الشفا بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد

الفصل العاشر بقاؤه على الزمن
وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لَا تُعْدَمُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا.. مَعَ تَكَفُّلِ اللَّهِ تَعَالَى بِحِفْظِهِ.
فَقَالَ: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «1» » .
وَقَالَ: «لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ «2» » وَسَائِرُ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ انْقَضَتْ بِانْقِضَاءِ أَوْقَاتِهَا فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا خَبَرُهَا.. وَالْقُرْآنُ الْعَزِيزُ الْبَاهِرَةُ آيَاتُهُ الظَّاهِرَةُ مُعْجِزَاتُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ مدة خمس مئة عَامٍ وَخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً «3» لِأَوَّلِ نُزُولِهِ إِلَى وَقْتِنَا هَذَا حُجَّتُهُ قَاهِرَةٌ وَمُعَارَضَتُهُ مُمْتَنِعَةٌ، وَالْأَعْصَارُ كلها طافحة
__________
(1) سورة الحجر «9» .
(2) «تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» سورة فصلت «42» .
(3) وها هي تصبح الفا وثلاث مائة وستين عاما الى زمننا هذا ولا يزال حجة الزمان فسبحان من لا يعتريه نقص في ذاته ولا في صفاته.

(1/533)


بِأَهْلِ الْبَيَانِ وَحَمَلَةِ عِلْمِ اللِّسَانِ وَأَئِمَّةِ الْبَلَاغَةِ.. وَفُرْسَانِ الْكَلَامِ، وَجَهَابِذَةِ «1» الْبَرَاعَةِ.. وَالْمُلْحِدُ فِيهِمْ كَثِيرٌ.. وَالْمُعَادِي لِلشَّرْعِ عَتِيدٌ.. فَمَا مِنْهُمْ مَنْ أَتَى بِشَيْءٍ يُؤْثَرُ فِي مُعَارَضَتِهِ.. وَلَا أَلَّفَ كَلِمَتَيْنِ فِي مُنَاقَضَتِهِ.. وَلَا قَدَرَ فِيهِ عَلَى مَطْعَنٍ صَحِيحٍ.. وَلَا قَدَحَ الْمُتَكَلِّفُ مِنْ ذِهْنِهِ فِي ذَلِكَ إِلَّا بِزَنْدٍ «2» شَحِيحٍ..
بَلِ الْمَأْثُورُ عَنْ كُلِّ مَنْ رَامَ ذَلِكَ إِلْقَاؤُهُ فِي الْعَجْزِ بيديه، والنكوص «3» على عقبيه..
__________
(1) الجهابذة: جمع جهبذ: بكسر الجيم والباء وبينهما هاء ساكنة واخره ذال معجمة يقال جهبذ أي عالم نحرير وهو لفظ معرب وأصل معنى الجهبذ النقاد البصير فاستعير لما ذكر.
(2) يقال زئد شحيح إذا كان لا يوري وهذه استعارة حسنة جميلة ومحل حسنها كون الذهن يوصف بالتوقد والاشتعال. فالاستعارة في (زند) وإجراؤها هو أن المصنف شبه الذهن المعارض للقرآن بالزند الشحيح ووجه الشبه في عدم اتقاد كل من العقل الخامد البليد في معارضة القران وعد اتقاد الزند الشحيج واشتعاله. وهي استعارة تصريحية أصلية.
(3) يقال: نكص على عقبيه: أي رجع عما كان عليه من خير فهو خاص بالرجوع عن الخير.

(1/534)