الروض الأنف ت السلامي

إسلام حمزة رحمه الله
أذاة أبي جهل للرسول صلى الله عليه وسلم ووقوف حمزة على ذلك:
قال ابن إسحاق: حدثني رجل من أسلم، كان واعية أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعيف لأمره فلم يكلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومولاة لعبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة في مسكن لها تسمع ذلك ثم انصرف عنه فعمد إلى ناد من قريش عند الكعبة، فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أن أقبل متوشحا قوسه راجعا من قنص له وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم وكان أعز فتى في
__________
إسلام حمزة
فصل: وذكر إسلام حمزة وأمه هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة وأهيب عم آمنة بنت وهب تزوجها عبد المطلب، وتزوج ابنه عبد الله آمنة في ساعة

(3/58)


قريش، وأشد شكيمة فلما مر بالمولاة وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته قالت له يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم بن هشام وجده ههنا جالسا، فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وسلم.
إيقاع حمزة بأبي جهل وإسلامه:
فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته فخرج يسعى، ولم يقف على أحد، معدا لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها، فشجه شجة منكرة ثم قال أتشتمه فأنا على دينه أقول ما يقول ؟ فرد ذلك علي إن استطعت. فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقال أبو جهل دعوا أبا عمارة فإني والله قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا، وتم حمزة رضي الله عنه على إسلامه وعلى ما تابع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه. فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع وأن حمزة سيمنعه فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.
قول عتبة بن ربيعة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما دار بين عتبة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، قال:
__________
واحدة فولدت هالة لعبد المطلب حمزة. وولدت آمنة لعبد الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أرضعتهما ثويبة كما تقدم وزاد غير ابن إسحاق في إسلام حمزة أنه قال لما احتملني الغضب وقلت: أنا على <45> قوله أدركني الندم على فراق دين آبائي وقومي، وبت من الشك في أمر عظيم لا أكتحل بنوم ثم أتيت الكعبة، وتضرعت إلى الله سبحانه أن يشرح صدري للحق ويذهب عني الريب فما استتممت دعائي حتى زاح عني الباطل وامتلأ قلبي يقينا - أو كما قال - فغدوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بما كان من أمري، فدعا لي بأن يثبتني الله وقال حمزة بن عبد المطلب حين أسلم:
حمدت الله حين هدى فؤادي ... إلى الإسلام والدين الحنيف

(3/59)


حدثت أن عتبة بن ربيعة وكان سيدا قال يوما وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم - جالس في المسجد وحده يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف عنا ؟ وذلك حين أسلم حمزة، ورأوا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيدون ويكثرون فقالوا: بلى يا أبا الوليد قم إليه فكلمه فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها.قال فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم "قل يا أبا الوليد أسمع" قال يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا، جمعنا لك من أموالنا، حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا، حتى لا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم يستمع منه
__________
الدين جاء من رب عزيز ... خبير بالعباد بهم لطيف
إذا تليت رسائله علينا ... تحدر دمع ذي اللب الحصيف
رسائل جاء أحمد من هداها ... بآيات مبينة الحروف
وأحمد مصطفى فينا مطاع ... فلا تغشوه بالقول العنيف
فلا والله نسلمه لقوم ... ولما نقض فيهم بالسيوف
ونترك منهم قتلى بقاع ... عليها الطير كالورد العكوف
وقد خبرت ما صنعت ثقيف ... به فجزى القبائل من ثقيف
إله الناس شر جزاء قوم ... ولا أسقاهم صوب الخريف

(3/60)


قال: "أقد فرغت يا أبا الوليد" ؟ قال نعم قال "فاسمع مني" ، قال أفعل فقال {بسم الله الرحمن الرحيم حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} [فصلت 1 - 5]. ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها يقرؤها عليه فلما سمعها منه عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما، يسمع منه ثم انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها، فسجد ثم قال: " قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك"
ما أشار به عتبة على أصحابه
فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال ورائي أني قد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة. يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب، فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه قال هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم.

(3/61)