الشفا بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ترجمة المؤلف
في نهاية القرن الخامس الهجري وفي سنة ست وسبعين وأربعمئة على وجه التحديد ولد مؤلف الشفاء القاضي الكبير والمحدث الجليل والأديب الفقيه عياض بن موسى بن عياض بن عمر بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي الغرناطي المالكي ...
لقد كان هذا القرن عصر ازدهار العلوم والفنون في بلاد الاندلس التي بدأت تنافس المشرق بالفخر العلمي وبالمجهود الأدبي الذي كان بلاط الخلفاء يزدهر بغرسه ونتاجه..
أصله ...
لقد جاء أجداد عياض من الاندلس الى بلدة فاس في بلاد المغرب يحملون معهم صفات تلك البيئة العلمية في نفوسهم وأرواحهم ... وولد قاضينا الكبير في بلدة سبتة في شهر شعبان بعد أن انتقل اليها والده من مدينة فاس......
وسبتة بموقعها الجغرافي كانت همزة وصل بين الشمال الافريقي وبين الاندلس الزاهرة أو بالاحرى بين المشرق والمغرب على اعتبار أن كلمة المغرب كانت تطلق على البلاد الاندلسية.

(1/21)


وفي هذه البلدة كان الوافدون على الاندلس والعائدون منها يلتقون ويتبادلون الآراء والافكار فتتلاقح بهذا التلاقي علوم المشرق بميزاتها الفلسفية والمنطقية وبما فيها من عمق فكري ودقة بحث مع علوم المغرب بما فيها من روح جمالية أدبية ونظرة جديدة في الوجود فرضها الواقع الجديد والبيئة الجديدة ...
ويرجع أصل المؤلف من ناحية أجداده إلى يحصب بن مالك أبو قبيلة باليمن ... فالمؤلف بهذا عربي أصيل.
فاجتمعت للمؤلف كل الصفات العلمية المؤهلة من ناحية الوراثة والبيئة ثم أضاف اليها تلك الدراسة العميقة التي أخذ بها نفسه منذ نعومة أظفاره..
ولقد كان له كثير من الشيوخ الذين أخذ عنهم الفقه والاصول والحديث والادب وظهرت جوانب من تلك العلوم في المصنفات العديدة التي ألّفها ويستطيع القارىء أن يلمح تلك الاسماء العديدة في سند أكثر الاحاديث النبوية الشريفة التي يرويها بطريقة عنهم ... وخاصة في كتاب الشفاء ...
علمه ...
واتجه القاضى منذ نعومة أظفاره إلى تعلم العلوم الشرعية فأتقنها إتقانا عجيبا وفي سن مبكرة كما ذكر صاحب كتاب أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض.... ولم تمنعه دراسته للعلوم الشرعية من الاخذ من علوم الادب واللغة وظهر ذلك جليا في كتاباته الجميلة الآسرة.
وأصبح المؤلف بعد فترة وجيزة قاضيا لسبتة في بلاد المغرب على المذهب المالكي الذي عم في افريقيا وانتشر فيها.

(1/22)


وبدأ يتجه الى التأليف واخراج التصانيف المفيدة في التفسير والحديث والسيرة النبوية الشريفة.
وبدأ فشرح صحيح مسلم شرحا جيدا ساعده عليه علمه بالحديث وروايته له. وأخرج تفسيرا للقرآن.
ولم يطل المقام به في سبتة حتى نقل إلى غرناطة سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة. ولم يطل مقامه بها حتى نقل ثانية إلى سبتة ليتولى فيها القضاء..
وقد ذكر ابن فرحون من علماء المالكية في طبقاته عن القاضي عياض انه كان إماما في الفقه والتفسير والحديث وسائر العلوم خطيبا بليغا وذكر من تآليفه نحو ثلاثين تأليفا جليلا.
شعره ...
وذكر ابن فرحون بعض أشعار القاضي عياض التي تدل على أدبه وبلاغته ومنها:
الله يعلم إني منذر لم أركم ... كطائر خانه ريش الجناحين
وقال:
انظر إلى الزرع وخاماته ... يحكى وقد ماست أمام الرياح
كتيبة خضراء مهزومة ... شقايق النعمان فيها جراح
كتاب الشفاء:
وإن أعظم ما خطه يراع القاضي هو كتاب الشفاء الذي تداولته أيادي العلماء من كل أمة درسا وفهما فلم يخل منه بيت عالم فاضل أو زاهد كريم أو محب على محبته مقيم ...

(1/23)


وقد ذكر ابن المقري اليمني الشافعي رحمه الله في ديوانه أن كتاب الشفاء مما شوهدت بركته وكان قد ابتلي بمرض فقرأه فعافاه الله منه وقال في ذلك:
ما بالكتاب هواي لكن الهوى ... أمس بما أمسى به مكتوبا
كالدر يهوى العاشقون بذكرها ... شغفا بها لشمولها المحبوبا
أرجو الشفاء تفاؤلا باسم الشفا ... فحوى الشفاء وأدرك المطلوبا
وبقدر حسن الظن ينتفع الفتى ... لا سيما ظن يصير مجيبا
هذا وفي الشفاء بعض الاحاديث الضعيفة وقليل مما قيل إنه موضوع تبع فيه ابن سبع في شفائه وقد نبه على ذلك كله الجلال السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا.
وقد اختتمت حياة المؤلف الحافلة يوم الجمعة بمراكش في جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة.. وما قيل من أنه قتل لا أصل له.
وقد مدحه الشاعر علي بن هارون بقوله:
ظلموا عياضا وهو يحلم عنهم ... والظلم بين العالمين قديم
جعلوا مكان الراي عينا في اسمه «1» ... كي يكتموه وشأنه معلوم
لو لاه ما فاحت أباطح سبتة «2» ... والروض حول فنائها معدوم
ولبعض الأدباء في مدح هذا الكتاب:
عوضت جنات عدن يا عياض ... عن الشفاء الذي الفته عوض
جمعت فيه أحاديثا مصححة ... فهو الشفاء لمن في قلبه مرض
__________
(1) - ويقصد بذلك أن أصل اسمه (رياض) فأبدلت الراء عينا.
(2) - البلد التي ولد فيها.

(1/24)