الروض الأنف ت السلامي

ما كانت عليه عدوان من إفاضة المزدلفة:
شعر ذي الأصبع في إفاضتهم بالناس:
وأما قول ذي الإصبع العدواني واسمه حرثان بن عمرو، وإنما سمي ذا الإصبع لأنه كان له إصبع فقطعها:
عذير الحي من عدوا ... ن كانوا حية الأرض
ـــــــ
قالت امرأة من العرب لأخرى: [تقول لك أمي]: أعطيني نفسا أو نفسين أمعس به منيئتي، فإني أفدة. النفس قطعة من الدباغ والمنيئة الجلد في الدباغ وأفدة مقاربة لاستتمام ما تريد صلاحه وتمامه من ذلك الدباغ1 وأنشد أبو حنيفة:
إذا أنت باكرت المنيئة باكرت ... قضيب أراك بات في المسك منقعا
وأنشد يعقوب:
إذا أنت باكرت المنيئة باكرت ... مداكا لها من زعفران وإثمدا2
اشتقاق المزدلفة:
فصل: وأما قوله فلأن الإفاضة من المزدلفة كانت في عدوان فالمزدلفة مفتعلة من الازدلاف وهو الاجتماع. وفي التنزيل: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ} [الشعراء: 64] وقيل بل الازدلاف هو الاقتراب والزلفة القربة فسميت مزدلفة ; لأن الناس يزدلفون فيها إلى الحرم، وفي الخبر : "أن آدم عليه السلام لما هبط إلى الأرض3 لم يزل يزدلف إلى حواء، وتزدلف إليه حتى تعارفا بعرفة واجتمعا بالمزدلفة فسميت جمعا، وسميت المزدلفة"4.
ـــــــ
1 في "إصلاح المنطق" أن الذي قص هذا هو الأصمعي، وفي "اللسان": أمعس به بدلاً من: أمعس بها.
2 الشعر لحميد بن ثور.
3 الرأي الراجح أن جنة آدم كانت في الأرض.
4 لم يرد هذا في حديث صحيح.

(2/26)


....................................................
ـــــــ
ذو الإصبع وآل ظرب:
وأما ذو الإصبع1 الذي ذكره فهو حرثان بن عمرو، ويقال فيه حرثان بن الحارث بن محرث بن ربيعة بن هبيرة بن ثعلبة بن ظرب وظرب هو والد عامر بن الظرب الذي كان حكم العرب، وذكر ابن إسحاق قصته في الخنثى، وفيه يقول الشاعر [المتلمس]:
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علم الإنسان إلا ليعلما2
وكان قد خرف حتى تفلت ذهنه فكانت العصا تقرع له إذا تكلم في نادي قومه تنبيها له لئلا تكون له السقطة في قول أو حكم. وكذلك كان ذو الإصبع كان حكما في زمانه وعمر ثلاثمائة سنة وسمي ذا الإصبع لأن حية نهشته في أصبعه.
وجدهم ظرب هو عمرو بن عياذ بن يشكر بن بكر بن عدوان، واسم عدوان: تيم وأمه جديلة بنت أد بن طابخة وكانوا أهل الطائف، وكثر عددهم فيها حتى بلغوا زهاء سبعين ألفا، ثم هلكوا ببغي بعضهم على بعض وكان ثقيف وهو قسي بن منبه صهرا لعامر بن الظرب كانت تحته زينب بنت عامر وهي أم أكثر ثقيف، وقيل هي أخت عامر وأختها ليلى بنت الظرب هي أم دوس بن عدنان وسيأتي طرف من خبره فيما بعد - إن شاء الله - فلما هلكت عدوان، وأخرجت بقيتهم ثقيف من الطائف، صارت الطائف بأسرها لثقيف إلى اليوم.
وقوله: حية الأرض: يقال فلان حية الأرض وحية الوادي إذا كان مهيبا يذعر منه كما قال حسان:
ـــــــ
1 سبب تسميته في "الاشتقاق" ص268 واسمه: حرثان.
2 بيت الشعر: لذي الحلم الخ هو للمتلمس. انظر "المحبر" ص181.

(2/27)


بغى بعضهم ظلما ... فلم يرع على بعض
ومنهم كانت السادا ... ت والموفون بالقرض
ومنهم من يجيز النا ... س بالسنة والفرض
ومنهم حكم يقضي ... فلا ينقض ما يقضي
أبو سيارة وإفاضته بالناس:
وهذه الأبيات في قصيدة له - فلأن الإضافة من المزدلفة كانت في عدوان - فيما حدثني زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق - يتوارثون ذلك كابرا عن كابر. حتى كان آخرهم الذي قام عليه الإسلام أبو سيارة عميلة بن الأعزل ففيه يقول شاعر من العرب:
يا محكم بن طفيل قد أتيح لكم ... لله در أبيكم حية الوادي
يعني بحية الوادي: خالد بن الوليد رضي الله عنه.
فصل: وقوله: عذير الحي من عدوان1. نصب عذيرا على الفعل المتروك إظهاره كأنه يقول هاتوا عذيره أي من يعذره فيكون العذير بمعنى: العاذر ويكون أيضا بمعنى: العذر مصدرا كالحديث ونحوه.
أبو سيارة:
وذكر أبا سيارة وهو عميلة بن الأعزل في قول ابن إسحاق، وقال غيره:
ـــــــ
1 عدة القصيدة التي في "السيرة" هي في "الأغاني": اثنا عشر بيتاً في ترجمة ذي الأصبع، والقصيدة عن تفرق عدون وتشتتهم في البلاد مع كثرتهم، وفي "اللسان" عن حية الوادي: إذا كان شديد الشكيمة حامياً لحوزته.

(2/28)


نحن دفعنا عن أبي سياره ... وعن مواليه بني فزاره
حتى أجاز سالما حماره ... مستقبل القبلة يدعو جاره
قال وكان أبو سيارة يدفع بالناس على أتان له فلذلك يقول سالما حماره.
أمر عامر بن ظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان:
قضاؤه في خنثى ومشورة جاريته سخيلة:
قال ابن إسحاق وقوله حكم يقضي يعني: عام بن ظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان العدواني. وكانت العرب لا يكون بينها نائرة ولا عضلة في قضاء إلا أسندوا ذلك إليه ثم رضوا بما قضى فيه فاختصم إليه في بعض ما كانوا
ـــــــ
اسمه العاصي. قاله الخطابي. واسم الأعزل خالد ذكره الأصبهاني، وكانت له أتان عوراء خطامها ليف يقال إنه دفع عليها في الموقف أربعين سنة وإياها يعني الراجز في قوله:
حتى يجيز سالما حماره.
وكانت تلك الأتان سوداء ولذلك يقول:
لا هم ما لي في الحمار الأسود ... أصبحت بين العالمين أحسد
فق أبا سيارة المحسد ... من شر كل حاسد إذ يحسد
وأبو سيارة هذا هو الذي يقول: أشرق ثبير كيما نغير وهو الذي يقول:
لا هم إني تابع تباعه1
ـــــــ
1 إن العرب لما سمعوه اللهم في كلام الخلق توهموا أنه إذا ألغيت الألف وللام من الله كان الباقي: لاه فقالوا: لاهم.

(2/29)


يختلفون فيه في رجل خنثى، له ما للرجل وله ما للمرأة فقالوا: أنجعله رجلا أو امرأة؟ ولم يأتوه بأمر كان أعضل منه. فقال حتى أنظر في أمركم فوالله ما نزل بي مثل هذه منكم يا معشر العرب فاستأخروا عنه. فبات ليلته ساهرا يقلب أمره وينظر في شأنه لا يتوجه له منه وجه وكانت له جارية يقال لها: سخيلة ترعى عليه غنمه وكان يعاتبها إذا سرحت فيقول صبحت والله يا سخيل وإذا أراحت عليه قال مسيت والله يا سخيل وذلك أنها كانت تؤخر السرح حتى يسبقها بعض الناس وتؤخر الإراحة حتى يسبقها بعض الناس. فلما رأت سهره وقلقه وقلة قراره على فراشه قالت ما لك لا أبا لك ما عراك في ليلتك هذه؟ قال ويلك دعيني، أمر ليس من شأنك، ثم عادت له بمثل قولها، فقال في نفسه عسى أن تأتي مما أنا فيه بفرج فقال ويحك اختصم إلي في ميراث خنثى، أأجعله رجلا أو امرأة؟ فوالله ما أدري ما أصنع ما يتوجه لي فيه وجه؟ قال فقالت سبحان الله لا أبا لك أتبع القضاء المبال أقعده فإن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل وإن بال من حيث تبول المرأة فهي امرأة. قال مسي سخيل بعدها، أو صبحي، فرجتها والله ثم خرج على الناس حين أصبح فقضى بالذي أشارت عليه به.
ـــــــ
وكان يقول في دعائه اللهم بغض بين رعائنا، وحبب بين نسائنا، واجعل المال في سمحائنا: وهو أول من جعل الدية مائة من الإبل فيما ذكر أبو اليقظان حكاه عنه حمزة بن الحسن الأصبهاني.
وقوله وعن مواليه بني فزاره. يعني بمواليه بني عمه لأنه من عدوان وعدوان وفزارة من قيس عيلان، وقوله مستقبل القبلة يدعو جاره. أي يدعو الله عز وجل يقول اللهم كن لنا جارا مما نخافه أي مجيرا.
الحكم بالأمارات:
فصل وذكر عامر بن الظرب وحكمه في الخنثى، وما أفتته به جاريته سخيلة وهو حكم معمول به في الشرع وهو من باب الاستدلال بالأمارات والعلامات وله

(2/30)


....................................................
ـــــــ
أصل في الشريعة قال الله سبحانه {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف: 18] وجه الدلالة على الكذب في الدم أن القميص المدمى لم يكن فيه خرق ولا أثر لأنياب الذئب وكذلك قوله {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [يوسف: 26] الآية. وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المولود "إن جاءت به أورق جعدا جماليا فهو للذي رميت به"1 فالاستدلال بالأمارات أصل ينبني عليه كثير من الأحكام في الحدود والميراث وغير ذلك. والحكم في الخنثى أن يعتبر المبال ويعتبر بالحيض فإن أشكل من كل وجه حكم بأن يكون له في الميراث سهم امرأة ونصف وفي الدية كذلك وأكثر أحكامه مبنية على الاجتهاد.
الشداخ:
فصل وذكر يعمر الشداخ بن عوف حين حكموه وأنه سمي بالشداخ لما شدخ من دماء خزاعة2 ويعمر الشداخ هو جد بني دأب الذين أخذ عنهم كثير من علم الأخبار والأنساب وهم عيسى بن يزيد بن [بكر] بن دأب وأبوه يزيد وحذيفة بن دأب ودأب هو ابن كرز بن أحمر من بني يعمر بن عوف الذي شدخ دماء خزاعة، أي أبطلها، وأصل الشدخ الكسر والفضخ ومنه الغرة الشادخة شبهت بالضربة الواسعة. والشداخ بفتح الشين كما قال ابن هشام، والشداخ بضمها إنما هو جمع، وجائز أن يسمى هو وبنوه الشداخ كما يقال المناذرة في المنذر وبنيه والأشعرون في بني الأشعر من سبأ3 وهو باب يكثر ويطول. وأم يعمر الشداخ اسمها: السؤم
ـــــــ
1 هذا جزء من حديث –رواه أبو داود مطولاً، وفي إسناده عباد بن منصور، وقد تكلم في غير واحد، وهو في قذف هلال بن أمية أحد الثلاثة الذين خلفوا امرأته بشريك بن سحماء.
2 في "الاشتقاق": إنما سمي الشداخ لأنه أصلح بين قريش وخزاعة في الحرب التي كانت بينهم.
3 الأشعر هو: نبت بن زيد بن كهلان بن سبأ.

(2/31)


ـــــــ
بنت عامر بن جرة بضم الجيم وسيأتي ذكر جرة بالكسر2 ذكره ابن ماكولا. ومن بني الشداخ بلعاء بن قيس بن عبد الله بن يعمر الشداخ الشاعر المذكور في شعر الحماسة اسمه حميضة ولقب بلعاء لقوله:
أنا ابن قيس سبعا وابن سبع ... أبار من قيس قبيلا فالتمع

(2/32)