الشفا
بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد الفصل الثامن عشر الوفاء وحسن العهد وصلة
الرّحم
وَأَمَّا خُلُقُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الوفاء وحسن
العهد وصلة الرحم:
فعن «1» عبد الله بن الْحَمْسَاءِ قَالَ «2» : بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعٍ، قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، وَبَقِيَتْ
لَهُ بَقِيَّةٌ، فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ بِهَا فِي مَكَانِهِ فَنَسِيتُ،
ثُمَّ ذَكَرْتُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَجِئْتُ، فَإِذَا هُوَ فِي مَكَانِهِ،
فَقَالَ: «يَا فَتَى لَقَدْ شققت عليّ، أنا هنا منذ ثلاث أنتظرك» .
وعن «3» أنس «4» رضي الله عنه «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا أتي بهدية،
__________
(1) هذا الحديث رواه أبو داوود وهو من افراده، وأخرجه أيضا ابن منده في
المعرفة، والخرائطي في مكارم الاخلاق.
(2) العامري الصحابي وقد قيل إنه عبد الله بن أبي الجدعاء التميمي ويقال
الكناني الذي ذكره البخاري في الصحابة.
(3) كما رواه البخاري في الادب المفرد.
(4) تقدمت ترجمته في ص «47» رقم «1» .
(1/257)
قَالَ: اذْهَبُوا بِهَا إِلَى بَيْتِ
فُلَانَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ صَدِيقَةً لِخَدِيجَةَ، إِنَّهَا كَانَتْ
تُحِبُّ خَدِيجَةَ.
وعن «1» عائشة «2» رضي الله عنها: قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا
غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَإِنْ كان
ليذبح الشاة فيهديها إلى خلائلها.
- وَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ أُخْتُهَا «3» ، فَارْتَاحَ إِلَيْهَا «4» .
- وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ، فَهَشَّ لَهَا، وَأَحْسَنَ السُّؤَالَ
عَنْهَا فَلَمَّا خَرَجَتْ، قَالَ: «إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا أَيَّامَ
خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ «5» » .
وَوَصَفَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: كَانَ يَصِلُ ذَوِي رَحِمِهِ، مِنْ غَيْرِ
أَنْ يُؤْثِرَهُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ آلَ بني فلان ليسوا لي
__________
(1) كما في الصحيحين.
(2) تقدمت ترجمتها في ص (146) رقم (5) .
(3) وهي هالة بنت خويلد بن اسد ام ابي العاص بن الربيع، زوج زينب بنته صلّى
الله عليه وسلم.
(4) وهذا الحديث في البخاري.
(5) رواه الحاكم في مستدركه عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعا.
(1/258)
بِأَوْلِيَاءَ، غَيْرَ أَنَّ لَهُمْ
رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا» «1» .
- وقد «2» صلى عليه الصلاة والسلام بأمامة «3» ابنة ابنته زينب «4»
يَحْمِلُهَا عَلَى عَاتِقِهِ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قام
حملها.
وعن «5» أبي قتادة «6» : جاء وَفْدٌ لِلنَّجَاشِيِّ «7» فَقَامَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْدِمُهُمْ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ:
نَكْفِيكَ.
فَقَالَ: «إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين، وإني أُكَافِئَهُمْ» .
- وَلَمَّا جِيءَ بِأُخْتِهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ الشَّيْمَاءِ «8» فِي
سَبَايَا هَوَازِنَ، وَتَعَرَّفَتْ لَهُ، بَسَطَ لَهَا رداءه، وقال لها:
«إن احببت أقمت
__________
(1) رواه الشيخان.
(2) رواه الشيخان.
(3) وهي بنت أبي العاص بن الربيع وكان صلّى الله عليه وسلم يحبها وتزوجها
علي كرم الله وجهه بعد فاطمة رضي الله عنها ثم تزوجها بعده المغيرة بن نوفل
فماتت عنده.
(4) هي أكبر بناته صلّى الله عليه وسلم تزوجها أبو العاص بن الربيع ابن
خالتها أسر في بدر مع من أسر من المشركين وأطلقه رسول الله صلّى الله عليه
وسلم، أسلم سنة سبع من الهجرة فرد النبي صلّى الله عليه وسلم عليه زينب
بالنكاح الأول توفيت في حياة النبي صلّى الله عليه وسلم سنة 8 هـ.
(5) كما رواه البيهقي.
(6) الحارث بن ربعي الصحابي الأنصاري فارس رسول الله صلّى الله عليه وسلم
روى له أحمد وأصحاب السنن توفي سنة 54 هـ.
(7) تقدمت ترجمته في ص «164» رقم «2» .
(8) واسمها جدامة وهي بنت حليمة السعدية وقيل أختها، أسلمت وأسلم أبوها
الحارث حين قدم الى مكة المكرمة.
(1/259)
عندي مكرمة محبة، أَوْ مَتَّعْتُكِ
وَرَجَعْتِ إِلَى قَوْمِكِ» . فَاخْتَارَتْ قَوْمَهَا فَمَتَّعَهَا «1» .
وَقَالَ «2» أَبُو الطُّفَيْلِ «3» : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» ، وَأَنَا غُلَامٌ، إِذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ
حَتَّى دَنَتْ مِنْهُ، فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ فَجَلَسَتْ عَلَيْهِ،
فَقُلْتُ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: أُمُّهُ التي أرضعته.
وعن «5» عمرو بْنِ السَّائِبِ «6» : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا يَوْمًا، فَأَقْبَلَ أَبُوهُ «7» مِنَ
الرَّضَاعَةِ، فَوَضَعَ لَهُ بَعْضَ ثَوْبِهِ، فَقَعَدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ
أَقْبَلَتْ أُمُّهُ فَوَضَعَ لَهَا شِقَّ ثَوْبِهِ مِنْ جَانِبِهِ الْآخَرِ
فَجَلَسَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ أقبل أخوه «8» من الرضاعة، فقام صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ.
__________
(1) الحديث رواه ابن اسحق والبيهقي.
(2) رواه ابو داوود بسند حسن.
(3) هو عامر بن واثلة وقد تقدمت ترجمته في ص «147» رقم «2» .
(4) وكان بالجعرانة يقسم لحما.
(5) رواه أبو داوود مرسلا عنه.
(6) من أجلة التابعين والثقات روى عن أسامة بن زيد وروى عنه جماعة وأخرج له
أبو داوود.
(7) هو الحارث بن عبد العزى، واختلف في اسلامه.
(8) هو عبد الله بن الحارث.
(1/260)
- وَكَانَ يَبْعَثُ إِلَى ثُوَيْبَةَ «1» ،
مَوْلَاةِ أَبِي لَهَبٍ «2» مُرْضِعَتِهِ بِصِلَةٍ وَكِسْوَةٍ، فَلَمَّا
مَاتَتْ سَأَلَ مَنْ بَقِيَ مِنْ قَرَابَتِهَا، فَقِيلَ: لَا أَحَدَ «3»
وَفِي حَدِيثِ «4» خَدِيجَةَ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّهَا قَالَتْ
له صلى الله عليه وسلم: أبشر، فو الله لا يخزيك اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ
لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ «6» ، وتكسب المعدوم وتقري
الضعيف، وتعين على نوائب الحق.
__________
(1) وهي جارية معتقة لأبي لهب أسلمت، وماتت بمكة بعد هجرته عليه الصلاة
والسلام
(2) ابو لهب عم النبي صلّى الله عليه وسلم واسمه عبد العزى وكنى بذلك لتوقد
لونه وذكر القرآن بهذه الكنية للاشارة إلى انه جهنمي. مات بعد غزوة بدر.
(3) الحديث رواه ابن سعد عن الواقدي عن غير واحد من أهل العلم.
(4) كما رواه الشيخان.
(5) الزوجة الاولى للنبي صلّى الله عليه وسلم وهي التي حملت معه الكثير من
اعباء الدعوة الى الله تعالى في اول رسالته افضل نسائه عليه الصلاة والسلام
لما قاسته من الآلام وكابدته من العناء حتى ماتت رضي الله عنها بعد حصار
المسلمين في شعب بني هاشم وقبل الهجرة الى المدينة.
(6) الكل: ثقيل الحمل، العاجز عن تحمله.
(1/261)
|