الشفا
بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد الفصل السّادس الإخبار عن المغيّبات
الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ، مَا انْطَوَى عَلَيْهِ مِنَ
الْإِخْبَارِ بِالْمُغَيَّبَاتِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ وَلَمْ يقع فوجد كما
ورد على الوجه الذي أخبر.
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: «لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ
اللَّهُ آمِنِينَ «1» » وَقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَهُمْ مِنْ بَعْدِ
غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ «2» » .
وقوله: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ «3» » .
وَقَوْلِهِ: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ «4» » الْآيَةَ.
وَقَوْلِهِ: «إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ «5» » إلى آخرها.
__________
(1) سورة الفتح آية «27»
(2) سورة الروم آية «3»
(3) «وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» سورة الصف آية «9»
(4) سورة النور آية «55»
(5) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً» سورة
النصر
(1/518)
فَكَانَ جَمِيعُ هَذَا كَمَا قَالَ..
فَغَلَبَتِ الرُّومُ فَارِسَ فِي بِضْعِ سِنِينَ.
وَدَخَلَ النَّاسُ فِي الْإِسْلَامِ أَفْوَاجًا فَمَا مَاتَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي بِلَادِ الْعَرَبِ كُلِّهَا مَوْضِعٌ لَمْ
يَدْخُلْهُ الْإِسْلَامُ. وَاسْتَخْلَفَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ فِي
الْأَرْضِ ومكن دِينَهُمْ.. وَمَلَّكَهُمْ إِيَّاهَا مِنْ أَقْصَى
الْمَشَارِقِ إِلَى أَقْصَى الْمَغَارِبِ.. كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم «1» «زويت «2» لي الْأَرْضُ فَأُرِيتُ مَشَارِقَهَا
وَمَغَارِبَهَا وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا» .
وَقَوْلِهِ: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ «3» وَإِنَّا لَهُ
لَحافِظُونَ «4» » فَكَانَ كَذَلِكَ، لَا يَكَادُ يُعَدُّ مَنْ سَعَى فِي
تَغْيِيرِهِ وَتَبْدِيلِ مُحْكَمِهِ مِنَ الْمُلْحِدَةِ «5»
وَالْمُعَطِّلَةِ «6» لا سيما القرامطة «7» ، فأجمعوا كيدهم،
__________
(1) رواه مسلم عن ثوبان مرفوعا.
(2) زويت: بزاي معجمة وواو وياء مبني للمجهول أي جمعت وطويت.
(3) أخبر الله تعالى بانه تولى حفظ القرآن من التبديل والتغيير في سائر
الأزمان بدلالة الاسمية المؤكدة..
(4) سورة الحجر اية «9»
(5) الملحدة: أي المائلة عن الحق الى الباطل كالحلولية والاتحادية
وأمثالهما.
(6) المعطلة: أي بتعطيل الكون من المكون كالدهرية ونحوها.
(7) القرامطة: هم طائفة من الملحدين أيضا، قال السمعاني في الانساب:
«القرمطي بكسر القاف وسكون الراء وكسر الميم والطاء المهملة نسبة لطائفة
خبيثة من أهل هجر والحسا وأصلهم من سواد الكوفة يقال له قرمط، وقيل حمدان
بن قرمط وسبب ظهورهم أن جماعة من اولاد بهرام جوز ذكروا آباءهم وجدودهم وما
كانوا فيه من العز والملك وزوال ذلك بدولة الاسلام في أيام أبي مسلم
الخراساني ونقله الخلافه المروانية وهو من الموالي وهم من أولاد الملوك
فاتفقوا على رفع الاسلام ونقض عراه وراحوا يعيثون في الأرض فسادا.
(1/519)
وَحَوْلَهُمْ وَقُوَّتَهُمْ الْيَوْمَ «1»
نَيِّفًا عَلَى خَمْسِمِائَةِ عَامٍ فَمَا قَدَرُوا عَلَى إِطْفَاءِ شَيْءٍ
مِنْ نُورِهِ، ولا تغير كَلِمَةٍ مِنْ كَلَامِهِ، وَلَا تَشْكِيكِ
الْمُسْلِمِينَ فِي حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ «2» » .
وقوله: «قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ «3» » الْآيَةَ.
وَقَوْلِهِ: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى «4» » الْآيَةَ.
وَقَوْلِهِ: «لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ «5» »
الْآيَةَ.
فَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ، وَمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ أَسْرَارِ الْمُنَافِقِينَ
وَالْيَهُودِ وَمَقَالِهِمْ وَكَذِبِهِمْ فِي حَلِفِهِمْ، وَتَقْرِيعِهِمْ
بِذَلِكَ.
كَقَوْلِهِ: «وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ
بِما نَقُولُ «6» » .
وَقَوْلِهِ: «يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ»
» الآية.
وقوله: «وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ «8» الآية.
__________
(1) منصوب بنزع الخافض اي الى هذا اليوم والمراد مطلق الزمان والوقت الحاضر
في زمن المصنف.
(2) سورة القمر آية «45»
(3) «وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ
مُؤْمِنِينَ» سورة التوبة «14»
(4) «وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ» سورة التوبة «33»
(5) «يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ» سورة ال عمران «111»
(6) «حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ» سورة
المجادلة «8»
(7) ... الآية سورة ال عمران «154»
(8) سورة المائدة «42»
(1/520)
وَقَوْلِهِ: «مِنَ الَّذِينَ هادُوا
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ» إلى قوله «فِي الدِّينِ «1» » .
وَقَدْ قَالَ مُبْدِيًا مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ وَاعْتَقَدَهُ
الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ بَدْرٍ «وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى
الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ
الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ «2» » ومنه قوله تعالى:
«إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ «3» » .
وَلَمَّا نَزَلَتْ بَشَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِذَلِكَ أَصْحَابَهُ.. بِأَنَّ اللَّهَ كَفَاهُ إِيَّاهُمْ. وكان
المستهزؤون نَفَرًا بِمَكَّةَ يُنَفِّرُونَ النَّاسَ عَنْهُ وَيُؤْذُونَهُ
فَهَلَكُوا.. وقوله: «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ «4» » .
فَكَانَ كَذَلِكَ عَلَى كَثْرَةِ مَنْ رَامَ ضُرَّهُ وقصد قتله.
والأخبار بذلك معروفة وصحيحة.
__________
(1) سورة النساء «46»
(2) «وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ
دابِرَ الْكافِرِينَ» . سورة الانفال «7»
(3) سورة الحجر «65»
(4) «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ
النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ» سورة المائدة
«67» ..
(1/521)
|