الروض الأنف ت السلامي

نبذة من ذكر المنافقين
...
نبذ من ذكر المنافقين
ابن أبي وابن صيفي
قال ابن إسحاق: وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة - كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة - وسيد أهلها عبد الله بن أبي ابن سلول العوفي ثم أحد بني الحبلى، لا يختلف علي في شرفه اثنان لم تجتمع الأوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل من أحد الفريقين حتى جاء الإسلام غيره ومعه في الأوس رجل هو في قومه من الأوس شريف مطاع أبو عامر عبد عمرو بن صيفي بن النعمان أحد بني ضبيعة بن زيد وهو أبو حنظلة، الغسيل يوم أحد، وكان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح وكان يقال له الراهب. فشقيا بشرفهما وضرهما.
سلول
فصل
<19> وذكر قصة عبد الله بن أبي ابن سلول وسلول هي أم أبي وهي خزاعية وهو أبي بن مالك من بني الحبلى، واسم الحبلى: سالم والنسب إليه حبلي بضمتين كرهوا أن يقولوا: حبلوي أو حبلي أو حبلاوي على قياس النسب لأن حبلى وسكرى ونحوهما إذا كانا اسما لرجل لم يجر في الجمع على حكم التأنيث وكذلك فعلاء بالمد تقول في جمع رجل اسمه سلمى أو ورقاء الورقاوون والسلمون وهذا بخلاف تاء التأنيث فإنك تقول في طلحة اسم رجل طلحات كما كنت تقول في غير العلمية لأن التاء لا تكون إلا للتأنيث والألف

(5/23)


إسلام ابن أبي:
<20> فأما عبد الله بن أبي فكان قومه قد نظموا له الخرز ليتوجوه ثم يملكوه عليهم فجاءهم الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك. فلما انصرف قومه عنه إلى الإسلام ضغن ورأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استلبه ملكا. فلما رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام دخل فيه كارها مصرا على نفاق وضغن.
ـــــــ
تكون للتأنيث وغيره فلما كانت ألف التأنيث بخلاف تاء التأنيث في الأسماء والأعلام كان النسب إليها مخالفا للنسب إلى ما فيه ألف التأنيث في غير الأعلام غير أن هذا في باب النسب لا يطرد وإن اطرد الجمع كما قدمنا، وكانت النكتة التي خص بها النسب في بني الحبلى بمخالفة القياس كراهيتهم لحكم التأنيث فيه لأن الحبلى وصف <20> للمرأة بالحبل فليس كراهيتهم لبقاء حكم التأنيث فيمن اسمه سلمى من الرجال ككراهيتهم لبقاء حكم التأنيث فيمن اسمه حبلى، فلذلك غيروا النسب حتى كأنهم نسبوا إلى حبل والله أعلم.
وأما سلول في خزاعة، وقد تقدم عند ذكر حبشية ابن سلول قاسم رجل مصروف وأما بنو سلول بن صعصعة إخوة بني عامر فهم بنو مرة بن صعصعة. وسلول أمهم وهي بنت ذهل بن شيبان فجميع ما وقع لابن إسحاق في السير من سلول ثلاثة واحد اسم رجل مصروف وثنتيان غير مصروفتين وهما اللتان ذكرنا.
الملك في العرب
وذكر أن الأنصار كانوا قد نظموا الخرز لعبد الله بن أبي ليتوجوه ويملكوه عليهم وذلك أن الأنصار يمن، وقد كانت الملوك المتوجون من اليمن في آل

(5/24)


إصرار ابن صيفي على كفره
<21> وأما أبو عامر فأبى إلا الكفر والفراق لقومه حين اجتمعوا على الإسلام فخرج منهم إلى مكة ببضعة عشر رجلا مفارقا للإسلام ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما حدثني محمد بن أبي أمامة عن بعض آل حنظلة بن أبي عامر: "لا تقولوا الراهب ولكن قولوا: الفاسق"
ما نال ابن صيفي جزاء تعريضه بالرسول صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق وحدثني جعفر بن عبد الله بن أبي الحكيم وكان قد أدرك وسمع وكان راوية أن أبا عامر أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة، قبل أن يخرج إلى مكة، فقال ما هذا الدين الذي جئت به؟ فقال "جئت بالحنيفية دين إبراهيم" قال فأنا عليها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنك لست عليها" قال بلى، قال إنك
ـــــــ
قحطان، وكان أول من تتوج منهم سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ولم يتوج من العرب إلا قحطاني كذلك قال أبو عبيدة فقيل له قد تتوج هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة، وقال فيه الأعشى
من يرى هوذة يسجد غير متئب ... إذا تعمم فوق التاج أو وضعا
وفي الخرزات التي بمعنى التاج يقول الشاعر [لبيد يذكر الحارث بن أبي شمر الغساني] .
رعى خرزات الملك عشرين حجة ... وعشرين حتى فاد والشيب شامل
وقال أبو عبيدة لم يكن تاجا، وإنما كانت خرزات تنظم وكان سبب تتوج هوذة أنه أجار لطيمة لكسرى منعها ممن أرادها من العرب، فلما وفد عليه توجه لذلك وملكه

(5/25)


أدخلت يا محمد في الحنيفية ما ليس منها، قال "ما فعلت، ولكني جئت بها بيضاء نقية" ؟ قال الكاذب أماته الله طريدا غريبا وحيدا - يعرض برسول الله صلى الله عليه وسلم أي أنك جئت بها كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أجل فمن كذب ففعل الله تعالى ذلك به"
فكان هو ذلك عدو الله خرج إلى مكة، فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة خرج إلى الطائف فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام فمات بها طريدا غريبا وحيدا
الاحتكام إلى قيصر في ميراثه
وكان قد خرج معه علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب وكنانة بن عبد ياليل بن عمرو بن عمير الثقفي، فلما مات اختصما في ميراثه إلى قيصر صاحب الروم. فقال قيصر يرث أهل المدر أهل المدر ويرث أهل الوبر أهل الوبر فورثه كنانة بن عبد ياليل بالمدر دون علقمة.
هجاء كعب لابن صيفي
فقال كعب بن مالك لأبي عامر فيما صنع .
معاذ الله من عمل خبيث ...
كسعيك في العشيرة عبد عمرو
فإما قلت لي شرف ونخل ... فقد ما بعت إيمانا بكفر
<22> قال ابن هشام: ويروي:
فإما قلت لي شرف ومال
قال ابن إسحاق: وأما عبد الله بن أبي فأقام على شرفه في قومه مترددا، حتى غلبه الإسلام فدخل فيه كارها.
<21> خروج قوم ابن أبي عليه وشعره في ذلك
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن مسلم الزهري، عن عروة بن الزبير، عن أسامة بن زيد بن حارثة، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى

(5/26)


سعد بن عبادة يعوده من شكو أصابه على حمار عليه إكاف فوقه قطيفة فدكية مختطمة بحبل من ليف وأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه قال فمر بعبد الله بن أبي وهو "في" ظل مزاحم أطمه.
قال ابن هشام: مزاحم اسم الأطم.
قال ابن إسحاق: وحوله رجال من قومه. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم تذمم من أن يجاوزه حتى ينزل فنزل فسلم ثم جلس قليلا فتلا القرآن ودعا إلى الله عز وجل وذكر بالله وحذر وبشر وأنذر قال وهو زام لا يتكلم حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقالته قال " يا هذا، إنه لا أحسن من حديثك هذا إن كان حقا فاجلس في بيتك فمن <23> جاءك له فحدثه إياه "و" من لم يأتك فلا تغته به ولا تأته في مجلسه بما يكره منه" قال فقال عبد الله بن رواحة في رجال كانوا عنده من المسلمين بلى، فاغشنا به وأتنا في مجالسنا ودورنا وبيتنا، فهو والله مما نحب ومما أكرمنا الله به وهدانا له فقال عبد الله بن أبي حين رأى من خلاف قومه ما رأى:
ـــــــ
مزاحم أطمه
فصل وذكر في حديث عبد الله بن أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو ظل مزاحم أطمه وآطام المدينة : سطوح ولها أسماء فمنها مزاحم ومنها الزوراء أطم بني الجلاح ومنها معرض أطم بني ساعدة ومنها: فارع أطم بني حديلة ومنها مسعط ومنها: واقم وفي معرض يقول الشاعر
ونحن دفعنا عن بضاعة كلها ... ونحن بنينا معرضا فهو مشرف
فأصبح معمورا طويلا قذاله ... وتخرب آطام بها وتقصف

(5/27)


متى ما يكن مولاك خصمك لا تزل ... تذل ويصرعك الذين تصارع
وهل ينهض البازي بغير جناحه ... وإن جذ يوما ريشه فهو واقع
قال ابن هشام: البيت الثاني عن غير ابن إسحاق.
غضب الرسول صلى الله عليه وسلم من كلام ابن أبي
قال ابن إسحاق: وحدثني الزهري، عن عروة بن الزبير، عن أسامة قال وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على سعد بن عبادة، وفي وجهه ما قال عدو الله ابن أبي، فقال والله يا رسول الله إني لأرى في وجهك شيئا، لكأنك سمعت شيئا تكرهه قال " أجل " ثم أخبره بما قال ابن أبي: فقال سعد يا رسول الله ارفق به فوالله لقد جاءنا الله بك، وإنا لننظم له الخرز لنتوجه فوالله إنه ليرى أن قد سلبته ملكا.
ـــــــ
وبضاعة أرض بني ساعدة وإليها تنسب بئر بني بضاعة. والأجش وكان بقباء والحميم والنواحان وهما أطمان لبني أنيف وصرار وكان بالجوانية والرثان والشبعان وهو في تمغ. وراتح والأبيض ومنها عاصم والرغل وكان لحضير بن سماك ومنها خيط وواسط وحبيش والأغلب ومنيع فهذه آطام المدينة ذكر أكثرها الزبير والأطم اسم مأخوذ من <23> ائتطم إذا ارتفع وعلا، يقال: ائتطم علي فلان إذا غضب وانتفخ والأطمات نيران معروفة في جبال لا تخمد فيها، تأخذ بأعنان السماء فهي أبدا باقية لأنها في معادن الكبريت وقد ذكر المسعودي منها جملة وذكر مواضعها، وقول عبد الله بن أبي:
متى ما يكن مولاك خصمك لا تزل
... تذل ويصرعك الذين تصارع
يقال إن ابن أبي تمثل بهما، ويقال إنهما الخفاف ابن ندبة وخفاف هو ابن عمرو بن الشريد أحد غربان العرب، وأمه ندبة ويقال فيها: ندبة

(5/28)


وندبة وهو سلمى.
وذكر في حديث عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على سعد بن عبادة يعوده وفي رواية يونس زيادة فيها فقه قال كان سعد قد دعاه رجل من الليل فخرج إليه فضربه الرجل بسيف فأشواه فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده من تلك الضربة ولامه على خروجه ليلا، وهذا هو موضع الفقه.

(5/29)