الروض الأنف ت الوكيل

 [حديث ربيعة بن نصر ورؤياه]
[رؤيا ربيعة:]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ مَلِكُ الْيَمَنِ بَيْنَ أَضْعَافِ مُلُوكِ التّبَابِعَةِ، فَرَأَى رُؤْيَا هَالَتْهُ، وَفَظِعَ بِهَا، فَلَمْ يَدَعْ كَاهِنًا، وَلَا سَاحِرًا، وَلَا عَائِفًا، وَلَا مُنَجّمًا مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ إلّا جَمَعَهُ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إنّي قَدْ رَأَيْت رُؤْيَا هَالَتْنِي، وَفَظِعْتُ بِهَا، فَأَخْبِرُونِي بِهَا وَبِتَأْوِيلِهَا، قَالُوا لَهُ:
اُقْصُصْهَا عَلَيْنَا نُخْبِرْك بِتَأْوِيلِهَا، قَالَ: إنّي إنْ أَخْبَرْتُكُمْ بِهَا لَمْ أَطْمَئِنّ إلَى خَبَرِكُمْ عَنْ تَأْوِيلِهَا، فَإِنّهُ لَا يَعْرِفُ تَأْوِيلَهَا إلّا مَنْ عَرَفَهَا قَبْلَ أَنْ أُخْبِرَهُ بِهَا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ: فَإِنْ كَانَ الْمَلِكُ يُرِيدُ هَذَا فَلْيَبْعَثْ إلَى سَطِيحٍ وَشِقّ، فَإِنّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُمَا، فهما يخبر انه بما سأل عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَجَلَسَ، وَكَانَ شِقّ شِقّ إنْسَانٍ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- إنّمَا لَهُ يَدٌ وَاحِدَةٌ، وَرِجْلٌ وَاحِدَةٌ، وَعَيْنٌ وَاحِدَةٌ، وَيُذْكَرُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبّهٍ «1» أَنّهُ قَالَ: قِيلَ لِسَطِيحِ: أَنّى لَك هَذَا الْعِلْمُ؟ فَقَالَ: لِي صَاحِبٌ مِنْ الْجِنّ اسْتَمَعَ أَخْبَارَ السّمَاءِ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ حِينَ كَلّمَ اللهُ تَعَالَى مِنْهُ مُوسَى- عَلَيْهِ السّلَامُ- فَهُوَ يُؤَدّي إلىّ من ذلك ما يؤدّيه.
__________
(1) كان ممن يروجون قصص الماضين. يقول عنه ابن خلكان «كانت له معرفة بأخبار الأوائل، وقيام الدنيا وأحوال الأنبياء» توفى سنة 110 أو 114 أو 116. لكنى أسأل. من أين كان يأتى بهذه الأخبار التى لا توجد فى كتاب الله؟ لقد كان وهب فى أول أمره يهوديا، وبهؤلاء وجدت الخرافة الكافرة لها طريقا إلى القلوب. وكل ما يقال عن شق من قدرة على معرفة الغيب، وهذه الأوصاف الجسدية التى لا تعقل، ولا تستقيم مع سنن الفطرة البشرية. كل هذا هراء من الإفك وخبث من الكيد الدنئ يراد به القضاء على الفكر والدين.

(1/134)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَوُلِدَ سَطِيحٌ وَشِقّ فِي الْيَوْمِ الّذِي مَاتَتْ فِيهِ طَرِيفَةُ الْكَاهِنَةُ امْرَأَةُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَهِيَ بِنْتُ الْخَيْرِ الْحِمْيَرِيّةُ، وَدَعَتْ بِسَطِيحِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ، فَأَتَيْت بِهِ، فَتَفَلَتْ فِي فِيهِ، وَأَخْبَرَتْ أَنّهُ سَيَخْلُفُهَا فِي عِلْمِهَا، وَكَهَانَتِهَا، وَكَانَ وَجْهُهُ فِي صَدْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْسٌ وَلَا عُنُقٌ وَدَعَتْ بِشِقّ، فَفَعَلَتْ بِهِ مِثْلَ ما فعلت بسطيح، ثم ماتت، وقبرها «بالجحفة» «1» ، وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ أَنّ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْقَسْرِيّ كَانَ مِنْ وَلَدِ شِقّ هَذَا، فَهُوَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَسَدِ ابن يَزِيدَ بْنِ كُرْزٍ، وَذَكَرَ أَنّ كُرْزًا كَانَ دَعِيّا، وَأَنّهُ كَانَ مِنْ الْيَهُودِ، فَجَنَى جِنَايَةً فَهَرَبَ إلَى بَجِيلَةَ «2» ، فَانْتَسَبَ فِيهِمْ، وَيُقَالُ: كَانَ عَبْدًا لِعَبْدِ الْقَيْسِ، وَهُوَ ابْنُ عَامِرٍ ذِي الرّقْعَةِ، وَسُمّيَ بِذِي الرّقْعَةِ؛ لِأَنّهُ كَانَ أَعْوَرَ يُغَطّي عَيْنَهُ بِرُقْعَةِ. ابْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ جُوَيْنِ بْنِ شِقّ الْكَاهِنِ بْنِ صَعْبٍ.
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الرّؤْيَا: أَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ جُمْجُمَهْ، وَكُلّ، ذَاتِ نَسَمَهْ.
نَصْبُ كُلّ أَصَحّ فِي الرّوَايَةِ، وَفِي الْمَعْنَى؛ لِأَنّ الْحُمَمَةَ نَارٌ، فَهِيَ تَأْكُلُ، وَلَا تُؤْكَلُ، عَلَى أَنّ فِي رِوَايَةِ الشّيْخِ بِرَفْعِ كُلّ، وَلَهَا وَجْهٌ، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ كِتَابِهِ أَنّ فِي نُسْخَةِ الْبَرْقِيّ الّتِي قَرَأَهَا عَلَى ابْنِ هِشَامٍ: كُلّ ذَاتِ، بنصب اللام.
__________
(1) فى مراصد الاطلاع. «كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق مكة، وهى ميقات أهل مصر والشام- إن لم يمروا على المدينة» وفى تقويم البلدان لأبى الفداء. وهى رسم خال لا ساكن به واسمها مشهور، وهى بالقرب من رابغ.
(2) هم إخوة خثعم، وبجيلة: أمهم ص 515 الاشتقاق، 526 ج 8 تاريخ ابن خلدون ط. لبنان.

(1/135)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: «خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمَهْ» أَيْ مِنْ ظُلْمَةٍ، وَذَلِكَ أَنّ الْحُمَمَةَ قِطْعَةٌ مِنْ نَارٍ، وَخُرُوجُهَا مِنْ ظُلْمَةٍ يُشْبِهُ خُرُوجَ عَسْكَرِ الْحَبَشَةِ مِنْ أَرْضِ السّودَانِ، وَالْحُمَمَةُ: الْفَحْمَةُ، وَقَدْ تَكُونُ جَمْرَةً مُحْرِقَةً، كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَيَكُونُ لَفْظُهَا مِنْ الْحَمِيمِ، وَمِنْ الْحُمّى أَيْضًا لِحَرَارَتِهَا، وَقَدْ تَكُونُ مُنْطَفِئَةً، فَيَكُونُ لَفْظُهَا مِنْ الْحُمّةِ، وَهِيَ السّوَادُ، يُقَالُ حَمّمْت وَجْهَهُ إذَا سَوّدْته، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ حَاصِلٌ فِي لَفْظِ الْحُمَمَةِ هَهُنَا.
وَقَوْلُهُ: بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَةٍ؛ لِأَنّهَا وَقَعَتْ بَيْنَ صَنْعَاءَ وَأَحْوَازِهَا «1» .
وَقَوْلُهُ: فِي أَرْضِ تَهَمَهْ أَيْ: مُنْخَفِضَةً، وَمِنْهُ سُمّيَتْ تِهَامَةٌ.
وَقَوْلُهُ أَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ جُمْجُمَهْ، وَلَمْ يَقُلْ كُلّ ذِي جُمْجُمَةٍ، وَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى سُبْحَانَهُ: (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ) فَاطِرِ: 18
لِأَنّ الْقَصْدَ إلَى النّفْسِ وَالنّسَمَةِ، فَهُوَ أَعَمّ، وَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ، وَلَوْ جَاءَ بِالتّذْكِيرِ، لَكَانَ إمّا خَاصّا بِالْإِنْسَانِ، أَوْ عَامّا فى كل شئ حَيّ أَوْ جَمَادٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[تَنَحّ عَنّي، فَإِنّ] كُلّ بَائِلَةٍ «2» تَفْيُخُ، أَيْ: يَكُونُ مِنْهَا إفَاخَةٌ، وَهِيَ الْحَدَثُ، وقال النحاس.
هو تأنيث الصّفة والخلقة.
__________
(1) جمع حوزة. الناحية.
(2) فى المطبوعة. قائلة، وهو خطأ، ويقول ابن الأثير فى النهاية «فيه أنه خرج يريد حاجة، فأتبعه بعض أصحابه، فقال: تنحّ عنى، فإن كل بائلة تفيخ» الإفاخه: الحدث بخروج الريح خاصة، والسهيلى يخلط فى الشرح بين كلام شق وسطيح.

(1/136)


[نسب سطيح وشق]
وَاسْمُ سَطِيحٍ: رَبِيعُ بْنُ ربيعة بن مسعود؛ بن مازن، بن ذئب، بن عدىّ، بن مازن غسّان.
وشقّ: بن صَعْبِ بْنُ يَشْكُرَ، بْنِ رُهْم، بْنِ أَفْرَكَ بْنِ قَسْرِ بْنِ عَبْقَرَ بْنِ أَنْمَارِ بْنِ نِزَارٍ، وَأَنْمَارُ أَبُو بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ.
[نَسَبُ بَجِيلَةَ:]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَتْ الْيَمَنُ: وبجيلة: بنو أنمار، بن إراش ابن لِحْيَانَ، بْنِ عَمْرِو، بْنِ الْغَوْثِ، بْنِ نَبْت، بْنِ مَالِكِ بن زيد بن كهلان بن سَبَأٍ، وَيُقَالُ: إرَاشُ بْنُ عَمْرِو بْنِ لِحْيَانَ بْنِ الْغَوْثِ. وَدَارُ بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ يَمَانِيّةٌ.
[رَبِيعَةُ بن نصر وسطيح]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَعَثَ إلَيْهِمَا، فَقَدِمَ عَلَيْهِ سَطِيحٌ قَبْلَ شِقّ، فَقَالَ لَهُ:
إنّي رَأَيْت رُؤْيَا هَالَتْنِي، وَفَظِعْتُ بِهَا، فَأَخْبِرْنِي بِهَا، فَإِنّك إنْ أَصَبْتَهَا أَصَبْتَ تَأْوِيلَهَا. قَالَ: أَفْعَلُ. رَأَيْت حُمَمَهُ، خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمه، فَوَقَعَتْ بِأَرْضِ تَهَمه، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ جُمْجُمَهُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا أَخْطَأْتَ منها شيئا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: لَيَهْبِطَن أَرْضَكُمْ الْحَبَشُ هُمْ: بَنُو حَبَشِ بن كوش بن حام «1» ابن نُوحٍ، وَبِهِ سُمّيَتْ الْحَبَشَةُ.
وَقَوْلُهُ: مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إلَى جُرَشَ ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى مِثْلِ إصْبَعٍ، وَجَوّزَ فِيهِ الْفَتْحَ، وَكَذَلِكَ تقيد فى هذا الكتاب، وقال ابن
__________
(1) فى قاموس الدكتور بوست عن حام أنه أحد أولاد نوح، وأنه كان له أربعة بنين كوش ومصرايم وفوط وكنعان، فكان كوش أبا للقبائل التى قطنت بابل وجنوبى بلاد العرب والسودان وفى سفر التكوين 10: 8 وبنو كوش سبأ وحويلة وسبتة ورعمة وسبنكا ونقل الطبرى عن ابن إسحاق أن الهند والسند والحبشة من بنى السودان من ولد كوش.

(1/137)


يَا سَطِيحٌ؛ فَمَا عِنْدَك فِي تَأْوِيلِهَا؟ فَقَالَ: أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرّتَيْنِ مِنْ حَنَشٍ، لَتَهْبِطَن أَرْضَكُمْ الْحَبَشُ، فَلَيَمْلِكُنّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إلَى جرش، فقال له الملك:
وَأَبِيك يَا سَطِيحُ، إنّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ؟ أَفِي زَمَانِي هَذَا، أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ بَعْدَهُ بِحِينِ، أَكْثَرَ مِنْ سِتّينَ أَوْ سَبْعِينَ، يَمْضِينَ مِنْ السّنِينَ قَالَ: أَفَيَدُومُ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِهِمْ أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ يَنْقَطِعُ لِبِضْعِ وَسَبْعِينَ مِنْ السّنِينَ، ثُمّ يُقْتَلُونَ وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا هَارِبِينَ؛ قال: ومن يلى ذَلِكَ مِنْ قَتْلِهِمْ وَإِخْرَاجِهِمْ؟.
قَالَ: يَلِيهِ إرَمُ ذِي يَزَنَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدَنَ، فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ.
قَالَ: أَفَيَدُوم ذَلِكَ مِنْ سُلْطَانِهِ، أَمْ يَنْقَطِعُ؟
قَالَ: لَا، بَلْ يَنْقَطِعُ.
قَالَ: وَمَنْ يَقْطَعُهُ؟ قَالَ: نَبِيّ زَكِيّ، يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ قِبَلِ الْعَلِيّ، قَالَ:
وَمِمّنْ هَذَا النّبِيّ؟.
قَالَ: رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ، يَكُونُ الملك فى قومه إلى آخر الدهر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَاكُولَا: هُوَ أَبْيَنُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَيْمَنَ بْنِ الْهَمَيْسَعِ مِنْ حِمْيَرَ، أَوْ مِنْ ابْنِ حِمْيَرَ سُمّيَتْ بِهِ الْبَلْدَةُ، وَقَدْ تَقَدّمَ قَوْلُ الطّبَرِيّ أَنّ أَبْيَنَ وَعَدَنَ ابْنَا عَدَنٍ، سُمّيَتْ بِهِمَا الْبَلْدَتَانِ.
وَقَوْلُهُ: بِغُلَامِ لَا دَنِيّ وَلَا مُدَنّ. الدّنِيّ مَعْرُوفٌ، وَالْمُدَنّ الّذِي جَمَعَ الضّعْفَ مع الدناءة. قاله صاحب العين

(1/138)


قَالَ: وَهَلْ لِلدّهْرِ مِنْ آخِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَوْمٌ يُجْمَعُ فِيهِ الْأَوّلُونَ وَالْآخِرُونَ يَسْعَدُ فِيهِ الْمُحْسِنُونَ، وَيَشْقَى فِيهِ الْمُسِيئُونَ قَالَ: أَحَقّ مَا تُخْبِرُنِي؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَالشّفَقُ وَالْغَسَقُ، وَالْفَلَقُ إذَا اتّسَقَ، إنّ مَا أَنْبَأْتُك بِهِ لَحَقّ.
[رَبِيعَةُ بن نصر وشق]
ثُمّ قَدِمَ عَلَيْهِ شِقّ، فَقَالَ لَهُ كَقَوْلِهِ لِسَطِيحِ، وَكَتَمَهُ مَا قَالَ سَطِيحٌ، لِيَنْظُرَ أَيَتّفِقَانِ أَمْ يَخْتَلِفَانِ، فَقَالَ: نَعَمْ، رَأَيْت حُمَمَهُ، خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمه، فَوَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَهْ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ نسمة.
قال: فلما قال له ذلك، عرف أَنّهُمَا قَدْ اتّفَقَا، وَأَنّ قَوْلَهُمَا وَاحِدٌ إلّا أَنّ سَطِيحًا قَالَ: «وَقَعَتْ بِأَرْضِ تَهَمَهْ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ جُمْجُمَهُ» .
وَقَالَ شِقّ: «وَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَهْ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ نَسَمَهْ» .
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا أَخْطَأْت يَا شِقّ مِنْهَا شَيْئًا، فَمَا عِنْدَك فِي تَأْوِيلِهَا؟.
قَالَ: أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرّتَيْنِ مِنْ إنْسَانٍ، لينزلن أرضكم السودان، فليغلبن على كل طفلة البنان، وليملكن ما بين أبين إلى نجران.
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَأَبِيك يَا شِقّ، إنّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ؟
أَفِي زَمَانِي، أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ بَعْدَهُ بِزَمَانِ، ثُمّ يَسْتَنْقِذُكُمْ مِنْهُمْ عَظِيمٌ ذُو شأن، ويذيقهم أشدّ الهوان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: لَحَقّ مَا فِيهِ أَمْضٌ: أَيْ: مَا فِيهِ شَكّ وَلَا مُسْتَرَابٌ، وَقَدْ عَمّرَ سَطِيحٌ زَمَانًا طَوِيلًا بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ، حَتّى أَدْرَكَ مولد النبى- صلى الله عليه وسلم-

(1/139)


قَالَ: وَمَنْ هَذَا الْعَظِيمُ الشّانِ؟ قَالَ: غُلَامٌ لَيْسَ بِدَنِيّ، وَلَا مُدَنّ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ ذِي يَزَنَ، فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ.
قَالَ: أَفَيَدُومُ سُلْطَانُهُ، أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: بَلْ يَنْقَطِعُ بِرَسُولِ مُرْسَلٍ يَأْتِي بِالْحَقّ وَالْعَدْلِ، بَيْنَ أَهْلِ الدّينِ وَالْفَضْلِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إلَى يَوْمِ الْفَصْلِ؛ قَالَ: وَمَا يَوْمُ الْفَصْلِ؟ قَالَ: يَوْمٌ تُجْزَى فِيهِ الْوُلَاةُ، وَيُدْعَى فِيهِ مِنْ السّمَاءِ بِدَعَوَاتِ، يَسْمَعُ مِنْهَا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ، وَيُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ النّاسِ لِلْمِيقَاتِ، يَكُونُ فيه لمن اتقى الفوز والخيرات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فرأى كسرى أنو شروان بْنَ قَبَاذِ بْنِ فَيْرُوزَ مَا رَأَى مِنْ ارْتِجَاسِ الْإِيوَانِ «1» وَخُمُودِ النّيرَانِ، وَلَمْ تَكُنْ خَمَدَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَلْفِ عَامٍ، وَسَقَطَتْ مِنْ قَصْرِهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةٌ، وَأَخْبَرَهُ الْمُوبَذَانُ، وَمَعْنَاهُ: الْقَاضِي، أو المفتى بلغتهم
__________
(1) كسرى هذا هو من ملوك الساسانية أو الفرس الثانية حكم- كما يقول المسعودى- ثمانيا وأربعين سنة أو سبعا وأربعين، وهو الذى قتل مزدك، وأتبعه بثمانين ألفا من أصحابه، ومزدك صاحب الشيوعية المطلقة الداعى إلى المشاركة العامة فى الأموال والأزواج والأهلين ص 263 ح 1 مروج. والارتجاس: ارتجس الإيوان اضطرب وتحرك حركة سمع لها صوت. والارتجاس: الصوت الشديد من الرعد، والإيوان بوزن الديوان: بناء أزج غير مسدود الوجه. والأزج بيت يبنى طولا. ويقال إوان بوزن كتاب. وكان بالمدائن من العراق ويقال إن سمكه كان مائة ذراع فى طولها. وروى حديث الارتجاس البيهقى وأبو نعيم والخرائطى وابن عساكر وابن جبير. وهى رواية لأسطورة لا حقيقة انظر ص 121 المواهب ح 1 والنيران هى التى كان يعبدها المجوس فى فارس.

(1/140)


قَالَ: أَحَقّ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: إي وَرَبّ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ رَفْعٍ وَخَفْضٍ، إنّ مَا أَنْبَأْتُك بِهِ لَحَقّ مَا فِيهِ أَمْضِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَمْضِ. يَعْنِي: شَكّا، هَذَا بِلُغَةِ حِمْيَرَ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو.
أَمْضِ أى: باطل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَنّهُ رَأَى إبِلًا صِعَابًا، تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا «1» ، فَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهِمْ، وَغَارَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ «2» ، فَأَرْسَلَ كِسْرَى عَبْدَ الْمَسِيحِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَيّانَ بْنِ نُفَيْلَةَ الْغَسّانِيّ إلَى سَطِيحٍ، وَكَانَ سَطِيحٌ مِنْ أَخْوَالِ عَبْدِ الْمَسِيحِ، وَلِذَلِكَ أَرْسَلَهُ كِسْرَى فِيمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ «3» إلَى سَطِيحٍ يَسْتَخْبِرُهُ عِلْمَ ذَلِكَ، وَيَسْتَعْبِرُهُ رُؤْيَا الْمُوبَذَانِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَشْفَى عَلَى الْمَوْتِ، فَسَلّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَحُرْ إلَيْهِ سَطِيحٌ جَوَابًا فَأَنْشَأَ عَبْدُ الْمَسِيحِ يَقُولُ:
أَصَمّ أَمْ يَسْمَعُ غِطْرِيفُ الْيَمَنْ ... أَمْ فَادَ فَازْلَمّ بِهِ شَأْوُ الْعَنَنْ
يَا فَاصِلَ الْخُطّةِ أَعْيَتْ مَنْ وَمَنْ ... أَتَاك شَيْخُ الْحَيّ مِنْ آلِ سَنَنْ
وَأُمّهُ مِنْ آلِ ذِئْبِ بْنِ حجن ... أبيض فضفاض الرّداء والبدن
__________
(1) الإبل الصعاب الشداد: والخيل العراب، أى عربية منسوبة إلى العرب قالوا فى الناس عرب وأعراب، وقالوا فى الخيل عراب بكسر العين.
(2) وساوة من قرى بلاد فارس كانت بحيرتها بحيرة كبيرة بين همذان وقم، ويقال إنها كانت أكثر من ستة فراسخ فى الطول والعرض. وفى رواية الكثيرين أنها بحيرة طبرية التى ما زالت باقية.
(3) ص 167 ح 2 ط المعارف، وفيه: بقيله بدلا من نفيلة.

(1/141)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَسُولُ قَيْلِ الْعُجْمِ يَسْرِي لِلْوَسَنْ ... لَا يَرْهَبْ الرّعْدَ، وَلَا رَيْبَ الزّمَنْ
تَجُوبُ بِي الْأَرْضُ عَلَنْدَاةٌ شَزَنْ ... تَرْفَعُنِي وَجْنًا وَتَهْوِي بِي وَجَنْ
حَتّى أَتَى عَارِيَ الجآجي وَالْقَطَنْ ... تَلُفّهُ فِي الرّيحِ بَوْغَاءُ الدّمَنْ
كَأَنّمَا حُثْحِثَ مِنْ حِضْنَيْ ثكن! «1»
__________
(1) القصيدة فى الطبرى ح 2 ص 167 مع اختلاف عما هنا فترتيب الشطرات مختلف مع وجود نقص وزيادة، وهى فى اللسان فى مادة سطح، وفيها اختلاف أيضا عما هنا، وقد ضبطتها كما وردت فى اللسان. والغطريف: السيد الكريم. ومثلها غطارف بضم الغين جمعها: غطاريف، وازلم: ذهب مسرعا، وشأو العنن: اعتراض الموت على الخلق. وقيل: ازلم: قبض بضم القاف، والعنن: أى عرض له الموت، فقبضه. وقد فسر ابن كثير عننا بقوله: يريد اعتراض الموت وسبقه. والخطة: الحال والأمر والخطب، وفاصل الخطة: إذا نزل به أمر مشكل فصله برأيه. وأعيا عليه الأمر: أعجزه فلم يهتد لوجهه. والقيل هو الملك النافذ القول والأمر، وجمعه الأقوال أو الأقيال، والقيل أيضا: لقب لمن يكون من ملوك حمير دون الملك الأعظم. والعجم خلاف العرب. والعلنداة: القوية من النوق. شزن- وفى الطبرى طبع المعارف- شذن، وفسرها المحقق فى هامشه على أنها شزن، وفى مفردات ابن كثير: شجن وفى الأصل: شرن وهو خطأ. والشجن: الناقة المتداخلة الخلق كأنها شجرة متشجنة أى متصلة الأغصان بعضها ببعض. وشزن: تمشى من نشاطها على جانب. والوجن بسكون الجيم، وفتحها، والواجن والوجين: أرض صلبة ذات حجارة، وتروى بضم الواو جمع: وجين بنفس المعنى: والجآجى جمع: جؤجؤ وهو الصدر. القطن: أصل ذنب الطائر، وأسفل الظهر من الإنسان. وقيل صوابها: بكسر الطاء جمع قطنة بكسر القاف وإسكان الطاء: وهى ما بين الفخذين. البوغاء: التراب الناعم، والدّمن: ما تدمّن منه أى: تجمع وتلبد. وهذا اللفظ كأنه من المقلوب تقديره: تلفه الريح فى بوغاء الدمن. وحثحث: يقال حثه على الشئ، وحثحثه يعنى: أسرع. وثكن اسم جبل حجازى. والحضن الجنب.

(1/142)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثَكَنٌ: اسْمُ جَبَلٍ، فَلَمّا سَمِعَ سَطِيحٌ شِعْرَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: عَبْدُ الْمَسِيحِ عَلَى جَمَلٍ مُشِيحٍ «1» جَاءَ إلَى سَطِيحٍ، حِينَ أَوْفَى عَلَى الضّرِيحِ، بَعَثَك مَلِكُ بَنِي سَاسَانَ لِارْتِجَاسِ الْإِيوَانِ، وَخُمُودِ النّيرَانِ، وَرُؤْيَا الْمُوبَذَانِ. رَأَى إبِلًا صِعَابًا، تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا، قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ، وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا. يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ: إذَا كَثُرَتْ التّلَاوَةُ، وَظَهَرَ صَاحِبُ الْهِرَاوَةِ، وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ، وَغَارَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ، وَفَاضَ وَادِي السّمَاوَةِ «2» فَلَيْسَتْ الشّامُ لِسَطِيحِ شَامًا، يَمْلِكُ مِنْهُمْ مُلُوكٌ وَمَلِكَاتٌ، عَلَى عَدَدِ الشّرُفَاتِ، وَكُلّ مَا هُوَ آتٍ آت، ثم قضى سطيح مكانه.
وقوله: فاز لمّ بِهِ مَعْنَاهُ: قُبِضَ، قَالَهُ ثَعْلَبٌ، وَقَوْلُهُ: شَأْوُ الْعَنَنْ. يُرِيدُ:
الْمَوْتَ، وَمَا عَنّ مِنْهُ قَالَهُ الْخَطّابِيّ. وَفَادَ: مَاتَ. يُقَالُ مِنْهُ: فَادَ يَفُودُ، وَأَمّا يَفِيدُ فَمَعْنَاهُ: يَتَبَخْتَرُ.
وَقَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي خَبَرِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ، فَجَهّزَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ إلَى الْحِيرَةِ، وَكَتَبَ لَهُمْ إلَى مَلِكٍ يُقَالُ لَهُ: سَابُورُ بْنُ خُرّزاذ.
مِنْ تَارِيخِ مُلُوكِ الْفُرْسِ قَالَ الْمُؤَلّفُ الشّيْخُ الْحَافِظُ أَبُو القاسم- عفا الله عنه- ولا يعرف
__________
(1) جادّ مسرع، وفى الطبرى: يسيح.
(2) بادية بين الكوفة والشام، وأرض مستوية لا حجر فيها، وماءة بالبادية وقيل ماءة لكلب.

(1/143)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خُرّزاذ فِي مُلُوكِ بَنِي سَاسَانَ مِنْ الْفُرْسِ، وهم من عهد أزد شير بْنِ بَابِك إلَى يَزْدَجْرِدْ الّذِي قُتِلَ فِي أَوّلِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَعْرُوفُونَ مُسَمّوْنَ بِأَسْمَائِهِمْ «1» ، وَبِمَقَادِيرِ مُدَدِهِمْ. مَشْهُورٌ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِخْبَارِيّينَ وَالْمُؤَرّخِينَ وَلَكِنّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ خُرّزاذ هَذَا مَلِكًا دُونَ الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ مِنْهُمْ، أَوْ يَكُونُ أَحَدَ مُلُوكِ الطّوَائِفِ، وَهُوَ الظّاهِرُ فِي مُدّةِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ لِأَنّهُ جَدّ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ وَابْنُ أُخْتِ جَذِيمَةَ الْأَبْرَشِ «2» ، وَكَانَ مُلْكُ جَذِيمَةَ أَوّلَهُ فِيمَا أَحْسَبُ فِي مُدّةِ مُلُوكِ الطّوَائِفِ «3» ، وَآخِرُهُ فِي مُدّةِ السّاسَانِيّينَ، وأول من
__________
(1) فى نقله عن ابن إسحاق اختصار، وهناك ملك فارسى اسمه: خرزاذ خسروا من ولد أبرويز أو فرخزذاد «انظر ح 2 ص 233 الطبرى طبع المعارف» وفى ابن خلدون خرداد بن سابور عميد ملوك الطوائف ص 101 م 2 أما سابور فليس إلا سابور ذو الأكتاف بن هرمز، وسابور بن سابور بن هرمز.
(2) ويلقب أيضا بالوضاح، وقد ملك جذيمه من مشارق الشام إلى الفرات من قبل الروم، وأقام ملكا فى زمن ملوك الطوائف خمسا وتسعين سنة، ثم فى ملك أردشير ثلاثا وعشرين سنة. قتلته الزباء بنت عمرو بن ظرب بن حسان وملك بعده ابن أخته عمرو بن عدى بن نصر بن ربيعة.
(3) حين خرب الإسكندر ملك دارا بن دارا الفارسى صمم على ألا يلتئم لهم شمل، فجعل يقر كل ملك على طائفة من الناس فى إقليم من أقاليم الأرض ما بين عربها وأعاجمها. وظل الأمر كذلك حتى كان أزدشير بن بابك من بنى ساسان، فأعاد ملكهم إلى ما كان عليه، وأزال ملوك الطوائف. وبقى صاحب الحضر واسمه: الساطرون أو الضيزن إذ كان أعظمهم وأشدهم. فقضى عليه سابور بن أزدشير «البداية ج 2 ص 84» والحضر: اسم مدينة فى البرية بإزاء تكريت بينها وبين الموصل والفرات. يقال: لم يبق منها إلا رسم السور وآثار تدل على عظمتها. وقيل: إن ملوك الطوائف هم الذين فرق الإسكندر بلاد فارس بينهم وهؤلاء هم الأشغانون الذين حكموا 266 سنة أولهم: أشك بن أشغان، وكل ملك منهم كان ينتهى نسبه بكلمة الأشغانى.

(1/144)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَلَكَ الْحِيرَةَ مِنْ السّاسَانِيّةِ: سَابُورُ بْنُ أَزْدَشِيرِ، وَهُوَ الّذِي خَرّبَ الْحَضَرَ، وَكَانَتْ مُلُوكُ الطّوَائِفِ مُتَعَادّينَ يُغِيرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، قَدْ تَحَصّنَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي حِصْنٍ، وَتَحَوّزَ إلَى حَيّزٍ مِنْهُمْ عَرَبٌ. وَمِنْهُمْ أشغانيون عَلَى دِينِ الْفُرْسِ، وَأَكْثَرُهُمْ يَنْتَسِبُونَ إلَى الْفُرْسِ مِنْ ذُرّيّةِ دَارَا بْنِ دَارَا، وَكَانَ الّذِي فَرّقَهُمْ وَشَتّتْ شَمْلَهُمْ، وَأَدْخَلَ بَعْضَهُمْ بَيْنَ بَعْضٍ؛ لِئَلّا يَسْتَوْثِقَ لَهُمْ مُلْكٌ، وَلَا يَقُومُ لَهُمْ سُلْطَانٌ: الْإِسْكَنْدَرُ بْنُ فيلبش «1» الْيُونَانِيّ، حِينَ ظَهَرَ عَلَى دَارَا، وَاسْتَوْلَى عَلَى بِلَادِ مَمْلَكَتِهِ، وَتَزَوّجَ بِنْتَه رَوْشَنك. بِوَصِيّةِ أَبِيهَا دَارَا لَهُ بِذَلِكَ حِينَ وَجَدَهُ مُثْخَنًا فِي الْمَعْرَكَةِ، وَلَمْ يَكُنْ الْإِسْكَنْدَرُ أَرَادَ قَتْلَهُ؛ لِأَنّهُ كَانَ أَخَاهُ لِأُمّهِ فِيمَا زَعَمُوا، فَوَضَعَ الْإِسْكَنْدَرُ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِهِ- فِيمَا ذَكَرُوا- وَقَالَ: يَا سَيّدَ النّاسِ لَمْ أُرِدْ قَتْلَك، وَلَا رَضِيته، فَهَلْ لَك مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. تَزَوّجْ ابْنَتِي رَوْشَنك، وَتَقْتُلُ مَنْ قَتَلَنِي، ثُمّ قَضَى دَارَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ الْإِسْكَنْدَرُ، وَفَرّقَ الْفُرْسَ، وَأَدْخَلَ بَيْنَهُمْ الْعَرَبَ. فَتَحَاجَزُوا، وَسُمّوا: مُلُوكَ الطّوَائِفِ؛ لِأَنّ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَانَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ الْأَرْضِ، ثُمّ دَامَ أَمْرُهُمْ كَذَلِكَ أَرْبَعمِائَةِ وَثَمَانِينَ سَنَةً فِي قَوْلِ الطّبَرِيّ، وَقَدْ قِيلَ أَقَلّ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ: خَمْسمِائَةِ وعشرين سنة، وفى أيامهم بعث عيسى بن مَرْيَمَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْإِسْكَنْدَرِ بِثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ. فَابْنُ خُرّزاذ «2» هَذَا- وَاَللهُ أَعْلَمُ- مِنْ أُولَئِكَ. وَبَنُو سَاسَانَ الْقَائِمُونَ بَعْدَ مُلُوكِ الطّوَائِفِ، وَبَعْدَ مُلُوكِ الأشغانيين: هُمْ بَنُو سَاسَانَ بن بهمن.
__________
(1) الذى رسم له مبدأ «فرق تسد» هو وزيره أرسطو الفيلسوف اليونانى وقصة هؤلاء الملوك فى الطبرى ص 580 ج 1 ط المعارف
(2) فى صفحة 146

(1/145)


[هجرة ربيعة بن نصر إلى العراق]
فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ مَا قَالَا، فَجَهّزَ بَنِيهِ، وَأَهْلَ بَيْتِهِ إلَى الْعِرَاقِ بِمَا يُصْلِحُهُمْ، وَكَتَبَ لَهُمْ إلَى مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ فَارِسَ يُقَالُ لَهُ: سَابُورُ بْنُ خُرّزاذ فَأَسْكَنَهُمْ الحيرة.
[نَسَبُ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ:]
فَمِنْ بَقِيّةِ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ، فَهُوَ فِي نَسَبِ الْيَمَنِ وَعِلْمِهِمْ:
النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ، ذَلِكَ الْمَلِكُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ المنذر، فيما أخبرنى خلف الأحمر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهُوَ مِنْ الْكِينِيّةِ، وَإِنّمَا قِيلَ لَهُمْ الْكِينِيّةُ؛ لِأَنّ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُضَافُ إلَى كَيْ، وَهُوَ الْبَهَاءُ. وَيُقَالُ مَعْنَاهُ: إدْرَاكُ الثّأْرِ. وَأَوّلُ من تسمّى بكى: أفريذون ابن أَثَفَيَانِ قَاتِلُ الضّحّاكِ بِثَأْرِ جَدّهِ جَمّ، ثُمّ صَارَ الْمُلْكُ فِي عَقِبِهِ إلَى منوشهر الّذِي بُعِثَ مُوسَى- عَلَيْهِ السّلَامُ- فِي زَمَانِهِ إلَى كَيْ قاووس. وَكَانَ فِي زَمَنِ سُلَيْمَانَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَسَيَأْتِي طَرَفٌ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الْكِتَابِ إلَى كَيْ يستاسب الّذِي وَلِيَ بُخْتَنَصّرَ وَمَلّكَهُ. وبخت نصّر هُوَ الّذِي حَيّرَ الْحِيرَةَ «1» حِينَ جَعَلَ فِيهَا سَبَايَا الْعَرَبِ، فَتَحَيّرُوا هُنَاكَ، فَسُمّيَتْ الْحِيرَةُ، وَأَخَذَ اسْمَهُ مِنْ بوخت وَهِيَ النّخْلَةُ؛ لِأَنّهُ وُلِدَ فِي أَصْلِ نَخْلَةٍ. ثُمّ كَانَ بَعْدَ كَيْ يستاسب بهمن بن اسبندياذ ابن يستاسب.
وَكَانَ لَهُ ابْنَانِ: دَارَا وَسَاسَانَ، وَكَانَ سَاسَانُ هُوَ الْأَكْبَرُ، فَكَانَ قَدْ طَمِعَ فِي الْمُلْكِ بَعْدَ أَبِيهِ، فَصَرَفَ بهمن الْأَمْرَ عَنْهُ إلى دارا لخبر يطول ذكره
__________
(1) فى المراصد أنها سميت بهذا لأن تبعا لما قصد خراسان خلف ضعفة جنده بهذا الموضع، وقال لهم: حيروا به أى أقيموا.

(1/146)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَمَلَتْهُ عَلَى ذَلِكَ «خُمّانَا أُمّ دَارَا» ، فَخَرَجَ «سَاسَانُ» سَائِحًا فِي الْجِبَالِ، وَرَفَضَ الدّنْيَا، وَهَانَتْ عَلَيْهِ، وَعَهِدَ إلَى بَنِيهِ مَتَى كَانَ لَهُمْ الْأَمْرُ: أَنْ يَقْتُلُوا كُلّ أَشْغَانِي وَهُمْ نَسْلُ «دارا» ، فَلَمّا قَامَ «أَزْدَشِيرُ بْنُ بَابِك» وَقَيّدَهُ الدّارَقُطْنِيّ «أردشير» بِالرّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَدَعَا مُلُوكَ الطّوَائِفِ إلَى الْقِيَامِ مَعَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، حَتّى يَنْتَظِمَ لَهُ مُلْكُ فَارِسَ، وَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ أَكْثَرُهُمْ، وَكَانُوا يَدًا عَلَى الْأَقَلّ، حَتّى أَزَالُوهُ، وَجَعَلَ «أَزْدَشِيرُ» يَقْتُلُ كُلّ مَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنْ أُولَئِكَ الأشغانيين، فَقَتَلَ مَلِكًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: الأردوان «1» ، واستولى على قصره، فألفى فِيهِ امْرَأَةً جَمِيلَةً رَائِعَةَ الْحَسَنِ، فَقَالَ لَهَا: مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَمَةٌ مِنْ إمَاءِ الْمَلِكِ «2» ، وَكَانَتْ بِنْتُ الْمَلِكِ الْأَرْدَوَانِ لَاذَتْ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ مِنْ الْقَتْلِ، لِأَنّهُ كَانَ لَا يُبْقِي مِنْهُمْ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى «3» ، فَصَدّقَ قَوْلَهَا، وَاسْتَسَرّهَا «4» فَحَمَلَتْ مِنْهُ، فَلَمّا أَثْقَلَتْ اسْتَبْشَرَتْ بِالْأَمَانِ مِنْهُ، فَأَقَرّتْ أَنّهَا بِنْتُ الأشغاني الّذِي قُتِلَ، وَاسْمُهُ أردوان- فِيمَا ذَكَرُوا- فَدَعَا وَزِيرًا لَهُ نَاصِحًا- وَقَدْ سَمّاهُ الطّبَرِيّ فِي التّارِيخِ «5» - فَقَالَ: اسْتَوْدِعْ هَذِهِ بَطْنَ الْأَرْضِ، فَكَرِهَ الْوَزِيرُ أَنْ يَقْتُلَهَا، وَفِي بَطْنِهَا ابْنٌ لِلْمَلِكِ، وَكَرِهَ أَنْ يَعْصِيَ أَمْرَهُ، فاتخذ لها قصرا تحت الأرض، ثم
__________
(1) يلقب بالأصغر ومدة ملكه على ما فى الطبرى 13 سنة.
(2) فى الطبرى أنها قالت له: إنها كانت خادما لبعض نساء الملك ص 44 ج 2 الطبرى ط المعارف.
(3) فى الطبرى أنه قتلهم جميعا نساءهم ورجالهم، فلم يستبق منهم أحدا.
(4) أى اتخذها سرية له أى أمة.
(5) سماه الطبرى «هر جبذا أبرسام» ، وقال عنه إنه كان شيخا مسنا ص 44 المصدر السابق.

(1/147)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خَصَى نَفْسَهُ، وَصَبّرَ مَذَاكِيرَهُ، وَجَعَلَهَا فِي حَرِيرَةٍ، وَوَضَعَ الْحَرِيرَةَ فِي حُقّ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ، ثُمّ جَاءَ بِهِ الْمَلِكُ فَاسْتَوْدَعَهُ إيّاهُ، وَجَعَلَ لَا يَدْخُلُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ الْقَصْرِ سِوَاهُ، وَلَا تَرَاهَا إلّا عَيْنُهُ، حَتّى وَضَعَتْ الْمَوْلُودَ ذَكَرًا، فَكَرِهَ أَنْ يُسَمّيَهُ قَبْلَ أَبِيهِ، فَسَمّاهُ: شاهَبُور، وَمَعْنَاهُ: ابْنُ الْمَلِكِ، فَكَانَ الصّبِيّ يُدْعَى بِهَذَا، وَلَا يَعْرِفُ لِنَفْسِهِ اسْمًا غَيْرَهُ، فَلَمّا قَبِلَ التّعْلِيمَ نَظَرَ فِي تَعْلِيمِهِ، وَتَقْوِيمِ أَوَدِهِ.
وَاجْتَهَدَ فِي كُلّ مَا يُصْلِحُهُ إلَى أَنْ ترعرع الغلام. فدخل الوزير يوما على أردشير، وَهُوَ وَاجِمٌ، فَقَالَ: لَا يَسُوءُك اللهُ أَيّهَا الْمَلِكُ! فَقَدْ سَاءَنِي إطْرَاقُك وَوُجُومُك، فَقَالَ: كَبِرَتْ سِنّي، وَلَيْسَ لِي وَلَدٌ أُقَلّدُهُ الْأَمْرَ بَعْدِي، وَأَخَافُ انْتِثَارَ الْأَمْرِ بَعْدَ انْتِظَامِهِ، وَافْتِرَاقَ الْكَلِمَةِ بَعْدَ اجْتِمَاعِهَا، فَقَالَ لَهُ: إنّ لِي عِنْدَك وَدِيعَةً أَيّهَا الْمَلِكُ، وَقَدْ احْتَجْت إلَيْهَا، فَأَخْرَجَ إلَيْهِ الْحُقّةَ «1» بِخَاتَمِهَا، فَفَضّ الْخَاتَمَ، وَأَخْرَجَ الْمَذَاكِيرَ مِنْهَا، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: كَرِهْت أَنْ أَعْصِيَ الْمَلِكَ حِينَ أَمَرَنِي فِي الْجَارِيَةِ بِمَا أَمَرَ، فَاسْتَوْدَعْتهَا بَطْنَ الْأَرْضِ حَيّةً، حَتّى أَخْرَجَ اللهُ مِنْهَا سَلِيلَ الْمَلِكِ حَيّا، وَأَرْضَعَتْهُ وَحَضَنَتْهُ، وَهَا هُوَ ذَا عِنْدِي، فَإِنْ أَمَرَ الْمَلِكُ جِئْته بِهِ، فَأَمَرَهُ أَزْدَشِيرُ بِإِحْضَارِهِ فِي مِائَةِ غُلَامٍ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ، بِأَيْدِيهِمْ الصوالج «2»
__________
(1) هى الحق، وجمعها حقق وحقوق وحقاق، وحق، وأحقاق، وفى الطبرى أنه طلب من الملك أن يختم الحق بخاتمه.
(2) مفردها: الصولج، والصولجة، وهى عصا معقوف طرفها يضرب بها الفارس الكرة، وأيضا صولجانه وجمعها: صوالج وصوالجة وهى معربة، وفى الطبرى أنه طلب مائة غلام من أترابه وأشباهه فى الهيئة والقامة، ثم أمر الشيخ أن يدخلهم عليه جميعا، لا يفرق بينهم فى زى ولا قامة ولا أدب، ففعل الشيخ ذلك، فلما نظر إليهم أردشير قبلت نفسه ابنه من بينهم واستحلاه من غير أن يكون أشير له إليه، أو لحن به. ثم حدثت قصة الصوالج.

(1/148)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَلْعَبُونَ الْكُرَةَ، فَلَعِبُوا فِي الْقَصْرِ، فَكَانَتْ الْكُرَةُ تَقَعُ فِي إيوَانِ الْمَلِكِ، فَيَتَهَيّبُونَ أَخْذَهَا حَتّى طَارَتْ لِلْغُلَامِ، فَوَقَعَتْ فِي سَرِيرِ الْمَلِكِ، فَتَقَدّمَ حَتّى أَخَذَهَا، وَلَمْ يَهَبْ ذَلِكَ، فَقَالَ الْمَلِكُ: ابْنِي وَالشّمْسِ!! مُتَعَجّبًا مِنْ عِزّةِ نَفْسِهِ وَصَرَامَتِهِ، ثُمّ قَالَ لَهُ: مَا اسْمُك يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ لَهُ: شاهَبُور، فَقَالَ لَهُ:
صَدَقْت! أَنْتَ ابْنِي، وَقَدْ سَمّيْتُك بِهَذَا الِاسْمِ، وَبُورُ: هُوَ الِابْنُ، وَشَاهَ: هُوَ الْمَلِكُ بِلِسَانِهِمْ، وَإِضَافَتُهُمْ مَقْلُوبَةٌ، يُقَدّمُونَ الْمُضَافَ إلَيْهِ عَلَى الْمُضَافِ، كَمَا تَقَدّمَ فِي «الْكَيّ» الْكَلِمَةُ الّتِي كَانَتْ فِي أَوَائِلِ أَسْمَاءِ الْمُلُوكِ الْكِينِيّةِ، فَكَانُوا يُضَافُونَ إلَى الْكَيّ، ثُمّ إنّ أَزْدَشِيرَ عَهِدَ إلَى ابْنِهِ شاهَبُور، وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ فِي قَوْلِ الْأَعْشَى:
أَقَامَ بِهِ شاهَبُور الْجُنُودَ ... حَوْلَيْنِ يَضْرِبُ فِيهِ الْقُدُم
ثُمّ غَيّرَتْ الْعَرَبُ هَذَا الِاسْمَ، فَقَالُوا: سَابُورُ، وَتَسَمّى بِهِ مُلُوكُ بَنِي سَاسَانَ مِنْهُمْ: سَابُورُ ذُو الْأَكْتَافِ الّذِي وَطِئَ أَرْضَ الْعَرَبِ، وَكَانَ يَخْلَعُ أَكْتَافَهُمْ، حَتّى مَرّ بِأَرْضِ بَنِي تَمِيمٍ، فَفَرّوا مِنْهُ «1» ، وَتَرَكُوا عَمْرَو بْنَ تَمِيمٍ.
وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثمِائَةِ سَنَةٍ، لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْفِرَارِ، وَكَانَ فِي قُفّةٍ «2» مُعَلّقًا مِنْ عَمُودِ الْخَيْمَةِ من الكبر، فأخذ، وجيئ به الملك، فاستنطقه سابور، فوجد عنده
__________
(1) يقول الطبرى: إن سابور ضرى بقتل العرب، ونزع أكتاف رؤسائهم إلى أن هلك، وكان سبب تسميتهم إياه ذا الأكتاف ص 60 ج 2 الطبرى ويذكر أن ملكه كان 72 سنة.
(2) كلمة مولدة وهى معروفة.

(1/149)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَأْيًا وَدَهَاءً، فَقَالَ لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ: لِمَ تَفْعَلُ هَذَا بِالْعَرَبِ؟ فَقَالَ: يَزْعُمُونَ أَنّ مُلْكَنَا يَصِلُ إلَيْهِمْ عَلَى يَدِ نَبِيّ يُبْعَثُ فِي آخِرِ الزّمَانِ، فَقَالَ عَمْرٌو: فَأَيْنَ حِلْمُ الْمُلُوكِ وَعَقْلُهُمْ؟! إنْ يَكُنْ هَذَا الْأَمْرُ بَاطِلًا فَلَا يَضُرّك، وَإِنْ يَكُنْ حَقّا أَلْفَاك، وَقَدْ اتّخَذْت عِنْدَهُمْ يَدًا، يُكَافِئُونَك عَلَيْهَا، وَيَحْفَظُونَك بِهَا فِي ذَوِيك، فَيُقَالُ: إنّ سَابُورَ انْصَرَفَ عَنْهُمْ، وَاسْتَبْقَى بَقِيّتَهُمْ، وَأَحْسَنَ إلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللهُ أَعْلَمُ:
وَأَمّا أبرويز بْنُ هُرْمُزَ- وَتَفْسِيرُهُ بِالْعَرَبِيّةِ: مُظَفّرٌ- فَهُوَ الّذِي كَتَبَ إلَيْهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَيَأْتِي طَرَفٌ مِنْ ذِكْرِهِ، وَهُوَ الّذِي عُرِضَ عَلَى اللهِ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ «1» ، فَقِيلَ لَهُ: سَلّمْ مَا فِي يَدَيْك إلَى صَاحِبِ الْهِرَاوَةِ، فَلَمْ يَزَلْ مَذْعُورًا مِنْ ذَلِكَ، حَتّى كَتَبَ إلَيْهِ النّعْمَانُ بِظُهُورِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتِهَامَةَ، فَعَلِمَ أَنّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَيْهِ، حَتّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، وَهُوَ الّذِي سُئِلَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا حُجّةُ اللهِ عَلَى كِسْرَى؟ فَقَالَ: إنّ اللهَ تَعَالَى أَرْسَلَ إلَيْهِ مَلَكًا، فَسَلَكَ يَدَهُ فِي جِدَارِ مَجْلِسِهِ، حَتّى أُخْرِجهَا إلَيْهِ، وَهِيَ تَتَلَأْلَأُ نُورًا «2» ، فَارْتَاعَ كِسْرَى، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: لِمَ تَرْعَ يَا كِسْرَى. إنّ اللهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولَهُ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ [دُنْيَاك وَآخِرَتَك] «3» ، فَقَالَ: سَأَنْظُرُ. ذَكَرَهُ الطّبَرِيّ، فى أعلام كثيرة من النبوة،
__________
(1) يردد مالا يصح!!
(2) انظر ص 190 ج 2 طبرى ط المعارف، وما هنا بينه وبين ما فى الطبرى اختلاف يسير وهى أسطورة!!
(3) الزيادة من الطبرى.

(1/150)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عُرِضَتْ عَلَى أبرويز أَضْرَبْنَا عَنْ الْإِطَالَةِ بِهَا، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَتَسَمّى أَيْضًا سَابُورُ بَعْدَ هَذَا سَابُورُ بْنِ أبرويز أَخُو شِيرَوَيْه، وَقَدْ مَلَكَ نَحْوًا مِنْ شَهْرَيْنِ فِي مُدّةِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَلَكَ أَخُوهُ شِيرَوَيْه نَحْوًا مِنْ سِتّةِ أَشْهُرٍ، ثُمّ مَلَكَتْ بُورَانُ أُخْتُهُمَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ مَلَكَتْهُمْ امْرَأَةٌ» «1» فَمَلَكَتْ سَنَةً، وَهَلَكَتْ وَتَشَتّتَ أَمْرُهُمْ كُلّ الشّتَاتِ. ثُمّ اجْتَمَعُوا عَلَى يَزْدَجْرِدْ بْنِ شَهْرَيَارَ، وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ غَلَبُوا عَلَى أَطْرَافِ أَرْضِهِمْ، ثُمّ كَانَتْ حُرُوبُ الْقَادِسِيّةِ مَعَهُمْ إلَى أَنْ قَهَرَهُمْ الْإِسْلَامُ، وَفُتِحَتْ بِلَادُهُمْ عَلَى يَدَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَاسْتُؤْصِلَ أَمْرُهُمْ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ «2» .
وَسَابُورُ تُنْسَبُ إلَيْهِ الثّيَابُ السّابِرِيّةُ «3» قَالَهُ الْخَطّابِيّ، وَزَعَمَ أَنّهُ مِنْ النّسَبِ الّذِي غُيّرَ، فَإِذَا نَسَبُوا إلَى نَيْسَابُورَ الْمَدِينَةِ، قَالُوا: نَيْسَابُورِيّ عَلَى الْقِيَاسِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنّ: نِيّ هِيَ: الْقَصَبُ، وَكَانَتْ مَقْصَبَةً، فَبَنَاهَا سَابُورُ مَدِينَة، فَنُسِبَتْ إلَيْهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
رُجُوعُهُ إلَى حَدِيثِ سَطِيحٍ وَذِي يَزَنَ فَصْلٌ: وَقَوْلُ سَطِيحٍ فِي حَدِيثِ رَبِيعَةَ: إرَمَ ذِي يَزَنَ، الْمَعْرُوفُ: سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ، وَلَكِنْ جَعَلَهُ إرَمًا، إمّا لِأَنّ الْإِرَمَ هو العلم فمدحه بذلك،
__________
(1) أحمد فى مسنده والبخارى والترمذى والنسائى عن أبى بكرة، وقال عنه السيوطى: صحيح، وفى روايته: لن بدلا من: لا.
(2) فى المراصد عن القادسية أنها فتحت فى عهد عثمان، وقيل: فى عهد عمر، ثم انتقضت، ففتحت ثانيا فى عهد عثمان على يد ابن عامر.
(3) والثياب السابرية نوع من أجود الثياب وأرقها يرغب فيه بأدنى عرض. ومنه عرض «بفتح العين وسكون الراء» سابرى يقوله: من يعرض عليه الشئ عرضا لا يبالغ فيه.

(1/151)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَإِمّا شَبّهَهُ بِعَادِ إرَمَ فِي عِظَمِ الْخَلْقِ وَالْقُوّةِ، قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: [أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ] بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ.
وَرَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ هَذَا هُوَ: أَحَدُ مُلُوكِ الْحِيرَةِ، وَهُمْ آلُ الْمُنْذِرِ، وَالْمُنْذِرُ هُوَ: ابْنُ مَاءِ السّمَاءِ، وَهِيَ: أُمّهُ عُرِفَ بِهَا، وَهِيَ من النّمر بن قاسطوابنه عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عُرِفَ بِأُمّهِ أَيْضًا، وَهِيَ بِنْتُ الْحَارِثِ «1» آكِلِ الْمِرَارِ جَدّ امْرِئِ الْقَيْسِ الشّاعِرِ، وَيُعْرَفُ عَمْرٌو بِمُحَرّقِ لِأَنّهُ حَرّقَ مَدِينَة، يُقَالُ لَهَا:
مَلْهَمٌ، وَهِيَ عِنْدَ الْيَمَامَةِ، وَقَالَ الْمُبَرّدُ وَالْقُتَبِيّ سُمّيَ: مُحَرّقًا، لِأَنّهُ حَرّقَ مِائَةً مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَذَكَرَ خَبَرَهُمْ «2» .
وَوَلَدُ نَصْرِ بْنِ رَبِيعَةَ هُوَ: عَدِيّ، وَكَانَ كَاتِبًا لِجَذِيمَةَ الْأَبْرَشِ، وَابْنُهُ:
عَمْرٌو، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ جَذِيمَةَ، وَيُكَنّى جَذِيمَةُ: أَبَا مَالِكٍ فِي قَوْلِ الْمَسْعُودِيّ، وَهُوَ مُنَادِمُ الْفَرْقَدَيْنِ، وَاسْمُ أُخْتِ جَذِيمَةَ: رَقَاشُ بنت مالك بن فهم بن غنم ابن دَوْسٍ، وَهُوَ الّذِي اخْتَطَفَتْهُ الْجِنّ، وَفِيهِ جَرَى المثل: شبّ عمرو
__________
(1) هى كما قيل أيضا بنت عمرو بن حجر الكندى آكل المرار أو مارية بنت ثعلبة.
(2) وفى جمهرة ابن حزم كذلك ص 22 أما فى الاشتقاق ص 435 فالمحرق هو: الحارث بن عمرو بن عامر، وقد عرف عمرو بأنه المحرق الثانى، لأنه ألقى بقتلى تميم فى النار أخذا بثأر أخيه، وقد لقب امرؤ القيس الأول ابن عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ بالمحرق الأول، ومحرق العرب، ومحرق الحرب، وفى التاريخ الخاص بالحيرة تصادفنا كلمة المحرق، ومحرق وآل محرق، وقد أطلقت-

(1/152)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَنْ الطّوْقِ. وَهُوَ قَاتِلُ الزّبّاءِ بِنْتِ عَمْرٍو «1» واسمها: نائلة فى قول
__________
- على الغساسنة أيضا، ويرى بعض مؤرخى الغرب أنها علم لأشخاص، وكان بين أصنام الجاهلية صنم يدعى: محرق. ومن الجاهليين من كان اسمه: عبد محرق، فلعله سمى بهذا تيمنا- فى ظنه- باسم الصنم، ويظهر أن محرقا كان من الشخصيات الجاهلية القديمة الواردة فى الأساطير «انظر ص 32 ج 4 تاريخ العرب قبل الإسلام» وفى اللسان عن آكل المرار: المرار شجر مر، ومنه: بنو آكل المرار قوم من العرب.. وآكل المرار معروف. قال أبو عبيد: أخبرنى ابن الكلبى: إن حجرا «بضم الحاء وإسكان الجيم» إنما سمى آكل المرار أن ابنة كانت له سباها ملك من ملوك سليح يقال له: ابن هبولة، فقالت له ابنة حجر: كأنك بأبى قد جاء كأنه جمل آكل المرار، يعنى: كاشرا عن أنيابه، فسمى بذلك، وقيل: إنه كان فى نفر من أصحابه فى سفر، فأصابهم الجوع، فأما هو فأكل من المرار حتى شبع ونجا، وأما أصحابه، فلم يطيقوا ذلك، حتى هلك أكثرهم، ففضل عليهم بصبره على أكله المرار.
(1) بمثل أسطورة خطف الجن للناس سيطر الدجاجلة على الذين لا دين لهم ولا عقل. والطوق: حلى للعنق وكل ما استدار بشئ والوسع والطوق. والمثل يضرب لمن يلابس ما هو دون قدره. والمثل مفصل فى مادة طوق من القاموس وفى باب الكاف من مجمع الأمثال للميدانى، وفى ص 614 ج 1 الطبرى. وغير هذه، وخلاصته أن عديا كان يخدم جذيمة مع غلمان من أبناء الملوك فأحبته رقاش أخت جذيمة، وطلبت منه أن يخطبها من أخيها، وهو فى سكره، ففعل، فلما أفاق جذيمة. وعلم بما حدث أنكره، وأقبل على رقاش قائلا:
حدثينى وأنت غير كذوب ... أبحرّ زنيت أم بهجين؟!
أم لعبد، وأنت أهل العبد ... أم بدون وأنت أهل لدون
قالت بل زوجتنى كفئا كريما من أبناء الملوك. - أو كما ورد فى الطبرى- بل أنت زوجتنى امرءا عربيا معروفا حسيبا، ولم تستأمرنى فى نفسى، ولم أكن مالكة لأمرى. وفى مروج الذهب أنها أجابته بقولها: -

(1/153)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الطّبَرِيّ وَيَعْقُوبَ بْنِ السّكّيتِ، وَمَيْسُونُ فِي قَوْلِ دُرَيْدٍ، وَاسْتَشْهَدَ الطّبَرِيّ بِقَوْلِ الشّاعِرِ «1» :
أَتَعْرِفُ مَنْزِلًا بَيْنَ الْمُنَقّى ... وَبَيْنَ مَجَرّ نَائِلَةَ الْقَدِيم
وَقَدْ أملينا فى غير هذا الموضع ذكر نسبها وطرفا من أخبارها.
__________
-
أنت زوجتنى وما كنت أدرى ... وأتانى النساء للتزيين
ذاك من شربك المدامة صرفا ... وتماديك فى الصبا والمجون
وهرب عدى ومات فى مهربه، وجاءت منه رقاش بغلام سماه جذيمة: عمرا وتبناه، وخرج الصبى ذات يوم، فضل عن العودة، ولبث زمانا مفقودا، ولهذا يزعمون أن الجن اختطفته، وهو حديث خرافة، ثم وجده رجلان فأتيا به إلى خاله، فاستطار به فرحا، وأرسل به إلى أمه، فأدخلته الحمام، وألبسته وطوقته طوقا كان له من ذهب، فلما رآه جذيمة قال: كبر عمرو عن الطوق والشطرة الأولى فى الطبرى: حدثينى وأنت لا تكذبينى. وكان بجذيمة برص، فتهيب العرب أن تسميه به، أو تنسبه إليه، فكنت عنه بالأبرش أو الوضاح. وقد قتل عمرو الزباء. لأنها قتلت خاله جذيمة غدرا. فاحتال بواسطة قصير حتى وصل إليها فى مكمنها ببلادها، فلما رأته شربت السم، وقالت «بيدى لا بيدك يا عمرو» فذهبت مثلا، ثم تلقاها عمرو، فجللها بالسيف فقتلها، والزباء هى نائلة بنت عمرو بن ظرب التى تولت الملك بعد مقتل أبيها بيد جذيمة الأبرش. وكان ملكها أرض الجزيرة، ومشارف بلاد الشام «انظر ص 617 وما بعدها ج 1 الطبرى» طبع المعارف، وقد اختلف المؤرخون المحدثون حولها فمنهم من ذهب إلى أنها عربية، وقيل هى عربية الأب مصرية الأم. والأكثرون على أنها عربية.
(1) هو القعقاع بن الدرماء الكلبى.

(1/154)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَخُو عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ: النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ ابْنُ مَامَةَ، وَكَانَ مُلْكُهُ بَعْدَ عَمْرٍو، وَفِي مُلْكُ عَمْرٍو وُلِدَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- «1» وفى زمن كسرى أنو شروان بْنِ قَبَاذٍ.
وَأَسْقَطَ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ هَذَا النّسَبِ رَجُلَيْنِ، وَهُمَا: النّعْمَانُ بْنُ امْرِئِ الْقَيْسِ وَأَبُوهُ: امْرُؤُ الْقَيْسِ «2» بْنُ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ. وَقَدْ قِيلَ، إنّ النّعْمَانَ هَذَا هُوَ أَخُو امْرِئِ الْقَيْسِ، وَمَلَكَ بَعْدَهُ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ النّعْمَانِ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ ذِكْرِ صَاحِبِ الْحَضْرِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَأَنّهُ الّذِي بَنَى الْخَوَرْنَقَ وَالسّدِيرَ.
قَوْمُ تُبّعٍ فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ «3» فِي نَسَبِ حَسّانِ: بْنِ تُبّانَ أَسْعَدَ: هُوَ تُبّانُ أَسْعَدَ. اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا، وَإِنْ شِئْت أَضَفْت كما تضيف معدى كرب، وإن شئت
__________
(1) المشهور أن النبى صلى الله عليه وسلم ولد سنة 571 ميلادية، وكان قابوس أخو عمرو فى الغارة على الشام سنة 567، م وقد قتل عمرو بن هند- كما هو مشهور- بيد الشاعر عمرو بن كلثوم، ومن الألقاب التى اشتهر بها عمرو بن هند: مضرط الحجارة، وشقيقاه لأمه: قابوس والمنذر واسم أم النعمان فى المطبوعة: «ابن مامة» ويقال: أمامه. والذى تولى الملك بعد عمرو- كما فى بعض الروايات- هو أخوه الشقيق قابوس «ص 82 ح 4 تاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد على مطبعة المجمع العلمى العراقى 1374- 1955
(2) ينسب ملك الحيرة إلى عمرو بن عدى، ثم إلى ابنه امرئ القيس الأول الذى نكل سابور بالعرب فى أيامه، ثم إلى ابنه عمرو، ثم إلى النعمان الأول بن امرئ القيس الذى ينسب إليه أكثر المؤرخين قصر الخورنق
(3) فى صفحة 156

(1/155)