السيرة النبوية وأخبار الخلفاء

السنة الثالثة من الهجرة
أخبرنا أحمد «5» بن علي بن المثنى ثنا أبو يعلى بالموصل ثنا إسحاق «6» بن إبراهيم بن أبي إسرائيل ثنا سفيان عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لكعب بن الأشرف؟ «7» فإنه قد آذى الله ورسوله» ! فقال له محمد بن مسلمة «8» : أنا له «9» يا رسول الله! «10» أتأذن لي أقول شيئا؟
قال: «بلى» ، فأتاه فقال: إن هذا سألنا صدقة في أموالنا، قال وأيضا «10» :
__________
(1) في ف: أبا سفيان.
(2) في ف: يلعون.
(3) في ف «مطعون» .
(4) زاد في الطبري: «فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع، وجعل عند رأسه حجرا علامة لقبره» .
(5) يأتي ترجمته في الجزء الرابع من هذا الكتاب.
(6) ذكر ابن حجر ترجمته في التهذيب 1/ 223.
(7) وقد ذكره الطبري 3/ 3 بإسناده باختلاف يسير، وفي ابتدائه «من لي من ابن الأشرف» وفي المغازي 1/ 187 «من لي بابن الأشرف فقد آذاني ... » .
(8) من الطبري والمغازي والإصابة؛ وفي ف «سلمة» .
(9) في الطبري «لك به» ، وفي المغازي «به» .
(10- 10) كذا ذكر مختصرا؛ وفي الطبري تمامه «أنا أقتله، قال: فافعل إن قدرت على ذلك، فرجع محمد

(1/212)


والله ... «1» قال: فإنا قد اتبعناه فنكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه، وإني قد أتيتك استسلفك، قال: «فارهنوا نسائكم» ، قالوا: كيف نرهنك نساءنا؟
وكنت أجمل العرب، قال: فارهنوني أبناءكم» ، قالوا: كيف نرهنك أبناءنا؟ تسب الدهر وتعير، فيقال: رهين بوسق أو وسقين «2» ، ولكنا نرهنك اللأمة «3» أي السلاح، فأتاه «4» ومعه أبو عبس بن جبر «5» والحارث بن [أوس بن] معاذ وعباد بن بشر وأبو
__________
ابن مسلمة فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب إلا ما يعلق نفسه، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال له: «لم تركت الطعام والشراب» ؟ قال: يا رسول الله! قلت قولا لا أدري أفي به أم لا، قال: «إنما عليك الجهد» ، قال: يا رسول الله! إنه لا بد لنا من أن نقول، قال: «قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك» . قال: فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة وسلكان بن سلامة بن وقش وهو أبو نائلة أحد بني عبد الأشهل- وكان أخا كعب من الرضاعة، وعباد بن بشر بن وتش أحد بني عبد الأشهل والحارث بن أوس بن معاذ أحد بني عبد الأشهل وأبو عبس بن جبر أخو بني حارثة، ثم قدموا إلى ابن الأشرف قبل أن يأتوه سلكان بن سلامة أبا نائلة، فجاءه فتحدث معه ساعة وتناشدا شعرا، وكان أبو نائلة يقول الشعر ثم قال: ويحك يا ابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فأكتم علي، قال: افعل، قال: كان قدوم هذا الرجل بلاء عادتنا العرب ورمونا عن قوس واحدة وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال وجهدت الأنفس وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا، فقال كعب: أنا ابن الأشرف، أما والله لقد كنت أخبرتك يا ابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما كنت أقول، فقال سلكان: إني قد أردت أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك وتحسن في ذلك، قال: ترهنوني أبناءكم، فقال: قد أردت أن تفضحنا إن معي أصحابا لي على مثل رأيي وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن ذلك ونرهنك من الحلقة ما فيه لك وفاء، وأراد سلكان أن لا ينكر السلاح إذا جاءوا بها، فقال: إن في الحلقة لوفاء. قال: فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره وأمرهم أن يأخذوا السلاح فينطلقوا فيجتمعوا إليه، فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
(1) كذا، هنا بياض في الأصل، وفي المغازي 1/ 188 «فقال كعب: قد والله كنت أحدثك بهذا يا ابن سلامة أن الأمر سيصير إليه ... » .
(2) كذا، وفي الطبقات 1/ 23 «قالوا إنا نستحي أن يعير أبناؤنا فيقال هذا رهينة وسق وهذا رهينة وسقين» .
(3) وفي الأقرب: «اللأمة- بالفتح: الدرع» .
(4) في ف «فأناد» خطأ.
(5) من الطبري، وفي ف «حبر» .

(1/213)


نائلة، فقال لهم محمد بن مسلمة: إني محبس رأسه وممسكه «1» ، فإذا قلت «اضربوا» فاضربوا. فقال له محمد بن مسلمة: أتأذن لي أن أشم «2» رأسك؟
فقال: نعم، فمس وقال: ما أطيبك وما أطيب ريحك! قال: عندي فلانة وهي أعظم نساء العرب، ثم قال له: أتأذن لي أن أشم «2» رأسك؟ قال: نعم، فمس رأسه حتى استمكن منه، قال لهم: اضربوه، فضربوه حتى قتلوه، فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه.
قال: خرج كعب بن الأشرف إلى مكة فقدمها ووضع رجله عند المطلب «3» ابن أبي وداعة السهمي وجعل ينشد الأشعار ويحرض الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبكي على قتلى بدر من أصحاب القليب، ثم رجع إلى المدينة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من لكعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذى الله ورسوله! فقال محمد بن مسلمة: أنا إن تأذن أن أقول- يريد- كذبا في الحرب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج محمد بن مسلمة، ومعه أربعة نفر: أبو عبس بن جبر، وعباد بن بشر بن وقش، وأبو نائلة «4» سلكان بن سلامة بن وقش، والحارث بن أوس بن معاذ بن أخي سعد بن معاذ! فانتهوا إلى كعب بن الأشرف وهو في أطم «5» من آطام المدينة، فقال له محمد بن مسلمة: إن محمدا يأخذ صدقة أموالنا- وأراد «6» المال منه- ثم قال له: أتيتك أستسلفك فأرهن «7» السلاح، ثم جاء يغمر رأسه، فلما استمكن منه ضربه وضربوه حتى قتل، واحتزوا رأسه وجاءوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) في ف «مشمكموه» مصحفا.
(2- 2) في ف «أسر» .
(3) وقع في ف «المكلب» مصحفا، والتصحيح من الطبري 3/ 3 وفيه «حتى قدم مكة فنزل على المطلب ابن أبي وداعة» .
(4) التصحيح من الطبري، وفي ف «نايكة» خطأ.
(5) في ف «أطام» .
(6) في ف «أراه» كذا.
(7) في ف «فارهنوا» وقد مضى ما في الطبري آنفا.

(1/214)


ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة قرقرة الكدر «1» ، حامل لواءه علي بن أبي طالب، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، ثم رجع ولم يلق كيدا.
ثم زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم كلثوم ابنته الأخرى من عثمان بن عفان في أول شهر ربيع الأول.
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة «2» بذي أمر «2» في شهر ربيع الأول، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا أمر «3» عسكر به ذا من «4» غطفان، أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر فبل ثوبه، [ثم نزع ثيابه] «5» فعلقها على شجرة ليستجفها ونام تحتها، فقالت غطفان «6» لدعثور بن الحارث وكان شجاعا: تفرد «7» محمد «8» من أصحابه وأنت لا تجد «9» أخلى منه الساعة! فأخذ سيفا صارما ثم انحدر ورسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجع ينتظر جفوف ثيابه، فلم يشعر إلا بدعثور بن الحارث واقف على رأسه بالسيف وهو
__________
(1) من السيرة 2/ 119 وفيه: يقال له الكدر فأقام عليه ثلاث ليال ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا» وفي المغازي 1/ 182 «غزوة قرارة الكدر» وبهامشه «ويقال قرقرة الكدر، وهي بناحية معدن بني سليم قريب من الأخضية وراء سد معونة، وبين المعدن وبين المدينة ثمانية برد» .
(2- 2) في ف «أنمار» كذا.
(3) التصحيح من الخصائص الكبرى، 1/ 210، وفي الأصل «أمن» مصحفا، وفي معجم البلدان «أمر بلفظ الفعل من أمر يأمر معرب ذو أمر- موضع غزاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. قال الواقدي هو من ناحية الخيل وهو بنجد من ديار غطفان وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في ربيع الأول من سنة ثلاث للهجرة لجمع بلغه أنه اجتمع من محارب وغيرهم فهرب القوم منهم إلى رؤوس الجبال وزعيمها دعثور بن الحارث المحاربي فعسكر المسلمون بذي أمر ... » .
(4) في الأصل «أمن» كذا.
(5) من المغازي 1/ 195، وفيه: وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وادي ذي أمر بينه وبين أصحابه ثم نزع ثيابه فنشرها لتجف وألقاها على شجرة» .
(6) في الأصل «عطفان» .
(7) في المغازي «قد انفرد من أصحابه» .
(8) في ف «محمدا» .
(9) في ف «لا تجرد» .

(1/215)


يقول: من يمنعك مني؟ يا محمد! فقال «1» رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الله] «2» ! ودفعه جبريل في صدره فوقع السيف من يده، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف، ثم قام على رأسه وقال: من يمنعك مني؟ قال: لا أحد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قم فاذهب لشأنك» ، فلما ولى قال: أنت خير نبي يا محمد! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أحق بذلك منك» ، فلما سمعت الأعراب من غطفان برسول الله صلى الله عليه وسلم لحقت بذي الجبال، فلما أعجزوه رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة «3» .
وولد السائب «4» بن يزيد ابن أخت نمر.
وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر جمادى الأولى «5» بحران معدن بناحية الفرع، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلق كيدا «6» .

ثم كانت سرية الفردة
وذلك أن قريشا قالت: قد عور «7» علينا محمد متجرنا وهو على طريقنا، وإن أقمنا بمكة أكلنا رؤوس أموالنا؛ فقال أبو زمعة «8» بن الأسود بن المطلب «9» : أنا
__________
(1) في ف: فقام.
(2) من المغازي.
(3) ذكره السيوطي في الخصائص الكبرى 1/ 210 بر؟؟؟ الواقدي- فراجمها.
(4) له ترجمة في الإصابة 3/ 62.
(5) من المغازي 1/ 196، وفي ف «الأول» وفي السيرة 3/ 2 «ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا فلبث بها شهر ربيع الأول كله إلا قليلا منه، ثم غزا يريد قريشا وبني سليم حتى بلغ بحران معدنا بالحجاز من ناحية الفرع، فأقام بها شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى ... » .
(6) في المغازي «استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم» .
(7) من الطبري، وفي ف «عود» ؛ وفي المغازي 1/ 197 «فقال صفوان بن أمية: إن محمدا وأصحابه قد عوروا علينا متجرنا، فما ندري كيف نصنع بأصحابه لا يبرحون الساحل وأهل الساحل قد وادعهم ودخل عامتهم معه فما ندري أين نسلك وإن أقمنا نأكل رؤوس أموالنا ونحن في دارنا هذه ما لنا بها نفاق ... » .
(8) كذا في ف والمغازي، وفي الطبري 3/ 6: زمعة.
(9) في ف «المطلب» خطأ.

(1/216)


أدلكم على رجل يسلك بكم طريقا ينكب عن محمد وأصحابه، لو سلكها مغمض «1» العينين «2» لاهتدى! فقال صفوان بن أمية: من هو؟ قال: فرات بن حيان العجلي- وكان دليلا، فاستأجره صفوان بن أمية وخرج بهم في الشتاء وسلك بهم على ذات عرق «3» ثم على غمرة «4» ، فلما بلغ الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث زيد بن حارثة في جمادى الأولى «5» ، فاعترض العير فظفر بها، وأفلت أعيان القوم وأسر فرات بن حيان العجلي، وكان له مال كثير وأواقي من فضة، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم على من حضر الواقعة وأخذ الخمس عشرين ألفا، وأطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فرات بن حيان فرجع إلى مكة «6» .
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفصة بنت عمر بن الخطاب، قال عمر بن الخطاب: لما تأيمت «7» حفصة «8» لقيت عثمان بن عفان فعرضتها عليه، فقال «9» :
إن شئت زوجتك حفصة، قال: سأنظر في ذلك، فمكث ليال ثم لقيني فقال: بدأ
__________
(1) التصحيح من الطبري والمغازي، وفي ف «معمص» .
(2) كذا، وفي المغازي «العين» .
(3) في معجم البلدان «ذات عرق: منهل أهل العراق، وهو الحد بين نجد وتهامة» .
(4) من الطبري، وفي ف «عمرة» .
(5) في المغازي والطبري «جمادى الآخرة» .
(6) في المغازي «وكان في الأسرى فرات بن حيان فأتى به فقيل له: أسلم، إن تسلم نتركك من القتل، فأسلم فتركه من القتل» وانظر الطبري أيضا.
(7) في مجمع بحار الأنوار «تأيمت حفصة من ابن خنيس لا تتزوج» .
(8) لها ترجمة في الإصابة 8/ 50 وفيها «حفصة بنت عمر بن الخطاب أمير المؤمنين هي أم المؤمنين ... وكانت قبل أن يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم عند خنيس بن حذافة وكان ممن شهد بدرا ومات بالمدينة فانقضت عدتها فعرضها عمر على أبي بكر فسكت فعرضها على عثمان حين ماتت رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما أريد أن أتزوج اليوم، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هو خير من حفصة، فلقي أبو بكر عمر قال: لا تجد علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر حفصة فلم أكن أفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لزوجتها، وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بعد عائشة» .
(9) كذا، والصواب: فقلت.

(1/217)


لي أن لا أتزوج يومي هذا؛ قال عمر: فلقيت أبا بكر فقلت له: إن شئت زوجتك حفصة! فصمت أبو بكر ولم يرجع إليّ بشيء، فكنت على أبي بكر «1» أوجد مني على عثمان، ثم مكثت ليال فخطبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت في نفسك؟ فقلت: نعم، فقال أبو بكر: لم يمنعني أن أرجع إليك فيها بشيء إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان ذكرها فلم أكن أفشي سره، ولو تركها قبلتها «2» .
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب «3» بنت خزيمة من بني هلال التي يقال لها أم المساكين، ودخل بها حيث تزوجها في أول شهر رمضان، وكانت قبله تحت الطفيل بن الحارث فطلقها؛ ثم ولد الحسن بن علي بن أبي طالب في النصف من شهر رمضان، وعق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين وحلق رأسه، وأمر أن يصدق بوزن شعره فضة على الأوقاص «4» من المساكين.

ثم كانت غزوة أحد
وذلك أن أبا سفيان لما رجع بعيره إلى مكة قال عبد الله بن [أبي] «5» ربيعة المخزومي وعكرمة بن أبي جهل ورجال من قريش ممن «6» أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر: يا معشر قريش! إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا على حربه لعلنا [أن] «7» ندرك منه بعض ما أصاب منا! فاجتمعت قريش [على] المسير
__________
(1) في ف «أبو بكر» .
(2) وقد ذكره الطبري مختصرا- 3/ 9.
(3) لها ترجمة في الإصابة 8/ 94.
(4) الأوقاص أي الزعانف، وهي الطائفة من كل شيء، يقال: أتانا أوقاص من بني فلان- انظر تاج العروس (وقص) .
(5) من الطبري 3/ 10 والمغازي 199.
(6) من الطبري، وفي ف «من» .
(7) من الطبري.

(1/218)


إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحابيشها ومن أطاعها «1» من قبائل «2» مكة وغيرها «2» ، وخرجوا معهم بالظعن «3» ، فخرج أبو سفيان بن حرب بهند بنت عتبة بن ربيعة أم معاوية، وخرج عكرمة بن أبي جهل بأم حكيم «4» بنت الحارث بن هشام، وخرج الحارث بن هشام بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة، وخرج صفوان بن أمية ببرة «5» ابنة مسعود بن عمرو وهي أم عبد الله بن صفوان، وخرج عمرو بن العاص بريطة «6» ابنة منبه بن الحجاج السهمي وهي أم عبد الله بن عمرو، وخرج طلحة بن أبي طلحة بسلافة «7» ابن شهيد «8» أحد بني عروة بن عوف مع نسوة غيرهن «8» ، ودعا جبير بن مطعم غلامه وحشيا فقال: إن قتلت عم محمد حمزة بعمي «9» طعيمة بن عدي فأنت عتيق. فخرجت قريش تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا بعينين جبل ببطن السبخة «10» على شفير الوادي مما يلي المدينة وهم ثلاثة آلاف رجل، معهم من الخيل مائتا فرس، ومن الظعن خمسة عشر امرأة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع بهم: «إني رأيت فيما يرى النائم في ذباب سيفي ثلمة «11» ، ورأيت بقرة نحرت، ورأيت كأني أدخلت يدي في «12» درع حصينة «12» ؛ فتأولتها «13» المدينة» . وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج إليهم، فقال عبد الله
__________
(1) من الطبري، وفي ف «أطاعهما» كذا.
(2- 2) في الطبري: كنانة وأهل تهامة.
(3) من الطبري، وفي ف «خرجت معهم بالطعن» كذا.
(4) من الطبري وكتاب نسب قريش ص 311، وفي ف «أم حكيمة» وفي المغازي 1/ 203 «أم جهيم» .
(5) في المغازي والطبري «ببرزة» وفي الطبري «وقيل: ببرة» .
(6) من الطبري ونسب قريش ص: 411، وفي ف «بريكة» خطأ، وفي المغازي 1/ 203 «هند بنت منبه ابن الحجاج وهي أم عبد الله بن عمرو» .
(7) من الطبري، وفي ف «سلافة» .
(8- 8) كذا.
(9) التصحيح من الطبري، وفي الأصل «يعني» خطأ.
(10) انظر معجم البلدان 6/ 249.
(11) في الطبري 3/ 11 «ثلما» وفي ف «ثلعة» مصحف.
(12- 12) في ف: «دوع حصنة» ، والتصحيح من الطبري.
(13) كذا، وفي الطبري «فأولتها» .

(1/219)


ابن أبي بن سلول: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! لا تخرج إليهم، فو الله! ما خرجنا إلى عدو قط إلا أصاب منا، وما دخلها علينا إلا أصبناه. فقال رجال من المسلمين ممن كان فاتهم بدر: يا رسول الله! اخرج بنا إلى أعداء الله، لا يرون «1» أنا جبنّا «1» عنهم أو ضعفنا، فقال عبد الله بن أبي: يا رسول الله! أقم فإن [أقاموا] «2» أقاموا بشر مجلس «3» ، وإن دخلوا علينا قاتلهم «4» الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم «5» . فلم يزل برسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته «6» ثم خرج عليهم، وقد ندم الناس وقالوا: استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن لنا ذلك، ثم قالوا: يا رسول الله استكرهناك ولم يكن لنا ذلك، إن شئت فاقعد- صلى الله عليك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل» ! فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال يوم السبت في ألف رجل، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وصلى المغرب بالشيخين «7» في طرف المدينة- وقد قيل: بالشوط «8» .
__________
(1- 1) من الطبري، وفي ف «إن أجبنا» .
(2) زيد من الطبري.
(3) في المغازي 2/ 210: «محبس» .
(4) من الطبري، وفي ف «قاتلتهم» .
(5) زيد في الطبري «وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا» .
(6) زيد في الطبري بعده «وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة، وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال له مالك بن عمرو أحد بني النجار فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
(7) في ف: بالسخين، والتصحيح من الطبري، وفي معجم البلدان 5/ 319: «شيخان موضع بالمدينة كان فيه معسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة خرج لقتال المشركين بأحد» . وفي الطبري «قال أبو جعفر قال محمد بن عمر الواقدي انخزل عبد الله بن أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشيخين بثلاثمائة وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة، وكان المشركون ثلاثة آلاف والخيل مائتي فرس والظعن خمس عشرة امرأة. قال: وكان في المشركين سبعمائة دارع، وكان في المسلمين مائة دارع، ولم يكن معهم من الخيل إلا فرسان فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس لأبي بردة بن نيار الحارثي، فأدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشيخين حين طلعت الحمراء وهما أطمان كان يهودي ويهودية أعميان يقومان عليهما فيتحدثان فلذلك سميا الشيخين وهو في طرف المدينة» .
(8) من الطبري، وفي ف «بالشوك» ، انظر 5/ 308 من المعجم.

(1/220)


ثم عرض المقاتلة فأجاز من أجاز ورد من رد، فكان فيمن رد زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وأسيد بن ظهير «1» والبراء بن عازب وعرابة بن أوس الحارثي وأبو سعيد الخدري. وأجاز سمرة بن جندب، وأما رافع بن خديج فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استصغره، فقام على خفين «2» وتطاول على أطرافه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم أجازه. وكان دليل النبي صلى الله عليه وسلم أبو حثمة «3» الحارثي. فقال عبد الله بن أبي لمن معه:
أطاعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصاني، والله ما ندري على ما نقتل أنفسنا معه، أيها الناس ارجعوا! فعزل من العسكر ثلاثمائة رجل ممن تبعه ورجع بهم المدينة.
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة رجل وسلك حرة بني حارثة ثم نزل حتى مضى بالشعب من أحد في عدوة «4» الوادي وجعل ظهره إلى أحد، وقال: «لا يقاتلن أحد حتى آمره» .
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة عبد الله بن جبير أحد بني عمرو بن عوف، وهم خمسون رجلا، وقال: «انضح عنا الخيل لا يأتونا «5» من خلفنا، إن كانت علينا أو لنا فاثبت مكانك، لا نؤتين «6» من قبلك» ! ثم ظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم في درعين، وأعطى اللواء عليّ بن أبي طالب «7» ، وقال: «من يأخذ مني هذا السيف بحقه» ؟ قال أبو دجانة سماك بن خرشة: وما حقه يا رسول الله؟ قال:
«تضرب به في العدو حتى ينحني» ، فقال: يا رسول الله! أنا آخذه بحقه، فأعطاه إياه- وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال «8» عند الحرب، وكان إذا
__________
(1) من الطبري والمغازي 1/ 216، وفي ف «حضير» .
(2) من الطبري، وفي ف «حصير» كذا.
(3) من الطبري 3/ 13 والمغازي 1/ 218، وفي ف «حيثمة» .
(4) من الطبري، وفي ف «عدة» .
(5) من الطبري 3/ 13، وفي ف: لا نؤتى.
(6) من الطبري، وفي ف: لا تؤتين.
(7) في الطبري 3/ 14: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء رجلا من قريش يقال له مصعب بن عمير» .
(8) من الطبري، وفي ف «يحتال» .

(1/221)


أعلم «1» بعصابة «2» له حمراء ويعصب بها رأسه، فإذا رأوا ذلك علموا أنه سيقاتل؛ فأخذ السيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج عصابة فعصب بها رأسه ثم أخذ يتبختر بين الصفين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن» .
وتعبأت قريش، وجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل؛ وقال أبو سفيان بن حرب لأصحابه: إنكلم قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم وإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم «3» إذا مالت مالوا «3» فإما أن تكفونا لواءنا وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه «4» ، فهموا «5» به وتواعدوه وقالوا:
نحن نسلم إليك ستعلم كيف نصنع! وجاءت هند بنت عتبة والنسوة اللواتي «6» معها يحرضنهم على القتال، «7» وتقول فيما تقول «7» :
إن تقبلوا «8» نعانق ... ونفرش النمارق
أو «9» تدبروا نفارق ... فراق غير دامق «10»
وأول من خرج من المشركين أبو عامر بن أمية في الأحابيش وقال:
يا معشر الأوس! أنا أبو عامر! قالوا: فلا أنعم الله بك عينا، ثم راضخ «11»
__________
(1) وقع في ف «اعلم» مكررا.
(2) في ف «بعصباة» خطأ- والصواب ما أثبتناه ومثله في الطبري.
(3- 3) في الطبري 3/ 16: إذا زالت زالوا.
(4) كذا، وفي الطبري «فسنكفيكموه» .
(5) من الطبري، وفي ف «فهوا» خطأ.
(6) من الطبري 3/ 16، وفي ف «التي» .
(7- 7) في ف: يقول فيما يقول.
(8) من الطبري والمغازي 1/ 225، وفي ف «تقتلوا» كذا.
(9) من الطبري والمغازي، وفي ف «وإن» .
(10) من الطبري والمغازي، وفي ف «والق» خطأ. ويقال إن هذا الرجز لهند بنت طارق بن بياضة الإيادية في حرب الفهرس- انظر الروض الأنف 2/ 129.
(11) في ف «ناضح» . وفي الطبري «راضخهم» ، وفي المغازي «فتراموا» .

(1/222)


المسلمين بالحجارة وقاتلهم قتالا شديدا «1» ، وقاتل أبو دجانة في رجال من المسلمين حتى حميت الحرب وأنزل الله النصر، وكشفهم المسلمون عن معسكرهم، وكانت الهزيمة عليهم، فلم يكن بين أخذ المسلمين هندا وصواحبها إلا شيء يسير، وقتل علي بن أبي طالب طلحة وهو حامل لواء قريش، و [أبا] الحكم بن الأخنس بن شريق «2» ، وعبيد الله بن جبير بن أبي زهير «3» ، وأمية «4» بن أبي حذيفة بن المغيرة. وأخذ اللواء بعد طلحة أبو سعد «5» فرماه سعد بن أبي وقاص فقتله، وبقي اللواء صريعا لا يأخذه أحد، فتقدم رجل من المشركين يقال له صؤاب «6» فأخذ اللواء وأقامه لقريش، فكر المسلمون عليه حتى قطعوا يديه ثم قتل، وصرع اللواء.
فلما رأى الرماة الذين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشركين قد انهزموا وتركوا، تركوا مصافهم يريدون النهب وخلوا ظهور المسلمين للخيل، وأتاهم المشركون من خلفهم وصرخ صارخ: ألا! أن محمدا قد قتل! فانكشف المسلمون فصاروا بين قتيل وجريح ومنهزم حتى خلص [العدوّ إلى] رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصيب رباعيته، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم» .
ثم قام زياد بن السكن في خمسة من الأنصار، فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا حتى قتلوا، وكان آخرهم زياد بن السكن «7» فأثبتته الجراحة، وجاء المسلمون فأجهضوهم عنه «7» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادنوه مني» ! فوسده قدمه
__________
(1) من الطبري، وفي ف «شيريدا» .
(2) من المغازي 1/ 308، وفي ف «الحكم بن الأخنس بن شريف» .
(3) ما وجدناه في المراجع التي بين أيدينا، لعله «عبد الله بن حميد بن زهير، قتله أبو دجانة» المغازي 1/ 307.
(4) في ف «أبا أمية» ، والتصحيح من المغازي.
(5) هو أبو سعد بن أبي طلحة- انظر المغازي 1/ 227.
(6) من الطبري 3/ 17 والمغازي 1/ 230، وفي ف «صعاب» .
(7- 7) في ف «فأتيت فيه وجاء المسلمون فأحبضوهم عنه» ، وفي الطبري 3/ 18: كان آخرهم زياد أو

(1/223)


«1» حتى مات في حجره «1» ، وترّس «2» أبو دجانة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، فكانت النبل تقع في ظهره وهو ينحني «3» عليه حتى كثرت «4» فيه النبل. وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل، أصابه ابن قميئة «5» الليثي وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم رجع إلى قريش وقال: قتلت محمدا! والتقى حنظلة بن أبي عامر وأبو سفيان فاستعلى حنظلة أبا سفيان بالسيف، فلما رآه «6» ابن شعوب «7» أن أبا سفيان قد علاه حنظلة بالسيف ضربه فقتله، فقال رسول الله: «إن صاحبكم لتغسله الملائكة» ! وخرج حمزة بن عبد المطلب فمر به سباع بن عبد العزى الخزاعي «8» وكان يكنى أبا نيار، فقال: هلم يا ابن مقطعة البظور «9» ! فالتقيا فضربه حمزة فقتل، ثم جعل يرتجز ومعه سيفان إذ عثر دابته فسقط على قفاه وانكشف الدرع عن بطنه، فانتزع وحشي «10» حربته فهزها ورماها فبقر بها بدنه ثم أخذ حربته وتنحاه.
وقد انتهى «11» أنس بن النضر عم أنس بن مالك إلى عمر بن الخطاب وطلحة ابن عبيد الله ورجال من المهاجرين والأنصار قد أسقطوا [ما] في أيديهم وألقوا
__________
عمارة بن زياد بن السكن فقاتل حتى أثبتته الجراحة ثم فاءت من المسلمين فئة حتى أجهضوهم عنه.
(1- 1) في الطبري «فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
(2) من الطبري، وفي ف «اترس» .
(3) في الطبري «منحن» .
(4) في ف «كثر» .
(5) من الطبري، وفي ف «قمية» .
(6) في ف «جعونة» والصواب ما أثبتناه- انظر الطبري 3/ 21.
(7) كان يقال لشداد بن الأسود بن شعوب.
(8) كذا، وفي الطبري 3/ 18 «الغبشاني» وفي جمهرة أنساب العرب ص: 230 «في بني خزاعة سباع بن عبد عمرو بن ثعلبة بن عمرو بن غبشان، قتله حمزة بن عبد المطلب» .
(9) من الطبري، وفي ف «البكور» خطأ.
(10) هو غلام جبير بن مطعم- كما في الطبري.
(11) من الطبري 3/ 19، وفي ف «انتحى» تحريف.

(1/224)


بأيديهم فقال «1» : ما يجلسكم؟ [قالوا] «2» قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: فما تصنعون بالحياة بعده! قوموا فموتوا على ما مات عليه! ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل، ووجد فيه سبعون ضربة بالسيف والرمح.
وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كانت الهزيمة كعب بن مالك، قال: عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر فناديت بصوتي: يا معشر المسلمين! ابشروا فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم «3» ! فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا إليه، فيهم «4» : أبو بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير وسعد والحارث بن الصمة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناول النبل سعدا ويقول: «ارم فداك أبي وأمي» .
ثم أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف وهو يقول: يا محمد! لا نجوت إن نجوت. فقال القوم: يا رسول الله! أيعطف عليه رجل منا؟ فقال: «دعوه» ! فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة ثم انتفض بها انتفاضة ثم استقبله وطعنه بها فمال عن فرسه، وقد كان أبي بن خلف يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فيقول: إن عندي «5» العود أعلفه «5» كل يوم فرقا من ذرة «6» أقتلك عليه! فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل أنا أقتلك إن شاء الله» . فرجع أبي بن خلف إلى المشركين وقد خدشته حربة رسول الله صلى الله عليه وسلم خدشا غير كبير، فقال: قتلني والله محمد، فقالوا:
ذهب والله فؤادك والله إن بك «7» من بأس، فقال: إنه قد كان يقول بمكة: إني أقتلك، والله! لو بصق عليّ لقتلني، فمات بسرف «8» وهم قافلون إلى مكة.
__________
(1) من الطبري، وفي ف «فقالوا» .
(2) من الطبري.
(3) زيد في الطبري «فأشار إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنصت» .
(4) كذا، وفي الطبري «ونهضوا به ونهض نحو الشعب معه» .
(5- 5) من الطبري، وفي ف «قعودا أعطه» كذا.
(6) في ف «درة» ، والتصحيح من الطبري.
(7) من الطبري، وفي ف «إن يكن» .
(8) بفتح السين وكسر الراء موضع على ستة أميال من مكة- انظر معجم البلدان 5/ 71.

(1/225)


فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من أصحابه إلى الشعب، ومر علي بن أبي طالب حتى ملأ درقته من المهراس، وجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم شربه فوجد له ريحا فعافه فلم يشرب منه، وغسل عن وجهه الدم وصب على رأسه وقال: «اشتد غضب الله على من دمّى وجه رسول الله» صلى الله عليه وسلم. ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصخرة ليعلوها، فلما ذهب لينهض لم يستطع ذلك، فجلس طلحة تحته فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استوى على الصخرة، ثم قال: «أوجب طلحة الجنة» «1» !.
وكانت هند واللاتي معها جعلن يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد عن «2» الآذان والآناف حتى اتخذت هند قلائد من آذان المسلمين وآنفهم وبقرت عن كبد حمزة «3» فلاكته فلم تستطعه فلفظته «3» ، ثم علت صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها بشعر لها طويل- أكره ذكره. فقتل من المسلمين سبعون رجلا في ذلك اليوم، منهم أربعة من المهاجرين. وكان المسلمون قتلوا اليمان «4» أبا حذيفة وهم لا يعرفونه، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا ديته. وقتل من المشركين ثلاثة وعشرون رجلا.
__________
(1) في الطبري 3/ 21: أوجب طلحة حين صنع برسول الله ما صنع.
(2) من الطبري 3/ 23 وهو الصواب، وفي ف «يحدعون» خطأ.
(3- 3) وفي الطبري «فلاكتها ... فلفظتها» والكبد مؤنثة وقال الفراء تذكر وتؤنث.
(4) وفي الطبري 3/ 25 «لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد وقع حسيل بن جابر وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان وثابت بن وقش بن زعوراء في الآطام مع النساء والصبيان، فقال أحدهما لصاحبه وهما شيخان كبيران: لا أبا لك ما تنتظر؟ فو الله إن بقي لواحد منا من عمره إلا ظمء حمار إنما نحن هامة اليوم أو غد أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله عز وجل يرزقنا شهادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم! فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في الناس ولم يعلم بهما، فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون، وأما حسيل بن جابر اليمان فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه، فقال حذيفة: أبي! قالوا: والله إن عرفناه وصدقوا. قال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين! فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه، فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزادته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا» .

(1/226)


ثم أن أبا سفيان أراد الانصراف فصرخ بأعلى صوته: الحرب سجال أعل هبل يوم بيوم بدر «1» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ناحية: «الله أعلى وأجل لا سواء! قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار» . فقال أبو سفيان: يا عمر «2» أنشدك الله أقتلنا محمدا؟ فقال: اللهم لا وإنه «3» ليسمع كلامك. فقال: أنت أصدق عندي من ابن قميئة «4» ، ولكن موعدكم بدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو بيننا وبينكم» «5» .
رحل أبو سفيان بالمشركين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب:
«أخرج في آثار القوم، فإن كانوا قد اجتنبوا «6» الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ثم لأنجزتهم» «7» ! فخرج في آثارهم فرآهم قد اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل ووجهوا إلى مكة، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره.
وفرغ الناس لقتلاهم»
، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس حمزة فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده ومثل به، فوقف عليه وقال: «لولا أن تحزن صفية أن «9» تكون سنة بعدي «10» ما غيبته ولتركته حتى يكون في بطون السباع والطير «11» ،
__________
(1) في الأصل «ببدر» كذا.
(2) في ف «عم» خطأ.
(3) زيد في ف «ألا» خطأ.
(4) من الطبري، وفي ف «ابن قمة» كذا.
(5) في الطبري 3/ 24 «فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه قل: «نعم هي بيننا وبينك موعد» .
(6) من الطبري، وفي ف «اجتنوا» .
(7) كذا، وفي الطبري «لأناجزنهم» .
(8) من الطبري، وفي ف «لقتالهم» .
(9) كذا، وفي الطبري 3/ 35 «أو» .
(10) كذا، وفي الطبري «من بعدي» .
(11) في الطبري: وحواصل الطير.

(1/227)


ولئن أظهرني الله عليهم لأمثلن» «1» ! فأنزل الله وَإِنْ عاقَبْتُمْ «2» فَعاقِبُوا الآية «3» ، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجى ببردة.
ثم [قال] «4» صلى الله عليه وسلم: «من رجل ينظر ما فعل سعد بن الربيع، أفي الأحياء هو أم في الأموات» ؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! فنظره فوجده [جريحا] «5» في القتلى وبه رمق، فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات، فقال: أنا في الأموات، أبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم [عني السلام] «5» وقل له إن سعد بن الربيع يقول «6» ؛ جزاك الله عنا خير ما جزى نبي «7» عن أمته، وأبلغ قومك السلام، وقل لهم إن سعدا يقول لكم إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف- ثم مات؛ فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره.
واحتمل الناس قتلاهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفنوهم حيث صرعوا بدمائهم وأن لا يغسلوا ولا يصلى عليهم، فكان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ويقول: «أيهم «8» أكثر أخذا للقرآن» ؟ فإذا أشير إليه بأحدهما قدمه في اللحد، وقال: «أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة» . قال: انظروا عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو «9» فإنهما كان متصافيين «10» في الدنيا فاجعلوهما في قبر واحد» .
__________
(1) زيد في الطبري «بثلاثين رجلا منهم. فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على ما فعل بعمه قالوا: والله لئن ظهرنا عليهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط» .
(2) من سورة 16 آية 126، وفي ف «عاقبتهم» .
(3) زيد في الطبري: فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر ونهى عن المثلة.
(4) سقط من ف، ولا بد منه.
(5) زيد من الطبري 3/ 34.
(6) زيد في الطبري «لك» .
(7) من الطبري، وفي ف «نبينا» .
(8) ف «أنهم» تصحيف.
(9) زيد في الطبري «بن حرام» .
(10) التصحيح من الطبري، وفي الأصل «متصادفين» .

(1/228)


ثم قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله جعل أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها، وتأوى إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وسقياهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع ربنا بنا» ! فأنزل الله وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ «1» الآية. وكان ابن عمير «2» لم يترك إلا بردة واحدة، فكانوا إذا غطوا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطوا رجليه بدا «3» رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غطوا رأسه واجعلوا على رجليه شيئا «4» من الإذخر» .
ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بمن معه من المسلمين، فمر بدار من دور «5» الأنصار فسمع البكاء على قتلاهم «6» ، فقال: «لكن حمزة لا بواكي له! فلما سمع «7» سعد بن معاذ وأسيد بن حضير أمرا «8» نساء بني عبد الأشهل أن يذهبن فيبكين على عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكاءهن قال:
«اجعل» «9» .
ثم ناول علي بن أبي طالب سيفه فاطمة «10» وقال: اغسلي عن هذا دمه،
__________
(1) سورة 3 آية 169.
(2) في الأصل «عمر» . والتصحيح من الإصابة 6/ 101 من ترجمته وهو مصعب بن عمير، وقد ذكرت هذه الرواية فيه- فراجعه.
(3) في ف: رجلاه بدت.
(4) في ف: شيء.
(5) من الطبري 3/ 27، وفي ف «ديور» كذا.
(6) زيد في الطبري «فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى» .
(7) كذا، وفي الطبري «فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دار بني عبد الأشهل أمرا نساءهم أن يتحزمن ثم يذهبن فيبكين على عم رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
(8) من الطبري، وفي ف «أمر» .
(9) كذا في ف، ولعله: أجل؛ وفي المغازي 1/ 317: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رضي الله عنكن ... » ، ونهاهن الغد عن النوح أشد النهي» .
(10) كذا، وفي الطبري «فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة فقال: «اغسلي عن هذا دمه يا بنية» ! وناولها علي عليه السلام سيفه» .

(1/229)


فو الله! لقد صدقني «1» اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن كنت صدقت القتال اليوم لقد صدق معك سهل بن حنيف وأبو دجانة» .
فلما كان ثاني يوم أحد أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب القوم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على المدينة ابن [أم] مكتوم، وقال: «لا يخرج معنا إلا من حضر يومنا بالأمس، وكان أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جرحى. فمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم معبد بن أبي معبد الخزاعي- وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة «2» رسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة- فقال: والله يا محمد! لقد عز علينا ما أصابك ولوددنا أن الله «3» كان أعفاك منهم «3» . ثم خرج «4» فلحق أبا سفيان بالروحاء ومن معه من قريش وقد أزمعوا الرجوع «5» إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد توامروا بينهم وقالوا: رجعنا «6» قبل أن نصطلم «7» أصحاب محمد، نرجع فنكر «8» على بقيتهم؛ فلما رأى أبو سفيان معبدا مقبلا»
قال: ما وراءك يا معبد؟ قال: محمد قد خرج في أصحابه في طلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا؛ قال: «10» ويلك ما «10» تقول «11» ! والله لقد أجمعنا الكرة على أصحابه لنصطلمهم «12» . قال: فإني والله أنهاك عن ذلك بهم!
__________
(1) من الطبري، وفي ف «صدقتما» .
(2) من الطبري 3/ 28، وفي ف «عى مهج» مصحف.
(3- 3) من الطبري، وفي ف «والله عفاك فيهم» كذا؛ وفي المغازي: أعلى كعبك وأن المصيبة كانت بغيرك.
(4) كذا، وفي الطبري «ثم خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد حتى لقي أبا سفيان ... » .
(5) في الطبري: أجمعوا الرجعة.
(6) كذا، وفي الطبري «قالوا أصبنا جد أصحابه وقادتهم وأشرافهم ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم لنكون على بقيتهم فلنفرغن منهم» .
(7) في الطبري «نستأصلهم» ، وفي ف «يصطلم» .
(8) في ف: فتكر.
(9) في ف: مقتلا- خطأ.
(10- 10) في ف: ويلكما.
(11) زيد في الطبري «قال والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل، قال» .
(12) في ف «لنصطلهم» ، وفي الطبري 3/ 29: لنستأصل بقيتهم.

(1/230)


عليكم من الجود بشيء ما رأيته بقوم على قوم قط، فساءه ذلك.
ومر بأبي سفيان ركبة من عبد القيس فقال: أين تريدون؟ قالوا: نريد المدينة، قال: ولم؟ قالوا: نريد الميرة، قال: فاخبروا محمدا أنا «1» قد أجمعنا الكرة عليه وعلى أصحابه لنصطلمهم «2» .
ثم رحل أبو سفيان راحلا إلى مكة، ومر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال أبو سفيان «3» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون: حسبنا الله ونعم الوكيل! فأنزل الله جل وعلا في ذلك الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ إلى قوله وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ «4» لما صرف عنهم من لقاء عدوهم إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ «5» - الآية. فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم «6» بحمراء الأسد ثلاثا، ثم انصرف إلى المدينة.