الروض الأنف ت السلامي

تزوج قصي بن كلاب حبى بنت حليل:
أولاد قصي:
قال ابن إسحاق: ثم إن قصي بن كلاب خطب إلى حليل ابن حبشية بنته حبى، فرغب فيه حليل فزوجه فولدت له عبد الدار وعبد مناف وعبد العزى، وعبدا. فلما انتشر ولد قصي، وكثر ماله وعظم شرفه هلك حليل.
تولى قصي أمر البيت ونصرة رزاح له:
فرأى قصي أنه أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة وبني بكر وأن قريشا قرعة إسماعيل بن إبراهيم وصريح ولده. فكلم رجالا من قريش، وبني كنانة ودعاهم إلى إخراج خزاعة وبني بكر من مكة، فأجابوه. وكان ربيعة بن حرام من عذرة بن سعد بن زيد قد قدم مكة بعدما هلك كلاب فتزوج فاطمة بنت سعد بن سيل وزهرة يومئذ رجل وقصي فطيم فاحتملهما إلى بلاده فحملت قصيا معها، وأقام زهرة فولدت لربيعة رزاحا. فلما بلغ قصي، وصار رجلا أتى مكة، فأقام بها، فلما أجابه قومه إلى ما دعاهم إليه كتب إلى أخيه من أمه رزاح بن ربيعة، يدعوه إلى نصرته والقيام معه فخرج رزاح بن ربيعة، ومعه إخوته حن بن ربيعة، ومحمود بن
ـــــــ
نشأة قصي:
فصل: وذكر أن قصيا نشأ في حجر ربيعة بن حرام ثم ذكر رجوعه إلى مكة، وزاد غيره في شرح الخبر، فقال وكان قصي رضيعا حين احتملته أمه مع بعلها ربيعة

(2/21)


ربيعة، وجلهمة بن ربيعة، وهم لغير أمه فاطمة فيمن تبعهم من قضاعة في حاج العرب، وهم مجمعون لنصرة قصي. وخزاعة تزعم أن حليل ابن حبشية أوصى بذلك قصيا وأمره به حين انتشر له من ابنته من الولد ما انتشر. وقال أنت أولى بالكعبة وبالقيام عليها، وبأمر مكة من خزاعة، فعند ذلك طلب قصي ما طلب ولم نسمع ذلك من غيرهم فالله أعلم أي ذلك كان.
ما كان يليه الغوث بن مر من الإجازة للناس بالحج:
وكان الغوث بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر يلي الإجازة للناس بالحج من عرفة وولده من بعده وكان يقال له ولولده صوفة. وإنما ولي ذلك الغوث بن مر، لأن أمه كانت امرأة من جرهم، وكانت لا تلد فنذرت لله إن هي ولدت رجلا: أن تصدق به على الكعبة عبدا لها يخدمها، ويقوم عليها، فولدت الغوث، فكان يقوم على الكعبة في الدهر الأول مع أخواله من جرهم، فولي الإجازة بالناس من عرفة لمكانه الذي كان به من الكعبة، وولده من بعده حتى انقرضوا. فقال مر بن أد لوفاء نذر أمه:
__________
فنشأ ولا يعلم لنفسه أبا إلا ربيعة، ولا يدعى إلا له فلما كان غلاما يفعة أو حزورا1 سابه رجل من قضاعة، فعيره بالدعوة وقال لست منا، وإنما أنت فينا ملصق فدخل على أمه وقد وجم لذلك فقالت له يا بني صدق إنك لست منهم ولكن رهطك خير من رهطه وآباؤك أشرف من آبائه وإنما أنت قرشي، وأخوك وبنو عمك بمكة وهم جيران بيت الله الحرام فدخل في سيارة حتى أتى مكة، وقد ذكرنا أن اسمه زيد وإنما كان قصيا أي بعيدا عن بلده فسمي قصيا2.
ـــــــ
1 الغلام القوي.
2 قال الخطابي: سمي قصياً لأنه قصي قومه، أي: تقاصهم بالشام فينقلهم إلى مكة. انظر: "نهاية الأرب". 16/20 وما بعدها.

(2/22)


إني جعلت رب من بنيه ... ربيطة بمكة العليه
فباركن لي بها أليه ... واجعله لي من صالح البريه
وكان الغوث بن مر - فيما زعموا - إذا دفع بالناس قال:
لا هم إني تابع تباعه ... إن كان إثم فعلى قضاعه
قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد . قال.
صوفة ورمي الجمار:
"كانت صوفة تدفع بالناس من عرفة، وتجيز بهم إذا نفروا من منى، فإذا كان يوم النفر أتوا لرمي الجمار ورجل من صوفة يرمي للناس لا يرمون حتى يرمي. فكان ذوو الحاجات المتعجلون يأتونه فيقولون له قم فارم حتى نرمي معك، فيقول لا والله حتى تميل الشمس فيظل ذوو الحاجات الذين يحبون التعجل يرمونه بالحجارة ويستعجلونه بذلك ويقولون له ويلك قم فارم، فيأبى عليهم حتى إذا مالت الشمس قام فرمى، ورمى الناس معه".
تولي بني سعد أمر البيت بعد صوفة:
قال ابن إسحاق: فإذا فرغوا من رمي الجمار وأرادوا النفر من منى، أخذت
ـــــــ
الغوث بن مر وصوفة:
فصل وذكر قصة الغوث بن مر، ودفعه بالناس من عرفة1 وقال بعض نقلة الأخبار إن ولاية الغوث بن مر كانت من قبل ملوك كندة2.
وقوله إن كان إثما فعلى قضاعة. إنما خص قضاعة بهذا ; لأن منهم محلين
ـــــــ
1 في "السيرة": من بعد عرفة، وفي نسخ أخرى: من عرفة.
2 في "القاموس": وكندة –بالكسر- ويقال: كندي: لقب ثور بن عفير أبو حي من اليمن، لأنه كند أباه النعمة، ولحق بأخواله، والكند: القطع.

(2/23)


صوفة بجانبي العقبة، فحبسوا الناس وقالوا: أجيزي صوفة فلم يجز أحد من الناس حتى يمروا، فإذا نفرت صوفة ومضت خلي سبيل الناس فانطلقوا بعدهم فكانوا كذلك حتى انقرضوا، فورثهم ذلك من بعدهم بالقعدد بنو سعد بن زيد مناة بن تميم وكانت من بني سعد في آل صفوان بن الحارث بن شجنة.
ـــــــ
يستحلون الأشهر الحرم، كما كانت خثعم وطيئ تفعل وكذلك كانت النسأة تقول إذا حرمت صفرا أو غيره من الأشهر بدلا من الشهر الحرام - يقول قائلهم قد حرمت عليكم الدماء إلا دماء المحلين.
فصل وأما تسمية الغوث وولده صوفة فاختلف في سبب ذلك. فذكر أبو عبيد الله الزبير بن أبي بكر القاضي في أنساب قريش له عند ذكر صوفة البيت الواقع في السيرة لأوس بن مغراء السعدي وهو:
لا يبرح الناس ما حجوا معرفهم
البيت. وبعده:
مجد بناه لنا قدما أوائلنا ... وأورثوه طوال الدهر أحزانا1
ومغراء: تأنيث أمغر وهو الأحمر ومنه قول الأعرابي للنبي - صلى الله عليه وسلم - أهو هذا الرجل الأمغر؟ ثم قال قال أبو عبيدة وصوفة وصوفان يقال لكل من ولي من البيت شيئا من غير أهله أو قام بشيء من خدمة البيت أو بشيء من أمر المناسك يقال لهم صوفة وصوفان. قال أبو عبيدة لأنه بمنزلة الصوف فيهم القصير والطويل والأسود والأحمر ليسوا من قبيلة واحدة. وذكر أبو عبد الله أنه حدثه أبو الحسن الأثرم عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال إنما سمي الغوث بن مر: صوفة لأنه كان لا يعيش لأمه ولد فنذرت لئن عاش لتعلقن برأسه صوفة ولتجعلنه ربيطا
ـــــــ
1 أوس بن مغراة أحد بني جعفر قريع بن عوف بن كعب بن سعد زيد بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وقيل: أوس بن تميم بن مغراة، وله، ترجمة في "الإصابة" قال: ويكنى أبا المغراة، وبقي إلى أيام معاوية رضي الله عنه.

(2/24)


نسب صفوان:
قال ابن هشام: صفوان بن جناب بن شجنة عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
صفوان وكرب والإجازة في الحج:
قال ابن إسحاق: وكان صفوان هو الذي يجيز للناس بالحج من عرفة ثم بنوه من بعده حتى كان آخرهم الذي قام عليه الإسلام كرب بن صفوان وقال أوس بن تميم بن مغراء السعدي:
لا يبرح الناس ما حجوا معرفهم ... حتى يقال أجيزوا آل صفوانا
قال ابن هشام: هذا البيت في قصيدة لأوس بن مغراء.
ـــــــ
للكعبة ففعلت فقيل له صوفة ولولده من بعده وهو الربيط وحدث إبراهيم بن المنذر عن عمر بن عبد العزيز بن عمران قال أخبرني عقال بن شبة قال قالت أم تميم بن مر - وولدت نسوة - فقالت لله علي لئن ولدت غلاما لأعبدنه للبيت فولدت الغوث، وهو أكبر ولد مر فلما ربطته عند البيت أصابه الحر، فمرت به - وقد سقط وذوى واسترخى فقالت ما صار ابني إلا صوفة فسمي صوفة1.
بنو سعد وزيد مناة:
فصل وذكر وراثة بني سعد إجازة الحاج بالقعدد من بني الغوث بن مر، وذلك أن سعدا هو ابن زيد مناة بن تميم بن مر وكان سعد أقعد بالغوث بن مر من غيره من العرب2، وزيد مناة بن تميم يقال فيه مناة ومناءة بالهمز وتركه ويجوز أن يكون - إذا همز - مفعلة من ناء ينوء ويجوز أن يكون فعالة من المنيئة وهي المدبغة كما
ـــــــ
1 في "القاموس" عن صوفة أيضاً: أو هم قوم من أفناء القبائل تجمعوا فتشبكوا كتشبك الصوفة.
2 القعدد: القريب من الجد الأكبر. انظر: "المحبر لابن حبيب" ص257.

(2/25)