السيرة
النبوية لابن كثير ذِكْرُ رَمَلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ فِي طَوَافِهِ وَاضْطِبَاعِهِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، أَخْبَرَنِي
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِين يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ
أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ (1) ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنَ السَّبْعِ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ بْنِ السَّرْحِ، وَحَرْمَلَةَ،
كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ بِهِ.
وَقَالَ البُخَارِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلام، حَدثنَا شُرَيْح بن
النُّعْمَان، حَدثنَا فُلَيْحٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
سَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ
وَمَشَى أَرْبَعَةً فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.
تَابَعَهُ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ، عَنْ نَافِعٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَيْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، كِلَاهُمَا عَنْ شُعَيْبِ بْنِ
اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ
فَرْقَدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْن عمر بِهِ.
وَقَالَ البُخَارِيّ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر، حَدثنَا أَبُو
ضَمرَة أنس بن عِيَاض، حَدثنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا طَافَ فِي الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ
أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ، سَعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى أَرْبَعَةً ثُمَّ
سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثمَّ يطوف بَين الصَّفَا والمروة.
__________
(1) يخب: يسْرع، وَهُوَ ضرب من الرمل.
(*)
(4/312)
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى
بْنِ عُقْبَةَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ،
حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
كَانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ يَخُبُّ ثَلَاثَةَ
أَطْوَافٍ وَيَمْشِي أَرْبَعَةً، وَأَنَّهُ كَانَ يَسْعَى بَطْنَ
الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ
الْجُعْفِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدِ
اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ
ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا.
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمِ بْنِ أَخْضَرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
بِنَحْوِهِ وَقَالَ مُسْلِمٌ أَيْضًا: حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ،
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مَالِكٌ وَابْنُ
جُرَيْجٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
رمل ثَلَاثَة (1) أَطْوَافٍ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فِيمَ الرَّمَلَانُ وَالْكَشْفُ عَنِ
الْمَنَاكِبِ، وَقد أطد الله الاسلام وَنفى الْكفْر؟ وَمَعَ ذَلِكَ لَا
نَتْرُكُ شَيْئًا كُنَّا نَفْعَلُهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ، مِنْ
حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ
ابْن أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ * * * وَهَذَا كُلُّهُ رَدٌّ عَلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ أَنَّ الرمل لَيْسَ بِسنة، لَان
رَسُول الله إِنَّمَا فَعَلَهُ لَمَّا قَدِمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ
رَابِعَةٍ - يَعْنِي فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ - وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ:
إِنَّهُ يَقْدُمُ عَلَيْكُمْ وَفْدٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ.
فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ
يرملوا
__________
(1) مُسلم: الثَّلَاثَة (*)
(4/313)
الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ وَأَنْ يَمْشُوا
مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا
الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ.
وَهَذَا ثَابت فِي الصَّحِيحَيْنِ، وتصريحه بِعُذْر سَببه فِي صَحِيح مُسلم
أظهر.
فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُنْكِرُ وُقُوعَ الرَّمَلِ فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ.
وَقَدْ صَحَّ بِالنَّقْلِ الثَّابِتِ كَمَا تَقَدَّمَ، بَلْ فِيهِ
زِيَادَةُ تَكْمِيلٍ الرَّمَلُ مِنَ الْحجر إِلَى الْحجر، وَلم يمش مابين
الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ لِزَوَالِ تِلْكَ الْعِلَّةِ الْمُشَارِ
إِلَيْهَا وَهِيَ الضَّعْفُ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُمْ
رَمَلُوا فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ وَاضْطَبَعُوا (1) .
وَهُوَ رَدٌّ عَلَيْهِ، فَإِنَّ عُمْرَةَ الْجِعْرَانَةِ لَمْ يَبْقَ فِي
أَيَّامِهَا خَوْفٌ، لِأَنَّهَا بَعْدَ الْفَتْحِ كَمَا تَقَدَّمَ.
رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ
خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنَ
الْجِعْرَانَةِ فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ وَاضْطَبَعُوا وَوَضَعُوا
أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ وَعَلَى عَوَاتِقِهِمْ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادٍ بِنَحْوِهِ، وَمِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ بِهِ.
فَأَمَّا الِاضْطِبَاعُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَدْ قَالَ قَبِيصَةُ
وَالْفِرْيَابِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنُ جُرَيْجٍ،
عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بْنِ شَيْبَةَ، عَن يعلى بن أُميَّة،
عَن أُميَّة، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ مُضْطَبِعًا.
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، وَقَالَ: حَسَنٌ
صَحِيحٌ.
__________
(1) الاضطباع: أَن يدْخل الرِّدَاء من تَحت إبطه الايمن وَيرد طرفه على
يسَاره، ويبدى مَنْكِبه الايمن ويغطى الايسر، سمى بِهِ لابداء أحد الضبعين.
(*)
(4/314)
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن
كثير، حَدثنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ يَعْلَى، عَن
أَبِيه، قَالَ: طَاف رَسُول الله مضطبعا بِبرد أَخْضَرَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ،
عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ
مُضْطَبِعٌ بِبُرْدٍ لَهُ حَضْرَمِيٍّ.
وَقَالَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ الْمُتَقَدِّمِ: حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا
الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى
أَرْبَعًا، ثُمَّ تقدم إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ: "
وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى " فَجَعَلَ الْمَقَامَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ.
فَذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَرَأَ فِيهِمَا: " قُلْ هُوَ الله
أحد ".
و" قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ ".
* * * فَإِن قيل: فَهَل كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي هَذَا الطَّوَافِ
رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ نَقْلَانِ،
قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُمَا مُتَعَارِضَانِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُهُمَا وَنُشِيرُ
إِلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا وَرَفْعِ اللَّبْسِ عِنْدَ مَنْ
يَتَوَهَّمُ فِيهِمَا تَعَارُضًا.
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَعَلَيْهِ الِاسْتِعَانَةُ وَهُوَ حَسْبُنَا
وَنَعِمَ الْوَكِيلُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن صَالح
وَيحيى بن سُلَيْمَان، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي
يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،
عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ
بِمِحْجَنٍ (1) .
وَأَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ، إِلَّا التِّرْمِذِيَّ، مِنْ طُرُقٍ
عَنِ ابْنِ وَهْبٍ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: تَابَعَهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَخِي
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمِّهِ.
وَهَذِهِ الْمُتَابَعَةُ غَرِيبَةٌ جِدًّا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا
عبد الْوَهَّاب، حَدثنَا خَالِد الْحذاء،
__________
(1) المحجن: الْعَصَا المعوجة.
(*)
(4/315)
عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ
عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ
عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ وَعَبْدِ الْوَارِثِ، كِلَاهُمَا عَنْ
خَالِدِ بْنِ مِهْرَانَ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ.
وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ثمَّ قَالَ البُخَارِيّ: حَدثنَا مُسَدّد، حَدثنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ
عَلَى بعير، فَلَمَّا أَتَى الرُّكْن أَشَارَ إِلَيْهِ بشئ كَانَ عِنْدَهُ
وَكَبَّرَ.
تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ.
وَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا التَّعْلِيقَ هَاهُنَا فِي كتاب الطّواف، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ طَهْمَانَ بِهِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُوسَى، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ
إِسْحَاقَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ فِي
حَجَّةِ الْوَدَاعِ حول
الْكَعْبَة على بعير يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضْرِبَ
عَنْهُ النَّاسُ.
فَهَذَا إِثْبَات أَنه عَلَيْهِ السَّلَام طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ
عَلَى بَعِيرٍ، وَلَكِنْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ كَانَ فِيهَا ثَلَاثَةُ
أَطْوَافٍ: الْأَوَّلُ طَوَافُ الْقُدُومِ، وَالثَّانِي طَوَافُ
الْإِفَاضَةِ وَهُوَ طَوَافُ الْفَرْضِ وَكَانَ يَوْمَ النَّحْرِ،
وَالثَّالِثُ طَوَافُ الْوَدَاعِ.
فَلَعَلَّ رُكُوبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي أحد
الآخرين أَوْ فِي كِلَيْهِمَا، فَأَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ طَوَافُ
الْقُدُومِ فَكَانَ مَاشِيًا فِيهِ.
وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا كُلِّهِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ
الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ السُّنَنِ الْكَبِيرِ: أَخْبَرَنَا
(4/316)
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،
أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ
عِيسَى، حَدثنَا الْفضل ابْن مُحَمَّد بن الْمسيب، حَدثنَا نعيم بن
حَمَّاد، حَدثنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ هُوَ
- ابْنُ يَسَارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، وَهُوَ مُحَمَّدُ
بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:
دَخَلْنَا مَكَّةَ عِنْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى، فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَابَ الْمَسْجِدِ فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ،
ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَبَدَأَ بِالْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ وَفَاضَتْ
عَيْنَاهُ بِالْبُكَاءِ، ثُمَّ رَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، حَتَّى
فَرَغَ.
فَلَمَّا فَرَغَ قَبَّلَ الْحَجَرَ وَوَضَعَ يَده عَلَيْهِ وَمَسَحَ
بِهِمَا وَجْهَهُ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ.
* * * فَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدثنَا
خَالِد بن عبد الله، حَدثنَا يزِيد بن أبي زِيَاد، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدِمَ مَكَّةَ وَهُوَ يَشْتَكِي، فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَلَمَّا
أَتَى عَلَى الرُّكْنِ اسْتَلَمَهُ بِمِحْجَنٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ
طَوَافِهِ أَنَاخَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَا ذَكَرَ أَنَّهُ
فِي الطَّوَافِ الْأَوَّلِ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْهُ عِنْدَ
مُسْلِمٍ، وَكَذَا جَابِرٌ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَكِبَ فِي طَوَافِهِ لِضَعْفِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَا كَثْرَةَ
النَّاسِ وَغِشْيَانَهُمْ لَهُ، وَكَانَ لَا يُحِبُّ أَنْ يُضْرَبُوا
بَيْنَ يَدَيْهِ.
كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
ثُمَّ هَذَا التَّقْبِيلُ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ [فِي
رِوَايَتِهِ] (1) بَعْدَ الطَّوَافِ وَبَعْدَ رَكْعَتَيْهِ أَيْضًا،
ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
قَالَ فِيهِ، بَعْدَ ذِكْرِ صَلَاةِ رَكْعَتِيِ الطَّوَافِ: ثُمَّ رَجَعَ
إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ.
وَقَدْ قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي شيبَة وَابْن نمير جَمِيعًا،
__________
(1) لَيست فِي ا.
(*)
(4/317)
عَنْ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ:
حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ
نَافِعٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ ثمَّ
قبل يَده.
قَالَ: وَمَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ.
فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي بعض الطوافات، أَو فِي آخر استلام فعل مثل هَذَا.
لما ذَكَرْنَا أَوْ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْحَجَرِ
لِضَعْفٍ كَانَ بِهِ، أَوْ لِئَلَّا يُزَاحِمَ غَيْرَهُ فَيَحْصُلُ
لِغَيْرِهِ أَذًى بِهِ.
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِوَالِدِهِ، مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا وَكِيع،
حَدثنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ الْعَبْدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ
شَيْخًا بِمَكَّةَ فِي إِمَارَةِ الْحَجَّاجِ يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ لَهُ: يَا عُمَرُ إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ، لَا تُزَاحِمْ عَلَى
الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ
وَإِلَّا فَاسْتَقْبلهُ وَكَبِّرْ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، لَكِنَّ رَاوِيَهُ عَنْ عُمَرَ مُبْهَمٌ لَمْ
يُسَمَّ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ثِقَةٌ جَلِيلٌ، فَقَدْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ
الْعَبْدِيِّ وَاسْمُهُ وَقْدَانُ، سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ حِينَ
قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى مَكَّةَ يَقُولُ: قَالَ
رَسُول الله لِعُمَرَ: يَا أَبَا حَفْصٍ إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ، فَلَا
تُزَاحِمْ عَلَى الرُّكْنِ، فَإِنَّكَ تُؤْذِي الضَّعِيفَ، وَلَكِنْ إِنْ
وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ وَإِلَّا فَكَبِّرْ وَامْضِ.
قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
الْحَارِثِ، كَانَ الْحَجَّاجُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْهَا مُنْصَرَفَهُ
مِنْهَا حِينَ قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ.
قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا جَلِيلًا نَبِيلًا كَبِيرَ
الْقَدْرِ، وَكَانَ أَحَدَ النَّفَرِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ نَدَبَهُمْ
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي كِتَابَةِ الْمَصَاحِفِ الَّتِي نَفَّذَهَا
إِلَى الْآفَاقِ وَوَقَعَ عَلَى مَا فعله الاجماع والاتفاق.
(4/318)
|