الروض
الأنف ت السلامي
ما قيل في صفة الفيل من الشعر
قال ابن إسحاق: فلما رد الله الحبشة عن مكة، وأصابهم بما أصابهم به من
النقمة أعظمت العرب قريشا، وقالوا: هم أهل الله قاتل الله عنهم وكفاهم
مئونة عدوهم فقالوا في ذلك أشعارا يذكرون فيها ما صنع الله بالحبشة وما
رد عن قريش من كيدهم.
ـــــــ
حول الشعر الذي قيل في الفيل :
وقوله: تنكلوا عن بطن مكة إنها. وهذا خرم في الكامل وقد وجد في غير هذا
البيت
في أشعار هذا الكتاب الخرم في الكامل ولا يبعد أن يدخل الخرم في
(1/164)
شعر ابن
الزبعري في وقعة الفيل:
فقال عبد الله بن الزبعرى بن عدي بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم بن عمرو
بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر:
تنكلوا عن بطن مكة إنها ... كانت قديما لا يرام حريمها
لم تخلق الشعرى ليالي حرمت ... إذ لا عزيز من الأنام يرومها1
سائل أمير الجيش عنها ما رأى ... ولسوف ينبي الجاهلين عليمها
ستون ألفا لم يئوبوا أرضهم ... ولم يعش بعد الإياب سقيمها
كانت بها عاد وجرهم قبلهم ... والله من فوق العباد يقيمها
قال ابن إسحاق: يعني ابن الزبعرى بقوله:
... بعد الإياب سقيمها
أبرهة، إذ حملوه معهم حين أصابه ما أصابه حتى مات بصنعاء.
شعر ابن الأسلت في وقعة الفيل:
وقال أبو قيس بن الأسلت الأنصاري ثم الخطمي، واسمه صيفي. قال ابن هشام:
أبو قيس: صيفي بن الأسلت بن جشم بن وائل بن زيد بن قيس بن عامرة2 بن
مرة بن مالك بن الأوس:
ومن صنعه يوم فيل الحبو ... ش إذ كلما بعثوه رزم3
محاجنهم تحت أقرابه ... وقد شرموا أنفه فانخرم4
وقد جعلوا سوطه مغولا ... إذا يمموه قفاه كلم
فولى وأدبر أدراجه ... وقد باء بالظلم من كان ثم
ـــــــ
1 الشعري: اسم النجم.
2 كذا في "شرح السيرة" لأبي ذر، وفي الأصول: "عامر" وهو تحريف.
3 رزم: ثبت بمكانه فلم يبرحه، وأكثر ما يكون ذلك من الإعياء.
4 أقرابه: جمع قرب وهو الخصر. شرموا: شقوا.
(1/165)
فأرسل من فوقهم
حاصبا ... فلفهم مثل لف القزم
تجض على الصبر أحبارهم ... وقد ثأجوا كثؤاج الغنم
قال ابن هشام: وهذه الأبيات في قصيدة له.
والقصيدة أيضا تروى لأمية بن أبي الصلت.
قال ابن إسحاق: وقال أبو قيس بن الأسلت
فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا ... بأركان هذا البيت بين الأخاشب1
فعندكم منه بلاء مصدق ... غداة أبي يكسوم هادي الكتائب
كتيبته بالسهل تمسي، ورجله ... على القادفات في رءوس المناقب2
فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم ... جنود المليك بين ساف وحاصب3
فولوا سراعا هاربين ولم يؤب ... إلى أهله ملحبش غير عصائب
قال ابن هشام: أنشدني أبو زيد الأنصاري قوله:
على القاذفات في رءوس المناقب
وهذه الأبيات في قصيدة لأبي قيس، سأذكرها في موضعها إن شاء الله. وقوله
"غداة أبي يكسوم ": يعني: أبرهة كان يكنى أبا يكسوم.
شعر طالب في وقعة الفيل:
قال ابن إسحاق: وقال طالب بن أبي طالب بن عبد المطلب:
ألم تعلموا ما كان في حرب داحس ... وجيش أبي يكسوم إذ ملئوا الشعبا4
فلولا دفاع الله لا شيء غيره ... لأصبحتم لا تمنعون لكم سربا
قال ابن هشام: وهذان البيتان في قصيدة له في يوم بدر سأذكرها في موضعها
إن شاء الله تعالى.
ـــــــ
1 صلوا ربكم: ادعوا ربكم. الأخاشب: جبال مكة وجبال منى.
2 القاذفات: أعالي الجبال البعيدة. والمناقب: جمع منقبة، وهي الطريق في
رأس الجبل.
3 ساف: الذي غطاه التراب. والحاصب: الذي أصابته الحجارة.
4 داحس: اسم فرس مشهور، وكانت حرب بسببه.
(1/166)
شعر أبي الصلت
في وقعة الفيل:
قال ابن إسحاق: وقال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي في شأن الفيل ويذكر
الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام. قال ابن هشام: تروى لأمية بن أبي
الصلت بن أبي ربيعة الثقفي:
إن آيات ربنا ثاقبات ... لا يماري فيهن إلا الكفور
خلق الليل والنهار فكل ... مستبين حسابه مقدور
ثم يجلو النهار رب رحيم ... بمهاة شعاعها منشور1
حبس الفيل بالمغمس حتى ... ظل يحبو كأنه معقور
لازما حلقة الجران كما قط ... ر من صخر كبكب محدور2
حوله من ملوك كندة أبطا ... ل ملاويث في الحروب صقور3
خلفوه ثم ابذعروا جميعا ... كلهم عظم ساقه مكسور4
كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة بور.
شعر الفرزدق في وقعة الفيل:
قال ابن هشام: وقال الفرزدق - واسمه هشام بن غالب أحد بني مجاشع بن
دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم - يمدح سليمان بن
عبد الملك بن مروان، ويهجو الحجاج بن يوسف ويذكر الفيل وجيشه:
فلما طغى الحجاج حين طغى به غنى ... قال إني مرتق في السلالم
فكان كما قال ابن نوح سأرتقي ... إلى جبل من خشية الماء عاصم
رمى الله في جثمانه مثل ما رمى ... عن القبلة البيضاء ذات المحارم
جنودا تسوق الفيل حتى أعادهم ... هباء وكانوا مطرخمي الطراخم
نصرت كنصر البيت إذ ساق فيله ... إليه عظيم المشركين الأعاجم
ـــــــ
1 المهاة: الشمس، سميت بذلك لصفائها، والمها من الأجسام التي يرى باطنه
من ظاهره.
2 الجران: الصدر. والقطر الجانب. وكبكب: اسم جبل. والمحدور: الحجر الذي
انحدر حتى بلغ الأرض.
3 ملاويث: أشداء.
4 ابذعروا: تفرقوا.
(1/167)
وهذه الأبيات
في قصيدة له:
شعر ابن الرقيات في وقعة الفيل:
قال ابن هشام: وقال عبد الله بن قيس الرقيات. أحد بني عامر بن لؤي بن
غالب يذكر أبرهة - وهو الأشرم - والفيل \
كاده الأشرم الذي جاء بالفي ... ل فولى وجيشه مهزوم
واستهلت عليهم الطير بالجند ... ل حتى كأنه مرجوم
ذاك من يغزه من الناس يرجع ... وهو فل من الجيوش ذميم1
وهذه الأبيات في قصيدة له.
ملك يكسوم ثم مسروق على اليمن:
قال ابن إسحاق: فلما هلك أبرهة، ملك الحبشة ابنه يكسوم بن أبرهة وبه
كان يكنى، فلما هلك يكسوم بن أبرهة ملك اليمن في الحبشة أخوه مسروق بن
أبرهة.
__________
متفاعل فيحذف من السبب حرف كما حذف من الوتد في الطويل حرف وإذا وجد
حذف السبب الثقيل كله فأحرى أن يجوز حذف حرف منه وذلك في قول ابن مفرغ:
هامة تدعو صدى ... بين المشقر واليمامة2
وهو من المرفل والمرفل من الكامل. ألا ترى أن قبله:
وشريت بردا ليتني ... من بعد برد كنت هامة
ـــــــ
1 الفل: الجيش المنهزم.
2 الهامة: من طير الليل، وهو الصدى وكانت العرب تزعم أن روح القتيل
الذي لا يدرك بثأره تصير هامة، فترقو عند قبره قائلة اسقوني فإذا أدرك
بثأره طارت.
(1/168)
....................................................
ـــــــ
فالمحذوف من الطويل إذا خرم حرف من وتد مجموع والمحذوف من الكامل إذا
خرم حرف من سبب ثقيل بعده سبب خفيف ولما كان الإضمار فيه كثيرا، وهو
إسكان التاء من متفاعلن فمن ثم قال أبو علي لا يجوز فيه الخرم لأن ذلك
يئول إلى الابتداء بساكن وهذا الكلام لمن تدبره بارد غث ; لأن الكلمة
التي يدخلها الخرم لم يكن قط فيها إضمار نحو تنكلوا عن بطن مكة، والتي
يدخلها الإضمار لا يتصور فيها الخرم نحو لا يبعدن قومي، ونحو قوله "لم
تخلق الشعرى ليالي حرمت" فتعليله في هذا الشعر إذا لا يفيد شيئا، وما
أبعد العرب من الالتفات إلى هذه الأغراض التي يستعملها بعض النحاة وهي
أوهى من نسج الخزرنق1.
وقوله:
لم تخلق الشعرى ليالي حرمت
إن كان ابن الزبعرى قال هذا في الإسلام فهو منتزع من قول النبي - صلى
الله عليه وسلم - "إن الله حرم مكة، ولم يحرمها الناس". ومن قوله في
حديث آخر "إن الله حرمها يوم خلق السموات والأرض"2، والتربة خلقت قبل
خلق الكواكب وإن كان ابن الزبعرى، قال هذا في الجاهلية فإنما أخذه -
والله أعلم - من الكتاب الذي وجدوه في الحجر بالخط المسند3 حين بنوا
الكعبة، وفيه"أنا الله رب مكة خلقتها يوم خلقت السموات والأرض" الحديث.
وقوله "ولم يعش بعد الإياب سقيمها "هكذا في النسخة المقيدة على أبي
الوليد المقابلة بالأصلين اللذين كانا عنده وقابلها أبو بحر - رحمه
الله – بهما
ـــــــ
1 الخزرنق: العنكبوت.
2 أخرجهما البخاري ومسلم.
3 أي خط حمير.
(1/169)
....................................................
ـــــــ
مرتين وحسب بعضهم أنه كسر في البيت فزاد من قبل نفسه فقال بل لم يعش.
فأفسد المعنى، وإنما هو خرم1 في أول القسم من عجز البيت كما كان في
الصدر من أول بيت منها.
وقول قيس بن الأسلت: مثل لف القزم. القزم: صغار الغنم. ويقال رذال
المال ورزم: ثبت ولزم موضعه، وأرزم من الرزيم وهو صوت ليس بالقوي وكذلك
صوت الفيل ضئيل على عظم خلقته ويفرق من الهر وينفر منه وقد احتيل على
الفيلة في بعض الحروب مع الهند. أحضرت لها الهرة فذعرت وولت وكان سببا
لهزيمة القوم. ذكره المسعودي، ونسب هذه الحيلة إلى هارون بن موسى حين
غزا بلاد الهند، وأول من ذلل الفيلة - فيما قال الطبري - أفريدون بن
أثفيان ومعنى أثفيان صاحب البقر وهو أول من نتج البغال واتخذ للخيل
السروج والوكف2 - فيما ذكروا - وأما أول من سخر الخيل وركبها "فطمهورث"
وهو الثالث من ملوك الأرض - فيما زعموا - وثؤاج الغنم صوتها، ووقع في
النسخة ثجوا، وعليه مكتوب الصواب ثأجوا كثؤاج الغنم.
وقول ابن الأسلت فقوموا، فصلوا ربكم وتمسخوا. سيأتي شرح هذه الأبيات في
القصيدة حيث يذكرها ابن إسحاق بكمالها - إن شاء الله.
وذكر قول طالب بن أبي طالب: "فأصبحتم لا تمنعون لكم سربا" ويروى سربا
بالكسر والسرب بالفتح المال الراعي، والسرب بالكسر القطيع من البقر
والظباء ومن النساء أيضا. قال الشاعر:
فلم تر عيني مثل سرب رأيته ... خرجن علينا من زقاق ابن واقف
ـــــــ
1 هو وقص في اصطلاح العروضيين.
2 الوكف: جمع وكاف، وهو بردعة الحمار.
(1/170)
....................................................
ـــــــ
وطالب بن أبي طالب كان أسن من عقيل بعشرة أعوام وكان عقيل أسن من جعفر
بعشرة أعوام وجعفر أسن من علي - رضي الله عنه - بمثل ذلك وذكروا أن
طالبا اختطفته الجن، فذهب ولم يذكر أنه أسلم1.
وذكر شعر أبي الصلت واسمه ربيعة بن وهب بن علاج. وفيه حبس الفيل
بالمغمس وأن كسر الميم الآخرة أشهر فيه. وفيه بمهاة شعاعها منشور.
والمهاة الشمس سميت بذلك لصفائها، والمهامن الأجسام الصافي الذي يرى
باطنه من ظاهره. والمهاة البلورة والمهاة الظبية. ومن أسماء الشمس
الغزالة إذا ارتفعت فهذا في معنى المهاة. ومن أسمائها: البتيراء. سئل
علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - عن وقت صلاة الضحى، فقال: "حتى
ترتفع البتيراء" ذكره الهروي والخطابي، ومن أسمائها: حناذ وبراح والضح
وذكاء والجارية والبيضاء وبوح ويقال يوح بالياء وهو قول الفارسي
وبالباء ذكره ابن الأنباري والشرق والسراج.
وقوله: "حلقه الجران" الجران العنق2 يريد ألقى بجرانه إلى الأرض وهذا
يقوي أنه برك كما تقدم ألا تراه يقول كما قطر 3من صخر كبكب، وهو جبل.
محدور أي حجر حدر حتى بلغ الأرض.
وقوله: ابذعروا4: تفرقوا من ذعر وهي كلمة منحوتة من أصلين من البذر
والذعر. وقوله إلا دين الحنيفة. يريد بالحنيفة الأمة الحنيفة أي
المسلمة التي
ـــــــ
1 وهذا من الخرافات التي تحتاج إلى توثيق.
2 باطن العنق من البعير وغيره ومقدم عنقه.
3 رمى به على جانبه.
4 ابذعرت الخيل: ركضت تبادر شيئاً تطلبه.
(1/171)
....................................................
ـــــــ
على دين إبراهيم الحنيف - صلى الله عليه وسلم - وذلك أنه حنف عن
اليهودية والنصرانية، أي عدل عنها، فسمي حنيفا، أو حنف عما كان يعبد
آباؤه وقومه.
وقوله في شعر الفرزدق: كما قال ابن نوح. اسمه يام، وقيل كنعان.
وقوله: "مطرخمي الطراخم" المطرخم: الممتلئ كبرا أو غضبا. والطراخم جمع
مطرخم على قياس الجمع فإن المطرخم اسم من ستة أحرف فيحذف منه في الجمع
والتصغير ما فيه من الزوائد وفيه زائدتان الميم الأولى، والميم المدغمة
في الميم الآخرة لأن الحرف المضاعف حرفان يقال في تصغير مطرخم طريخم
وفي جمعه طراخم وفي مسبطر سباطر1 وذكره يعقوب في الألفاظ بالغين فقال
اطرغم الرجل ولم يذكر الخاء.
وذكر عبد الله بن قيس الرقيات. واختلف في تلقيبه قيس الرقيات فقيل كان
له ثلاث جدات كلهن رقية فمن قال فيه ابن الرقيات فإنه نسبه إلى جداته
ومن قال قيس الرقيات دون ذكر ابن فإنه نسبة وقيل بل شبب بثلاث نسوة
كلهن تسمى: رقية وقيل بل ببيت قاله وهو "رقية ما رقية ما رقية أيها
الرجل". وقال الزبير كان يشبب برقية بنت عبد الواحد بن أبي السرح من
بني ضباب بن حجير بن عبد بن معيص وبابنة عم لها اسمها رقية وهو ابن قيس
بن شريح من بني حجير أيضا، وحجير أخو حجر بن عبد بن معيص بن عامر رهط
عمرو بن أم مكتوم الأعمى.
وقوله: "حتى كأنه مرجوم" وهو قد رجم فكيف شبهه بالمرجوم وهو مرجوم
بالحجارة وهل يجوز أن يقال في مقتول كأنه مقتول؟ فنقول لما ذكر استهلال
الطير وجعلها كالسحاب يستهل بالمطر والمطر ليس برجم وإنما الرجم بالأكف
ونحوها، شبهه بالمرجوم الذي يرجمه الآدميون أو من يعقل ويتعمد الرجم من
عدو ونحوه فعند ذلك يكون المقتول بالحجارة مرجوما على الحقيقة ولما لم
يكن جيش الحبشة كذلك وإنما أمطروا حجارة فمن ثم قال كأنه مرجوم
ـــــــ
1 سبطر: اضطجع وامتد، واسبطر في السير أسرع فيه، واسبطرت البلاد:
استقامت.
(1/172)
|