السيرة النبوية وأخبار الخلفاء

السنة الخامسة من الهجرة
حدثنا محمد بن أحمد بن أبي «1» عون الدماتي ثنا عمار بن الحسن الهمداني ثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود»
بن لبيد عن ابن عباس حدثني سلمان الفارسي «3» من فيه قال: كنت رجلا مجوسيا «4» من أهل جيّ «5» من أهل أصبهان، وكان أبي «6» دهقان [قريته] «7» ، وكنت أحب الخلق «8» إليه، فما زال به حبه إياي حتى حبسني في البيت كما تحبس الجارية، وكنت قد اجتهدت في المجوسية حتى كنت «9» قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة «9» ، وكانت لأبي ضيعة فيها بعض العمل «10» ، «11» بني أبي «11» بنيانا له «12» في داره «12» ، فدعاني فقال: أي بني! «13» إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب إليها فاطلعها، وأمرني فيها ببعض ما يريد، ثم قال لي: ولا تحتبس عني، فإنك إن احتبست عني «13» كنت أهم عندي مما أنا فيه «14» ، فخرجت فمررت
__________
(1) كذا في ف، وليس في التهذيب 7/ 399- راجع ترجمة عمار بن الحسن ففيها «وعنه ... محمد بن أحمد بن عون» وليست فيه النسبة، ولعله: الدمائي- راجع الأنساب 5/ 373.
(2) من السيرة 1/ 73 والتهذيب 10/ 65؛ وفي ف «محمد» خطأ.
(3) وله ترجمة في الإصابة 3/ 113 وفيه «سلمان أبو عبد الله الفارسي» .
(4) في السيرة «فارسيا» .
(5) في ف والسيرة: حي- بالمهملة، والتصحيح من معجم البلدان 3/ 196.
(6) من السيرة، وفي ف «فيه» .
(7) من السيرة.
(8) في السيرة «خلق الله» .
(9- 9) من السيرة، وفي ف «قاطن النار التي توقد» .
(10) من تهذيب تاريخ ابن عساكر 6/ 192، وفي ف «في بعض عمله» .
(11- 11) من التهذيب، وفي ف «وكان» .
(12- 12) ليس في السيرة ولا في التهذيب.
(13- 13) من السيرة، وفي ف «أنه قد شغلني من كل ضيعة و» .
(14) كذا في ف، وفي السيرة «كنت أهم إلى من ضيعتي وشغلتني عن كل شيء من أمري» وزيد بعده

(1/241)


بكنيسة النصارى وهم يصلون فيها، فسمعت أصواتهم «1» ودخلت عليهم أنظر ما يصنعون، فو الله! ما زلت قاعدا عندهم وأعجبني دينهم وما رأيت من صلاتهم، وأخذ بقلبي فأحببتهم حبا لم أحبه شيئا قط، وكنت لا أخرج قبل ذلك ولا أدري ما أمر الناس، فقلت في نفسي: هذا والله خير من ديننا، فو الله! ما برحت حتى غربت الشمس، وتركت حاجة أبي التي «2» أرسلني إليها وما رجعت إليه، ثم بعث في الطلب «3» يلتمس لي، فلم يجد «3» حيث أرسلني، فبعث رسله فبغوني بكل مكان حتى جئته عشيا، وقد قلت للنصارى حين رأيت ما أعجبني من هيئتهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام؛ فلما أتيت أبي فقال: أي بني! أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك أن لا تحتبس علي؟ فقلت: بلى، وإني «4» مررت على كنيسة النصارى فأعجبني ما رأيت من أمرهم وحسن صلاتهم، ورأيت دينهم خيرا «5» ، قال: كلا يا بني! إن ذلك الدين لا خير فيه، دينك ودين آبائك خير منه، فقلت: كلا [والله إنه لخير من ديننا! قال] «6» فخافني أن أذهب من عنده فكلبني «7» ثم حبسني، فأرسلت «8» إلى النصارى وأخبرتهم أني قد رضيت أمرهم، وقلت: إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم أذهب معهم.
فقدم عليهم ركب من الشام فأخبروني بهم «9» فأرسلوا إليّ، فأرسلت إليهم
__________
«قال: فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها» .
(1) من السيرة؛ وفي ف «صلاتهم» .
(2) في ف «الذي» .
(3- 3) في ف «التمس له فلم أجد» كذا.
(4) زيد هنا في ف لفظ لا يتضح وصورته «مع» كذا.
(5) وقع في ف «خير» خطأ.
(6) زيد من السيرة.
(7) في السيرة «فجعل في رجلي قيدا» .
(8) في ف «فارسلته» ، وفي السيرة «وبعثت» .
(9) من السيرة، وفي ف «منهم» .

(1/242)


إذا أرادوا الرجعة فأخبروني، فلما أرادوا الخروج جئتهم فانطلقت معهم، فلما قدمت الشام سألت عن عالمهم «1» ، فقالوا: صاحب الكنيسة أسقفهم، فدخلت عليه فأخبرته خبري وقلت له: إني أحب أن أكون معك في كنيستك أخدمك وأصلي معك وأتعلم منك، فإني قد رغبت في دينك، قال: أقم! فمكثت معه في الكنيسة أتفقه في النصرانية، وكان رجل سوء فاجر في دينه، يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه الأموال اكتنزها لنفسه، وكنت أبغضه لما أرى من فجوره، وقد جمع سبع قلال «2» دنانير ودراهم، ثم إنه مات؛ فاجتمعت النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: تعلمون أن صاحبكم هذا رجل سوء، كان يأمركم بالصدقة فإذا جئتموه بها اكتنزها «3» لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا «4» ، قالوا: وما علامة ذلك؟ قلت:
أدلكم على كنزه؟ قالوا: أنت وذاك، فدللتهم عليه، فأخرجوا قلالا مملوءة ذهبا وورقا، قال: فلما رأوها قالوا: والله لا نغيبه «5» أبدا! فصلبوه على خشبة «6» ورجموه بالحجارة، وجاءوا برجل فجعلوه مكانه، قال: فيقول «7» سلمان: يا ابن أخي! ما «8» رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه زهادة «9» في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب [ليلا ولا نهارا] «10» منه اجتهادا في العبادة، قال سلمان: فأقمت معه وأحببته حبا ما علمت أني أحببت شيئا كان قبله، فكنت معه أخدمه وأصلي معه
__________
(1) في السيرة «قلت: من أفضل أهل هذا الدين علما» .
(2) في ف «قلايا» ، وفي السيرة «سبع قلال» .
(3) من السيرة وكذا سبق آنفا، ووقع هنا في ف «أكثرها» مصحفا.
(4) من السيرة، ووقع في ف «شيء» .
(5) في ف «لا نغيبوه» وفي السيرة «لا ندفنه» .
(6) زيد في ف «ثم صلبوه» .
(7) في السيرة «قال يقول» .
(8) في السيرة «فما» .
(9) في السيرة «أزهد» .
(10) من السيرة.

(1/243)


في الكنيسة حتى حضرته الوفاة، قلت: يا فلان! إني قد كنت معك وما أحببت حبك شيئا قط فإلى «1» من توصي [بي] «2» ؟ «3» ومن ذا الذي تأمرني، متبع أمرك ومصدق حديثك «3» ؟ قال: أي بني! ما أعلم أحدا على مثل ما نحن عليه إلا رجلا بالموصل يقال له فلان، فإني وإنه «4» كنا على أمر واحد في الرأي والدين، وهو رجل صالح، وستجد عنده بعض ما كنت ترى مني، فأما الناس قد بدلوا وهلكوا. فلما توفي لحقت بصاحب الموصل فأخبرته خبري، فقال: أقم! فكنت معه في كنيسته فوجدته كما قال صاحبي رجلا صالحا، فكنت معه ما شاء الله، فلما حضرته الوفاة قلت: يا فلان! إن فلانا أوصاني إليك «5» حين حضرته الوفاة «5» ، وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصي [بي] «2» ؟ «3» وإلى من تأمرني «3» ؟ قال: أي بني! ما أعلم أحدا على أمرنا إلا رجلا بنصيبين يقال له فلان فالحق به. فلما توفي لحقت بصاحب نصيبين وأخبرته خبري، وأقمت عنده فوجدته على مثل ما كان عليه صاحباه، فمثكت معه ما شاء الله، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: إن فلانا أوصاني إلى فلان صاحب الموصل ثم أوصاني صاحب الموصل إليك، فإلى من توصي [بي] بعدك «6» ؟ قال أبي بني! ما أعلم أحدا على مثل ما نحن عليه إلا رجلا «7» بعمورية في أرض الروم، فإنك واجد عنده بعض ما تريد، فإن استطعت أن تلحق به فالحق به. فلما توفي لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري، فقال: أقم «8» ، فأقمت عنده فوجدته على مثل ما كان عليه
__________
(1) من السيرة، وفي ف «قال» .
(2) من السيرة.
(3- 3) في السيرة «وبم تأمرني» .
(4) في ف «إياه» .
(5- 5) في السيرة «وأمرني باللحوق بك» .
(6) في السيرة «فإلى من توصيني وبم تأمرني» .
(7) في ف «رجل» .
(8) زيد في السيرة: عندي.

(1/244)


أصحابه وأثاب «1» لي شيئا حتى اتخذت «2» بقرات وغنيمة، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: إن فلانا أوصاني إلى فلان صاحب الموصل، ثم أوصاني صاحب الموصل إلى فلان صاحب نصيبين، ثم أوصاني صاحب نصيبين إليك، فإلى من توصي بي «3» ؟
قال: يا بني! ما أعلمه أصبح «4» في هذه الأرض أحد على ما كنا عليه، لكنك قد أظلك خروج نبي «5» يخرج بأرض العرب، يبعث بدين إبراهيم الحنفية، يكون منها مهاجره وقراره إلى أرض يكون بها النخل بين حرتين- نعتها بكذا وكذا، بظهره خاتم النبوة بين كتفيه، إذا رأيته عرفته، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، ثم مات.
فمر بي ركب من كلب فسألتهم من هم؟ فقالوا: من العرب، فسألتهم من بلادهم، فأخبروني عنها، فقلت لهم: أعطيكم بقري وغنمي «6» هذا على أن تحملوني حتى تقدموا أرضكم، «7» قالوا: نعم، فأعطيتهم إياها وحملوني معهم، حتى إذا جاءوا بي «7» وادي القرى [ظلموني] «8» فباعوني برجل من اليهود. فأقمت ورأيت بها النخل ورجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي «9» ، حتى قدم رجل من يهود بني قريظة فابتاعني من ذلك اليهودي، ثم خرج بي حتى قدم المدينة، فو الله! ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي وأيقنت أنه البلد؛ فمكثت بها أعمل له في ماله في بني قريظة حتى بعث محمد «10» وخفي عليّ أمره وأنا في رقي مشغول، حتى قدم
__________
(1) في ف: تاب.
(2) في السيرة «اكتسبت حتى كانت لي» .
(3) زيد في السيرة «وبم تأمرني» .
(4) من السيرة، وفي الأصل «أصلح» كذا.
(5) كذا، وفي السيرة «ولكنه قد أظل زمان نبي وهو مبعوث بدين إبراهيم عليه السلام» .
(6) كذا، وفي السيرة «بقراتي هذه وغنيمتي هذه» .
(7- 7) من التهذيب، وفي ف «فافعلوا فقدموني» .
(8) من السيرة.
(9) زيد في السيرة «ولم يحق في نفسي» .
(10) في ف «محمدا» .

(1/245)


المدينة مهاجرا فنزل في قباء في بني عمرو بن عوف، فو الله! «1» إني لفي رأس نخلة أعمل لصاحبي فيها «1» وصاحبي تحتي جالس إذ أقبل ابن عم له من اليهود فقال: يا فلان! قاتل الله بني قيلة «2» ! إنهم «3» آنفا لمجتمعون «4» يقبلون على رجل بقباء قدم من مكة يزعمون أنه نبي؛ فو الله! ما هو إلا أن قالها له أخذتني رعدة من النخلة «5» ، حتى ظننت أني سقطت «6» على صاحبي، فنزلت سريعا فقلت: أي سيدي! ما الذي تقول؟ فغضب «7» مما رأى فيّ «8» ورفع يده فضر بني بها ضربة «9» شديدة، ثم قال:
ما لك ولهذا! أقبل على عملك، قلت: لا شيء، «10» سمعت منك شيئا فأردت أن أعلمه «10» ، فسكت عنه ثم أقبلت على عملي. فلما أمسيت جمعت ما كان عندي حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء، فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه، فقلت: بلغني أنك رجل صالح وأن معك أصحابا لك أهل حاجة وغربة، وقد كان عندي شيء وضعته للصدقة من طعام يسير فجئتكم به وهو ذا- فقربت «11» إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لأصحابه] «12» : كلوا، وأمسك يده وأبي أن يأكل؛ فقلت في نفسي: هذه واحدة من صفة فلان، ثم رجعت؛ فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فجمعت
__________
(1- 1) في السيرة «إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل له فيه بعض العمل» .
(2) في السيرة «قال ابن هشام: قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة أم الأوس والخزرج» .
(3) في السيرة «والله إنهم الآن» .
(4) في ف «لمنقصون» والتصحيح من السيرة.
(5) كذا في ف، وفي السيرة «أخذتني العرواء- قال ابن هشام: العرواء الرعدة من البرد والانتفاض، فإن كان مع ذلك عرق فهي الرحضاء، وكلاهما ممدود» .
(6) كذا، وفي السيرة «سأسقط» .
(7) زيد في السيرة «سيدي» .
(8) وفي ف «فتى» كذا.
(9) في ف «ضربته» ، وفي السيرة «فلكمني لكمة شديدة» .
(10- 10) كذا في ف، وفي السيرة «إنما أردت أن أستثبته عما قال» .
(11) في السيرة «فقربته» .
(12) من السيرة.

(1/246)


شيئا ثم جئته فسلمت عليه فقلت: هذا شيء كان لي وأحببت أن أكرمك وهو هدية أهديها لك كرامة ليست بصدقة، فإني رأيتك لا تأكل الصدقة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فأكلوا وأكل معهم؛ فقلت في نفسي: هاتان اثنتان، ثم رجعت فمكثت شيئا ثم جئته وهو ببقيع الغرقد «1» ، مشى مع جنازة وحوله أصحابه، وعليه شملتان «2» مرتديا بواحدة ومتزرا بالأخرى، فسلمت «3» عليه، ثم تحولت حتى قمت وراءه لأنظر في ظهره، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إني إنما أريد [أن] أنظر وأثبته «4» ، فقال بردائه فألقاه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصفه لي صاحبي، فأكببت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبّل موضع الخاتم من ظهره وأبكي، فقال: «تحول عني» ، فتحولت عنه فجلست بين يديه وقصصت عليه قصتي وشأني وحديثي، فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب أن يسمع ذلك أصحابه، ثم أسلمت ومكثت مملوكا حتى مضى شأن بدر وشأن أحد، وشغلني الرق فلم أشهد مجامع النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كاتب نفسك» ، فسألت صاحبي الكتابة، فلم أزل حتى كاتبني على أن أفي «5» له ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية ورق- وتلك أربعة آلاف؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لأصحابه] «6» : «أعينوا أخاكم بالنخل» ، فأعانني الرجل بقدر ما عنده، منهم من يعطيني العشرين والثلاثين والعشرة والخمس والست والسبع «7» والثمان والأربع والثلاث حتى جمعتها «8» ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهب فإذا
__________
(1) من السيرة، وفي ف «بنقيع الغرقد» .
(2) كذا، وفي السيرة والتهذيب «عليّ شملتان لي» .
(3) من السيرة، وفي ف «فسلمنا» .
(4) وفي السيرة «عرف أني أستثبت في شيء وصف لي» .
(5) وقع في ف «أخي» مصحفا.
(6) زيد من السيرة.
(7) في ف «البسع» كذا.
(8) كذا، وفي السيرة «فأعانوني بالنخل، الرجل بثلاثين ودية، والرجل بعشرين ودية، والرجل بخمس عشرة ودية، والرجل بعشر، يعين الرجل بقدر ما عنده، حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية» .

(1/247)


أردت أن تضعها «1» فأتني حتى أكون «1» أنا أضعها لك بيدي، «2» فقمت في تفقيرها «2» وأعانني أصحابه «3» حتى فرغنا من شربها «4» ، وجاء أصحابي كل رجل بما أعانني من النخل فوضعته، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فخرج فجعلنا نحمل إليه النخل فيضعها بيده «5» ، فما مات منها ودية؛ وبقيت الدراهم «6» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا سلمان! إذا سمعت بشيء قد جاءني [فأتني] «7» أغنيك بمثل ما بقي من مكاتبتك «8» ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في أصحابه إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة من ذهب أصابها في بعض المغازي «9» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « [خذ هذه فأدها مما عليك يا سلمان» ! قال قلت: و] «10» أين تقع هذه مما عليّ من المال؟
قال: إن الله سيؤديها «11» عنك، فو الذي نفسي بيده! لقد وزنت لهم أربعين أوقية «12» حقهم جميعا.
وعتق سلمان وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق وما كان بعده من المغازي.
قال: في أول هذه السنة كان فك سلمان من الرق «13» وأداؤه بما «14» كوتب عليه.
__________
(1- 1) في ف «حتى تأتيني فأكون» ، وفي السيرة «فإذا فرغت فأتني أكن» .
(2- 2) في السيرة «ففقرت» وفي ف «تنقيرها» .
(3) كذا، وفي السيرة والتهذيب «أصحابي» .
(4) زيد في ف «من شربها» كذا وهو غير واضح فحذفناها.
(5) في السيرة «فجعلنا نقرب إليه الودى ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده حتى فرغنا» .
(6) في السيرة «فو الذي نفس سلمان بيده! ما ماتت منها ودية واحدة، فأديت النخل وبقي عليّ المال» .
(7) من العبارة الأخرى «فإذا فرغت فأتني» .
(8) في ف «مكاتبك» .
(9) كذا، وفي السيرة «فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن» .
(10) زيد من السيرة.
(11) كذا، وفي السيرة «خذها فإن الله سيؤدي بها عنك» .
(12) من السيرة، وفي ف «وقية» .
(13) وقع في ف «الورق» مصحفا.
(14) في ف «ما» .

(1/248)


ثم كانت غزوة ذات الرقاع في المحرم
«1» خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على المدينة عثمان «2» بن عفان يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان، حتى نزل نخلا «3» ، فلقي بها جمعا من غطفان «4» فتقارب الناس «4» ولم يكن بينهم حرب إلا أن الناس قد خاف بعضهم من بعض، حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، وإنما سميت هذه الغزاة غزاة «5» ذات الرقاع لأن الخيل كان فيها سواد وبياض فسميت الغزوة بتلك الخيل «6» .
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، فبينا جابر إذ أبطأ عليه جمله فقال لحقه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا جابر» ! قال: نعم، قال: «ما شأنك» ؟ قال: أبطأ علي جملي، فحجنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحجنه وقال: «اركب» ، فقال جابر: ولقد رأيتني أكفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا جابر! تزوجت» ؟ قلت: نعم، قال: «بكرا أم ثيبا» ؟ قلت: بل ثيبا، قال: «أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك» ؟ قلت: إن لي أخوات فأحببت أن أتزوج بمن يجمعهن ويمشطهن وتقوم «7» عليهن، قال: «أما! إنك قادم
__________
(1) في سيرة ابن هشام 2/ 134 «في سنة أربع» ، وذكره الطبري أيضا في حوادث السنة الرابعة، انظر 3/ 39، وفيه «وأما الواقدي فإنه زعم أن غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات الرقاع كانت في المحرم سنة خمس من الهجرة» .
(2) وفي سيرة ابن هشام «قال ابن إسحاق: واستعمل على المدينة أباذر الغفاري، ويقال: عثمان بن عفان، فيما قال ابن هشام» .
(3) من السيرة، وفي ف «نخل» .
(4- 4) من السيرة، وفي ف «فتهاربت» كذا.
(5) في ف «غزات» كذا.
(6) كذا في ف، وفي الطبري 3/ 39 «وإنما سميت ذات الرقاع لأن الجبل الذي سميت به ذات الرقاع جبل به سواد وبياض وحمرة فسميت الغزوة بذلك الجبل» وفي السيرة 2/ 134 «وإنما قيل لها غزوة ذات الرقاع لأنهم رقعوا فيها راياتهم، ويقال ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع يقال لها ذات الرقاع» انظر معجم البلدان 4/ 268.
(7) في ف «يقوم» .

(1/249)


فإذا قدمت فالكيس الكيس» ! ثم قال: «أتبيع جملك» ؟ فقلت: نعم، فاشتراه منه بأوقية، ثم قدم المدينة صلى الله عليه وسلم، قال جابر: فوجدته عند باب المسجد فقال: «الآن قدمت» ؟ قلت: نعم، قال: «فدع جملك وادخل المسجد فصل ركعتين» ، فدخلت فصليت ركعتين، ثم أمر بلالا أن يزن «1» لي أوقية، فوزن لي فأرجح في الميزان، فانطلقت حتى إذا وليت فقال: «ادعوا لي «2» جابرا» ، قلت: الآن يرد علي الجمل، وليس شيء أبغض إلي منه، قال: «خذ جملك ولك ثمنه» «3» .
__________
(1) وقع في ف «يذن» مصحفا.
(2) في ف «ادعوني» .
(3) رويت هذه القصة في سيرة ابن هشام بما نصه «قال ابن إسحاق وحدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة ذات الرقاع من نخل على جمل لي ضعيف، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جعلت الرفاق تمضي وجعلت أتخلف حتى أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «مالك يا جابر» ؟ قال قلت: يا رسول الله! أبطأ بي جملي هذا، قال: «أنخه» ، قال: فأنخته وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «أعطني هذه العصا من يدك- أو اقطع لي عصا من شجرة» ، قال: ففعلت، قال: فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخسه بها نخسات، ثم قال: اركب، فركبت فخرج والذي بعثه بالحق يواهق ناقته مواهقة، قال: وتحدثت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: «أتبيعني جملك هذا يا جابر» ؟ قال قلت: يا رسول الله! بل أهبه لك، قال: «لا ولكن بعنيه» ، قال قلت: فثمنيه يا رسول الله! قال: «قد أخذته بدرهم» ، قال قلت: لا، إذن تغبنني يا رسول الله! قال: «بدرهمين» ؟ قال قلت: لا؛ قال: فلم يزل يرفع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمنه حتى بلغ الأوقية، قال فقلت: أفقد رضيت يا رسول الله؟ قال: نعم، قلت: فهو لك، قال: «قد أخذته» ؛ قال ثم قال: «يا جابر! هل تزوجت بعد» ؟ قال قلت: نعم يا رسول الله! قال: «أثيبا أم بكرا» ؟ قال قلت: بل ثيبا، قال: «أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك» ؟ قال قلت: يا رسول الله! إن أبي أصيب يوم أحد وترك بنات له سبعا فنكحت امرأة جامعة تجمع رؤوسهن وتقوم عليهن، قال: «أصبت إن شاء الله، أما إنا لو قد جئنا صرارا أمرنا بجزور فنحرت وأقمنا عليها يومنا ذاك وسمعت بنا فنفضت نمارقها» ، قال قلت: والله يا رسول الله ما لنا من نمارق، قال: «إنها ستكون! فإذا أنت قدمت فاعمل عملا كيسا» ، قال: فلما جئنا صرارا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجزور فنحرت، وأقمنا عليها ذلك اليوم، فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل ودخلنا؛ قال: فحدثت المرأة الحديث وما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فدونك سمع وطاعة، قال: فلما أصبحت أخذت برأس الجمل فأقبلت به حتى أنخته على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ثم جلست في المسجد قريبا منه، قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى الجمل فقال: «ما هذا» ؟ قالوا: يا رسول الله!

(1/250)


ثم كانت غزوة دومة الجندل «1»
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن جمعا تجمعوا بها، فغزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ دومة الجندل فلم ير كيدا، واستخلف على «2» المدينة سباع «3» بن عرفطة «3» الغفاري، ثم رجع إلى المدينة.
وتوفيت أم سعد بن عبادة وسعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدومة الجندل، فلما رجع جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبرها وصلى عليها «4» ، فقال سعد: يا رسول الله! إن أمي أفتلتت نفسها ولم توص أفأقضي «5» عنها؟ قال: «نعم» .
وكسف القمر في جمادى الآخرة، فجعلت اليهود يرمونه بالشهب ويضربون بالطاس ويقولون: سحر القمر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف.
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قريشا أصابتهم شدة حتى أكلوا الرمة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من الذهب إليهم مع عمرو بن أمية وسلمة بن أسلم بن حريش.
ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد من مزينة، وهو أول وفد قدم عليه في رجب وفيهم بلال بن الحارث المزني في رجال من مزينة، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أنتم مهاجرون أينما كنتم» ! فرجعوا إلى بلادهم.
__________
هذا جمل جاء به جابر، قال: «فأين جابر» ؟ قال: فدعيت له، قال فقال: «يا ابن أخي! خذ برأس جملك فهو لك» ؛ ودعا بلالا فقال له: «اذهب بجابر فأعطه أوقية» ، قال: فذهبت معه فأعطاني أوقية وزادني شيئا يسيرا، قال: فو الله ما زال ينمى عندي ويرى مكانه من بيننا حتى أصيب أمس فيما أصيب لنا- يعني يوم الحرة» .
(1) في سيرة ابن هشام 2/ 137 «غزوة دومة الجندل في شهر ربيع الأول سنة خمس» .
(2) في ف «في» .
(3- 3) من سيرة ابن هشام والطبري 3/ 43 والمغازي 1/ 404، وفي ف «سماع بن غطرفة» خطأ؛ وله ترجمة في الإصابة 3/ 63.
(4) انظر الإصابة 8/ 147.
(5) في تهذيب تاريخ ابن عساكر 6/ 84 «أأقضيه» ، وفي الأصل «أفأوصي» كذا.

(1/251)


ثم قدم بعدهم ضمام «1» بن ثعلبة، بعثه بنو سعد بن بكر فقال «2» : يا محمد! أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك، قال: «صدق» ، قال: فمن خلق السماء؟ قال: «الله» ، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: «الله» ، قال: فمن نصب هذه «3» الجبال؟ قال: «الله» ، قال: فمن جعل فيها هذه «4» المنافع؟ قال: «الله» ؛ آلله «5» تعالى أرسلك؟ قال: «نعم» «6» ، قال: فبالذي خلق السماوات «7» والأرض ونصب «8» الجبال وجعل فيها هذه المنافع «9» هو الله الذي «9» أرسلك؟ قال: «نعم» ؛ قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في «10» يومنا وليلتنا «10» ، قال: «صدق» ، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: «نعم» ؛ «11» قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا «12» ، قال: «صدق» ، قال: فبالذي أرسلك آلله
__________
(1) ترجمة في الإصابة 3/ 271 وقال «ضمام بن ثعلبة السعدي من بني سعد بن بكر، وقع ذكره في حديث أنس في الصحيحين، قال: بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاء أعرابي فقال: أيكم ابن عبد المطلب- الحديث. وفيه أنه أسلم وقال: أنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام بن ثعلبة. وكان عمر بن الخطاب يقول: ما رأيت أحدا أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام بن ثعلبة. وروى أبو داود من طريق ابن إسحاق عن سلمة بن كهيل وغيره عن كريب عن ابن عباس قال: بعث بنو سعد ضمام بن ثعلبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم- فذكره مطولا ... وزعم الواقدي أن قدومه كان في سنة خمس» .
(2) ذكر ابن إسحاق هذه الوفادة بإسناده باختلاف يسير فراجع سيرة ابن هشام 3/ 63.
(3) وفي سنن النسائي كتاب الصيام: فيها.
(4) ليس في النسائي.
(5) من سنن النسائي، وفي ف «والله» .
(6) العبارة من هنا إلى «هذه» ليست في سنن النسائي.
(7) في النسائي: السماء.
(8) زيد في النسائي: فيها.
(9- 9) في النسائي: آلله.
(10- 10) في النسائي: كل يوم وليلة.
(11) زيد في النسائي «قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة أموالنا، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم» .
(12) في النسائي: كل سنة.

(1/252)


أمرك بهذا؟ قال: نعم، «1» قال: «2» فو الله الذي «2» بعثك بالحق! لا أزيدن عليهن «3» ولا أنقص منهن شيئا «3» ، فلما قفا «4» قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لئن صدق ليدخلن الجنة» ! فأسلم ضمام ورجع إلى قومه بالإسلام.

ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة المريسيع
في شعبان «5» ، قصد بني المصطلق من خزاعة على «6» ماء لهم «6» قريب من الفرع «7» ، فقتل منهم رجالهم وسباهم «8» ، وكان فيمن سبى جويرة بنت «9» الحارث ابن أبي ضرار، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل صداقها أربعين أسيرا من قومها.
في هذه الغزوة سقط عقد عائشة، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على التماسه
__________
(1) زيد في النسائي: «قال: وزعم رسولك أن علينا الحج من استطاع إليه سبيلا، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم» .
(2- 2) في النسائي: فو الذي.
(3- 3) في النسائي: شيئا ولا أنقص.
(4) في النسائي: ولي.
(5) في السيرة 2/ 168 «قال ابن إسحاق: ثم غزا بني المصطلق من خزاعة في شعبان سنة ست، وقال ابن هشام: واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري، ويقال: نميلة بن عبد الله اللثي» كذا في الطبري 3/ 63. وفي المغازي 1/ 404 «في سنة خمس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان» .
(6- 6) من السيرة، وفي ف «ما بهم» خطأ.
(7) في معجم البلدان 363 «بين الفرع والمريسيع ساعة من النهار» .
(8) في ف «نساءهم» كذا، وفي المغازي 1/ 407 «وقتل عشرة منهم وأسر سائرهم، وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء والذرية» .
(9) لها ترجمة في الإصابة 8/ 43 وفيه «لما غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق غزوة المريسيع في سنة خمس أو ست وسباهم وقعت جويرية وكانت تحت مسافع بن صفوان المصطلقي في سهم ثابت بن قيس ... فكاتبته على نفسها وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها» .

(1/253)


وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فنزلت آية التيمم، فقال أسيد «1» بن حضير «2» : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر! فبعثوا العير التي كانت عليه، فوجدوا العقد تحته.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا نملة «3» الطائي بشيرا إلى المدينة بفتح المريسيع.

ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الخندق «4»
وكان من شأنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجلى بني النضير خرج نفر من اليهود فيهم «5» حي «6» بن أخطب النضري وهوذة «7» بن قيس الوائلي «8» وكنانة بن الربيع «8» النضري «9» في نفر من بني النضير وبني وائل وحزبوا الأحزاب حتى قدموا على قريش مكة «10» ودعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنا سنكون معكم [عليه] «11» حتى نستأصله ومن معه، فقالت لهم قريش: يا معشر اليهود! إنكم أهل الكتاب والعلم بما «12» أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، «13» أفديننا «13» خير أم دينه؟ قالوا: بل
__________
(1) له ترجمة في الإصابة 1/ 48 وفيه «أسيد بن الحضير بن سماك، الأنصاري، وكان ممن ثبت يوم أحد وجرح يومئذ سبع جراحات، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نعم الرجل أسيد بن حضير» .
(2) في ف «حضر» .
(3) من الإصابة 7/ 195، وفي ف «أبا تملة» خطأ؛ قال ابن حجر: اسمه عمار بن معاذ بن زرارة، الأنصاري الظفري، شهد بدرا مع أبيه، وشهد أحدا وما بعدها.
(4) كانت هذه الغزوة في شوال سنة خمس- انظر الطبري 3/ 43 والسيرة 2/ 138.
(5) زيد في الطبري 3/ 44 والسيرة «سلام بن أبي الحقيق النضري و» .
(6) في ف «حي» ، والتصحيح من الطبري والسيرة والمغازي 2/ 441.
(7) من الطبري والسيرة والمغازي، وفي ف «هودة» .
(8- 8) من الطبري والسيرة، وزيد بعده فيهما «بن أبي الحقيق» وفي المغازي «كنانة بن أبي الحقيق» وفي ف «عمرو بن كنانة بن الربيع» كذا خطأ.
(9) زيد في الطبري والسيرة «وعمار الوائلي» ، وفي المغازي «وأبو عامر الراهب» .
(10) هكذا في ف والسيرة، وفي الطبري «بمكة» .
(11) زيد من الطبري والسيرة.
(12) من الطبري والسيرة، وفي ف «لما» .
(13- 13) من الطبري والسيرة، وفي ف «فديتنا» .

(1/254)


دينكم، وأنتم أولى بالحق منه؛ فلما قالوا ذلك لقريش نشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجمعوا «1» لذلك واتعدوا «2» [له] «3» ، ثم خرجوا حتى جاءوا غطفان من «4» قيس [عيلان] «3» ، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبروهم أن قريشا قد تابعوهم «5» على ذلك وأجمعوا «6» معهم على ذلك.

وخرجت قريش
[و] «3» قائدها أبو سفيان بن حرب، وخرجت «7» ، غطفان [و] «3» قائدها عيينة ابن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري «8» ، وكان قائد أشجع مسعود «9» بن رخيلة.
فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمرهم استشار المسلمين «10» ، فأشار عليه سلمان بضرب الخندق على المدينة، وهي أول غزوة غزاها سلمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخندق على المدينة فيما بين المذاد «11» إلى ناحية راتج «12» .
__________
(1) كذا في ف، وفي الطبري «فأجمعوا» وفي السيرة «واجتمعوا» .
(2) من الطبري والسيرة، وفي ف بلا نقط.
(3) زيد من الطبري والسيرة.
(4) من الطبري والسيرة، وفي ف «بن» خطأ.
(5) من الطبري والسيرة، وفي ف «بايعوهم» كذا.
(6) في السيرة «فاجتمعوا» .
(7) من الطبري والسيرة، وفي ف «أخرجت» .
(8) في الطبري والسيرة «في بني فزارة» وزاد بعده فيهما «والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرة» .
(9) هكذا في الطبري والمغازي 2/ 443، وفي السيرة «مسعر» .
(10) في ف «المسلمون» كذا.
(11) في ف «المرام» والتصحيح من المغازي 2/ 445؛ وفي معجم البلدان 7/ 433 «موضع بالمدينة حيث حفر الخندق النبي صلى الله عليه وسلم ... وقيل المذاد واد بين سلع وخندق المدينة» .
(12) في ف «رابع» والتصحيح من المغازي؛ وفي المعجم 4/ 203 «أطم من آطام اليهود بالمدينة وتسمى الناحية به، له ذكر في كتب المغازي والأحاديث» .

(1/255)


وأقبلت قريش
حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة «1» في عشرة آلاف رجل من أحابيشهم «2» ومن تابعهم من أهل كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان حتى نزلوا بذنب نقمى «3» إلى جانب أحد.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم- واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وذلك في شهر شوال- حتى جعل سلعا وراء ظهره والخندق بينه وبين القوم، وهو في ثلاثة آلاف من المسلمين، وخرج حي «4» بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد «5» صاحب بني قريظة، فلم يزل [يفتله] «6» حتى بايعه على ذلك.
__________
(1) من المغازي 2/ 444 والسيرة 2/ 140، وفي ف والطبري 3/ 46 «دومة» وفي المعجم 4/ 336 «رومة: أرض بالمدينة بين الحرف وزغابة، نزلها المشركون عام الخندق» .
(2) من الطبري والسيرة، وفي ف «أحابيشها» .
(3) في معجم البلدان 8/ 310 «نقمى بالتحريك والقصر من النقمة موضع من أعراض المدينة كان لآل أبي طالب؛ قال ابن إسحاق: وأقبلت غطفان يوم الخندق ومن تبعها من أهل نجد حتى نزلوا بذنب نقمى إلى جنب أحد» .
(4) من المراجع كلها، وفي ف «حي» .
(5) زيد في الطبري «القرظي» .
(6) من الطبري والسيرة والعبارة فيهما كما يلي «وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه وعاهده على ذلك وعاقده، فلما سمع كعب بحي بن أخطب أغلق دونه حصنه، فاستأذن عليه فأبي أن يفتح له، فناداه حي: يا كعب! افتح لي، قال: ويحك يا حي، إنك أمر مشؤوم، إني قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أرمنه إلا وفاء وصدقا، قال: ويحك! افتح لي أكلمك، قال: ما أنا بفاعل، قال: والله إن أغلقت دوني إلا على جشيشتك أن آكل معك منها، فاحفظ الرجل؛ ففتح له فقال: ويحك يا كعب! جئتك بعز الدهر وببحر طام، جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني ألا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه، فقال له كعب بن أسد: جئتني والله بذل الدهر بجهام قد هراق ماءه يرعد ويبرق ليس فيه شيء، ويحك! فدعني ومحمدا وما أنا عليه، فلم أر من محمد إلا صدقا ووفاء؛ فلم يزل حي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاه عهدا من الله وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد عهده وبرىء مما كان عليه فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

(1/256)


ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وعبد الله بن رواحة وخوات بن جبير يستخبرون خبر كعب بن أسد أهم على وفاء أم لا، فمضوا إليه فسألوه، فقال: لا عهد بيننا وبين محمد، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه.
فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» بحذاء المشركين «1» بضعا «2» وعشرين ليلة. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يأتيني بخبر القوم» ؟ فقال الزبير: أنا، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل نبي حواريا» ، وإن حواريّ الزبير «3» . ولم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل، غير أن فوارس «4» من قريش منهم عمرو بن «5» عبدود بن [أبي] «6» قيس أخو «7» بني عامر وعكرمة بن أبي جهل المخزومي وهبيرة بن أبي وهب المخزومي وضرار بن الخطاب «8» بن مرداس المحاربي «9» ، قد تهيأوا للقتال «10» وتلبسوا وخرجوا على خيلهم ومروا بمنازل كنانة، ثم أقبلوا بخيلهم حتى وقفوا على الخندق، فلما رأوه قالوا: والله إن هذه «11» المكيدة ما كانت العرب تكيدها! ثم أتوا مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيلهم، فاقتحمت منه «12» وجالت «13» في السبخة «14» بين الخندق
__________
(1- 1) في الطبري 3/ 47 «وأقام المشركون عليه» وانظر السيرة 2/ 141.
(2) من السيرة والطبري، وفي ف «بضع» .
(3) زيد في المغازي 2/ 457 «وابن عمتي» .
(4) في ف «فوارسا» والتصحيح من الطبري 3/ 48 والسيرة 2/ 142.
(5) من السيرة 2/ 142 والطبري 3/ 48، وفي ف «و» خطأ.
(6) زيد من الطبري والسيرة.
(7) من الطبري والسيرة، وفي ف: أحد.
(8) من السيرة والطبري، وفي ف «الحرث» كذا.
(9) في السيرة والطبري «أخو بني المحارب» .
(10) من الطبري، وفي ف «القتال» .
(11) في ف «هذا» ، والتصحيح من الطبري والسيرة.
(12) من السيرة والطبري، وفي ف «فيه» .
(13) في ف «حالت» خطأ. وفي السيرة والطبري «فجالت بهم» .
(14) من السيرة والطبري، وفي ف «السحنة» .

(1/257)


وسلع. فلما رآهم المسلمون خرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم «1» الموضع الذي منه اقتحموا «1» وأقبلت الفوارس تعنق «2» نحوهم، وكان عمرو بن عبدود فارس قريش وقد كان قاتل يوم بدر «3» ولم يشهد أحدا، فخرج عام الخندق معلما ليرى مشهده «4» ؛ فلما وقف هو وخيله «5» قال علي بن أبي طالب: يا عمرو! إني أدعوك إلى البراز «6» ، قال: ولم يا ابن أخي؟ فو الله: ما أحب أن أقتلك! قال علي: لكني والله أحب أن أقتلك! فحمى عمرو عند ذلك واقتحم عن فرسه وعقره ثم أقبل إلى علي، فتنازلا وتجاولا إلى أن قتله علي وخرجت [خيله] «7» منهزمة من الخندق.
وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وذلك بعد أن كفوا، كما قال الله تعالى: وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ «8» .
ولم يقتل من المسلمين غير ستة نفر: كعب بن زيد الدنباني «9» ، ورمي سعد «10» بن معاذ بسهم فقطع أكحله، وعبد الله بن سهل، وأنس «11» بن أوس بن
__________
(1- 1) في السيرة والطبري «الثغرة التي أقحموا منها» .
(2) من السيرة والطبري، وفي ف «تحفق» .
(3) زيد في الطبري والسيرة «حتى أثبتته الجراحة» .
(4) في ف «مسهده» خطأ، وفي الطبري والسيرة «مكانه» .
(5) زيد في السيرة «قال: من يبارز؟ فبرز له علي ابن أبي طالب فقال له: يا عمرو! إنك قد كنت عاهدت الله بما يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه، قال له: أجل، قال له علي: فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام! قال: لا حاجة لي بذلك» انظر الطبري أيضا.
(6) في الطبري والسيرة: النزال.
(7) من الطبري، وفي السيرة «خيلهم» .
(8) سورة 33 آية 25.
(9) كذا، ولعله «الأنصاري» ، وفي الإصابة 5/ 303 «كعب بن زيد بن قيس بن مالك بن كعب بن حارثة ابن دينار بن النجار الأنصاري ... » .
(10) وقع في ف «سهد» مصحفا.
(11) في ف: أنيس، والتصحيح من المغازي 1/ 495 والإصابة 1/ 68.

(1/258)


عتيك، والطفيل «1» بن النعمان بن خنساء، وثعلبة بن غنمة، وقتل من المشركين جماعة.
ثم إن نعيم بن مسعود الأشجعي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! إني أسلمت وإن قومي لا يعلمون بإسلامي فمرني بما شئت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إنما أنت فينا رجل واحد فخذّل عنا «2» ، فإن الحرب خدعة» «3» ، فخرج نعيم حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديما في الجاهلية فقال: يا معشر قريظة! إنكم قد عرفتم ودّي لكم وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: صدقت «4» ، قال: فإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وإنهم «5» ليسوا كهيئتكم «6» ، البلد بلدكم لا تقدرون «7» [على] «8» أن تتحولوا عنه «9» ، وإن قريشا وغطفان «10» إن وجدوا فرصة أشهروها، وإن كان غير ذلك هربوا «10» وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم «11» ، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون «12» بأيديكم «13» على أن يقاتلوا مع القوم «13»
__________
(1) في ف «للطفيل» تصحيف.
(2) زيد في الطبري 3/ 50 «إن استطعت» .
(3) من الطبري والسيرة 2/ 144، وفي ف «خداع» .
(4) زيد في الطبري والسيرة «لست عندنا بمتهم» .
(5) في الطبري «وقد ظاهرتموهم عليه وإن قريشا وغطفان» .
(6) من الطبري، ووقع في ف «كمتكم» مصحفا، وفي السيرة «كأنتم» .
(7) من الطبري والسيرة، وفيهما قبله «به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم» ؛ وفي ف «لا تقدروا» .
(8) زيد من الطبري والسيرة.
(9) في الطبري والسيرة «تحولوا منه إلى غيره» .
(10- 10) في الطبري: أموالهم وأبناؤهم ونساؤهم وبلدهم بغيره، فليسوا كهيئتكم، إن رأوا نهزة وغنيمة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم» - انظر السيرة أيضا.
(11) زيد في الطبري والسيرة «ولا طاقة لكم به» .
(12) في ف «يكونوا» .
(13- 13) في الطبري 3/ 51 «ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا» وفي السيرة «ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدا» .

(1/259)


حتى تناجزوه، فقالوا: قد أشرت برأي ونصح. ثم خرج نعيم «1» حتى أتى قريشا وأبا سفيان فقال: يا معشر قريش «1» ! إنكم قد عرفتم ودي لكم «2» ، قد رأيت أن حقا عليّ أن أبلغكموه وأنصح لكم فاكتموه عليّ «3» ، قالوا: نفعل، قال: إن معشر اليهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد وقد أرسلوا إليه أنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك منا أن نأخذ من القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم «4» فتضرب «5» أعناقهم ثم نكون معك على من «6» بقي منهم، فأرسل إليهم أن نعم، فإن بعث «7» إليكم اليهود يلتمسون رهنا فلا تدفعوا إليهم «8» .
ثم خرج حتى أتى غطفان «9» فقال: يا معشر غطفان! إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إليّ «10» ولا أراكم تتهموني، قالوا: صدقت «11» ، قال: فاكتموا عليّ، قالوا:
نفعل، فقال لهم مثل ما قال لقريش في شأن بني قريظة وحذرهم مثل الذي حذرهم. فلما كانت ليلة السبت «12» أرسل أبو سفيان عكرمة بن أبي جهل في نفر معه من رؤوس غطفان إلى بني قريظة فقالوا: لسنا بدار مقام، قد هلك الكراع «13»
__________
(1- 1) كذا في ف، وفي السيرة 2/ 193 «حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش» .
(2) زيد في الطبري والسيرة «وفراقي محمدا» .
(3) في السيرة والطبري «عني» .
(4) زيد في السيرة «فنعطيكهم» .
(5) من السيرة، وفي ف «فنضرب» .
(6) من السيرة والطبري، وفي ف «ما» .
(7) في الطبري «بعثت» .
(8) زيد في السيرة والطبري «منكم رجلا واحدا» .
(9) في ف «غطفا» خطأ.
(10) في ف «أتى» خطأ.
(11) زيد في السيرة «ما أنت عندنا بمتهم» .
(12) زيد في السيرة «من شوال سنة خمس وكان من صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن» .
(13) كذا في ف، وفي السيرة «الخف» .

(1/260)


والحافر، فاغدوا للقتال حتى نناجز «1» محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه؛ فأرسلوا «2» أن غدا السبت «3» وهو يوم لا نعمل «4» فيه، ولسنا مع ذلك بالذي نقاتل معكم حتى تعطونا «5» رهنا من أشرافكم يكونون عندنا حتى نناجز محمدا، فإنا نخشى الحرب «6» إن اشتدت أن تتشمروا «7» إلى بلادكم وتتركونا؛ فلما رجع عكرمة إلى قريش وغطفان بما قالت بنو قريظة قالوا: والله! إن الذي جاءكم به نعيم بن مسعود لحق، فأرسلوا إلى بني قريظة أنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا! فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا وقاتلوا، فقالت بنو قريظة: إن الذي ذكر لنا نعيم لحق، «8» ما يريد القوم «8» إلا أن يقاتلوا، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك انشمروا «9» إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل «10» ، فأرسلوا [إلى قريش وغطفان] «11» أنا والله لا نقاتل معكم «12» حتى تعطونا رهنا «13» . وبعث الله على المشركين ريحا تطرح «14» آنيتهم «15» وتكفأ قدورهم في يوم شديد البرد، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
__________
(1) من السيرة، وفي ف «تناجز» .
(2) زيد في السيرة «إليهم» .
(3) في السيرة «إن اليوم يوم السبت» .
(4) من السيرة، وفي ف «يعمل» .
(5) من السيرة، وفي ف «تقطعونا» .
(6) من السيرة، ووقع في ف «العرب» مصحفا.
(7) في السيرة «إن تنشمروا» ، وانشمر وتشمر بمعنى.
(8- 8) من السيرة، وفي الأصل «ما يريدوا» .
(9) من السيرة، وفي ف «نتشمروا» .
(10) زيد في السيرة «في بلدكم» .
(11) زيد من السيرة.
(12) زيد في السيرة «محمدا» .
(13) زيد في السيرة «فأبوا عليهم وخذل الله بينهم» .
(14) زيد في الأصل «ريحا» خطأ.
(15) من السيرة، وفي الأصل: أبنيتهم» .

(1/261)


اختلف من أمرهم «1» دعا حذيفة بن اليمان، قال: «اذهب فادخل بين القوم وانظر ما يقولون ولا تحدثن شيئا حتى- تأتيني وذلك ليلا» ، فدخل حذيفة في الناس، وقام أبو سفيان بن حرب وقال: يا معشر قريش! لينظر كل امرىء من جليسه؟ قال حذيفة: وأخذت رجلا إلى جنبي وقلت له: من أنت؟ قال: أنا فلان بن فلان، ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش! إنكم والله! ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره «2» ، ولقينا من هذه الريح ما ترون، والله! ما يستمسك «3» [لنا] «4» بناء ولا «5» تطمئن لنا قدور «6» ، فارتحلوا فإني «7» مرتحل، ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه، ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فما أطلق عقاله إلا وهو قائم؛ ثم قال حذيفة: ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ألا تحدث شيئا حتى تأتيني لقتلته بسهمي؛ فرجع حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر. فسمعت غطفان بما صنعت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هو المسلمون ووضعوا السلاح.

[غزوة بني قريظة]
فلما كانت الظهر أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم «8» وقال: «قد وضعتم السلاح وأن
__________
(1) زيد في السيرة، «وما فرق الله من جماعتهم» .
(2) من السيرة، وفي ف «ذكره» كذا.
(3) في السيرة «لا يستمسك» ، وفي ف «ما استمسك» .
(4) زيد من السيرة.
(5) في السيرة «ما» وقد قدم فيه هذه الجملة.
(6) في السيرة «قدر» وزاد بعده «ولا تقوم لنا نار» وقد أخره.
(7) في ف «إلى» .
(8) زاد بعده في الطبري 3/ 52 «كما ثنا ابن حميد قال ثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن ابن شهاب الزهري: معتجرا بعمامة من إستبرق على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة من ديباج فقال: أقد وضعت السلاح ... » .

(1/262)


الملائكة «1» لم تضع سلاحها بعد، إن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة» ! فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا! لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل لواءه علي بن أبي طالب، فلما بلغ الصورين «2» قال: «هل مر بكم أحد» ؟ قالوا: نعم، مر بنا دحية الكلبي على بغلة بيضاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ذاك جبريل» ! فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل على بئر لبني قريظة في ناحية أموالهم، وتلاحق به الناس، وأتى رجال بعد عشاء «3» [الآخرة] «4» ولم يصلوا العصر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة» «5» ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب، وقد كان حي بن أخطب قد دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد «6» ، «7» فلما تيقنوا «7» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم «8» بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [إن] «4» ابعث إلينا
__________
(1) وفي الطبري: قال جبريل: «ما وضعت الملائكة السلاح وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله يأمرك يا محمد بالسير إلى بني قريظة ... إلخ» .
(2) موضع قرب المدينة- راجع معجم البلدان 5/ 399.
(3) في السيرة «فأتى رجال منهم من بعد العشاء» .
(4) زيد من السيرة.
(5) وفي سيرة ابن هشام 2/ 195 «ألا ببني قريظة» وزاد بعده «فشغلهم ما لم يكن لهم منه بد في حربهم وأبوا أن يصلوا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حتى تأتوا بني قريظة فصلوا العصر بها بعد العشاء الآخرة» ، فما عابهم الله بذلك في كتابه ولا عنفهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم- قاله أبو إسحاق بن يسار عن معبد بن كعب ابن مالك الأنصاري.
(6) من السيرة، وفي ف «وقال كعب بن سعد» وزيد في السيرة «بما كان عاهده عليه» .
(7- 7) وفي السيرة «فلما أيقنوا» .
(8) وزيد في السيرة 2/ 195 ما نصه «قال كعب بن أسد لهم: يا معشر يهود! قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيها شئتم، قالوا: ما هي؟ قال: نتابع هذا الرجل ونصدقه، فو الله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل وأنه للذي تجدونه في كتابكم، فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم، قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره، قال: فإذا أبيتم على هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مصلتين السيوف لم نترك

(1/263)


أبا «1» لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف لنستشيره «2» ، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقالوا «3» : يا أبا لبابة! أترى أن ننزل «4» على حكم محمد؟ قال: نعم- وأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح [فقالوا] «5» ننزل «6» [على حكم سعد بن معاذ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انزلوا على حكمه» ] «7» .
[ثم إن] «5» ثعلبة بن سعية «8» وأسد بن سعية «8» وأسد بن عبيد أسلموا فمنعوا ديارهم وأموالهم. فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الأوس «9» : يا رسول الله! إنهم موالينا دون الخزرج «10» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا ترضون أن
__________
وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن تهلك نهلك ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه، وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء، قالوا: نقتل هؤلاء المساكين! فما خير العيش بعدهم، قال: فإن أبيتم على هذه فإن الليلة ليلة السبت وأنه عسى أن يكون محمدا وأصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة، قالوا تفسد سبتنا علينا ونحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ، قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما ... » .
(1) من السيرة، وفي ف «أبو» .
(2) التصحيح من السيرة وزيد بعده «في أمرنا» ، ووقع في ف «تستنشره» مصحفا.
(3) في السيرة «فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم وقالوا له» .
(4) من الطبري، وفي ف «تنزل» .
(5) زيد من الطبري.
(6) من الطبري، وفي ف «تنزل» .
(7) زيد في السيرة بعده ما نصه «قال أبو لبابة: فو الله! ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال: لا أبرح من مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت، وعاهد الله أن لا أطأ بني قريظة أبدا ولا أرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا» .
(8) من السيرة والطبري، وفي ف «سعيد» .
(9) وفي الطبري «فتواثبت الأوس فقالوا» .
(10) من الطبري، ووقع في ف «الخروج» مصحفا.

(1/264)


يحكم فيكم رجل «1» منكم» ؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فذاك إلى سعد بن معاذ» ، وكان قال «2» رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه حين أصابه السهم «3» :
«اجعلوه «4» في خيمة قريب «4» مني حتى أعوده» ، فلما حكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة أتاه قومه فاحتملوه على حمار «5» ثم أقبلوا به «6» إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون: يا أبا عمرو! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ولاك مواليك لتحسن فيهم، فلما أكثروا عليه «7» قال: قد آن «8» لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، فلما جاء سعد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قوموا إلى سيدكم» ، فقاموا إليه فقالوا: يا أبا عمرو! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك الحكم «9» ، قال سعد: عليكم عهد الله وميثاقه، إن الحكم فيكم ما حكمت، قالوا: نعم، قال: وعلى من كان ههنا في هذه الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«نعم» ، فقال سعد: فإني أحكم فيهم [بأن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء ... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: «لقد حكمت فيهم] «10» بحكم «11» الله من فوق سبعة أرقعة» «12» ؛ فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار «13» ثم قدم رسول
__________
(1) من الطبري، وفي ف «رجلا» خطأ.
(2) كذا، وفي الطبري «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لقومه ... » .
(3) وزيد في الطبري «بالخندق» .
(4- 4) كذا في ف، وفي الطبري «في خيمة رفيدة» .
(5) زيد في الطبري «قد وطأوا له بوسادة من أدم وكان رجلا جسيما» .
(6) في الطبري «معه» .
(7) من الطبري، وفي ف «فيه» .
(8) في الطبري «أنى» يقال: آن يئين وأنى يأنى.
(9) كذا في ف، وفي الطبري «مواليك لتحكم فيهم» .
(10) زيد من الطبري.
(11) من الطبري، وفي ف «يحكم» خطأ.
(12) أي سماوات، جمع رقيع؛ وزيد في الطبري «قال ابن إسحاق: ثم استنزلوا» .
(13) كذا في ف، وفي الطبري «في دار ابنة الحارث امرأة من بني النجار» .

(1/265)


الله صلى الله عليه وسلم المدينة. فلما قدمها خرج إلى سوق المدينة فحفر حفرا ثم بعث إليهم وأمر بضرب أعناقهم وهم ما بين ستمائة إلى تسعمائة «1» ، فلم يزل ذلك دأبهم حتى فرغ منهم، فيهم حي بن أخطب وكعب بن أسد.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين، فكان مع المسلمين ستة وثلاثون فرسا، فأعطى الفارس ثلاثة أسهم:
للفرس سهمان ولصاحبه سهم، وللراجل «2» الذي ليس له فرس سهم، وأخرج منها صلى الله عليه وسلم الخمس، وقد قيل: إنه اصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو بن خنافة «3» إحدى «4» نساء بني عمرو بن قريظة.
ثم مات سعد بن معاذ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسله، فغسله أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن وقش، ثم وضع في أكفانه على سريره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«اهتز العرش لموت سعد بن معاذ» ! وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام جنازة سعد حتى صلى عليه، ونزل في حفرته أربعة «5» نفر: الحارث بن أوس وأسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن وقش وأبو نائلة مالك بن سلامة.
ثم بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب ابنة جحش، فلما أصبح دعا القوم، فأصابوا من الطعام ثم خرجوا ونفر منهم عند النبي صلى الله عليه وسلم فأطالوا القعود، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج حتى جاء عتبة حجرة عائشة ثم رجع ونزلت آية الحجاب وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ «6» .
__________
(1) كذا في ف، وفي الطبري «وهم ستمائة أو سبعمائة» .
(2) من الطبري، وفي ف «للرجل» .
(3) في ف «حذافة» وفي الإصابة «ريحانة بنت شمعون بن زيد، وقيل زيد بن عمرو بن قنافة- بالقاف، أو خنافة- بالخاء المعجمة ... » .
(4) من الطبري، وفي ف «أحد» .
(5) في ف «أربع» .
(6) سورة 33 آية 53.

(1/266)


ثم كانت سرية «1» عبد الله بن أنيس
إلى «2» [خالد بن] «3» سفيان بن خالد بن ملهم الهذلي «4» ثم اللحياني بعرنة «5» فصادفه ببطن عرنة ومعه أحابيش، فقتله وحمل رأسه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي الحجة إلى الغابة، فسقط عن فرسه فجحش شقه الأيمن، فخرج فصلى بهم جالسا فقال: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين» «6» .
وفي ذي الحجة «7» دفت دافة «7» من «8» عامر بن صعصعة «8» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبقى عندكم من ضحاياكم بعد ثلاثة شيء، أراد به صلى الله عليه وسلم أن يوسع ذو السعة عمن «9» لا سعة عنده، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا وادخروا بعد ثلاث» «10» .
__________
(1) راجع لها سيرة ابن هشام 2/ 358.
(2) في ف «أبي» خطأ.
(3) زيد من السيرة.
(4) من السيرة، وفي الأصل «الهلالي» .
(5) من السيرة، وفي الأصل «يعونه» .
(6) راجع الموطأ للإمام مالك ص 71، أخرجه عن أنس بن مالك باختلاف يسير.
(7- 7) التصحيح من مسند الإمام أحمد 6/ 51، وفي الأصل «دقت داقة» وفي مجمع بحار الأنوار: والدافة قوم من الأعراب يردون المصر، يريد أنهم قدموا المدينة عند الأضحى فنهاهم عن إدخار لحومها ليتصدقوا بها- إلخ.
(8- 8) كذا، وما وجدنا ترجمته فيما لدينا من المراجع.
(9) كذا، ولعله: على من.
(10) راجع السنن الكبرى 5/ 240، ومسند الإمام أحمد وفيه «عن عائشة قالت: دفت دافة من أهل البادية حضرة الأضحى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلوا وأدخروا لثلاث، فلما كان بعد ذلك قالوا: يا رسول الله! كان الناس ينتفعون من أضاحيهم يحملون منها الودك، ويتخذون منها الأسقية، قال: وما ذاك؟ قالوا: الذي نهيت عنه من إمساك لحوم الأضاحي، قال: إنما نهيت عنه للدافة التي دافت (كذا) ، فكلوا وتصدقوا أو ادخروا» .

(1/267)