الشفا بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد

الفصل الخامس والعشرون عصمة الله لَهُ مِنَ النَّاسِ وَكِفَايَتِهِ مِنْ أَذَاهِمْ
قَالَ الله تعالى: «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ «1» » .
وَقَالَ تَعَالَى: «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا «2» » .
وقال: «أَلَيْسَ «3» اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ «4» » .
قِيلَ: بِكَافٍ «5» مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْدَاءَهُ الْمُشْرِكِينَ وَقِيلَ: غَيْرُ هَذَا وَقَالَ: «إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ «6» » .
وقال: «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا «7» » الآية.
__________
(1) سورة النساء آية رقم 70.
(2) سورة الطور آية رقم 48.
(3) فيه إثبات لكفاية الله له على أبلغ وجه لأنه استفهام إنكاري وهي نفي معنى ونفي النفي اثبات يعني إن عبادي يحفظون عبيدهم فكيف لا أحفظ عبدي.
(4) سورة الزمر آية رقم 36.
(5) أي قيل إن معناه بكاف محمدا صلّى الله عليه وسلم لأن العبد في الآية غير معين. وقيل في تفسير الآية غير هذا.
(6) سورة الحجر آية رقم 95.
(7) «لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ» سورة الأنفال آية رقم 30.

(1/680)


عَنْ «1» عَائِشَةَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه من القبّة «3» . فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ..
انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ» ..
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا اخْتَارَ لَهُ أَصْحَابُهُ شَجَرَةً يَقِيلُ «4» تَحْتَهَا.. فَأَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ فَاخْتَرَطَ «5» سَيْفَهُ ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فقال: الله عز وجل فأرعدت يَدُ الْأَعْرَابِيِّ وَسَقَطَ سَيْفُهُ وَضَرَبَ بِرَأْسِهِ الشَّجَرَةَ حَتَّى سَالَ دِمَاغُهُ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ «6» .
وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ فِي الصَّحِيحِ وَأَنَّ غَوْرَثَ «7» بْنَ الْحَارِثِ صَاحِبُ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَفَا عَنْهُ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ وَقَالَ:
جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ «8» .
__________
(1) أخرجه الترمذي.
(2) تقدمت ترجمته في ص «146» رقم «5» .
(3) القبة: بضم القاف وتشديد الباء الموحدة وهي كل مرتفع من البناء أو الخيمة والخباء من وقب اذا علا والمراد هنا خباء كان فيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ.
(4) يقيل من قال يقيل قيلولة وهي الظهيرة وما قرب منها للاستراحة سواء نام أم لا وإن كثر فيها النوم.
(5) اخترط: سل سيفه من غمده.
(6) أي «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» .
(7) هو غورث بن الحارث اختلف في إسلامه لاختلاف الروايات في القصة فقد ورد أن النبي قال له: «لا أو تسلم» فقال الاعرابي: «لا، ولكن أعاهدك ألا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك» ويتمسك الذين يقولون بإسلامه بقوله: جئتكم من عند خير الناس
(8) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه.

(1/681)


وقد حكيت مثل الحكاية أنها جَرَتْ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدِ انْفَرَدَ مِنْ أصحابه لقضاء حاجة فَتَبِعَهُ رَجُلٌ «1» مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَذَكَرَ مِثْلَهُ «2» .
وَقَدْ رُوِيَ «3» أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ مِثْلُهَا فِي غَزْوَةِ غَطَفَانَ «4» بِذِي أَمْرٍ «5» مَعَ رَجُلٍ اسْمُهُ دَعْثُورُ «6» بْنُ الْحَارِثِ.. وَأَنَّ الرَّجُلَ أَسْلَمَ فَلَمَّا رَجَعَ إلى قومه الذين أغروه «7» به وَكَانَ سَيِّدَهُمْ وَأَشْجَعَهُمْ قَالُوا لَهُ: أَيْنَ مَا كُنْتَ تَقُولُ وَقَدْ أَمْكَنَكَ فَقَالَ: إِنِّي نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ أَبْيَضَ طَوِيلٍ دَفَعَ فِي صَدْرِي فَوَقَعْتُ لِظَهْرِي وَسَقَطَ السَّيْفُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ مَلَكٌ وأسلمت.
قيل: وفيه نزلت «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ «8» » الآية.
__________
(1) هذا الرجل لم يعرف كما قاله البرهان.
(2) الحديث لم يخرج.
(3) رواه ابن اسحاق في سيرته الكبرى موصولا عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما.
(4) غطفان: بغين معجمة وطاء مهملة مفتوحتين وهي قبيلة مشهورة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم في سرية نحو أربع مائة وخمسين فارسا في ربيع الاول بعد خمسة أشهر من الهجرة.
(5) ذي أمر: بهمزة وميم مفتوحتين وراء مهملة وهو اسم مكان ويسمى غزوة غطفان وغزوة أنمار وغزو ذات الرقاع.
(6) هو رجل من محارب ويبدو أنه هذا الرجل هو غورث بن الحارث المتقدم ذكره وان العصيتين واحدة وقال ابن سيد الناس: أن الخبرين والرجلين واحد.
(7) أي حرضوه على الفتك برسول الله صلّى الله عليه وسلم
(8) «فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ» سورة المائدة آية رقم 12.

(1/682)


وَفِي رِوَايَةِ الْخَطَّابِيِّ «1» أَنَّ غَوْرَثَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيَّ أَرَادَ أَنْ يَفْتِكَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ إِلَّا وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ مُنْتَضِيًا «2» سَيْفَهُ. فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اكفينه بِمَا شِئْتَ» فَانْكَبَّ مِنْ وَجْهِهِ مِنْ زُلَّخَةٍ «3» زُلِّخَهَا «4» بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَنَدَرَ «5» سَيْفُهُ مِنْ يَدِهِ..
و «الزُّلَّخَةُ» وَجَعُ الظَّهْرِ.
وَقِيلَ فِي قِصَّتِهِ غَيْرُ هذا.. وذكر أنّ فيه نزلت «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ «6» » الْآيَةَ.
وَقِيلَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخَافُ قُرَيْشًا فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ اسْتَلْقَى ثُمَّ قَالَ «مَنْ شَاءَ فَلْيَخْذُلْنِي» .
وَذَكَرَ «7» عَبْدُ «8» بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: كَانَتْ حَمَّالَةُ الحطب «9» تضع
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص «64» رقم «6» .
(2) منتضيا: بضاد معجمة ومثناة تحتية أي مجردا وسالا.
(3) الزلخة: بضم الزاي المعجمة وفتح اللام المشددة وخاء معجمة وتاء.
(4) زلخها: بضم الزاي المعجمة وتشديد اللام المكسورة وخاء مفتوحة معجمة. وهاء ضمير.
(5) ندر: بنون ودال مهملة مفتوحتين وراء مهملة أي سقط.
(6) «إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ» سورة المائدة آية رقم 12.
(7) رواه ابن جرير في تفسيره مرسلا.
(8) تقدمت ترجمته في ص «370» رقم «1»
(9) هي أم جميل العوراء أخت أبي سفيان بن حرب بن أمية زوج أبي لهب.

(1/683)


العضاه «1» - وهي حجر «2» - عَلَى طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّمَا يَطَؤُهَا كَثِيبًا «3» أَهْيَلَ «4» .
وَذَكَرَ «5» ابْنُ اسحق «6» عَنْهَا أَنَّهَا لَمَّا بَلَغَهَا نُزُولُ «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ «7» وَتَبَّ «8» » وَذِكْرُهَا بِمَا ذَكَرَهَا اللَّهُ مَعَ زَوْجِهَا مِنَ الذَّمِّ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ أَبُو بكر «9» .
وفي يدها فهر مِنْ حِجَارَةٍ.. فَلَمَّا وَقَفَتْ عَلَيْهِمَا لَمْ تَرَ إلا أبابكر وأخذ الله تعالى ببصرها على نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَيْنَ صَاحِبُكَ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ يهجوني.. والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر «10» فاه.
وعن «11» الحكم بن أبي العاص «12» قال: تَوَاعَدْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) العضاه: بكسر العين وفي آخر الكلمة هاء وقفا ووصلا وهي أشجار عظام ذات شوك.
(2) المراد تشبيه الشوك بالجمر حال حدتها.
(3) كثيبا: بالمثلثة ومثناة تحتية وموحدة وهو ما اجتمع من الرمل.
(4) أهيل: مبني للمجهول يقال أهال الرمل إذا أساله ولم يجمعه كالربوة والمشي عليه حينئذ أسهل وألين أي يجده صلّى الله عليه وسلم سهلا لا يؤذيه.
(5) رواه أبو يعلى والبيهقي وابن أبي حاتم عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهما
(6) تقدمت ترجمته في ص «73» رقم «7» .
(7) تقدمت ترجمته في ص «261» رقم «2» .
(8) سورة المسد آية رقم «1» .
(9) تقدمت ترجمته في ص «156» رقم «6» .
(10) فهر: بكسر الفاء وسكون الهاء وراء مهملة وهو حجر ملء الكف او هو الحجر مطلقا.
(11) رواه أبو نعيم في الدلائل والطبراني بسند جيد.
(12) وهو والد مروان بن الحكم، وهو ممن أسلم عام الفتح وتوفي في خلافة عثمان وفي الصحابة من وافقه في اسمه واسم أبيه ولكن المشهور هو هذا.

(1/684)


إذا رأيناه حتى سَمِعَنَا صَوْتًا خَلْفَنَا مَا ظَنَنَّا أَنَّهُ بَقِيَ بِتِهَامَةَ أَحَدٌ فَوَقَعْنَا مَغْشِيًّا عَلَيْنَا.. فَمَا أَفَقْنَا حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ وَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ.. ثُمَّ تَوَاعَدْنَا لَيْلَةً أُخْرَى فَجِئْنَا حَتَّى إِذَا رَأَيْنَاهُ جَاءَتِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةُ فَحَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ.
وَعَنْ «1» عُمَرَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَوَاعَدْتُ أَنَا وَأَبُو جَهْمِ «3» بْنِ حُذَيْفَةَ لَيْلَةً قَتْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَجِئْنَا مَنْزِلَهُ فَسَمِعْنَا له فافتتح وقرأ «الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ «4» » .. إِلَى «فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ «5» » .
فَضَرَبَ أَبُو جَهْمٍ عَلَى عَضُدِ عُمَرَ وَقَالَ: انْجُ.. وَفَرَّا هَارِبَيْنِ فَكَانَتْ مِنْ مُقَدِّمَاتِ إِسْلَامِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَمِنْهُ «6» الْعِبْرَةُ الْمَشْهُورَةُ وَالْكِفَايَةُ التَّامَّةُ عِنْدَمَا أَخَافَتْهُ قُرَيْشٌ وَأَجْمَعَتْ عَلَى قَتْلِهِ وَبَيَّتُوهُ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِهِ فَقَامَ على رؤوسهم وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَبْصَارِهِمْ وَذَرَّ التراب على رؤوسهم وخلص
__________
(1) هذا الحديث لم يوجد بهذا اللفظ إلا انه في مسند أحمد بما يقرب منه.
(2) تقدمت ترجمته في ص «113» رقم «4» .
(3) هو عامر او عبيد بن حذيفة بن غانم بن عامر العدوي اسلم عام الفتح وصحبه صلى الله عليه وسلم وكان معظما في قريش توفي في ايام معاوية رضي الله تعالى عنه وكانت فيه وفي بنيه شدتها وقد ادرك بنيان الكعبة حين بناها ابن الزبير فعمل فيها ثم قال قد عملت في الكعبة مرتين مرة في الجاهلية بقوة غلام يافع وفي الاسلام بقوة شيخ فان وهو صاحب الانبجانية
(4) سورة الحاقة آية رقم «1، 2» .
(5) سورة الحاقة آية رقم «8» .
(6) كما رواه ابن اسحق والبيهقي.

(1/685)


مِنْهُمْ.. وَحِمَايَتُهُ «1» عَنْ رُؤْيَتِهِمْ فِي الْغَارِ «2» بِمَا هَيَّأَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْآيَاتِ.
وَمِنَ الْعَنْكَبُوتِ الَّذِي نَسَجَ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ «3» خَلَفٍ حِينَ قَالُوا: نَدْخُلُ الْغَارَ.. مَا «4» أَرَبُكُمْ فِيهِ وَعَلَيْهِ مِنْ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ مَا أَرَى «5» إنه قبل أن يولد محمد.. ووقفت حَمَامَتَانِ عَلَى فَمِ الْغَارِ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: لَوْ كَانَ فِيهِ أَحَدٌ لَمَا كَانَتْ هُنَاكَ الْحَمَامُ..
وقصته «6» من سُرَاقَةَ «7» بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ حِينَ الْهِجْرَةِ.. وَقَدْ جَعَلَتْ قُرَيْشٌ فِيهِ وَفِي أَبِي بَكْرٍ «8» الجعائل «9» .. فأنذر به فركب
__________
(1) رواه البزار مسندا.
(2) أي غار ثور وثور اسم جبل يمنة مكة والغار كالمغار نقرة في الجبل كالبيت وسمي بثور بن عبد مناف لنزوله به.
(3) أمية بن خلف بن وهب من بني لؤي: أحد جبابرة قريش في الجاهلية، ومن ساداتهم، أدرك الاسلام، ولم يسلم. وهو الذي عذب بلالا الحبشي في بداءة ظهور الاسلام أسره عبد الرّحمن بن عوف يوم بدر. فرآه بلال فصاح بالناس يحرضهم على قتله، فقتلوه.
(4) ما أربكم: بفتح الهمزة والراء المهملة والموحدة ويجوز كسر الهمزة وتسكين الراء وهو الحاجة المطلوبة وما استفهامية او نافية أي ليس لكم مطلوب وهو محمد صلّى الله عليه وسلم ولا حاجة.
(5) أرى: بضم الهمزة وفتحها أي أظن وأعتقد.
(6) رواه الشيخان.
(7) تقدمت ترجمته في ص «130» رقم «5» .
(8) تقدمت ترجمته في ص «156» رقم «6» .
(9) الجعائل: جمع جعيلة أو جعالة بالفتح وهي الاجرة على شيء فعلا او قولا والجعل بالضم الاسم وبالفتح المصدر وقد عينت قريش مائة ناقة لمن يرد عليهم محمدا صلّى الله عليه وسلم حيا او ميتا.

(1/686)


فَرَسَهُ وَاتَّبَعَهُ حَتَّى إِذَا قَرُبَ مِنْهُ دَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَاخَتْ «1» قَوَائِمُ فَرَسِهِ فَخَرَّ عَنْهَا وَاسْتَقْسَمَ بِالْأَزْلَامِ «2» فَخَرَجَ لَهُ مَا يَكْرَهُ..
ثُمَّ رَكِبَ وَدَنَا حَتَّى سَمِعَ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ وَأَبُو بَكْرٍ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَلْتَفِتُ.. وَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُتِينَا.
فَقَالَ: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا «4» » .. فساخت ثانية إلى ركبتها وَخَرَّ عَنْهَا فَزَجَرَهَا فَنَهَضَتْ وَلِقَوَائِمِهَا مِثْلُ الدُّخَانِ فَنَادَاهُمْ بِالْأَمَانِ فَكَتَبَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَانًا.. كَتَبَهُ ابْنُ فُهَيْرَةَ «5» وَقِيلَ: أَبُو بَكْرٍ وَأَخْبَرَهُمْ بِالْأَخْبَارِ وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أن لا يَتْرُكَ أَحَدًا يَلْحَقُ بِهِمْ فَانْصَرَفَ يَقُولُ لِلنَّاسِ.. كفيتم ما هاهنا.
__________
(1) فساخت: بسين مهملة وخاء معجمة بمعنى فغاصت في الارض.
(2) الأزلام: جمع زلم بفتحتين ويضم وفتح بزنة عمر وهي قداح أي سهام لا ريش لها ولا فصل كانوا في الجاهلية يكتبون على بعضها أفعل وعلى بعضها لا أفعل ويضعونها في متاعهم اذا سافر واذا عرض لهم سهم أخرجوا منها زلما يتفاءلون به فيفعلون أو يتركون وهو معنى الاستقسام أي طلب ما قسم وقدر له.
(3) تقدمت ترجمته في ص «156» رقم «6» .
(4) سورة التوبة آية رقم «40» .
(5) هو عامر بن فهيرة مولى ابي بكر رضي الله تعالى عنه وهو من مولدي الازد مملوك للطفيل فاشتراه أبو بكر رضي الله تعالى عنه منه وأعتقه واسلم وكان يرعى غنما لأبي بكر رضي الله تعالى عنه ويهيء لهما كل ليلة في الغار اللبن يتغذيانه ثم هاجر معهما وشهد بدرا وأحدا وقتل ببئر معونة فلم يوجد جسده مع القتلى فيقال ان الملائكة دفنته وقيل رفعته الى السماء.

(1/687)


وَقِيلَ: بَلْ قَالَ لَهُمَا.. أَرَاكُمَا دَعَوْتُمَا عَلَيَّ فَادْعُوَا لِي فَنَجَا..
وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ ظُهُورُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي خَبَرٍ «1» آخَرَ أَنَّ رَاعِيًا عَرَفَ خَبَرَهُمَا فَخَرَجَ يَشْتَدُّ يُعْلِمُ قُرَيْشًا فَلَمَّا وَرَدَ مَكَّةَ ضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ فَمَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ وَأُنْسِيَ مَا خَرَجَ لَهُ.. حَتَّى رَجَعَ إِلَى مَوْضِعِهِ.
وَجَاءَهُ «2» - فيما ذكره ابن اسحق «3» وَغَيْرُهُ- أَبُو جَهْلٍ «4» بِصَخْرَةٍ وَهُوَ سَاجِدٌ.. وَقُرَيْشٌ يَنْظُرُونَ لِيَطْرَحَهَا عَلَيْهِ فَلَزِقَتْ بِيَدِهِ وَيَبِسَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ وَأَقْبَلَ يَرْجِعُ الْقَهْقَرَى إِلَى خَلْفِهِ.. ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ فَفَعَلَ فَانْطَلَقَتْ يَدَاهُ.. وَكَانَ قَدْ تَوَاعَدَ مَعَ قُرَيْشٍ بِذَلِكَ وحلف لئن رآه ليدفعنه «5» فَسَأَلُوهُ عَنْ شَأْنِهِ.. فَذَكَرَ أَنَّهُ عَرَضَ لِي دُونَهُ فَحْلٌ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ قَطُّ هَمَّ بِي أَنْ يَأْكُلَنِي.. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ لَوْ دَنَا لَأَخَذَهُ.
وَذَكَرَ «6» السَّمَرْقَنْدِيُّ «7» أَنَّ رَجُلًا «8» مِنْ بَنِي الْمُغِيرَةِ «9»
__________
(1) لم يعرف من رواه.
(2) كأبي نعيم في الدلائل عن ابن عباس والبيهقي
(3) تقدمت ترجمته في ص «73» رقم «7» .
(4) تقدمت ترجمته في ص «270» رقم «3» .
(5) أي ليصيبن دماغه وليهلكنه
(6) روى ابو نعيم في الدلائل عن ابن عباس بلفظ «أن ناسا من قريش قاموا ليأخذوه فاذا أيديهم مجموعة على أعناقهم وآذانهم عمي لا يبصرون فقالوا ننشدك الله والرحم فدعا حتى ذهب ذلك عنهم فنزلت «يسن» الى قوله «لا يؤمنون» .
(7) تقدمت ترجمته في ص «51» رقم «2» .
(8) قال البرهان: «لا أعرفه» وقال غيره انه الوليد بن المغيرة وقيل انه ابو جهل
(9) ابن عبد الله بن عمرو بن مخزوم جد أبي جهل.

(1/688)


أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْتُلَهُ فَطَمَسَ اللَّهُ عَلَى بَصَرِهِ فَلَمْ يَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ قَوْلَهُ.. فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى نَادَوْهُ وَذُكِرَ أَنَّ فِي هَاتَيْنِ الْقِصَّتَيْنِ نَزَلَتْ «إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا «1» » الآيتين.
ومن ذلك ما ذكره ابن اسحق «2» فِي قِصَّتِهِ إِذْ خَرَجَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ «3» فِي أَصْحَابِهِ.. فَجَلَسَ إِلَى جِدَارِ بَعْضِ آطَامِهِمْ «4» ..
فَانْبَعَثَ عَمْرُو بْنُ جِحَاشٍ «5» أَحَدُهُمْ لِيَطْرَحَ عَلَيْهِ رَحًى.. فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَعْلَمَهُمْ بِقِصَّتِهِمْ.
وَقَدْ قِيلَ إن قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ» «6» فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ نَزَلَتْ.
وَحَكَى «7» السَّمَرْقَنْدِيُّ أَنَّهُ خرج إلى بني النضير «8» يستعين في
__________
(1) «فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ، وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ» سورة يسن رقم 8- 9.
(2) تقدمت ترجمته في ص «73» رقم «7»
(3) بني قريظة: قبيلة من يهود خيبر.
(4) آطامهم: بالمد والطاء المهملة جمع أطم بفتحتين وهو الحصن هنا ويكون بمعنى البيت المربع والقصر.
(5) بفتح الجيم والحاء المهملة المشددة وآخره شين معجمة وهو من بني قريظة، قتل كافرا.
(6) سورة المائدة آية رقم (12) .
(7) كما رواه ابن سيد الناس وغيره من أصحاب السير.
(8) بني النضير: بنون مفتوحة وضاد معجمة مكسورة وهم قوم من يهود خيبر.

(1/689)


عَقْلِ «1» الْكِلَابِيَّيْنِ «2» اللَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو «3» بْنُ أُمَيَّةَ.. فَقَالَ لَهُ حُيَيُّ «4» بْنُ أَخْطَبَ اجْلِسْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ حَتَّى نُطْعِمَكَ وَنُعْطِيَكَ مَا سَأَلْتَنَا فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ «5» وَعُمَرَ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَتَوَامَرَ «7» حُيَيٌّ مَعَهُمْ عَلَى قَتْلِهِ.. فَأَعْلَمَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ..
فَقَامَ كَأَنَّهُ يُرِيدُ حَاجَتَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ.
وذكر أهل التفسير معنى الحديث «8» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «9» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ «10» وَعَدَ قُرَيْشًا.. لَئِنْ رَأَى مُحَمَّدًا يُصَلِّي لَيَطَأَنَّ رَقَبَتَهُ.. فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُوهُ فَأَقْبَلَ.. فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهُ وَلَّى هَارِبًا نَاكِصًا «11» عَلَى عَقِبَيْهِ «12» مُتَّقِيًا بيديه.. فسئل فقال: لما دنوت
__________
(1) عقل: مصدر عقل البعير يعقله إذا ربطه بالعقال المانع له من الحركة وأصل معنى العقل المنع ومنه العقل المعروف لمنعه عما لا يليق وسميت به دية المقتول لأنها كانت عند العرب إبلأ يسوقها القاتل نحوه.
(2) الكلابيين: أي في دية الاثنين من قبيلة بني كلاب بكسر أوله.
(3) هو عمرو بن أميه بن خويلد بن عبد الله بن اياس الصحابي الذي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبعثه في أموره وهو الذي ذهب للنجاشي بكتابه فأجابه وأسلم وزوجه أم حبيبة اسلم بعد أحد وشهد بئر معونة ومات بالمدينة في خلافة معاوية رضي الله تعالى عنه
(4) هو حيي بن أخطب من يهود بني النضير ومن رؤسائهم، والد صفية أم المؤمنين من الأشداء العتاة. كان ينعت بسيد الحاضر والبادي أدرك الاسلام وآذى المسلمين فأسروه يوم قريظة، ثم قتلوه.
(5) تقدمت ترجمته في ص «156» رقم «6»
(6) تقدمت ترجمته في ص «13» رقم «4»
(7) توامر: بفتح التاء الفوقية والواو ويقال بالهمز تفاعل من الأمر أي نظر كل في أمر الآخر والمراد به هنا المشاورة.
(8) رواه مسلم والنسائي.
(9) تقدمت ترجمته في ص «30» رقم «5» .
(10) تقدمت ترجمته في ص «27» رقم «3»
(11) ناكصا: متأخرا راجعا إلى الخلف.
(12) عقبيه: مثنى عقب مؤخر القدم.

(1/690)


مِنْهُ أَشْرَفْتُ عَلَى خَنْدَقٍ مَمْلُوءٍ نَارًا كِدْتُ أَهْوِي فِيهِ.. وَأَبْصَرْتُ هَوْلًا عَظِيمًا وَخَفْقَ أَجْنِحَةٍ قد ملأت الأرض.. فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ.. لَوْ دَنَا لَاخْتَطَفَتْهُ عُضْوًا عُضْوًا» ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى «1» ..» إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
وَيُرْوَى «2» أَنَّ شَيْبَةَ «3» بْنَ عُثْمَانَ الْحَجَبِيَّ أَدْرَكَهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ «4» وَكَانَ حَمْزَةُ «5» قَدْ قَتَلَ أَبَاهُ وَعَمَّهُ.. فَقَالَ: الْيَوْمَ أُدْرِكُ ثَأْرِي مِنْ مُحَمَّدٍ.. فَلَمَّا اخْتَلَطَ النَّاسُ أَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ، وَرَفَعَ سَيْفَهُ لِيَصُبَّهُ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ ارْتَفَعَ إِلَيَّ شُوَاظٌ «6» مِنْ نار أسرع من البرق..
__________
(1) سورة العلق آية رقم 7 وما بعدها.
(2) رواه ابو نعيم في الدلائل.
(3) هو شيبة بن عثمان الحجبي بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي الصحابي المشهور خادم الكعبة ومن بيده مفتاحها اسلم يوم الفتح وقيل يوم حنين ومات سنة تسع وخمسين واخرج له البخاري واحمد في مسنده وابو داود وترجمته معروفة.
(4) حنين: أي في غزوة حنين وحنين واد قريب من الطائف.
(5) حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، وأبو عمارة، من قريش: عم النبي صلّى الله عليه وسلم وأحد صناديد قريش وساداتهم في الجاهلية والاسلام. ولد ونشأ بمكة. وكان أعز قريش وأشدها شكيمة. ولما ظهر الاسلام تردد في اعتناقه، ثم علم أن أبا جهل تعرض للنبي صلّى الله عليه وسلم وقال منه فقصده حمزة وضربه وأظهر اسلامه، وهاجر حمزة مع النبي صلّى الله عليه وسلم إلى المدينة، وحضر وقعة بدر وغيرها قال المدائني: أول لواء عقده رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان لحمزة، وكان شعار حمزة في الحرب ريشة نعامة يضعها على صدره، ولما كان يوم بدر قاتل بسيفين وفعل الأفاعيل. وقتل يوم أحد فدفنه المسلمون في المدينة وانقرض عقبه.
(6) شواظ: بضم الشين المعجمة وتكسر. لهب.

(1/691)


فَوَلَّيْتُ هَارِبًا.. وَأَحَسَّ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَدَعَانِي فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي وَهُوَ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ.. فَمَا رَفَعَهَا إِلَّا وهو أحبّ الخلق إليّ وقال لي: اذن فَقَاتِلْ.. فَتَقَدَّمْتُ أَمَامَهُ أَضْرِبُ بِسَيْفِي وَأَقِيهِ بِنَفْسِي وَلَوْ لَقِيتُ أَبِي تِلْكَ السَّاعَةَ لَأَوْقَعْتُ بِهِ دونه.
وعن «1» فضالة «2» بن عمرو قال: أَرَدْتُ قَتْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ.. فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ قَالَ: أَفَضَالَةُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: مَا كُنْتَ تُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَكَ؟ .. قُلْتُ. لَا شَيْءَ.. فَضَحِكَ وَاسْتَغْفَرَ لِي.. وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي فسكن قلبي.. فو الله مَا رَفَعَهَا حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ.
وَمِنْ «3» مَشْهُورِ ذَلِكَ خَبَرُ عامر بن «4» الطفيل وأربد بن «5» قيس
__________
(1) رواه ابن اسحق وابن سيد الناس.
(2) ذكر ابن حجر في الاصابة أنه فضالة بن عمير بن الملوحي الليثي ولم يرد في ترجمته الاقصته يوم الفتح مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(3) رواه ابن اسحق والبيهقي بلا سند وابو نعيم في الدلائل مسندا إلى عروة.
(4) هو عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر العامري، من بني عامر بن صعصعة: فارس قومه، وأحد فتاك العرب وشعرائهم وساداتهم في الجاهلية. كنيته أبو علي، ولد ونشأ بنجد. وخاض المعارك الكثيرة وأدرك الاسلام شيخا، فوفد عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في المدينة بعد فتح مكة، يريد الغدر به، فلم يجرؤ عليه. فدعاه إلى الاسلام، فأشترط أن يجعل له نصف ثمار المدينة، وأن يجعله ولي الأمر من بعده؛ فرده؛ فعاد حنقا، فمات بطريقه قبل أن يبلغ قومه. وكان أعور أصيبت عينه في احدى وقائعه. عقيما لا يولد له. وهو ابن عم لبيد الشاعر.
(5) بفتح الهمزة وسكون الراء وهو أخو لبيد بن ربيعة لأمه ولبيد صحابي وكان أربد شاعرا أيضا بعث الله عليه صاعقة فأحرقته كافرا بالله سبحانه وتعالى وفيه نزل قوله تعالى «فيرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال» .

(1/692)


حِينَ وَفَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ عَامِرٌ قَالَ لَهُ: أَنَا أَشْغَلُ عَنْكَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ فَاضْرِبْهُ أَنْتَ.. فَلَمْ يَرَهُ فَعَلَ شَيْئًا.. فَلَمَّا كَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ لَهُ:
وَاللَّهِ مَا هَمَمْتُ أَنْ أَضْرِبَهُ إِلَّا وَجَدْتُكَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَفَأَضْرِبُكَ؟ ..
وَمِنْ «1» عِصْمَتِهِ لَهُ تَعَالَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْيَهُودِ وَالْكَهَنَةِ أَنْذَرُوا به لِقُرَيْشٍ وَأَخْبَرُوهُمْ بِسَطْوَتِهِ بِهِمْ وَحَضُّوهُمْ عَلَى قَتْلِهِ فَعَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى بَلَغَ فِيهِ أَمْرَهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ نَصْرُهُ بِالرُّعْبِ أَمَامَهُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ كما قال صلّى الله عليه وسلم..
__________
(1) كما ثبت في الصحيحين وفي مسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.

(1/693)