السيرة
النبوية وأخبار الخلفاء فلما دخلت السنة
الثامنة والثلاثون
اجتمعوا «5» لميعادهم [مع] «6» الحكمين بأذرح «7» ، وحضر فيهم من أهل
المدينة سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن الزبير، وابن عمر، ولم يخرج علي
بنفسه، ووافى معاوية في أهل الشام وكان بينه وبين أبي موسى الأشعري ما كان
وافترق الناس ورجعوا إلى أوطانهم، وندم عبد الله بن عمر على حضوره أذرح،
فأحرم من بيت المقدس تلك السنة «8» ورجع إلى مكة.
واستشار معاوية أصحابه [في] «6» محمد بن أبي بكر وكان واليا على مصر،
فأجمعوا على المسير إليه، فخرج عمرو بن العاص في أربعة «9» آلاف فيهم «9»
أبو الأعور السلمي ومعاوية «10»
بن حديج «10» ، فالتقوا بالمسنّاة «11» وقاتلوا قتالا شديدا، وقتل كنانة بن
بشر بن «12» عتاب التجيبي «12» ، وانهزم محمد بن أبي بكر وقاتل حتى قتل،
وقد قيل: إنه أدخل في جوف حمار ميت، ثم أحرق بالنار «13» ، فلما بلغ عليا
__________
(1- 1) من الكامل، وفي الأصل: لا أن تبكروا، وراجع أيضا الطبري 6/ 50.
(2- 2) في الأصل: لا ينانكم ما، وفي الكامل: لأخبرتكم بما.
(3) في الأصل: بالذين.
(4) كما في الطبري 6/ 53.
(5) في الأصل: فاجتمعوا- وراجع أيضا الطبري 6/ 37.
(6) زيد لاستقامة العبارة.
(7) من الطبري 6/ 38، وفي الأصل: بادوح.
(8) وراجع أيضا رواية الواقدي في الطبري 6/ 37.
(9- 9) من الطبري 6/ 60، وفي الأصل: ألف فمنهم.
(10- 10) من الطبري، وفي الأصل: إلى جريح.
(11) من الطبري، وفي الأصل: بالمشاة.
(12- 12) من الطبري، وفي الأصل: عقاب التجبي.
(13) راجع الطبري 6/ 60.
(2/547)
سرور معاوية بقتله قال: لقد حزنا «1» عليه
بقدر سرورهم بقتله، ثم ولى علي الأشتر على مصر. ومات صهيب بن سنان «2» .
فلما بلغ معاوية خبر مسير الأشتر إلى مصر قال: إنه ليأتي وعامة أهل مصر أهل
اليمن وهو يماني، وكتب إلى دهقان «3» بالعريش: إن «4» احتلت في الأشتر فلك
علي أن أخرج خراجك عشرين سنة، فقدم الأشتر على امرأة من حمير يقال «5» لها
ليلى بنت النعمان، فتلطف له الدهقان وسأله: أي الشراب أحب إليك؟ قال:
العسل، قال: عندي عسل من عسل برقة لم ير مثله، ثم قدمته إليه فسقته منه،
فمات من ساعته، فبلغ ذلك معاوية فقال: إن لله جنودا من العسل. ومات صفوان
ابن بيضاء في رمضان «6» وكان قد شهد بدرا، ومات سهل بن حنيف بالكوفة وصلي
عليه. وحج بالناس قثم بن العباس «7» .
فلما دخلت السنة التاسعة والثلاثون
استعمل علي يزيد بن حجية التميمي على الري، ثم كتب إليه بعد مدة أن أقدم،
فقدم على علي فقال له: أين ما غللت من مال الله؟ قال: ما غللت، فخفقه
بالدرة خفقات وحبسه في داره، فلما كان في بعض الليالي قرب يزيد [البواب]
«8» وما حله، ولحق بالرقة وأقام بها حتى أتاه إذن بمعاوية، فلما بلغ عليا
لحوقه معاوية قال: اللهم! إن يزيد أذهب بمال المسلمين ولحق بالقوم
الظالمين، اللهم! فاكفنا مكره وكيده.
__________
(1) في الأصل: حزن، والتصحيح بناء على الكامل 3/ 182، والطبري 6/ 62.
(2) راجع تاريخ الإسلام 2/ 185.
(3) اسمه الجايستار- راجع الطبري 6/ 54.
(4) في الأصل: إنه.
(5) في الأصل: فقال.
(6) راجع البداية والنهاية 7/ 317.
(7) راجع الطبري 6/ 77.
(8) زيد لاستقامة العبارة.
(2/548)
ثم وجه معاوية خيلا فيهم الضحاك بن قيس «1»
الفهري، وسفيان بن عوف الدابري «2» ، فأغار سفيان على الأنبار وفيها مسلحة
«3» لعلي، فلما بلغ عليا خروجهم خرج من بيته والناس في المسجد، فلما رأوه
«4» صاحوا، قال: اسكتوا اسكتوا! فلما سكتوا قال: شاهت الوجوه! شاهت الوجوه!
إن قلت نعم، قلتم:
لا، وإن قلت: لا، قلتم: نعم، إن استنفرتكم في الحر قلتم: الحر شديد فإذا
جاء الشتاء نفرنا، وإذا جاء الشتاء واستنفرتكم قلتم: البرد شديد وإذا كان
الصيف نفرنا، إن عدوكم يجد من الهناء ما تجدون، ولكن لا رأي «5» لمن [لا]
«6» يطاع، وددت [أن] «7» لي بجماعتكم ألف فارس.
ثم بعث معاوية بسر»
بن أرطاة- أحد بني عامر بن لؤي- في جيش من أهل الشام إلى المدينة وعليها
أبو أيوب الأنصاري، فهرب منه أبو أيوب ولحق عليا بالكوفة، ولم يقاتله أحد
بالمدينة حتى دخلها، فصعد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل [ينادي]
«9» : يا أهل المدينة! والله لولا «10» ما عهد «10» إلي أمير المؤمنين
معاوية ما تركت فيها محتلما إلا قتلته! فبايع أهل المدينة معاوية، وأرسل
إلى بني سلمة: ما لكم عندي أمان حتى تأتوني «11» بجابر بن عبد الله، فدخل
جابر بن عبد الله على أم سلمة
__________
(1) من الكامل 3/ 191 والطبري 6/ 87 والفتوح 4/ 37، وفي الأصل: سفيان.
(2) في البيان والتبيين: الغامدي- راجع منه 2/ 52، وليس في مراجعنا التصريح
بالنسبة.
(3) من الطبري، وفي الأصل: ففيها.
(4) في الأصل: رآه.
(5) من الكامل 14، وفي الأصل: أرى.
(6) زيد من الكامل.
(7) زيد من شرح نهج البلاغة- الجزء الأول/ 52.
(8) في الأصل: بشر، وراجع الطبري 6/ 80.
(9) زيد من الطبري.
(10- 10) من الطبري، وفي الأصل: لا أعهد.
(11) من الطبري، وفي الأصل: توتوني.
(2/549)
وقال: يا أماه! إني خشيت على دمي، وهذه بيعة ضلالة، فقالت «1» : أرى أن
تبايع، فخرج جابر بن عبد الله فبايع بسر «2» بن أرطاة لمعاوية كارها، ثم
خرج بسر «2» حتى أتى مكة، فخافه أبو موسى الأشعري وكان والي مكة لعلي،
وتنحى عن مكة حتى دخلها، ثم مضى إلى اليمن وعليها عبيد الله بن عباس بن عبد
المطلب عامل علي، فلما سمع به عبيد الله هرب، واستخلف على اليمن عبد الله
بن عبد المدان، وكانت ابنته «3» تحت عبيد الله بن عباس. فلما قدم بسر «2»
اليمن قتل عبد الله بن [عبد] «4» المدان، وأخذ ابنين لعبيد الله بن عباس بن
عبد المطلب- من أحسن الصبيان- صغيرين كأنهما درتان «5» ، ففعل بهما ما فعل.
فلما حضر الموسم بعث علي على الحج عبد الله «6» بن عباس، وبعث معاوية يزيد
بن شجرة «7» الرهاوي، فاجتمعا بمكة وتنازعا وأبى كل واحد منها أن يسلم
لصاحبه إقامة الحج، فاجتمع الناس على «8» شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، فحج
بالناس شيبة بن عثمان. |