعل ما اشتق منه الفعل، أشكيته هذا مشتق من الشكوى، إذاً
أزلت ما اشتق الفعل منه عن الفاعل، أن يزيل الفاعلُ عن المفعول أصل
الفعل، ليس الإزالة عن الفاعل وإنما عن المفعول، أشكيتُهُ أنت الذي
أزلت، عمن؟ عن المفعول به ما اشتق منه الفعل وهو الشكاية أو الشكوى،
أشكيته أي أزلت شكواه، أقذيتُ عينه أي أزلت قذى عينه، إذاً نقول: السلب
والإزالة معناه: أن يزيل الفاعل عن المفعول أصل الفعل.
(حينونة إزالة وجدان) مصدر وَجَدَ بمعنى
أدرك، وَجَدَ يَجِدُ وجوداً ووجداناً، له مصدران وجوداً ووجداناً،
بمعنى أدرك، أن يجد الفاعل المفعول موصوفاً بصفة مشتقة من أصل ذلك
الفعل، أن يجد الفاعل المفعول قد اتصف بأصل ما اشتق منه الفعل وهو
المصدر، أبخلتُهُ أي وجدته بخيلا، أعظمته أي وجدته عظيماً، أكرمته أي
وجدته كريماً، أحمدته وجدته محموداً، قيل: ومنه قول عمرو بن معد يكرب
لبني الحارث بن كعب: (والله لقد سألناكم فما أبخلناكم، وقاتلناكم فما
أجبناكم وهاجيناكم فما أفحمناكم). (والله لقد سألناكم فما أبخلناكم)
يعني ما وجدناكم بخلاء، (وقاتلناكم فما أجبناكم) يعني ما وجدناكم
جبناء، (وهاجيناكم فما أفحمناكم) يعني ما وجدناكم مفحَمين، أفحمته هذه
لها أصل في اللغة. (حينونة إزالة وجدان كذاك تعريض) (كذاك) أي مثل الذي
ذكر في عدِّه لمعان همز إفعال يعني ما سبق ذكره (تعريض)، (تعريض) هذا
مبتدأ مؤخر و (كذاك) هذا متعلق بمحذوف خبر مقدم، (كذاك تعريض) (تعريض)
هذا مصدر عَرَّضَ فَعَّلَ يُفَعِّلُ تَفْعِيلاً عَرَّضَ يُعَرِّضُ
تَعْرِيْضَاً، والتعريض هنا المراد به: خلاف التصريح، يعني جعل شيء
عُرْضَةً ومهيأ لأمر، أبعتُ الثوب أي عرضته للبيع، أرهنتُ الدارَ أي
عَرَّضْتُهَا للرّهن. (فذا البيان) (ذا) هذا اسم إشارة لما سبق مبتدأ،
(البيان) خبر، (البيان) هذا اسم مصدر بَيَّنَ المراد به هنا اسم
المفعول أي (فذا) إشارة إلى المعاني السابقة، (البيان) أي المبيَّنة،
المعاني المبينة، ويصح أن يكون (ذا) مبتدأ، و (البيان) هذا عطف بيان
والخبر محذوف، (فذا البيان) يحفظ.
إذاً هذه سبعة معانٍ لهمز إفعال، وليس المراد همز إفعال المصدر فحسب،
وإنما المراد به، ما هو؟ أَفْعَلَ، يعني كما تدل أَفْعَلَ على معنى
الهمزة هنا أَفْعَلَ كما تدل على معنى من المعاني السبعة المذكورة كذلك
الإفعال المصدر أيضاً تدل كما دل أصله.
نقف على هذا
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
|