الشفا
بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد الفصل الثامن التّحدي والتعجيز في قضايا
وإعلامهم أنهم لا يفعلونها
هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نِزَاعَ
فِيهَا وَلَا مِرْيَةَ..
وَمِنَ الْوُجُوهِ الْبَيِّنَةِ فِي إِعْجَازِهِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ
الْوُجُوهِ أَيْ وَرَدَتْ بِتَعْجِيزِ قَوْمٍ فِي قَضَايَا..
وَإِعْلَامِهِمْ أَنَّهُمْ لا يغفلونها.. فَمَا فَعَلُوا، وَلَا قَدَرُوا
عَلَى ذَلِكَ كَقَوْلِهِ لِلْيَهُودِ: «قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ
الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً «1» » الآية.
قال أبو إسحق الزَّجَّاجُ «2» : «فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَعْظَمُ حُجَّةٍ،
وَأَظْهَرُ دلالة على صحة الرسالة.. لأنه قال لهم «فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ»
وأعلمهم أنّهم لا يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا.. فَلَمْ يَتَمَنَّهُ وَاحِدٌ
مِنْهُمْ.
وَعَنِ النبي صلى الله عليه وسلم «3» : والذي نفسي بيده لا يقولها رجل منهم
__________
(1) خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ» البقرة «94»
(2) تقدمت ترجمته في ص «88» رقم «8»
(3) في حديث رواه البيهقي من طريق الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما بهذا اللفظ الآني. وأحمد في مسنده عن ابن
عباس مرفوعا بسند جيد بلفظ: «لو ان اليهود تمنوا الموت لماتوا»
(1/526)
إِلَّا غَصَّ بِرِيقِهِ- يَعْنِي يَمُوتُ
مَكَانَهُ- فَصَرَفَهُمُ الله عن تمنيه..
وجرّعهم لِيُظْهِرَ صِدْقَ رَسُولِهِ، وَصِحَّةَ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ..
إذ لَمْ يَتَمَنَّهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ.. وَكَانُوا عَلَى تَكْذِيبِهِ
أَحْرَصَ لَوْ قَدَرُوا.. وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ..
فَظَهَرَتْ بِذَلِكَ مُعْجِزَتُهُ.
وَبَانَتْ حُجَّتُهُ..
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِيُّ «1» : مِنْ أَعْجَبِ أَمْرِهِمْ
أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا وَاحِدٌ مِنْ يوم أمر الله
بذلك بنيّه يُقْدِمُ عَلَيْهِ.. وَلَا يُجِيبُ إِلَيْهِ.. وَهَذَا
مَوْجُودٌ مَشَاهَدٌ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَمْتَحِنَهُ مِنْهُمْ..
وَكَذَلِكَ آيَةُ الْمُبَاهَلَةِ «2» مِنْ هَذَا الْمَعْنَى حَيْثُ: وَفَدَ
عليه أساقفة نجران، وأتوا الْإِسْلَامَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
عَلَيْهِ آيَةَ الْمُبَاهَلَةِ بقوله: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ «3» ..»
الْآيَةَ. فَامْتَنَعُوا مِنْهَا..
وَرَضُوا بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ.. وَذَلِكَ أنّ العاقب عظيمهم قال لهم:
__________
(1) عبد الله بن ابراهيم بن عمر الأموي عالم بالحديث والفقه من أهل أصيلة
في المغرب رحل في طلب العلم وعاد الى الاندلس في اخر أيام المستنصر فمات
بقرطبة سنة 392 هـ.
(2) المباهلة: الملاعنة والدعاء على الظالم.
(3) «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ
تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ
وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ
عَلَى الْكاذِبِينَ» سورة آل عمران «61» .
(1/527)
قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ..
وَأَنَّهُ مَا لَاعَنَ قَوْمًا نَبِيٌّ قَطُّ فَبَقِيَ كَبِيرُهُمْ وَلَا
صَغِيرُهُمْ.. «وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا
نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا» إِلَى قَوْلِهِ: «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ
تَفْعَلُوا «1» » . فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ كَمَا كَانَ
وَهَذِهِ الْآيَةُ أَدْخَلُ فِي بَابِ الْإِخْبَارِ عَنِ الْغَيْبِ
وَلَكِنْ فِيهَا مِنَ التَّعْجِيزِ مَا فِي الَّتِي قبلها..
__________
(1) «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ
الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ» سورة
البقرة «240» ،
(1/528)
|