السيرة
النبوية لابن كثير ذَكَرَ ابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي
بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى اللَّيْثِيِّ،
أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ شَدَّاخٍ اللَّيْثِيَّ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَاحْتَلَمَ فَأَعْلَمَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ
أَدْخُلُ عَلَى أَهْلِكَ.
وَقَدِ احْتَلَمْتُ الْآنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ
صَدِّقْ قَوْلَهُ، وَلَقِّهِ الظَّفَرَ ".
فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَانِ عُمْرَ قُتِلَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَامَ
عُمْرُ خَطِيبًا فَقَالَ: أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ
عِلْمٌ؟ فَقَامَ بُكَيْرٌ فَقَالَ: أَنَا قَتَلْتُهُ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ عُمْرُ: بُؤْتَ بِدَمِهِ فَأَيْنَ الْمَخْرَجُ؟ فَقَالَ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْغُزَاةِ اسْتَخْلَفَنِي
عَلَى أَهْلِهِ، فَجِئْتُ فَإِذَا هَذَا الْيَهُودِيُّ عِنْدَ امْرَأَتِهِ
وَهُوَ يَقُولُ: وَأَشْعَثَ غَرَّهُ الْإِسْلَامُ مِنِّي * خَلَوْتُ
بِعُرْسِهِ لَيْلَ التَّمَامِ أَبِيتُ عَلَى تَرَائِبِهَا وَيُمْسِي *
عَلَى جرد الْأَعِنَّةِ وَالْحِزَامِ (1)
كَأَنَّ مَجَامِعَ الرَّبَلَاتِ مِنْهَا * فِئَامٌ يَنْهَضُونَ إِلَى
فِئَامِ (2) قَالَ: فَصَدَّقَ عُمْرُ قَوْلَهُ وطل دَمَ الْيَهُودِيِّ
بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبكير بِمَا
تقدم.
* * *
__________
(1) الترائب: عِظَام الصَّدْر.
والاعنة، جمع عنان وَهُوَ سير اللجام الذى تمسك بِهِ الدَّابَّة.
والجرد: المغبرة (2) الربلات: جمع ربلة وهى بَاطِن الْفَخْذ، أَو كل لحْمَة
غَلِيظَة.
والفئام: الْجَمَاعَة من النَّاس.
(*)
(4/656)
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ الْحَبَشِيُّ.
وُلِدَ بِمَكَّةَ وَكَانَ مَوْلًى لِأُمَيَّةَ بْنِ خلف، فَاشْتَرَاهُ
أَبُو بكر مِنْهُ بِمَال جزيل، لَان أُميَّة كَانَ يُعَذِّبُهُ عَذَابًا
شَدِيدًا لِيَرْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ فَيَأْبَى إِلَّا الْإِسْلَامَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمَّا اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ أَعْتَقَهُ
ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ.
وَهَاجَرَ حِينَ هَاجَرَ النَّاسُ، وَشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَمَا
بَعْدَهُمَا مِنَ الْمَشَاهِدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَكَانَ يُعْرَفُ بِبِلَالِ بْنِ حَمَامَةَ وَهِيَ أُمُّهُ.
وَكَانَ مِنْ أَفْصَحِ النَّاسِ، لَا كَمَا يَعْتَقِدُهُ بَعْضُ النَّاسِ
أَنَّ سِينَهُ كَانَتْ شِينًا، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَرْوِي
حَدِيثًا فِي ذَلِكَ لَا أصل لَهُ عَن رَسُول الله أَنه قَالَ: إِن سين
بِلَال شِينٌ.
وَهُوَ أَحَدُ الْمُؤَذِّنِينَ الْأَرْبَعَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ
أَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ كَمَا قَدَّمْنَا.
وَكَانَ يَلِي أَمْرَ النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ، وَمَعَهُ حَاصِلُ مَا
يَكُونُ مِنَ الْمَالِ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ فِيمَنْ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ لِلْغَزْوِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ
أَقَامَ يُؤذن لابي بكر أَيَّام خِلَافَته، والاول أصح وَأشهر.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَلَهُ بِضْعٌ
وَسِتُّونَ سَنَةً.
وَقَالَ الْفَلَّاسُ: قَبْرُهُ بِدِمَشْقَ، وَيُقَالُ بِدَارَيَّا (1) ،
وَقِيلَ إِنَّهُ مَاتَ بِحَلَبَ، وَالصَّحِيحُ
أَنَّ الَّذِي مَاتَ بِحَلَبَ أَخُوهُ خَالِدٌ.
قَالَ مَكْحُولٌ: حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى بِلَالًا قَالَ: كَانَ شَدِيدَ
الْأُدْمَةِ نَحِيفًا أَجْنَأَ (2) لَهُ شَعْرٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ لَا
يُغَيِّرُ شَيْبَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
* * *
__________
(1) داريا: قَرْيَة كَبِيرَة من قرى دمشق بالغوطة.
المراصد.
(2) الاجنأ: من أشرف كَاهِله على صَدره.
(*)
(4/657)
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
حَبَّةُ وَسَوَاءُ ابْنَا خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، قَالَ حَدثنَا
وَكِيع، حَدثنَا الاعمش، عَن سَلام ابْن شُرَحْبِيل، عَن حَبَّة وَسَوَاء
ابْنا خَالِدٍ قَالَا: دَخَلْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصْلِحُ شَيْئًا فَأَعَنَّاهُ، فَقَالَ: " لَا تيئسا من
الرزق مَا تهزهزت رؤسكما، فَإِن الانسان تلده أمه أُحَيْمِر لَيْسَ
عَلَيْهِ قشرة، ثمَّ يرزقه الله عزوجل ".
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ذُو مِخْمَرٍ، وَيُقَالُ ذُو مِخْبَرٍ
; وَهُوَ ابْنُ أَخِي النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ، وَيُقَالُ ابْنُ
أُخْتِهِ.
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
كَانَ بَعَثَهُ لِيَخْدِمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نِيَابَةً عَنْهُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا جرير،
عَنْ يَزِيدَ بْنِ صُلَيْحٍ، عَنْ ذِي مِخْمَرٍ - وَكَانَ رَجُلًا مَنَ
الْحَبَشَةِ يَخْدِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: كُنَّا مَعَهُ فِي سَفَرٍ فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى انْصَرَفَ،
وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِقِلَّةِ الزَّادِ.
فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِ انْقَطَعَ النَّاسُ،
قَالَ: فَحُبِسَ وَحُبِسَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى تَكَامَلُوا إِلَيْهِ،
فَقَالَ لَهُمْ: " هَلْ لَكَمَ أَنْ نَهْجَعَ هَجْعَةً؟ " [أَوْ قَالَ لَهُ
قَائِل] (1) فَنزل ونزلوا، فَقَالُوا: مَنْ يَكْلَؤُنَا اللَّيْلَةَ؟
فَقُلْتُ: أَنَا جَعَلَنِي اللَّهُ فدَاك: فَأَعْطَانِي خِطَامَ نَاقَتِهِ
فَقَالَ: " هَاكَ لَا تَكُونَنَّ لُكَعًا ".
قَالَ: فَأَخَذْتُ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَخِطَامِ نَاقَتِي،
فَتَنَحَّيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ فَخَلَّيْتُ
سَبِيلَهُمَا ترعيان، فإنى كَذَلِك أنظر إِلَيْهِمَا إِذْ أَخَذَنِي
النّوم، فَلم أشعر بشئ حَتَّى وَجَدْتُ حَرَّ الشَّمْسِ عَلَى وَجْهِي،
فَاسْتَيْقَظْتُ فَنَظَرْتُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَإِذَا أَنَا
بِالرَّاحِلَتَيْنِ مِنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، فَأَخَذْتُ بِخِطَامِ نَاقَةِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِخِطَامِ نَاقَتِي،
فَأَتَيْتُ أَدْنَى الْقَوْمِ فَأَيْقَظْتُهُ فَقُلْتُ: أَصَلَّيْتَ؟
قَالَ: لَا.
فَأَيْقَظَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى اسْتَيْقَظَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
__________
(1) سقط من ح.
(*)
(4/658)
" يَا بِلَالُ هَلْ فِي الْمِيضَأَةِ مَاءٌ
" يَعْنِي الاداوة، فَقَالَ: نعم جعلني الله فدَاك، فَأَتَاهُ بِوضُوء لَمْ
يُلَتَّ (1) مِنْهُ التُّرَابُ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَامَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ
قَبْلَ الصُّبْحِ وَهُوَ غَيْرُ عَجِلٍ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ
الصَّلَاةَ فَصَلَّى وَهُوَ غَيْرُ عَجَلٍ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أفرطنا؟ قَالَ: " لَا، قبض الله أَرْوَاحنَا وَرَدَّهَا
إِلَيْنَا، وَقَدْ صَلَّيْنَا ".
* * * وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ
الْأَسْلَمِيُّ أَبُو فِرَاسٍ.
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَآتِيهِ بِوَضُوئِهِ
وَحَاجَتِهِ، فَكَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَقُولُ: " سُبْحَانَ
رَبِّي وَبِحَمْدِهِ " الْهوى (2) " سُبْحَانَ رَبِّ الْعَالَمِينَ ".
الْهَوِيَّ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " هَلْ لَكَ حَاجَةٌ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ مُرَافَقَتُكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: " فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ
بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
حَدثنَا أَبى، حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ عَمْرِو بن عَطاء، عَن نعيم بن مُحَمَّد، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ
قَالَ: كُنْتُ أَخْدِمُ رَسُول الله نهاري أجمع، حَتَّى يصلى عشَاء
الْآخِرَةَ، فَأَجْلِسُ بِبَابِهِ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهْ أَقُولُ:
لَعَلَّهَا أَن
تحدث لرَسُول الله حَاجَةٌ.
فَمَا أَزَالُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: " سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ " حَتَّى أَمَلَّ فَأَرْجِعَ،
أَوْ تغلبني عيناى فأرقد.
فَقَالَ لى يَوْمًا - لما يرى من حقى لَهُ وَخِدْمَتِي إِيَّاهُ -: " يَا
رَبِيعَةُ بْنَ كَعْبٍ سَلْنِي أُعْطِكَ " قَالَ: فَقُلْتُ: أَنْظُرُ فِي
أَمْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ أُعْلِمُكَ ذَلِكَ.
قَالَ: فَفَكَّرْتُ فِي نَفْسِي فَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ
وزائلة، وَأَن لى فِيهَا رزقا
__________
(1) يلت: يزل أَو ينقص.
(2) الْهوى: سَاعَة من اللَّيْل.
(*)
(4/659)
سَيَكْفِينِي وَيَأْتِينِي، قَالَ:
فَقُلْتُ: أَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ لآخرتي فَإِنَّهُ من الله
بِالْمَنْزِلِ الَّذِي هُوَ بِهِ.
قَالَ: فَجِئْتُهُ فَقَالَ: " مَا فَعَلْتَ يَا رَبِيعَةُ؟ " قَالَ:
فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْأَلُكَ أَنْ تَشْفَعَ لِي إِلَى
رَبِّكَ فَيُعْتِقَنِي مِنَ النَّارِ.
قَالَ: فَقَالَ: " مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا يَا رَبِيعَةَ؟ " قَالَ فَقُلْتُ:
لَا والذى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَمَرَنِي بِهِ أُحُدٌ، وَلَكِنَّكَ
لَمَّا قُلْتَ: سَلْنِي أُعْطِكَ وَكُنْتَ مِنَ اللَّهِ بِالْمَنْزِلِ
الَّذِي أَنْتَ بِهِ، نَظَرْتُ فِي أَمْرِي فَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا
مُنْقَطِعَةٌ وَزَائِلَةٌ، وَأَنَّ لِي فِيهَا رِزْقًا سَيَأْتِينِي،
فَقُلْتُ: أَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ لِآخِرَتِي.
قَالَ: فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ لِي: " إِنِّي فَاعِلٌ، فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ
بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ".
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ،
أَنْبَأَنَا يزِيد بن هَارُون، حَدثنَا مبارك بن فضَالة، حَدثنَا أبوعمران
الْجَوْنِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ الْأَسْلَمِيِّ - وَكَانَ يَخْدِمُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَقَالَ لِي ذَاتَ
يَوْمٍ: " يَا رَبِيعَةَ أَلَّا تَزَوَّجُ؟ " قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ يشغلني عَن خدمتك شئ وَمَا عِنْدِي مَا أُعْطِي
الْمَرْأَةَ.
قَالَ: فَقُلْتُ بعد ذَلِك: رَسُول الله أعلم بِمَا عِنْدِي منى
يَدْعُوَنِي إِلَى التَّزْوِيجِ، لَئِنْ دَعَانِي هَذِهِ الْمَرَّةَ
لِأُجِيبَنَّهُ.
قَالَ: فَقَالَ لِي: " يَا رَبِيعَةُ أَلَّا تَزَوَّجُ؟ " فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ
يُزَوِّجُنِي، مَا عِنْدِي مَا أعْطى الْمَرْأَة.
فَقَالَ لِي: انْطَلِقْ إِلَى بَنِي فُلَانٍ فَقُلْ لَهُمْ إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُزَوِّجُونِي فَتَاتَكُمْ فُلَانَةً.
قَالَ: فَأَتَيْتُهُمْ فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ الله أَرْسَلَنِي
إِلَيْكُمْ لِتُزَوِّجُونِي فَتَاتَكُمْ فُلَانَةً.
قَالُوا: فُلَانَةً؟ قَالَ: نعم.
قَالُوا: مرْحَبًا برَسُول الله ومرحبا بِرَسُولِهِ.
فزوجوني.
فَأتيت رَسُول الله فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْتُكَ مَنْ خَيْرِ
أهل بَيت صدفوني وَزَوَّجُونِي فَمِنْ أَيْنَ لِي مَا أُعْطِي صَدَاقِي؟
فَقَالَ رَسُول الله لِبُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ: " اجْمَعُوا لِرَبِيعَةَ
فِي صَدَاقِهِ
(4/660)
فِي وزن نواة من ذهب.
فَجَمَعُوهَا فَأَعْطَوْنِي فَأَتَيْتُهُمْ فَقَبِلُوهَا، فَأَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قَبِلُوا، فَمِنْ
أَيْنَ لِي مَا أُولِمُ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ الله لِبُرَيْدَةَ: "
اجْمَعُوا لِرَبِيعَةَ فِي ثَمَنِ كَبْشٍ " قَالَ: فَجَمَعُوا وَقَالَ لِي:
" انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ فَقُلْ لَهَا فَلْتَدْفَعْ إِلَيْكَ مَا
عِنْدَهَا مِنَ الشَّعِيرِ " قَالَ: فَأَتَيْتُهَا فَدَفَعَتْ إِلَيَّ،
فَانْطَلَقْتُ بِالْكَبْشِ وَالشَّعِيرِ فَقَالُوا: أَمَّا الشَّعِيرُ
فَنَحْنُ نَكْفِيكَ، وَأَمَّا الْكَبْشُ فَمُرْ أَصْحَابَكَ
فَلْيَذْبَحُوهُ.
وَعَمِلُوا الشَّعِيرَ، فَأَصْبَحَ وَاللَّهِ عِنْدَنَا خُبْزٌ وَلَحْمٌ.
ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَقْطَعَ أَبَا بَكْرٍ أَرْضًا لَهُ
فَاخْتَلَفْنَا فِي عِذْقٍ، فَقُلْتُ: هُوَ فِي أَرْضِي.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ فِي أَرْضِي.
فَتَنَازَعْنَا فَقَالَ لِي أَبُو بكر كلمة كرهتها، فندم فأحضرني فَقَالَ
لى: قل لى كَمَا قلت.
قَالَ: فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَقُولُ لَكَ كَمَا قُلْتَ لِي.
قَالَ: إِذًا آتِي رَسُولَ الله.
قَالَ: فَأتى رَسُول الله وَتَبِعْتُهُ، فَجَاءَنِي قَوْمِي يَتْبَعُونَنِي
فَقَالُوا: هُوَ الَّذِي قَالَ لَك وَهُوَ يَأْتِي رَسُول الله فَيَشْكُو!
قَالَ: فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِمْ فَقُلْتُ: تَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ هَذَا
الصِّدِّيقُ وَذُو شَيْبَةِ الْمُسْلِمِينَ، ارْجِعُوا لَا يَلْتَفِتْ
فَيَرَاكُمْ فَيَظُنَّ أَنَّكُمْ إِنَّمَا جِئْتُمْ لتعينوني عَلَيْهِ
فيغضب فيأتى رَسُول الله فَيُخْبِرْهُ فَيَهْلِكْ رَبِيعَةُ! قَالَ:
فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: إنى قلت لِرَبِيعَة كلمة كرهتها،
فَقُلْتُ لَهُ يَقُولُ لِي مِثْلَ
مَا قُلْتُ لَهُ فَأَبَى.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا ربيعَة
وَمَالك وللصديق؟ " قَالَ: فَقلت: يارسول الله وَاللَّهِ لَا أَقُولُ لَهُ
كَمَا قَالَ لِي.
فَقَالَ رَسُول الله: " لَا تَقُلْ لَهُ كَمَا قَالَ لَكَ، وَلَكِنْ قُلْ:
غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ".
* * * وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ سَعْدٌ مَوْلَى أَبِي بكر رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، وَيُقَالُ مَوْلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
(4/661)
قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدٍ مَوْلَى أَبِي
بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَن رَسُول الله قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ - وَكَانَ
سَعْدٌ مَمْلُوكًا لِأَبِي بكر، وَكَانَ رَسُول الله يُعجبهُ خِدْمَتُهُ -:
" أَعْتِقْ سَعْدًا " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مالنا خَادِمٌ هَاهُنَا
غَيْرُهُ، فَقَالَ: " أَعْتِقْ سَعْدًا أَتَتْكَ الرِّجَالُ أَتَتْكَ
الرِّجَالُ ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَنِ
الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ: قَرَّبْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمْرًا، فَجَعَلُوا يَقْرِنُونَ،
فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
الْقِرَانِ (1) .
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ بِهِ.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ.
دَخَلَ يَوْمَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُودُ بِنَاقَةِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ:
خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ * الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى
تَأْوِيلِهِ كَمَا ضَرَبْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ * ضَرْبًا يُزِيلُ
الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ * وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ *
كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ بِطُولِهِ.
وَقَدْ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَعْدَ هَذَا بِأَشْهُرٍ فِي
يَوْمِ مُؤْتَةَ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ
غَافِلِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ شَمْخٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهُذَلِيُّ.
أُحُدُ أَئِمَّةِ الصَّحَابَة، هَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَشَهِدَ بَدْرًا
وَمَا بَعْدَهَا، كَانَ بلَى حمل نعل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَيَلِي طَهُورَهُ، وَيُرَحِّلُ دَابَّتَهُ إِذَا أَرَادَ
الرُّكُوبَ.
وَكَانَتْ لَهُ الْيَد الطُّولى فِي تَفْسِير كَلَام الله، وَلَهُ
الْعِلْمُ الْجَمُّ وَالْفَضْلُ وَالْحِلْمُ، وَفِي الْحَدِيثِ
__________
(1) الْقرَان فِي التَّمْر: الْجمع بَين تمرتين فِي الاكل.
(*)
(4/662)
أَن رَسُول الله قَالَ لِأَصْحَابِهِ -
وَقَدْ جَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ - فَقَالَ: "
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ أُحُدٍ
".
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي ابْنِ مَسْعُودٍ: هُوَ كُنَيْفٌ
مُلِئَ علما.
وَذكروا أَنه [كَانَ] نَحِيفُ الْخَلْقِ حَسَنُ الْخُلُقِ، يُقَالُ إِنَّهُ
كَانَ إِذا مَشى يسامت الْجُلُوس، وَكَانَ يُشَبَّهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَدْيِهِ وَدَلِّهِ وَسَمْتِهِ.
يَعْنِي أَنَّهُ يُشَبَّهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ وَكَلَامِهِ وَيَتَشَبَّهُ بِمَا اسْتَطَاعَ
مِنْ عَبَّادَتِهِ.
تُوُفِّيَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ سنة اثْنَتَيْنِ
أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ بِالْمَدِينَةِ، عَنْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ
سَنَةً، وَقِيلَ إِنَّهُ تُوُفِّيَ بِالْكُوفَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِىّ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدثنَا
ابْنُ جَابِرٍ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَن عقبَة بن
عَامر، قَالَ: بَيْنَمَا أَقُودُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَقْبٍ (1) مِنْ تِلْكَ النِّقَابِ، إِذْ قَالَ لى:
" يَا عقبَة أَلَا تَرْكَبُ؟ " قَالَ: فَأَشْفَقْتُ أَنْ تَكُونَ
مَعْصِيَةٌ.
قَالَ:
فَنزل رَسُول الله وَرَكِبْتُ هُنَيْهَةً، ثُمَّ رَكِبَ ثُمَّ قَالَ: " يَا
عقب أَلَا أُعْلِّمُكَ سُورَتَيْنِ مَنْ خَيْرِ سُورَتَيْنِ قَرَأَ بِهِمَا
النَّاسُ؟ " قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَأَقْرَأَنِي: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ
النَّاسِ.
ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَتَقَدَّمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ بِهِمَا.
ثمَّ مر بى فَقَالَ: " اقْرَأْ بِهِمَا كُلَّمَا نِمْتَ وَكُلَّمَا قُمْتَ
".
وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ
وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْعَلَاء
__________
(1) النقب، الطَّرِيق فِي الْجَبَل.
(*)
(4/663)
ابْن الْحَارِثِ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُقْبَةَ بِهِ.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ
الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ.
رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ
عُبَادَةَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْزِلَةِ
صَاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الْأَمِيرِ.
وَقَدْ كَانَ قَيْسٌ هَذَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَطْوَلِ
الرِّجَالِ، وَكَانَ كَوْسَجًا (1) وَيُقَالُ إِنَّ سَرَاوِيلَهُ كَانَ
يَضَعُهُ عَلَى أَنْفِهِ مَنْ يَكُونُ مِنْ أَطْوَلِ الرِّجَالِ فَتَصِلُ
رِجْلَاهُ الْأَرْضَ.
وَقَدْ بعث سراويله مُعَاوِيَة إِلَى مَلِكِ الرُّومِ يَقُولُ لَهُ: هَلْ
عِنْدَكُمْ رجل تجئ هَذِه السَّرَاوِيل على طوله؟ فتعجب صَاحب الرُّومِ
مِنْ ذَلِكَ.
وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ كَرِيمًا مُمَدَّحًا ذَا رَأْيٍ وَدَهَاءٍ،
وَكَانَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَيَّامَ صِفِّينِ.
وَقَالَ مِسْعَرٌ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ: كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ
لَا يَزَالُ رَافِعًا أُصْبُعَهُ الْمِسْبَحَةَ يَدْعُو رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وَخَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ وَغَيْرُهُمَا: تُوُفِّيَ
بِالْمَدِينَةِ فِي آخِرِ أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بن
الْخطاب السجسْتانِي، حَدثنَا على بن يزِيد الْحَنَفِيّ، حَدثنَا سعيد بْنُ
الصَّلْتِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
كَانَ عِشْرُونَ شَابًّا مِنَ الْأَنْصَارِ يَلْزَمُونَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَوَائِجِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَمْرًا
بَعْثَهُمْ فِيهِ.
* * * وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ
الثَّقَفِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
كَانَ بِمَنْزِلَةِ السِّلَحْدَارِ (2) بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا كَانَ رَافِعًا السَّيْفَ فِي
يَدِهِ وَهُوَ وَاقِف على
__________
(1) الكوسج: النَّاقِص الاسنان.
(2) السلحدار: صَاحب السِّلَاح.
أَعْجَمِيَّة.
(*)
(4/664)
رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْخَيْمَةِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَجَعَلَ كُلَّمَا
أَهْوَى عَمُّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ حِينَ قَدِمَ فِي
الرَّسِيلَةِ إِلَى لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي مُخَاطَبَاتِهَا
- يَقْرَعُ يَدَهُ بِقَائِمَةِ السَّيْفِ وَيَقُولُ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ
لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَلَّا
تَصِلَ إِلَيْكَ.
الحَدِيث كَمَا قدمنَا.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ: شَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَلَّاهُ مَعَ
أَبِي سُفْيَانَ الْإِمْرَةَ حِينَ ذَهَبَا فَخَرَّبَا طَاغُوتَ أَهْلِ
الطَّائِفِ، وَهِيَ الْمَدْعُوَّةُ بِالرَّبَّةِ، وَهِيَ اللَّاتُ.
وَكَانَ دَاهِيَةً مِنْ دُهَاةِ الْعَرَبِ.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا غَلَبَنِي أُحُدٌ قَطُّ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: سَمِعْتُ قَبِيصَةَ بْنَ جَابِرٍ يَقُولُ: صَحِبْتُ
الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فَلَوْ أَنَّ مَدِينَةً لَهَا ثَمَانِيَةُ
أَبْوَابٍ لَا يُخْرَجُ مِنْ بَابٍ مِنْهَا إِلَّا بِمَكْرٍ لَخَرَجَ مِنْ
أَبْوَابهَا.
وَقَالَ الشعبى: الْقُضَاة أَرْبَعَة: أَبُو بكر وَعُمْرُ وَابْنُ
مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى، وَالدُّهَاةُ أَرْبَعَةٌ: مُعَاوِيَةُ وَعَمْرُو
بْنُ الْعَاصِ وَالْمُغِيرَةُ وَزِيَادٌ.
وَقَالَ الْزُّهْرِيُّ: الدُّهَاةُ خَمْسَةٌ ; مُعَاوِيَةُ وَعَمْرٌو
وَالْمُغِيرَةُ، وَاثْنَانِ مَعَ على وهما قيس
ابْن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلِ (1) بْنِ
وَرْقَاءَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَجُلًا
نَكَّاحًا لِلنِّسَاءِ، وَكَانَ يَقُولُ: صَاحِبُ الْوَاحِدَةِ إِنْ
حَاضَتْ حَاضَ مَعَهَا، وَإِنْ مَرِضَتْ مَرِضَ مَعَهَا، وَصَاحِبُ
الثِّنْتَيْنِ بَيْنَ نَارَيْنِ يشتعلان.
قَالَ: فَكَانَ ينْكح أَرْبعا وَيُطَلِّقُهُنَّ جَمِيعًا! وَقَالَ
غَيْرُهُ: تَزَوَّجَ ثَمَانِينَ امْرَأَةً، وَقِيلَ ثَلَاثَمِائَةِ
امْرَأَةٍ، وَقِيلَ: أَحْصَنَ أَلْفَ امْرَأَةٍ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ عَلَى أَقْوَالٍ أَشْهَرُهَا وَأَصَحُّهَا
وَهُوَ الَّذِي حَكَى عَلَيْهِ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ الاجماع: أَنه
توفى سنة خمسين.
* * *
__________
(1) ا: وَبُدَيْل بن وَرْقَاء.
(*)
(4/665)
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ أَبُو مَعْبَدٍ الْكِنْدِيُّ، حَلِيفُ بَنِي
زُهْرَةَ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ
الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: قدمت الْمَدِينَة أَنا وصاحبان،
فتعرضنا للنَّاس فَلم يضفنا أحد، فأتينا إِلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَا لَهُ، فَذهب بِنَا إِلَى منزله وَعِنْده
أَرْبَعَة أَعْنُزٍ، فَقَالَ: " احْلُبْهُنَّ يَا مِقْدَادُ،
وَجَزِّئْهِنَّ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ، وَأَعْطِ كُلَّ إِنْسَانٍ جُزْءًا "
فَكُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ.
فَرَفَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ،
فَاحْتَبَسَ، وَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي فَقَالَتْ لِي نَفْسِي: إِنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَتَى أَهْلَ بَيْتٍ
مِنَ الْأَنْصَارِ، فَلَوْ قُمْتَ فَشَرِبْتَ هَذِهِ الشَّرْبَةَ.
فَلَمْ تَزَلْ بِي حَتَّى قُمْتُ فَشَرِبْتُ جُزْأَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ فِي
بَطْنِي وَتَقَارَّ أَخَذَنِي مَا قَدُمَ وَمَا حدث، فَقلت: يجِئ الْآنَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَائِعًا ظمآنا فَلَا يَرَى
فِي الْقَدَحِ شَيْئًا، فَسَجَيَّتُ ثَوْبًا عَلَى وَجْهِي.
وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم فَسلم تَسْلِيمَة تسمع
الْيَقظَان وَلَا توقظ النَّائِمَ، فَكَشَفَ عَنْهُ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا،
فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اسْقِ مَنْ
سَقَانِي، وَأَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي ".
فَاغْتَنَمْتُ دَعْوَتَهُ وَقُمْتُ فَأَخَذْتُ الشَّفْرَةَ فَدَنَوْتُ
إِلَى الْأَعْنُزِ فَجَعَلْتُ أَجِسُّهُنَّ أَيَّتُهُنَّ أَسْمَنُ
لِأَذْبَحَهَا، فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى ضَرْعِ إِحْدَاهُنَّ فَإِذَا هِيَ
حَافِلٌ، وَنَظَرْتُ إِلَى الْأُخْرَى فَإِذَا هِيَ حَافِلٌ، فَنَظَرْتُ
فَإِذَا هُنَّ كُلُّهُنَّ حفل، فحلبت فِي إِنَاء فَأَتَيْتُهُ بِهِ
فَقُلْتُ: اشْرَبْ.
فَقَالَ: " مَا الْخَبَرُ يَا مِقْدَادُ؟ " فَقُلْتُ: اشْرَبْ ثُمَّ
الْخَبَرُ.
فَقَالَ: " بَعْضُ سَوْآتِكَ يَا مِقْدَادُ " فَشَرِبَ ثُمَّ قَالَ: "
اشْرَبْ " فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَشَرِبَ حَتَّى
تَضَلَّعَ ثُمَّ أَخَذْتُهُ فَشَرِبْتُهُ، ثُمَّ أَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هِيهِ "
فَقُلْتُ: كَانَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذِهِ بَرَكَةٌ مُنَزَّلَةٌ مِنَ السَّمَاءِ
أَفَلَا أَخْبَرْتَنِي
(4/666)
حَتَّى أَسْقِيَ صَاحِبَيْكَ؟ " فَقُلْتُ:
إِذَا شَرِبْتُ الْبَرَكَةَ أَنَا وَأَنْتَ فَلَا أُبَالِي مَنْ
أَخْطَأَتْ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِقْدَادِ.
فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ أَنَّهُ حَلَبَ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي
كَانُوا لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَحْلِبُوا فِيهِ، فَحَلَبَ حَتَّى عَلَتْهُ
الرَّغْوَةُ.
وَلَمَّا جَاءَ بِهِ قَالَ لَهُ رَسُول الله: " أَمَا شَرِبْتُمْ
شَرَابَكُمُ اللَّيْلَةَ يَا مِقْدَادُ؟ " فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي فَأَخَذْتُ مَا بَقِيَ ثُمَّ شَرِبْتُ.
فَلَمَّا عرفت أَن رَسُول الله قَدْ رَوَى فَأَصَابَتْنِي دَعْوَتُهُ
ضَحِكْتُ حَتَّى أُلْقِيتُ إِلَى الارض، فَقَالَ رَسُول الله: " إِحْدَى
سَوْآتِكَ يَا مِقْدَادُ! ".
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ مِنْ أَمْرِي كَذَا، صَنَعْتُ كَذَا.
فَقَالَ: " مَا كَانَتْ هَذِهِ إِلَّا رَحْمَةَ اللَّهِ، أَلَا كنت آذنتتى
تُوقِظُ صَاحِبَيْكَ هَذَيْنِ فَيُصِيبَانِ مِنْهَا " قَالَ: قُلْتُ:
وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُبَالِي إِذَا أَصَبْتَهَا
وَأَصَبْتُهَا مَعَكَ مَنْ أَصَابَهَا مِنَ النَّاسِ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ
سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِهِ.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مُهَاجِرٌ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أبوالزنباع روح بن الْفرج، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ، سَمِعْتُ بُكَيْرًا يَقُولُ: سَمِعت مُهَاجرا مولى أم
سَلمَة قَالَ: خَدَمَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سِنِين فَلم يقل لى لشئ صَنعته لم صَنعته، وَلَا لشئ تَرَكْتُهُ لِمَ
تَرَكْتَهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: خَدَمْتُهُ عَشْرَ سِنِين أَو خمس سنة.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَبُو السَّمْحِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن إِسْحَاق الثقفى: حَدثنَا مُجَاهِد بن
مُوسَى، حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهدى، حَدثنَا يحيى بن الْوَلِيد،
حَدَّثَنى مَحل ابْن خَلِيفَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو السَّمْحِ، قَالَ: كُنْتُ
أَخْدِمُ رَسُول الله.
قَالَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ
(4/667)
يَغْتَسِلَ قَالَ: نَاوِلْنِي إِدَاوَتِي،
قَالَ: فَأُنَاوِلُهُ وَأَسْتُرُهُ، فَأُتِيَ بِحَسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ
فَبَالَ عَلَى صَدْرِهِ، فَجِئْتُ لِأَغْسِلَهُ فَقَالَ: " يُغْسَلُ مِنْ
بَوْلِ الْجَارِيَةِ، ويرش من بَوْل الْغُلَام ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ
مُجَاهِدِ بْنِ مُوسَى.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَفْضَلُ الصَّحَابَةِ عَلَى
الْإِطْلَاقِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَوَلَّى
خِدْمَتَهُ بِنَفْسِهِ فِي سَفْرَةِ الْهِجْرَةِ، لَا سِيَّمَا فِي
الْغَارِ وَبَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْهُ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى الْمَدِينَةِ.
كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ مَبْسُوطا وَللَّه الْحَمد والْمنَّة.
(4/668)
فصل وَأما كُتَّابُ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ
بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَرَضِيَ عَنْهُمْ
أَجْمَعِينَ
فَمِنْهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ
وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمِنْهُمْ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ
عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ الْأُمَوِيُّ.
أَسْلَمَ بَعْدَ أَخَوَيْهِ خَالِدٍ وَعَمْرٍو، وَكَانَ إِسْلَامُهُ بَعْدَ
الْحُدَيْبِيَةِ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَجَارَ عُثْمَانَ حِينَ بَعَثَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أهل مَكَّة يَوْم
الْحُدَيْبِيَة، وَقيل خَيْبَرَ، لِأَنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي الصَّحِيحِ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِسْمَةِ غَنَائِمِ خَيْبَرَ.
وَكَانَ سَبَبُ إِسْلَامِهِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِرَاهِبٍ وَهُوَ فِي
تِجَارَةٍ بِالشَّامِ فَذَكَرَ لَهُ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: مَا اسْمُهُ؟ قَالَ:
مُحَمَّدٌ.
قَالَ: فَأَنَا أَنْعَتُهُ لَكَ، فَوَصَفَهُ بِصِفَتِهِ سَوَاءً وَقَالَ:
إِذَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ.
فَأَسْلَمَ بَعْدَ مَرْجِعِهِ وَهُوَ أَخُو عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ
الْأَشْدَقِ الذى قَتله عبد الْملك ابْن مَرْوَانَ.
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ كَتَبَ
الْوَحْيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَإِذَا لَمْ يَحْضُرْ كَتَبَ زَيْدُ بن
ثَابت، وَكتب لَهُ عُثْمَان وخَالِد ابْن سعيد وَأَبَان بن سعيد.
هكدا قَالَ.
يَعْنِي بِالْمَدِينَةِ، وَإِلَّا فَالسُّوَرُ الْمَكِّيَّةُ لَمْ يَكُنْ
أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ حَالَ نُزُولِهَا، وَقَدْ كَتَبَهَا الصَّحَابَةُ
بِمَكَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
(4/669)
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَفَاةِ أَبَانِ بْنِ سَعِيدٍ هَذَا، فَقَالَ مُوسَى
بْنُ عُقْبَةَ وَمُصْعَبُ بْنُ الزبير وَالزُّبَيْر ابْن بَكَّارٍ
وَأَكْثَرُ أَهْلِ النَّسَبِ: قُتِلَ يَوْمَ أَجْنَادِينَ، يَعْنِي فِي
جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ.
قَالَ آخَرُونَ: قُتِلَ يَوْمَ مَرَجِ الصُّفَّرِ سَنَةَ أَرْبَعَ
عَشْرَةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: قُتِلَ هُوَ وَأَخُوهُ عَمْرٌو يَوْمَ
الْيَرْمُوكِ، لِخَمْسٍ مَضَيْنَ مِنْ رَجَبٍ |