السيرة النبوية وأخبار الخلفاء

ذكر مولد «1» رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخبرنا «2» أحمد بن الحسن «2» بن عبد الجبار الصوفي ببغداد ثنا يحيى بن معين ثنا حجاج بن محمد [عن يونس بن أبي إسحاق] «3» عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل.
قال أبو حاتم: ولد «4» النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين لاثنتي
__________
(1) من م، وفي ف وس «مولود» .
(2- 2) في ف وس: الحسين، خطأ، وله ترجمة في تاريخ بغداد 4/ 82 وفي آخرها «ذكر أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي النيسابوري أنه سأل أبا الحسن الدارقطني عن أحمد بن الحسن ابن عبد الجبار الصوفي فقال: «ثقة» وله ترجمة أيضا في تذكره الحفاظ 2/ 689.
(3) زيدت هذه العبارة من م، وموضعها في ف وس بياض.
(4) في تاريخ ولادته صلى الله عليه وسلم اختلاف، قال ابن عساكر في ذكر مولده 1/ 280 ما نصه «روى البيهقي في دلائل النبوة بسنده إلى ابن عباس أنه قال: ولد نبيكم يوم الاثنين ونبىء يوم الاثنين، وخرج من مكة يوم الاثنين، وفتح مكة يوم الاثنين، ونزلت سورة المائدة يوم الاثنين «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي» وتوفي يوم الاثنين (زاد في رواية: ودخل المدينة يوم الاثنين، ورفع الحجر يوم الاثنين) وفي رواية ابن إسحاق أن ولادته كانت في ربيع الأول، وفيه كانت هجرته ووفاته. وروى شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: حمل برسول صلى الله عليه وسلم في عاشوراء المحرم وولد يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان سنة ثلاث وعشرين من غزوة أصحاب الفيل، وقد اختلفت الروايات في شهر مولده الشريف وفي عام ولادته أيضا كما رأيت بعض ذلك، فمن قائل إنه ولد يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة من شهر ربيع الأول، ومن قائل: إنه ولد لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان حين طلع الفجر، وفي ليلة مولده حجبت الشياطين عن استراق السمع ورميت بالشهب» وفيها أقوال غير ذلك، وذكر اليعقوبي في تاريخه 2/ 7 «وكان مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، بينه وبين الفيل خمسون ليلة، وولد على ما قال أصحاب الحساب بقران العقرب. قال- ما شاء الله- المنجم: كان طالع السنة التي

(1/33)


عشرة «1» ليلة مضت من شهر ربيع الأول في اليوم الذي بعث الله طيرا أبابيل على أصحاب الفيل، وكان من شأن الفيل [أن] «2» ملكا كان باليمن غلب عليها وكان أصله من الحبشة يقال له «أبرهة» «3» بنى كنيسة بصنعاء فسماها «القليس» «4» وزعم «5» أنه
__________
كان فيها القران الذي دل على مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم الميزان اثنتين وعشرين درجة حد الزهرة وبيتها والمشتري في العقرب ثلاث درجات وثلاثا وعشرين دقيقة، وزحل في العقرب ست درجات وثلاثا وعشرين دقيقة راجعا، والزهرة في الحمل على درجة وست وخمسين دقيقة، وعطارد في الحمل على ثاني عشرة درجة وست وعشرة دقيقة راجعا، والمريخ في الجوزاء اثنتي عشرة درجة وخمس عشرة دقيقة والقمر وسط السماء في السرطان درجة وعشرين دقيقة.
(1) في ف وس «لاثني عشر» خطأ.
(2) من دلائل النبوة للبيهقي، وليس في ف وس.
(3) وهو أبرهة بن الصباح- معجم البلدان، وذكر البيهقي في دلائل النبوة قصته مفصلة وفيه «يقال له أبرهة ابن الأشرم وهو أبو يكسوم» .
(4) التصحيح من م ومعجم البلدان لياقوت وفيه «القليس: تصغير قلس وهو الحبل الذي يصير من ليف النخل أو خوصه، لما ملك أبرهة بن الصباح اليمن بنى بصنعاء مدينة لم ير الناس أحسن منها ونقشها بالذهب والفضة والزجاج والفسيفساء وألوان الأصباغ وصنوف الجواهر، وجعل فيه خشبا له رؤوس كرؤوس الناس، ولككها بأنواع الأصباغ، وجعل لخارج القبة برنسا، فإذا كان يوم عيدها كشف البرنس عنها فيتلألأ رخامها مع ألوان أصباغها حتى تكاد تلمع البصر وسماها القليس بتشديد اللام.
(5) ذكر ابن هشام في سيرته قصة الفيل بهامش الروض الأنف 1/ 42 ما لفظه «قال ابن إسحاق: فخرج الكناني حتى أتى القليس فقعد فيها (قال ابن هشام) يعني: أحدث فيها. قال ابن إسحاق ثم خرج فلحق بأرضه فأخبر بذلك أبرهة فقال: من صنع هذا؟ فقيل له: صنع رجل من العرب من أهل هذا البيت الذي تحج العرب إليه بمكة لما سمع قولك: أصرف إليها حج العرب، غضب فجاء فقعد فيها أي ليست لذلك بأهل؛ فغضب عند ذلك أبرهة وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه، ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت، ثم سار وخرج معه بالفيل، وسمعت بذلك العرب فأعظموه وفظعوا به ورأوا جهاده حقا عليهم حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام، فخرج إليه رجل كان من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له «ذو نفر» فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله الحرام وما يريد من هدمه وإخرابه، فأجابه إلى ذلك من أجابه، ثم عرض له فقاتله فهزم ذو نفر وأصحابه وأخذ له ذو نفر فأتى به أسيرا، فلما أراد قتله قال له ذو نفر: أيها الملك لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي، فتركه من القتل وحبسه عنده في وثاق، وكان أبرهة رجلا حليما، ثم مضى أبرهة على وجه ذلك يريد ما خرج له حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل ابن حبيب الخثعمي في قبيلى خثعم شهران وناهس ومن تبعه من قبائل العرب فقاتله، فهزمه أبرهة

(1/34)


يصرف إليها حج العرب، وحلف أنه يسير إلى الكعبة فيهدمها «1» ، فخرج ملك «2» ، من ملوك حمير فيمن أطاعه من قومه يقال له «ذو نفر» فقاتله، فهزمه أبرهة وأخذه، فلما أتى به قال [له] «3» ذو نفر: أيها الملك! لا تقتلني «4» فإن استبقائي «4» خير لك من قتلي، فاستبقاه «5» ، وأوثقه، ثم خرج سائرا يريد «6» الكعبة، حتى [إذا] «3» دنا «7» من بلاد خثعم خرج إليه النفيل «8» بن حبيب الخثعمي ومن اجتمع إليه من قبائل اليمن فقاتلوه، فهزمهم وأخذ النفيل، فقال النفيل: أيها الملك! إني عالم بأرض العرب فلا تقتلني وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة، فاستبقاه وخرج معه يدله، حتى إذا بلغ الطائف خرج معه مسعود «9» بن معتب في رجال من ثقيف فقال: أيها الملك! نحن عبيد لك ليس [لك] «3» عندنا خلاف، وليس بيتنا «10» وبيتك «10» الذي تريد- يعنون «11» - اللات إنما تريد البيت الذي بمكة، نحن نبعث معك من يدلك عليه، فبعثوا معه مولى لهم يقال له «أبو رغال» ، فخرج معهم [حتى] «3» إذا كان بالمغمس «12»
__________
وأخذ له نفيل أسيرا فأتى به، فلما هم بقتله قال له نفيل: أيها الملك لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب وهاتان يداي لك على قبيلى خثعم شهران وناهس بالسمع والطاعة، فخلى سبيله وخرج به معه يدله حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب بن مالك ... في رجال ثقيف» .
(1) من م، وفي ف وس «يهدمها» .
(2) وقع في ف وس «ملكا» خطأ.
(3) من م فقط.
(4- 4) من م، وفي ف وس «في استباقي» كذا.
(5) في ف «فاستحياه» .
(6) من م، وفي ف وس «يريه» .
(7) في ف «دنى» .
(8) في الروض الأنف «نفيل» .
(9) من م والروض، وفي ف وس «مسود» .
(10- 10) ليس في م.
(11) في م «يعني» .
(12) في ف وس «بالمغمر» خطأ، والتصحيح من م ومعجم البلدان، ولفظ المعجم: المغمس- بالضم ثم الفتح وتشديد الميم وفتحها، اسم المفعول من غمست الشيء في الماء إذا غيبته فيه موضع، قرب

(1/35)


مات «أبو رغال» وهو «1» الذي رجم قبره، وبعث أبرهة من المغمس رجلا يقال له الأسود بن مقصود «2» على مقدمة خيله، فجمع إليه «3» أهل الحرم «3» ، وأصاب لعبد المطلب مائتي بعير بالأراك «4» ، ثم بعث أبرهة حناطة «5» الحميري إلى أهل مكة فقال «6» : سل عن شريفها ثم أبلغه أني لم آت لقتال، إنما «7» جئت لأهدم هذا البيت، فانطلق حناطة «5» حتى دخل مكة، فلقي عبد المطلب بن هاشم فقال «6» : إن الملك أرسلني إليك ليخبرك أنه لم يأت لقتال إلا أن تقاتلوه، إنما جاء لهدم هذا البيت ثم الانصراف عنكم، فقال «8» عبد المطلب «8» ما عندنا له [قتال] «9» ، فقال: سنخلي بينه [وبين البيت، فإن خلى الله بينه] «9» وبينه فو الله ما لنا به قوة! قال: فانطلق معي إليه، قال «10» : فخرج معه حتى قدم المعسكر «11» وكان «ذو نفر» صديقا لعبد المطلب فأتاه فقال: يا ذا نفر! هل عندكم من غناء فيما نزل بنا؟ فقال:
ما غناء رجل أسير لا يأمن أن [يقتل] «9» بكرة وعشية، ولكن سأبعث لك إلى أنيس
__________
مكة في طريق الطائف مات فيه أبو رغال وقبره يرجم لأنه كان دليل صاحب الفيل فمات هناك، قال أمية بن الصلت الثقفي يذكر ذلك:
إن آيات ربنا ظاهرات ... ما يماري فيهن إلا الكفور
حبس الفيل بالمغمس حتى ... ظل يحبو كأنه معقور
(1) في م «فهو» .
(2) التصحيح من الطبري 2/ 111، وفي م: مقصور، وفي ف: معصور- خطأ، وفي الروض «مفصود» كذا، ولعله «مقصود» .
(3- 3) في م «أموال الحرم» ، وفي الطبري «أموال أهل مكة» .
(4) في المعجم «وهو وادي الأراك قرب مكة يتصل بغيقة» .
(5) من م والروض وابن جرير، وفي ف «خياط» كذا.
(6) في م «ثم قال» .
(7) في ف وس «إذا نا» .
(8- 8) سقط من م.
(9) زيد من م فقط.
(10) سقط من م.
(11) في م والروض «العسكر» .

(1/36)


سائس الفيل فأمره أن يضع لك «1» عند الملك ما استطاع [من خير] «2» ويعظم خطرك «3» ومنزلتك عنده، قال: فأرسل إلى أنيس فأتاه، فقال: إن هذا سيد «4» قريش، صاحب عين «5» مكة [الذي] يطعم الناس في السهل والوحوش في الجبال وقد أصاب [له] «2» الملك مائتي بعير، فإن استطعت أن تنفعه عنده فانفعه فإنه صديق لي، فدخل أنيس على أبرهة فقال: أيها الملك! هذا سيد قريش وصاحب عين مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في الجبال يستأذن عليك وأنا أحب أن تأذن له، [فقد] «6» جاءك غير ناصب لك ولا مخالف عليك. فأذن له، وكان عبد المطلب رجلا عظيما [جسيما] «2» وسيما، فلما رآه أبرهة عظمه وأكرمه، وكره أن يجلس معه على سريره وأن «7» يجلس تحته «8» ، فهبط إلى البساط «9» فجلس «10» عليه معه «10» ، فقال له عبد المطلب: [أيها الملك] «11» إنك قد أصبت لي مالا عظيما فأردده عليّ، فقال له «12» : لقد [كنت] «13» أعجبتني حين رأيتك ولقد زهدت فيك، قال: ولم؟ قال: جئت إلى بيت هو دينك ودين آبائك وعصمتكم ومنعتكم لأهدمه فلم تكلمني فيه وتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك! قال: أنا رب
__________
(1) من م، وفي ف وس «كد» مصحفا.
(2) من م فقط.
(3) من م، وفي ف وس «ذكرها» .
(4) من م، وفي ف وس «أسير» خطأ.
(5) في س وف «من» .
(6) من م، وموضعه في ف وس بياض.
(7) كرر في ف وس «وأن» .
(8) من م، ووقع في ف وس «تحت» .
(9) في م «بساط» .
(10- 10) في م «معه عليه» .
(11) زيد من م، وقد سقط من ف وس.
(12) ليس في م.
(13) زيد من م، وليس في ف وس.

(1/37)


هذه الإبل، ولهذا البيت رب سيمنعه! قال: ما كان ليمنعه مني! قال: فأنت وذاك! قال: فأمر بإبله «1» فردت عليه، ثم خرج عبد المطلب وأخبر قريشا الخبر وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب «2» ، وأصبح أبرهة بالمغمس «3» قد تهيأ للدخول وعبّى جيشه وقرّب فيله وحمل عليه ما أراد أن يحمل وهو قائم، فلما حرّكه وقف وكاد أن يرزم إلى الأرض فيبرك «4» ، فضربوه بالمعول في رأسه فأبى، فأدخلوا محاجنهم تحت أقرانه ومرافقه فأبى، فوجهوه إلى اليمن فهرول، فصرفوه إلى الحرم فوقف، ولحق الفيل بجبل من تلك الجبال، فأرسل [الله] «5» الطير من البحر كالبلسان «6» ، مع كل طير ثلاثة أحجار: حجران في رجليه، وحجر في منقاره، ويحملن «7» أمثال الحمص والعدس من الحجارة، فإذا غشين القوم أرسلنها عليهم، فلم تصب «8» تلك الحجارة أحد «9» إلا هلك، وليس كل القوم أصاب «10» فذلك قول الله تعالى «11» أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ السورة كلها «12» ، وبعث الله على أبرهة
__________
(1) من م، وفي ف وس «بابل» .
(2) من م، وفي الأصلين «السحاب» خطأ.
(3) من م، وفي الأصلين «بالمفيس» خطأ.
(4) في م «قبرك» .
(5) زيد من م.
(6) التصحيح من مجمع بحار الأنوار وفيه «بعث الله الطير على أصحاب الفيل كالبلسان، قال عباد أظنها الزرازير» والبلسان شجر كثير الورق ينبت بمصر وله دهن معروف، وفي ف وس «كالبلساد» ، وفي م «كاليلساه» كل ذلك خطأ، وقال البيهقي في دلائل النبوة ما نصه «عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن عباس في قوله تعالى: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ تَرْمِيهِمْ قال طير لها خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكف الكلاب.
(7) في م «تحملن» .
(8) من م، وفي ف وس «يصب» .
(9) كذا في الأصول، والظاهر «أحدا» .
(10) من م، وفي ف وس «أصابت» .
(11) وفي ف وس «عز وجل» .
(12) زاد في م «ألم يجعل» إلى «ماكول» .

(1/38)


داء في جسده، ورجعوا سراعا يتساقطون في كل بلد، وجعل أبرهة تتساقط أنامله «1» ، كلما سقطت أنملة اتبعها مدة «2» من قيح ودم فانتهى إلى اليمن وهو مثل فرخ الطير فيمن بقي من أصحابه ثم مات، فلما هلك استخلف ابنه [يكسوم] «3» بن أبرهة فهذا ما كان من شأن الفيل، وسميت «4» هذه السنة «سنة الفيل» .