الشفا
بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد الفصل العشرون العدل والأمانة والعفّة وصدق
اللهجة
وَأَمَّا عَدْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَانَتُهُ،
وَعِفَّتُهُ وَصِدْقُ لَهْجَتِهِ، فَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ آمَنَ النَّاسِ، وَأَعْدَلَ النَّاسِ، وَأَعَفَّ النَّاسِ،
وَأَصْدَقَهُمْ لَهْجَةً مُنْذُ كَانَ، اعْتَرَفْ لَهُ بِذَلِكَ
مُحَادُّوهُ «1» وَعِدَاهُ.
- وَكَانَ يُسَمَّى قَبْلَ نَبُّوتِهِ «الْأَمِينَ» .
قال «2» ابن اسحق «3» : كَانَ يُسَمَّى الْأَمِينَ، بِمَا جَمَعَ اللَّهُ
فِيهِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الصَّالِحَةِ.
وَقَالَ تَعَالَى: «مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ» «4» .
أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: عَلَى أَنَّهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
- وَلَمَّا «5» اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ وَتَحَازَبَتْ عِنْدَ بناء الكعبة
فيمن
__________
(1) محادوه: مخالفوه.
(2) رواه أحمد في مسنده والحاكم والطبراني عن علي كرم الله وجهه.
(3) تقدمت ترجمته في ص «72» رقم «7» .
(4) سورة التكوير (21) .
(5) رواه أحمد والحاكم وصححه الطبراني وابن ماجة وابن راهويه وابن أبي
أمامة
(1/268)
يَضَعُ الْحَجْرَ، حَكَّمُوا أَوَّلَ
دَاخِلٍ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
دَاخِلٌ وَذَلِكَ قَبْلَ نبوته، فقالوا: هذا محمد. هذا الأمين، قد رضيناه
بِهِ.
وَعَنِ الرَّبِيعِ «1» بْنِ خُثَيْمٍ: كَانَ يَتَحَاكَمُ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ
الْإِسْلَامِ «2» .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : «وَاللَّهِ إِنِّي
لَأَمِينٌ فِي السَّمَاءِ، أمين في الأرض» .
وعن «4» عَلِيٍّ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا لَا نُكَذِّبُكَ،
وَلَكِنْ نُكَذِّبُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، فأنزل الله تعالى:
«فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ «6» » الْآيَةَ.
وَرَوَى غَيْرُهُ «7» : لَا نُكَذِّبُكَ، وَمَا أَنْتَ فينا بمكذب.
__________
(1) الربيع بن خثيم بن عابد روى عن ابن مسعود وأبي أيوب وروى عنه خلق كثير،
كان ثقة عابدا، قال له ابن مسعود: لو رآك النبي صلّى الله عليه وسلم لأحبك،
أخرج له أصحاب الكتب الستة توفي سنة 67 هـ.
(2) رواه ابن ابي شيبة في مسنده عن أبي رافع.
(3) رواه الترمذي.
(4) أي غير الترمذي زيادة عليه.
(5) تقدمت ترجمته في ص «54» رقم «4» .
(6) « ... وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ» الأنعام
(33) .
(7) رواه ابن سعد.
(1/269)
وَقِيلَ «1» : إِنَّ الْأَخْنَسَ «2» بْنَ
شُرَيْقٍ لَقِيَ أَبَا جَهْلٍ «3» يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا
الحكم: ليس هناك غَيْرِي وَغَيْرُكَ يَسْمَعُ كَلَامَنَا، تُخْبِرُنِي عَنْ
مُحَمَّدٍ، صادق هو أم كَاذِبٌ؟
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَصَادِقٌ. وَمَا كَذَبَ
مُحَمَّدٌ قَطُّ.
وَسَأَلَ هِرَقْلُ «4» عَنْهُ أَبَا سُفْيَانَ «5» ، فَقَالَ «6» : هَلْ
كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟.
قَالَ لَا ...
وَقَالَ «7» النَّضْرُ بْنُ «8» الْحَارِثِ لِقُرَيْشٍ: قَدْ كَانَ
مُحَمَّدٌ فِيكُمْ غُلَامًا حَدَثًا، أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ، وأصدقكم حديثا،
وأعظمكم أمانة، حتى
__________
(1) أخرجه ابن اسحاق والبيهقي عن الزهري، وكذا ابن جرير عن السدي،
والطبراني في الأوسط.
(2) الأخنس بن شريق: هو أبي بن شريق بن عمرو الثقفي، سمي بالأخنس لأنه رجع
ببني زهرة يوم بدر ثم أسلم، فكان من المؤلفة وشهد حنينا ومات في أول خلافة
عمر.
(3) عدو الله من أكبر المؤذين لرسول الله صلّى الله عليه وسلم. قتل يوم
بدر، على يد معوذ ومعاذ ابني عفراء الأنصاريين.
(4) ملك الروم آنئذ.
(5) تقدمت ترجمته في ص «229» رقم «1» .
(6) رواه الشيخان، والقصة مفصلة في أول البخاري.
(7) رواه ابن اسحاق والبيهقي عن ابن عباس.
(8) كان شديد العداوة للنبي صلّى الله عليه وسلم، أخذ أسيرا ببدر فأمر
النبي صلّى الله عليه وسلم عليا فقتله بالصفراء بعد الواقعة.
(1/270)
إِذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ
الشَّيْبَ، وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ قُلْتُمْ: سَاحِرٌ!! لَا
وَاللَّهِ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ..
وَفِي الْحَدِيثِ «1» عَنْهُ: مَا لَمَسَتْ يده يد امْرَأَةً قَطُّ لَا
يَمْلِكُ رِقَّهَا وَفِي حَدِيثِ «2» علي رضي الله عنه فِي وَصْفِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً..
وَقَالَ فِي الصَّحِيحِ «3» : «وَيْحَكَ «4» فَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ
أَعْدِلْ.
خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ» .
قَالَتْ «5» عَائِشَةُ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا خُيِّرَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ
أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أبعد
الناس منه.
وقال أبو العباس «7» المبرد:
__________
(1) رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها.
(2) رواه الترمذي في شمائله.
(3) في الحديث الصحيح وقد تقدم.
(4) والذي في البخاري في باب الادب (ويلك) بدل (ويحك) . و (ويل) كلمة زجر
وتوبيخ، و (ويح) كلمة ترحم، و (ويس) كلمة ترحم دونها وهو معنى قول الاحمصي
أنها تصغيرهما.
(5) على ما سبق من رواية الترمذي وغيره عنها.
(6) تقدمت ترجمتها في ص «146» رقم «5» .
(7) محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي شيخ أهل النحو والعربية في البصرة
أخذ عن أبي عمرو الجرمي وأبي عثمان المازني صنف كتبا كثيرة أشهرها الكامل
ومن أكبرها المقتضب ولد سنة 210 هـ وتوفي سنة 285 هـ.
(1/271)
قَسَّمَ كِسْرَى «1» أَيَّامَهُ. فَقَالَ:
يَصْلُحُ يَوْمُ الرِّيحِ لِلنَّوْمِ، وَيَوْمُ الْغَيْمِ لِلصَّيْدِ،
وَيَوْمُ الْمَطَرِ لِلشُّرْبِ وَاللَّهْوِ، وَيَوْمُ الشَّمْسِ
لِلْحَوَائِجِ.
قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ «2» : مَا كَانَ أَعْرَفَهُمْ بِسِيَاسَةِ
دُنْيَاهُمْ، «يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا، وَهُمْ عَنِ
الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ «3» » .
- وَلَكِنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَزَّأَ «4»
نهاره ثلاثة أجزاء، جزء لله، وجزء لأهله، وجزء لِنَفْسِهِ.
ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَكَانَ يَسْتَعِينُ
بِالْخَاصَّةِ عَلَى الْعَامَّةِ وَيَقُولُ «5» : «أَبْلِغُوا حَاجَةَ مَنْ
لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغِي، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ حَاجَةَ مَنْ لَا
يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا أَمَّنَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ»
وَعَنِ «6» الْحَسَنِ «7» : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَا يأخذ أحدا
__________
(1) ملك الفرس و «كسرى» لقب لكل من ملكهم.
(2) محمد بن خالويه النحوي اللغوي الأديب الهمداني دخل بغداد ثم انتقل الى
الشام أخذ عن ابن الأنباري والسيرافي وتصدر للافادة وله تآليف جليلة وشعر
حسن مات بحلب سنة 370 هـ.
(3) سورة الروم «7» .
(4) حديث أنه جزأ نهاره هو بعض حديث هند بن أبي هالة رضي الله عنه.
(5) رواه الطبراني في الكبير بسند حسن عن أبي الدرداء، ولفظه: ثبت الله
قدميه على الصراط يوم القيامة.. وكذا لفظ الترمذي في الشمائل برواية الحسن
عن أخيه الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهم.
(6) رواه أبو داوود في مراسيله.
(7) أي البصري تقدمت ترجمته في ص «60» رقم «8» .
(1/272)
بِقَرْفِ «1» أَحَدٍ، وَلَا يُصَدِّقُ
أَحَدًا عَلَى أَحَدٍ.
وذكر «2» أبو جعفر «3» الطبري: عن علي «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» : «مَا هَمَمْتُ
بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْمَلُونَ بِهِ غَيْرَ
مَرَّتَيْنِ، كُلُّ ذَلِكَ يَحُولُ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَا أُرِيدُ
مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ مَا هَمَمْتُ بِسُوءٍ حَتَّى أَكْرَمَنِي اللَّهُ
بِرِسَالَتِهِ.
قُلْتُ لَيْلَةً لِغُلَامٍ كَانَ يَرْعَى مَعِي: لَوْ أَبْصَرْتَ لِي
غَنَمِي حَتَّى أَدْخُلَ مَكَّةَ فَأَسْمُرَ «6» بِهَا كَمَا يَسْمُرُ
الشَّبَابُ، فخرجت لذلك حَتَّى جِئْتُ أَوَّلَ دَارٍ مِنْ مَكَّةَ سَمِعْتُ
عَزْفًا بِالدُّفُوفِ وَالْمَزَامِيرِ لِعُرْسِ بَعْضِهِمْ، فَجَلَسْتُ
أَنْظُرُ فَضُرِبَ عَلَى أُذُنَيَّ فَنِمْتُ فَمَا أَيْقَظَنِي إِلَّا
مَسُّ الشَّمْسِ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا. ثُمَّ عَرَانِي
مَرَّةً أُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ لَمْ أهمّ بعد ذلك بسوء» .
__________
(1) بقرف: بذنب.
(2) رواه ابن راهويه في مسنده، والبيهقي في دلائله عن علي كرم الله وجهه.
(3) وهو محمد بن جرير تقدمت ترجمته في ص «182» رقم «2» .
(4) تقدمت ترجمته في ص «54» رقم «4» .
(5) اعاد المؤلف ذكر هذا الحديث هنا مع تقدمه لافادة زيادة قوله.
(6) السمر: أصله ضوء القمر ثم أطلق على الحديث فيه.
(1/273)
|