الروض الأنف ت الوكيل

[إسْلَامُ أَبِي بكر الصديق رضى الله عنه]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَسْلَمَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ، وَاسْمُهُ: عَتِيقٌ، وَاسْمُ أَبِي قُحَافَةَ: عُثْمَانُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بن كعب ابن لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ أَبِي بَكْرٍ: عَبْدُ اللهِ، وَعَتِيقٌ: لقب لحسن وجهه وعتقه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(3/10)


قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَظْهَرَ إسْلَامَهُ، وَدَعَا إلَى الله وإلى رسوله.
وكان أبو بكر رجلا مؤلّفا لِقَوْمِهِ، مُحَبّبًا سَهْلًا، وَكَانَ أَنْسَبَ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشٍ، وَأَعْلَمَ قُرَيْشٍ بِهَا، وَبِمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرّ، وَكَانَ رَجُلًا تَاجِرًا، ذَا خُلُقٍ وَمَعْرُوفٍ، وَكَانَ رِجَالُ قَوْمِهِ يَأْتُونَهُ، وَيَأْلَفُونَهُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرِ، لِعِلْمِهِ وَتِجَارَتِهِ وَحُسْنِ مُجَالَسَتِهِ، فَجَعَلَ يَدْعُو إلَى اللهِ، وَإِلَى الْإِسْلَامِ مَنْ وَثِقَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ، مِمّنْ يَغْشَاهُ وَيَجْلِسُ إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَرْضُ الصّلَاةِ وَذَكَرَ حَدِيثَ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: «فُرِضَتْ الصّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ، وَأُقِرّتْ صَلَاةُ السّفَرِ» «1» ، وَذَكَرَ الْمُزَنِيّ أَنّ الصّلَاةَ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ «2» كَانَتْ صَلَاةً قَبْلَ غُرُوبِ الشّمْسِ، وَصَلَاةً قَبْلَ طُلُوعِهَا، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ «3» ) غافر: 55. وقال يحيى
__________
(1) البخارى ومسلم ومالك وأبو داود والنسائى.
(2) قال الحافظ فى الفتح: «كان صلّى الله عليه وسلّم قبل الإسراء يصلى قطعا، وكذلك أصحابه» أقول: وفى ختام سورة المزمل، وهى التى نزلت بعد القلم: «وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة» آية: 20 وفى سورة القلم: «أرأيت الذى ينهى عبدا إذا صلى» وهى قطعا قبل الإسراء وفى المدثر بعدها عن المجرمين: (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قالُوا: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) وآيات غيرها تؤكد أن الصلاة كانت مفروضة قبل الإسراء.
(3) لا تصلح دليلا لما يقول، إذ يمكن أن يفهم أن المقصود هو الأمر بالتسبيح طول اليوم.

(3/11)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابن سَلّامٍ مِثْلَهُ، وَقَالَ: كَانَ الْإِسْرَاءُ وَفُرِضَ الصّلَوَاتُ الخمس قبل الهجرة بِعَامِ، فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ قَوْلُ عَائِشَةَ: فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ، أَيْ: زِيدَ فِيهَا حِينَ أُكْمِلَتْ خَمْسًا، فَتَكُونُ الزّيَادَةُ فِي الرّكَعَاتِ، وَفِي عَدَدِ الصّلَوَاتِ، وَيَكُونُ قَوْلُهَا:
«فُرِضَتْ الصّلَاةُ رَكْعَتَيْن» أَيْ: قَبْلَ الْإِسْرَاءِ، وَقَدْ قَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السّلَفِ، مِنْهُمْ: ابْنُ عَبّاسٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهَا: فُرِضَتْ الصّلَاةُ: أَيْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، حِينَ فُرِضَتْ الْخَمْسُ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْمَرْوِيّ عَنْ بَعْضُ رِوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ، وَمَنْ رَوَاهُ هَكَذَا الْحَسَنُ وَالشّعْبِيّ أَنّ الزّيَادَةَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ كَانَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِعَامِ، أَوْ نَحْوِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيّ مِنْ رِوَايَةِ معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قَالَتْ: فُرِضَتْ الصّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ هَاجَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلى المدينة، ففرضت أربعا، هكذا لفظ حديثه وههنا سُؤَالٌ يُقَالُ: هَلْ هَذِهِ الزّيَادَةُ فِي الصّلَاةِ نُسِخَ أَمْ لَا؟ فَيُقَالُ: أَمّا زِيَادَةُ رَكْعَتَيْنِ أَوْ رَكْعَةٍ إلَى مَا قَبْلَهَا مِنْ الرّكُوعِ حَتّى تَكُونَ صَلَاةً وَاحِدَةً، فَنُسِخَ لِأَنّ النّسْخَ رَفْعُ الْحُكْمِ، وَقَدْ ارْتَفَعَ حُكْمُ الْإِجْزَاءِ مِنْ الرّكْعَتَيْنِ، وَصَارَ مَنْ سَلّمَ مِنْهُمَا عَامِدًا أَفْسَدَهُمَا، وإن أراد أن يتم صلاته بعد ما سَلّمَ، وَتَحَدّثَ عَامِدًا لَمْ يَجُزْهُ إلّا أَنْ يَسْتَأْنِفَ الصّلَاةَ مِنْ أَوّلِهَا، فَقَدْ ارْتَفَعَ حُكْمُ الْإِجْزَاءِ بِالنّسْخِ، وَأَمّا الزّيَادَةُ فِي عَدَدِ الصّلَوَاتِ حين أكملت خمسا بعد ما كَانَتْ اثْنَتَيْنِ، فَيُسَمّى نَسْخًا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنّ الزّيَادَةَ عِنْدَهُ عَلَى النّصّ نَسْخٌ، وَجُمْهُورُ الْمُتَكَلّمِينَ عَلَى أَنّهُ لَيْسَ بِنَسْخِ وَلِاحْتِجَاجِ الفريقين موضع غير هذا «1» .
__________
(1) ليس فى القرآن آية منسوخة بالمعنى الذى فسر به النسخ علماء الأصول. والايات التى-

(3/12)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْوُضُوءُ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ نُزُولَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ بِأَعْلَى مَكّةَ حِينَ هَمَزَ لَهُ بِعَقِبِهِ، فَأَنْبَعَ الْمَاءَ، وَعَلّمَهُ الْوُضُوءَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَقْطُوعٌ فِي السّيرَةِ، وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ أَصْلًا فِي الْأَحْكَامِ الشّرْعِيّةِ، وَلَكِنّهُ قَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ- يَرْفَعُهُ- غَيْرَ أَنّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمُسْنَدَ يَدُورُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ لَهِيعَةَ وَقَدْ ضَعُفَ، وَلَمْ يُخَرّجْ عَنْهُ مُسْلِمٌ وَلَا الْبُخَارِيّ؛ لِأَنّهُ يُقَالُ: إنّ كُتُبَهُ احْتَرَقَتْ، فَكَانَ يُحَدّثُ مِنْ حِفْظِهِ، وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يُحْسِنُ فِيهِ الْقَوْلَ، وَيُقَالُ إنّهُ الّذِي رُوِيَ عَنْهُ حَدِيثُ بَيْعِ الْعُرْبَانِ «1» فِي الْمُوَطّإِ مَالِكٌ، عَنْ الثّقَةِ عِنْدَهُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فيقال: إن الثقة ههنا ابْنُ لَهِيعَةَ، وَيُقَالُ: إنّ ابْنَ وَهْبٍ حَدّثَ بِهِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَحَدِيثُ ابْنِ لَهِيعَةَ هَذَا، أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ مُحَمّدُ ابن الْعَرَبِيّ قَالَ: نا أَبُو الْمُطّهِرِ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الرّجَاءِ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْحَافِظُ قَالَ: نا أَبُو بَكْرٍ أَحَمْدُ بْنُ يُوسُفَ الْعَطّارُ قَالَ: نا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ:
نا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: حَدّثَنِي أَبِي زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أن رسول الله- صلى الله عليه
__________
- زعموا أنها منسوخة هى آيات يجب العمل بها. كل آية فى المصحف الذى بأيدينا يجب تدبرها والعمل بمقتضاها. ولنحذر من القول بنسخ آية فيه فنحكم ببطلان ما هو حق.
(1) بيع العربان هو أن يشترى السلعة، ويدفع إلى صاحبها شيئا، على أنه إن أمضى البيع حسب من الثمن، وإن لم يمض البيع كان لصاحب السلعة، ولم يرجعه المشترى، وهو بيع باطل عند الفقهاء لما فيه من الشرط والغرر وأجازه أحمد، قال ابن الأثير، وحديث النّهى منقطع «مفردات ابن الأثير واللسان» .

(3/13)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَسَلَّمَ- فِي أَوّلِ مَا أُوحِيَ إلَيْهِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ، فَعَلّمَهُ الْوُضُوءَ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ الْوُضُوءِ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَنَضَحَ بِهَا فَرْجَهُ، وَحَدّثَنَا بِهِ أَيْضًا أَبُو بَكْرٍ محمد ابن طَاهِرٍ، عَنْ أَبِي عَلِيّ الْغَسّانِيّ عَنْ أَبِي عُمَرَ النّمَرِيّ، عَنْ أَحَمْدَ بْنِ قَاسِمٍ، عَنْ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّمِ، فَالْوُضُوءُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مَكّيّ بِالْفَرْضِ، مَدَنِيّ بِالتّلَاوَةِ، لِأَنّ آيَةَ الْوُضُوءِ مَدَنِيّةٌ «1» ، وَإِنّمَا قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى آيَةَ التّيَمّمِ، وَلَمْ تَقُلْ: آيَةَ الْوُضُوءِ، وَهِيَ هِيَ؛ لِأَنّ الْوُضُوءَ قَدْ كَانَ مَفْرُوضًا قَبْلَ، غَيْرَ أَنّهُ لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا يُتْلَى، حَتّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمَائِدَةِ.
إمَامَةُ جِبْرِيلَ:
وَذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ فِي إمَامَةِ جِبْرِيلَ للنبى- صلى الله عليه وسلم-
__________
(1) يقول ابن حجر فى الفتح عن حديث ابن لهيعة: وهو مرسل، ووصله أحمد من طريق ابن لهيعة، لكن قال: عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيد عن أبيه، وأخرجه ابن ماجة من رواية راشد بن سعد عن عقيل عن الزهرى نحوه، لكن لم يذكر زيد بن حارثة في السند، وأخرجه الطبرانى فى الأوسط من طريق الليث عن عقيل موصولا، ولو ثبت لكان على شرط الصحيح. لكن المعروف رواية ابن لهيعة. هذا وقد روى حديث صلاة جبريل بالرسول أبو داود والترمذى مع اختلاف يسير عما في السيرة، وقال الترمذى: حسن صحيح، وصححه الحاكم والذهبي والنووى وغيرهم من «المشكاة» . وعن ابن مسعود عن النبي «نزل جبريل فأمنى، فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، يحسب بأصابعه خمس صلوات. - زاد في رواية- ثم قال: بهذا أمرت «رواه الخمسة إلا الترمذى- التاج» .

(3/14)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَتَعْلِيمِهِ إيّاهُ أَوْقَاتَ الصّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْيَوْمَيْنِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَذْكُرُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنّ أَهْلَ الصّحِيحِ مُتّفِقُونَ عَلَى أَنّ هَذِهِ الْقِصّةَ، كَانَتْ فِي الغد من ليلة الإسراء، وذلك بعد ما نُبّئَ بِخَمْسَةِ أَعْوَامٍ، وَقَدْ قِيلَ إنّ الْإِسْرَاءَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِعَامِ وَنِصْفٍ، وَقِيلَ: بِعَامِ، فَذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي بَدْءِ نُزُولِ الْوَحْيِ، وَأَوّلِ أَحْوَالِ الصّلَاةِ.
أَوّلُ مَنْ آمَنَ:
وَذَكَرَ أَنّ أَوّلَ ذَكَرٍ آمَنَ بِاَللهِ عَلِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَسَيَأْتِي قَوْلُ مَنْ قَالَ:
أَوّلُ مَنْ أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنْ ذَلِكَ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- مِنْ الرّجَالِ؛ لِأَنّ عَلِيّا كَانَ حِينَ أَسْلَمَ صَبِيّا لَمْ يُدْرِكْ، وَلَا يَخْتَلِفُ أَنّ خَدِيجَةَ هِيَ أَوّلُ مَنْ آمَنَ بِاَللهِ، وَصَدّقَ رَسُولَهُ، وَكَانَ عَلِيّ أَصْغَرَ مِنْ جَعْفَرٍ بِعَشْرِ سِنِينَ «1» ، وَجَعْفَرٌ أَصْغَرُ مِنْ عَقِيلٍ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَعَقِيلٌ أَصْغَرُ مِنْ طَالِبٍ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَكُلّهُمْ أَسْلَمَ إلّا طَالِبًا اخْتَطَفَتْهُ الْجِنّ، فَذَهَبَ وَلَمْ يُعْلَمْ بِإِسْلَامِهِ «2» ، وَأُمّ عَلِيّ: فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ، وَقَدْ أَسْلَمَتْ، وَهِيَ إحْدَى الْفَوَاطِمِ الّتِي قَالَ فِيهِنّ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: اقْسِمْهُ بَيْنَ الْفَوَاطِمِ الثّلَاثِ، يَعْنِي ثَوْبَ حَرِيرٍ، قَالَ الْقُتَبِيّ.
يَعْنِي: فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ، وَلَا أَدْرِي مَنْ الثّالِثَةُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْغَنِيّ بْنُ سعيد: اقسمه بين الفواطم الأربع، وذكر
__________
(1) هو كما قال فى نسب قريش ص 39.
(2) خرافة.

(3/15)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَاطِمَةَ بِنْتَ حَمْزَةَ مَعَ اللّتَيْنِ تَقَدّمَتَا، وَقَالَ: لَا أَدْرِي مَنْ الرّابِعَةُ، قَالَهُ فِي كِتَابِ الْغَوَامِضِ وَالْمُبْهَمَاتِ «1» .
إسْلَامُ زَيْدٍ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَقَالَ فِيهِ: حَارِثَةُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، وَقَالَ: ابْنُ هِشَامٍ شَرَاحِيلُ، قَالَ أَصْحَابُ النّسَبِ كَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَرُفِعَ نَسَبُهُ إلَى كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ، وَوَبْرَةُ هُوَ: ابْنُ ثَعْلَبِ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ «2» ، وأم زيد:
__________
(1) استدل من حكموا بسبق على بحديث عند الطبرانى أن النبى «ص» صلى أول يوم الاثنين، وصلت خديجة آخره، وصلّى على يوم الثلاثاء. وبما جاء في المستدرك للحاكم: نبىء النبى يوم الاثنين، وأسلم على يوم الثلاثاء. وإلى هذا ذهب سلمان وخباب وجابر وأبو سعيد الخدرى، وبما جاء فى الطبرانى عن الحسن وغيره: كان أول من آمن على بن أبى طالب، وهو ابن خمس عشرة سنة، أو ست عشرة. بينما روى عن عروة أنه أسلم وهو ابن ثمان سنين وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف.
(2) فى جمهرة ابن حزم: حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ. وجاء فى مجمع الزوائد عن نسبه: بن رفيدة بن كليب بن وبرة بن الحارث بن قضاعة وفى جمهرة ابن حزم: زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن عامر بن النعمان ابن عامر بن عبدود بن عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة ابن كلب بن وبرة، ونسبه في الإصابة: زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبدود بن عوف ابن كنانة بن بكر بن عوف بن زيد اللات بن ثور بن كلب بن وبرة الكلبى وما سأزيده بين قوسين فى نسب أمه من الإصابة. هذا وقد اتفق على أنه أول من أسلم من الموالى. وقيل إن حكيم بن حزام اشتراه لعمته خديجة بأربعمائة درهم كما جاء فى الإصابة. أما كونه أول ذكر أسلم، فهو فى حديث مرسل عند الطبرانى كما فى السيرة. وفى مجمع الزوائد أن خديجة رضى الله عنها هى التى استوهته.

(3/16)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سُعْدَى بِنْتُ ثَعْلَبَةَ [بْنِ عَبْدِ عَامِرٍ] مِنْ بنى معن من طيّىء، وَكَانَتْ قَدْ خَرَجَتْ بِزَيْدِ لِتُزِيرَهُ أَهْلَهَا، فَأَصَابَتْهُ خَيْلٌ مِنْ بَنِي الْقَيْنِ بْنِ جِسْرٍ، فَبَاعُوهُ بِسُوقِ حُبَاشَةَ، وَهُوَ مِنْ أَسْوَاقِ الْعَرَبِ، وَزَيْدٌ يَوْمُئِذٍ ابْنُ ثَمَانِيّةِ أَعْوَامٍ، ثُمّ كَانَ مِنْ حَدِيثِهِ مَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَلَمّا بَلَغَ زَيْدًا قَوْلُ أَبِيهِ: بَكَيْت عَلَى زَيْدٍ، وَلَمْ أَدْرِ مَا فَعَلْ.
الْأَبْيَاتَ. قَالَ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ الرّكبان:
أحن إلى أهلى، وإن كنت نَائِيًا ... بِأَنّي قَعِيدُ الْبَيْتِ عِنْدَ الْمَشَاعِرِ
فَكُفّوا مِنْ الْوَجْدِ الّذِي قَدْ شَجَاكُمْ ... وَلَا تُعْمِلُوا فِي الْأَرْضِ نَصّ الْأَبَاعِرِ
فَإِنّي بِحَمْدِ اللهِ فِي خَيْرِ أُسْرَةٍ ... كِرَامِ مَعَدّ كَابِرًا بَعْدَ كَابِرِ
فَبَلَغَ أَبَاهُ «1» قَوْلُهُ، فَجَاءَ هُوَ وَعَمّهُ كَعْبٌ، حَتّى وَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكّةَ، وَذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فقالا له: يابن عَبْدِ الْمُطّلِبِ، يَا بْنَ سَيّدِ قَوْمِهِ، أَنْتُمْ جِيرَانُ اللهِ، وَتَفُكّونَ الْعَانِيَ، وَتُطْعِمُونَ الْجَائِعَ، وَقَدْ جِئْنَاكُمْ فِي ابْنِنَا عَبْدِك «2» ، لِتُحْسِنَ إلَيْنَا فِي فدائه، فقال: أو غير ذَلِكَ؟ فَقَالَا: وَمَا هُوَ؟
فَقَالَ: اُدْعُوهُ وَأُخَيّرُهُ، فإن اختاركما فذاك، وإن اختارنى فو الله ما أنا بالذى
__________
(1) فى الإصابة أن بعض الحجاج رأوا زيدا فعرفهم وعرفوه، فطلب منهم أن يبلغوا أباه:
أحن إلى قومى وإن كنت نائيا ... بأنى قطين البيت عند المشاعر
فانطلق الحجاج، وأعلموا أباه، ووصفوا له موضعه
(2) فى رواية: عندك.

(3/17)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَخْتَارُ عَلَى مَنْ اخْتَارَنِي «1» أَحَدًا، فَقَالَا لَهُ: قَدْ زِدْت عَلَى النّصْفِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمّا جَاءَ قَالَ: مِنْ هَذَانِ؟ فَقَالَ: هَذَا أَبِي حَارِثَةُ بْنُ شَرَاحِيلَ، وَهَذَا عَمّي: كَعْبُ بْنُ شَرَاحِيلَ، فَقَالَ: قَدْ خَيّرْتُك إنْ شِئْت ذَهَبْت مَعَهُمَا، وَإِنْ شِئْت أَقَمْت مَعِي، فَقَالَ: بَلْ أُقِيمُ مَعَك «2» ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: يَا زَيْدُ أَتَخْتَارُ الْعُبُودِيّةَ [عَلَى الْحُرّيّةِ وَ] عَلَى أَبِيك «3» وَأُمّك وَبَلَدِك وَقَوْمِك؟! فَقَالَ: إنّي قَدْ رَأَيْت مِنْ هَذَا الرّجُلِ شَيْئًا، وَمَا أَنَا بِاَلّذِي أُفَارِقُهُ أَبَدًا فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، وَقَامَ بِهِ إلَى الْمَلَإِ مِنْ قُرَيْشٍ «4» ، فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنّ هَذَا ابْنِي، وَارِثًا وَمَوْرُوثًا، فَطَابَتْ نَفْسُ أَبِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ يُدْعَى: زَيْدَ بْنِ مُحَمّدٍ، حَتّى أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ «5» الْأَحْزَابُ: 5.
وَفِي الشّعْرِ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ لِحَارِثَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ:
حياتى وإن تأتى «6» علىّ منيّتى ... فكل امرىء فان وإن غره الأمل
__________
(1) فى الإصابة: «فامنن علينا، وأحسن فى فدائه، فإنا سنرفع لك. قال: وما ذاك؟ قالوا: زيد بن حارثة: فقال: أو غير ذلك!. ادعوه، فخيروه، فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء، وإن اختارنى فو الله مَا أَنَا بِاَلّذِي أَخْتَارُ عَلَى مَنْ اخْتَارَنِي فداء»
(2) فى الإصابة: «أنت منى بمكان الأب والعم» .
(3) الزيادة من الإصابة
(4) وقد أخرجه إلى الحجر كما ورد فى الإصابة
(5) عن عبد الله بن عمر، قال: «إن زيد بن حارثة- رضى الله عنه- مَوْلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نزل القرآن: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ» الصحيحان والترمذى والنسائى
(6) فى السيرة: أو تأتى

(3/18)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سَأُوصِي بِهِ قَيْسًا وَعَمْرًا كِلَيْهِمَا ... وَأُوصِي يَزِيدَ ثُمّ أُوصِي بِهِ جَبَلْ «1»
يَعْنِي: يَزِيدَ بْنَ كَعْبِ [بْنِ شَرَاحِيلَ] وَهُوَ ابْنُ عَمّ زَيْدٍ وَأَخُوهُ [لِأُمّهِ] «2» وَيَعْنِي بِجَبَلِ: جَبَلَةَ بْنَ حَارِثَةَ أَخَا زَيْدٍ، وَكَانَ أَسَنّ مِنْهُ. سُئِلَ جَبَلَةُ: من أكبر أنت أم زيد؟ فقال: زيد أَكْبَرُ مِنّي، وَأَنَا وُلِدْت قَبْلَهُ، يُرِيدُ: أَنّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ بِسَبْقِهِ لِلْإِسْلَامِ «3» .
إسْلَامُ أَبِي بَكْرٍ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ إسْلَامَ أَبِي بَكْرٍ وَنَسَبَهُ، قَالَ: وَاسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ، وَسُمّيَ عَتِيقًا لِعَتَاقَةِ وَجْهِهِ، وَالْعَتِيقُ: الْحَسَنُ «4» كَأَنّهُ أُعْتِقَ مِنْ الذّمّ وَالْعَيْبِ- وَقِيلَ: سُمّيَ عَتِيقًا؛ لِأَنّ أُمّهُ كَانَتْ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، فَنَذَرَتْ إنْ وُلِدَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُسَمّيَهُ: عَبْدَ الْكَعْبَةِ، وَتَتَصَدّقُ بِهِ عَلَيْهَا، فَلَمّا عَاشَ وَشَبّ، سُمّيَ: عَتِيقًا، كَأَنّهُ أُعْتِقَ مِنْ الْمَوْتِ «5» ، وَكَانَ يُسْمَى أَيْضًا: عَبْدَ الْكَعْبَةِ إلَى أَنْ أَسْلَمَ، فَسَمّاهُ رَسُولُ اللهِ-
__________
(1) فى الإصابة: ثم من بعدهم حبل
(2) الزيادة من الإصابة
(3) ورد فى البخارى عن ابن عمر: (قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وأيم الله إن كان لخليقا للامارة- يعنى: زيد بن حارثة- وإن كان من أحب الناس إلى» هذا وقد قتل زيد فى غزوة مؤتة، وهو أمير سنة 8 هجرية
(4) العتق أيضا الكرم والنجابة والشرف والحرية.
(5) فى الإصابة: فلمّا ولدته استقبلت به البيت، فقالت: اللهم هذا عتيقك من الموت، فيه لى، وقيل: لقب بهذا لأنه قديم فى الخير، أو لأنه لم يكن فى نسبه شىء يعاب به أهله.

(3/19)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَبْدَ اللهِ «1» ، وَقِيلَ: سُمّيَ: عَتِيقًا؛ لِأَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ حِينَ أَسْلَمَ: أَنْتَ عَتِيقٌ مِنْ النّارِ «2» ، وَقِيلَ: كَانَ لِأَبِيهِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ: مُعْتَقٌ وَمُعَيْتِقٌ وَعَتِيقٌ «3» ، وَهُوَ: أَبُو بَكْرٍ «4» ، وَسُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْ أُمّ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أُمّ الْخَيْرِ عِنْدَ اسْمِهَا، وَهِيَ: أُمّ الْخَيْرِ بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَمْرِو «5» بِنْتِ عَمّ أَبِي قُحَافَةَ، وَاسْمُهَا: سَلْمَى، وَتُكَنّى: أُمّ الخيره، وَهِيَ مِنْ الْمُبَايَعَاتِ، وَأَمّا أَبُوهُ عُثْمَانُ أَبُو قُحَافَةَ فَأُمّهُ: قَيْلَةُ- بِيَاءِ بِاثْنَتَيْنِ مَنْقُوطَةٍ مِنْ أَسْفَلَ- بِنْتُ أَذَاةَ بْنُ رِيَاحِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ. وَامْرَأَةُ أَبِي بَكْرٍ أُمّ ابْنِهِ عَبْدِ اللهِ وَأَسْمَاءَ: قَتْلَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزّى بِتَاءِ مَنْقُوطَةٍ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ فَوْقٍ، وَقِيلَ فِيهَا: بِنْتُ عَبْدِ أَسْعَدَ بْنِ نَصْرِ بْنِ حِسْلِ بن عامر
__________
(1) عند سعيد بن منصور عن عائشة: قالت: اسم أبى بكر الذى سماء عبد الله. ولكن غلب عليه اسم عتيق، وقال مصعب الزبيرى: قيل له عتيق لأنه، لم يكن فى نسبه شىء يعاب به.
(2) فى الترمذى: قالت عائشة: «دخل أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أنت عتيق الله من النار. قالت: فمن يومئذ سمى: عتيقا» وفى أبى يعلى بسنده إلى عائشة: «من سره أن ينظر إلى عتيق من النار، فلينظر إلى أبى بكر» .
(3) فى جمهرة ابن حزم: «ولد أبى قحافة أبو بكر، واسمه عبد الله، وعتيق ومعتق لا عقب لهما» ص 127.
(4) ورد نسب أبى بكر فى جمهرة ابن حزم، وفى نسب قريش كما هو فى السيرة أما فى الاشتقاق لابن دريد، فليس فيه عمرو، وفى تهذيب الأسماء واللغات النووى «عمير» بدلا من عمرو «انظر ص 275 نسب قريش» .
(5) فى الإصابة، وفى نسب قريش؛ وفى تهذيب النووى، وفى جمهرة ابن حزم: عامر.

(3/20)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهُوَ قَوْلُ الزّبَيْرِ «1» وَذَكَرَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، فَمَا عَكَمَ عِنْدَ ذَلِكَ، أَيْ: مَا تَرَدّدَ، وَكَانَ مِنْ أَسْبَابِ تَوْفِيقِ اللهِ إيّاهُ- فِيمَا ذَكَرَ- رُؤْيَا رَآهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنّهُ رَأَى الْقَمَرَ يَنْزِلُ إلَى مَكّةَ، ثُمّ رَآهُ قَدْ تَفَرّقَ عَلَى جَمِيعِ مَنَازِلِ مَكّةَ وَبُيُوتِهَا، فَدَخَلَ فِي كُلّ بَيْتٍ مِنْهُ شُعْبَةٌ، ثُمّ كَأَنّهُ جُمِعَ فِي حِجْرِهِ، فَقَصّهَا عَلَى بَعْضِ الكنابيين، فَعَبَرَهَا لَهُ بِأَنّ النّبِيّ الْمُنْتَظَرَ الّذِي قَدْ أَظَلّ زَمَانُهُ تَتْبَعُهُ، وَتَكُونُ أَسْعَدَ النّاسِ بِهِ، فَلَمّا دَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْإِسْلَامِ، لَمْ يَتَوَقّفْ، وَفِي مَدْحِ حَسّانَ الّذِي قَالَهُ فِيهِ، وَسَمِعَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُ أَوّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الرّجَالِ، وَفِيهِ:
خَيْرُ الْبَرّيّةِ أَتْقَاهَا، وَأَفْضَلَهَا ... بَعْدَ النّبِيّ، وَأَوْفَاهَا بِمَا حَمَلَا
وَالثّانِي التّالِي الْمَحْمُودُ مَشْهَدُهُ ... وَأَوّلُ الناس قدما صدّق الرّسلا «2»
__________
(1) نسبها فى نسب قريش لأبى عبد الله الزبيرى: قتيلة بنت عبد العزى بن عبد أسعد بن نصر بن مالك بن حسل ص 276 وفى جمهرة ابن حزم: نتيلة بنت عبد العزى بن عبد بن سعد بن جابر بن مالك بن حسئل بن عامر بن لؤى ص 127
(2) قبلهما:
إذا تذكرت شجوا من أخى ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
وقيل: إن ابن عباس كان يستشهد بهذه الأبيات على أولية إسلام أبى بكر، وفى الروض جاء الشطر الثانى من البيت الثانى هكذا: «والثانى التالى صدق المرسلا» وقد روى هذا ابن عبد البر والطبرانى فى الكبير. وقد توفى أبو بكر رضى الله عنه فى 4 من جمادى الأولى سنة 13 من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين ولد بعد الفيل بسنتين وستة أشهر. وأولاده: عبد الله وعبد الرحمن ومحمد وعائشة وأسماء وأم كلثوم. وأم عائشة وعبد الرحمن: أم رومان بنت عامر بن عمير بن ذهل بن دهمان بن الحارث بن تيم بن مالك بن كنانة، وفى جمهرة ابن حزم، وفى نسب قريش: بنت عبد شمس بن عتّاب بن أذينة بن سبيع بن عامر بن عويمر بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة. نسب قريش 276.

(3/21)