الروض
الأنف ت السلامي
ملك ذي نواس:
فملكوه واجتمعت عليه حمير وقبائل اليمن، فكان آخر ملوك حمير. وهو صاحب
الأخدود، وتسمى: يوسف فأقام في ملكه زمانا.
النصرانية بنجران:
وبنجران بقايا من أهل دين عيسى ابن مريم عليه السلام على الإنجيل. أهل
فضل واستقامة من أهل دينهم لهم رأس يقال له عبد الله بن الثامر. وكان
موقع أصل ذلك الدين بنجران وهي بأوسط أرض العرب في ذلك الزمان وأهلها
وسائر العرب كلها أهل أوثان يعبدونها، وذلك أن رجلا من بقايا أهل ذلك
الدين يقال له فيميون، وقع بين أظهرهم فحملهم عليه. فدانوا به.
(1/102)
ابتداء وقوع النصرانية بنجران:
فيميون وصالح ونشر النصرانية بنجران :
قال ابن إسحاق: حدثني المغيرة بن أبي لبيد مولى الأخنس عن وهب بن منبه
اليماني أنه حدثهم:
أن موقع ذلك الدين بنجران كان أن رجلا من بقايا أهل دين عيسى ابن مريم
يقال له فيميون، وكان رجلا صالحا مجتهدا زاهدا في الدنيا، مجاب الدعوة
وكان سائحا ينزل بين القرى، لا يعرف بقرية إلا خرج منها إلى قرية لا
يعرف بها، وكان لا يأكل إلا من كسب يديه. وكان بناء يعمل الطين وكان
يعظم الأحد فإذا كان يوم الأحد لم يعمل فيه شيئا، وخرج إلى فلاة من
الأرض يصلي بها حتى يمسي. قال وكان في قرية من قرى الشام يعمل عمله ذلك
مستخفيا، ففطن لشأنه رجل من أهلها
ـــــــ
حديث فيمؤن
ويذكر عن الطبري أنه قال فيه قيمؤن بالقاف وشك فيه وقال القتبي فيه رجل
من آل جفنة من غسان جاءهم من الشام، فحملهم على دين عيسى - عليه السلام
- ولم يسمه وقال فيه النقاش اسمه يحيى، وكان أبوه ملكا فتوفي وأراد
قومه أن يملكوه بعد أبيه ففر من الملك ولزم السياحة1 وذكر الطبري قصة
الرجل الذي دعا لابنه فشفي بأتم مما ذكرها ابن إسحاق، قال فيمؤن حين
دخل مع الرجل وكشف له عن ابنه "اللهم عبد من عبادك دخل عليه عدوك في
نعمتك، ليفسدها عليه فاشفه وعافه وامنعه منه", فقام الصبي: ليس به بأس2
فتبين من هذا أن الصبي كان مجنونا لقوله دخل عليه عدوك، يعني: الشيطان،
وليس هذا في
ـــــــ
1 فيمؤن في "الطبري" أيضاً: فيميون، وقد وصف بالزهد، والأولى أن يوصف
بالتقوى.
2 في "الطبري" 2/120 كما ذكر السهيلي تماماً.
(1/104)
يقال له صالح
فأحبه صالح حبا لم يحبه شيئا كان قبله. فكان يتبعه حيث ذهب. ولا يفطن
له فيميون، حتى خرج مرة في يوم الأحد إلى فلاة من الأرض. كما كان يصنع
وقد اتبعه صالح وفيميون لا يدري - فجلس صالح منه منظر العين مستخفيا
منه. لا يحب أن يعلم بمكانه وقام فيميون يصلي، فبينما هو يصلي إذ أقبل
نحوه التنين - الحية ذات الرءوس السبعة - فلما رآها فيميون دعا عليها
فماتت ورآها صالح ولم يدر ما أصابها، فخافها عليه. فعيل عوله. فصرخ يا
فيميون التنين قد أقبل نحوك، فلم يلتفت إليه وأقبل على صلاته حتى فرغ
منها وأمسى، فانصرف وعرف أنه قد عرف وعرف صالح أنه قد رأى مكانه. فقال
له يا فيميون تعلم والله أني ما أحببت شيئا قط حبك، وقد أردت صحبتك،
والكينونة معك حيث كنت، فقال ما شئت. أمري كما ترى، فإن علمت أنك تقوى
عليه فنعم فلزمه صالح وقد كاد أهل القرية يفطنون لشأنه وكان إذا فاجأه
العبد به الضر دعا له فشفي وإذا دعي إلى أحد به ضر لم يأته وكان لرجل
من أهل القرية ابن ضرير فسأل عن شأن فيميون، فقيل له إنه لا يأتي أحدا
دعاه ولكنه رجل يعمل للناس البنيان بالأجر فعمد الرجل إلى ابنه ذلك
فوضعه في حجرته وألقى عليه ثوبا، ثم جاءه فقال له يا فيميون،
ـــــــ
حديث ابن إسحاق.
وذكر ابن إسحاق في الرواية الأخرى عن محمد بن كعب القرظي، وعن بعض أهل
نجران، وما ذكروه من خبر فيمؤن قال ولم يسموه لي بالاسم الذي سماه ابن
منبه. قال المؤلف رحمه الله يحتمل أنهم سموه يحيى، وهو الاسم الذي تقدم
ذكره وما قاله النقاش والقتبي.
وفيه ذكر قرية نجران في هذا الحديث ونجران اسم رجل كان أول من نزلها،
فسميت به وهو نجران بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان. قاله البكري1.
ـــــــ
1 في "القاموس": مثله وفيه "زيدان" بدل "زيد" وكذلك في "جمهرة ابن
حزم": زيدان.
(1/105)
إني قد أردت أن
أعمل في بيتي عملا، فانطلق معي إليه حتى تنظر إليه فأشارطك عليه فانطلق
معه حتى دخل حجرته ثم قال له ما تريد أن تعمل في بيتك هذا؟ قال كذا
وكذا، ثم انتشط الرجل الثوب عن الصبي ثم قال له يا فيميون، عبد من عباد
الله أصابه ما ترى، فادع الله له فدعا له فيميون، فقام الصبي ليس به
بأس وعرف فيميون أنه قد عرف فخرج من القرية واتبعه صالح فبينما هو يمشي
في بعض الشام، إذ مر بشجرة عظيمة فناداه منها رجل فقال يا فيميون. قال
نعم. قال ما زلت أنظرك، وأقول متى هو جاء؟ حتى سمعت صوتك، فعرفت أنك
هو. لا تبرح حتى تقوم علي فإني ميت الآن. قال فمات وقام عليه حتى واراه
ثم انصرف وتبعه صالح حتى وطئا بعض أرض العرب، فعدوا عليهما، فاختطفتهما
سيارة من بعض العرب، فخرجوا بهما، حتى باعوهما بنجران وأهل نجران يومئذ
على دين العرب، يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم لها عيد في كل سنة إذا
كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه وحلي النساء ثم خرجوا
إليها، فعكفوا عليها يوما.
فابتاع فيميون رجل من أشرافهم وابتاع صالحا آخر فكان فيميون إذا قام من
الليل - يتهجد في بيت له أسكنه إياه سيده - يصلي، استسرج له البيت
نورا، حتى يصبح من غير مصباح فرأى ذلك سيده فأعجبه ما يرى منه فسأله عن
دينه فأخبره به وقال له فيميون: إنما أنتم في باطل. إن هذه النخلة لا
تضر ولا تنفع ولو دعوت عليها إلهي الذي أعبده لأهلكها، وهو الله وحده
لا شريك له قال فقال له سيده فافعل فإنك إن فعلت دخلنا في دينك، وتركنا
ما نحن عليه. قال فقام فيميون، فتطهر وصلى ركعتين ثم دعا الله عليها،
فأرسل الله عليها ريحا فجعفتها من أصلها فألقتها فاتبعه عند ذلك أهل
نجران على دينه فحملهم على الشريعة من دين عيسى ابن مريم عليه السلام
ثم دخلت عليهم الأحداث التي دخلت على أهل دينهم
ـــــــ
وذكر أصحاب الأخدود، وما أنزل الله تعالى فيهم وقد روى ابن سنجر عن
جبير بن نفير قال الذين خددوا الأخدود ثلاثة تبع صاحب اليمن، وقسطنطين
ابن هلاني - وهي أمه حين صرف النصارى عن التوحيد ودين المسيح إلى عبادة
(1/106)
بكل أرض فمن
هنالك كانت النصرانية بنجران في أرض العرب.
قال ابن إسحاق: فهذا حديث وهب بن منبه عن أهل نجران.
ـــــــ
الصليب1 وبختنصر من أهل بابل حين أمر الناس أن يسجدوا إليه فامتنع
دانيال وأصحابه فألقاهم في النار فكانت بردا وسلاما عليهم وحرق الذين
بغوا عليهم.
ـــــــ
1 دانت له كل أنحاء الدولة الرومانية سنة 323م. يقول عنه ول. ديورانت
في كتابه 3/287 من المجلد الثالث: "كانت المسيحية عنده وسيلة لا غاية"،
وأمه هلينا هي التي اعتنقت المسيحية قبله.
(1/107)
|