الروض
الأنف ت السلامي
حديث الحبشة:
وذكر فيه دوسا ذا ثعلبان الذي أتى قيصر. ودوس: هو ابن تبع الذي قتله
أخوه قاله ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام.
وذكر فيه قيصر وكتابه للنجاشي. وقيصر اسم علم لكل من ولي الروم وتفسيره
بلسانهم البقير الذي بقر بطن أمه عنه2 وكان أول من تسمى به بقيرا، فلما
ملك
ـــــــ
2 في "المروج": بقر بدلا من بقير ثم يفسرها بقوله: أي شق عنه، ويطلق
على هذا النوع من الولادة الآن القيصرية. انظر: 1/309.
(1/118)
....................................................
ـــــــ
وعرف به تسمى به كل من ملك بعده. قاله المسعودي. وإنما كتب بذلك إلى
النجاشي، لأنه على دينه وكان أقرب إلى اليمن منه وذكر غير ابن إسحاق أن
ذا نواس أدخل الحبشة صنعاء اليمن، حين رأى أن لا قبل له بهم بعد أن
استنفر جميع المقاول ليكونوا معه يدا واحدة عليهم فأبوا إلا أن يحمى كل
واحد منهم حوزته على حدته فخرج إليهم ومعه مفاتيح خزائنه وأمواله على
أن يسالموه ومن معه ولا يقتلوا أحدا فكتبوا إلى النجاشي بذلك فأمرهم أن
يقبلوا ذلك منهم فدخلوا صنعاء ودفع إليهم المفاتيح وأمرهم أن يقبضوا ما
في بلاده من خزائن أمواله ثم كتب هو إلى كل موضع من أرضه أن اقتلوا كل
ثور أسود فقتل أكثر الحبشة، فلما بلغ ذلك النجاشي وجه جيشا إلى أبرهة
وعليهم أرياط وأمره أن يقتل ذا نواس ويخرب ثلث بلاده ويقتل ثلث الرجال
ويسبي ثلث النساء والذرية ففعل ذلك أبرهة. وأبرهة بالحبشة هو الأبيض
الوجه وفي هذا قوة لقول من قال إن أبرهة هذا هو أبرهة بن الصباح
الحميري وليس بأبي يكسوم الحبشي وإن الحبشة كانوا قد أمروا أبرهة بن
الصباح1 على اليمن، وهذا القول ذكره ابن سلام في تفسيره واقتحم ذو نواس
البحر فهلك وقام بأمره من بعده ذو جدن، واسمه علس بن الحارث أخو سبيع
بن الحارث، والجدن حسن الصوت يقال إنه أول من أظهر الغناء باليمن فسمي
به وجدن أيضا: مفازة باليمن زعم البكري أن ذا جدن إليها ينسب فحارب
الحبشة بعد ذي نواس فكسروا جنده وغلبوه على أمره ففر إلى البحر كما فعل
ذو نواس، فهلك فيه وذكروا سبب منازعة أبرهة لأرياط وأن ذلك إنما كان
لأن أبرهة بلغ النجاشي أنه استبد بنفسه ولم يرسل إليه من جباية اليمن
شيئا، فوجه أرياطا إلى خلعه فعند ذلك دعاه أبرهة إلى المبارزة - كما
ذكر ابن إسحاق - وذكر الطبري أن عتودة الغلام الذي قتل أرياطا.
والعتودة الشدة وقد
ـــــــ
1 أبرهة بن الصباح بن لهيعة بن شيبة بن مدثر، والأكثرون على أنه أبو
يكسوم الحبشي.
(1/119)
....................................................
ـــــــ
قيل في اسمه أريجدة1. قال له أبرهة احتكم علي قال أحتكم أن لا تزف
امرأة إلى بعلها، حتى أكون أنا الذي أبدأ بها قبله ففعل ذلك أبرهة وغبر
العبد زمانا يفعل ذلك فلما اشتد الغيظ بأهل اليمن، قتلوا عتودة غيلة
فقال لهم الملك قد أنى لكم يأهل اليمن أن تفعلوا فعل الأحرار وأن
تغضبوا لحرمكم ولو علمت أن هذا العبد يسألني هذا الذي سأل ما حكمته،
ولكن والله لا يؤخذ منكم فيه دية ولا تطلبون بذخل2 وحيثما وقع اسم
أرياط في رواية يونس لم يسمه بهذا الاسم إنما سماه روزنة أو نحو هذا.
وذكر الطبري أن سيف بن ذي يزن لما فعل ذو نواس بالحبشة ما فعل ثم ظفروا
به بعث عظيمهم3 إلى أبي مرة سيف بن ذي يزن، فانتزع منه ريحانة بنت
علقمة بن مالك وكانت قد ولدت له معدي كرب. فملكها أبرهة. وأولدها مسروق
بن أبرهة وعند ذلك توجه سيف إلى كسرى أنوشروان يطلب منه الغوث على
الحبشة، فوعده بذلك وأقام عنده سنين ثم مات وخلفه ابنه معدي كرب في طلب
الثأر فأدخل على كسرى، فقال له من أنت؟ فقال رجل يطلب إرث أبيه وهو وعد
الملك الذي وعد به فسأل عنه كسرى: أهو من بيت مملكة أم لا؟ فأخبر أنه
من بيت ملك فوجه معه وهرز الفارس في سبعة آلاف وخمسمائة من الفرس، وقال
ابن إسحاق: في ثمانمائة غرق منهم مائتان وسلم ستمائة والقول الأول قول
ابن قتيبة وهو أشبه بالصواب إذ يبعد مقاومة الحبشة بستمائة وإن كان قد
جمع إليهم من العرب - كما ذكر ابن إسحاق - ما جمع. ثم إن معد يكرب بن
سيف لما قتل الحبشة وملك هو ووهرز اليمن أقام في ذلك نحو أربع سنين. ثم
قتلته عبيد
ـــــــ
1 في "الطبري": أرنجدة.
2 الحقد والثأر، وبسكون الحاء فيجمع على ذحول، وبفتحها فيجمع على
أذحال.
3 في "الطبري": واسم العظيم: أبرهة فهو الذي انتزع امرأة سيف بن ذي يزن
الذي كان يكنى بأبي مرة. انظر: 2/136.
(1/120)
الأخدود لغة:
قال ابن هشام: الأخدود : الحفر المستطيل في الأرض كالخندق والجدول
ونحوه وجمعه أخاديد. قال ذو الرمة - واسمه غيلان بن عقبة أحد بني عدي
بن عبد مناف بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر.
من العراقية اللاتي يحيل لها ... بين الغلاة وبين النخل أخدود
يعني: جدولا. وهذا البيت في قصيدة له. قال ويقال لأثر السيف والسكين في
الجلد وأثر السوط ونحوه أخدود وجمعه أخاديد.
مقتل ابن الثامر:
قال ابن إسحاق: ويقال كان فيمن قتل ذو نواس، عبد الله بن الثامر رأسهم
وإمامهم.
مايروى عن ابن الثامر في قبره:
قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه
حدث:
"أن رجلا من أهل نجران كان في زمان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حفر
خربة من خرب نجران لبعض حاجته فوجدوا عبد الله بن الثامر تحت دفن منها
قاعدا،
ـــــــ
له كان قد اتخذهم من أولئك الحبشة، خرج بهم إلى الصيد فزرقوه1 بحرابهم
ثم هربوا فأتبعوا فقتلوا. وتفرق أمر اليمن بعده إلى مخالف عليها مقاول
كملوك الطوائف لا يدين بعضهم لبعض إلا ما كان من صنعاء، وكون الأبناء
فيها، حتى جاء الإسلام.
فصل:
واستشهد ابن هشام في هذا الخبر على الأخدود ببيت ذي الرمة وهو
ـــــــ
1 أي طعنوه.
(1/121)
واضعا يده على
ضربة في رأسه ممسكا عليها بيده فإذا أخرت يده عنها تنبعث دما، وإذا
أرسلت يده ردها عليها، فأمسكت دمها، وفي يده خاتم مكتوب فيه "ربي الله"
فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب يخبر بأمره فكتب إليهم عمر رضي الله عنه أن
أقروه على حاله وردوا عليه الدفن الذي كان عليه ففعلوا"1.
ـــــــ
1 ومن ذلك ما يروى من أن حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وجده حين حفر
العين صحيحاً لم يتغير، وأن الفأس أصابت أصبعه فدميت.
(1/122)
|