شرح نظم قواعد الإعراب

عناصر الدرس
* أنواع الموصول الحرفي وضابطه.
* شروط صلة الموصول الاسمي والحرفي.

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمد عبد ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ:
فلا زال الحديث في بيان الجمل التي لا محل لها من الإعراب, قلنا الأولى هي تقديمها على الجمل التي لها محل من الإعراب, ذلك لأن الأصل في الجمل أنها لا تحل محل المفرد, ولا تكون أو لا يكون لها محل من الإعراب إلاَّ إذا أوِّلت بمفرد, إذا أولت بمفرد, لذلك إذا أولت بمفرد أو صح تأويلها بمفرد صح حينئذٍ أن يكون لها محل من الإعراب, وإذا لم يصح لا يصح أن يكون لها محل من الإعراب.
* ذكرنا الجملة الأولى وهي "الجملة الابتدائية" وهي الواقعة في ابتداء الكلام ثم ثنَّى الناظم بالجملة الواقعة صلة لموصوف قال رحمه الله (وصِلَةُ اسْمٍ أوْ لحِرْفٍ) يعني: الجملة الثانية من الجمل التي لا محل لها من الإعراب هي "الجملة التي وقعت صلة اسمٍ موصولٍ" أو التي هي "صلةٌ لحرف أيضًا موصول" لأنَّ الموصول -كما سبق- أنه على نوعين موصول اسمي وموصول حرفي, وذكرنا أن الموصول الاسمي نوعان: خاص، ومشترك. وبيَّنا كلاً من النوعين, وذكرنا أن الموصول حده: هو ما افتقر إلى صلة وعائد, ما افتقر إلى صلة وعائد, قلنا ما افتقرَ لماذا؟ لكون الموصول في نفسه ناقصًا من جهة إفادةِ المعنى, فلا يخل معناه إلا بضميمة جملة تمِّم معناه, ولذلك عبر عنه بأنه ما افتقر والافتقار أشد الاحتياج, إذًا لا يمكن أن يعبر عن المعنى التام باسم الموصول بل لا بد أن يكون ثَمَّ جملة تُتمم معناه, ولذلك عندهم أن اسم الموصول ناقص لا يتمُّ معناه بنفسه بل لا بد من ضميمة جملة أخرى تتمِّم معناه (ما افتقر إلى صلة) والصلة هذه قلنا: على نوعين جملة أو شبه جملة.
وجملة أو شبهها الذي وصل ... به كمن عندي الذي ابنه كفل
ويشترط في هذه الجملة أن تكون مشتملة على عائد أو رابط يسمى عائداً ويسمى رابطًا يعود على الموصول ويشترط في هذه الجملة أن تكون تاليةً للاسم الموصول لذلك ابن مالك قال:
وكلها يلزم بعده صلة ... .........................
بعده إذًا لا يمكن أن تتقدم جملة الصلة على الاسم الموصول أو على الموصول الحرفي, بل لا بدَّ أن تكون تاليةً له (ما افتقر إلى صلة) وقلنا: هذا نوعان جملة وشبه جملة, وفسرنا الجملةَ أنها تكون اسمية أو فعلية, وشِبه الجملة في هذا المقام ثلاثة أشياء -بخلاف شبه الجملة في باب الخبر- فإنه هناك خاص بنوعيه, وهما الجار والمجرور والظرف, الظرف بنوعيهِ الزماني والمكاني على تفصيل فيه, وهنا يشمل الظرف المكاني على جهة الخصوص والجار والمجرور.
وصفة صريحة صلة الـ ... ...............
وَكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ ... ............


وفصلنا ما يتعلق بهذه بقي (وعائد) لا بد أن تكون الجملة مشتملة على عائد يعني: على رابط يربط الجملة بالاسم الموصول, وهذا خاص بجملة الصلة إذْ وقعت صلة لاسم الموصول لأن جملة الصلة تكون صلة لاسم الموصول, وتكون صلة لحرف موصول أو الموصول الحرفي. متى يشترط العائد؟ إذا وقعت الجملة صلة لموصولٍ اسميٍ لا بد له من عائد, والعائد هذا رابط الضمير يعود على الاسم الموصول, ولا يشترط في جملة الصلة إذا وقعت صلةً لموصول حرفيٍ أن تكون مشتملة على عائد على ضمير لم؟ لأننا لو اشترطنا أنَّ جملة الصلة التي هي صلة الموصول الحرفي أن تكون مشتملة على رابط على ضمير, مرجع هذا الرابط هو الموصول والقاعدة [أن الضمائر لا تعود إلاَّ على الأسماء] إذًا لن يكون عندنا موصول حرفي أليس كذلك؟ لو اشترطنا أن يكون في الموصول جملة الصلة -إذا وقعت صلةً لموصول حرفي- نقول: مرجع الضمير هو الموصول, فلو اشترطنا الضمير في صلة الموصول الحرفي لرجع الضمير إلى الموصول الحرفي, والضمائر لا تعود إلا على الأسماء وهذا متعدي, هذا متعدي, يشترط في الضمير أن يكون مطابق للموصول إذا كان مفردًا مذكرًا أفردَ وذُكِّر , وإن كان مفردًا مؤنثًا أفردَ وأنِّث, وإن كان مثنًى جمعًا كذلك مثنًى مؤنثًا كذلك إن كان جمعًا بنوعيه كذلك. تقول (جَاءَ الَّذِي ضَرَبْتُهُ) ضربت الذي: هذا اسم موصول ضربته: ضربت هذا جملة الصلة أين العائد؟ الهاء الضمير هذا يشترط أين مرجعه؟ الذي (جَاءَ الَّذِي ضَرَبْتُهُ) تقول: جملة الصلة ضربت فعل فاعل اشتملت على عائد على رابط على ضمير, مرجع هذا الضمير هو "الذي" لا بد أن يكون مطابقًا له, الذي هذا مفرد مذكر إذًا لا بد أن يكون (ضربته) الضمير مفردًا مذكراً ولا يصح أن تقول (جَاءَ الَّذِي ضَرَبْتُهَا) لم؟ لأن "الذي" مرجع الضمير مفرد مذكر, والضمير العائد مفرد أيضًا لكنه مؤنث هل تطابقا؟ لم يتطابقا وشرطه العائد أن يكون مطابقًا لمرجعه وهو: اسم المرفوع. فتقول (جَاءَ الَّذِي ضَرَبْتُهُ) (جَاءَت الَّتِي ضَرَبْتُهَا) (جَاءَ اللَّذَانِ ضَرَبْتُهُمَا) (جَاءَت اللَّتَانِ ضَرَبْتُهُمَا) (جَاءَ الَّذِين ضَرَبْتُهُمْ) (جَاءَت اللَّاتِي ضَرَبْتُهُنَّ) إذًا لا بد من مطابقة الضمير للاسم الموصول, مرجع الضمير هو الاسم الموصول.


* قلنا -فيما سبق- أنَّ الذي له محل من الإعراب والذي لا محل له من الإعراب, الذي الاسم الموصول له محل من الإعراب, وجملة الصلة التي تعدُّ متممةً لمعناه لا محل لها من الإعراب تقول (جَاءَ الَّذِي ضَرَبْتُهُ) قال الناظم (وصلة اسم) يعني: اسم الموصول صلة اسم هو الذي ليس له محل من الإعراب, إذا نظرت في التركيب (جَاءَ الَّذِي ضَرَبْتُهُ) الَّذِي: موصول وَضَرَبْتُهُ: صلة اسم الذي لا محل له من الإعراب هو الجملة التي وقعت صلة للموصول, وأما نفس الموصول فلَهُ محل من الإعراب, جَاءَ: هذا فعل ماض الَّذِي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل ضَرَبْتُهُ: فعل وفاعل ومفعول به والجملة لا محل لها من الإعراب هذا قول الجمهور أنه لا بد من التفصيل. الذي لا محل له من الإعراب هو جملة الصلة نفسها, أما الاسم الموصول فهو في محل إعراب على حسب العامل الذي يقتضيه (مَرَرْتُ بِالَّذِي ضَرَبْتُهُ) صار "الذي" في محل جر (رَأَيْتُ الَّذِي ضَرَبْتُهُ) صار "الذي" في محل نصب (جَاءَ الَّذِي ضَرَبْتُهُ) في محل رفع إذًا على حسب ما يقتضيه العامل يكون محل الاسم الموصول, أما جملة الصلة فلا محل لها من الإعراب مطلقًا هذا قول الجمهور, وذهب أبو البقاء العُكبري إلى أن الموصول مع صلته في محل كذا قياسًا على الموصول الحرفي فإنه مع مدخوله في محل كذا ... {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] "أن" من الموصولات كما سيأتي أن من الموصولات هل هي موصولة حرفي أم اسمي؟ موصول حرفي قطعًا {تَصُومُوا} هذا هو جملة الصلة لا محل لها من الإعراب "أن وما دخلت عليه" الموصول مع صلته في تأويل مصدر في محل رفع مبتدأ إذًا الموصول مع صلته في محل رفعٍ لمْ نقل الموصول لوحده! وهنا قلنا: الذي لوحده في محل كذا قال: لماذا نفرق بين الموضعين؟ لا بد أن نحمل الاسم الموصول مع صلته أنه في محل كذا كما قلنا في الموصول الحرفي مع صلته أنه في محل كذا؟
الجواب: أنه يفرق بينهما, أن الاسم الموصول مستقل بالعائد لأنه اسم وكل اسم لا بد له في الأصل أن يكون له إعراب إما لفظيًا أو تقديريًّا أو محليًّا, والإعراب المحلي هذا خاص بالمبنيات ويلحق به المصادر الملتبسة, أمَّا "أن" هل يمكن أن يستقل بنفسه, لا, لأنه حرف والحرف لا حظ له من الإعراب إذًا فرقٌ بينهما أن الأول له حظ من الإعراب والثاني لا حظ له من الإعراب فكيف يقاس هذا على نقيضه؟ ما له محل من الإعراب نقيضُ لما له محل من الإعراب أين الجامع؟ ليس بنيهما جامع, ليس بنيهما جامع, إذًا الصلة أو الاسم الموصول نقول: هو ما افتقر إلى صلة وعائد, وبيَّنا أنه خاص ومشترك.
أما الموصول الحرفي: فعند النحاة المشهور أنه خمسةٌ, وضابط الموصول الحرفي أولاً ضابطه: هو ما أوِّل مع صلته بمصدرٍ. يعني تأتي للحرف المصدري مع صلته مع الجملة التي تليه فتنزع هذه الجملة من التركيب إن صح الإتيان بمصدر في موضعه فهو موصولٌ حرفيٌ, إن صح الإتيان بمصدر صريح في موضع الموصول الحرفي مع صلته فنقول: هذا موصول حرفي.
موصولا الحرفي ما أول مع ** صلته في مصدر كيف وقع


وهو خمسة أو ستة أو سبعة المشهور أنه خمسة: أَنْ المصدرية، وأَنَّ أخت إِنَّ، وما المصدرية، وكي، ولو. هذه الخمسة المشهورة زاد بعضهم: الذي, وزاد بعضهم: همزة التسوية.
موصولا الحرفي ما أول مع ** صلته في مصدر كيف وقع
وذاك أَنْ والوصل فعل صرفا **** ....................
(وذاك أَن) أول الموصولات: أَنْ بفتح الهمزة وسكون النون سكونًا أصليًا, احترازًا من أن بفتح الهمزة وسكون النون سكونًا عرَضيًا وهو أن المخففة من أَنَّ (وإن تخفف أَنَّ) يعني: بحذف إحدى النونين صارت أَنْ {وَأَنْ عَسَى} [الأعراف: 185] أن هذه ليست مصدرية بمعنى التي نتحدث عن هي تأول مع ما بعدها بالمصدر لكنها ليست هي أن المصدرية الناصبه في الأصل, فأن بفتح الهمزة وسكون النون سكونًا أصليًا لا عرَضيًا نقول: هذه تدخل على الفعل مطلقًا يعني صلتها الفعل مطلقًا -الفعل الماضي والفعل المضارع والفعل الأمر أو فعل الأمر- ويشترط في الثلاثة: أن يكون متصرفًا يعني توصل أنْ المصدرية بالفعل المضارع والمثال المشهور قوله تعالى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} أن هذه مصدرية حرف مصدري صلتها {تَصُومُوا} , {تَصُومُوا} تقول: فعل مضارع منصوب بـ أن المصدرية ونصبه حذفُ النون, والواو فاعل الجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول "أن وما دخلت عليه" في تأويل مصدر إذًا صحَّ أن يؤول الموصول الحرفي هنا بمصدر "أن وما دخلت عليه" يعني والفعل الذي يليها تأوَّل أو تسبق بمصدر في محل رفع مبتدأ فتقول: وصيامكم {وَأَنْ تَصُومُوا} أي: وصومكم, أو صيامكم {خَيْرٌ لَكُمْ} إذًا صح تأويلها بمصدر.
* كذلك توصل بالفعل الماضي (عَجِبْتُ مِنْ أَنْ ضَرَبْتَ زَيْدًا) أَنْ: حرف مصدري ضَرَبْتَ: فعل وفاعل والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول الحرفي لأننا نقول: صلة الموصول الاسمي والحرفي لا محل لها من الإعراب إذًا ضربت: فعل فاعل والجملة لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول الحرفي, "أن وما دخلت عليه" وهو الفعل الماضي في تأويل مصدر مجرور بحرف جر (عَجِبْتُ مِنْ ضَرْبِكَ ضربِك) تجره بالكسرة لمَ؟ لأنه مجرور بمن لذلك تقول (عَجِبْتُ مِنْ أَنْ) مِنْ: حرف جر وهي من علامات الأسماء كيف دخلت على الحرف؟ هل دخلت على حرف هنا؟ ما دخلت على حرف, إنَّما دخلت على اسم تأويلاً وهو المصدر (عَجِبْتُ مِنْ أَنْ تَضْرِبَ) (عَجِبْتُ مِنْ أَنْ ضَرَبْتَ زَيْدًا) عَجِبْتُ مِنْ أَنْ ضَرَبْتَ لا تقل هنا دخلت "من" على حرف, وإنما دخلت من على المصدر المؤول من "أنْ وما دخلت عليه" والأصل (عَجِبْتُ مِنْ ضَرْبِكَ) إذًا ما دخلت مِنْ هنا على حرف وإنما دخلت على اسم تأويل ولذلك الاسم المجرور بحروف الجر قد يكون اسمًا صريحًا, وقد يكون اسمًا مؤولاً بالصريح (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ) هنا نقول: صريح (عَجِبْتُ مِنْ أَنْ تَضْرِبَ) دخلت على اسم لكنه مؤول وليس صريحًا, مؤول بالصريح لأن "أن" هذه مصدرية تأول مع ما بعدها بمصدر إذًا لا يصح أن يقال: الحرف هنا دخل على حرف بل دخل على اسم تأويلاً.


* مثال الأمر (أَشَرْتُ إِلَيْهِ بِأَنْ قُمْ) بِأَنْ قُمْ أيضًا الباء دخلت على أنْ وهي حرف جر أن حرف أليس كذلك؟ هل يدخل الحرف على الحرف؟ الجواب لا، كيف دخلت هنا على الحرف؟ نقول: ليس دخولها على الحرف بل دخولها على الاسم المؤول من "أن وما دخلت عليه" (عَجِبْتُ أو أَشَرْتُ إِلَيْهِ بِأَنْ قُمْ) أن حرف مصدري قم: هذا فعل أمر وهو صلة أنْ لا محل لها من الإعراب قم تقول: فعل أمر والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنت, والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة أنْ "أَن وما دخلت عليه" وهو الفعل فعل الأمر في تأويل مصدر مجرور بحرف الجر (أَشَرْتُ إِلَيْهِ بِأَنْ قُمْ) يعني بالقيام. أَشَرْتُ إِلَيْهِ بِالْقِيَامِ, إذًا يشترط في أن توصل بالفعل يعني صلتها لا يكون إلا فعلاً ويشترك هنا الفعل المضارع وهذا بالإجماع فعل مضارع, والفعل الماضي والأمر على خلاف فيهما, والمرجَّح عند الجمهور صحة وصل أن بالفعل الماضي والأمر, بقي ماذا؟
قلنا: يشترط فيه أن يكون فعلاً متصرفًا فإنْ وقع الفعل الجامد بعد أنْ فهذه "أن" نحكم عليها بأنها ليست المصدرية (أن تصوموا) (أن ضربت) بأن قمت نقول: هذه أن مخففة من الثقيلة {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] أنْ أيضًا مفتوحة الهمزة ساكنة النون مثل {وَأَنْ تَصُومُوا} أن مفتوحة الهمزة ساكنة النون قلنا: ساكنة النون أصالةً احترازًا من ساكنة النون فرعًا وهي أنْ ليس {وَأَنْ لَيْسَ} أنْ هذا السكون ليس أصليًا وإنما هو عارض لماذا؟ لأنه أصلها (أَنَّ أخت إِنَّ) فخففت بحذف إحدى النونين قيل: الأُولى. وقيل: الثانية. ما الدليل على أنها أخت أو المخففة من أَنَّ؟ كون الذي يليها فعل جامد, وأنْ المصدرية لا يليها إلا فعل متصرف لما ولي أن ليس وهو فعل ماضٍ ناقص جامد علمنا أن هذه ليست مصدرية وإنما هي مخفَّفة من الثقيلة {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} [الأعراف: 185] {عَسَى} هذا فعل ماضي ناقص أو زائد وهو جامد (عسى أن) تقول: أن هذه ليست أن المصدرية لماذا؟ لأن أن المصدرية لا يليها إلا فعل متصرف وليس وعسى فعلان جامدان فعلمنا "أن" هذه مخففةٌ من الثقيلة إذًا هذا الموصول الحرفي الأول وهو أنْ, ويوصل بالفعل مطلقًا يعني: الفعل المضارع والماضي والأمر بشرط كونه متصرفًا فإن كان جامدًا تاليًا لـ"أن" فهي مخففة من الثقيلة.
الثاني: الموصول الحرفي كي:
وكي بما طاب عن اللام حرفان


"كيْ" هذه وتوصل بالفعل المضارع فقط, توصل بالفعل المضارع فقط, يعني متى تأول مع ما بعدها بمصدر؟ إذا تلاها فعل مضارع وكانت ناصبه بنفسها لأنه لو كان الفعل منصوبًا بأن مضمرة لدخلنا في النوع الأول, ونحن نريدُ موصولاً خاصًا منفكًا عن "أن" {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} ... [الأحزاب: 37] {لِكَيْ لَا يَكُونَ} {يَكُونَ} هذا فعل مضارع منصوب بكيْ, منصوب بكي, ما الدليل على أنه منصوب بكي؟ اللام وجود اللام (جِئْتُكَ لِكَيْ تُكْرِمَ زَيْدًا) تكرم هذا فعل مضارع منصوب بكَي نفسها وليس أنْ مضمرة بعد كي والدليل؟ اللفظ بلام التعليل هذه اللام تسمى لام كي (جِئْتُكَ لِكَيْ تُكْرِمَ زَيْدًا) لِكَيْ: اللام حرف جر وكي أيضًا حرف كيف دخل الحرف على الحرف؟ نقول: لا, اللام هنا لم تدخل على الحرف, وإنما دخلت على اسم تأويلاً لأنَّ كي حرف مصدري (تُكْرِمَ) هذا فعل مضارع منصوب بكي أليس كذلك؟ ونصبه فتحة (تكرم) نقول: لا محل لها من الإعراب يعني: بعد أن تعرب الفاعل (تُكْرِمَ زَيْدًا) تكرم أنت والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة موصول "كي وما دخلت عليه" في تأويل مصدر مجرور باللام (جِئْتُ لإِكْرَامِكَ) أو (لإِكْرَامِ زَيْدًا) جِئْتُ لإِكْرَام, تكرمُ المصدر منه أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامًا من باب أَفْعَلَ المصدر يأتي على إِفْعَال أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامًا إذًا (جِئْتُ لِكَيْ تُكْرِمَ) أي لإكرامك زيدًا فنقول: كي هذا حرف مصدري, ولا توصَل إلا بفعل مضارع يعني لا يكون صلتها الماضي ولا الأمر ولا الجملة الاسمية وإنما يختصُّ بالفعل المضارع.
الثالث من الموصولات الحرفية: أَنَّ بفتح الهمزة وتشديد النون يعني (أُخْتُ إِنَّ) هذه تكون مصدرية يعني تأوَّل معموليها بمصدر, تأوَّل مع معموليها بمصدر, ويشترط فيها أن تكون مسبوقة بكلام يعني لا يصح أن تقع في أول الكلام, تقول (عَلِمْتُ أَنَّ زَيْدًا قَائِمٌ) أَنَّ: هذا حرف توكيد ونصب. زَيْدًا: اسم أَنَّ منصوب بها وعلامة نصبه فتحة ظاهرة على آخره قَائِمٌ تقول: خبر أنَّ, أَنَّ هذه تأوَّل مع معموليْها الاسم والخبر بمصدر يعني تأخذ "أن ومعموليها" وتضع مكانها مصدر, كيف تأوَّل هذا المصدر؟ قالوا: ننظر إلى خبر أن إما أن يكون مشتقًا وإما أن يكون جامدًا وإما أن يكون جارًا ومجرورًا أو ظرفاً لا يخلو من هذه الأحوال الأربعة أو الثلاث.


* إنْ كان مشتقًا فلا إشكال -مشتقًا- يعني: اسم فاعل واسم مفعول وأفعل التفضيل وصفة مشبهة (عَلِمْتُ أَنَّ زَيْدًا قَائِمٌ) قائم هذا خبر أنْ إذًا هو مشتق كيف نؤول أَنَّ ومعموليها؟ نقول: نأتي بمصدر من لفظ خبرها لأنه مشتق تضيفه إلى اسم أَنَّ تقول في مثل هذا التركيب (عَلِمْتُ قِيَامَ زَيْدٌ) حذفت "أَنَّ" قِيَامَ من أين أخذته؟ لأن أنَّ مع معموليْها لا بد من الإتيان بالمصدر لأن أَنَّ مع معموليها لا بد أن تأول بمصدر يعني الذي يؤتى به في هذا الموضع لا بد أن يكون مصدر أخذنا هذا المصدر من أين؟ من (خبر أَنَّ) لأنه مشتق (قَائِمٌ) هذا مشتق من أي شيء؟ من القيام لأنه اسم فاعل, فتضيف هذا المصدر إلى اسم أَنَّ فتقول (عَلِمْتُ قِيَامَ زَيْدٍ) قِيَامَ زَيْدٍ: أضفت مصدر الخبر إلى اسم أَنَّ, واضح هذا؟ هذا إن كان مشتقًا.
* إن كان جامدًا (عَلِمْتُ أَنَّ زَيْدًا أَخُوكَ) أَنَّ زَيْدًا: اسمها. أَخُوكَ خبرها. قائم هناك واضح أتينا بمصدره أما هنا جامد هذا لا مصدر له كيف نصنع؟ قالوا: نأتي بالكَون وهو مصدر كان الكون مصدر كان, نأتي بالكون مضافًا لاسم أَنَّ فتقول (عَلِمْتُ كَوْنَ زَيْدٍ أَخَاكَ) أضفت الكون إلى اسْم أَنَّ, ثم جعلت أَخَاكَ هذا معمولاً للكون لأنه ينصب ويرفع (أَخَاكَ) إيش إعرابه؟ خبر الكون نعم, لأن كان وغير ماضي مثله قد عملا, كان ترفع وتنصب سواء كانت اسم فاعل اسم مفعول أو مصدر.
بِبَذْلٍ وَحِلْمٍ سَادَ فِي قَوْمِهِ الفَتَى ... وَكَوْنُكَ إيَّاهُ عَلَيْكَ يَسِيرُ
إذًا (عَلِمْتُ كَوْنَ زَيْدٍ أَخَاكَ) كَوْنَ هذا مفعول لعلمت مضاف إلى اسمها أَخَاكَ: هذا خبر خَبر كون هذا متى؟ إذا كان الخبر خبر أَنَّ جامد.
* فإن كان ظرفًا أو جارًا ومجرورًا (عَلِمْتُ أَنَّ زَيْدًا عِنْدَكَ) (عَلِمْتُ أَنَّ زَيْدًا فِي الدَّارِ) بعضهم يرى أنه كالأول يعني تأتي به بلفظ الكون ولا إشكال, وبعضهم ينص على أنه يؤتى بالاستقراء (عَلِمْتُ اسْتِقْرَارَ زَيْدٍ فِي الدَّارِ) (عَلِمْتُ اسْتِقْرَارَ زَيْدٍ عِنْدَكَ) إذًا كيف نؤول أنَّ ومعموليها؟ نقول: ننظر إلى الخبر فإن كان مشتقًا نأتي بمصدر الخبر, ونضيفه إلى اسم أَنَّ إن كان مشتقًا, وإن كان جامدًا أو جارًا ومجرورًا أو ظرفًا نأتي بالكون أو الاستقرار الكون في الجمود والاستقرار في الظرف والجار والمجرور هذا أَنَّ.
" أَنْ المخففة " مثلها إلا أن الفرق بينهما أنَّ "أَنَّ" اسمها مذكور وأَنْ المخففة اسمها يجب حذفه.
........ ... وإن تخفَّف أَنَّ فاسمها استكَن
يعني: استتر صار ضميرًا وهو ضمير الشأن {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} وأنْهُ, تقدر الاسم محذوفًا, هذا الثالث أَنَّ.


الرابع: مَا, ما هذه تكون ظرفية مصدرية, تكون مصدرية ظرفية, وتكون مصدرية غير ظرفية متى تكون مصدرية؟ إذا أولت بمصدر, وظرفية إذا أضيفت إلى الظرف (لا أَصْحَبُكَ مَا دُمْتَ مُنْطَلِقًا) "مَا" هذه مصدرية تأوَّل مع ما بعدها بمصدر وهي ظرفية, لماذا؟ لأنها تأول بمصدرٍ مضاف إلى ظرف (لا أَصْحَبُكَ مَدَّةَ دَوَامِكَ مُنْطَلِقًا) لا أَصْحَبُكَ مَدَّةَ دَوَامِكَ مُنْطَلِقًا, وغير ظرفية أيضًا توصل بالفعل الماضي (عَجِبْتُ مِمَّا ضَرَبْتَ زَيْدًا) عَجِبْتُ مِمَّا ضَرَبْتَ زَيْدًا مَا: حرف ودخل عليه من تقول: لا, من لم تدخل على ما وإنما دخلت على اسم تأويلاً (عَجِبْتُ مِنْ ضَرْبِكَ زَيْدًا) (عَجِبْتُ مِمَّا تَضْرِبُ زَيْدًا) أي عَجِبْتُ مِنْ ضَرْبِكَ زَيْدًا وهل توصل بفعل الأمر؟ الجواب: لا، لا توصل بالفعل الأمر ولذلك قال السيوطي:
............. **** وما بذي تصَّرف لمَََا أمر
يعني: توصل بفعل متصرف سواءٌ كان ماضيًا أو مضارعًا, أما فعل الأمر فلا يكون صلةً "لما" هذا الرابع.
الخامس: لو، لو هذه توصل بالماضي والمضارع المتصرفين يعني: يتلوها إذا أردت أن تأولها مع ما بعدها بمصدر لا بد أن يتلوها فعل مضارع أو ماضي متصرفين, ولا يتلوها الأمر ولا يتلوها فعل الأمر, وتكون مصدريةً إذا سُبقت بما يُفهِم التمني {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9]، {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} [البقرة: 96] {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ} لو: هذه حرف مصدري, والدليل أنها سبقت بما يدل على التمني بما يفهم التمني {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} يعمر هذا صلة لوْ , تقول: فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم, والفاعل هو, والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها صلة الموصول الحرفي, لو "لَو وما دخلت عليه" في تأويل المصدر يود أحدهم تعميرَه {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ} ودُّوا مداهنتك إذًا أوِّلت بمصدر هذا الخامس لو (أَنْ، وكي، وأنَّ، ولو، وما)
بقي السادس المختلف فيه: الذي, الَّذي -سبق أنه اسم موصول-, عند بعضهم وابن هشام أيد هذا أن الذي يأتي حرفًا موصولاً, واستدلوا بقوله تعالى {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69].
* ما الدليل على أن الذي هنا موصول حرفي؟ قالوا: الذي خاضوا "الواو" هذه في الظاهر أنها هيَ العائد, لو جعلناها اسمًا هل حصل التطابق بين العائد ومرجعه؟ الجواب: لا، لأنه يقال: لو كان الضمير يعود على "الذي" لقيل (وخضتم كالذين خاضوا) ليحصل التطابق كما تقول (جَاءَ الَّذِينَ ضَرَبْتُهُم) ضربتهم الضمير هنا جمع يعود على الذين إذًا توافقا تطابقا, أما (جَاءَ الَّذِي ضَرَبْتُهُم) هذا لا يصح, إما أن يقال (وخضتم كالذين خاضوا) وإما أن يقال (وخضتم كالذي خاض) ويكون الضمير مستتر مفرد عائد على "الذي" هذا وجه الاستدلال, فلما جاء مخالفًا للذي ولم يتطابقا علمنا أنه ليس موصولاً اسميًّا بل هو موصول حرفيّ.


* والجواب عن هذا -الجمهور الذين أسقطوا "الذي" أن يكون موصولاً حرفيًّا- قالوا: نجيب بأحد الجوابين: إما أن يكون "الذي" صفة لموصوف, على قولهم -أن يكون الذي اسمًا موصولاً- صفةً لموصوف محذوف (وخضت خوضًا كالخوض الذي خاضوه) والعائد محذوف فصحَّ التركيب يعني: يريدون أن يجعلوا الضمير العائد محذوفاً وهو مفرد مذكر ليحصل التطابق بين العائد ومرجعه الاسم الموصول, فجعلوا "الذي" اسمًا موصلاً صفةً لموصوف محذوف وهو مصدر (وخضتم خوضًا كالذي كالخوض الذي) إذًا صار الذي نعتٌ للخوض المحذوف, خاضوا أين العائد؟ قالوا: محذوف, والأصل (خاضوه) هل حصل التطابق بين الذي والضمير؟ نعم, حصل التطابق خاضوه العائد ليس هو الواو, وإنما هو ضميرٌ مفردٌ مذكرٌ محذوف, وعندهم وجه العائد إذا وقع منصوبًا أو في محل نصب صار فضلةً فجاز حذفه -إذا دل عليه دليل-, وهنا حذف إذًا الذي لم يخرج عن اسميته وليس الواو هو العائد على الذي حتى يقال بعدم التطابق, وإنما العائد محذوف الذي (كالخوض الذي خاضوه) فحصل التطابق بين العائد والاسم الموصول هذا جواب.
* الجواب الثاني: أنه ثبت لغةً أنه يجوز حذف النون من الذين واللذان واللتان يجوز لغةً حذف النون وهنا {كَالَّذِي} قيل: حذفت نونه لغةً, والأصل (كالذين خاضوا) هل حَصل التطابق؟ حصل التطابق, مرادهم بهذين الجوابين أن يطابقوا بين العائد والاسم الموصول, إما أن تقول: أنَّ الاسم الموصول جمع وليس بمفرد على حذف النون لغةً {كَالَّذِي خَاضُوا} الأصلُ (كالذين خاضوا) حصل التطابق لا إشكال, وإما أن تقول "الذي" على أصله مفرد مذكر والضمير تقديره مفردًا مذكر ليحصل التطابق لماذا؟ لأن دليل من جعل أو حكم بحرفية الذي في هذا الترتيب هو عدم التطابق هذا دليل -لأنه بالإجماع لا بد أن يكون الصلة مشتملة على ضمير مطابق للاسم الموصول- لا يصح أن يقال (جَاءَ الَّذِي ضَرَبْتُهَا) أو (جَاءَ الَّذِي ضَرَبْتُهُمْ) أين مرجع الضمير؟ الاسم الموصول لا بد من التطابق فلما قيل {كَالَّذِي خَاضُوا} لم يحصل التطابق في الظاهر الواو تدل على الجمع والذي مفرد إذًا لا بد من إما أن نسلِّم أن الذي هنا موصول حرفي, والموصول الحرفي لا يشترط له عائد أليس كذلك؟ بل شرط العائد في الموصول الاسمي, إما أن نسلم أنه موصول حرفي لعدم التطابق, وإما أن نجعله على أصله أنه موصول اسمي, ولا بد من تأويل يطابق بين العائد ومرجعه ..
* إذًا عرفنا الآن الموصولات الحرفية هذه نظمها السيوطي رحمه الله في ألفيته:
موصولاً الحرفيّ ما أوِّل معْ ** صلته بمصدرٍ كيف وقعْ
هذا تعريف للموصول للحرفي.
وذاك أن والوصل فعلٌ صرَّفا ** وكي بما ضارع للاَّم قفا
بما ضارع يعني: للمضارع للام قفا, يعني تلاه اللام, لأنه إذا دخلت اللام على كيْ تعينت أن تكون كي هي الناصبة.
وأنَّ والوصلُ ابتداءٌ والخبر ** وما بذي تصرّف لمََا أمَر
ولو كما بتِلو مفهمٍ كملْ ** ومن يزد فيه الذي فما وهنْ


لأنَّ السيوطي يرى أنه لا بأس من زيادة الموصول الحرفي وهو "الذي", وابن هشام رحمه الله في (الشذور) لما ذكر قوله تعالى: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ} [طه: 69] جوَّز أن تكون "ما" هنا بمعنى الذي موصول حرفي, لا هذا ليس موضعنا {إِنَّمَا صَنَعُوا} إنَّ الذي صنعوا. الذي: اسم موصول أليس كذلك؟ {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ} "إن الذي صنعوه" كيد ساحر {كَيْدُ} مرفوع على أنه خبرُ إِنَّ, أين اسم إِنَّ؟ ما, على أنها اسم موصول, جوز ابن هشام في هذا التركيب أن تكون ما موصولاً حرفيًا إذًا ... (وصلة اسم أو لحرف) أو هذه قلنا للتنويع, إذًا يشترط في صلة الموصول الاسمي والموصول الحرفي اللَّذين حكمنا عليهما بأنهما لا محل لهما من الإعراب يشترط فيها ثلاثة شروط عند النحاة:
الأول: أن تكون خبرية, يعني: لا بد من جملة الصلة أن تكون خبرية, والخبرية عندهم, ما هي الخبرية؟ ما هي الجملة الخبرية؟ ما احتمل الصدق والكذب لذاته, الكلام عندهم نوعان: خبر، وإنشاء.
الخبر: ما احتمل الصدق والكذب لذاته يعني: لذات الكلام, لا باعتبار المتكلم لأنَّ من الكلام ما لا يحتمل لو نظرنا إلى المتكلم لقلنا: هذا كلام كذا. بعض الكلام لا يحتمل إلا الصدق, ككلام جل وعلا وكلام رسوله {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] هل نقول: هذا يحتمل الصدق والكذب؟ لا, ما نقول إذا نظرنا للقائل {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء: 87] إذًا هذا لا يحتمل إلا الصدق بالنظر إلى قائله لكن لو جُرِّد عن النظر لقائله لقيل يَحتمل الصدق والكذب, كذلك ما لا يحتمل بعض الكلام ما لا يحتمل إلا الكذب, كقول مدعي النبوة: أنا نبيكم مثلاً بعد النبي –صلى الله عليه وسلم-, مسيلمة الكذاب ادعى النبوة قال: أنا نبي. هل يحتمل الصدق؟ لا يحتمل الصدق نجزم أنه كذب باعتبار قائله أما لو قطعنا النظر عن القائل قلنا: هذا يحتمل الصدق والكذب إذًا الخبر ما احتمل الصدق والكذب لذاته يقتضون لذاته لأنه بقطع النظر عن المتكلم, فكل كلام صَدَق عليه أنه يحتمل الصدق والكذب لذاته يدخل فيه سواءٌ علِم صدق قائله أو علِم كذب قائله فهو خبر.
النوع الثاني: الإنشاء وهو: ما لا يحتمل الصدق والكذب لذاته يعني: لا يصح أن تقول: هذا صدق أو كذب (هَلْ جَاءَ زَيْد؟) لو قال لك رجل: هَلْ جَاءَ زَيْد؟ تقول: كذبت؟ صدقت؟ ما يصح ما يستقيم الخطاب أن تقول (صدقت أو كذبت) لا يحتمل أن يصدق أو يكذب لكن لو قال (جاء زيد) فإن طابق الواقع فهو صدق وإن خالف الواقع فهو كذب سَافَرَ زَيْد تقول له: كذبت ما سافر زيد رأيته الآن. (سَافَرَ زَيْد) نعم صدقت سافر زيد كلمني الآن إذًا احتمل هذا الكلام الصدق والكذب (هل قام زيد؟) (لعلي أزور زيدا) (ليت زيداً قائم) هذا لا نقول أنه يحتمل الصدق والكذب, فالإنشاء بأقسامه الثمانية لا يحتمل الصدق والكذب لو قال لك قائل (قُمْ) تقول له: صدقت أو كذبت؟ لا يصح.
ما لم يكن محتملاً للصدقِ ... والكِذْبِ الإنشا كَـ "كن بالحقِّ"
محتمل للصدق والكذب الخبر ** وغيره الإنشا ولا ثالث قط


يفترض في الجملة التي يصح أن تقع صلة للموصل الاسمي أو الحرفي: أن تكون خبرية, إذًا لا يصح أن تكون إنشائية لا يصح أن تكون الجملة التي تقع صلةً للموصول إنشائية لماذا؟ قالوا: لأنهم أرادوا بالاسم الموصول: أن يوصل إلى نعت المعرفة بجملة الصلة, أرادوا بالاسم الموصول (أن يوصل) يعني: أن يكون صلةً، أو يسند أو وسيلة أو واسطة لأن ينعت المعرفة بجملة الصلة، إذًا رجع إلى باب النعت وباب النعت:
ونَعتُوا بِجُمْلَةٍ مُنَكَّرًا ... فَأُعْطِيَتُ ما أُعْطِيَتْهُ خَبَرًا
إذًا لا يجوز في باب الخبر أن تقع الجملة الإنشائية على قولٍ خطأ أليس كذلك؟ لكن الجمهور يجوزون وقوع الجملة بنوعيها الخبريةِ والإنشائيةِ والطلبيةِ: خبرًا عن المبتدأ, فلما قال (فَأُعْطِيَتُ ما أُعْطِيَتْهُ خَبَرًا) احتمل أن تكون جملة الطلبية الإنشائية يصح النعت بها, قال ابن مالك:
وَامْنَعْ هُنَا إِيْقَاعَ ذَاتِ الطَّلَبِ ... ......................
يعني في باب النعت, وهنا هذا الباب باب النعت إذًا: لا يصح أن تقع الجملة "جملة الصلة" إلا ما يصح أن ينعت بها, والجملة الطلبية والإنشائية لا يصح النعت بها إذًا: لا يصح أن تقع صلةً للموصول, لا يصح أن يقال (جاء الذي اضْربه) فتقول: الجملة اضربه الجملة من الفعل والفاعل والمفعول به في محل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول لا يجوز, لماذا؟
لأنهم أرادوا أن يصلوا إلى نعت ما قبل "الذي" وهو المعرفة بما بعدها جملة الصلة, ولا يُنعت بالجملة الطلبية, فسقط أن تكون جملة الصلة جملةً طلبية, كذلك لا تكون إنشائيةً (جاء زيدٌ الذي ليته قائمٌ) جاء الذي ليته قائمٌ, ليته قائمٌ: هذه جملة إنشائية لأنها مفسرة بحرف التمني نقول: لا يجوز لماذا؟ لأنه لا يصلح أن تقع هذه الجملة "ليته قائمٌ" لا يصح أن ينعت بها مباشرة من دون الذي والذي جيء به ليتوصل أن ينعت ما قبلها بما بعدها إذًا لا يصح أن تقع صلة الموصول جملةً إنشائية إذًا:
الشرط الأول: في الجملة جملة الصلة: أن تكون خبرية, وعليه لا يصح أن تقع إنشائية فلا يقال (جاء الذي ليته قائمٌ) ولا يصح أن تقع طلبيةً فلا يقال (جاء الذي اضْربه).
الشرط الثاني: أن تكون معهودةً, يعني معلومة عند المخاطبة, أن تكون معلومة عند المخاطب (جاء الذي قام أبوه) لا بد أن يعرف, يعرف المخاطب (جاء الذي قام أبوه) هل بينك وبين المخاطب عهدٌ في أنَّ هذه الجملة جملة الصلة تقع على شخصٍ معين؟ نقول: نعم, الأصل في لذلك أن يأخذ بالاسم الموصول معين هذا هو الأصل وهذا هو الغالب, وعليه يشترط في جملة الصلة أن تكون معهودة يعني معلومةً بين المخاطب وبين المتكلم -وسبق أو أنه ذكر- أن جملة النعت لا بد أن تكون خبرية, والخبرية هي ما له خارجٌ في الوجود يعني: مدلوله حصل قبل التكلم الجملة الخبرية, مدلولها مفهومها مصدقها حصل قبل النطقِ, أما الجملة الإنشائية مدلولها ومفهومها لا يحصل إلا بعد التلفظ, إذًا ليس لها خارجٌ في الوجود قبل التكلم وأريد بالاسم الموصول أن يكون معينًا, فهل يصح حينئذٍ أن تجعل جملة الصلة ما لا وجود له في الخارج؟ الجواب لا, لأنه انتفى العهد.


هذا الشرط الثاني أن تكون معهودة إلاَّ إذا قصد الجنس أو قصد الإبهام فحينئذٍ لا بأس أن تكون مبهمةً غير معلومة {فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 78] هكذا مثَّل ابن هشام في (أوضح المسالك) {فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا} هذه اسم موصولة مبهم, لم يُقصد به التعيين {فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} ما مدته؟، ما كِبره؟، ما حجم هذا الغشيان؟ نقول: لا ندري, لماذا؟ لأنه في مقام التهويل والتعظيم فالأحسن في مثل هذا التركيب أن لا تعيَّن جملة الصلة, أن لا تحدَّد, لأن المقام مقام تهويل ومقام تعظيم أو قصد الجنس {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ} [البقرة: 171] {يَنْعِقُ} قُصد الجنس ولم يُقصد التعيين, فإذا قصد الجنس بالاسم الموصول أو قصد الإبهام لا يشترط في جملة الصلة أن تكون معهودةً, وإنما إذا قُصد التعيين باسم الموصول يشترط حينئذٍ أن يكون جملة الصلة معينةً معهودةً معلومةً عن المخاطب قبل التكلم.
الشرط الثالث: أن لا تكون تعجبيَّة, يعني لا يصح أن تقع جملة صلة تعجبية, كيف تعجبية؟ هل يصح أن يقال (جاء الذي ما أجمله؟) تقول: لا, لماذا؟ لأن التعجبية انتفى عنها العهد, واشترطنا في جملة الصلة أن تكون معهودةً يعني واضحةً معلومةً عند المتكلم قبل النطقِ, وجملة التعجب هذه في الأصل أنه يُتعجب ممَّا خفيَ سببه إذًا هو غير معلوم, فلا يمكن أن يزال الإبهامُ الذي في الاسم الموصول -وقد ذكرنا فيما سبق أنه من المبهمات- لا يمكن أن يزال الإبهام عن الاسم الموصول بما خفي سببه, فلذلك ولو قيل أن جملة التعدد أنها خبرية يستثْنى من القيد الأول لأنه ثمَّ خلافًا بين النحاة, هل الجملة التعجبية أو جملة التعجب هل هي خبرية أو إنشائية؟ فمن قال إنشائية: لا إشكال, لأننا اشترطنا الأول أن تكون خبرية فخرجت من التعجب, إذا قلنا خبرية: وهذا هو المشهور نقول: لا بد من الاستثناءِ من القيدِ الأول -من الشطر الأول- أن تكون خبرية إلا جملة التعجبْ لانتفاء الشرط الثاني عنها وهو كونها معهودةً معلومةً عند المخاطبة.
الشرط الرابع: أن لا تكون مسبوقةً بكلامٍ تحتاج إليه, (جاء الذي لكنه قائمُ) ما يصلح لكنه قائم, لماذا؟ لأن "لكن" هذه حرف استدراك, إذًا لا بد من كلامٍ سابق, إذًا لا يصح أن تقع الجملة التي يُفهم منها ترك كلام أن تقع صلة للموصول, أن لا تكون مرتبطةً بكلامٍ سابق (جاء الذي لكنه قائمٌ) لا يصح أن تقع هذه الجملة صلةً للموصول.
* هذه أربعة حروف أو ثلاثة حروف لا بد من توكلها في جملة الصلة, في جملة الصلة, جملة الصلة هذه مع الموصول والعائد عندهم في قوة الكلمة الواحدة (جاء الذي ضربته) الذي ضربت والعامل, هذه ثلاثة أشياء، الموصول وصلته والعامل, هذه في قوة الكلمة الواحدة, ولما استطالوا الجملة سوَّغوا الحذف إما الموصول، أو الصلة، أو العائد يعني يجوز في بعض التراكيب: حذف الاسم الموصول مع بقاء جملة الصلة ويجوز حذف جملة الصلة مع بقاء الاسم الموصول, ويجوز حذف العائد مع بقاء الاسم الموصول وصلته مثَّلوا لحذف جملة الصلة مع بقاء الاسم الموصول بقوله تعالى -ليس بقوله تعالى-، قول الشاعر:


نحن الأولى فاجمع جموعك ثم وجهم إلينا
نحن الأولى: هذا اسم موصول، فاجمع جموعك: أين جملة الصلة؟
محذوفة نحن الأولى: عرفوا بالشجاعة، فاجمع جموعك ايتِ بمن تحب، نحن الأولى هذا اسم موصول ثبت وحذفت جملة الصلة, وقد يكون العكس (إثبات جملة الصلة وحذف الاسم الموصول) مثلوا له بقوله تعالى {آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ} [العنكبوت: 46] الواو حرف عطف وهما فريقان, والأصل في الواو أنها للجمع والاشتراك وهل هذا مراد؟ الجواب لا، إذًا (آمنا بالذي أنزل إلينا والذي أنزل إليكم) لا بد من تكرار الاسم الموصول لماذا؟ لأنهما فريقان لو قلت {آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ} بدون تقدير الاسم الموصول في الثاني: لكان الكلام مع فريقٍ واحد, وأُنزل إليهم شيئان والجواب ليس كذلك, إنما هو الخطاب مع فريقين إذًا لا بد من تقدير اسمٍ موصول في الثاني {آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ} والذي أنزل إليكم، إذًا هما شيئان، كذلك قول حسان:
أمن يهجوا رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء
(أمن يهجوا رسول الله منكم ويمدحه) هل الذي يهجوا ويمدح شيءٌ واحد؟ لا, إذًا لا بد من تقديم اسم موصولٌ في الثاني.
(ومن يمدحه وينصره سواء) إذًا قد يُحذف الاسم الموصول وتبقى جملة الصلة, وقد يكون بالعكس, وقد يحذف بالعائد, وهذا له أحكامٌ طويلة تجدونها في كتب النحاة (وَصِلَةُ اسْمٍ أوْ لحَِرْفٍ) هذا عنْون به للجملة الثانية وهي جملة الصلة والحكم فيها أنها لا محلٌ لها من الإعراب، يعني كلما مرت بك جملة الصلة سواءٌ كانت فعلية أو اسمية بشرطها في موضعها تقول: الجملة لا محل لها من الإعراب, أما الاسم الموصول فهو في محل كذا على حسب ما يقتضيه العامل، وأما الموصول الحرفي فلا يصح أن يقول أنه في محل كذا لم؟ لكونه حرفًا والحرف لا حظ له من الإعراب، وسيأتي البقية على جملة الاعتراض، ونقف على هذا.
وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.