الروض
الأنف ت السلامي
خبر الإفك
في غزوة بني المصطلق سنة ست
قال ابن إسحاق:
حدثنا الزهري، عن علقمة بن وقاص وعن سعيد بن جبير، وعن عروة بن الزبير،
وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال كل قد حدثني بعض هذا الحديث
وبعض القوم كان أوعى له من بعض وقد جمعت لك الذي حدثني القوم.
شأن الرسول مع نسائه في سفره:
قال محمد بن إسحاق وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه
عن عائشة وعبد الله بن أبي بكر، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عنعائشة عن
نفسها، حين قال فيها أهل الإفك ما قالوا، فكل قد دخل في حديثها عن
هؤلاء جميعا يحدث بعضهم ما لم يحدث صاحبه وكل كان عنها ثقة فكلهم حدث
عنها ما سمع قالت
سقوط عقد عائشة وتخلفها للبحث عنه:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن
خرج سهمها خرج بها معه فلما كانت غزوة بني المصطلق أقرع بين نسائه كما
كان يصنع فخرج سهمي عليهن معه فخرج بي رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت: وكان النساء إذ ذاك إنما يأكلن العلق لم يهيجهن اللحم فيثقلن
وكنت إذا رحل لي بعيري جلست في هودجي، ثم يأتي القوم الذين يرحلون لي
ويحملونني، فيأخذون بأسفل الهودج فيرفعونه فيضعونه على ظهر البعير
فيشدونه
ـــــــ
(7/30)
بحباله ثم
يأخذون برأس البعير فينطلقون به. قالت فلما فرغ رسول الله صلى الله
عليه وسلم من سفره ذلك وجه قافلا حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل
منزلا، فبات به بعض الليل ثم أذن في الناس بالرحيل فارتحل الناس وخرجت
لبعض حاجتي، وفي عنقي عقد لي، فيه جزع ظفار، فلما فرغت انسل من عنقي
ولا أدري، فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي، فلم أجده وقد أخذ
الناس في الرحيل فرجعت إلى مكاني الذي ذهبت إليه فالتمسته حتى وجدته،
وجاء القوم حلافى، الذين كانوا يرحلون لي البعير وقد فرغوا من راحلته
فأخذوا الهودج وهم يظنون أني فيه كما كنت أصنع فاحتملوه فشدوه على
البعير ولم يشكوا أني فيه ثم أخذوا برأس البعير فانطلقوا به فرجعت إلى
العسكر وما فيه من داع ولا مجيب قد انطلق الناس.
مرور ابن المعطل بها واحتماله إياها على بعيره:
قالت فتلففت بجلبابي، ثم اضطجعت في مكاني، وعرفت أن لو قد افتقدت
ـــــــ
حديث الإفك
فيه من الغريب قول عائشة: والنساء يومئذ لم يهيجهن اللحم فيثقلن
التهيج: انتفاخ في الجسم قد يكون من سمن وقد يكون من آفة قال الأصمعي
أو غيره: هجمت على حي من العرب بواد خصيب وإذا ألوانهم مصفرة ووجوههم
مهيجة فقلت لهم: ما بالكم؟ واديكم أخصب واد وأنتم لاتشبهون المخاصب
فقال لي شيخ منهم: إن بلدنا ليست له ريح يريد: أن الجبال أحاطت به فلا
تذهب الرياح وباءه ولا رمده.
صفوان بن المعطل:
وفيه ذكر صفوان بن المعطل بن ربيضة بن خزاعي بن محارب بن مرة بن
(7/31)
لرجع إلي. قالت
فوالله إني لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي، وقد كان تخلف عن
العسكر لبعض حاجته فلم يبت مع الناس فرأى سوادي، فأقبل حتى وقف علي وقد
كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب فلما رآني قال إنا لله وإنا إليه
راجعون، ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متلففة في ثيابي، قال
ما خلفك يرحمك الله؟ قالت فلما كلمته، ثم قرب البعير فقال اركبي
واستأخر عني. قالت فركبت، وأخذ برأس البعير فانطلق سريعا، يطلب الناس
فوالله ما أدركنا الناس وما افتقدت حتى أصبحت، ونزل الناس فلما اطمأنوا
طلع الرجل يقود بي، فقال أهل الإفك ما قالوا، فارتعج العسكر ووالله ما
أعلم بشيء من ذلك.
ـــــــ
فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم السلمي، ثم الذكواني يكنى أبا
عمرو، وكان يكون على ساقة العسكر يلتقط ما يسقط من متاع المسلمين حتى
يأتيهم به ولذلك تخلف في هذا الحديث الذي قال فيه أهل الإفك ما قالوا،
وقد روي في تخلفه سبب آخر وهو أنه كان ثقيل النوم لا يستيقظ حتى يرتحل
الناس. ويشهد لصحة هذا حديث أبي داود "أن امرأة صفوان اشتكت به إلى
النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكرت أشياء منها أنه لا يصلي الصبح فقال
صفوان يا رسول الله إني امرئ ثقيل الرأس لا أستيقظ حتى تطلع الشمس فقال
له النبي عليه السلام فإذا استيقظت فصل " وقد ضعف البزار حديث أبي داود
هذا في مسنده. وقتل صفوان بن المعطل شهيدا في خلافة معاوية واندقت رجله
يوم قتل فطاعن بها، وهي منكسرة حتى مات وذلك بالجزيرة بموضع يقال له
شمطاط.
تفسير أسقطوا
وفيه من غير رواية ابن إسحاق أنهم دعوا الجارية فسألوها حتى أسقطوا لها
(7/32)
إعراض الرسول
عنها:
ثم قدمنا المدينة ، فلم ألبث أن اشتكيت شكوى شديدة ولا يبلغني من ذلك
شيء وقد انتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أبوي لا
يذكرون لي منه قليلا ولا كثيرا، إلا أني قد أنكرت من رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعض لطفه بي، كنت إذا اشتكيت رحمني
ـــــــ
به يريد أفصحوا بالأمر ونقروا عنه يقال ساقطته الحديث مساقطة وأسقطوا
به في هذا المعنى قال أبو حية [النميري]:
إذا هن ساقطن الحديث كأنه
...
سقاط حصى المرجان من سلك ناظم
كذا فسره أبو الحسن بن بطال وفيما ذكر ابن إسحاق من رواية الشيباني عنه
أنهم أداروا الجارية على الحديث ولم يصرخوا لها حتى فطنت بما أرادوا،
فقالت ما أعلم عليها عيبا، الحديث. وأما ضرب علي للجارية وهي حرة ولم
تستوجب ضربا، ولا استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ضربها،
فأرى معناه أنه أغلظ لها بالقول وتوعدها بالضرب واتهمها أن تكون خانت
الله ورسوله فكتمت من الحديث ما لا يسعها كتمه مع إدلاله وأنه كان من
أهل البيت، وفي غير حديث ابن إسحاق قالت الجارية والله ما أعلم عليها
إلا ما يعلم الصائغ على الذهب الأحمر.
بريرة:
وأما بريرة فهي مولاة عائشة - رضي الله عنها - التي اشترتها من بني
كاهل فأعتقتها، وخيرت في زوجها، وكان عبدا لبني جحش. هذه رواية أهل
المدينة، وفي رواية أهل العراق أنه كان حرا، وهي رواية الأسود بن يزيد
عن عائشة
(7/33)
ولطف بي، فلم
يفعل ذلك بي في شكواي تلك فأنكرت ذلك منه كان إذا دخل علي وعندي أمي
تمرضني - قال ابن هشام: وهي أم رومان، واسمها زينب بنت عبد دهمان، أحد
بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة - قال كيف تيكم، لا يزيد على ذلك.
ـــــــ
والأولى رواية عروة والقاسم بن محمد عن عائشة وكذلك يقولون بتخيير
الأمة إذا عتقت وإن كان بعلها حرا، وقول أهل الحجاز على حسب روايتهم
فلا يرون تخييرها، إلا إذا كان زوجها عبدا، وعاشت بريرة حتى روى عنها
الحديث بعض التابعين. "قال عبد الملك بن مروان: كنت أجالس بريرة قبل أن
ألي هذا الأمر فتقول لي: يا أبا عبد الملك إن فيك خصالا خليقة بهذا
الأمر فإن وليت هذا الأمر فاتق الله في الدماء فإني سمعت رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - يقول إن الرجل ليحال بينه وبين الجنة بعد أن ينظر
إليها بمحجمة دم أراقها من مسلم في غير حق "والبريرة واحدة البرير وهو
ثمر الأراك.
أم رومان:
وأما أم رومان، وهي أم عائشة فقد مر ذكرها في هذا الحديث وهي زينب بنت
عامر بن عويمر بن عبد شمس بن دهمان، وهي من كنانة واختلف في عمود
نسبها، ولدت لأبي بكر عائشة وعبد الرحمن وكانت قبل أبي بكر عند عبد
الله بن الحارث بن سخبرة فولدت له الطفيل وتوفيت أم رومان سنة ست من
الهجرة ونزل النبي - صلى الله عليه وسلم - في قبرها، وقال " اللهم إنه
لم يخف عليك ما لقيت أم رومان فيك، وفي رسولك " وقال " من سره أن ينظر
إلى امرأة من الحور العين، فلينظر إلى أم رومان"
(7/34)
انتقالها إلى
بيت أبيها وعلمها بما قيل فيها:
قال ابن إسحاق:
قالت: حتى وجدت في نفسي، فقلت: يا رسول الله حين رأيت ما رأيت من جفائه
لي: لو أذنت لي، فانتقلت إلى أمي، فمرضتني؟ قال لا عليك. قالت فانتقلت
إلى أمي، ولا علم لي بشيء مما كان حتى نقهت من وجعي بعد بضع وعشرين
ليلة وكنا قوما عربا، لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف التي تتخذها
الأعاجم، نعافها ونكرهها، إنما كنا نذهب في فسح المدينة ، وإنما كانت
النساء يخرجن كل ليلة في حوائجهن فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مسطح
بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وكانت أمها بنت صخر بن عامر بن كعب
بن سعد بن تيم خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه قالت فوالله إنها
لتمشي معي إذ عثرت في مرطها، فقالت تعس مسطح ومسطح لقب واسمه عوف قالت
قلت: بئس لعمر الله ما قلت لرجل من المهاجرين قد شهد بدرا، قالت أوما
بلغك الخبر يا بنت أبي بكر؟ قالت قلت: وما الخبر؟ فأخبرتني بالذي كان
من قول أهل الإفك قالت قلت: أوقد كان هذا؟ قالت نعم والله فقد كان.
قالت فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي، ورجعت، فوالله ما زلت أبكي حتى
ظننت أن البكاء سيصدع كبدي ; قالت وقلت لأمي: يغفر الله لك، تحدث الناس
بما تحدثوا به ولا تذكرين لي من
ـــــــ
وهم للبخاري
وروى البخاري حديثا عن مسروق، وقال فيه "سألت أم رومان وهي أم عائشة
عما قيل فيها" ومسروق ولد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلا
خلاف فلم ير أم رومان قط، فقيل إنه وهم في الحديث وقيل بل الحديث صحيح
وهو مقدم على ما ذكره أهل السيرة من موتها في حياة النبي صلى الله عليه
وسلم وقد تكلم شيخنا أبو بكر - رحمه
(7/35)
ذلك شيئا قالت
أي بنية خفضي عليك الشأن فوالله لقلما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها،
لها ضرائر إلا كثرن وكثر الناس عليها.
خطبة الرسول في الناس يذكر إيذاء قوم له في عرضه
قالت: وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس يخطبهم ولا أعلم
بذلك فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في
أهلي، ويقولون عليهم غير الحق والله ما علمت منهم إلا خيرا ويقولون ذلك
لرجل والله ما علمت منه إلا خيرا، وما يدخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي
.
أثر ابن أبي وحمنة في إشاعة هذا الحديث:
قالت: وكان كبر ذلك عند عبد الله بن أبي ابن سلول في رجال من الخزرج مع
الذي قال مسطح وحمنة بنت جحش، وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن من نسائه امرأة تناصيني في
المنزلة عنده غيرها، فأما زينب فعصمها الله تعالى بدينها فلم تقل إلا
خيرا وأما حمنة بنت جحش، فأشاعت من
ـــــــ
الله- على هذا الحديث واعتنى به لإشكاله فأورده من طرق ففي بعضها:
حدثتني أم رومان، وفي بعضها عن مسروق عن أم رومان معنعنا، قال رحمه
الله والعنعنة أصح فيه وإذا كان الحديث معنعنا كان محتملا، ولم يلزم
فيه ما يلزم في حدثنا، وفي سألت، لأن للراوي أن يقول عن فلان وإن لم
يدركه وهو كثير في الحديث.
تناصبني أو تناصيني:
وقول عائشة: لم تكن امرأة تناصبني في المنزلة عنده غيرها، هكذا في
الأصل تناصبني، والمعروف في الحديث تناصيني من المناصاة وهي المساواة
وأصله من الناصية
(7/36)
ذلك ما أشاعت
تضادني لأختها، فشقيت بذلك.
ما كان بين المسلمين بعد خطبة الرسول:
فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة قال أسيد بن حضير
يا رسول الله إن يكونوا من الأوس نكفكهم وإن يكونوا من إخواننا من
الخزرج، فمرنا بأمرك، فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم قالت فقام سعد
بن عبادة، وكان قبل ذلك يرى رجلا صالحا، فقال كذبت لعمر الله لا تضرب
أعناقهم أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج،
ولو كانوا من قومك ما قلت هذا، فقال أسيد كذبت
ـــــــ
شعر حسان في التعريض بابن المعطل
وذكر قول حسان
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا ... وابن الفريعة أمسى بيضة البلد
يعني بالجلابيب الغرباء وبيضة البلد يعني: منفردا، وهي كلمة يتكلم بها
في المدح تارة وفي معنى القل أخرى، يقال فلان بيضة البلد أي أنه واحد
في قومه عظيم فيهم وفلان بيضة البلد يريد أنه ذليل ليس معه أحد. وأما
قوله
قد ثكلت أمه من كنت صاحبه
فقد يجوز أن يكون قوله من مبتدأ وقد ثكلت أمه في موضع الخبر المقدم
عليه ويجوز أن يكون من مفعولا بثكلت وأضمر قبل الذكر مع اتصال الضمير
بالفاعل فيكون مثل قوله
جزى ربه عني عدي بن حاتم
ومثل قوله
أبقى اليوم مجده مطعما
(7/37)
لعمر الله
ولكنك منافق تجادل عن المنافقين قالت وتساور الناس حتى كاد يكون بين
هذين الحيين من الأوس والخزرج شر. ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فدخل علي.
استشارة الرسول لعلي وأسامة:
[قالت]: فدعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه وأسامة بن زيد
فاستشارهما، فأما أسامة فأثنى علي خيرا وقاله ثم قال يا رسول الله أهلك
ولا نعلم منهم إلا خيرا، وهذا الكذب والباطل وأما علي فإنه قال يا رسول
الله إن
ـــــــ
وقد تقدم القول فيه. وقوله فيغطئل يريد البحر أي يهيج ويعتلم وأصل هذه
الكلمة من الغيطلة وهي الظلمة وأصلها: يغطال مثل يسواد، لكنه همز الألف
لئلا يجتمع ساكنان وإن كان اجتماعهما في مثل هذا الموضع حسنا كقوله
تبارك وتعالى: {وَلا الضَّالِّينَ} ولكنهما في الشعر لا يجتمعان إلا في
عروض واحدة وهي المتقارب ومع هذا فقد قرأ أيوب بن أبي تميمة [كيسان]
السختياني {وَلا الضَّالِّينَ} بهمزة مفتوحة وقرأ عمرو بن عبيد:
{إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن 56] وأنشد الخطابي:
سقى مطغيات المحل سكبا وديمة
...
عظام ابن ليلى حيث كان رميمها
فأصبح منها كل واد وتلعة
...
حدائق خضرا مزهئرا عميمها
أنشد
خاطمها زأمها أن تهربا
(7/38)
النساء لكثير
وإنك لقادر على أن تستخلف وسل الجارية فإنها ستصدقك. فدعا رسول الله
صلى الله عليه وسلم بريرة ليسألها، قالت فقام إليها علي بن أبي طالب،
فضربها ضربا شديدا، ويقول اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت
فتقول والله ما أعلم إلا خيرا، وما
ـــــــ
فإن قيل الهمزة في هذا كله مفتوحة وفي قوله يغطئل مكسورة وكذلك في
الحديث الصحيح أسود مربئد في رواية.
قلنا: إنما كسرت الهمزة في مزهئر ومربئد ويغطئل، بعد أن فتحت في
الماضي، فقيل اغطأل وازهأر فصار على وزن اطمأن فجاء اسم الفاعل
والمستقبل على ذلك القياس مكسورا كما يكسر في مطمئن.
تفسير العجب
وقول ثابت لعبد الله بن رواحة أما أعجبك ضرب حسان بالسيف معناه أما
جعلك تعجب تقول عجبت من الشيء وأعجبني الشيء إذا كان ذلك العجب من
مكروه أو محبوب وهو عند الناس بمعنى سرني لا غير وفي الحديث وكلام
العرب شواهد كثيرة على هذا المعنى منها في الكامل فلأعجبني أن أعجبه
بكاء أبيه وفي حديث ذكره عن عبد الرحمن بن حسان، وكذلك أنشد
ألا هزئت بنا قرشية يهتز منكبها
تقول لي: ابن قيس ذا وبعض الشيب يعجبها.
وقال كعب بن زهير:
لو كنت أعجب من شيء لأعجبني
...
سعي الفتى، وهو مخبوء له القدر له
(7/39)
كنت أعيب على
عائشة شيئا، إلا أني كنت أعجن عجيني، فآمرها أن تحفظه فتنام عنه فتأتي
الشاة فتأكله
ـــــــ
وقوله عليه السلام أتشوهت على قومي أن هداهم الله معناه أقبحت ذلك من
فعلهم حين سميتهم بالجلابيب من أجل هجرتهم إلى الله وإلى رسوله؟
بيرحاء:
وقوله فأعطاه عوضا منها بيرحاء، وذكر بعضهم أن هذه البئر سميت بيرحاء،
بزجر الإبل عنها، وذلك أن الإبل يقال لها إذا زجرت عن الماء وقد رويت
حا حا، وهكذا كان الأصيلي يقيده برفع الراء إذا كان الاسم مرفوعا،
وبالمد وغير الأصيلي يقول بيرحا بالفتح على كل حال وبالقصر يجعله اسما
واحدا، وقد حكي عن بعضهم فيه بيرحا، بفتح الباء مع القصر وفي الصحيح أن
أبا طلحة دفع بيرحاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعلها صدقة
فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعلها في الأقربين فقسمها بين
أبي وحسان وفسر البخاري وأبو داود القرابة التي بين أبي طلحة وبينهما
قالا: فأما حسان فهو ابن المنذر بن ثابت بن حرام وأبو طلحة هو زيد بن
سهل بن حرام فهذه قرابة قريبة وأما أبي، فيجتمع معه في الأب السادس وهو
عمرو بن مالك بن النجار وقد كان أبي غنيا، فكيف ترك من هو أقرب منه
وخصه؟
والوجه في ذلك أن أبيا كان ابن عمة أبي طلحة وهي صهيلة بنت الأسود بن
حرام وهو معروف عند أهل النسب فمن أجل ذلك النسب خصه بها، لا من أجل
النسب الذي ذكرناه فإنه بعيد وإنما قال له النبي صلى الله عليه وسلم
"اجعلها في الأقربين"
(7/40)
نزول القرآن
ببراءة عائشة:
قالت: ثم دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أبواي وعندي
امرأة من الأنصار، وأنا أبكي، وهي تبكي معي، فجلس فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال يا عائشة، إنه قد كان ما قد بلغك من قول الناس فاتقي الله وإن
كنت قد قارفت سوءا، مما يقول الناس فتوبي إلى الله فإن الله يقبل
التوبة عن عباده قالت فوالله ما هو إلا أن قال لي ذلك فقلص دمعي، حتى
ما أحس منه شيئا، وانتظرت أبوي أن يجيبا عني رسول الله صلى الله عليه
وسلم فلم يتكلما. قالت وايم الله لأنا كنت أحقر في نفسي، وأصغر شأنا من
أن ينزل الله في قرآنا يقرأ به في المساجد ويصلى به ولكني قد كنت أرجو
أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه شيئا يكذب به الله عني،
لما يعلم من براءتي، أو يخبر خبرا، فأما قرآن ينزل في فوالله لنفسي
كانت أحقر عندي من ذلك. قالت فلما لم أر أبوي يتكلمان قالت قلت لهما:
ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت فقالا: والله ما ندري
بماذا نجيبه قالت والله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبي
بكر في تلك الأيام قالت فلما أن استعجما علي استعبرت فبكيت، ثم قلت:
والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبدا. والله إني لأعلم لئن أقررت بما
يقول الناس والله يعلم أني منه بريئة لأقولن ما لم يكن ولئن أنا أنكرت
ما يقولون لا تصدقونني. قالت ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره فقلت: ولكن
سأقول كما قال أبو يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ
عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف 18]. قالت فوالله ما برح رسول الله صلى
الله عليه وسلم مجلسه حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه فسجي بثوبه
ووضعت له
ـــــــ
حول براءة عائشة رضي الله عنها
وفي المسند من حديث عائشة أنه لما أنزل الله براءتها قام إليها أبو بكر
فقبل رأسها، فقالت له هلا كنت عذرتني، فقال أي سماء تظلني، وأي أرض
تقلني، إن قلت بما لا أعلم وكان نزول براءة عائشة - رضي الله عنها -
بعد قدومهم المدينة بسبع وثلاثين ليلة في قول بعض المفسرين.
(7/41)
وسادة من أدم
تحت رأسه فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت، فوالله ما فزعت ولا باليت،
قد عرفت أني بريئة وأن الله عز وجل غير ظالمي، وأما أبواي فوالذي نفس
عائشة بيده ما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننت لتخرجن
أنفسهما، فرقا من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس قالت ثم سري عن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس وإنه ليتحدر منه مثل الجمان في
يوم شات فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول أبشري يا عائشة، فقد أنزل الله
براءتك، قالت قلت: بحمد الله ثم خرج إلى الناس فخطبهم وتلا عليهم ما
أنزل الله عليه من القرآن في ذلك ثم أمر بمسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت،
وحمنة بنت جحش، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة فضربوا حدهم
أبو أيوب وذكره طهر عائشة لزوجه:
قال ابن إسحاق: وحدثني أبي إسحاق بن يسار عن بعض رجال بني النجار
أن أبا أيوب خالد بن زيد، قالت له امرأته أم أيوب "يا أبا أيوب ألا
تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال بلى، وذلك الكذب أكنت يا أم أيوب
فاعلة؟ قالت لا والله ما كنت لأفعله قال فعائشة والله خير منك
ما نزل من القرآن في ذلك
قالت فلما نزل القرآن بذكر من قال من أهل الفاحشة ما قال من أهل الإفك
فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ
لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ
مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ
مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور 11 وما بعدها]، وذلك حسان بن
ثابت وأصحابه الذين قالوا ما قالوا.
قال ابن هشام: ويقال وذلك عبد الله بن أبي وأصحابه.
قال ابن هشام: والذي تولى كبره عبد الله بن أبي، وقد ذكر ذلك ابن إسحاق
في هذا الحديث قبل هذا. ثم قال تعالى: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ
ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} أي
فقالوا كما قال أبو أيوب وصاحبته ثم قال: {إِذْ
ـــــــ
........................
(7/42)
تَلَقَّوْنَهُ
بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ
عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}
[النور:15].
هم أبي بكر بعدم الإنفاق على مسطح ثم عدوله:
فلما نزل هذا في عائشة، وفيمن قال لها ما قال قال أبو بكر وكان ينفق
على مسطح لقرابته وحاجته" والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا، ولا أنفعه
بنفع أبدا بعد الذي قال لعائشة، وأدخل علينا قالت فأنزل الله في ذلك
{وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا
أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ
اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22]
تفسير ابن هشام لبعض الغريب
قال ابن هشام:
يقال كبره وكبره في الرواية وأما في القرآن فكبره بالكسر.
قال ابن هشام: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} ولا يأل أولو
الفضل منكم. قال امرؤ القيس بن حجر الكندي:
ألا رب خصم فيك ألوى رددته
...
نصيح على تغذاله غير مؤتل
وهذا البيت في قصيدة له ويقال {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ} ولا
يحلف أولو الفضل وهو قول الحسن بن أبي الحسن البصري، فيما بلغنا عنه.
وفي كتاب الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [
البقرة 226] وهو من الألية والألية اليمين. قال حسان بن ثابت:
آليت ما في جميع الناس مجتهدا
...
مني ألية بر غير إفناد
وهذا البيت في أبيات له سأذكرها إن شاء الله في موضعها. فمعنى: أن
يؤتوا
ـــــــ
............................................
(7/43)
في هذا المذهب
أن لا يؤتوا، وفي كتاب الله عز وجل {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ
تَضِلُّوا} [ النساء: 176] يريد أن لا تضلوا ، {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ
أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ} [الحج: 65] يريد أن لا تقع على الأرض
وقال ابن مفرغ الحميري:
لا ذعرت السوام في وضح الصب
...
ح مغيرا ولا دعيت يزيدا
يوم أعطي مخافة الموت ضيما
...
والمنايا يرصدنني أن أحيدا
يريد أن لا أحيد وهذان البيتان في أبيات له.
قال ابن إسحاق:
قالت فقال أبو بكر بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح
نفقته التي كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها منه أبدا.
هم ابن المعطل بقتل حسان
قال ابن إسحاق:
ثم إن صفوان بن المعطل اعترض حسان بن ثابت بالسيف حين بلغه ما كان يقول
فيه وقد كان حسان قال شعرا مع ذلك يعرض بابن المعطل فيه وبمن أسلم من
العرب من مضر، فقال
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا
...
وابن الفريعة أمسى بيضة البلد
قد ثكلت أمه من كنت صاحبه
...
أو كان منتشبا في برثن الأسد
ما لقتيلي الذي أغدو فآخذه
...
من دية فيه يعطاها ولا قود
ما البحر حين تهب الريح شامية
...
فيغطئل ويرمي العبر بالزبد
يوما بأغلب مني حين تبصرني
...
ملغيظ أفري كفري العارض البرد
أما قريش فإني لن أسالمهم
...
حتى ينيبوا من الغيات للرشد
ـــــــ
..........................................
(7/44)
ويشهدوا أن ما
قال الرسول لهم
...
حق ويوفوا بعهد الله والوكد
فاعترضه صفوان بن المعطل، فضربه بالسيف ثم قال كما حدثني يعقوب بن
عتبة:
تلق ذباب السيف عني فإنني ... غلام إذا هوجيت لست بشاعر
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي:
أن ثابت بن قيس بن الشماس وثب على صفوان بن المعطل، حين ضرب حسان فجمع
يديه إلى عنقه بحبل ثم انطلق به إلى دار بني الحارث بن الخزرج، فلقيه
عبد الله بن رواحة، فقال ما هذا؟ قال ما أعجبك ضرب حسان بالسيف والله
ما أراه إلا قد قتله قال له عبد الله بن رواحة: هل علم رسول الله صلى
الله عليه وسلم بشيء مما صنعت؟ قال لا والله قال لقد اجترأت، أطلق
الرجل فأطلقه ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فدعا
حسان وصفوان بن المعطل، فقال ابن المعطل يا رسول الله: آذاني وهجاني،
فاحتملني الغضب فضربته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان "
أحسن يا حسان أتشوهت على قومي أن هداهم الله للإسلام "ثم قال " أحسن يا
حسان في الذي أصابك قال هي لك يا رسول الله "
قال ابن هشام:
ويقال أبعد أن هداكم الله للإسلام.
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن إبراهيم
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه عوضا منها بيرحاء، وهي قصر بني
حديلة اليوم بالمدينة وكانت مالا لأبي طلحة بن سهل تصدق بها على آل
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم
حسان في ضربته وأعطاه سيرين، أمة قبطية فولدت له عبد الرحمن بن حسان،
قالت وكانت عائشة تقول لقد سئل عن ابن المعطل
ـــــــ
.......................................
(7/45)
فوجدوه رجلا
حصورا، ما يأتي النساء ثم قتل بعد ذلك شهيدا
قال حسان بن ثابت يعتذر من الذي كان قال في شأن عائشة رضي الله عنها
حصان رزان ما تزن بريبة
...
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
عقيلة حي من لؤي بن غالب
...
كرام المساعي مجدهم غير زائل
ـــــــ
شعر حسان في مدح عائشة:
وقول حسان في عائشة:
حصان رزان ما تزن بريبة
...
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
حصان فعال بفتح الحاء يكثر في أوصاف المؤنث وفي الأعلام منها، كأنهم
قصدوا بتوالي الفتحات مشاكلة خفة اللفظ لخفة المعنى، أي المسمى بهذه
الصفات خفيف على النفس وحصان من الحصن والتحصن وهو الامتناع على الرجال
من نظرهم إليها، وقالت جارية من العرب لأمها:
يا أمتا أبصرني راكب
...
يسير في مسحنفر لاحب
جعلت أحثي التراب في وجهه
...
حصنا وأحمي حوزة الغائب
فقالت لها أمها:
الحصن أدنى لو تآبيته
...
من حثيك الترب على الراكب
ذكر هذه الأبيات أحمد بن أبي سعيد السيرافي في شرح أبيات الإيضاح
والرزان والثقال بمعنى واحد وهي القليلة الحركة. وقوله
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
أي خميصة البطن من لحوم الناس
(7/46)
مهذبة قد طيب
الله خيمها
...
وطهرها من كل سوء وباطل
فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم
...
فلا رفعت سوطي إلي أناملي
وكيف وودي ما حييت ونصرتي
...
لآل رسول الله زين المحافل
له رتب عال على الناس كلهم
...
تقاصر عنه سورة المتطاول
فإن الذي قد قيل ليس بلائط
...
ولكنه قول امرئ بي ماحل
ـــــــ
أي اغتيابهم وضرب الغرث مثلا، وهو عدم الطعم وخلو الجوف وفي التنزيل
{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} [الحجرات
12] ضرب المثل لأخذه في العرض بأكل اللحم لأن اللحم ستر على العظم
والشاتم لأخيه كأنه يقشر ويكشف ما عليه من ستر. وقال ميتا، لأن الميت
لا يحس، وكذلك الغائب لا يسمع ما يقول فيه المغتاب ثم هو في التحريم
كأكل لحم الميت. وقوله من لحوم الغوافل يريد العفائف الغافلة قلوبهن عن
الشر كما قال سبحانه {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ
الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النور 23] جعلهن غافلات لأن الذي رمين
به من الشر لم يهممن به قط ولا خطر على قلوبهن فهن في غفلة عنه وهذا
أبلغ ما يكون من الوصف بالعفاف. وقوله
له رتب عال على الناس كلهم
الرتب ما ارتفع من الأرض وعلا، والرتب أيضا: قوة في الشيء وغلظ فيه
والسورة رتبة رفيعة من الشرف مأخوذة اللفظ من سور البناء. وقوله: فإن
الذي قد قيل ليس بلائط. أي بلاصق يقال ما يليط ذلك بفلان أي ما يلصق به
ومنه سمي الربا: لياطا، لأنه ألصق بالبيع وليس ببيع
(7/47)
قال ابن هشام:
بيته "عقيلة حي" والذي بعده وبيته "له رتب عال" عن أبي زيد الأنصاري.
قال ابن هشام: وحدثني أبو عبيدة
أن امرأة مدحت بنت حسان بن ثابت عند عائشة، فقالت
حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فقالت عائشة: لكن أبوها.
شعر في هجاء حسان ومسطح
قال ابن إسحاق:
وقال قائل من المسلمين في ضرب حسان وأصحابه في فريتهم على عائشة - قال
ابن هشام: في ضرب حسان وصاحبيه
لقد ذاق حسان الذي كان أهله
...
وحمنة إذ قالوا هجيرا ومسطح
ـــــــ
وفي الكتاب الذي كتب لثقيف وما كان من دين ليس فيه رهن فإنه لياط مبرأ
من الله. وسيأتي حديثه مفسرا إن شاء الله. وقوله في الشعر
فلا رفعت سوطي إلي أناملي
دعاء على نفسه وفيه تصديق لمن قال إن حسان لم يجلد في الإفك ولا خاض
فيه وأنشدوا البيت الذي ذكره ابن إسحاق:
لقد ذاق حسان الذي كان أهله
على خلاف هذا اللفظ
لقد ذاق عبد الله ما كان أهله
...
وحمنة إذ قالوا: هجيرا ومسطح
(7/48)
تعاطوا برجم
الغيب زوج نبيهم
...
وسخطة ذي العرش الكريم فأترحوا
ـــــــ
ما نزل في حق أصحاب الإفك:
وذكر ما أنزل الله تعالى في أصحاب الإفك وقوله تعالى: {إِذْ
تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} [النور 15] وكانت عائشة - رضي الله
عنها تقرؤها: إذ تلقونه بألسنتكم من الولق وهو استمرار اللسان بالكذب.
وأما إقامة الحد عليهم ففيه التسوية بين أفضل الناس بعد النبي - صلى
الله عليه وسلم - وأدنى الناس درجة في الإيمان لا يزاد القاذف على
الثمانين وإن شتم خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينقص
منها، فإن قذف قاذف اليوم إحدى أمهات المؤمنين سوى عائشة، فيتوجه فيه
للفقهاء قولان أحدهما: أن يجلد ثمانين كما يقتضيه عموم التنزيل وكما
فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذين قذفوا أهله قبل نزول القرآن
ببراءتها، وأما بعد نزول القرآن ببراءتها فيقتل قاذفها قتل كفر ولا
يصلى عليه ولا يورث لأنه كذب الله تعالى.
والقول الثاني في قاذف أمهات المؤمنين غير عائشة - رضي الله عنهن أن
يقتل أيضا، وبه كان يأخذ شيخنا - رحمه الله تعالى - ويحتج بقوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [الأحزاب: 57] الآية وإذا قذف أزواج
النبي عليه السلام فقد سبه. فمن أعظم الإذاية أن يقال عن الرجل قرنان
وإذا سب نبي بمثل هذا فهو كفر صراح وقد قال المفسرون في قوله تعالى: {
فَخَانَتَاهُمَا } أي خانتا في الطاعة لهما، والإيمان وما بغت امرأة
نبي قط، أي ما زنت.
إهداء سيرين إلى حسان
وذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى حسان جاريته بضرب صفوان بن
المعطل له
(7/49)
وآذوا رسول
الله فيها فجللوا
...
مخازي تبقى عمموها وفضحوا
وصبت عليهم محصدات كأنها
...
شآبيب قطر من ذرى المزن تسفح
ـــــــ
وهذه الجارية اسمها سيرين بنت شمعون أخت مارية سرية النبي - صلى الله
عليه وسلم - وهي أم عبد الرحمن بن حسان الشاعر وكان عبد الرحمن يفخر
بأنه ابن خالة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روت سيرين هذه
عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا قالت رأى رسول الله صلى الله عليه
وسلم خللا في قبر إبراهيم ابنه فأصلحه وقال " إن الله يحب من العبد إذا
عمل عملا أن يصلحه "
(7/50)
|