الروض
الأنف ت السلامي
المجلد الثالث
مباداة رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه
وما كان منهم
...
بسم الله الرحمن الرحيم
مباداة رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، وما كان منهم
أمر الله له صلى الله عليه وسلم قومه:
قال ابن إسحاق: ثم دخل الناس في الإسلام أرسالا من الرجال والنساء حتى
فشا ذكر الإسلام بمكة وتحدث به. ثم إن الله - عز وجل - أمر رسوله - صلى
الله عليه وسلم - أن يصدع بما جاءه منه وأن يبادي الناس بأمره وأن يدعو
إليه وكان بين ما أخفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره واستتر
به إلى أن أمره الله تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين - فيما بلغني - من
مبعثه ثم قال الله تعالى له {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ
الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94]. وقال تعالى {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَك
الْأَقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ
ـــــــ
مبادأة رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه
أصل الصلاة لغة:
ذكر في الحديث أن أبا طالب حدب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وقام دونه أصل الحدب انحناء في الظهر ثم استعير فيمن عطف على غيره ورق
له كما قال النابغة:
حدبت علي بطون ضبة كلها ... إن ظالما فيهم وإن مظلوما
(3/5)
الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:214، 215] {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ
الْمُبِينُ} [الحجر: 89].
تفسير ابن هشام لبعض المفردات:
قال ابن هشام: فاصدع افرق بين الحق والباطل. قال أبو ذؤيب الهذلي،
واسمه خويلد بن خالد يصف أتن وحش وفحلها:
وكأنهن ربابة وكأنه ... يسر يفيض على القداح ويصدع
أي يفرق على القداح ويبين أنصباءها. وهذا البيت في قصيدة له. وقال رؤبة
بن العجاج:
أنت الحليم والأمير المنتقم ... تصدع بالحق وتنفي من ظلم
وهذان البيتان في أرجوزة له.
خروج الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه إلى شعاب مكة، وما فعله سعد:
قال ابن إسحاق: وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا،
ذهبوا في الشعاب
ـــــــ
ومثل ذلك الصلاة أصلها: انحناء وانعطاف من الصلوين وهما: عرقان في
الظهر إلى الفخذين ثم قالوا: صلى عليه أي انحنى عليه ثم سموا الرحمة
حنوا وصلاة إذا أرادوا المبالغة فيها، فقولك: صلى الله على محمد هو أرق
وأبلغ من قولك: رحم الله محمدا في الحنو والعطف. والصلاة أصلها في
المحسوسات عبر بها عن هذا المعنى مبالغة وتأكيدا كما قال الشاعر:
فما زلت في ليني [له] وتعطفي ... عليه كما تحنو على الولد الأم
(3/6)
فاستخفوا
بصلاتهم من قومهم فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر من أصحاب رسول الله
-صلى الله عليه وسلم - في شعب من شعاب مكة، إذ ظهر عليهم نفر من
المشركين -وهم يصلون - فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم
فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلا من المشركين بلحي بعير فشجه فكان أول
دم هريق في الإسلام.
إظهار قومه صلى الله عليه وسلم العداوة له، وحدب عمه أبي طالب عليه:
قال ابن إسحاق: فلما بادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قومه
بالإسلام وصدع به كما أمره الله لم يبعد منه قومه ولم يردوا عليه -
فيما بلغني - حتى ذكر آلهتهم وعابها، فلما
ـــــــ
ومنه قيل صليت على الميت أي دعوت له دعاء من يحنو عليه ويتعطف عليه.
ولذلك لا تكون الصلاة بمعنى الدعاء على الإطلاق لا تقول صليت على العدو
أي دعوت عليه. إنما يقال. صليت عليه في معنى الحنو والرحمة والعطف
لأنها في الأصل <5> انعطاف ومن أجل ذلك عديت في اللفظ بعلى، فتقول صليت
عليه أي حنوت عليه ولا تقول في الدعاء إلا: دعوت له فتعدي الفعل باللام
إلا أن تريد الشر والدعاء على العدو فهذا فرق ما بين الصلاة والدعاء
وأهل اللغة لم يفرقوا، ولكن قالوا: الصلاة بمعنى الدعاء إطلاقا، ولم
يفرقوا بين حال وحال ولا ذكروا التعدي باللام ولا بعلى، ولا بد من
تقييد العبارة لما ذكرناه وقد يكون الحدب أيضا مستعملا في معنى
المخالفة إذا قرن بالقعس كقول الشاعر:
وإن حدبوا، فاقعس وإن هم تقاعسوا ... لينتزعوا ما خلف ظهرك فاحدب
وكقول الآخر:
ولن ينهنه قوما أنت خائفهم ... كمثل وقمك جهالا بجهال
(3/7)
فعل ذلك أعظموه
وناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام
وهم قليل مستخفون وحدب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب،
ومنعه وقام دونه ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمر الله
مظهرا لأمره لا يرده عنه شيء. فلما رأت قريش، أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه من فراقهم وعيب آلهتهم ورأوا
أن عمه أبا طالب قد حدب عليه وقام دونه فلم يسلمه لهم مشى رجال من
أشراف قريش إلى أبي طالب عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف
بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. وأبو سفيان بن حرب بن
أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن
غالب بن فهر.
قال ابن هشام: واسم أبي سفيان صخر.
قال ابن إسحاق: وأبو البختري، واسمه العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن
عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي.
قال ابن هشام: أبو البختري العاص بن هاشم.
قال ابن إسحاق: والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب
بن مرة بن كعب بن لؤي. وأبو جهل - واسمه عمرو، وكان يكنى أبا الحكم -
ابن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن
ـــــــ
فاقعس إذا حدبوا، واحدب إذا قعسوا ... ووازن الشر مثقالا بمثقال
أنشده الجاحظ في كتاب الحيوان له.
أبو البختري
فصل :وذكر مجيء النفر من قريش إلى أبي طالب في أمر النبي صلى الله عليه
وسلم وذكر أنسابهم وذكر فيهم أبا البختري بن هشام قال واسمه العاصي بن
هشام وقال ابن هشام: هو العاصي بن هاشم والذي قاله ابن إسحاق هو قول
ابن الكلبي والذي
(3/8)
كعب بن لؤي.
والوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب
بن لؤي، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم بن
عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي. والعاص بن وائل.
قال ابن هشام: العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص
بن كعب بن لؤي.
وفد قريش مع أبي طالب في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال ابن إسحاق: أو من مشى منهم. فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب
آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا،
وإما أن تخلي بيننا وبينه فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه
فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا، وردهم ردا جميلا، فانصرفوا عنه.
استمرار رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته ورجوع وفد قريش إلى أبي
طالب ثانية:
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو
إليه ثم شري الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا، وأكثرت قريش
ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينها، فتذامروا فيه وحض بعضهم
بعضا عليه ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى، فقالوا له يا أبا طالب
إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه
عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب
آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين
أو كما قالوا له. ثم انصرفوا عنه فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم
ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم ولا خذلانه.
ـــــــ
قاله ابن هشام هو قول الزبير بن أبي بكر وقول مصعب وهكذا وجدت في حاشية
كتاب الشيخ أبي بحر سفيان بن العاصي.
(3/9)
طلب أبي طالب
إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الكف عن الدعوة وجوابه له:
قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث أن
قريشا حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - فقال له يا ابن أخي، إن قومك قد جاءوني، فقالوا لي كذا
وكذا، للذي كانوا قالوا له فأبق علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما
لا أطيق فظن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قد بدا
ـــــــ
لو وضعوا الشمس في يميني:
فصل وذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم – "والله لو وضعوا الشمس في
يميني، والقمر في شمالي على أن أدع هذا الذي جئت به ما تركته" أو كما
قال. خص الشمس باليمين لأنها الآية المبصرة وخص القمر بالشمال لأنها
الآية الممحوة وقد قال عمر - رحمه الله - لرجل قال له إني رأيت في
المنام كأن الشمس والقمر يقتتلان ومع كل واحد منهما نجوم فقال عمر مع
أيهما كنت ؟ فقال مع القمر قال كنت مع الآية الممحوة اذهب فلا تعمل لي
عملا، وكان عاملا له فعزله فقتل الرجل في صفين مع معاوية واسمه حابس بن
سعد، وخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النيرين حين ضرب المثل بهما
; لأن نورهما محسوس والنور الذي جاء به من عند الله - وهو الذي أرادوه
على تركه - هو لا محالة أشرف من النور المخلوق قال الله سبحانه
{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى
اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة 33]. فاقتضت بلاغة
النبوة - لما أرادوه على ترك النور الأعلى - أن يقابله بالنور الأدنى،
وأن يخص أعلى النيرين وهي الآية المبصرة بأشرف اليدين وهي اليمنى بلاغة
لا مثلها، وحكمة لا يجهل اللبيب فضلها.
البداء :
وقول ابن إسحاق: ظن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قد بدا لعمه
بداء أي ظهر له
(3/10)
لعمه فيه أنه
خاذله ومسلمه وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه. قال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم "يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري
على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته" قال ثم
استعبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبكى ثم قام فلما ولى ناداه
أبو طالب فقال أقبل يا ابن أخي، قال فأقبل عليه رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - فقال اذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء
أبدا.
ـــــــ
رأي فسمى الرأي بداء لأنه شيء يبدو بعد ما خفي والمصدر البدء والبدو
والاسم البداء ولا يقال في المصدر بدا له بدو، كما لا يقال ظهر له ظهور
بالرفع لأن الذي يظهر ويبدو هاهنا هو الاسم نحو البداء وأنشد أبو علي
لعلك والموعود حق وفاؤه ... بدا لك في تلك القلوص بداء
ومن أجل أن البدو هو الظهور كان البداء في وصف الباري - سبحانه - محالا
; لأنه لا يبدو له شيء كان غائبا عنه والنسخ للحكم ليس ببداء كما توهمت
الجهلة من الرافضة واليهود، إنما هو تبديل حكم بحكم بقدر قدره وعلم
علمه وقد يجوز أن يقال بدا له أن يفعل كذا، ويكون معناه أراد. وهذا من
المجاز الذي لا سبيل إلى إطلاقه إلا بإذن من صاحب الشرع وقد صح في ذلك
ما خرجه البخاري في حديث الثلاثة الأعمى والأقرع والأبرص وأنه عليه
السلام قال بدا لله أن يبتلهم فبدا هنا بمعنى: أراد وذكرنا الرافضة،
لأن ابن أعين ومن اتبعه منهم يجيزون البداء على الله تعالى، ويجعلونه
والنسخ شيئا واحدا، واليهود لا تجيز النسخ
(3/11)
مشي قريش إلى
أبي طالب ثالثة بعمارة بن الوليد المخزومي :
قال ابن إسحاق: ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - وإسلامه وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم
مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة، قالوا له - فيما بلغني – "يا
أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأجمله فخذه فلك عقله
ونصره واتخذه ولدا فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا، الذي قد خالف
دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك، وسفه أحلامهم فنقتله فإنما هو رجل
برجل فقال والله لبئس ما تسومونني
__________
يحسبونه بداء ومنهم من أجاز البداء كالرافضة ويروى أن عليا - رحمه الله
- صلى يوما، ثم ضحك فسئل عن ضحكه فقال تذكرت أبا طالب حين فرضت الصلاة
ورآني أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنخلة فقال " ما هذا
الفعل الذي أرى " ؟ فلما أخبرناه قال "ذا حسن ولكن لا أفعله أبدا، لا
أحب أن تعلوني استي " فتذكرت الآن قوله فضحكت.
عرض قريش على أبي طالب:
فصل : وذكر قول الملأ من قريش لأبي طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى
في قريش، وأجمله فخذه مكان ابن أخيك. أنهد. أي أقوى وأجلد ويقال فرس
نهد للذي يتقدم الخيل وأصل هذه الكلمة التقدم ومنه يقال نهد ثدي
الجارية أي برز قدما. وعمارة بن الوليد هذا المذكور هو الذي أرسلته
قريش مع عمرو بن العاص إلى أرض الحبشة فسحر هناك وجن وسنزيد في خبره
شيئا بعد هذا إن شاء الله.
وذكروا أن أبا طالب قال لهم حين سألوه أن يأخذ عمارة بدلا من محمد صلى
الله عليه وسلم
(3/12)
أتعطونني ابنكم
أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه هذا والله ما لا يكون أبدا. قال فقال
المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي: والله يا أبا طالب لقد
أنصفك قومك، وجهدوا على التخلص مما تكرهه فما أراك تريد أن تقبل منهم
شيئا، فقال أبو طالب للمطعم والله ما أنصفوني، ولكنك قد أجمعت خذلاني
ومظاهرة القوم علي فاصنع ما بدا لك" أو كما قال. قال فحقب الأمر وحميت
الحرب وتنابذ القوم وبادى بعضهم بعضا.
شعر أبي طالب في التعريض بالمطعم ومن خذله من بني عبد مناف:
فقال أبو طالب عند ذلك - يعرض بالمطعم بن عدي - ويعم من خذله من بني
عبد مناف ومن عاداه من قبائل قريش، ويذكر ما سألوه وما تباعد من أمرهم
ـــــــ
أرأيتم ناقة تحن إلى غير فصيلها وترأمه لا أعطيكم ابني تقتلونه أبدا،
وآخذ ابنكم أكفله وأغذوه وهو معنى ما ذكر ابن إسحاق قال ابن إسحاق فحقب
الأمر عند ذلك يريد اشتد وهو من قولك: حقب البعير إذا راغ عنه الحقب من
شدة الجهد والنصب وإذا عسر عليه البول أيضا لشد الحقب على ذلك الموضع
فيقال منه حقب البعير ثم يستعمل في الأمر إذا عسر وكذلك قوله فشري
الأمر عند ذلك أي انتشر الشر، ومنه الشرى، وهي قروح تنتشر على البدن
يقال منه شري جلد الرجل يشرى شرى.
شعر أبي طالب :
فصل : وذكر شعر أبي طالب
(3/13)
ألا قل لعمرو
والوليد ومطعم ... ألا ليت حظي من حياطتكم بكر
من الخور حبحاب كثير رغاؤه ... يرش على الساقين من بوله قطر
تخلف خلف الورد ليس بلاحق ... إذا ما علا الفيفاء قيل له وبر
ـــــــ
ألا قل لعمرو والوليد. إلى آخر الشعر.
وفيه:
ألا ليت حظي من حياطتكم بكر
أي: إن بكرا من الإبل أنفع لي منكم فليته لي بدلا من حياطتكم كما قال
طرفة في عمرو بن هند:
فليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثا حول قبتنا تخور
وقوله: من الخور حبحاب. الخور الضعاف والحبحاب بالحاء الصغير. وفي
حاشية كتاب الشيخ أبي بحر جبجاب بالجيم وفسره فقال هو الكثير الهدر وفي
الشعر :
إذا ما علا الفيفاء قيل له وبر
أي يشبه بالوبر لصغره ويحتمل أن يكون أراد يصغر في العين لعلو المكان
وبعده والفيفاء فعلاء ولولا قولهم الفيف لكان حمله على باب القضقاض
والجرجار أولى، ولكن سمع الفيف فعلم أن الألفين زائدتان وأنه من باب
قلق وسلس الذي ضوعفت فيه فاء الفعل دون عينه وهي ألفاظ يسيرة نحو قلق
وسلس وثلث وسدس وقد اعتنينا بجمعها من الكلام ولعل لها موضعا تذكر فيه
من هذا
(3/14)
أرى أخوينا من
أبينا وأمنا ... إذا سئلا قالا: إلى غيرنا الأمر
بلى لهما أمر ولكن تجرجما ... كما جرجمت من رأس ذي علق صخر
أخص خصوصا عبد شمس ونوفلا ... هما نبذانا مثل ما ينبذ الجمر
هما أغمزا للقوم في أخويهما ... فقد أصبحا منهم أكفهما صفر
وتيم ومخزوم وزهرة منهم ... وكانوا لنا مولى إذا بغي النصر
فوالله لا تنفك منا عداوة ... لا منهم ما كان من نسلنا شفر
فقد سفهت أحلامهم وعقولهم ... وكانوا كجفر بئس ما صنعت جفر
ـــــــ
الكتاب إن شاء الله تعالى، ولا تكون ألف فيفاء للإلحاق فيصرف لأنه ليس
في الكلام فعلال فإن قيل يكون ملحقا بقضقاض وبابه قلنا: قضقاض ثنائي
مضاعف فلا يلحق به الثلاثي، كما لا يلحق الرباعي بالثلاثي ولا الأكبر
بالأقل وقد حكي فيفاة بالقصر وليست ألفها للتأنيث إذ لا يجمع بين
علامتي تأنيث فهي إذا من باب أرطاة ونحوها، كأنها ملحقة بسلهبة. وفي
الشعر
كما جرجمت من رأس ذي علق صخر
وترك صرف علق إما لأنه جعله اسم بقعة وإما لأنه اسم علم وترك صرف الاسم
العلم سائغ في الشعر وإن لم يكن مؤنثا ولا عجميا نحو قول عباس بن
مرداس:
وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع
(3/15)
قال ابن هشام:
تركنا منها بيتين أقذع فيهما.
ذكر ما فتنت به قريش المؤمنين وعذبتهم على الإيمان:
قال ابن إسحاق: ثم إن قريشا تذامروا بينهم على من في القبائل منهم من
أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين أسلموا معه فوثبت كل
قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم ومنع الله
رسوله - صلى الله عليه وسلم - منهم بعمه أبي طالب وقد قام أبو طالب،
حين رأى قريشا يصنعون ما يصنعون في بني هاشم وبني المطلب، فدعاهم إلى
ما هو عليه من منع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقيام دونه
فاجتمعوا إليه وقاموا معه وأجابوه إلى ما دعاهم إليه إلا ما كان من أبي
لهب عدو الله الملعون.
شعر أبي طالب في مدح قومه لحدبهم عليه:
فلما رأى أبو طالب من قومه ما سره في جهدهم معه وحدبهم عليه جعل
__________
ونحو قول الآخر
يا من جفاني وملا ... نسيت أهلا وسهلا
ومات مرحب لما ... رأيت ما لي قلا
فلم يصرف مرحبا، وسيأتي في هذا الكتاب شواهد كثيرة على هذا، ونشرح
العلة فيه إن شاء الله تعالى، ولو روي من رأس ذي علق الصخر بحذف
التنوين لالتقاء الساكنين لكان حسنا، كما قرئ { قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} بحذف التنوين من " أحد "، وهي رواية ابن أبي
عمرو بن العلاء وقال الشاعر:
حميد الذي أمج داره
وقال آخر
ولا ذاكر الله إلا قليلا
وأنشد قول أبي طالب:
(3/16)
يمدحهم ويذكر
قديمهم ويذكر فضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم ومكانه منهم
ليشد لهم رأيهم وليحدبوا معه على أمره فقال:
إذا اجتمعت يوما قريش ... لمفخر فعبد مناف سرها وصميمها
فإن حصلت أشراف عبد منافها ... ففي هاشم أشرافها وقديمها
تداعت قريش غثها وسمينها ... علينا فلم تظفر وطاشت حلومها
وكنا قديما لا نقر ظلامة ... إذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمها
ونحمي حماها كل يوم كريهة ... ونضرب عن أجحارها من يرومها
بنا انتعش العود الذواء وإنما ... بأكنافنا تندي وتنمي أرومها
ـــــــ
إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر ... فعبد مناف سرها وصميمها
قوله سرها، أي وسطها، وسر الوادي وسرارته وسطه وقد تقدم متى يكون الوسط
مدحا، وأن ذلك في موضعين في وصف الشهود وفي النسب وبينا السر في ذلك.
وقال في القصيدة:
ونضرب عن أحجارها من يرومها
أي ندفع عن حصونها ومعاقلها، وإن كانت الرواية أجحارها بتقديم الجيم
فهو جمع جحر والجحر هنا مستعار وإنما يريد عن بيوتها ومساكنها.
(3/17)
|