الروض الأنف ت السلامي

غلب أبرهة الأشرم على أمر اليمن وقتل أرياط
قال ابن إسحاق: فأقام أرياط بأرض اليمن سنين في سلطانه ذلك ثم نازعه في أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشي، حتى تفرقت الحبشة عليهما، فانحاز إلى كل واحد منهما طائفة منهم ثم سار أحدهما إلى الآخر فلما تقارب الناس أرسل أبرهة إلى أرياط: إنك لا تصنع بأن تلقى الحبشة بعضها ببعض
__________
بمثلها عن بهمة1 من البهم وكذلك له في حروب الشام مع الروم وقائع ومواقف لم يسمع بمثلها، عن أحد بعد خالد بن الوليد.
وعمرو بن معدي كرب - رضي الله عنه - يكنى: أبا ثور تضرب الأمثال بفروسيته وبسالته وفيه يقول الشاعر حين مات
فقل لزبيد بل لمذحج كلها ... رزيتم أبا ثور قريعكم عمرا
وصمصامته2 المشهورة كانت من حديدة وجدت عند الكعبة مدفونة في الجاهلية فصنع منها ذو الفقار3 والصمصامة ثم تصيرت إلى خالد بن سعيد بن العاصي. يقال إن عمرا وهبها له ليد كانت له عليه وذلك أن ريحانة أخت عمرو التي يقول فيها عمرو:
أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع
ـــــــ
1 البهمة : الشجاع الذي لا يهتدي من أين يؤتى، والبئيس: الشجاع.
2 وأصل الصمصام: السيف لا ينثني ، ثم اشتهر سيف عمرو باسم الصمصامة.
3 في "القاموس" سيف العاص بن منبه قتل يوم بدر كافراً، فصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم صار إلى علي رضي الله عنه.

(1/133)


....................................................
ـــــــ
كان أصابها خالد بن سعيد في سبي سباه فمن عليها، وخلى سبيلها، فشكر ذلك له عمرو أخوها، وفي آخر الكتاب من خبر قيس بن مكشوح وعمرو بن معدي كرب أكثر مما وقع ههنا، والشعر السيني الذي ذكره ابن إسحاق وأوله أتوعدني كأنك ذو رعين. ذكر المسعودي أن عمرا قاله لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين أراد ضربه بالدرة في حديث ذكره وفي الشعر زيادة لم تقع في السيرة وهو قوله:
فلا يغررك ملكك، كل ملك ... يصير لذلة بعد الشماس
وذكر سلمان بن ربيعة حين هجن فرس عمرو، ونسبه إلى باهلة بن أعصر وكذلك هو عند أهل النسب باهلي، ثم أحد بني قتيبة بن معن وباهلة: أمهم وهي بنت صعب بن سعد العشيرة بن مذحج، وأبوهم يعصر وهو منبه بن سعد بن قيس بن عيلان وسمي يعصر لقوله:
أعمير إن أباك غير لونه ... مر الليالي واختلاف الأعصر1
فيقال له أعصر ويعصر وكان سلمان بن ربيعة قاضيا لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على الكوفة، ويقال سلمان الخيل لأنه كان يتولى النظر فيها، قال أبو وائل: اختلفت إلى سلمان بن ربيعة أربعين صباحا، وهو قاض فما وجدت عنده أحدا يختصم إليه واستشهد سلمان بأرمينية سنة تسع وعشرين.
وذكر خبر عتودة غلام أبرهة وقد فرغنا من حديثه فيما مضى، وما زاد فيه الطبري وغيره وأن العتودة الشدة في الحرب.
وذكر أن أرياطا علا بالحربة أبرهة فأخطأ يافوخه. واليافوخ وسط الرأس2.
ـــــــ
1 هي في "اللسان": "أبني، وكر الليالي" بدلا من: أعمير، ومر.
2 وتقال دون إظهار الهمزة.

(1/134)


حتى تفنيها شيئا، فابرز إلي وأبرز إليك، فأينا أصاب صاحبه انصرف إليه جنده فأرسل إليه أرياط: أنصفت فخرج إليه أبرهة - وكان رجلا قصيرا لحيما حادرا1، وكان ذا دين في النصرانية - وخرج إليه أرياط وكان رجلا جميلا عظيما طويلا، وفي يده حربة له وخلف أبرهة غلام له يقال له عتودة2 يمنع ظهره فرفع أرياط الحربة فضرب أبرهة يريد يافوخه3 فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وأنفه وعينه وشفته فبذلك سمي أبرهة الأشرم، وحمل عتودة على أرياط من خلف أبرهة فقتله وانصرف جند أرياط إلى أبرهة فاجتمعت عليه الحبشة باليمن وودى4 أبرهة أرياطا.
غضب النجاشي على أبرهة لقتله أرياط ثم رضاؤه عنه:
فلما بلغ النجاشي غضب غضبا شديدا وقال عدا على أميري، فقتله بغير أمري، ثم حلف لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده ويجز ناصيته فحلق أبرهة رأسه وملأ جرابا من تراب اليمن، ثم بعث إلى النجاشي، ثم كتب إليه:
أيها الملك إنما كان أرياط عبدك، وأنا عبدك، فاختلفنا في أمرك، وكل طاعته لك، إلا أني كنت أقوى على أمر الحبشة، وأضبط لها، وأسوس منه وقد حلقت رأسي
ـــــــ
ويقال له من الطفل: غاذية بالذال فإذا اشتد وصلب سمي يأفوخا بالهمز على وزن يفعول وجمعه يآفيخ قال العجاج:
ضرب إذا صاب اليآفيخ حفر
وقوله: شرم أنفه وشفته أي شقهما.
ـــــــ
1 اللحيم: الكثير لحم الجسد، والحادر: السمين الغليظ.
2 مأخوذة من الفتودة: وهي الشدة في الحرب.
3 اليافوخ: وسط الرأس.
4 وداه: دفع ديته.

(1/135)


كله حين بلغني قسم الملك وبعثت إليه بجراب تراب من أرضي ; ليضعه تحت قدميه فيبر قسمه في".
فلما انتهى ذلك إلى النجاشي رضي عنه وكتب إليه أن اثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمري، فأقام أبرهة باليمن.

(1/136)