الروض
الأنف ت السلامي
ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاعته:
رأى ابن إسحاق في مولده صلى الله عليه وسلم:
قال ابن إسحاق: ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين،
لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول عام الفيل.
رواية قيس بن مخرمة عن مولده صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: وحدثني المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن
جده قيس بن مخرمة. قال:
ولدت أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل فنحن لدان.
رواية حسان بن ثابت، عن مولده صلى الله عليه وسلم:
قال ابن إسحاق: وحدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن يحيى
بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري. قال حدثني من
ـــــــ
فصل في المولد:
في تفسير بقي بن مخلد أن إبليس - لعنه الله - رن أربع رنات رنة حين لعن
ورنة حين أهبط ورنة حين ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورنة حين
أنزلت فاتحة الكتاب. قال والرنين والنخار1 من عمل الشيطان. قال ويكره
أن يقال أم الكتاب ولكن فاتحة الكتاب. وروي عن عثمان بن أبي العاص عن
أمه أم عثمان2 الثقفية واسمها
ـــــــ
1 الرنة: الصيحة الشديدة، والصوت الحزين عند الغناء أو البكاء.
والنخارك صوت يخرج من الخياشيم.
2 في الأصل: أبي العاص أمه عن أم عثمان، وقد أسلم عثمان هذا في وفد
ثقيف، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الطائف، وأقره أبو بكر ثم
عمر رضي الله عنهم جميعاً.
(2/93)
شئت من رجال
قومي عن حسان بن ثابت، قال:
والله إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان أعقل كل ما سمعت، إذ سمعت
يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب يا معشر يهود حتى إذا اجتمعوا
إليه قالوا له ويلك ما لك؟ قال طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به.
قال محمد بن إسحاق فسألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فقلت: ابن
كم كان حسان بن ثابت مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة؟
فقال ابن ستين وقدمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث
وخمسين سنة فسمع حسان ما سمع وهو ابن سبع سنين.
إعلام أمه حده بولادته صلى الله عليه وسلم:
قال ابن إسحاق: فلما وضعته أمه - صلى الله عليه وسلم - أرسلت إلى جده
عبد المطلب: أنه قد ولد لك غلام فأته فانظر إليه فأتاه فنظر إليه
وحدثته بما رأت حين حملت به وما قيل لها فيه وما أمرت به أن تسميه.
فرح جده به صلى الله عليه وسلم، والتماسه له المراضع:
فيزعمون أن عبد المطلب أخذه فدخل به الكعبة، فقام يدعو الله ويشكر له
ما أعطاه ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها، والتمس لرسول الله - صلى الله
عليه وسلم - الرضعاء.
ـــــــ
فاطمة بنت عبد الله قالت "حضرت ولادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فرأيت البيت حين وضع قد امتلأ نورا، ورأيت النجوم تدنو حتى ظننت أنها
ستقع علي". ذكره أبو عمر في كتاب النساء. وذكره الطبري أيضا في
التاريخ1. وولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معذورا مسرورا، أي
مختونا مقطوع السرة2 يقال عذر الصبي وأعذر. إذا ختن وكانت أمه تحدث
أنها لم تجد حين حملت به ما تجده الحوامل من ثقل ولا وحم ولا غير ذلك
ولما
ـــــــ
1 2/156
2 ضعف ابن كثير كل الأحاديث التي رويت عن هذا ثم قال: "وقد ادعى بعضهم
صحته لما ورد له من الطرق حتى زعم بعضهم أنه متواتر، وفي هذا كله نظر".
(2/94)
....................................................
ـــــــ
وضعته - صلى الله عليه وسلم - وقع إلى الأرض مقبوضة أصابع يديه مشيرا
بالسبابة كالمسبح بها، وذكر ابن دريد أنه ألقيت عليه جفنة لئلا يراه
أحد قبل جده فجاء جده والجفنة قد انفلقت عنه ولما قيل له ما سميت ابنك؟
فقال محمدا، فقيل له كيف سميت باسم ليس لأحد من آبائك وقومك؟ فقال إني
لأرجو أن يحمده أهل الأرض كلهم1 وذلك لرؤيا كان رآها عبد المطلب، وقد
ذكر حديثها علي القيرواني العابد2 في كتاب البستان. قال كان عبد المطلب
قد رأى في منامه كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء وطرف
في الأرض وطرف في المشرق وطرف في المغرب ثم عادت كأنها شجرة على كل
ورقة منها نور وإذا أهل المشرق والمغرب كأنهم يتعلقون بها، فقصها،
فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب ويحمده أهل
السماء والأرض فلذلك سماه محمدا مع ما حدثته به أمه حين قيل لها: إنك
حملت بسيد هذه الأمة فإذا وضعته فسميه محمدا. الحديث.
اسم محمد وأحمد:
قال المؤلف لا يعرف في العرب من تسمى بهذا الاسم قبله - صلى الله عليه
وسلم - إلا ثلاثة طمع آباؤهم - حين سمعوا بذكر محمد - صلى الله عليه
وسلم - وبقرب زمانه وأنه يبعث في الحجاز - أن يكون ولدا لهم. ذكرهم ابن
فورك في كتاب الفصول وهم محمد بن سفيان بن مجاشع، جد جد الفرزدق الشاعر
والآخر محمد بن أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جمحى3 بن كلفة بن عوف بن
عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، والآخر:
ـــــــ
1 في "الاشتقاق" أردت أن يحمد في السموات والأرض.
2 في المطبوعة"العابر" وهو خطأ، انظر 3/178 من هذا الكتاب ط. القاهرة
1990م.
3 هو جحجبي فقد ورد هكذا في "نسب قريش"، عن ابن بري أن من سمي في
الجاهلية بمحمد هم سبعة.
(2/95)
....................................................
ـــــــ
محمد بن حمران بن ربيعة، وكان آباء هؤلاء الثلاثة قد وفدوا على بعض
الملوك وكان عنده علم من الكتاب الأول فأخبرهم بمبعث النبي - صلى الله
عليه وسلم - وباسمه وكان كل واحد منهم قد خلف امرأته حاملا، فنذر كل
واحد منهم إن ولد له ذكر أن يسميه محمدا، ففعلوا ذلك.
قال المؤلف وهذا الاسم منقول من الصفة فالمحمد في اللغة هو الذي يحمد
حمدا بعد حمد ولا يكون مفعل مثل مضرب وممدح إلا لمن تكرر فيه الفعل مرة
بعد مرة.
وأما أحمد فهو اسمه - صلى الله عليه وسلم - الذي سمي به على لسان عيسى
وموسى - عليهما السلام - فإنه منقول أيضا من الصفة التي معناها التفضيل
فمعنى أحمد أي أحمد الحامدين لربه وكذلك هو المعنى ; لأنه تفتح عليه في
المقام المحمود محامد لم تفتح على أحد قبله فيحمد ربه بها ; ولذلك يعقد
له لواء الحمد.
وأما محمد فمنقول من صفة أيضا، وهو في معنى: محمود. ولكن فيه معنى
المبالغة والتكرار فالمحمد هو الذي حمد مرة بعد مرة كما أن المكرم من
أكرم مرة بعد مرة وكذلك الممدح ونحو ذلك. فاسم محمد مطابق لمعناه والله
- سبحانه - وتعالى سماه به قبل أن يسمي به نفسه فهذا علم من أعلام
نبوته إذ كان اسمه صادقا عليه فهو محمود - عليه السلام - في الدنيا بما
هدى إليه ونفع به من العلم والحكمة وهو محمود في الآخرة بالشفاعة فقد
تكرر معنى الحمد كما يقتضي اللفظ ثم إنه لم يكن محمدا، حتى كان أحمد
حمد ربه فنبأه وشرفه فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد فذكره
عيسى - صلى الله عليه وسلم - فقال اسمه أحمد وذكره موسى - صلى الله
عليه وسلم - حين قال1 له ربه تلك أمة أحمد فقال اللهم
ـــــــ
1 قبل هذا ذكر ابن القيم رحمه الله: موسى قال لربه: يا رب إني أجد أمة
من شأنها كذا وكذا فاجعلهم أمتي؟ انظر: "جلاء الأفهام" ص126 وهو حديث
ساقط.
(2/96)
....................................................
ـــــــ
اجعلني من أمة أحمد فبأحمد ذكر قبل أن يذكر بمحمد لأن حمده لربه كان
قبل حمد الناس له فلما وجد وبعث كان محمدا بالفعل.
وكذلك في الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التي يفتحها عليه فيكون أحمد
الحامدين لربه ثم يشفع فيحمد على شفاعته. فانظر كيف ترتب هذا الاسم قبل
الاسم الآخر1 في الذكر والوجود وفي الدنيا والآخرة تلح لك الحكمة
الإلهية في تخصيصه بهذين الاسمين وانظر كيف أنزلت عليه سورة الحمد وخص
بها دون سائر الأنبياء وخص بلواء الحمد وخص بالمقام المحمود وانظر كيف
شرع لنا سنة وقرآنا أن نقول عند اختتام الأفعال وانقضاء الأمور الحمد
لله رب العالمين. قال الله سبحانه وتعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ
بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر:
75]. وقال أيضا: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ} [يونس: 10] تنبيها لنا على أن الحمد مشروع لنا عند
انقضاء الأمور. وسن - صلى الله عليه وسلم - الحمد بعد الأكل والشرب
وقال عند انقضاء السفر: "آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون" 2.
ثم انظر لكونه - عليه السلام - خاتم الأنبياء ومؤذنا بانقضاء الرسالة
وارتفاع الوحي ونذيرا بقرب الساعة وتمام الدنيا مع أن الحمد كما قدمنا
مقرون بانقضاء الأمور مشروع عنده - تجد معاني اسميه جميعا، وما خص به
من الحمد والمحامد مشاكلا لمعناه مطابقا لصفته وفي ذلك برهان عظيم وعلم
واضح على نبوته وتخصيص الله له بكرامته وأنه قدم له هذه المقدمات قبل
وجوده تكرمة له وتصديقا لأمره - صلى الله عليه وسلم - وشرف وكرم.
تعويذ عبد المطلب:
وذكر أن عبد المطلب دخل به الكعبة وعوذه ودعا له. وفي غير رواية ابن
هشام
ـــــــ
1 انظر تحقيق ابن قيم في الفرق بين محمد وأحمد.
2 رواه مسلم.
(2/97)
....................................................
ـــــــ
أن عبد المطلب قال وهو يعوذه:
الحمد لله الذي أعطاني ... هذا الغلام الطيب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان ... أعيذه بالبيت ذي الأركان
حتى يكون بلغة الفتيان ... حتى أراه بالغ البنيان
أعيذه من كل ذي شنآن ... من حاسد مضطرب العنان
ذي همة ليس له عينان ... حتى أراه رافع السان1
أنت الذي سميت في القرآن ... في كتب ثابتة المثاني
أحمد مكتوب على البيان2
تاريخ مولده:
فصل : وذكر أن مولده عليه السلام كان في ربيع الأول وهو المعروف وقال
الزبير كان مولده في رمضان وهذا القول موافق لقول من قال إن أمه حملت
به في أيام التشريق والله أعلم.
وذكروا أن الفيل جاء مكة في المحرم وأنه - صلى الله عليه وسلم - ولد
بعد مجيء الفيل بخمسين يوما، وهو الأكثر والأشهر وأهل الحساب يقولون
وافق مولده من الشهور الشمسية نيسان فكانت لعشرين مضت منه وولد بالغفر
من المنازل وهو مولد النبيين ولذلك قيل خير منزلتين في الأبد بين
الزنابا والأسد لأن الغفر يليه من العقرب زناباها، ولا ضرر في الزنابا
إنما تضر العقرب بذنبها، ويليه من الأسد أليته وهو
ـــــــ
1 كذا!! ولعلها الشاق، وفي رواية: اللسان.
2 في "البداية": اللسان، وليس هذا السند صحيح، وفي كلمات عبد المطلب
"أعيذه بالواحد من شركل حاسد" قال العراقي: لا أصل لها.
(2/98)
....................................................
ـــــــ
السماك والأسد لا يضر بأليته إنما يضر بمخلبه1 ونابه.
وولد بالشعب، وقيل بالدار التي عند الصفا، وكانت بعد لمحمد بن يوسف أخي
الحجاج، ثم بنتها زبيدة مسجدا حين حجت2.
تحقيق وفاة أبيه:
وذكر أنه مات أبوه وهو حمل3 وأكثر العلماء على أنه كان في المهد. ذكره
الدولابي وغيره قيل ابن شهرين ذكره [أحمد] ابن أبي خيثمة [زهير بن حرب]
وقيل أكثر من ذلك ومات أبوه عند أخواله بني النجار، ذهب ليمتار لأهله
تمرا، وقد قيل مات أبوه وهو ابن ثمان وعشرين شهرا، وأنشدوا رجزا لعبد
المطلب يقوله لابنه أبي طالب:
أوصيك يا عبد مناف بعدي ... بموتم بعد أبيه فرد
فارقه وهو ضجيع المهد
وكان بينه وبين أبيه - عليه السلام - في السن ثمانية عشر عاما.
أبوه من الرضاعة:
وذكر الحارث بن عبد العزى أبا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من
الرضاعة ولم يذكر له إسلاما، ولا ذكره كثير ممن ألف في الصحابة وقد
ذكره يونس بن بكير في روايته
ـــــــ
1 خرافة ربط مولد الإنسان وحظوظ عيشه، وأقدار حياته بالنجوم ومنازلها
سخف عقلي، وعوار في الدين.
2 كانت بزقاق المدكك، وكانت من قبل بيد عقيل بن أبي طالب.
3 توفي عن خمس وعشرين
(2/99)
....................................................
ـــــــ
فقال حدثنا ابن إسحاق قال حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن رجال من بني
سعد بن بكر، قال قدم الحارث بن عبد العزى، أبو رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - من الرضاعة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة حين
أنزل عليه القرآن فقالت له قريش: ألا تسمع يا حار1 ما يقول ابنك هذا؟
فقال وما يقول؟ قالوا: يزعم أن الله يبعث بعد الموت وأن لله دارين يعذب
فيهما من عصاه ويكرم فيهما من أطاعه فقد شتت أمرنا، وفرق جماعتنا.
فأتاه فقال أي بني ما لك ولقومك يشكونك، ويزعمون أنك تقول إن الناس
يبعثون بعد الموت ثم يصيرون إلى جنة ونار؟ فقال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم – "نعم أنا أزعم ذلك ولو قد كان ذلك اليوم يا أبت لقد أخذت
بيدك، حتى أعرفك حديثك اليوم" فأسلم الحارث بعد ذلك وحسن إسلامه وكان
يقول حين أسلم: لو قد أخذ ابني بيدي، فعرفني ما قال ثم يرسلني إن شاء
الله حتى يدخلني الجنة2.
تحقيق اسم ناصرة بن قصية:
وذكر ناصرة بن قصية في نسب حليمة. وهو عندهم فصية بالفاء تصغير فصاة
وهي النواة. ووقع في الأصل في جميع النسخ قصية بالقاف3. وقال أبو حنيفة
أيضا: الفصا: حب الزبيب وهو من هذا المعنى.
الشيماء:
وذكر الشيماء أخت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة وقال في
اسمها: خذامة بكسر الخاء المنقوطة وقال غيره حذافة بالحاء المضمومة
وبالفاء مكان الميم وكذلك ذكره يونس في روايته عن ابن إسحاق، وكذلك
ذكره أبو عمر في كتاب النساء.
ـــــــ
1 ترخيم لحارث.
2 لم يروه أحد غيره، وختمته مجرد تمن فقط.
3 في النسخة المطبوعة على هامش "الروض": فصية بالفاء، ويقول الخشني ص54
هو الصواب.
(2/100)
قال ابن هشام:
المراضع. وفي كتاب الله تبارك وتعالى في قصة موسى عليه السلام
{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ}.
نسب حليمة، ونسب أبيها:
قال ابن إسحاق: فاسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر، يقال لها: حليمة
ابنة أبي ذؤيب.
وأبو ذؤيب: عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن
فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس
بن عيلان.
(2/101)
|