الروض الأنف ت السلامي

ما قيل من الشعر في يوم بدر
قال <184> ابن إسحاق: وكان مما قيل من الشعر في يوم بدر وتراد به القوم بينهم لما كان فيه قول حمزة بن عبد المطلب يرحمه الله
قال ابن هشام: وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها ونقيضتها <185> :
ألم تر أمرا كان من عجب الدهر ... وللحين أسباب مبينة الأمر
وما ذاك إلا أن قوما أفادهم ... فحانوا تواص بالعقوق وبالكفر
عشية راحوا نحو بدر بجمعهم ... فكانوا رهونا للركية من بدر
وكنا طلبنا العير لم نبغ غيرها ... فساروا إلينا فالتقينا على قدر
فلما التقينا لم تكن مثنوية ... لنا غير طعن بالمثقفة السمر
ـــــــ
أشعار يوم بدر
وقد قدمنا في آخر حديث الهجرة أنا لا نعرض لشرح شيء من الشعر الذي هجي به المسلمون ونال فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركون إلا شعرا أسلم صاحبه وتكلمنا هنالك على ما قيل في تلك الأشعار وذكرنا قول من طعن عن ابن إسحاق بسببها هنالك وبينا الحق والحمد لله.
الشعر المنسوب إلى حمزة
الشعر المنسوب إلى حمزة فيه
وما ذاك إلا أن قوما أفادهم
أفادهم أهلكهم يقال فاد الرجل وفاظ وفطس وفاز وفوز إذا هلك ولا يقال فاض بالضاد ولا يقال فاظت نفسه إلا في لغة بني ضبة بن أد.
وقوله تواص هو تفاعل من الوصية وهو الفاعل بأفادهم

(5/228)


وضرب ببيض يختلي الهام حدها ... مشهرة الألوان بينة الأثر
ونحن تركنا عتبة الغي ثاويا ... وشيبة في القتلى تجرجم في الجفر
وعمرو ثوى فيمن ثوى من حماتهم ... فشقت جيوب النائحات على عمرو
جيوب نساء من لؤي بن غالب ... كرام تفرعن الذوائب من فهر
أولئك قوم قتلوا في ضلالهم ... وخلوا لواء غير محتضر النصر
لواء ضلال قاد إبليس أهله ... فخاس بهم إن الخبيث إلى غدر
وقال لهم إذ عاين الأمر واضحا ... برئت إليكم ما بي اليوم من صبر
فإني أرى ما لا ترون وإنني ... أخاف عقاب الله والله ذو قسر
فقدمهم للحين حتى تورطوا ... وكان بما لم يخبر القوم ذا خبر
فكانوا غداة البئر ألفا وجمعنا ... ثلاث مئين كالمسدمة الزهر
وفينا جنود الله حين يمدنا ... بهم في مقام ثم مستوضح الذكر
فشد بهم جبريل تحت لوائنا ... لدى مأزق فيه مناياهم تجري
فأجابه الحارث بن هشام بن المغيرة، فقال: <186>
ألا يا لقومي للصبابة والهجر ... وللحزن مني والحرارة في الصدر
وللدمع من عيني جودا كأنه ... فريد هوى من سلك ناظمه يجري
على البطل الحلو الشمائل إذ ثوى ... رهين مقام للركية من بدر
فلا تبعدن يا عمرو من ذي قرابة ... ومن ذي ندم كان ذا خلق غمر
فإن يك قوم صادفوا منك دولة ... فلا بد للأيام من دول الدهر
فقد كنت في صرف الزمان الذي مضى ... تريهم هوانا منك ذا سبل وعر
ـــــــ
<185> وفيه يجرجم في الجفر.
الجفر كل بئر لم تطو ومثلها: الجفرة ويجرجم يجعل بعضه على بعض.

(5/229)


فإلا أمت يا عمرو أترك ثائرا ... ولا أبق بقيا في إخاء ولا صهر
وأقطع ظهرا من رجال بمعشر ... كرام عليهم مثل ما قطعوا ظهري
أغرهم ما جمعوا من وشيظة ... ونحن الصميم في القبائل من فهر
فيال لؤي ذببوا عن حريمكم ... وآلهة لا تتركوها لذي الفخر
توارثها آباؤكم وورثتم ... أواسيها والبيت ذا السقف والستر
فما لحليم قد أراد هلاككم ... فلا تعذروه آل غالب من عذر
وجدوا لمن عاديتم وتوازروا ... وكونوا جميعا في التأسي وفي الصبر
لعلكم أن تثأروا بأخيكم ... ولا شيء إن لم تثأروا بذوي عمرو
بمطردات في الأكف كأنها ... وميض تطير الهام بينة الأثر
كأن مدب الذر فوق متونها ... إذا جردت يوما لأعدائها الخزر
قال ابن هشام: أبدلنا من هذه القصيدة كلمتين مما روى ابن إسحاق، وهما " الفخر " في آخر البيت و " فما لحليم " في أول البيت لأنه نال فيهما من النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق:
وقال علي بن أبي طالب في يوم بدر
قال ابن هشام: ولم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها ولا نقيضتها، وإنما كتبناهما لأنه يقال إن عمرو بن عبد الله بن جدعان قتل يوم بدر ، ولم يذكره ابن إسحاق في القتلى، وذكره في هذا الشعر <187>
ألم تر أن الله أبلى رسوله ... بلاء عزيز ذي اقتدار وذي فضل
بما أنزل الكفار دار مذلة ... فلاقوا هوانا من إسار ومن قتل
فأمسى رسول الله قد عز نصره ... وكان رسول الله أرسل بالعدل

(5/230)


فجاء بفرقان من الله منزل ... مبينة آياته لذوي العقل
فآمن أقوام بذاك وأيقنوا ... فأمسوا بحمد الله مجتمعي الشمل
وأنكر أقوام فزاغت قلوبهم ... فزادهم ذو العرش خبلا على خبل
وأمكن منهم يوم بدر رسوله ... وقوما غضابا فعلهم أحسن الفعل
بأيديهم بيض خفاف عصوا بها ... وقد حادثوها بالجلاء وبالصقل
فكم تركوا من ناشئ ذي حمية ... صريعا ومن ذي نجدة منهم كهل
تبيت عيون النائحات عليهم ... تجود بإسبال الرشاش وبالوبل
نوائح تنعى عتبة الغي وابنه ... وشيبة تنعاه وتنعى أبا جهل
وذا الرجل تنعى وابن جدعان فيهم ... مسلبة حرى مبينة الثكل
ثوى منهم في بئر بدر عصابة ... ذوي نجدات في الحروب وفي المحل
ـــــــ
شعر علي رضي الله عنه:
<187> وقال في الشعر الذي يعزى إلى علي
بأيديهم بيض خفاف عصوا بها
يقال عصيت بالسيف وعصوت بالعصا، فإذا أخبرت عن جماعة قلت: عصوا بضم الصاد كما يقال عموا، ومن العصا تقول عصوا، كما تقول غزوا. وقوله مسلبة أي قد لبست السلاب وهي خرقة سوداء تلبسها الثكلى. قال لبيد
وإنني ملاعب الرماح ... ومدره الكتيبة الرداح
يضربن حر أوجه صحاح ... في السلب السود وفي الأمساح
فالسلب جمع سلاب.

(5/231)


دعا الغي منهم من دعا فأجابه ... وللغي أسباب مرمقة الوصل
فأضحوا لدى دار الجحيم بمعزل ... عن الشغب والعدوان في أشغل الشغل
فأجابه الحارث بن هشام بن المغيرة، فقال: <188>
عجبت لأقوام تغنى سفيههم ... بأمر سفاه ذي اعتراض وذي بطل
تغنى بقتلى يوم بدر تتابعوا ... كرام المساعي من غلام ومن كهل
مصاليت بيض من لؤي بن غالب ... مطاعين في الهيجا مطاعيم في المحل
أصيبوا كراما لم يبيعوا عشيرة ... بقوم سواهم نازحي الدار والأصل
كما أصبحت غسان فيكم بطانة ... لكم بدلا منا فيا لك من فعل
عقوقا وإثما بينا وقطيعة ... يرى جوركم فيها ذوو الرأي والعقل
فإن يك قوم قد مضوا لسبيلهم ... وخير المنايا ما يكون من القتل
فلا تفرحوا أن تقتلوهم فقتلهم ... لكم كائن خبلا مقيما على خبل
فإنكم لن تبرحوا بعد قتلهم ... شتيتا هواكم غير مجتمعي الشمل
بفقد ابن جدعان الحميد فعاله ... وعتبة والمدعو فيكم أبا جهل
وشيبة فيهم والوليد وفيهم ... أمية مأوى المعترين وذو الرجل
أولئك فابك ثم لا تبك غيرهم ... نوائح تدعو بالرزية والثكل
وقولوا لأهل المكتين تحاشدوا ... وسيروا إلى آطام يثرب ذي النخل
جميعا وحاموا آل كعب وذببوا ... بخالصة الألوان محدثة الصقل
وإلا فبيتوا خائفين وأصبحوا ... أذل لوطء الواطئين من النعل
على أنني واللاتي يا قوم فاعلموا ... بكم واثق أن لا تقيموا على تبل
سوى جمعكم للسابغات وللقنا ... وللبيض والبيض القواطع والنبل
<188> وقال ضرار بن الخطاب بن مرداس، أخو بني محارب بن فهر في يوم بدر <189>
عجبت لفخر الأوس والحين دائر ... عليهم غدا والدهر فيه بصائر
ـــــــ

(5/232)


وفخر بني النجار إن كان معشر ... أصيبوا ببدر كلهم ثم صابر
فإن تك قتلى غودرت من رجالنا ... فإنا رجال بعدهم سنغادر
وتردي بنا الجرد العناجيج وسطكم ... بني الأوس حتى يشفى النفس ثائر
ووسط بني النجار سوف نكرها ... لها بالقنا والدارعين زوافر
فنترك صرعى تعصب الطير حولهم ... وليس لهم إلا الأماني ناصر
وتبكيهم من أهل يثرب نسوة ... لهن بها ليل على النوم ساهر
وذلك أنا لا تزال سيوفنا ... بهن دم ممن يحاربن مائر
فإن تظفروا في يوم بدر فإنما ... بأحمد أمسى جدكم وهو ظاهر
وبالنفر الأخيار هم أولياؤه ... يحامون في اللأواء والموت حاضر
يعد أبو بكر وحمزة فيهم ... ويدعى علي وسط من أنت ذاكر
ويدعى أبو حفص وعثمان منهم ... وسعد إذا ما كان في الحرب حاضر
أولئك لا من نتجب في ديارها ... بنو الأوس والنجار حين تفاخر
ولكن أبوهم من لؤي بن غالب ... إذا عدت الأنساب كعب وعامر
هم الطاعنون الخيل في كل معرك ... غداة الهياج الأطيبون الأكاثر
فأجابه كعب بن مالك، أخو بني سلمة فقال
عجبت لأمر الله والله قادر ... على ما أراد ليس لله قاهر
قضى يوم بدر أن نلاقي معشرا ... بغوا وسبيل البغي بالناس جائر
وقد حشدوا واستنفروا من يليهم ... من الناس حتى جمعهم متكاثر
وسارت إلينا لا نحاول غيرنا ... بأجمعها كعب جميعا وعامر
وفينا رسول الله والأوس حوله ... له معقل منهم عزيز وناصر
وجمع بني النجار تحت لوائه ... يمشون في الماذي والنقع ثائر
فلما لقيناهم وكل مجاهد ... لأصحابه مستبسل النفس صابر
شهدنا بأن الله لا رب غيره ... وأن رسول الله بالحق ظاهر
ـــــــ

(5/233)


وقد عريت بيض خفاف كأنها ... مقاييس يزهيها لعينيك شاهر
بهن أبدنا جمعهم فتبددوا ... وكان يلاقي الحين من هو فاجر
فكب أبو جهل صريعا لوجهه ... وعتبة قد غادرنه وهو عائر
وشيبة والتيمي غادرن في الوغى ... وما منهم إلا بذي العرش كافر
فأمسوا وقود النار في مستقرها ... وكل كفور في جهنم صائر
تلظى عليهم وهي قد شب حميها ... بزبر الحديد والحجارة ساجر
وكان رسول الله قد قال أقبلوا ... فولوا وقالوا: إنما أنت ساحر
لأمر أراد الله أن يهلكوا به ... وليس لأمر حمه الله زاجر <189>
وقال عبد الله بن الزبعرى السهمي يبكي قتلى بدر:
قال ابن هشام: وتروى للأعشى بن زرارة بن النباش أحد بني أسيد بن عمرو بن حليف بني نوفل بن عبد مناف.
قال ابن إسحاق: حليف بني عبد الدار:
ماذا على بدر وماذا حوله ... من فتية بيض الوجوه كرام
تركوا نبيها خلفهم ومنبها ... وابني ربيعة خير خصم فئام
والحارث الفياض يبرق وجهه ... كالبدر جلى ليلة الإظلام
والعاصي بن منبه ذا مرة ... رمحا تميما غير ذي أوصام
تنمي به أعراقه وجدوده ... ومآثر الأخوال والأعمام
وإذا بكى باك فأعول شجوه ... فعلى الرئيس الماجد ابن هشام
حيا الإله أبا الوليد ورهطه ... رب الأنام وخصهم بسلام
فأجابه حسان بن ثابت الأنصاري، فقال:
ابك بكت عيناك ثم تبادرت ... بدم تعل غروبها سجام

(5/234)


ماذا بكيت به الذين تتابعوا ... هلا ذكرت مكارم الأقوام
وذكرت منا ماجدا ذا همة ... سمح الخلائق صادق الإقدام
أعني النبي أخا المكارم والندى ... وأبر من يولي على الإقسام
فلمثله ولمثل ما يدعو له ... كان الممدح ثم غير كهام
شعر لحسان في بدر أيضا
وقال حسان بن ثابت الأنصاري أيضا: <191> <192> <193>
تبلت فؤادك في المنام خريدة ... تشفي الضجيع ببارد بسام
كالمسك تخلطه بماء سحابة ... أو عاتق كدم الذبيح مدام
نفج الحقيبة بوصها متنصد ... بلهاء غير وشيكة الأقسام
ـــــــ
حول شعر حسان
وفي شعر حسان
تبلت فؤادك في المنام خريدة
<190> <191> يجوز أن يكون أراد بالمنام النوم وموضع النوم ووقت النوم لأن مفعلا يصلح في هذا كله في ذوات الواو وقد تسمى العين أيضا مناما، لأنها موضع النوم وعليه تؤول قوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً} [الأنفال: 43] أي في عينك، ويقويه قوله سبحانه {وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} [الأنفال:44]
الفرق بين مفعل وفعل
ولا فرق عند النحويين بين مفعل في هذا الباب وفعل نحو مضرب وضرب ومنام ونوم وكذلك هما في التعدية سواء نحو ضرب زيد عمرا ومضرب زيد عمرا، وأما في حكم البلاغة والعلم بجوهر الكلام فلا سواء فإن المصدر إذا حددته قلت: ضربة ونومة ولا يقال مضربة ولا منامة فهذا فرق وفرق آخر تقول ما أنت إلا نوم وإلا سير إذا قصدت التوكيد ولا يجوز ما أنت

(5/235)


بنيت على قطن أجم كأنه ... فضلا إذا قعدت مداك رخام
وتكاد تكسل أن تجيء فراشها ... في جسم خرعبة وحسن قوام
أما النهار فلا أفتر ذكرها ... والليل توزعني بها أحلامي
أقسمت أنساها وأترك ذكرها ... حتى تغيب في الضريح عظامي
يا من لعاذلة تلوم سفاهة ... ولقد عصيت على الهوى لوامي
بكرت علي بسحرة بعد الكرى ... وتقارب من حادث الأيام
زعمت بأن المرء يكرب عمره ... عدم لمعتكر من الأصرام
إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام
ـــــــ
إلا منام وإلا مسير ومن جهة النظر أن الميم لم تزد إلا لمعنى زائد كالزوائد الأربع في المضارع وعلى ما قالوه تكون زائدة لغير معنى.
فإن قلت: فما ذاك المعنى الذي تعطيه الميم؟
قلنا: الحدث يتضمن زمانا ومكانا وحالا، فالمذهب عبارة عن الزمان الذي فيه الذهاب وعن المكان أيضا، فهو يعطي معنى الحدث وشيئا زائدا عليه وكذلك إذا أردت الحدث مقرونا بالحالة والهيئة التي يقع عليها، قال الله سبحانه {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [الروم:23] فأحال على التفكر في هذه الحالة المستمرة على البشر ثم قال في آية أخرى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255] ولم يقل منام لخلو هذا الموطن من تلك الحالة وتعريه من ذلك المعنى الزائد في الآية الأخرى، ومن لم يعرف جوهر الكلام لم يعرف إعجاز القرآن.
عود إلى شعر حسان
وفي هذا الشعر
بنيت على قطن أجم كأنه

(5/236)


ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرة ولجام
تذر العناجيح الجياد بقفرة ... مر الدموك بمحصد ورجام
ملأت به الفرجين فارمدت به ... وثوى أحبته بشر مقام
ـــــــ
<192> قطنها: ثبجها ووسطها، وأجم أي لا عظام فيه.
وقوله كأنه فضلا، نصب فضلا على الحال أي كان قطعها إذا كانت فضلا، فهو حال من الهاء في: كأنه وإن كان الفضل من صفة المرأة لا من صفة القطن ولكن لما كان القطن بعضها صار كأنه حال منها، ولا يجوز أن يكون حالا من الضمير في قعدت لاستحالة أن يعمل ما بعد إذا فيما قبلها، والفضل من النساء والرجال المتوشح في ثوب واحد والمداك صلاءة الطيب وهو مفعل من دكت أدوك إذا دققت، ومنه الدوكة والدوكة
وقوله مر الدموك يقال دمكه دمكا، إذا طحنه طحنا سريعا، وبكرة دموك أي سريعة المر وكذلك أيضا: رحى دموك والمحصد الحبل المحكم الفتل والرجام واحد الرجامين وهما الخشبتان اللتان تلقى عليهما البكرة والرجام أيضا: جمع رجمة وهي حجارة مجتمعة جمع رجم وهو القبر ومنه قول أبي الطيب
تمتع من رقاد أو سهاد ... ولا تأمل كرى تحت الرجام
فإن لثالث الحالين معنى ... سوى معنى انتباهك والمنام
<193> وارقدت أسرعت ومصدره ارقداد وكذلك ارمدت وافعل في غير

(5/237)


وبنو أبيه ورهطه في معرك ... نصر الإله به ذوي الإسلام
طحنتهم والله ينفذ أمره ... حرب يشب سعيرها بضرام
لولا الإله وجريها لتركنه ... جزر السباع ودسنه بحوامي
من بين مأسور يشد وثاقه ... صقر إذا لاقى الأسنة حامي
ومجدل لا يستجيب لدعوة ... حتى تزول شوامخ الأعلام
بالعار والذل المبين إذ رأى ... بيض السيوف تسوق كل همام
بيدي أغر إذا انتمى لم يخزه ... نسب القصار سميدع مقدام
بيض إذا لاقت حديدا صممت ... كالبرق تحت ظلال كل غمام
شعر الحارث في الرد على حسان
فأجابه الحارث بن هشام، فيما ذكر ابن هشام، فقال <194>
الله أعلم ما تركت قتالهم ... حتى حبوا مهري بأشقر مزبد
ـــــــ
الألوان والخلق عزيز وأما انقض فليس منه في شيء لأنك تقول في معناه تقضض البناء فالقاف فاء الفعل وكذلك تقضي البازي، لأنه معه وغلط الفسوي في الإيضاح فجعل يريد أن ينقض من باب احمر وإنما هو من باب انقد وانجر والنون زائدة ووزنه انفعل وكذلك غلط القالي في النوادر فقال في قوله وجريها انثرار أنه افعلال من النثر كما قال الفسوي في الانقضاض وإنما هو انفعال من عين ثرة أي كثيرة الماء.
ودسنه بحوام يعني: الحوافر وما حول الحوافر يقال الحامية وجمعه حوام.
حول شعر الحارث بن هشام
وقول الحارث بن هشام:
حتى علوا مهري بأشقر مزبد

(5/238)


وعرفت أني إن أقاتل واحدا ... أقتل ولا ينكي عدوي مشهدي
فصددت عنهم والأحبة فيهم ... طمعا لهم بعقاب يوم مفسد
قال ابن إسحاق: قالها الحارث يعتذر من فراره يوم بدر.
قال ابن هشام:
تركنا من قصيدة حسان ثلاثة أبيات من آخرها، لأنه أقذع فيها.
شعر لحسان فيها أيضا
قال ابن إسحاق: وقال حسان بن ثابت أيضا:
لقد علمت قريش يوم بدر ... غداة الأسر والقتل الشديد
بأنا حين تشتجر العوالي ... حماة الحرب يوم أبي الوليد
قتلنا ابني ربيعة يوم سارا ... إلينا في مضاعفة الحديد
وفر بها حكيم يوم جالت ... بنو النجار تخطر كالأسود
وولت عند ذاك جموع فهر ... وأسلمها الحويرث من بعيد
لقد لاقيتم ذلا وقتلا ... جهيزا نافذا تحت الوريد
وكل القوم قد ولوا جميعا ... ولم يلووا على الحسب التليد
وقال حسان بن ثابت أيضا:
يا حار قد عولت غير معول ... عند الهياج وساعة الأحساب
إذ تمتطي سرح اليدين نجيبة ... مرطى الجراء طويلة الأقراب
والقوم خلفك قد تركت قتالهم ... ترجو النجاء وليس حين ذهاب
ألا عطفت على ابن أمك إذ ثوى ... قعص الأسنة ضائع الأسلاب
ـــــــ
يعني: الدم ومزبد قد علاه الزبد.
<194> وقوله والأحبة فيهم يعني من قتل أو أسر من رهطه وإخوته.

(5/239)


عجل المليك له فأهلك جمعه ... بشنار مخزية وسوء عذاب
قال ابن هشام: تركنا منها بيتا واحدا أقذع فيه. <195>
قال ابن إسحاق:
وقال حسان بن ثابت أيضا:
قال ابن هشام: ويقال بل قالها عبد الله بن الحارث السهمي:
مستشعري حلق الماذي يقدمهم ... جلد النحيزة ماض غير رعديد
أعني رسول إله الخلق فضله ... على البرية بالتقوى وبالجود
وقد زعمتم بأن تحموا ذماركم ... وماء بدر زعمتم غير مورود
ثم وردنا ولم نسمع لقولكم ... حتى شربنا رواء غير تصريد
مستعصمين بحبل غير منجدم ... مستحكم من حبال الله ممدود
فينا الرسول وفينا الحق نتبعه ... حتى الممات ونصر غير محدود
واف وماض شهاب يستضاء به ... بدر أنار على كل الأماجيد
قال ابن هشام:
بيته " مستعصمين بحبل غير منجذم " عن أبي زيد الأنصاري
قال ابن إسحاق:
وقال حسان بن ثابت أيضا:
خابت بنو أسد وآب غزيهم ... يوم القليب بسوءة وفضوح
منهم أبو العاصي تجدل مقعصا ... عن ظهر صادقة النجاء سبوح
حينا له من مانع بسلاحه ... لما ثوى بمقامه المذبوح
والمرء زمعة قد تركن ونحره ... يدمي بعاند مغبط مسفوح
متوسدا حر الجبين معفرا ... قد عر مارن أنفه بقبوح

(5/240)


ونجا ابن قيس في بقية رهطه ... بشفا الرماق موليا بجروح
وقال حسان بن ثابت أيضا <196>
ألا ليت شعري هل أتى أهل مكة ... إبارتنا الكفار في ساعة العسر
قتلنا سراة القوم عند مجالنا ... فلم يرجعوا إلا بقاصمة الظهر
قتلنا أبا جهل وعتبة قبله ... وشيبة يكبو لليدين وللنحر
قتلنا سويدا ثم عتبة بعده ... وطعمة أيضا عند ثائرة القتر
فكم قد قتلنا من كريم مرزإ ... له حسب في قومه نابه الذكر
تركناهم للعاويات ينبنهم ... ويصلون نارا بعد حامية القمر
لعمرك ما حامت فوارس مالك ... وأشياعهم يوم التقينا على بدر
قال ابن هشام: أنشدني أبو زيد الأنصاري بيته
قتلنا أبا جهل وعتبة قبله ... وشيبة يكبو لليدين وللنحر
قال ابن إسحاق: وقال حسان بن ثابت أيضا:
نجى حكيما يوم بدر شده ... كنجاء مهر من بنات الأعوج
لما رأى بدرا تسيل جلاهه ... بكتيبة خضراء من بلخزرج
لا ينكلون إذا لقوا أعداءهم ... يمشون عائدة الطريق المنهج
ـــــــ
عود إلى حسان
<196> وقول حسان:
بكتيبة خضراء من بلخزرج
العرب تجعل الأسود أخضر فتقول ليل أخضر كما قال [ذو الرمة] :
قد أعسف النازح المجهول معسفه ... في ظل أخضر يدعو هامة البوم

(5/241)


كم فيهم من ماجد ذي منعة ... بطل بمهلكة الجبان المحرج
ومسود يعطي الجزيل بكفه ... حمال أثقال الديات متوج
زين الندي معاود يوم الوغى ... ضرب الكماة بكل أبيض سلجج
<197> قال ابن هشام: قوله سلجج عن غير ابن إسحاق.
قال ابن إسحاق:
وقال حسان أيضا:
فما نخشى بحول الله قوما ... وإن كثروا وأجمعت الزحوف
إذا ما ألبوا جمعا علينا ... كفانا حدهم رب رءوف
سمونا يوم بدر بالعوالي ... سراعا ما تضعضعنا الحتوف
فلم تر عصبة في الناس أنكى ... لمن عادوا إذا لقحت كشوف
ولكنا توكلنا وقلنا ... مآثرنا ومعقلنا السيوف
ـــــــ
وتسمي الأخضر أسود إذا اشتدت خضرته وفي التنزيل {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن:64] قال أهل التأويل سوداوان من شدة الخضرة.
وقوله بكل أبيض سلجج وهو السيف الماضي الذي يقطع الضربة بسهولة ومعه المثل الأخذ سلجان والقضاء ليان أي الأخذ سهل يسوغ في الحلق بلا عسر كما قالوا: الأخذ سريط [وسريطى] والقضاء ضريط [وضريطى] فسريط من سرطت الشيء إذا <197> بلعته سهلا، فسلجج من هذا، إلا أنهم ضاعفوا الجيم كما ضاعفوا الدال من مهدد ولم يدغموا إلا أنهم ألحقوه بجعفر.
وقوله بلخزرج أراد بني الخزرج، فحذف النون لأنها من مخرج اللام

(5/242)


لقيناهم بها لما سمونا ... ونحن عصابة وهم ألوف
<198> وقال حسان بن ثابت أيضا، يهجو بني جمح ومن أصيب منهم
جمحت بنو جمح لشقوة جدهم ... إن الذليل موكل بذليل
ـــــــ
وهم يحذفون اللام في مثل علماء وظلت كراهية اجتماع اللامين وكذلك أحست كراهية التضعيف وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - تربت يمينك وألت أرادت أللت أي طعنت من قولهم ماله أل وغل، ويروى: ألت فتكون التاء علما للتأنيث أي ألت يدك، وعندنا فيه رواية ثالثة في كتاب مسلم وهي تربت يداك وألت بكسر التاء وتشديد اللام وهي على لغة من يقول في: رددت ردت فيدغم مع ضمير الفاعل وهي لغة حكاها سيبويه [من أحكام الأفعال المبنية على صيغة المبني للمجهول]
وذكر شعر كعب وفيه
لعمر أبيكما يا ابني لؤي ... على زهو لديكم وانتخاء
الانتخاء افتعال من النخوة ويقال نخي الرجل وانتخى. ومن الزهو زهي وازدهى، ولا يكون الأمر من مثل هذا إلا باللام لأن الفعل فيه لغير المخاطب وإذا أمر من ليس بمخاطب فإنما يؤمر باللام كقولك: لتزه يا فلان ولتعن بحاجتي، وكان القياس أيضا أن لا يقال من هذا الفعل ما أفعله ولا هو أفعل من كذا، كما لا يقال في المركوب ما أركبه ولا في المضروب ما أضربه ولكنه قد جاء في مثل هذه الأفعال ما أزهاه وما أعناه بحاجتي، وقالوا: هو أشغل من ذات النحيين وهو أزهى من غراب والفعل في هذا كله زهي وشغل فهو مشغول ومزهو.
وقيل في المجنون ما أجنه حكاه أبو <198> عمر [صالح بن إسحاق]

(5/243)


قتلت بنو جمح ببدر عنوة ... وتخاذلوا سعيا بكل سبيل
جحدوا الكتاب وكذبوا بمحمد ... والله يظهر دين كل رسول
لعن الإله أبا خزيمة وابنه ... والخالدين وصاعد بن عقيل
قال ابن إسحاق:
شعر عبيدة بن الحارث في قطع رجله
وقال عبيدة بن الحارث بن المطلب في يوم بدر وفي قطع رجله حين أصيب في مبارزته هو وحمزة وعلي حين بارزوا عدوهم - قال ابن هشام، وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لعبيدة
ستبلغ عنا أهل مكة وقعة ... يهب لها من كان عن ذاك نائيا
بعتبة إذ ولى وشيبة بعده ... وما كان فيها بكر عتبة راضيا
فإن تقطعوا رجلي فإني مسلم ... أرجي بها عيشا من الله دانيا
مع الحور أمثال التماثيل أخلصت ... مع الجنة العليا لمن كان عاليا
وبعت بها عيشا تعرقت صفوه ... وعالجته حتى فقدت الأدانيا
فأكرمني الرحمن من فضل منه ... بثوب من الإسلام غطى المساويا
وما كان مكروها إلي قتالهم ... غداة دعا الأكفاء من كان داعيا
ولم يبغ إذ سألوا النبي سواءنا ... ثلاثتنا حتى حضرنا المناديا
لقيناهم كالأسد تخطر بالقنا ... نقاتل في الرحمن من كان عاصيا
فما برحت أقدامنا من مقامنا ... ثلاثتنا حتى أزيروا المنائيا
ـــــــ
الجرمي وقال سيبويه: واعلم أن العرب تقدم في كلامها ما هم به أهم، وهم ببيانه أعنى، وإن كان جميعا يهمانهم ويعنيانهم فقال أهم وأعنى، وهو من همهم وعناهم فهم به معنيون مثل مضروبون فجاز في هذه الأفعال ما ترى، وسبب جوازه أن المفعول فيها فاعل في المعنى، فالمزهو متكبر وكذا المنخو والمشغول مشتغل وفاعل لشغله والمعني بالأمر كذلك والمجنون كالأحمق فيقال ما

(5/244)


<199> قال ابن هشام: لما أصيبت رجل عبيدة قال أما والله لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لعلم أني أحق منه بما قال حين يقول
كذبتم وبيت الله يبزى محمد ... ولما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وهذان البيتان في قصيدة لأبي طالب وقد ذكرناها فيما مضى من هذا الكتاب.
رثاء كعب لعبيدة بن الحارث
قال ابن إسحاق: فلما هلك عبيدة بن الحارث من مصاب رجله يوم بدر قال كعب بن مالك الأنصاري يبكيه
أيا عين جودي ولا تبخلي ... بدمعك حقا ولا تنزري
على سيد هدنا هلكه ... كريم المشاهد والعنصر
جريء المقدم شاكي السلاح ... كريم النثا طيب المكسر
ـــــــ
أجنه كما يقال ما <199> أحمقه وليس كذلك مضروب ولا مركوب ولا مشتوم ولا ممدوح فلا يقال في شيء منه ما أفعله ولا هو أفعل من غيره.
فإن قلت: فكان ينبغي على هذا القياس أيضا أن يؤمر فيه بغير اللام كما يؤمر الفاعل إذا، وقد قلتم أنه فاعل في المعنى فالجواب أن الأمر إنما هو بلفظ المستقبل وهو تضرب وتخرج فإذا أمرت حذفت حرف المضارعة وبقيت حروف الفعل على بنيتها، وليس كذلك زهيت فأنت تزهى، ولا شغلت فأنت تشغل لأنك لو حذفت منه حرف المضارعة لبقي لفظ الفعل على بنية ليست للغائب ولا للمخاطب لأن بنية الأمر للمخاطب افعل وبنيته للغائب فليفعل

(5/245)


عبيدة أمسى ولا نرتجيه ... لعرف عرانا ولا منكر
وقد كان يحمي غداة القتا ... ل حامية الجيش بالمبتر
شعر لكعب في بدر:
<200> وقال كعب بن مالك أيضا، في يوم بدر
ألا هل أتى غسان في نأي دارها ... وأخبر شيء بالأمور عليمها
بأن قد رمتنا عن قسي عداوة ... معد معا جهالها وحليمها
لأنا عبدنا الله لم نرج غيره ... رجاء الجنان إذ أتانا زعيمها
نبي له في قومه إرث عزة ... وأعراق صدق هذبتها أرومها
فساروا وسرنا فالتقينا كأننا ... أسود لقاء لا يرجى كليمها
ضربناهم حتى هوى في مكرنا ... لمنخر سوء من لؤي عظيمها
فولوا ودسناهم ببيض صوارم ... سواء علينا حلفها وصميمها
وقال كعب بن مالك أيضا:
لعمر أبيكما يا ابني لؤي ... على زهو لديكم وانتخاء
لما حامت فوارسكم ببدر ... ولا صبروا به عند اللقاء
وردناه بنور الله يجلو ... دجى الظلماء عنا والغطاء
رسول الله يقدمنا بأمر ... من أمر الله أحكم بالقضاء
فما ظفرت فوارسكم ببدر ... وما رجعوا إليكم بالسواء
ـــــــ
والبنية التي قدرناها لا تصلح لواحد منهما، لأنك كنت: تقول أزهى من زهيت، وكنت تقول من شغلت أشغل فتخرج من باب شغلت فأنت مشغول إلى باب شغلت غيرك، فأنت شاغل فلم يستقم فيه الأمر إلا باللام.

(5/246)


فلا تعجل أبا سفيان وارقب ... جياد الخيل تطلع من كداء
بنصر الله روح القدس فيها ... وميكال فيا طيب الملاء
شعر طالب في مدح الرسول وبكاء أصحاب القليب
<201> وقال طالب بن أبي طالب، يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبكي أصحاب القليب من قريش يوم بدر
ألا إن عيني أنفدت دمعها سكبا ... تبكي على كعب وما إن ترى كعبا
ألا إن كعبا في الحروب تخاذلوا ... وأرداهم ذا الدهر واجترحوا ذنبا
وعامر تبكي للملمات غدوة ... فياليت شعري هل أرى لهما قربا
هما أخواي لن يعدا لغية ... تعد ولن يستام جارهما غصبا
فيا أخوينا عبد شمس ونوفلا ... فدا لكما لا تبعثوا بيننا حربا
ولا تصبحوا من بعد ود وألفة ... أحاديث فيها كلكم يشتكي النكبا
ألم تعلموا ما كان في حرب داحس ... وجيش أبي يكسوم إذ ملئوا الشعبا
فلولا دفاع الله لا شيء غيره ... لأصبحتم لا تمنعون لكم سربا
فما إن جنينا في قريش عظيمة ... سوى أن حمينا خير من وطئ التربا
أخا ثقة في النائبات مرزأ ... كريما نثاه لا بخيلا ولا ذربا
يطيف به العافون يغشون بابه ... يؤمون بحرا لا نزورا ولا صربا
فوالله لا تنفك نفسي حزينة ... تململ حتى تصدقوا الخزرج الضربا
شعر ضرار في رثاء أبي جهل
وقال ضرار بن الخطاب الفهري يرثي أبا جهل
ـــــــ
<200> وقوله
وميكال فيا طيب الملاء
أراد الملأ وليس من باب مد المقصور إذ لا يجوز في عصى عصاء ولا في رحى: رحاء في الشعر ولا في الكلام وإن كانوا قد أشبعوا الحركات في الضرورة فقالوا: في الكلكل الكلكال وفي الصيارف الصياريف ولكن مد المقصور أبعد من هذا، لأن زيادة <201> الألف تغيير

(5/247)


ألا من لعين باتت الليل لم تنم ... تراقب نجما في سواد من الظلم
كأن قذى فيها وليس بها قذى ... سوى عبرة من جائل الدمع تنسجم
فبلغ قريشا أن خير نديها ... وأكرم من يمشي بساق على قدم
ثوى يوم بدر رهن خوصاء رهنها ... كريم المساعي غير وغد ولا برم
فآليت لا تنفك عيني بعبرة ... على هالك بعد الرئيس أبي الحكم
على هالك أشجى لؤي بن غالب ... أتته المنايا يوم بدر فلم يرم
ترى كسر الخطى في نحر مهره ... لدى بائن من لحمه بينها خذم
وما كان ليث ساكن بطن بيشة ... لدى غلل يجري ببطحاء في أجم
بأحر أمنه حين تختلف القنا ... وتدعى نزل في القماقمة البهم
فلا تجزعوا آل المغيرة واصبروا ... عليه ومن يجزع عليه فلم يلم
وجدوا فإن الموت مكرمة لكم ... وما بعده في آخر العيش من ندم
وقد قلت إن الريح طيبة لكم ... وعز المقام غير شك لذي فهم
قال ابن هشام: وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لضرار.
شعر الحارث بن هشام في رثاء أبي جهل
قال ابن إسحاق:
ـــــــ
واحد ومد المقصور تغييران زيادة ألف وهمز ما ليس بمهموز غير أنه قد جاء في شعر طرفة
وكشحان لم ينقص طواءهما الحبل
<202> لكنه حسنه قليلا في بيت طرفة في أنه لم يرد الطوى الذي هو مصدر طوي يطوي: إذا جاع وخوي بطنه وإنما أراد رقة الخصر وذلك جمال في المرأة

(5/248)


<202>
وقال الحارث بن هشام يبكي أخاه أبا جهل
ألا يا لهف نفسي بعد عمرو ... وهل يغني التلفظ من قتيل
يخبرني المخبر أن عمرا ... أمام القوم في جفر محيل
فقدما كنت أحسب ذاك حقا ... وأنت لما تقدم غير فيل
وكنت بنعمة ما دمت حيا ... فقد خلفت في درج المسيل
كأني حين أمسي لا أراه ... ضعيف العقد ذو هم طويل
على عمرو إذا أمسيت يوما ... وطرف من تذكره كليل
قال ابن هشام: وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها للحارث بن هشام وقوله " في جعفر " عن غير ابن إسحاق.
شعر ابن الأسود في بكاء قتلى بدر
<203> قال ابن إسحاق: وقال أبو بكر بن الأسود بن شعوب الليثي وهو شداد بن الأسود:
تحيي بالسلامة أم بكر ... وهل لي بعد قومي من سلام
فماذا بالقليب قليب بدر ... من القينات والشرب الكرام
ـــــــ
وكمال في الخلقة فجاء باللفظ على وزن جمال وكمال وظهر في لفظه كان في نفسه والعرب تنحو بالكلمة إلى وزن ما هو في معناها، وقد مضى منه كثير وسيرد عليك ما هو أكثر.
<203> وأما الملأ والخطأ والرشأ والفرأ وما كان من هذا الباب فإن همزته تقلب

(5/249)


وماذا بالقليب قليب بدر ... من الشيزى تكلل بالسنام
وكم لك بالطوي طوي بدر ... من الحومات والنعم المسام
وكم لك بالطوي طوي بدر ... من الغايات والدسع العظام
وأصحاب الكريم أبي علي ... أخي الكاس الكريمة والندام
وإنك لو رأيت أبا عقيل ... وأصحاب الثنية من نعام
إذن لظللت من وجد عليهم ... كأم السقب جائلة المرام
يخبرنا الرسول لسوف نحيا ... وكيف لقاء أصداء وهام؟
قال ابن هشام: أنشدني أبو عبيدة النحوي:
يخبرنا الرسول بأن سنحيا ... وكيف حياة أصداء وهام
قال وكان قد أسلم ثم ارتد.
شعر أمية بن أبي الصلت في رثاء قتلى بدر
وقال ابن إسحاق:
وقال أمية بن أبي الصلت، يرثي من أصيب من قريش يوم بدر: <204> <205>
ألا بكيت على الكرا ... م بني الكرام أولي الممادح
كبكا الحمام على فرو ... ع الأيك في الغصن الجوانح
يبكين حرى مستكي ... نات يرحن مع الروائح
أمثالهن الباكيا ... ت المعولات من النوائح
من يبكهم يبك على ... حزن ويصدق كل مادح
ماذا ببدر فالعقن ... قل من مرازبة جحاجح
ـــــــ
ألفا في الوقف بإجماع نعم وفي الوصل في بعض اللغات فيكون الألف عوضا من الهمزة وقد <204> يجمعون بين العوض والمعوض منه كما قالوا: هراق الماء وإنما

(5/250)


فمدافع البرقين فال ... حنان من طرف الأواشح
شمط وشبان بها ... ليل مغاوير وحاوح
ألا ترون لما أرى ... ولقد أبان لكل لامح
أن قد تغير بطن م ... كة فهي موحشا الأباطح
من كل بطريق لط ... ريق نقي القون واضح
دعموص أبواب الملو ... ك وجائب للخرق فاتح
من السراطمة الخلا ... جمة الملاوثة المناجح
القائلين الفاعلي ... ين الآمرين بكل صالح
المطعمين الشحم فو ... ق الخبز شحما كالأنافح
نقل الجفان مع الجفا ... ن إلى جفان كالمناضح
ليست بأصفار لمن ... يعفو ولا رح رحاح
للضيف ثم الضيف بعد ... [ الضيف] والبسط السلاطح
وهب المئين من ... المئين إلى المئين من اللواقح
سوق المؤبل للمؤب ... ل صادرات عن بلادح
ـــــــ
كانت الهاء بدلا من الهمزة فجمعوا بينهما، وقالوا في النسب إلى فم فموي وقالوا: في النسب إلى اليمن: <205> يمني، ثم قالوا: يمان فعوضوا الألف من إحدى الياءين ثم قالوا: يماني بالتشديد فجمعوا بين العوض والمعوض منه فيا طيب الملاء من هذا الباب وكذلك قولهم الخطاء في الخطأ. قال الشاعر
فكلهم مستقبح لصواب من ... يخالفه مستحسن لخطائه
<206> وقد قال ورقة
إلا ما غفرت خطائيا
"فإن قيل": فقد أنشد أبو علي في مد المقصور

(5/251)


لكرامهم فوق الكرا ... م مزية وزن الرواجح
كتثاقل الأرطال بالق ... سطاس في الأيدي الموائح
خذلتهم فئة وهم ... يحمون عورات الفضائح
الضاربين التقدمي ... ة بالمهندة الصفائح
ولقد عناني صوتهم ... من بين مستسق وصائح
لله در بني علي ... أيم منهم وناكح
إن لم يغيروا غارة ... شعواء تجحر كل نابح
بالمقربات المبعدا ... ت الطامحات مع الطوامح
مردا على جرد إلى ... أسد مكالبة كوالح
ويلاق قرن قرنه ... مشي المصافح للمصافح
بزهاء ألف ثم أل ... ف بين ذي بدن ورامح
قال ابن هشام:
تركنا منها بيتين نال فيهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنشدني غير واحد من أهل العلم بالشعر بيته
ويلاق قرن قرنه ... مشي المصافح للمصافح
وأنشدني أيضا:
وهب المئين من المئي ... ين إلى المئين من اللواقح
سوق المؤبل للمؤب ... ـل صادرات عن بلادح
قال ابن إسحاق:
وقال أمية بن أبي الصلت، يبكي زمعة بن الأسود، وقتلى بني أسد
ـــــــ
يا لك من تمر ومن شيشاء ... ينشب في المسعل واللهاء
<207> أراد جمع لهاة.
قلنا: يحتمل أن يكون كلاما مولدا، وإن كان عربيا، فلعل

(5/252)


عين بكي بالمسبلات أبا الح ... ارث لا تذخري على زمعه
وابكي عقيل بن أسود أسد الب ... أس ليوم الهياج والدفعه
تلك بنو أسد إخوة الجو ... زاء لا خانة ولا خدعه
هم الأسرة الوسيطة من كع ... ب وهم ذروة السنام والقمعه
أنبتوا من معاشر شعر ال ... رأس وهم ألحقوهم المنعه
أمسى بنو عمهم إذا حضر الب ... أس أكبادهم عليهم وجعه
وهم المطعمون إذ قحط القط ... ر وحالت فلا ترى قزعه
قال ابن هشام: هذه الرواية لهذا الشعر مختلطة ليست بصحيحة البناء لكن أنشدني أبو محرز خلف الأحمر وغيره روى بعض ما لم يرو بعض:
عين بكي بالمسبلات أبا الحا ... رث لا تذخري على زمعه
وعقيل بن أسود أسد البأ ... س ليوم الهياج والدفعه
فعلى مثل هلكهم خوت الجو ... زاء ، لا خانة ولا خدعه
وهم الأسرة الوسيطة من كع ... ب وفيهم كذروة القمعه
أنبتوا من معاشر شعر الرأ ... س وهم ألحقوهم المنعه
فبنو عمهم إذا حضر البأ ... س عليهم أكبادهم وجعه
وهم المطعمون إذ قحط القط ... ر وحالت فلا ترى قزعه
ـــــــ
الرواية فيه اللهاء بكسر اللام فيكون من باب أكمة وإكام وقد ذكرها أبو عبيد في الغريب المصنف بالكسر والفتح.

(5/253)


شعر أبي أسامة
<207> قال ابن إسحاق: وقال أبو أسامة، معاوية بن زهير بن قيس بن الحارث بن سعد بن ضبيعة بن مازن بن عدي بن جشم بن معاوية حليف بني مخزوم قال ابن هشام: وكان مشركا وكان مر بهبيرة بن أبي وهب وهم منهزمون يوم بدر وقد أعيى هبيرة، فقام فألقى عنه درعه وحمله فمضى به قال ابن هشام: وهذه أصح أشعار أهل بدر <208> <209> <210> <211> <212>
ولما أن رأيت القوم خفوا ... وقد شالت نعامتهم لنفر
ـــــــ
شرح شعر أبي أسامة
وذكر شعر أبي أسامة بن زهير الجشمي وفيه:
وقد زالت نعامتهم لنفر
العرب تضرب زوال النعامة مثلا للفرار وتقول شالت نعامة القوم إذا فروا وهلكوا. فال الشاعر
يا ليت ما أمنا شالت نعامتها ... إما إلى جنة إما إلى نار
وقال أمية
اشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم
والنعامة في اللغة باطن القدم ومن مات فقد شالت رجله أي ارتفعت

(5/254)


وأن تركت سراة القوم صرعى ... كأن خيارهم أذباح عتر
ـــــــ
وظهرت نعامته والنعامة أيضا الظلمة وابن النعامة عرق في باطن القدم فيجوز أن يكون قوله زالت نعامتهم كما يقال زال سواده وضحا ظله إذا مات وجائز أن يكون ضرب النعامة مثلا، وهو الظاهر في بيت أبي أسامة؟ لأنه قال زالت نعامتهم لنفر والعرب تقول أشرد من نعامة وأنفر من نعامة قال الشاعر
هم تركوك أسلح من حبارى ... رأت صقرا وأشرد من نعام
<208> وقال آخر
وكنت نعاما عند ذاك منفرا
فإذا قلت: زالت نعامته فمعناه نفرت نفسه التي هي كالنعامة في شرودها
وقوله:
وأن تركت سراة القوم صرعى
سراة كل شيء: ما علا معه وسراة الفرس: ظهره لأنه أعلاه قال الشاعر يصف حمارا:
بسراته ندب لها وكلوم
وقولهم سراة القوم كما تقول كاهل القوم وذروة القوم قال معاوية إن مضر كاهل العرب، وتميم كاهل مضر، وبنو سعد كاهل تميم. وقال بعض خطباء بني تميم لنا العز الأقعس والعدد الهيضل ونحن في الجاهلية القدام ونحن الذروة والسنام وهذا معنى صحيح بين فليس لأحد أن يقول في الذروة ولا في السنام ولا في الكاهل إنه جمع أي من أبنية الجمع ولا اسم للجمع

(5/255)


وكانت جمة وافت حماما ... ولقينا المنايا يوم بدر
ـــــــ
فكذلك ينبغي أن لا يقال في سراة القوم أنه جمع سري لا على القياس ولا على غير القياس كما لا يقال ذلك في كاهل القوم وسنام القوم والعجب كيف خفي هذا على النحويين حتى قلد الخالف معهم السالف فقالوا: سراة جمع سري ويا سبحان الله كيف يكون جمعا له وهم يقولون في جمع سراة سروات مثل قطاة وقطوات يقال هؤلاء من سروات الناس كما تقول من رءوس الناس قال في بن الخطيم
وعمرة من سروات النسا ... ء تنفح بالمسك أردانها
ولو كان السراة جمعا ما جمع لأنه على وزن فعلة، ومثل هذا البناء في الجموع لا يجمع وإنما سري فعيل من السرو وهو الشرف فإن جمع على لفظه قيل سرى وأسرياء مثل غني وأغنياء ولكنه قليل وجوده وقلة وجوده لا يدفع القياس فيه وقد حكاه سيبويه.
وقوله أذباح عتر جمع ذبح وعتر بكسر العين الصنم الذي كان يعتر له في الجاهلية أي تذبح به العتائر جمع: عتيرة وهي الرجبية وقد ذكرنا في نسب <209> النبي - صلى الله عليه وسلم - أول من سن العتيرة، وأنه بور بن صحورا، وأن أباه سن رجبا للعرب فكان يقال له سعد رجب ولو قال أذباح عتر بفتح العين لجاز لأنه مصدر. وقوله وكانت جمة. الجمة السواد والجمة الفرقة فإن كان أراد بالجمة سواد القوم وكثرتهم فله وجه وإن كان أراد الفرقة منهم فهو أوجه

(5/256)


نصد عن الطريق وأدركونا ... كأن زهاءهم عيطان بحر
وقال القائلون من ابن قيس؟ ... فقلت: أبو أسامة غير فخر
أنا الجشمي كيما تعرفوني ... أبين نسبتي نقرا بنقر
فإن تك في الغلاصم من قريش ... فإني من معاوية بن بكر
فابلغ مالكا لما غشينا ... وعندك مال إن نبأت خبري
وأبلغ إن بلغت المرء عنا ... هبيرة، وهو ذو علم وقدر
بأني إذ دعيت إلى أفيد ... كررت ولم يضق بالكر صدري
عشية لا يكر على مضاف ... ولا ذي نعمة منهم وصهر
ـــــــ
وقد ذكره صاحب العين.
وقوله: عطيان بحر فيضانه.
وقوله: أبين نسبتي نقرا بنقر النقر: الطعن في النسب وغيره يقول: إن طعنتم في نسبي، وعبتموه بينت الحق ونقرت في أنسابكم أي عبتها، وجازيت على النقر بالنقر وقالت جارية من العرب: مروا بي على بني نظري يعني الفتيان الذين ينظرون إلي ولا تمروا بي على بنات نقري، يعني النساء اللواتي ينقرن أي يعبن.
وقوله دعيت إلى أفيد تصغير وفد وهم المتقدمون من كل شيء من ناس أو خيل أو إبل وهو اسم للجمع مثل ركب ولذلك جاز تصغيره وقيل أفيد اسم موضع.
وقوله: على مضاف. المضاف الخائف المضطر.
وقوله:

(5/257)


فدونكم بني لأي أخاكم ... ودونك مالكا يا أم عمرو
فلولا مشهدي قامت عليه ... موقفة القوائم أم أجري
دفوع للقبور بمنكبيها ... كان بوجهها تحميم قدر
فأقسم بالذي قد كان ربي ... وأنصاب لدى الجمرات مغر
ـــــــ
فدونكم بني لأي أخاكم
<210> هذا شاهد لما ذكرناه في نسب النبي - صلى الله عليه وسلم - واشتقاق تلك الأسماء وقلنا في لؤي إنه تصغير لأي واخترنا هذا القول على قول ابن الأنباري وقطرب وحكينا قوله وشاهده وإنما أراد ههنا ببني لأي بني لؤي فجاء به مكثرا على ما قلناه.
وقوله:
موقفة القوائم أم أجر
يعني: الضبع وموقفة من الوقف وهو الخلخال لأن في قوائمها سوادا. قال الشاعر [أبو وجزة السعدي] :
وخائف لحم شاكا براشته ... كأنه قاطم وقفين من عاج
وأم أجر جمع جر وكما نقول دلو وأدل وهذا كقول الهذلي
وغودر ثاويا وتأوبته ... موقفة أميم لها فليل
والفليل عرفها، وكقول الآخر
يا لهف من عرفاء ذات فليلة ... جاءت إلي على ثلاث تخمع

(5/258)


لسوف ترون ما حسبي إذا ما ... تبدلت الجلود جلود نمر
فما إن خادر من أسد ترج ... مدل عنبس في الغيل مجري
فقد أحمى الأباءة من كلاف ... فما يدنو له أحد بنقر
ـــــــ
وتظل تنشطني وتلحم أجريا ... وسط العرين وليس حي يدفع
لو كان سيفي باليمين دفعتها ... عني ولم أوكل وجنبي الأضبع
فوصفها أنها تخمع، كما قال ابن المهلب الضبعة العرجاء ولحن في قوله الضبعة. وقال آخر:
فلو مات منهم من جرحنا لأصبحت ... ضباع بأكناف الشريف عرائسا
<211> وذلك أن الضبع يقلب القتيل على قفاه فيما ذكر وتستعمل كمرته لأنها أشيق البهائم ولذلك يقال لها حين تصطاد أبشري أم عامر بجراد عضال وكمر رجال يخدعونها بذلك وهي تكنى أم عامر وأم عمرو، وأم الهنبر "وأم عتاب وأم طريق وأم نوفل" وأم خنور وأم خنور معا وتسمى: حضاجر وجعار "والعثواء وذيخة وعيلم وجيعر، وأم جعور" وقثام وجيأل وعيشوم، وقثام أيضا اسم للغنيمة الكثيرة يقال أصاب القوم قثاما، قاله الزبير وحيثل وعيثوم، وأما الذكر منها فعيلام وعثيان وذيخ "وأبو كلدة ونوفل والأعشى"
وقوله في وصف الأسد في الغيل مجر أي ذو أجراء والأباءة الأجمة التي هو فيها، وكذلك الغيل والخدر والعرين والعريسة. وقوله أحمى الأباءة أي حماها، وأحمي لغة في حمى لكنها ضعيفة

(5/259)


بخل تعجز الحلفاء عنه ... يواثب كل هجهجة وزجر
بأوشك سورة مني إذا ما ... حبوت له بقرقرة وهدر
ببيض كالأسنة مرهقات ... كأن ظباتهن جحيم جمر
وأكلف مجنإ من جلد ثور ... وصفراء البراية ذات أزر
وأبيض كالغدير ثوى عليه ... عمير بالمداوس نصف شهر
أرفل في حمائله وأمشي ... كمشية خادر ليث سبطر
ـــــــ
ولعله أراد. أحمى الأباءة أي جعلها كالنار الحامية يقال أحميت الحديدة في النار يعني: إن أباءته قد حميت به فلا تقرب.
وقوله من كلاف، لعله أراد من شدة كلف بما يحميه فجاء به على وزن فعال لأن الكلف إذا اشتد كالهيام والعطاش وفي معنى الشعار ولعل كلافا اسم موضع وقال أبو حنيفة الكلاف: اسم شجر والله أعلم.
وقوله بخل هو الطريق في الرمل والهجهجة من قولك: هجهجت بالذئب إذا زجرته. قال الشاعر
لم ينجه منها صياح الهجهج
وقوله بقرقرة وهدر. القرقرة صوت شديد متقطع وجاء في صفة عامر الحداء أنه كان قراقري الصوت فلما كبر وضعف صوته قال
أصبح صوت عامر صئيا ... أبكم لا يكلم المطيا
<212> وهو عامر بن ربيعة الحداء التغلبي وإليه ينسب بنو الحداء وذكر أهل اللغة أن الكشيش أول رغاء الجمل ثم الكتيت ثم الهدر ثم القرقرة، ثم الزغد ويقال زغد يزغد ثم القلاخ [أو القلخ أو القليخ الأخيرة عن

(5/260)


يقول لي الفتى سعد هديا ... فقلت: لعله تقريب غدر
وقلت أبا عدي لا تطر ... وذلك إن أطعت اليوم أمري
كدأبهم بفروة إذ أتا ... فظل يقاد مكتوفا بضفر
قال ابن هشام: وأنشدني أبو محرز خلف الأحمر:
نصد عن الطريق وأدركونا ... كأن سراعهم تيار بحر
وقوله:
مدل عنبس في الغيل مجري
عن غير ابن إسحاق.
قال ابن إسحاق:
وقال أبو أسامة أيضا: <213>
ألا من مبلغ عني رسولا ... مغلغلة يثبتها نطيف
ألم تعلم مردي يوم بدر ... وقد برقت بجنبيك الكفوف
وقد تركت سراة القوم صرعى ... كأن رءوسهم حدج نقيف
ـــــــ
سيبويه] إذا جعل كأنه يتقلع.
وقوله وأكنف مجنإ يعني: الترس وهو من أجنأت الشيء إذا جنيته فهو مجنأ ويعني: بصفراء البراية القوس وبرايتها: ما يرى منها، وجعلها صفراء. لجدتها وقوتها. وقوله وأبيض كالغدير أراد السيف وعمير اسم صانع والمداوس جمع مدوس وهي الآلة التي يدوس بها الحداد والصيقل ما يصنعه ووصفه إياها بالمغر المغر جمع أمغر وهو الأحمر والخادر الداخل في الخدر ومسبطر: غير منقبض. وقوله
يقول لي الفتى سعد هديا الهدي ما يهدى إلى البيت والهدي أيضا العروس تهدى إلى زوجها، ونصب هديا هنا على إضمار فعل كأنه أراد اهد هديا.

(5/261)


وقد مالت عليك ببطن بدر ... خلاف القوم داهية خصيف
فنجاه من الغمرات عزمي ... وعون الله والأمر الحصيف
ومنقلبي من الأبواء وجدي ... ودونك جمع أعداء وقوف
وأنت لمن أرادك مستكين ... بجنب كراش مكلوم نزيف
وكنت إذا دعاني يوم كرب ... من الأصحاب داع مستضيف
ـــــــ
شرح القصيدة الفاوية لأبي أسامة
<213> وقوله في الشعر الفاوي
كأن رءوسهم حدج نقيف
الحدج جمع حدجة وهي الحنظلة والنقيف المنقوف كما قال أمرؤ القيس:
كأن غداة البين يوم تحملوا ... لدى سمرات الحي] ناتف حنظل
وهو المستخرج حب الحنظل
وقوله داهية خصيف أي متراكمة من خصفت النعل أو من خصفت الليف إذا نسخته، وقد يقال كتيبة خصيف أي منتسجة بعضها ببعض متكاثفة وفي كتاب سيبويه: كتيبة خصيف أي سوداء.
وقوله ومنقلبي من الأبواء، هو الموضع الذي فيه قبر آمنة أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسمي الأبواء، لأن السيول تتبوأه وفي الحديث "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زار قبر أمه بالأبواء في ألف مقنع فبكى وأبكى، ووجدت على البيت المتقدم الذي فيه حدج نقيف في حاشية الشيخ قال أبو حنيفة الحنظل. من الأعلاث وهو ينبت شريا، كما ينبت شري القثاء والشري: شجره ثم يخرج فيه زهر ثم يخرج في الزهر جراء مثل جراء البطيخ فإذا ضخم وسمن حبه سموه الحدج واحدته حدجة فإذا وقعت فيه الصفرة سموه الخطبان وزاد أبو حنيفة أن الحنظلة إذا اسودت بعد الخضرة فهي قهقرة وذكر في القثاء الحدج والجراء كما

(5/262)


فأسمعني ولو أحببت نفسي ... أخ في مثل ذلك أو حليف
أرد فأكشف الغمى وأرمي ... إذا كلح المشافر والأنوف
وقرن قد تركت على يديه ... ينوء كأنه غصن قصيف
دلفت له إذا اختلطوا بحرى ... مسحسحة لعاندها حفيف
فذلك كان صنعي يوم بدر ... وقبل أخو مداراة عزوف
أخوكم في السنين كما علمتم ... وحرب لا يزال لها صريف
ومقدام لكم لا يزدهيني ... جنان الليل والأنس اللفيف
أخوض الصرة الحماء خوضا ... إذا ما الكلب ألجأه الشفيف
قال ابن هشام: تركت قصيدة لأبي أسامة على اللام ليس فيها ذكر بدر إلا في أول بيت منها والثاني، كراهية الإكثار.
ـــــــ
ذكر في الحنظل وكذلك الشرية اسم لشجرتهما، وفي القثاء قبل أن يكون بطيخا القح وقبل القح يكون خضفا، وأصغر من ذلك القشعر والشعرور والضغبوس وثقيف معناه مكسور.لأنه يقال نقفت رأسه عن دماغه أي كسرته.
<214> وقوله أخوض الصرة الحماء. الصرة الجماعة والصرة الصياح والصرة شدة البرد وإياها عني لأنه ذكر الشفيف في آخر البيت وهو برد وريح ويقال له الشفان أيضا، أنشد ابن الأنباري
قل للشمال التي هبت مزعزعة ... تذري مع الليل شفانا بصراد
اقري السلام على نجد وساكنه ... وحاضر باللوى إن كان أو باد
سلام مغترب فقدان منزله ... إن أنجد الناس لم يهمم بإنجاد

(5/263)


شعر هند بنت عتبة
قال ابن إسحاق:
وقالت هند بنت عتبة بن ربيعة تبكي أباها يوم بدر <215>
أعيني جودا بدمع سرب ... على خير خندف لم ينقلب
تداعى له رهطه غذوة ... بنو هاشم وبنو المطلب
يذيقونه حد أسيافهم ... يعلونه بعد ما قد عطب
يجرونه وعفير التراب ... على وجهه عاريا قد سلب
وكان لنا جبلا راسيا ... جميل المراة كثير العشب
وأما بري فلم أعنه ... فأوتي من خير ما يحتسب
وقالت هند أيضا:
يريب علينا دهرنا فيسوءنا ... ويأبى فما نأتي بشيء يغالبه
أبعد قتيل من لؤي بن غالب ... يراع امرئ إن مات أو مات صاحبه
ألا رب يوم قد رزئت مرزأ ... تروح وتغدو بالجزيل مواهبه
فأبلغ أبا سفيان عني مألكا ... فإن ألقه يوما فسوف أعاتبه
ـــــــ
شعر هند
وفي شعر هند: جميل المراة أرادت مرآة العين فنقلت حركة الهمزة؟ إلى الساكن فذهبت الهمزة وإنما تذهب الهمزة إذا نقلت حركتها، لأنها تبقى في تقدير ألف ساكنة والساكن الذي قبلها باق على حكم السكون لأن الحركة المنقولة إليه عارضة فكأنه قد اجتمع ساكنان فحذفت الألف لذلك هذا معنى كلام ابن جني.
<215> وقول هند: فأما بري فلم أعنه فهو تصغير البراء اسم رجل وقولها:

(5/264)


فقد كان حرب يسعر الحرب إنه ... لكل امرئ في الناس مولى يطالبه
قال ابن هشام: وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لهند. قال ابن إسحاق: وقالت هند أيضا:
لله عينا من رأى ... ملكا كهلك رجاليه
يا رب باك لي غدا ... في النائبات وباكيه
كم غادروا يوم القلي ... ب غداة تلك الواعيه
من كل غيث في السني ... ن إذا الكواكب خاويه
قد كنت أحذر ما أرى ... فاليوم حق حذاريه
قد كنت أحذر ما أرى ... فأنا الغداة مواميه
يا رب قائلة غدا ... يا ويح أم معاويه
قال ابن هشام:
وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لهند
ـــــــ
قد كنت أحذر ما أرى ... فأنا الغداة مواميه
<216> قوله مواميه أي ذليلة وهو مؤامية بهمزة ولكنها سهلت فصارت واوا، وهي من لفظ الأمة تقول تأميت أمة أي اتخذتها، ويجوز أن يكون مقلوبا من المواءمة وهي الموافقة فيكون الأصل موائمة ثم قلب فصار موامية على وزن مفاعلة تريد أنها قد ذلت فلا تأبى، بل توافق العدو على كره ومنه

(5/265)


قال ابن إسحاق: وقالت هند أيضا:
يا عين بكي عتبه ... شيخا شديد الرقبه
يطعم يوم المسغبه ... يدفع يوم المقلبه
إني عليه حربه ... ملهوفة مستلبه
لنهبطن يثربه ... بغارة منثعبه
فيها الخيول مقربه ... كل جواد سلهبه
شعر صفية
وقال صفية بنت مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. تبكي أهل القليب الذين أصيبوا يوم بدر من قريش: "وتذكر مصابهم ):
يا من لعين قذاها عائر الرمد ... حد النهار وقرن الشمس لم يقد
أخبرت أن سراة الأكرمين معا ... قد أحرزتهم مناياهم إلى أمد
وفر بالقوم أصحاب الركاب ولم ... تعطف غدائتذ أم على ولد
قومي صفي ولا تنسى قرابتهم ... وإن بكيت فما تبكين من بعد
كانوا سقوب سماء البيت فانقصفت ... فأصبح السمك منها غير ذي عمد
<217> قال ابن هشام:
ـــــــ
اشتقاق التوأم لأن وزنه فوعل مثل التولج والتاء فيهما جميعا بدل من واو قاله صاحب العين.
وقولها: ملهوفة مستلبه الأجود في مستلبه أن يكون بكسر اللام من السلاب وهي الخرقة السوداء التي تخمر بها الثكلى، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت عميس حين مات عنها جعفر تسلبي ثلاثا، ثم اصنعي ما شئت وهو حديث منسوخ بالإحداد ومتأول ذكره الطبري.

(5/266)


أنشدني بيتها: "كانوا سقوب" بعض أهل العلم بالشعر.
قال ابن إسحاق:
قالت صفية بنت مسافر أيضا:
ألا يأمن لعين للت ... بكي دمعها فان
كغرني دالج يسقي ... خلال الغيث الدان
وما ليث غريف ذو ... أظافير وأسنان
أبو شبلين وثاب ... شديد البطش غرثان
كحبي إذ تولى و ... وجوه القوم ألوان
وبالكف حسام صا ... رم أبيض ذكران
وأنت الطاعن النجلا ... ء منها مزبد آن
قال ابن هشام: ويرون قولها: " وما ليث غريف " إلى آخرها مفصولا من البيتين اللذين قبله. <217>
شعر هند بنت أثاثة
قال ابن إسحاق: وقالت هند بنت أثاثة بن عباد بن المطلب ترثي عبيد بن الحارث بن المطلب
لقد ضمن الصفراء مجدا وسؤددا ... وحلما أصيلا وافر اللب والعقل
عبيدة فابكيه لأضياف غربة ... وأرملة تهوي لأشعث كالجذل
وبكيه للأقوام في كل شتوة ... إذا احمر آفاق السماء من المحل
وبكيه للأيتام والريح زفزف ... وتشبيب قدر طالما أزبدت تغلي
فإن تصبح النيران قد مات ضوءها ... فقد كان يذكيهن بالحطب الجزل

(5/267)


لطارق ليل أو لملتمس القرى ... ومستنبح أضحى لديه على رسل
قال ابن هشام:
وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لهند.
قال ابن إسحاق:
شعر قتيلة بنت الحارث
<218> وقالت قتيلة بنت الحارث أخت النضر بن الحارث تبكيه
يا راكبا إن الأثيل مظنة ... من صبح خامسة وأنت موفق
أبلغ بها ميتا بأن تحية ... ما إن تزال بها النجائب تخفق
مني إليك وعبرة مسفوحة ... جادت بواكفها وأخرى تخفق
هل يسمعني النضر إن ناديته ... أم كيف يسمع ميت لا ينطق
أمحمد يا خير ضنء كريمة ... في قومها والفحل فحل معرق
ـــــــ
شعر قتيلة
<218> وذكر ابن هشام شعر قتيلة بنت الحارث ترثي أخاها النضر بن الحارث والصحيح أنها بنت النضر لا أخته كذلك قال الزبير وغيره وكذلك وقع في كتاب الدلائل وقتيلة هذه كانت تحت الحارث بن أبي أمية الأصغر فهي جدة الثريا بنت عبد الله بن الحارث التي يقول فيها عمر بن أبي ربيعة حين خطبها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف:
أيها المنكح الثريا سهيلا ... عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت ... وسهيل إذا استقل يمان

(5/268)


ما كان ضرك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق
أو كنت قابل فدية فلينفقن ... بأعز ما يغلو به ما ينفق
فالنضر أقرب من أسرت قرابة ... وأحقهم إن كان عتق يعتق
ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ... لله أرحام هناك تشقق
صبرا يقاد إلى المنية متعبا ... رسف المقيد وهو عان موثق
<219> قال ابن هشام:
فيقال والله أعلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه هذا الشعر قال "لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه"
تاريخ الفراغ من بدر:
قال ابن إسحاق:
وكان فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر في عقب شهر رمضان أو في شوال.
ـــــــ
ورهط الثريا هذه يقال لهم العبلات، لأن أمهم عبلة بنت عبيد بن جاذب.
وفي شعر قتيلة
أمحمد ها أنت ضئي نحيبة
<219> قال قاسم أرادت يا محمداه على الندبة قال والضئي الولد والضئي الأصل يقال ضئت المرأة واضئنات وضنت تضو إذا ولدت.

(5/269)