الروض
الأنف ت الوكيل [كِفَالَةُ أَبِي طَالِبٍ لِرَسُولِ اللهِ
صَلّى الله عليه وسلم]
وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مَعَ
عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ-
يُوصِي بِهِ عمّه أبا طالب، وَذَلِكَ لِأَنّ عَبْدَ اللهِ أَبَا رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا طَالِبٍ أَخَوَانِ
لِأَبٍ وَأُمّ أُمّهُمَا: فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَائِذُ بْنُ
عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ [بن يقظة بن مرّة] .
قال ابن هاشم: عائذ بن عمران بن مخزوم.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ هُوَ الّذِي يَلِي أَمْرَ
رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ جَدّهِ، فَكَانَ
إلَيْهِ وَمَعَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
بْنِ الزّبَيْرِ، أَنّ أَبَاهُ حَدّثَهُ:
أَنّ رَجُلًا مِنْ لَهَبٍ- قَالَ ابْنُ هشام: ولهب: من أزدشنوءة- كان
عَائِفًا، فَكَانَ إذَا قَدِمَ مَكّةَ أَتَاهُ رِجَالُ قُرَيْشٍ
بِغِلْمَانِهِمْ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَيَعْتَافُ لَهُمْ فِيهِمْ. قَالَ:
فَأَتَى بِهِ أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ غُلَامٌ مَعَ مَنْ يَأْتِيهِ، فَنَظَرَ
إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمّ شَغَلَهُ
عَنْهُ شَيْءٌ، فَلَمّا فَرَغَ قَالَ: الْغُلَامُ. عَلَيّ بِهِ، فَلَمّا
رَأَى أَبُو طَالِبٍ حِرْصَهُ عَلَيْهِ غَيّبَهُ عَنْهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ:
وَيْلَكُمْ! رُدّوا عَلَيّ الْغُلَامَ الذى رأيت آنفا، فو الله لَيَكُونَنّ
لَهُ شَأْنٌ. قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَالِبٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/196)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفَاةُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ قَوْلُ صَفِيّةَ:
فَفَاضَتْ عِنْدَ ذَلِكُمْ دُمُوعِي ... عَلَى خَدّي كَمُنْحَدِرِ
الْفَرِيدِ
يُرْوَى: كَمُنْحَدِرِ بِكَسْرِ الدّالِ أَيْ: كَالدّرّ الْمُنْحَدِرِ،
وَمُنْحَدَرٌ بِفَتْحِ الدّالِ فَيَكُونُ التّشْبِيهُ رَاجِعًا لِلْفَيْضِ،
فَعَلَى رِوَايَةِ الْكَسْرِ: شَبّهَتْ الدّمْعَ بِالدّرّ الْفَرِيدِ،
وَعَلَى رِوَايَةِ الْفَتْحِ شَبّهَتْ الْفَيْضَ بِالِانْحِدَارِ.
وَقَوْلُهَا: أَبِيك الْخَيْرِ. أَرَادَتْ: الْخَيّرَ فَخَفّفَتْ، كَمَا
يُقَالُ: هَيْنٌ وهيّن، وفى التنزيل: (خَيْرَاتٌ حِسَانٌ) الرّحْمَنُ: 70.
وَكَانَ اسْمُ أُمّ الدّرْدَاءِ: خَيْرَةُ بِنْتُ أَبِي حَدْرَدٍ «1»
وَكَذَلِكَ أُمّ الْحَسَنِ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ، اسْمُهَا:
خَيْرَةُ، فَهَذَا مِنْ الْمُخَفّفِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَيْرُ
هَهُنَا هُوَ ضِدّ الشّرّ، جَعَلَتْهُ كُلّهُ خَيْرًا عَلَى الْمُبَالَغَةِ
كَمَا تَقُولُ: مَا زَيْدٌ إلّا عِلْمٌ أَوْ حُسْنٌ، وَمَا أَنْتَ إلّا
سَيْرٌ، وَهُوَ مَجَازٌ حَسَنٌ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يُثَنّى ولا
يجمع ولا يؤنّث، فيقال: خيرة.
__________
(1) هى صحابية، وكانت زوجا لأبى الدرداء. وكانت له زوجتان كل واحدة منهما
كنيتها: أم الدرداء، وهما كبرى وصغرى. والكبرى: هى الصحابية، والصغرى:
تابعية، وهى التى روت فى الصحيح. أما الكبرى فليس لها فى الصحيحين حديث،
وهى خيرة بنت أبى حدرد، واسمه: سلامة بن عمير، وهى أسلمية وفى القاموس: أبو
الحدرد الأسلمى: صحابى، ولم يجىء فعلع بتكرير العين غيره. والحدرد: القصير.
(2/197)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهَا: وَلَا شَخْتِ الْمَقَامِ وَلَا سَنِيدِ: الشّخْتُ: [الدّقِيقُ
الضّامِرُ لَا هُزَالًا] ضِدّ الضّخْمِ، تَقُولُ: لَيْسَ كَذَلِكَ،
وَلَكِنّهُ ضَخْمُ الْمَقَامِ ظَاهِرُهُ. وَالسّنِيدُ:
الضّعِيفُ الّذِي لَا يَسْتَقِلّ بِنَفْسِهِ، حَتّى يُسْنَدُ رَأْيُهُ إلَى
غَيْرِهِ.
وَقَوْلُهَا: خَضَارِمَةٍ مَلَاوِثَةٍ. مَلَاوِثَةٌ: جَمْعُ مِلْوَاثٍ «1»
مِنْ اللّوْثَةِ، وَهِيَ الْقُوّةُ، كَمَا قَالَ الْمُكَعْبَرُ:
عِنْدَ الْحَفِيظَةِ إنْ ذُو لَوْثَةٍ لَاثَا
وَقَدْ قِيلَ: إنّ اسْمَ اللّيْثِ مِنْهُ أُخِذَ، إلّا أَنّ وَاوَه
انْقَلَبَتْ يَاءً؛ لِأَنّهُ فَيْعَلٌ، فَخُفّفَ كَمَا تَقَدّمَ: فِي
هَيْنٍ وَهَيّنٍ، وَلَيْنٍ وَلَيّنٍ.
وَقَوْلُ بَرّةَ:
أَتَتْهُ الْمَنَايَا فَلَمْ تُشْوِهِ
أَيْ: لَمْ تُصِبْ الشّوَى «2» ، بَلْ أَصَابَتْ الْمَقْتَلَ، وَقَدْ
تَقَدّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَضَرْبِهِ بِالْقِدَاحِ عَلَى
عَبْدِ اللهِ، وَكَانَ يَرَى أَنّ السّهْمَ إذَا خَرَجَ عَلَى غَيْرِهِ
أَنّهُ قَدْ أُشْوِيَ، أَيْ: قَدْ أَخْطَأَ مَقْتَلَهُ، أَيْ: مقتل عبد
المطلب وابنه،
__________
(1) فى اللسان: الملاث بفتح الميم والملوث: السيد الشريف والشيظمى: الفتى
الجسم. والخضارمة: جمع خضرم بكسر الخاء والراء: الكثير العطاء. النكس:
الضعيف الذى لا خير فيه. الحرود: الناقة القليلة الدر.
(2) الشواة: جلدة الرأس، والشوى: اليدان والرجلان والأطراف، وما كان غير
مقتل.
(2/198)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَمَنْ رَوَاهُ: أَشْوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ فَالسّهْمُ هُوَ الّذِي أَشْوَى
وَأَخْطَأَ، وَبِكِلَا الضّبْطَيْنِ وَجَدْته، وَيُقَالُ أَيْضًا: أَشْوَى
الزّرْعُ: إذَا أَفْرَكَ «1» فَالْأَوّلُ مِنْ الشّوَى، وَهَذَا مِنْ
الشّيّ بِالنّارِ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَوْلُ عَاتِكَةَ: وَمِرْدَى الْمُخَاصِمِ «2» ، الْمِرْدَى: مِفْعَلٌ
مِنْ الرّدَى، وَهُوَ الْحَجَرُ الّذِي يَقْتُلُ مَنْ أُصِيبَ بِهِ، وَفِي
الْمَثَلِ: كُلّ ضَبّ عِنْدَهُ مِرْدَاتُهُ «3» [أَيْ:
يَقْرُبُ مِنْهُ حَتْفُهُ، لِأَنّهُ يُرْمَى بَهْ فَيُقْتَلُ]
وَقَوْلُهَا: وَفٍ. أَيْ: وَفِيّ، وَخُفّفَ للضرورة، وقولها: عُدْمِلِيّ.
الْعُدْمِلِيّ:
[وَالْعُدَامِلُ وَالْعُدَامِلِيّ] الشّدِيدُ. وَاللهَام: فَعَالٍ مِنْ
لَهِمْت الشّيْءَ أَلْهَمُهُ: إذَا، ابْتَلَعْته، قَالَ الرّاجِزُ:
[رُؤْبَةُ بْن الْعَجّاجِ] .
كَالْحُوتِ لَا يَرْوِيهِ شَيْءٌ يَلْهَمُهْ ... يُصْبِحُ عَطْشَانًا «4»
وَفِي الْبَحْرِ فَمُهْ
ومنه سمى الجيش: لهاما
__________
(1) أفرك: حان له أن يفرك. وفى اللسان: أشوى القمح: أفرك، وصلح أن يشوى.
(2) هذا والخيم فى قصيدة برة: السجية والطبيعة. وطيب المعتصر: جواد حين
يسأل.
(3) فى الأصل: عند. وفى مجمع الأمثال وسمط اللالىء: «عنده» . والمرداة:
الحجر الذى يرمى به، والضب قليل الهداية. فلا يتخذ جحره إلا عند حجر يكون
علامة له. فمن قصده. فالحجر الذى يرمى الضب به يكون بالقرب منه. فمعنى
المثل: لا تأمن الحدثان والغير. فإن الافات معدّة مع كل أحد: يصرب لمن
بتعرض للهلكسة.
(4) فى ديوان رؤبة: ظمان. وانظر ص 343 ح 4 خزانة البغدادى.
(2/199)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهَا: عَلَى الْجَحْفَلِ. جَعَلَتْهُ كَالْجَحْفَلِ، أَيْ: يَقُومُ
وَحْدَهُ مَقَامَهُ، وَالْجَحْفَلُ: لَفْظٌ مَنْحُوتٌ مِنْ أَصْلِينَ،
مِنْ: جَحَفَ وَجَفَلَ، وَذَلِك أَنّهُ يُجْحِفُ مَا يَمُرّ عَلَيْهِ أَيْ:
يُقَشّرُهُ وَيَجْفِلُ: أَيْ يَقْلَعُ «1» وَنَظِيرُهُ نَهْشَلُ: الذّئْبُ،
هُوَ عِنْدَهُمْ مَنْحُوتٌ مِنْ أَصْلَيْنِ أَيْضًا، مِنْ: نَهَشْت
اللّحْمَ وَنَشَلْته «2» وَعَاتِكَةُ: اسْمٌ مَنْقُولٌ مِنْ الصّفَاتِ،
يُقَالُ: امْرَأَةٌ عَاتِكَةٌ، وَهِيَ الْمُصَفّرَةُ لِبَدَنِهَا
بِالزّعْفَرَانِ وَالطّيبِ. وَقَالَ الْقُتَبِيّ: عَتَكَتْ الْقَوْسُ: إذَا
قَدُمَتْ «3» وَبِهِ سُمّيَتْ الْمَرْأَةُ.
وَالْقَوْلُ الْأَوّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَوْلُ أَرْوَى: وَمَعْقِلُ مَالِكٍ وَرَبِيعُ فِهْرٍ. تُرِيدُ: بَنِي
مَالِكِ بن النضر ابن كِنَانَةَ. وَقَوْلُهَا: بِذِي رُبَدٍ. تُرِيدُ:
سَيْفًا ذَا طَرَائِقَ. وَالرّبَدُ: الطّرَائِقُ.
وَقَالَ صَخْرٌ الْغَيّ [الْهُذَلِيّ] :
وَصَارِمٌ أُخْلِصَتْ خَشِيبَتُهُ ... أَبْيَضُ مَهْوٌ فِي مَتْنِهِ ربد
«4»
__________
(1) يجفل فى اللسان ويجحف: يقشر: وفى الأصل: حجف بدلا من جحف، وهذه أثبتها
لخطأ الأولى.
(2) نهشه: كمنعه، نهسه. والنهس: أخذ اللحم بمقدم الأسنان ونتفه. ونشل
اللحم: أخرجه من القدر بيده بلا مغرفة، أو أخذ بيده عضوا، فتناول ما عليه
من اللحم بفيه.
(3) فى القاموس: عتك القوس عتكا. وعتوكا، فهى عاتك: احمرت قدما، وكذلك فى
اللسان.
(4) خشيبة فى الأصل: خشيشة، وهو خطأ صوبته من اللسان. والخشيبة: الطبيعة
أخلصتها المداوس والصقل، يقال: خشب السيف: طبعه أو صقله. المهو: السيف
الرقيق الشفرتين، وهى على وزن فلع، لأنها مقلوبة من موه، لأنها من الماء
الذى لامه
(2/200)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُ عَاتِكَةَ: تَبَنّكَ فِي بَاذِخٍ بَيْتُهُ. أَيْ: تَبَنّكَ
بَيْتُهُ فِي بَاذِخٍ مِنْ الشّرَفِ، وَمَعْنَى تَبَنّكَ: تَأَصّلَ مِنْ
الْبُنْكِ وَهُوَ: الْأَصْلُ. وَالْبُنْكُ أَيْضًا:
ضَرْبٌ مِنْ الطّيبِ، وَهُوَ أَيْضًا عُودُ السوس «1» [شجر يغمى به البيوت،
__________
هاء، بدليل قولهم فى جمعه: أمواه. والربد: شبه غبار أو مدب نمل فى جوهره
وقيل: الخشب الذى فى السيف هو أن يضع عليه سنانا عريضا أملس، فيدلكه به.
والمعنى: أن هذا السيف أرق حتى صار كالماء فى رقته. والبيت فى اللسان فى
مادة خشب: ومرهف- برفعها ورفع أبيض- ومهو. وفى مادة: مها «وصارم» كما فى
الروض، وقد ورد البيت فى معجم ابن فارس فى مادة ربد كما فى الروض وقال عن
الربد: «فأما ربد السيف فهو فرند ديباجته، وهى هذلية» . وقال فى مهو: «وسيف
مهو: رقيق الحد كأنه يمر فى الضريبة مر الماء» واللسان يرويه فى مادتى ربد
ومهو كما ذكر الأستاذ عبد السلام هارون فى تعليقه على معجم ابن فارس. ويوجد
البيت فى ديوان الهذليين وشرح السكرى للهذليين.. ومن معانى قصيدة عاتكة:
اسحنفرا: صبا الدموع بكثرة. الالتدام: ضرب النساء وجوههن فى النياحة.
استخرط الرجل فى البكاء: لج فيه. الكهام: الرجل الكليل السن. ومن معانى
قصيدة أم حكيم: استهلى، أظهرى البكاء. التيار: معظم الماء. والفرات: الماء
العذب. الهبرزىّ: الحاذق فى أموره. تشتجر العوالى: تختلط الرماح فى الحرب.
الهنات: جمع هنة، وهى كناية عن القبيح. ولا تسمى، أرادت: ولا تسأمى. ومن
غريب شعر أميمة: ذو الفقد: الفياض الكثير العطاء، فإنى لباك: أخبرت عن
نفسها إخبار المذكر على معنى الشخص. ومن غريب شعر أروى، السجية: الطبيعة،
أبطحى: نسبة إلى بطحاء مكة، وهو الموضع السهل منها. الأقب: الضامر. الكشح:
الخصر.
(1) فى اللسان وفى القاموس ما وضعته بين قوسين عن عود السوس، ويقول الأزهرى
عن البنك: إنها فارسية ومعناها: الأصل. ولهذا يقول ابن فارس فى مادة بنك:
كلمة واحدة وهو قولهم: تبنك بالمكان، أقام به.
(2/201)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَيَدْخُلُ عَصِيرُهُ فِي الْأَدْوِيَةِ، وَفِي عُرُوقِهِ حَلَاوَةٌ
شَدِيدَةٌ، وَفِي فُرُوعِهِ مَرَارَةٌ] .
وَقَوْلُهُ: فَأَشَارَ إلَيْهِنّ بِرَأْسِهِ، وَقَدْ أَصْمَتَ بِفَتْحِ
الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ، هَكَذَا قَيّدَهُ الشّيْخُ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ،
وَيُقَالُ: صَمَتَ وَأَصْمَتَ، وَسَكَتَ وَأَسْكَتَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ،
[وَسَمَحَ وَأَسْمَحَ، وَعَصَفَتْ الرّيحُ وَأَعْصَفَتْ، وَطَلَعْت عَلَى
الْقَوْمِ وَأَطْلَعْت. ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي أَدَبِ الْكَاتِبِ] .
أَبُو جَهْمٍ:
وَذَكَرَ شِعْرَ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ الْعَدَوِيّ، وَهُوَ وَالِدُ
أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ «1» ، وَاسْمُ أَبِي جهم: عبيد، وهو الذى
أهدى الخميصة «2»
__________
(1) قال البخارى وجماعة: اسمه عامر، وكنيته فى الإصابة: أبو الجهم. وأبو
جهم من المعمرين، وفى نسب قريش: أبو جهم بن حذيفة بن غانم، بن عامر، ابن
عبد الله بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ، بْنِ عَدِيّ بْنِ كعب القرشى
العدوى. وقد ضبط النووى عبيد بفتح العين، وضبطت فى النسب بضمها. انظر ص 369
نسب قريش، وترجمة أبى جهم فى التهذيب للنووى.
(2) الخميصة، ثوب حر، أو صوف معلم، وقيل: لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء
معلة، وكانت من لباس الناس قديما. وهو يشير إلى ما روى فى الصحيحين من طريق
عروة عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: صلى النبى- صلى الله عليه وآله
وسلم- فى خميصة لها أعلام، فقال: اذهبوا بخميصتى هذه إلى أبى جهم، وائتونى
بأنبجانية أبى جهم، فإنها ألهتنى آنفا عن صلاتى. والأنبجانية- بفتح الباء
وكسرها وفتح الهمزة- نسبة إلى منبج أو أنبجان، وهو كساء يتخذ من الصوف، وله
خمل [القطيفة أو أهدابها] ، ولا علم له، وهى من أدون الثياب الغليظة. وإنما
طلب الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأنبجانية لئلا يؤثر رد الهدية- وهى
الخميصة- فى قلبه.
(2/202)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَظَرَ إلَى
عَلَمِهَا. الْحَدِيثُ. وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى
وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِخَمِيصَتَيْنِ، فَأَعْطَى إحْدَاهُمَا أَبَا جَهْمٍ،
وَأَمْسَكَ الْأُخْرَى، وَفِيهَا عَلَمٌ، فَلَمّا نَظَرَ إلَى عَلَمِهَا
فِي الصّلَاةِ أَرْسَلَهَا إلَى أَبِي جَهْمٍ، وَأَخَذَ الْأُخْرَى بَدَلًا
مِنْهَا، هَكَذَا رَوَاهُ الزّبَيْرُ «1» . وَأُمّ أَبِي جَهْمٍ: يسيرة بنت
عبد الله بن أذاة ابن رِيَاحٍ، وَابْنُ أَذَاةَ: هُوَ خَالُ أَبِي
قُحَافَةَ، وَسَيَأْتِي نَسَبُ أُمّهِ، وَقَدْ قِيلَ:
إنّ الشّعْرَ لَحُذَافَةَ بْنِ غَانِمٍ، وَهُوَ أَخُو حُذَيْفَةَ وَالِدُ
خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ، وَلَهُ يَقُولُ فِيهِ: أَخَارِجُ إنْ أَهْلِكْ.
وَفِي الشّعْرِ: غَيْرُ نِكْسٍ وَلَا هَذْرٍ. النّكْسُ مِنْ السّهَامِ:
الّذِي نُكّسَ فِي الْكِنَانَةِ لِيُمَيّزَهُ الرّامِي، فَلَا يَأْخُذُهُ
لِرَدَاءَتِهِ. وَقِيلَ:
الّذِي انْكَسَرَ أَعْلَاهُ، فَنُكّسَ وَرُدّ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ، وهو
غير جيد للرمى.
وقوله: لاتبور ولاتحرى. أَيْ: لَا تَهْلِكُ وَلَا تُنْقَصُ، وَيُقَالُ
لِلْأَفْعَى: حَارِيَةٌ لِرِقّتِهَا «2» وَفِي الْحَدِيثِ: مَا زَالَ
جِسْمُ أَبِي بَكْرٍ يَحْرِي حُزْنًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ: يَنْقُصُ لَحْمُهُ، حَتّى مَاتَ،
وَالْإِجْرِيّاءُ: السّيرَةُ وَهِيَ إفْعِيلَاءُ مِنْ الْجَرْيِ «3» ،
وَلَيْسَ لَهَا نَظِيرٌ فِي الْأَبْنِيَةِ إلّا الإهجيرا فى معنى
__________
(1) رواه مرسلا.
(2) هى التى كبرت، ونقص جسمها، ولم يبق إلا رأسها ونفسها وسمها.
(3) فى الأصل: إحرياء والحرى بالحاءه وهو خطأ صوابه ما أثبته. والإجرياء فى
اللسان: الوجه الذى تأخذ فيه، وتجرى عليه. وتقصر وتمد.
(2/203)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْهِجّيرَى «1»
وَفِيهَا قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِهَا إلّا شُيُوخُ بَنِي عَمْرِو. يُرِيدُ:
بَنِي هَاشِمٍ؛ لِأَنّ اسْمَهُ عَمْرٌو.
وَفِيهَا: غَيْرُ عُزّلٍ، وَهُوَ: جَمْعُ أَعْزَلَ، وَلَا يُجْمَعُ
أَفْعَلُ عَلَى فُعّلٍ، وَلَكِنْ جَاءَ هَكَذَا؛ لِأَنّ الْأَعْزَلَ فِي
مُقَابَلَةِ الرّامِحِ «2» وَقَدْ يَحْمِلُونَ الصّفَةَ عَلَى ضِدّهَا،
كَمَا قَالُوا: عَدُوّةُ- بِتَاءِ التّأْنِيثِ- حَمْلًا عَلَى صَدِيقَةٍ،
وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَجْرَاهُ مَجْرَى: حُسّرٍ جَمْعُ: حَاسِرٍ؛
لِأَنّهُ قَرِيبٌ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى «3»
تَهَامٌ وَشَآمٌ:
وَقَوْلُهُ: فَسِرْنَا تِهَامِيّ الْبِلَادِ مُخَفّفًا مِثْلَ يَمَانِيَا،
وَالْأَصْلُ فِي يَمَانٍ: يَمَنِيّ، فَخَفّفُوا الْيَاءَ، وَعَوّضُوا
مِنْهَا أَلِفًا، وَالْأَصْلُ فِي تَهَامِ: تِهَامِيّ بِكَسْرِ التّاءِ
مِنْ تَهَامِيّ لِأَنّهُ مَنْسُوبٌ إلَى تِهَامَةَ «4» وَلَكِنّهُمْ
حَذَفُوا إحْدَى الْيَاءَيْنِ، كَمَا فَعَلُوا فِي يمان
__________
(1) الدأب والعادة والقول السىء وكثرة الكلام. ولا تكاد تستعمل إلا فى
العادة الذميمة.
(2) فى اللسان: العزل «بضم العين والزاى» والأعزل الذى لا سلاح معه، فهو
يعتزل الحرب. أو الذى لارمح معه. وجمعهما أعزال وعزل وعزلان، وعزّل.
والأعزل والرامح: نجمان نيران. قال الأزهرى: وفى نجوم السماء سما كان،
أحدهما: السماك الأعزل، والاخر: السماك الرامح. وفى شرح الشافية للرضى.
«المطرد فى تكسير أفعل: فعلاء. وفى مؤنثه: فعل، ولا يضم عينه إلا لضرورة
الشعر، ويجىء فعلان أيضا كثيرا. كسودان وبيضان» .
(3) الحاسر: من لا مغفر له ولا درع، أولا جنة له.
(4) تهامة: تساير البحر. منها: مكة. وقيل: طرف تهامة من قبل الحجاز:
(2/204)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفَتَحُوا التّاءَ مِنْ تَهَامٍ لَمّا حَذَفُوا الْيَاءَ مِنْ آخِرِهِ،
لِتَكُونَ الْفَتْحَةُ فِيهِ كَالْعِوَضِ مِنْ الْيَاءِ، كَمَا كَانَتْ
الْأَلِفُ فِي يَمَانٍ، وَكَذَلِكَ الْأَلِفُ فِي شَآمٍ بِفَتْحِ
الْهَمْزَةِ، وَأَلِفٍ بَعْدَهَا عِوَضًا مِنْ الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ،
فَإِنْ شَدّدْت الْيَاءَ مِنْ شَآمٍ قُلْت: شَأْمِيّ بِسُكُونِ
الْهَمْزَةِ، وَتَذْهَبُ الألف التى كانت عوضا من الياء لِرُجُوعِ الْيَاءِ
الْمَحْذُوفَةِ، وَلَا تَقُولُ فِي غَيْرِ النّسَبِ: شَآمٌ بِالْفَتْحِ
وَالْهَمْزِ، وَلَا فِي النّسَبِ إذا شددت «1»
__________
مدارج العرج، وأول تهامة قبل نجد: ذات عرق، وقيل: يخرج من مكة، فلا يزال فى
تهامة حتى يبلغ عسفان.
(1) هذا من النسب المسموع، ويتميز هذا النوع بتخفيف ياء النسب المشددة،
والإتيان بألف للتعويض عنها قبل لام الكلمة. فيقال فى يمنىّ: يمانى وفى
شامىّ: شامى بياء واحدة ساكنة فيها. وبهذا يصير الاسم منقوصا، فتقول: قام
اليمانى، ورأيت اليمانى، ومررت باليمانى. ولا تجتمع ألف التعويض مع الياء
إلا شذوذا فى ضرورة الشعر. ويستحسن الاقتصار على المسموع. ولم يرد غير يمان
وشام وتهام وزاد الجوهرى فى الصحاح: نباطى ونباط، وفى اللسان: ورجل شام
وتهام إذا نسبت إلى تهامة والشأم، وكذلك: رجل يمان، زادوا ألفا فخففوا ياء
النسبة. وفيه أيضا عن تهامة: والنسبة إليه تهامىّ بكسر التاء وتشديد الياء،
وتهام بفتح التاء على غير قياس، كأنهم بنوا الاسم على تهمىّ أو تهمىّ، ثم
عوضوا الألف قبل الطرف من إحدى الياءين اللاحقتين بعدها. ويقول الجوهرى:
إذا فتحت التاء فى تهام لم تشدد، كما قالوا: يمان وشام إلا أن الألف فى
تهام من لفظها والألف فى يمان وشام عوض من ياءى النسبة. وفى شرح الشافية ص
83 ح 2: «وقالوا: يمان وشام وتهام. ولا رابع لها. والأصل: يمنى وشأمى وتهمى
فحذف فى الثلاثة إحدى ياءى النسبة، وأبدل منها الألف، وجاء: يمنى وشأمى على
الأصل، وجاء تهامى بكسر التاء وتشديد الياء منسوبا إلى تهامة، وجاء يمانى
وشأمى
(2/205)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْيَاءَ شَأْمِيّ. وَسَأَلْت الْأُسْتَاذَ أَبَا الْقَاسِمِ بْنِ
الرّمّاكِ- وَكَانَ إمَامًا فِي صَنْعَةِ الْعَرَبِيّةِ عَنْ الْبَيْتِ
الّذِي أَمْلَاهُ أَبُو عَلِيّ فِي النّوَادِرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
[أَتَظْعَنُ عَنْ حَبِيبِك ثُمّ تَبْكِي ... عَلَيْهِ، فَمَنْ دَعَاك إلَى
الْفِرَاقِ]
[كَأَنّك لَمْ تَذُقْ لِلْبَيْنِ طَعْمًا ... فَتَعْلَمَ أَنّهُ مُرّ
الْمَذَاقِ]
[أَقِمْ وَانْعَمْ بِطُولِ الْقُرْبِ مِنْهُ ... وَلَا تُظْعِنْ فَتُكْبَتَ
بِاشْتِيَاقِ]
فَمَا اعْتَاضَ الْمُفَارِقُ مِنْ حَبِيبٍ ... وَلَوْ يُعْطَى الشّآمَ مَعَ
الْعِرَاقِ
فَقَالَ: مُحَدّثٌ، وَلَمْ يَرَهُ حُجّةً. وَكَذَلِكَ وَجَدْت فِي شِعْرِ
حَبِيبٍ: الشّآمُ بِالْفَتْحِ كَمَا فِي هَذَا الْبَيْتِ. وَلَيْسَ
بِحُجّةِ أَيْضًا.
[فِي اللّسَانِ: «وَقَدْ جَاءَ الشّآمُ لُغَةٌ فِي الشّأْمِ قَالَ
الْمَجْنُونُ:
وَخُبّرْت لَيْلَى بِالشّآمِ مَرِيضَةً ... فَأَقْبَلْت مِنْ مِصْرَ
إلَيْهَا أَعُودُهَا
وَقَالَ آخَرُ:
أَتَتْنَا قُرَيْشٌ قَضّهَا بِقَضِيضِهَا ... وَأَهْلُ الْحِجَازِ
وَالشّآمِ تَقَصّفُ «1»
] وَقَوْلُهُ:
حَذْفُ الْيَاءِ مِنْ هَاءِ الْكِنَايَةِ:
حَذْفُ الْيَاءِ مِنْ هَاءِ الْكِنَايَةِ بِأَمِنِهِ حَتّى خَاضَتْ
الْعِيرُ فِي الْبَحْرِ*
__________
وكأنهما منسوبان إلى يمان وشام المنسوبين بحذف ياء النسبة دون ألفها. إذ لا
استثقال فيه كما استثقل النسبة إلى ذى الياء المشددة لو لم تحذف. والمراد
بيمان وشام فى هذا موضع منسوب إلى الشأم واليمن، فينسب الشىء إلى هذا
المكان المنسوب. ويجوز أن يكون يمانى وشامى جمعا بين العوض والمعوض عنه وأن
يكون الألف فى يمانى للاشباع» وانظر المزهر للسيوطى ص 101 ح 2
(1) عن اللسان والأمالى
(2/206)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ضَرُورَةٌ، كَمَا أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ: سَأَجْعَلُ عَيْنَيْهِ لِنَفْسِهِ
مَقْنَعَا «1» * فِي أَبْيَاتٍ كَثِيرَةٍ أَنْشَدَهَا سِيبَوَيْهِ، وَهَذَا
مَعَ حَذْفِ الْيَاءِ وَالْوَاوِ، وَبَقَاءِ حَرَكَةِ الْهَاءِ، فَإِنْ
سُكّنَتْ الْهَاءُ بَعْدَ الْحَذْفِ، فَهُوَ أَقَلّ فِي الِاسْتِعْمَالِ
مِنْ نَحْوِ هَذَا، وَأَنْشَدُوا:
وَنِضْوَايَ مُشْتَاقَانِ لَهُ أَرِقَانِ «2»
وَهَذَا الّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ فِي الْقِيَاسِ أَقْوَى؛ لِأَنّهُ مِنْ
بَابِ حَمْلِ الْوَصْلِ عَلَى الْوَقْفِ نَحْوَ قَوْلِ الرّاجِزِ:
لَمّا رَأَى أَنْ لَا دَعَةَ وَلَا شِبَعْ
وَمِنْهُ فِي التّنْزِيلِ كَثِيرٌ نَحْوَ إثْبَاتِ هَاءِ السّكْتِ فِي
الْوَصْلِ، وَإِثْبَاتِ الْأَلِفِ مِنْ أَنَا، وَإِثْبَاتِ أَلِفِ
الْفَوَاصِلِ نَحْوَ: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا الْأَحْزَابُ:
100 وَهَذَا الّذِي ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ الضّرُورَةِ فِي هَاءِ
الْإِضْمَارِ إنّمَا هُوَ إذَا تَحَرّكَ مَا قَبْلَهَا نَحْوَ: بِهِ
وَلَهُ، وَلَا يَكُونُ فِي هَاءِ الْمُؤَنّثِ الْبَتّةَ لِخَفّةِ
الْأَلِفِ، فَإِنْ سَكَنَ مَا قَبْلَ الْهَاءِ نَحْوَ: فِيهِ وَبَنِيهِ
كَانَ الحذف أحسن من الإثبات؛ فإن قلت
__________
(1) الشعر لمالك بن خريم الهمدانى وهو:
فإن يك غثا أو سمينا فإننى ... سأجعل عينيه لنفسه مقنعا
أراد لنفسهى، فحذف الياء ضرورة فى الوصل تشبيها بها فى الوقف إذ قال:
لنفسه. يصف ضيفا فيقول: إنه يقدم إليه ما عنده من القرى ويحكمه فيه، ليختار
منه أفضل ما تقع عليه عيناه، فيقنع بذلك انظر ص 10 ح 1 الكتاب لسيبويه ط 1.
(2) النضو: البعير المهزول والناقة.
(2/207)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَقَدْ قَرَأَ عِيسَى بْنُ مِينَا: نُصْلِهِ وَيُؤَدّهِ وأرجه «1» ونحو ذلك
فى اثنى عشر
__________
(1) يعنى الايات القرآنية: (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما
تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى، وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ
نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى، وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ، وَساءَتْ مَصِيراً) النساء:
115 و: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ
يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا
يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) آل عمران: 75 و:
(قالُوا: أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ)
الأعراف: 111. وفى «يؤده ونصله» خمس قراآت. إحداها: بكسر الهاء، وصلتها
بياء فى اللفظ، والثانية: بكسر الهاء من غير ياء. اكتفى بالكسرة عن الياء
لدلالتها عليها، ولأن الأصل ألا يزاد على الهاء شىء كبقية الضمائر،
والثالثة: إسكان الهاء، وذلك أنه أجرى الوصل مجرى الوقف، وهو ضعيف، وحق هاء
الضمير الحركة، وإنما تسكن هاء السكت، والرابعة: ضم الهاء وصلتها بواو فى
اللفظ على تبيين الهاء المضمومة بالواو، لأنها من جنس الضمة كما بينت
المكسورة بالياء. والخامسة: ضم الهاء من غير واو لدلالة الضمة عليها، ولأنه
الأصل، ويجوز تحقيق الهمزة وإبدالها واوا للضمة قبلها. وأرجه يقرأ بالهمزة
وضم الهاء من غير إشباع «أرجئه» وهو الجيد، وبالإشباع وهو ضعيف، ويقرأ بكسر
الهاء مع الهمزة وهو ضعيف، ويقرأ من غير همزة من أرجيت بالياء، ثم منهم من
يكسر الهاء ويشبعها ومن لا يشبعها. ومنهم من يسكنها. هذا، ومن معانى مفردات
قصيدة حذيفة- كما ذكر الخشنى: السبل: المطر: كل شارق: عند طلوع الشمس.
سحّا: صبا. جمّا: أجمعا وأكثرا. واسجما: أسبلا. والحفيظة: الغضب مع عزة.
والهذر: الكثير الكلام فى غير فائدة. البهلول: السيد. واللهى: العطايا. وفى
رواية: الندى، وأخرى: النهى. والنجر: الأصل. والمجحفات: التى نذهب
بالأموال. والغبر: السنين المقحطات. وسراة: خيار. غالته: ذهبت به. النقيبة:
النفس وميمون النقيبة: يسعد فيما يتوجه له. مصاليت: شجعان. ردينية: رماح.
حباء: عطاء. هجان اللون: بيض. والإجريا: ما يجرى عليه من أبغال آبائه
ويتعوده. وفى القاموس: الوجه الذى تأخذ فيه وتجرى عليه. وهى بالمد
(2/208)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
موضعا بحذف الياء، وقبل الْهَاءُ مُتَحَرّكٌ، فَكَيْفَ حَسُنَ هَذَا؟
قُلْنَا: إنّ مَا قَبْلَ الْهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ سَاكِنٌ، وَهُوَ
الْيَاءُ مِنْ نُصْلِيه وَيُؤَدّيه وَيُؤْتِيه، وَلَكِنّهُ حُذِفَ
لِلْجَازِمِ، فَمَنْ نَظَرَ إلَى اللّفْظِ، وَأَنّ مَا قَبْلَ الْهَاءِ
مُتَحَرّكٌ أَثْبَتَ الْيَاءَ كَمَا أَثْبَتَهَا فِي:
بِهِ وَلَهُ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى الْكَلِمَةِ قَبْلَ دُخُولِ الْجَازِمِ،
رَأَى مَا قَبْلَ الْهَاءِ سَاكِنًا، فَحَذَفَ الْيَاءَ، فَهُمَا وَجْهَانِ
حَسَنَانِ بِخِلَافِ مَا تَقَدّمَ
مِنْ شَرْحِ قَصِيدَةِ حُذَيْفَةَ:
وَذُكِرَ فِي هَذَا الشّعْرِ: وَأَسْعَدُ قَادَ النّاسَ. وَهُوَ أَسْعَدُ
أَبُو حَسّانَ بْنِ أَسْعَدَ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي التّبَابِعَةِ،
وَكَذَلِكَ أَبُو شِمْرٍ، وَهُوَ شِمْرٌ الّذِي بَنَى سَمَرْقَنْدَ «1» ،
وَأَبُوهُ: مَالِكٌ، يُقَالُ لَهُ: الْأُمْلُوكُ «2» ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ أَرَادَ أَبَا شمر الغسّانىّ والد الحرث بْنِ أَبِي شِمْرٍ.
وَعَمْرُو بْنُ مَالِكٍ الّذِي ذُكِرَ أَحْسَبُهُ عَمْرًا ذَا
الْأَذْعَارِ، وَقَدْ تَقَدّمَ فى التبابعة،
__________
القصر. تهامى البلاد ونجدها: ما انخفض منها وما علا. ثبج الشىء: أعلاه
ومعظمه. مخيسة: مذللة. الأخاشب: جبال بمكة وهما جبلان، فجمعهما مع ما
عليهما، وخم: اسم بئر. والجفر: اسم بئر. والهجر: القبيح من الكلام الفاحش.
والأحابيش: من حالف قريشا من القبائل ودخل فى عقدها وذمتها. وتكلوا: صرفوا.
فخارج: أراد: يا خارجة فحذف حرف النداء، ورخم. وأسدى: أعطى، والمحتد:
الأصل. جسر: ماض فى أموره قوى عليها. غمر: كثير العطاء. أمك سرّ: خالصة
النسب.
(1) فى القاموس: شمر بن أفريقش غزا مدينة السغد، فقلعها، فقيل: شمركند، أو
بناها، فقيل: شمر كنت، وهى بالتركية: القرية فعربت: سمرقند.
(2) الأملوك: اسم جمع لملك، وقوم من العرب، أو هم مقاول حمير.
(2/209)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهُوَ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ، وَإِنّمَا جَعَلَهُمْ مَفْخَرًا لِأَبِي
لَهَبٍ؛ لِأَنّ أُمّهُ خُزَاعِيّةٌ مِنْ سَبَأٍ، وَالتّبَابِعَةُ كُلّهُمْ
مِنْ حِمْيَرَ بْنِ سَبَإِ، وَقَدْ تَقَدّمَ الْخِلَافُ فِي خُزَاعَةَ.
وَأَبُو جَبْرٍ الّذِي ذَكَرَهُ فِي هَذَا الشّعْرِ: مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ
الْيَمَنِ ذَكَرَ الْقُتَبِيّ أَنّ سُمَيّةَ أُمّ زِيَادٍ، كَانَتْ لِأَبِي
جَبْرٍ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ، دفعها إلى الحرث بْنِ كَلَدَةَ
الْمُتَطَبّبُ فِي طِبّ طَبّهُ.
زَيْدٌ أَفْضَلُ إخْوَتِهِ:
وَذَكَرَ وِلَايَةَ الْعَبّاسِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- السّقَايَةَ،
وَقَالَ: كَانَ مِنْ أَحْدَثِ إخْوَتِهِ سِنّا، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي
صِفَةِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ مِنْ أَفْضَلِ
قَوْمِهِ مُرُوءَةً، وَهَذَا مِمّا مَنَعَهُ النّحْوِيّونَ أَنْ يُقَالَ:
زَيْدٌ أَفْضَلُ إخْوَتِهِ، وَلَيْسَ بِمُمْتَنِعِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي
مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَغَيْرِهِ، وَحَسَنٌ لِأَنّ
الْمَعْنَى: زَيْدٌ يَفْضُلُ إخْوَتَهُ، أَوْ يَفْضُلُ قَوْمَهُ؛
وَلِذَلِكَ سَاغَ فِيهِ التّنْكِيرُ، وَإِنّمَا الّذِي يَمْتَنِعُ
بِإِجْمَاعِ: إضَافَةُ أَفْعَلَ إلَى التّثْنِيَةِ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ:
هُوَ أَكْرَمُ أَخَوَيْهِ، إلّا أن تقول: الأخوين، بغير إضافة «1» .
__________
(1) مما اشترط النحاة فى أفعل التفضيل المضاف أن يكون المضاف بعضا من
المضاف إليه بشرط إرادة التفضيل، وبقاء معناه ووجوده. ويقول الأشمونى فى
شرح الألفية: «وإن لم تنو بأفعل معنى: من، بأن لم تنوبه المفاضلة أصلا، أو
تنويها، لاعلى المضاف إليه وحده، بل عليه وعلى كل ما سواه كقولهم: الناقص
والأشج (يعنى يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان لنقصه أرزاق الجند،
وعمر بن عبد العزيز لشجة أصابته بضرب الدابة» أعدلا بنى مروان. أى:
عادلاهم، فكان أفعل بمعنى فاعل، وليس فى هذا تفضيل» ونحو: محمد- صلى الله
عليه وسلم- أفضل قريش، أى: أفضل الناس من بين قريش. وإضافة هذين النوعين
لمجرد
(2/210)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مِنْ شَرْحِ شِعْرٍ مَطْرُودٍ:
فَصْلٌ: وَذُكِرَ فِي شِعْرٍ مَطْرُودٍ: مَنَعُوك مِنْ جَوْرٍ وَمِنْ
إقْرَافِ «1» ،
__________
التخصيص؛ ولذلك جازت إضافة أفعل فيهما إلى ما ليس هو بعضه بخلاف المنوى فيه
معنى من «أى: إرادة التفضيل» فإنه لا يكون إلا بعض ما أضيف إليه، فلذلك
يجوز: يوسف أحسن إخوته، إن قصد: الأحسن من بينهم، أو قصد: حسنهم- رأى جعله
صفة مشبهة- ويمتنع إن قصد أحسن منهم» ص 41 ج 3 ط 1305 هـ ويقول ابن يعيش فى
شرح المفصل: «قد علم أن أفعل إنما يضاف إلى ما هو بعضه. فليعلم أنه لا يجوز
أن تقول: يوسف أحسن إخوته، وذلك أنك إذا أضفت الإخوة إلى ضميره خرج من
جملتهم، وإذا كان خارجا منهم، صار غيرهم وإذا صار غيرهم لم يجز أن نقول:
يوسف أحسن إخوته، كما لا يجوز أن تقول: الياقوت أفضل الزجاج؛ لأنه ليس من
الزجاج، فحينئذ يلزم من المسألة أحد أمرين، كل واحد منهما ممتنع. أحدهما:
ما ذكرناه من إضافة أفعل إلى غيره، إذ إخوة زيد غير زيد. والثانى: إضافة
الشىء إلى نفسه، وذلك أنا إذا قلنا: إن زيدا من جملة الإخوة- نظرا إلى
مقتضى إضافة أفعل، ثم أضفت الإخوة إلى ضمير زيد، وهو من جملتهم- كنت قد
أضفته إلى نفسه، بإضافتك إياه إلى ضميره وذلك فاسد. فأما النوع الثانى-
يعنى ابن يعيش: أفعل بمعنى فاعل؛ وهو غير دال على معنى التفضيل- وهو أن
يكون أفعل فيه للذات بمعنى فاعل، فإنه يجوز أن تقول: يوسف أحسن إخوته، ولا
يمتنع فيه كامتناعه من القسم الأول إذ المراد أنه فاضل فيهم، لأنه لا يلزم
فى هذا النوع أن يكون أفعل بعض ما أضيف إليه، وعليه جاء قولهم لنصيب
الشاعر: أنت أشعر أهل جلدتك، لأن أهل جلدته غيره. وإذا كانوا غيره لم تسغ
إضافة أفعل إذا كان هو إياه إليهم؛ لما ذكرته ويجوز على الوجه الثانى لأنه
بمعنى: الشاعر فيهم، أو شاعرهم» ص 8 ج 3 شرح المفصل لابن يعيش. وبهذا يتبين
أن النحويين لم يمنعوا هذا منعا مطلقا، بل أجازوا نفس ما ذكره السهيلى.
(1) الذى فى السيرة، ضمنوك. والمقرف الذى دانى الهجنة من الفرس وغيره
(2/211)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَيْ: مَنَعُوك مِنْ أَنْ تَنْكِحَ بَنَاتَك أَوْ أَخَوَاتِك مِنْ لَئِيمٍ،
فَيَكُونُ الِابْنُ مُقْرِفًا لِلُؤْمِ أَبِيهِ، وَكَرَمِ أُمّهِ،
فَيَلْحَقَك وَصْمٌ مِنْ ذَلِك، وَنَحْوٌ مِنْهُ قَوْلُ مُهَلْهَلٍ «1» :
أَنْكَحَهَا فَقْدُهَا الْأَرَاقِمَ فى ... جنب، وكان الحباء من أدم «2»
__________
وهو الذى أمه عربية، وأبوه ليس بعربى، فالإقراف من قبل الأب، والهجنة من
قبل الأم.
(1) المهلهل: قال الامدى: اسمه: امرؤ القيس بن ربيعة بن الحارث بن زهير ابن
جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غانم بن تغلب، وهو الشاعر المشهور، ويقال
اسمه: عدى، وقال ابن قتيبة: مهلهل بن ربيعة، هو: عدى بن ربيعة، وسمى
مهلهلا؛ لأنه هلهل الشعر، أى: أرقّه، ويقال: إنه أول من قصد القصيد، وهو
خال امرىء القيس صاحب المعلقة. وهو أخو كليب الذى هاج بمقتله حرب البسوس.
وقيل: إنه مات أسيرا، وذلك أنه لما نزل اليمن نزل فى بنى جنب، وجنب من
مذحج، فخطبوا إليه ابنته. فقال لهم: إنى طريد بينكم، فمتى أنكحتكم!؟ قالوا:
فأجبروه على تزويجها، وساقوا إليه فى صداقها أدما، فقال:
أنكحها فقدها الأراقم فى ... جنب وكان الحباء من أدم
ثم انحدر، فلقيه عوف بن مالك أبو أسماء صاحبة المرقش الأكبر، فأسره، فمات
فى أسره. وقيل فى وفاته غير ذلك ص 23 وما بعدها ج 2 خزانه الأدب للبغدادى ط
دار العصور.
(2) قيل عن جنب إنه لقب لا اسم أب. وفى نهاية الأرب ج 3 ص 67 جاء هذان
البيتان:
أعزز على تتغلب بما لقيت ... أخت بنى الأكرمين من جشم
ليسوا بأكفائنا الكرام، ولا ... يغنون من ذلة ولا عدم
(2/212)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَيْ: أُنْكِحَتْ لِغُرْبَتِهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ. قَالَ مبرمان «1» :
أنشدنا أبوبكر ابن دُرَيْدٍ: وَكَانَ الْخِبَاءُ مِنْ أَدَمِ، بِخَاءِ
مُعْجَمَةِ الْأَعْلَى، وَهُوَ خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ، وَإِنّمَا هُوَ
بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي تَصْحِيفَاتِ ابْنِ
دُرَيْدٍ، وفيه يقول الْمُفْجِعِ [الْبَصْرِيّ] رَدّا عَلَى ابْنِ
دُرَيْدٍ:
أَلَسْت قدما جعلت تعترق م ... الطّرْفَ بِجَهْلِ مَكَانٍ تَغْتَرِقُ «2»
وَقُلْت: كَانَ الْخِبَاءُ مِنْ أَدَمٍ ... وَهُوَ حِبَاءٌ يُهْدَى،
وَيُصْطَدَقُ
وَذَلِك أَنّ مُهَلْهِلًا نَزَلَ فِي جَنْبٍ، وَهُوَ حَيّ وَضِيعٌ مِنْ
مَذْحِجَ.
فَخُطِبَتْ ابْنَتُهُ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ مَنْعَهَا، فَزَوّجَهَا، وَكَانَ
نَقْدُهَا مِنْ أَدَمٍ، فَأَنْشَدَ:
أَنْكَحَهَا فَقْدُهَا الْأَرَاقِمَ فِي ... جَنْبٍ، وَكَانَ الْحِبَاءُ
مِنْ أَدَمِ
لَوْ بِأَبَانِينَ جَاءَ خَاطِبُهَا ... ضُرّجَ ما أنف خاطب بدم «3»
__________
والأول منهما قبل: «أنكحها فقدها الخ» والاخر بعد قوله: «لو بأبانين» الذى
سيأتى. والأراقم: حى من تغلب قوم المهلهل. وقد تقدم من قبل الحديث عن جنب.
(1) لقب لأبى بكر الأزمى.
(2) تغترق الطرف: تشغلهم بالنظر إليها عن النظر إلى غيرها لحسنها، وانظر
المزهر ص 366 ج 2 للسيوطى ففيه قول المفجع. وقد رمى بدر الدين الزركشى ابن
دريد بهذا التصحيف كما ذكر السهيلى، وأورده التيجانى فى تحفة العروس وروى
الشطرة الأولى هكذا: «ألم تصحف، فقلت تعترق الخ» وروى أيضا فى غيره: «ألست
مما صحفت تغترق.
(3) الأبانان: جبلان بالبادية اسم أحدهما: أبان، والاخر: متالع، أحدهما:
(2/213)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: حَتّى تَغِيبَ الشّمْسُ بِالرّجّافِ «1» يَعْنِي: الْبَحْرَ.
لِأَنّهُ يَرْجُفُ.
وَمِنْ أَسْمَائِهِ أَيْضًا: خُضَارَةُ، [سُمّيَ بِذَلِك لِخُضْرَةِ
مَائِهِ] . وَالدّأْمَاءُ [سُمّيَ بِذَلِكَ لِتَدَاؤُمِ أَمْوَاجِهِ أَيْ:
تَرَاكُمِهَا، وَتَكَسّرِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ] وَأَبُو خَالِدٍ.
وَقَوْلُهُ: عِقْدُ ذَاتِ نِطَافِ. النّطَفُ «2» : اللّؤْلُؤُ الصّافِي.
وَوَصِيفَةٌ مُنَطّفَةٌ [وَمُتَنَطّفَةٌ] أَيْ: مُقَرّطَةٌ بِتُومَتَيْنِ
[وَالتّومَةُ: اللّؤْلُؤَةُ، أَوْ حَبّةٌ تُعْمَلُ مِنْ الْفِضّةِ
كَالدّرّةِ] وَالنّطَفُ فِي غَيْرِ هَذَا: التّلَطّخُ بِالْعَيْبِ،
وَكِلَاهُمَا مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَا فِي الظّاهِرِ
مُتَضَادّيْنِ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنّ النّطْفَةَ هِيَ الْمَاءُ
الْقَلِيلُ، وَقَدْ يَكُونُ الْكَثِيرَ، وَكَأَنّ اللّؤْلُؤَ الصّافِيَ
أُخِذَ مِنْ صَفَاءِ النّطْفَةِ.
وَالنّطَفُ الّذِي هُوَ الْعَيْبُ: أُخِذَ مِنْ نُطْفَةٍ الْإِنْسَانِ،
وَهِيَ مَاؤُهُ، أَيْ:
كَأَنّهُ لُطّخَ بِهَا.
وَقَوْلُهُ: وَالْفَيْضِ مُطّلِبٍ أَبِي الْأَضْيَافِ. يُرِيدُ: أَنّهُ
كَانَ لأضيافه
__________
أبيض، وهو لبنى أسد، والاخر: أسود، وهو لبنى فزارة، هذا، وقد روى اللسان
البيتين. وفيهما: «الخباء، ورمّل» بدلا من «الحباء، وضرج» .
(1) فى السيرة: فى الرجاف.
(2) مفردها. نطفة كهمزة «بضم النون وفتح الطاء» . ملحوظة: فى السيرة أن
فاطمة بنت عمرو بن عائذ هى أم عبد الله وأبى طالب. فى نسب قريش وعند
السدوسى هى: أمهما أيضا، وكذلك فى جمهرة ابن حزم. وفى السيرة فى نسب فاطمة
هذه قال ابن إسحاق: «ابن عائذ بن عبد بن عمران» وفى نسب قريش لا توجد عبد
بين عائذ وعمران، وكذلك فى جمهرة ابن حزم، وعند السدوسى، وإلى هذا ذهب ابن
هشام، وما بين قوسين فى نسب ردته فاطمة من كتب النسب.
(2/214)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَالْأَبِ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلّ جَوَادٍ: أَبُو الْأَضْيَافِ. كَمَا
قَالَ مُرّةُ بْنُ مَحْكَانَ [السّعْدِيّ التّمِيمِيّ سَيّدُ بَنِي
رَبِيعٍ] :
أُدْعَى أَبَاهُمْ، وَلَمْ أَقْرِفْ بِأُمّهِمْ ... وَقَدْ عَمِرْت. وَلَمْ
أَعْرِفْ لَهُمْ نَسَبًا
اللهَبِيّ الْعَائِفُ:
فَصْلٌ: وَذُكِرَ خَبَرُ اللهَبِيّ الْعَائِفِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
وَلَهَبُ: حَيّ مِنْ الْأَزْدِ: وَقَالَ غَيْرُهُ: وَهُوَ لَهَبُ بْنُ
أَحْجَن بْنِ كعب بن الحارث بن كعب ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
نَصْرِ بْنِ الْأَزْدِ. وَهِيَ الْقَبِيلَةُ الّتِي تُعْرَفُ
بِالْعِيَافَةِ وَالزّجْرِ «1» . وَمِنْهُمْ اللهَبِيّ الّذِي زَجَرَ حِينَ
وَقَعَتْ الْحَصَاةُ بصلعة عمر
__________
(1) العيافة: تتبع آثار الأقدام والأخفاف والحوافر فى المقابلة للأثر، وهى
التى تكون فى تربة حرة تشكل بشكل القدم. وقد اشتهر بها قديما بنو مدلج
قبيلة من كنانة وبنو لهب «بلوغ الأرب للألوسى، وانظر ص 491 الاشتقاق،
واللسان فى مادة لهب» والزجر: الاستدلال بأصوات الحيوانات وحركاتها وسائر
أحوالها واستعلام ما غاب عنهم. ويقول ابن خلدون عنه: هو ما يحدث من بعض
الناس من التكلم بالغيب عند سنوح طائر أو حيوان. ويقول ابن القيم فى مفتاح
دار السعادة عنه: «وأصل هذا أن العرب كانوا يزجرون الطير، والوحش
ويثيرونها، فما تيا من منها وأخذ ذات اليمين سموه سانحا، وما تياسر منها
سموه: بارحا، وما استقبلهم منها فهو: الناطح، وما جاءهم من خلفهم فهو
القعيد.. ومن العرب من يتيمن بالسانح ويتشاءم بالبارح ومنهم غير ذلك. وقيل
عن السالح والبارح غير هذا. ويقول الأزهرى: العيافة: زجر الطير، وهو أن يرى
طائرا، أو غرابا، فيتطير، وإن لم ير شيئا، فقال بالحدس كان: عيافة أيضا،
وفى القاموس: العائف: المتكهن بالطير، وكل هذا حرمه الإسلام، وقيل فى
تعريفهما غير ذلك.
(2/215)
|