شرح نظم قواعد الإعراب عناصر الدرس
* المسألة الثالثة: الجمل التي لامحل لهامن الإعراب وعددها.
* الموضع الأول: الجملة الإبتدائية أو الإستئنافية.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
قد قال الناظم رحمه الله تعالى وغفر له ولشيخنا ولجميع المسلمين.
(المسألة الثالثة: في الجمل التي لا محل لها من الإعراب وهي سبع)
في الابتداء سمها استنافية ... وبعد حتى وهي الابتدائية
وقول من جر بها لا يجري ... إذ لا تعلق حروف الجر
عن عمل وبعدها مكسورة ... إن أتت وفتحها مجرورة
أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي
له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمد عبده
ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
هذا هو الباب أو المسألة الثانية في الجمل التي لا محل التي لها أو
التي لا محل لها من الإعراب (المسألة الثالثة: في الجمل التي لا محل
لها من الإعراب وهي سبع) ذكرنا أن الناظم رحمه الله اتبع الأصل وبوب
هذا النظم على الأصل
ليسهل الحفظ على الطلاب ... في تلكم الأربعة الأبواب
قلنا: ذكر في كل باب عدة مسائل.
الباب الأول ذكره في الجملة وأحكامها وذكره تحته أربع مسائل:
الأولى في شرحها وقلنا: ذكر حد الكلام، وحد الكلمة، والعلاقة بين
الكلام والكلمة. ثم قسم العلاقة بين الجملة والكلام ثم قسم الجملة إلى
اسمية وفعلية ثم بيَّن أن الجملة أيضًا باعتبار الصفة تنقسم إلى صغرى
وكبرى هذا المسألة الأولى في شرح الجملة قلنا ذكر
فسم بالكلام لفظك المفيد ... أو جملة ك: العلم خير ما استفيد
ثم بين العلاقة
لكنها أعم معنى منه ... إذ شرطه حسن السكوت عنه
ثم بين أنها
إن بدئت بالاسم فهي اسمية ... أو بدئت بالفعل قل فعلية
ثم بين أن هذا من جهة الاسمية نقول: الجملة تنقسم إلى اسمية وفعلية,
هذا التقسيم باعتبار الاسم العدد, وتنقسم باعتبار الصفة إلى صغرى وكبرى
متى تكون صغرى؟ نعم, إذا وقعت خبرًا عن المبتدأ (زَيْدٌ أَبُوهُ
قَائِمٌ) أَبُوهُ قَائِمٌ/ نقول هذه جملة صغرى لم؟ لأنها وقعت خبرًا عن
المبتدأ ومتى تكون كبرى؟ إذا كانت الجملة خبرها جملة اسمية خبرها جملة,
جُملة اسمية خبرها (زَيْدٌ أَبُوهُ قَائِمٌ) نقول: هذه جملة كبرى لم؟
زَيْدٌ/ مبتدأ أول أَبُوهُ/ مبتدأ ثاني قَائِمٌ/ خبر مبتدأ الثاني
والجملة خبر المبتدأ جميع الجملة كلها تقول: جملة كبرى (زَيْدٌ أَبُوهُ
قَائِمٌ) لم وصفتها بكونها كبرى؟ لأن الخبر فيها وقع جملة سواء كان
جملة اسمية أم جملة فعلية نفس الخبر تقول: هذا جملة صغرى.
* ثم عقد المسألة الثانية في بيان الجمل التي لها محل من الإعراب وقال:
هي سبع. وعدَّها وبين تفصيلها.
* ثم عقد المسألة الثالثة وهي التي معنا اليوم (المسألة الثالثة: في
الجمل التي لا محل لها من الإعراب وهي سبع) كأختها إذًا الجمل نوعان:
جمل لها محل من الإعراب، وجمل لا محل لها من الإعراب. أيهما أصل وأيهما
فرع؟
الجمل التي لا محل لها من الإعراب هي
الأصل, والجمل التي لها محل هذه نقول: فرع, والأصل تقديم الأصل على
الفرع, ولذلك ابن هشام في (مغني اللبيب) قدم الجمل التي لا محل لها من
الإعراب على الجمل التي لها محل من الإعراب قال: لأنه الأصل, لم كان
الأصل في الجمل أنها لا محل لها من الإعراب؟ نقول: لأن متعلق الإعراب
المفردات لا الجمل, لذلك نقول حد الإعراب: أثر ظاهر أو مقدر يجلبه
العامل في آخر الكلمة. لم يقل (في آخر الكلام ولا في آخر الجملة) إنما
في آخر الكلمة إذًا الكلمة الواحدة الحرف الأخير هو محل الإعراب ولكن
بعد التركيب لا قبل التركيب, فكل كلمة نقول: آخرها يظهر عليه الإعراب
أثرٌ ظاهر أو مقدرٌ يجلبه العامل في آخر الكلمة أو نزل منزلتها إذًا
قوله (في آخر الكلمة) نقول: أخرج الجمل. إذًا الجمل هل هي متعلق هل
يتعلق بها الإعراب؟ الجواب: لا، إذًا الأصل في الجمل أنه لا محل لها من
الإعراب لم؟ لكون الإعراب متعلقاً بالمفردات لا بالجمل والأصل في الوصف
يعني: الترتيب والتعليم أن يوافق الأصل المطرد من لغة العرب, وهو كون
الجمل لا محل لها من الإعراب, فينبغي تقديم ما لا محل له من الإعراب
على ما له محل من الإعراب, لكن ذكرنا فيما سبق أن بعضهم يقول: لما كانت
الجمل وقعتْ وحلت محل المفرد, والمفرد له محل أو له والمفرد يعرب وما
وقع موقع المفرد أخذ حكمه, صارت لها مزية لأن إعراب الجمل "محل" وإعراب
المفردات "الأصل" فيه أنه لفظي أو تقديري أثر ظاهر أو مقدر, وما حل محل
المفرد مقدم على غيره مما لم يحل محل المفرد, إذًا لشرف الإعراب على
البِنَاء قدمت الجمل التي لها محل من الإعراب على الجمل التي محل لها
من الإعراب لهذه الميزة ولهذه الصفة كون الجمل التي لها محل من الإعراب
حلت محل المفرد المعرب ارتفعت وعلت على الجمل التي لا محل لها من
الإعراب, فلذلك قدِّمت. يمر معك بعضهم يقدم الجمل التي لا محل لها من
الإعراب على ما لا محل لها وبعضهم يعكس, من قدم الجمل التي لا محل لها
من الإعراب راعى الأصل وهذا هو الأولى, ومن قدَّم الجمل التي لها محل
من الإعراب راعى مزية الإعراب أنه أشرف وأفضل من البناء وما حل محل
الأشرف فهو مقدم على غيره.
(المسألة الثالثة) يعني: من المسائل الأربع
من الباب الأول (في الجمل التي لا محل لها) يعني: في بيان وإيضاح وشرح
الجمل التي لا محل لها من الإعراب. يعني: لا تحل محل المفرد, الضابط
بين النوعين: الجملة التي تحل محل المفرد هذه لها محل من الإعراب,
الجملة التي لا تحل محل المفرد نقول: لا محل لها من الإعراب. (في بيان
الجمل التي لا محل لها من الإعراب) من الإعراب المقصود به الرفع والنصب
والخفض والجزم يعني: ليس لها محل يقع فيه يكون رفعًا ولا نصبًا ولا
خفضًا ولا جزمًا (وهي سبع) وهي أيضًا سبع كما هي في الجمل التي لها محل
من الإعراب يعني: وهي سبعُ جمل. إذا حذف التاء من العدد وهذا يجوز متى؟
المبتدأ هنا "وهي" قال: سبع نعم, لا هنا ملاحظة شيء آخر وهو أن المعدود
محذوف, وإذا حذف المعدود لا تجب القاعدة، القاعدة [تذكير العدد بتأنيث
المعدود وتأنيث العدد لتذكير المعدود] نقول: قاعدة تجب إذا ذكر, أما
إذا تقدم أو حذف فلا يجب لزوم قاعدة, دائمًا نمثل بحديث احفظوه طبق
عليه «من صام رمضان ثم أتبعه ستًا» ست ليالي أو ست أيام؟ هو ذكَّر هنا
لو قلنا: على الظاهر نقول: ستة ستًا ست ليال, لأن الليال هو المعدود
جمع ليلة, والأصل تخالف العدد مع المعدود ست هذا بدون تاء لم؟ لأن
المعدود مؤنث هذا الأصل لكن نقول: لم يراعى القاعدة هنا لم؟ لكون
المعدود محذوفًا "ستًا يعني: ستة أيام" لأن الصوم يكون في النهار لا في
الليل.
(التي لها محل التي لا محل لها) يعني: لا تحل محل المفرد (من الإعراب)
يعني زدت الإعراب صادفت الرفع والنصب والخفض والجزم وهي سبع جمل أولها.
الجملة الأولى: الجملة الابتدائية أشار
إليها بقوله (في الابتداء سمها استنافِيَه) بالتخفيف للوزن وإلا أصلها
"استئنافِيَّةٌ" بالتشديد, الياء هذه ياء النسب وهذا يسمى مصدرًا
صناعياً, الجملة الابتدائية ما هي الجملة الابتدائية؟ هي الواقعة في
ابتداء الكلام الجملة الابتدائية هي الواقعة في ابتداء الكلام اسمية
كانت أو فعلية إذًا نقول: الجملة التي لا محل لها من الإعراب أولها:
الجملة الابتدائية نسبة إلى الابتداء الافتتاح التي يفتتح بها الكلام
هي الواقعة في ابتداء الكلام اسمية كانت أو فعلية تقول (زَيْدٌ
قَائِمٌ) زَيْدٌ/ مبتدأ وَقَائِمٌ/ خبر والجملة لا محل لها من الإعراب
جملة ابتدائية (قَامَ زَيْدٌ) تقول: قَامَ/ فعل ماضي وَزَيْدٌ/ فاعل
جملة ابتدائية إذًا لا محل لها من الإعراب لأنك ابتدأت الكلام بهذه
الجملة الفعلية لذلك تعرب {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ *
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
[الفاتحة: 1 - 3] {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} بعد إعرابها
تقول: والجملة الفعلية لأنك تقدِّر المتعلق فعلاً مؤخرًا خاصًا بسم
الله الرحمن الرحيم "أقرأ" أَقرأ بسم الله, ما محل الجملة هل لها محل
أم لا؟ تقول: ليس لها محل من الإعراب لم؟ لكونها جملة ابتدائية الواقعة
في ابتداء الكلام وهذه جملة فعلية {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ} إذا سئلت هل هي جملة اسمية أم فعلية؟ تقول: جملة فعلية على
الصحيح, ابن هشام رحمه الله قال: مما يجوز فيه الأمران باعتبار
المتعلق: من رجح أن المتعلق المحذوف فعلاً قال: هي جملة فعلية, ومن رجح
أن المتعلق المحذوف اسمًا قال: هي اسمية, إذًا البسملة على الصحيح هي
جملة فعلية لا محل لها من الإعراب لكونها ابتدائية ثم إذا تلوت
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} تقول: {الْحَمْدُ} مبتدأ
{لِلَّهِ} جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر والجملة من المبتدأ والخبر -وهي
جملة اسمية- مستأنفة أو مبتدئة لا محل لها من الإعراب كيف وقعت
ابتدائية وهي مسبوقة بالبسملة؟ يأتينا الآن إن شاء الله.
* إذًا الجملة الابتدائية هي الواقعة في
ابتداء الكلام اسمية كانت أو فعلية وتسمى "المستأنفة" مستأنفة هذا من
الاستئناف أصله: أَنِفَ, وأنِف هذا الأصل فيه الذي لم يسبق بشيء: ذكره
في القاموس قال: وأمر أُنُفٌ مستأنف لم يُسْبَق به أو لم يَسْبِق به
قدر. كما جاء في الحديث «إن الأمر أنف» يعني: لم يسبق أنه كتب في اللوح
ونحوه (وأمر أنف مستأنف لم يسبق به قدر) لذلك نعلم أن ما يعلن أحيانًا
في الدروس يستأنف الدرس نقول: هذا ليس بصحيح, لأن الاستئناف معناه
ابتداء شيء لم يسبق له فعل أو إيجاب. إذا قلنا: يستأنف الدرس بعد
ابتدائية يكون هذا خطأ في التعبير. إذًا تسمى الجملة الابتدائية جملةً
مستأنفةً قال الناظم (في الابتداء سمها استنافيه) (في الابتداء) يعني:
الجملة الواقعة (في الابتداء سمها استنافيه) (سمها) سمِّ أيها الطالب
أو أيها النحوي سمِّ الجملة الواقعة في ابتداء الكلام اسميةً كانت أو
فعليةً استئنافية (استنافيه) قلنا: نسبة إلى أو مشتق من أمر أنف أي
المستأنف الذي لم يُسْبَق به قدر أو لم يَسْبِق به قدر (في الابتداء
سمها استنافيه) إذًا الجملة الابتدائية التي وقعت في ابتداءِ الكلامِ
نسميها استئنافية قال ابن هشام في المغني: وهو أوضح. يعني: التسمية
بالاستئنافية أوضح من التسمية بالابتدائية إلاَّ لم قيل إنه أوضح؟ قيل:
لأن الابتدائية تطلق في الاصطلاح عندهم: على الجملة التي صدرت بمبتدأ
ولو كان لها محل من الإعراب, إذًا مصطلح الجملة الابتدائية أعم من
مصطلح الجملة المستأنفة, الجملة المستأنفة هذه أخصُّ من مطلق الجملة
الابتدائية لم؟ لأن الجملة الابتدائية تُطلق على ما يقع أولاً في
ابتداء الكلام (زَيْدٌ قَائِمٌ) (قَامَ زَيْدٌ) كذلك تُطلق على الجمل
المصدرة بالمبتدأ ولو كان لها محل من الإعراب (زَيْدٌ أَبُوهُ قَائِمٌ)
زَيْدٌ/ مبتدأ أول أَبُوهُ/ مبتدأ ثاني قَائِمٌ/ خبر المبتدأ الثاني
الجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول, هذه
الجملة الخبرية يصح أن تسمى أو يُطلق عليها جملة ابتدائية لم؟ لكونها
مصدَّرة بالمبتدأ هل لها محل من الإعراب في هذا التركيب؟ نعم لها محل
من الإعراب وهو كونها في محل رفع خبر المبتدأ الأول جملة (زَيْدٌ
أَبُوهُ قَائِمٌ) هذه ابتدائية مستأنفة, ابتدائيةٌ لأنها وقعت في
ابتداء الكلام, ومستأنفة لأنه
لم يسبقها شيء "أمر أنف" لم يسبق به قدر
(أَبُوهُ قَائِمٌ) نقول: هذه جملة مستأنفة هذه جملة مستأنفة وهي جملة
ابتدائية ولا نقولُ: مستأنفة. جملة ابتدائية وهي لها في هذا التركيب
محل من الإعراب إذًا أيهما أعم؟ الابتدائية أعم من الاستئنافية لم؟
لكون الابتدائية تصدُقُ على ما له محل من الإعراب, إذًا ليس كل جملة
ابتدائية لا محل لها من الإعراب إنما بعض الجملة الابتدائية لا محل لها
من الإعراب, هل كل جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب؟ نقول: نعم, كل
جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب ولا نقول: كل جملة ابتدائية لا محل
لها من الإعراب, هكذا قيَّده ابن هشام رحمه الله في (مغني اللبيب) أن
ثَمَّ فرق بين الجملة الابتدائية والجملة المستأنفة, وإن كان في
استعمال النحاة في الإعراب ونحوه يتوسعون في ذلك يطلقون هذا على ذاك
(في الابتداء سمها استنافيه) إذًا نقول: أي سمِّ أيها النحوي الجملة
الواقعة في ابتداء الكلام اسمية كانت أو فعلية استئنافية, ثم الاستئناف
عندهم نوعان: استئناف نحوي، واستئناف بياني.
الاستئناف النحوي: هو ما لم يكن واقعًا أو ما ليس واقعًا في جواب سؤال
مقدر, يضبطه بعضهم بأنه: الكلام الذي لم يسبقه شيء أو المفصول عما
قبله.
الاستئناف البياني: هو ما كان واقعًا في جواب سؤال مقدر, هذه فائدة لا
بد من التنبه لها في ابتداء الكلام نقول: الاستئناف أو الجملة
الاستئنافية التي في الأصل هي ابتدائية تنقسم قسمين:
أولاً: الجملة المفتتحُ بها النطق. يعني: التي وقعت في أول الكلام, أول
ما فتحت النطق بفمك أخرجت هذه الجملة الاسمية أو الجملة الفعلية هذا
يمثِّلون له بفواتح السور مثلاً {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}
[الكوثر: 1] {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} كما ذكرناه
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] هذه تعرب
الجمل أولاً لأنها وقعت في أول الكلام تعربها إعرابَها الخاص ثم تقول:
الجملة لا محل لها من الإعراب لم؟ لكونها جملة مستأنفة, إذا قلت في
الكلام (زَيْدٌ قَائِمٌ) (قَامَ زَيْدٌ) بعد إعرابك للجملة الفعلية أو
الاسمية تقول: لا محل لها من الإعراب وهي جملة مستأنفة هل سبقها شيء من
اللفظ؟ الجواب: لا، أول الفاتحة {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ} هذا أول الفاتحة والبسملة هذه آية مستقلة وليست من
الفاتحة إذًا نقول: أول الفاتحة {الْحَمْدُ لِلَّهِ} بعد إعرابك
التفصيلي مبتدأ وخبر تقول: الجملة لا محل لها من الإعراب {إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} هذا أول السورة, بعد إعرابك
للإعراب التفصيلي تقول: الجملة لا محل لها من الإعراب مستأنفة وهي:
جملة اسمية {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} إلى آخره, لم هذه كانت
مستأنفة؟ لأن النطق افتتح بها.
النوع الثاني: من الجملة المستأنفة أو
الاستئنافية الجملة المنقطعة عمَّا قبلها, إذًا سبقها شيء, في اللفظ هي
مسبوقة ولكن هل هناك ارتباط بين الجملتين؟ الجواب: لا، هي من جهة
المعنى المَعنى الخاص مقطوعة عما قبلها يعني: ليس ثَمَّ صلة ارتباط لا
بد من معرفة الجملة الثانية أي صلة الجملة الأولى لا, وإنما تقطع
الثانية عن ما قبلها هذا يسمى استئنافًا وهذا هو الذي عنون له النحاة
(بالاستئناف النحوي) والأول الاستئناف أيضًا النحوي الأول الذي لم يسبق
بشيء الجملة المفتتح بها النطق هذا استئناف نحوي والجملة المقطوعة عما
قبل (استئناف نحوي) إذًا مبحثنا هنا (في الابتداء سمها استنافيه) أي
نوعي الاستئناف؟ النحوي, أما الاستئناف البيان هذا يذكر في موضعه في
(الباب السابع الوصل والفصل) هناك في الباب السابع أظنه السابع الوصل
والفصل يذكر هنا شبه الاتصال إذًا نقول: الجملة المنقطعة عمَّا قبلها
ما مثاله إذا قلت (مَاتَ زَيْدٌ رَحِمَهُ الله) كم جملة هذه؟ جملتان
الجملة الأولى (مَاتَ زَيْدٌ) جملة ابتدائية مستأنفة نوعها فعلية تقول:
مَاتَ/ فعل ماضي زَيْدٌ/ فاعل والجملة لا محل لها من الإعراب مستأنفة
استئنافًا نحويًا لم؟ لأنَّ النطق افتُتح بها لم يسبقها شيء ما نوعها
من جهة أنواع الكلام؟ هي خبرية لفظًا ومعنًى إذا قلت (مَاتَ زَيْدٌ)
هذه خبرية لفظًا ومعنًى, والكلام ينقسم إلى خبر وإنشاء ما احتمل الصدق
والكذب لذاته نقول هذا خبر (مَاتَ زَيْدٌ) يحتمل أن المتكلم يكذب
ويحتمل أنه يصدق, قد يوافق الواقع وقد يخالف, إذًا هذه خبرية لفظًا
ومعنًى (رَحِمَهُ الله) رحم/ فعل ماضي لفظ الجلالة/ فاعل والضمير مفعول
به في محل نصب مفعول به والجملة هذه إنشائية المعنى وإن كانت خبرية
لفظًا هل يصحُّ عطف الجملة الإنشائية على الخبرية؟ هذا فيه خلاف على
القول بأنه لا يصحُّ عطفُ الإنشائية على الخبرية يجعل هذه الجملة
مقطوعة عما قبلها فيقول (مَاتَ زَيْدٌ رَحِمَهُ الله) هذه لا يصحُّ
عطفها لذلك لا يصح (مَاتَ زَيْدٌ وَرَحِمَهُ الله) لا يصح لم؟ لكون
رَحِمَهُ الله إنشائية المعنى إيش معنى إنشائية المعنى ما المقصود؟
يعني: اللهم ارحمه اللهم ارحمه هذا دعاء والدعاء من أنواع الإنشاء
والناس الآن يعدلون (يَرْحَمُهُ الله) وهذا في ظني أنه مخالف للقواعد
البلاغة والأصل أن يقال رَحِمَهُ الله إذًا نقول (مَاتَ زَيْدٌ
رَحِمَهُ الله) جملتان: الأولى جملة استئنافية مثال للنوع الأول وهو
كونها افتتح بها النطق.
والثانية جملة استئنافية أيضًا نحويًا وهل
افتتح بها النطق؟ نقول: لا, إنما سبقت بجملة فعلية خبرية لفظًا ومعنًى
وهذه الجملة ينبغي قطعها عمَّا قبلها لذلك لا يجوز ولا يصح عطفها بحرف
عطف على سابقتها لم؟ لكونها إنشائية معنًى لا لفظًا, لأنها في اللفظ
(رَحِمَهُ الله) هذا ليس إخبار بوقوع الرحمة وإنما هو دعاء بأن الله أو
سؤال الله أن يرحم هذا الميت أيضًا مثَّلوا بقوله تعالى {قُلْ
سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي
الْأَرْضِ} [الكهف: 83، 84] {قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ
ذِكْرًا} هذه جملة {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ} بعد إعرابك
للجملة التفصيلي {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ} تقول: هذه
الجملة مستأنفة استئنافًا نحويًا من أي نوعي الاستئناف؟ الجملة
المقطوعة عما قبلها ما الدليل؟ نعم, ما الدليل على أنها مقطوع دليل
لفظي؟
وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ ... مَسَدَّهَا وَفِي سِوَى
ذَاكَ اكْسِرِ
فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا وَفِي بَدْءِ صِلَهْ
فاكسر في الابتداء {قَالَ إِنِّي عَبْدُ
اللَّهِ} [مريم: 30] وقعت بعد القول {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي
الْأَرْضِ} هذه وقعت مستأنفة استئنافًا نحويًا إذًا هي مقطوعة عما
قبلها إذًا هي مفتتح بها لذلك وجب كسر همزة إن لم؟ لكونها مبتدأ بها
إذًا لم كسرت همزة إن هنا؟ ما حكمها؟ الوجوب "فاكسر في الابتداء" هذا
داخل فيه فاكسر في الابتداء {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ
الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [يونس: 65] {وَلَا يَحْزُنْكَ
قَوْلُهُمْ} من يعرب هذه؟ ها يا عبد الرحمن {وَلَا يَحْزُنْكَ} لا
ناهية {يَحْزُنْكَ} فعل مضارع مجزوم بلا سكون في محل نصب مفعول به نعم.
إذًا {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} {وَلَا يَحْزُنْكَ} لا ناهية
{يَحْزُنْكَ} فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه السكون أين
السكون؟ الظاهر على النون {يَحْزُنْكَ} الكاف ضمير متصل مبني على الفتح
في محل نصب مفعول به (قَوْلُ) هذا فاعل هو الذي يحزن النبي –صلى الله
عليه وسلم? {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ
جَمِيعًا} {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ} {إِنَّ} إن هذه حرف توكيد ونصب
{الْعِزَّةَ} اسمها {لِلَّهِ} خبرها متعلق بمحذوف خبر {جَمِيعًا} حال
أو توكيد نقول: والجملة لا محل لها من الإعراب مستأنفة استئنافًا
نحويًا على النوع الثاني يعني: الذي قطعت عما قبلها, لو لم نرفعها عما
قبلها كيف يكون المعنى؟ من قولهم {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ} هو الذي
يحزن النبي –صلى الله عليه وسلم? يعني: كأن المشركين قالوا وأثبتوا إن
العزة القهر والغلبة {لِلَّهِ جَمِيعًا} فأحزنوا النبي –صلى الله عليه
وسلم? وهل هذا صحيح؟ نقول: فسد المعنى. رأيتم الإعراب كيف أثر في
القرآن {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} إذًا {إِنَّ الْعِزَّةَ} لو قال
قائل {إِنَّ الْعِزَّةَ} مثل قوله {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} ماذا
تقول له؟ هل يصح أن يقول قائل {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ
الْعِزَّةَ} جاءت همزة إن مكسورة بعد القول كما في قوله {إِنِّي عَبْدُ
اللَّهِ} نقول: لا {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} الجملة هنا مقول قول
في محل نصب مفعول به أو مفعول مطلق أما قولهم {إِنَّ الْعِزَّةَ} نقول:
لا هذا مقطوع مقطُوع عما قبله أين مقول القول؟ نقول: محذوف قدره كما
ترى {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} إنك شاعر إنك مجنون إنك ساحر ...
إلى آخر ما يقولون إذًا مقول القول في
الآية محذوف وليس بقولهم {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} يعني:
ينبغي الوقف على قوله {قَوْلُهُمْ} {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} تقف
هنا, ثم بعد ذلك تستأنف الجملة فتقول {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ
جَمِيعًا} لو وصلت عمدًا يفهم السامع أو يفهم من يسمع القرآن أو قد يظن
من يقرأ ولا علم له بالنحو يظن أن مقول القول هو جملة {إِنَّ
الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} كذلك إذًا نقول {إِنَّ الْعِزَّةَ
لِلَّهِ جَمِيعًا} هذه مستأنفة استئنافًا نحويًا على النوع الثاني وهي
كونها مقطوعة عما قبلها {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا
يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى} [الصافات: 7، 8] جملة {لَا
يَسَّمَّعُونَ} هذه مثل ابن هشام رحمه الله خالد الأزهري على المستأنفة
استئنافًا نحويًا ولا يصح أن تكون مستأنفة استئنافًا بيانيًا
{وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} هل يصح أن يسأل سائلٌ فيقول
لأي شيء تحفظه من الشياطين فيجيب {لَا يَسَّمَّعُونَ}؟ هذا لا يستقيم
الكلام ولا يستقيم المعنى إذًا لا يمكن أن يكون {لَا يَسَّمَّعُونَ}
مستأنفة استئنافًا بيانيًا إذًا نقول: هي مستأنفة استئنافًا نحويًا
يعني: يجب أن تقطع عما قبلها, وإن كان هناك من جهة القواعد يحتمل أن
تعرب جملة {لَا يَسَّمَّعُونَ} صفة أو حال, لكن أيضًا على إعرابها صفة
يفسد المعنى وعلى إعرابها حالاً أيضًا يفسد المعنى {وَحِفْظًا مِنْ
كُلِّ شَيْطَانٍ} {مِنْ} حرف جر كلي مجرور بمن وهو مضاف و {شَيْطَانٍ}
مضاف إليه {مَارِدٍ} متكبر خارج عن الطاعة صفة لشيطان إذًا {شَيْطَانٍ}
صفة موصوفة أو اسم موصوف بقوله {مَارِدٍ} وقعت جملة {لَا
يَسَّمَّعُونَ} بعد نكرة موصوفة والقاعدة سيأتينا هذا المسألة الرابعة
أظنها أن [الجملة إذا وقعت بعد نكرة موصوفة جاز إعرابها حالاً أو صفة]
إذا وقعت الجملة فعلية أو اسمية بعد نكرة موصوفة أما نقول: إنَّ الجمل
بعد النكرات صفات, النكرات المحضة يجب أن تعرب الجمل بعدها صفات, الجمل
بعد المعارف أحوال إذا وردت نكرة موصوفة نقول: يجوز أن تعرب الجملة
التي سواء كانت اسمية أو فعلية أن تعرب الواقعةُ بعد نكرة موصوفة حالاً
أو صفة لكن نقول هنا على الوجهين لا يصح {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ
شَيْطَانٍ مَارِدٍ} {مَارِدٍ} هذه صفة أولى {لَا يَسَّمَّعُونَ} هل
الحفظ وقع لشيطان لا يسمع؟ لا, إذًا لا يستقيم المعنى "وحفظًا من كل
شيطان مارد لا يسمع" ليس هذا المراد, لو جعلت صفةً لصار هذا المعنى
فنقول: لا ليس هذا المراد, هل يصح إعرابها حالاً ولو أعربناها حالاً
تكون على الأصل حالا مقدرة؟ {مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا
يَسَّمَّعُونَ} أين صاحب الحال؟ شيطان الأصل في مجيء الحال صاحب الحال
أن يكون نكرة أن يكون معرفة أو نكرة موصوفة وهنا حصل الوصف بالتخصيص
{مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} الأصل في صاحب الحال أنه هو المقدر
للحال.
قَالَ مُحَمَّد هُوَ ابنُ مَالِكِ أَحْمَدُ رَبِّي اللَّهَ خَيْرَ
مَالِكِ
مصليًا .....
(مصلياً) هذه تقول: حال مقدرة (أحمد ربي)
من فاعل الحمد؟ ابن مالك، مصليًا حال مقدرة من الذي قدر الحال؟ هو نفسه
الحامد, هل يصح هنا أن يقال من كل شيطان مارد قدَّر أنه لا يسمع ولا
يريد السماع؟ أو قدر عدم السماع؟ ما يصح المعنى, إذًا إذا عربنا الجملة
هذه صفة أو حال نقول: لا يستقيمُ المعنى فيتعيَّن أن نجعلها "مستأنفة
استئنافًا نحويًا" أي مقطوعة عما قبلها هذا مثال أو الأمثلة السابقة
لجمل مستقلة يعني: هي مستأنفة استئنافًا نحويًا.
* قد يجتمع النوعان في جملة واحدة مثَّل ابن هشام رحمه الله النوعان
يقصد به "الاستئناف النحوي والبياني" (مَا لَقِيتُهُ مُذْ يَوْمَانِ)
قال ابن هشام رحمه الله: وهذا التركيب مشتمل على جملتين مستأنفتين, أما
الجملة الأولى فهي الفعلية المتقدمة (مَا لَقِيتُهُ) هذه جملة فعلية
مَا/ نافية لَقِيتُهُ/ فعل فاعل ومفعول به والجملة لا محل لها من
الإعراب مستأنفة استئنافًا نحويًا لأنه لم يسبِقها شيء مفتتح بها النطق
(مُذْ يَوْمَانِ مَا لَقِيتُهُ مَا أَنَا بِذَلِك مُذْ يَوْمَانِ) (مَا
بَيْنَكَ وَبَيْنَ لِقَائِهِ مُذْ يَوْمَانِ) إذًا نشأ سؤال من الجملة
الأولى مَا لَقِيتُهُ منذ متى؟ مَا أَنَا بِذَلِك مَا بَيْنَكَ
وَبَيْنَ لِقَائِهِ نقدِّر مَا أَنَا بِذَلِك على قول من رأى أن "مُذْ"
مبتدأ مقدم وَيَوْمَانِ خبر على أصله متأخر ونقدر مَا بَيْنَكَ
وَبَيْنَ لِقَائِهِ نقول: إذا جعلنا مُذْ خبرًا مقدما وَيَوْمَانِ/
مبتدأ مؤخرًا.
الحاصل أن التركيب (مَا لَقِيتُهُ مُذْ
يَوْمَانِ) اشتمل على نوعيِ الاستئناف الاستئنَاف النحوي في قوله (مَا
لَقِيتُهُ) والاستئناف البياني الذي واقع في جواب سؤال مقدر ناشئٍ عن
الجملة المتقدمة لأنه لما قال (مَا لَقِيتُهُ) يرد السؤال منذ متى؟ قال
(مُذْ يَوْمَانِ) إذًا جملة مُذْ يَوْمَانِ وقعت في جواب لسؤال مقدر.
ومثْلها (قَامَ الْقَوْمُ خَلا زَيْدًا) قَامَ الْقَوْمُ/هذه فعل فاعل
جملة فعلية لا محل لها من الإعراب مستأنفة استئنافًا نحويًا لأنه لم
يسبقها شيء, يرد السؤال هل زيد داخلٌ في القول؟ فقال (خَلا زَيْدًا)
إذًا جملة خَلا زَيْدًا وهي جملة فعلية على القول بأن الجملة جملة
الاستئناف لا محل لها من الإعراب نقول (خَلا زَيْدًا) هذه واقعة في
جواب سؤال مقدر ناشئ عن الجملة المتقدمة ما هي الجملة المتقدمة؟ هي
الجملة المشتملة على المستثنى منه, والمستأنف استئنافًا بيانيًا هي
المشتملة على المستثنى عندنا جملتان (قَامَ الْقَوْمُ خَلا زَيْدًا)
عندنا جملتان: جملة مشتملة على المستثنى منه وهي الجملة الأولى ونقول:
هي مستأنفةٌ استئنافًا نحويًا, وجملةٌ مجتملةٌ على المستثنى وهي قوله
(خلا زيدًا) نعربها إعرابًا تطبيقيًا كيف نقول نعربها ثم نقول لا محل
لها من الإعراب؟ الإعراب يطلق مرادًا به الإعراب الخاص عند النحاة,
والإعراب أيضًا يطلق ويراد به تنزيلُ الكلام على قواعد اللغة العربية.
تقول (قام) ما إعراب قام؟ قام/ فعلٌ ماضي كيف تقول ما إعراب قام؟ تناقض
هذا نقول: لا المقصود من ما إعراب قام ليس الإعراب الخاص الذي هو أثر
ظاهر ومقدر لا, نقول: ما تنزيل هذه الكلمة على قواعد اللغة العربية؟
واضح هذا؟ تنبهوا لهذا، إذا قيل في المبنيات ما إعراب قام؟ المبني أو
حرف جر تقول (مررت بزيد) أعرب بزيدٍ الباء حرف جر كيف تقول أعرب والحرف
لا أصل له في الإعراب لا حظ له في الإعراب؟ تقول: المراد بالإعراب في
السؤال: تطبيق الكلام أو تنزيل الكلام على قواعد اللغة العربية, وليس
المقصود به الإعراب الخاص، واضح؟ نعم إذا قلنا (قام زيدٌ) ما إعرابها؟
تقول: لا محل لها من الإعراب لم؟ لكونها جملةً مستأنفةً استئنافًا
نحويًا (خلا زيدًا) على القول بأنها لا محل لها من الإعراب نقول: لا
محل لها من الإعراب مستأنفةٌ استئنافًا بيانيًا لكونها واقعةً في جواب
سؤال المقدر ناشئٌ عن الجملة السابقة ناشئٍ عن الجملة السابقة وهي (قام
زيدٌ) نعم، إذًا قوله (في الابتداء سمها استنافيه) يعني: سمِّ أيها
الطالب الجملة المستأنفة أو المبتدأ بها في أول الكلام سواء كانت اسمية
أو فعلية (سمها استنافيه ** وبعد حتى وهي الابتدائية) (وبعد حتى) هذا
انتقل إلى مسألة فيها خلاف, وهي هل الجملة الواقعة بعد حتى الابتدائية
تكون استئنافيةً أم لا؟ فيه نزاع بين الجمهور وبين الزجاج وابن
دورستويه قال (وبعد حتى) أي: وسمها استئنافيةً إذا وقعت بعد حتى (حتى)
هذه ثلاثة أنواع (حتى) ثلاثة أنواع -تأتينا في النظم-: حتى العاطفة حرف
عطف، وحتى الجارة، وحتى الابتدائية.
حتى العاطفة: تقول: (قدم الحجاج حتى
المشاة) (مات الناس حتى الأنبياء) هذا مثالهم المشهور (مات الناس حتى
الأنبياء) كيف تعرب مات الناس حتى الأنبياء؟ مات -عبد الرحمن-: ماتَ/
فعلٌ ماضٍ الناس/ فاعل كيف فاعل؟ هم فعلوا الموت؟ الناس فاعل الموت حدث
فعلوا أو قاموا به؟ طيب كيف نقول فاعل؟ نعم أي، نوعي الفاعل: اسمٌ
صريحٌ أو مؤولٌ بالصريح أسْند إليه فعلٌ تام أو مؤولٌ به مقدمٌ عليه
بالأصالة واقعًا منه أو قائمًا به، وهذا الفاعل الاصطلاح وعليه تقول:
اصطلاحا (مات الناس) (سقط الجدار) مات الناس حتى، حتى؟ عاطفة، حرف عطف
مبني على السكون لا محل له من الإعراب الأنبياء / معطوف على الناس
والمعطوف على مرفوعِ مرفوعٌ (ألقى زاده حتى نعله) أو كذا (عرفت أمورك
حتى أنك فاضل) هذه أيضًا يحتمل أنها عطف -تأتينا إعرابها إذا قلنا أنها
عاطفة-.
حتى الجارة مثل ماذا؟ {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] جرت مثل
باء الجر (عرفت أمورك حتى أنك فاضل) هذا يحتمل أنها جارة ويحتمل أنها
عاطفة, ما بعد حرف الجر إن كان إنَّ وجب فتح الهمزة, إن إذا وقعت بعد
حرف الجر وجب فتحها همزتها حتى أنك فاضل, إذا وقعت بعد حتى العاطفة أو
الجارة وجب فتح همزتها. فتقول: حتى أنك فاضل إذًا: حتى فضلك أو ثبوت
فضلك فنقول: حتى هنا يحتمل أنها جارة, ويحتمل أنها عاطفة لكن إذا
قدَّرت أنها عاطفة تنصب المصدر بعدها (عرفت أمورك حتى فَضْلَكَ) تَنصب
ما بعدها, وإذا كانت جارة تجر المنصوب (عرفت أمورك حتى فَضْلِكَ)
بالكسر هذا الفرق بينهما.
أمَّا حتى الابتدائية هذه فيها نزاع بين أبي إسحاق الزجاج وابن
دورستويه مع الجمهور عند أبي إسحاق ومن تبعه حتى نوعان فقط: جارةٌ،
وعاطفة، ولا تكون ابتدائية، وعند الجمهور أن حتى ثلاثة أنواع: أثبتوا
حتى الابتدائية، حتى الابتدائية ضابطها هي الداخلة على الجملة المبتدئ
بها الكلام سواء كانت اسميةً أم فعلية, إذا دخلت على جملة ابتدئ بها
الكلام فنقول: حتى هذه حرف ابتداء لم؟ لكون الذي يليها مبتدئٌ بها
الكلام, ولا تقول لكون الذي يليها مبتدأ لأنه يليها الفعل تقول: لكون
الذي يليها يُبتدئ بها الكلام سواءٌ كانت جملةٌ اسمية أم جملةً فعلية،
جملةً اسمية مثالها قول جرير:
فما زالت القتلى تمد دمائها ... بدجلة حتى ماءُ دجلة أشكل
هذا الشاهد (حتى ماء دجلة أشكل) حتى/ حرف
ابتداء ماءُ/ بالرفع مبتدأ وهو مضاف ودجلة/ مضاف إليه أشكل/ هذا الخبر،
إذًا وقع بعد حتى هنا جملةٌ اسمية وقد يليها جملةٌ فعلية سواءٌ كان
فعلها فعلاً ماضيًا {حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ} [الأعراف: 95] إذا
قلنا حتى العاطفة والجارة الأصل فيها أن يليها المفردات أو ما في
تأويله, وهنا وَلِيها جملة فعلية فعلها ماضية كذلك يليها جملة فعلية
فعلها فعلٌ مضارع مرفوع (وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ)
[البقرة: 214] بالرفع على قراءة نافع (وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولُ
الرَّسُولُ) فنقول: حتى هذه ابتدائية حرف ابتداء ولِيها فعلية, فعلها
فعلٌ مضارع وهو مرفوع, هذا النوع فيه نزاع عند الجمهور عند الزجاج وابن
درستويه أن حتى جارة والجملة بعدها في محل جر, أن حتى على أصلها جارة
وما بعدها حرف جر. نعم. إذًا حكما على الجملة الواقعة بعد حتى بأنها في
محل جرٍ لم؟ لأن محل العاطفة أنها لا تدخل على الجمل إذًا ليست بعاطفة
والقسمة ثنائية إما عاطفة، وإما جارة, العاطفة لا تدخل على الجمل إذًا:
تكون جارة فالجملة بعدها في محل جرٍ حتَّى لأنها حرف جرٍ, والجمهور على
خلافهما، لذلك قال هنا (وبعد حتى) يعني: سمها استئنافية في الابتداء
وسمها استئنافية إذا وقعت بعد حتى (وهي الابتدائية) يعني: المفسرة
بقوله (هي الابتدائية) أي حتى التي يقال لها "حرف ابتداء" احترازًا من
حتى الجارة وحتى العاطفة إذًا ما يقعُ بعد حتى وهي حرف ابتداء نقول:
جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب, ثم رد قول الزجاج وابن درستويه
بقوله (وقول من جر بها لا يجري) جر بها يعني: حتى قول من؟ الزجاج ونحوه
(وقول: من جر بها) يعني: حتى الواقعة بين بعد التي تليها الجملة
الفعلية أو الاسمية (قول من جر بها لا يجري) يعني: لا يصح ولا يقع
صوابًا لأنها لو كانت حرف جر لعلمت الجر في مدخولها لو كانت حرف جر
لعلمت الجر في مدخولها (حتى ماءُ) بالرفع لو كانت حتى جارة لقيل (حتى
ماءِ دلجةِ) على الأصل {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] وحروف
الجر عندهم لا تعلق عن العمل يعنى: لا يقال إن الجملة هنا في محل جر
لم؟ لأننا نقول إن العدول عن العمل في محل الجملة نوع من التعليق
العدول عن العمل في محل الجملة هذا نوع من التعليق, والقاعدة أن حروف
الجر لا تعلق, وهذا هو التعلق الممنوع لم؟ لأن التعليق الممنوع في حق
الجر هذا نوعان:
الأول: أن تدخل على غير مفردٍ وما في تأويله أن تدخل على غير مفرد في
الجملة وما في تأويله يعني: ما يؤول أو ما يئوَّل بالمفرد.
الثاني: أن تدخل على مفرد ولا تعمل فيه لا يصح أن يقال (مررت بزيد) دخل
حرف الجر ولا يعمل في المفرد! هذا يسمى تعليق نقول: هذا لا يصح هذا لا
يصح, كذلك دخول على غير مفرد أو مؤول بالمفرد هذا لا يصح إذًا نوعان
للتعليق الممنوعان لحروف الجر.
الأول: دخولها على غير المفرد أو المؤول به
ثانيًا دخولها على مفرد ولكن لا تجره نقول: حروف الجر لا تعلق لا تعلق
وإنما تدخل على المفردات أو ما في تأويله, هل يصح أن يقال (عجبت مِن
يقوم زيدٌ؟) هنا نقول الجملة في محل جر لا يصح, هل يصح أن يقال (عجبت
من زيد قائمٌ) والجملة في محل جر؟ نقول: لا يصح, كذلك (حتى ماء دجلة
أشكل) كما أنه لا يصح أن يقال (عجبت من أن يقوم زيدٌ) والجملة الفعلية
في محل جر وعجبت من زيدٍ قائمٌ وزيد قائم في محل جر لا يصح هذا, إذًا
لا يصح أن يقال (حتى ماءُ دجلة أشكل) (حتى ماءُ دجلة أشكل) إذًا قوله
هنا (وقول من جر بها) يريد بها "حتى" رداً على الزجاج وابن درستويه (لا
يجري) يعني: لا يصح (إذ) هذا تعليل للحكم المنفي ما هو الحكم المنفي؟
ثبوت الجر حتى الابتدائية (إذ لا تعلق حروف الجر عن عمل) هذا الأول,
كيف نرد على من قال: إن حتى تجر ما بعدها محلاً؟ نقول: حروف الجر لا
تعلَّق. ما المراد بحروف الجر لا تعلق؟ أنها لا تعمل محلاً لا لفظًا.
..... وبعدها مكسورة ... إن أتت وفتحها مجرورة
(وبعدها) هذا دليل الثاني في رد هذا القول وهو أنه يقال (مرض زيد حتى
إنه لا يرجونه) (مرض زيد حتى إنه لا يرجونه) مرض زيد/ فعل وفاعل حتى/
هذه نقول ابتدائية إنه لا يرجونه/ جملة مستأنفة خلافاً نحوي مرفوعة عما
قبلها ما الدليل؟ نقول لو كانت هذه حتى حرف جر لوقعت بعدها أن وجب فتح
همزتها على القاعدة المطردة. (أشرت لزيد بأن قم) {ذَلِكَ بِأَنَّ
اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [الحج: 6] {بِأَنَّ اللَّهَ} هنا ما حكم فتح
همزة أن؟ الوجوب, لم؟ لكونها مدخلة حرف جر, والقاعدة أن حرف الجر إذا
دخل على إنَّ وجب فتح همزتها, وهنا (مرض زيد حتى إنه) لو كانت حتى هنا
حرف جر لوجب أن يقال (مرض زيد حتى أنه) حتى أنه لا يرجونه, فلما كسرت
فلما كسرت همزة إن بعد حتى علمنا أن حتى هذه ليست جارة وإنما هي حرف
ابتداء, لذلك قال (وَبَعدها) أي بعد حتى (مكسورةً) مكسورةً (وبعدها) أي
بعد حتى (مكسورة) أي: مكسورة الهمزة (إنَّ أتت) (إنَّ أتت) بعدها
(مكسورة) حال كونها مكسورة لكن تقف عليه بالسكون (وفتحها مجرورة)
(وفتحها مجرورة) والحال أن القاعدةَ عندهم فتحها أي: فتح همزتها حال
كونها مجرورةً بحرفٍ من حروف الجر حال كونها مجرورةً بحرف الجر, هذا هو
الدليل الثاني إذًا قول من قال: إن حتى الابتدائية حرف جر وما بعدها في
محل جر نرده بدليلين:
الدليل الأول: أشار له بقوله (إذ لا تعلق حروف الجر) (عن عمل) وكونُ
حتى تعمل في ما بعدها وهو جملة محلا لا لفظًا هذا نوع من التعليق,
والتعليق الأصل أنه لا ينقل حروف الجر هذا أولاً.
ثانيًا: وجدنا أنَّ "إن" تكسر بعد حتى ولو
كانت حرف جر لوجب فتحها فلما كسرت علمنا أن حتى هذه ليست بحرف جرٍ (إذ
لا تعلق) يعني تمنع (حروف الجر) (عن عمل) يعني: عن عملها وهو الجر
(وبعدها) أي حتى (مكسورة) مكسورة الهمزة (إن أتت) (إن أتت بعدها) بعد
حتى حال كونها مكسورة الهمزة (وفتحها مجرورة) والحال أن قاعدة عن
النحاة أجمعين: فتح همزة أنَّ متى؟ حال كونها مجرورة بحرف من حروف الجر
كالآية السابقة {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} {ذَلِكَ
بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} إذًا خلاصة هذه الأبيات الثلاث: أن
الجملة الأولى التي لا محل لها من الإعراب تسمى الجملة الابتدائية وهذه
الجملة الابتدائية ضابطها هي ما وقعة في ابتداء الكلام مطلقًا سواء
كانت اسمية أم فعلية وتسمى "المستأنفة" وابن هشام رحمه الله ذكر أنه
-يعني تسميتها بالمستأنفة أوضح- لم؟ لكون الابتدائية تطلق على الجملة
المصدرة بالمبتدأ ولو كان لها محل من الإعراب مثل بقوله (زيد أبوه
عالمٌ) أبوه عالمٌ هذا لها محل من الإعراب لأنها خبر وتسمى "جملة
ابتدائية" إذًا كل جملة ابتدائية نقول لا محل لها من الإعراب صحيح؟ لا,
ليس كل جملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب, بل بعضها لهو محل من
الإعراب [كل جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب] الاستئناف نوعان:
بياني ونحوي, والمراد هنا في هذا المقام "الاستئناف النحوي" أما البيان
فيذكر في موضعه وهو نوعان: الجملة التي افْتُتح بها النطق. النوع
الثاني: جملة مقطوعة عما قبلها, قد ينفرد ببعض الأمثلة الاستئناف
النحوي, وقد يجتمع معه الاستئناف البياني, مثَّل له بأمثلة منها (قام
القوم على زيد) (قام القوم حاش زيدًا) (قام القوم عدا زيد) يعني جملة
الاستثناء كذلك (ما لقيته مذ يومان) (ما لقيته مذ يومان).
ونقف على هذا.
وصلَّ الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|